المجال الوطني

أين كانت وطنية الجيش العراقي؟

 

بعيدا عن ما يحدث الان من صولات بطولية يقوم بها الجيش العراقي، وبشهد لها كل العراقيين ومن كل التلاويين القومية والدينية، والتي مثار افتخارنا كلنا، سواء كانت هذه الصولات في صلاح الدين او الانبار او نينوى، فان ما يثار كر مرة حول وطنية مؤسسة الجيش العراقي منذ تأسيسة وبكل ذكرى تاسيسة التي اصطلح على الاحتفال بها في السادس من كانون الثاني من كل عام، هو امام محاولة تبيض ما او تزوير او حتى تشويه للوطنية العراقية، يجب ان يقف العراقيين تجاها بحذر وان يتم دراسة هذا التاريخ، تاريخ هذه المؤسسة المبوء بالمواقف الشوفينية وخضوعها للتوجهات العروبية ونحرها للوطنية العراقية. ان هذه الدراسة ان تم وضعها عراقيا، فانها قد تضع الاصبع على الجرح، وتؤدي الى بناء مؤسسة الجيش وطنيا، لن يتمكن اي متهور سياسيا من خداعها وجرها لاقتراف جرائم بحق العراقيين مستقبلا، انتصارا لتوجه سياسي معين.

الجيش هو المؤسسة، التي تحمي الوطن من اي اعتداء خارجي، ويمكن لها ان تتدخل في العمل الوطني الداخلي حينما يتعرض الوطن للكوارث البيئية كالفيضانات والحرائق الكبيرة مثلا. وعندما نقول مؤسسة تحمي الوطن، معناه انها تحمي كل مواطن في الوطن وتنظر اليه نفس النظرة. وعندمانقول ايضا تحمي الوطن، يجب ان تمتلك جراة للقول بلا في عملية ادخالها في اي مغامرة داخلية او خارجية، ليست لها علاقة بحماية الوطن. ويجب ان تكون قادرة على حماية الوطن من قيام اي مجموعة من الاشخاص من الاستيلاء على الحكم الدستوري وتغييره وتوجيه سياسيته بما يخدم ايديولوجية هذه الفئة.

تاريخ الجيش العراقي، ومرة اخرى بعيدا عن الحالة الراهنة، التي نتمنى ان تكون نقطة فاصلة عن تاريخ السابق، لا تبشر ولا تظهر الجيش العراقي في ثوب الوطنية ابدا. حينما تقدمت القوات التركية، واحتلت مناطق واسعة من شمال العراق وخصوصا مناطق فيقضاء راوندوز في بداية العشرينيات القرن العشرين، لم يتمكن هذا الجيش من الدفاع عن الوطن، فاستعان العراق بالقوات الاشورية المنضوية في الليفي الانكليزي، للقيام بالمهمة، ولكن اول عمل يذكر للجيش العراقي وتم وصفه بالبطولة ومنح قواده عليه الاوسمة، كانت مذبحة الاشوريين عام 1933، وجراء ما تم منحه والمديح الذي قدم له، قام الجيش باول انقلاب عسكري في الشرق الاوسط، حينما فرض قائده بكر صدقي حكومة تماشي ميوله السياسية عام 1936. هل نسى العراقيين، ادخال الجيش العراقي في معارك مع عشائر فرات الاوسط، وهل نسى العراقيين انقلاب العقداء الاربعة. وهل نسى العراقيين قيام الجيش بضرب بارزان والمناطق الشمالية في اربعينيات القرن الماضي بالطيران، وهل نسى العراقيين انقلاب 14 تموز 1958 ونتائجه الوخيمة العاقبة على العراق، بحيث تمكن الانقلاب، ورغم نيات زعيمه الصافية، من تحويل مسار التاريخ وتجميد التطور الديمقراطي والقانوني للبلد، من خلال فرض دستور مؤقت بقى مؤقتا لعقود طويلة. وهل نسى العراقيين قتال الجيش العراقي وجلبه الجيش السوري في ستينيات القرن العشرين للحركة الكوردية، وهل نسى العراقيين ما كان يقوم به هذا الجيش في الثمانينات من تدمير القرى في شمال الرعاق (اقليم كوردستان) والانفال. وهل نسى العراقيين قيام قطاعات كبيرة من الجيش تعدادها عشرات الالاف بالهروب امام داعش وتسليمهم لنينوى وما كانوا يمتلكون من الاسلحة والمعدات، من قام بكل هذه، انها مؤسسة بنيانها كان طائفيا وقوميا شوفينيا ولم يكن وطنيا البته.

والان لنعرف ماهي الحروب التي دخلها الجيش العراقي للدفاع عن التراب الوطني، سنجد ومع الاسف انه لم يدخل اي حرب للدفاع عن وحدة العراق و وحدة ترابه، الواجب المناطق به اساسا، بل دخل حرب مع الجارة ايران، وكل الدلائل تشير انه كان البادئ بهذه الحرب القذرة التي اخسرتنا مئات الالاف من القتلى والجرحى، دون اي مقابل، دون اي سبب منطقي، قيل لنا زين القوس وسيف سعد، اسمان لم نكن قد سمعنا بهما في العراق قبل هذه الحرب اللعينة، التي شتت عشرات الالوف من العراقيين الاخرين وتم تحت وطأتها تهجير الالاف الاخرى. هل كانت حرب الاستيلاء على الكويت، تلك الجارة الجنوبية، وحتى لو كانت لنا خلافات سياسية او اقتصادية معها، فهل كان هذا مبررا كافيا للحرب، وكلنا عرفنا وشاهدنا نتائجها المرعبة على الوحدة الوطنية وعلى تماسك اللحمة الوطينة، وارتفاع الخطاب الديني الطائفي. اي حرب دخلها الجيش العراقي وطنيا، لا حرب.

على ابناء شعبنا العراقي، ان يعوا وان يتخلصوا من الشعارات العاطفية، والتي لم نحصل منها الا على سرقة مافي جيوبنا، ومقتا ابناءنا، تدمير ممتلكاتنا، وزيادة سمك جدار الشك بيننا، ان اي مؤسسة لتكون في خدمة شعبنا، كله، يجب ان تعمل لاجل تقدمه وتطوره، ولاجل ترسيخ قيم المساواة بين ابناءه، وان يتم تقديس قيم الحريات فيه، وان تكون هناك علاقة واضحة وصحيحة بين كل موسساته. لا اعلم ماذا سيقول من يقدس مؤسسة الجيش العراقي لابناء حلبجة كمثال، ان التبريرات لن تفيد اي احد، كان على هذا الجيش ان يكون حريصا على المواطنين اكثر من الاخرين، ولكن التجارب الحقيقة اظهرته، وكان بعض المواطنين ولا سباب قومية او دينية او طائفيه هم اعداءه.

ان قبول الجيش الخضوع لسلطة غير دستورية، وعدم رفض اوامرها، وبالتالي الطلب منها التنحي، والعودة الى المسار الدستوري، هو بعينه جريمة لا تغتفر بحق الوطن، فكيف اذا كان هذا الجيش قد شارك في الاستيلاء على السلطة؟

تحياتي لكل جندي عراقي باسل يقاتل داعش وكل المنظمات الارهابية، وستبقى مطالبي كعراقي، ان ارى مؤسسة عراقية بحق، تعمل لحماية العراقيين كلهم.

 

رسالة عراقية

 

ان نقول بعدم وجود فساد في مفاصل الدولة العراقية من اقصى شمالها الى اقصى جنوبها، باعتقادي هو قول كاذب تفضحه الوقائع الظاهرة للعيان، والحقيقة ان الفساد مستشري كثيرا. ولكن الكلام عن الفساد حاليا يتصف بانه ينطبق عليه ما ردده حكام مصر قبل ثورة يناير، دعهم يتكلمون وافعل ما شئت. والحقيقة ان الفساد والدكتاتورية كانا دوما موجودان في الحياة السياسية للعراق منذ تأسيسه كبلد عام 1921. وبعد انقلاب 1958 ومع زيادة مشاكله وبدء الحرب المستمرة من ذاك التاريخ وبالتحديد منذ 11 ايلول 1961، والفلتان الامني والصراع السياسي، بداء عمليات تجاوز القانون تحدث علنا، ولكن غالبا تم اديلجة الفساد ومن اهم انواعه تجاوز القانون، دفاعا عن العروبة والاسلام. واليوم هناك حالة لم تكن مطروقة ساباقا بسبب الدكتاتورية ، لها اوجه في الحياة ابان الحكم الملكي، من حيث حرية النقد ونشر الاتهام ضد الطبقة السياسية من ناحية، والحياة في الفترة الجمهورية والى سقوط صدام، من حيث القدرة على تجاوز القانون او تبرير الجريمة ايديولوجيا. فالتكلم او نقد مع استشراء الفساد، لن يكون هو الحل، انه تسليط الضؤ على حال، دون ان يكون هناك علاج حقيقي، او ان ما يطرح من الحلول للعلاج، سيؤدي اما الى تفتيت الدولة او حروب لا نهاية لها.

اليوم الطبقة الحاكمة، باستثناء بعض الاخوة الشيوعيين، وبعض ممثلي الاقليات مثل الكلدان السريان الاشوريين والصابئة والازيدية، متهمة بالفساد والسرقة وحسم الخلافات السياسية بالقوة او القتل او الترهيب. ولكن هذه الاتهامات التي يتم نشرها واعلانها، واحيانا مع المبالغ الطائلة التي تمكن كل سياسي من الاستيلاء عليها، وغالبا بمبالغات خيالية. لا تقدم بديلا حقيقيا عن الوضع الحالي، فعند الانتخابات سيحسم الخوف من الاخر النتيجة، فالاغلبية الشيعية ستنتخب من يدافع عن الشيعة كمكون معزول عن الاخرين وهكذا بالنسبة للسنة وللكورد. والسبب ان البلد لا يحكمه القانون، او انه اصلا بلا قوانين كثيرة تحكم الممارسة السياسية وتخضعها للقانون وليس للاجتهاد. ان الطائفية السياسية التي كثرة الحديث عنها، لا تعالج بالدعاء والمطالبة، بل بوضع العلاج الحقيقي للمخاوف من الاخر. واذا كان المحرك السياسي الاول هوالخوف، فالعلاج لحالة الاندماج الوطني لا يكون بالفرض، حينما تضع بعض الاطراف تصورا ما للوطن، وتحاول فرضه. بل بالاتفاق التام على ماهو الوطن، وماهي القوانين التي تسيره والاليات التي تتحكم في هذا التسيير. واذا قال احدهم ان الدستور موجود، نقول ان الدستور العراقي حالة حال القران الكريم حمال اوجه، يراد تفسير موحد.&

ولان التجربة القانونية فقيرة في العراق، وليس هناك مؤسسات ذات مصداقية لكي تحكم في الخلافات السياسية، فالحل كان لدى غالبية الاحزاب السياسية هو نحو التشكيك في ذمة الاخر والتسيقيط السياسي، دون الاستناد الى اي حقائق موضوعية او اثباتات دامغة. ولعل من اوائل من عمل بها سابقا وفي العهد الملكي، الحزب الشيوعي العراقي، الذي حكم بفساد الطبقة السياسية كلها، وان لا علاج الا بمجئ حزب العمال والكادحيين او تطبيق الدكتاتورية البروليتارية. ولكن حتى ذكر العلاج هنا، هو حل هلامي وليس حقيقي، وبالحقيقة ان تجربة الاحزاب الشيوعية في الدول التي طبق حكمهم فيها، اثبتت ان الحزب الشيوعي وان دعى بالديمقراطية الشعبية، ولكنه بالحقيقة حصر الحكم في يد شخص السكرتير العام للحزب الشيوعي في كل بلد، في تقليد لما مارسه ستالين. مما ساعد على انتشار الفساد بانواعه وكان التملق اهمه. و لمعالجة التجاوزات القانونية بمحتلف انواعها، وعدم هدر ثروة العراق وعدم ترك متجاوز يتمتع بما تجاوز عليه، وعدم ترك ظلم اقترف ضد احد، يجب ان يكون لدينا شعارا نعم للعراق، ولكن بوضع النقاط على الاحرف وتحديد من اقترف التجاوز وكيف وكم. وبعد ذلك معاقبته بما يستحقه. ولكن ما يجري الان حقا هو اشاعة اليأس من وجود انسان نزيه في العرق، فالكل وحسب الاعلام الرائج في الفساد سواء.

اليوم تعم المظاهرات والاضرابات في جنوب وبعض وسط العراق، والكل يطالب بانصافه، فمن يريد راتب الارامل ومن يريد راتب لانه مسجون سياسيا، والاخر لانه كان عسكريا، وغيره لانه معاق، او غير متمكن، وهناك تفاصيل في هذا ايضا، بجيث تم تخصيص رواتب لمن كان موجودا في الرفحاء في السعودية وكان لهم خصوصية اخرى. ومع تعاطفنا مع الكل، ولكن باعتقادي، ان الحلول لن تكون بما تم سلقه من قوانين مستعجلة وغير سوية وفيها مجال كبير للفساد والاثراء، على حساب &الدولة ومواطنين اخرين ليست لديهم قوة الدفاع عن الذات، اما لكونهم غير مسنودين او لانهم &من المهمشين كابناء الاقليات. والحل مرة اخرى ليس بسلق برامج او مشاريع كاذبة فقط لامتصاص النقمة او لكسب الاصوات. بل العودة الى العقل في معالجة الامور والحوار البناء، من خلال طرح البدائل التي يمكن ان تحقق للبلد تنمية مستدامة ويتم تشغيل الايدي العاملة منها ايضا. فما يطرح في هذه التظاهرات حقا ليس امرا واقعيا يمكن الاتكال عليه، بانه حل لمشكلة البلد. فبعض المظاهرات تطالب بحل مجلس النواب وحل مجلس الوزراء واستقالة رئيس الجمهورية، في دعوة غير معلنة لاعلان، عدم وجود شرعية في البلد، وفسح المجال للحرب الاهلية وحرب الاحزاب والتنظيمات المختلفة بعضها مع البعض.&

المشكلة تبدأ من الاحزاب التي يجب ان تبنى على اسس وطنية حقا، بما يعني ان يكون هناك شعور عام ان ما يمتلكه العراق يعود لكل العراقيين، وان تصاغ القوانين ليستفاد كل عراقي منها بغض النظر عن انتماءاته السياسية والمذهبية والقومية. يجب ان يتم توعية كل اعضاء الاحزاب ان بقية الاحزاب المتواجدة على ارض العراق وتعمل في الشعب، هي احزاب وطنية ولها رؤي اخرى للوطن او لتطبيق القانون او لتوزيع الدخل. وليس كل مخالف عدو مع وقف التنفيذ، اي لحين امتلاك القومة ومن ثم التهام الجميع. ندرك من التجارب الديمقراطية، ان الاحزاب بعد ان تعمل في اطار ديمقراطي وفي اجواء من الحريات الواسعة، ستجد نفسها تتقارب في البرامج السياسية، لحد ان التمايزات تبقى في توزيع الدخل من الضريبة وكيفية تطبيقها. ولكن مشكلة العراق ان احزابه لا تزال تحمل الايديولوجية الانقاذية. بمعنى ان كل حزب لا يزال يعتقد انه اتى لكي ينقذ ليس فقط الشعب العراقي، بل كل المسلمين الشيعة، وبعصهم يتوسع كل المسلمين قاطبة وغيرهم لانقاذ العروبة، وهناك من& يطرح نفسه لينقذ العالم كله. مع ان هذ الاحزاب قد اتت الى السلطة بفعل عمل سلطة قوية عالمية، قررت معاقبة النظام السابق، لكونه بؤرة عدم الاستقرار في المنطقة. ومن هنا يجب ان يضم قانون الاحزاب بعض الفقرات التي يجب ان تلتزم كل الاحزاب بها، وتتوافق مع الدستور النافذ. مثل الاقرار بالمساواة بين الجنسين، الاقرار بمالمساواة بين مختلف الافراد بغض النظر عن الدين والمذهب واللغة واللون. الاقرار بتقسيم السلطات واستقلاليتها، واحترام حرية الاعلام والحريات الفردية المختلفة. الاقرار بان الحزب هو عراقي ويعمل للعراق وابناءه فقط. وكل حزب لا تتوفر فيه مثل هذه القيم يتم سحب رخصة عمله ويعتبر غير شرعي.

من الصعوبة بمكان طرح حلول سريعة وجاهزة وكاملة للمشكلة العراقية، ولكن بالتاكيد يمكن التطرق الى بعض رؤس النقاط التي قد يؤدي النقاش حولها الى ايجاد مخارج لحلول، لها ديمومة واستمرارية، يمكن من خلالها بناء التجربة السياسية، وبنية قانونية راسخة، يتم قيادة البلدة في اطارها، نحو التطور والتقدم والاستقرار السياسي، بما يعني عدم حدوث هزات تؤثر على وحدته الوطنية.

اولا_ ما ان ينعقد المجلس النيابي الجديد، يجب ان تكون احد اولياته، هي تشكيل لجنة نيابية تمثل جميع الاطراف، تكون غايتها وضع تصور لقانون انتخابي ينصف الجميع، ويعمل به في الانتخابات القادمة او التي تليها. التصور القانوني يجب ان يطرح للشعب وان يناقش من مختلف الاطراف وان تؤخذ مختلف الاراء في الحسبان. ويجب ان ينهي العمل به على الاقل في السنتين الاوليتين من عمر المجلس الحالي، لكي لا يتم استغلاله لغايات انتخابية.

ثانيا_ على المجلس النيابي المسارعة في فتح النقاش والحوار لاجل وضع القوانين اللازمة لاقامة المؤسسات الاتحادية ومنها المجلس الاتحادي وصلاحياته ووضع ضوابط لكي لا تستشط الغالبية في المجلس النيابي، بما يخل بالتوازن القومي والديني والمناطقي في العراق.

ثالثا_ بما ان احزابنا لا تزال ايديولوجية المنشاء،وانقاذية الهدف، وبما ان هناك انقسام قومي ومذهبي في العراق ولاتزال اثار السنوات الماضية في البال، بما يعني عدم وجود ثقة من كل طرف، بالتوجهات الاخرى، فانه يجب الادراك ان العمل بالمشاركة في ادارة الدولة امر لا يزال مطلوبا. لحين استقرار القوانين الاتحادية، ويظهر فيها دور كل طرف في القرار الوطني.&

رابعا_ لا ازال مقتنعا بضرورة انشاء هيئة استشارية وطنية غير منتخبة (على الاقل لحين اقامة المجلس الاتحادي)، من شخصيات وطنية عراقية عابرة للتوجهات القومية والدينية، لحسم او لابداء الرأي في الخلافات بين مختلف الاطراف الوطنية، والعمل على صياغة مشاريع قوانين وطنية يتفق الجميع حولها. بالاقناع وبالحوار وبالنقاش.&

خامسا_ عدم المساومة حول مسألة الحريات الفردية، تحت اي حجة، لانه بدون الحريات الفردية لن نخلق الانسان الحر والقوي والمؤمن بالوطن. الوطن هو لاجل كل ابناءه وليس للدفاع عن دين او مذهب اوقومية معينة.&

سادسا_ عدم الذهاب بعيدا، وتجريد البلد من السلطات الشرعية، مما سيوقع البلد في الفراغ والنتائج الوخيمة العاقبة التي لا يمكن التنبوء بها. ان تطوير المؤسسات من داخلها وان كان بطيئا بعض الشئء، الا انه افضل حل من ترك البلد لمن هو اقوى، وبالتالي تسليم قراره للدول الجارة او الابعد.

سابعا_ يجب وضع كل من الارامل والايتام، والغير المتمكنين والمعاقين والعاطلين لاي سبب ، تحت بند قانوني واحد، وهو المعونات الاجتماعية التي يجب ان توفي الحد الادنى من متطلبات الفرد، الايجار، الاكل المشرب الماء الكهرباء وسائل المواصلات، والغاء تضارب القوانين المختلفة، بحيث ان البعض يمكن ان يتمتع باكثر من راتب ولا يزال يطالب والاخرين بلا اي مساعدة.&

ثامنا_ الغاء قرارات توزيع اراضي الدولة لاي شخص ومهما كانت مهمته او مسؤوليته او تضحياته، ان الاراض هي ملك للدولة تستفاد منها، باقامة مشاريع السكن العمومي او التي تؤجر بشكل منخفض، او لاقامة المشاريع الاقتصادية المختلفة.

تاسعا_ الادراك التام ان عملية بناء البنية التحتية لن تتحقق بين ليلة وضحاها، وهذا يجب ان يكون خطابا موجها للجميع، ولكن يجب ان تكون هناك مراقبة تامة للحكومة واجهزتها والسلطة التشريعية والقضائية ومحاسبتها على الاقل اعلاميا، حينما يشعر اي طرف بان هذه السلطات لا تقوم بواجبها على اتم الصور.&

عاشرا_ يجب سن قوانين رادعة لوقف الارهاب بكل انواعه، وتحقيق العدالة لضحاياه، لا بل الاحتفاء بهولاء الضحايا، باعتبارهم مواطنين لقوا الظلم والاضطهاد، لحملهم هوية مغايرة. والعمل بكل الطرق، لافهام الاجيال الجديدة ان غنى العراق هو في تعدد مكوناته، وان هذه المكونات قدمت الكثير للعراق، واطلاع كل العراقيين على اعتقادات ونتاجات ابناء هذه المكونات، والتأكيد على قيمة الانسان.

الحادي عشر_ لا يحق لاي طرف، اصدار احكام او فتاوي او تكفير على اي عراقي او اي انسان، لاسباب دينية اوقومية او مذهبية، يتم الادراك من انه سيعرضه لاذي جسدي او معنوي، ان السلطة القضائية هي المخولة فقط في اصدار الاحكام القضائية بما فيها العقوبات الردعية وحسب القوانين المرعية، والتي يجب ان تراعي ميثاق حقوق الانسان وتراعي الدستور الساري.

 

نشرت المقال ادناهعام 1999 في جريدة قويامن الناطقة باسم الحزب الوطني الاشوري

 

هل المؤسسة العسكرية العراقية مؤسسة وطنية ..؟؟

تيري (نرسي) بيث كنو

 برغم كل المآسي التي لحقت بالعراق وطنا وشعبا والتي أتت أغلبها من ممارسات المؤسسة العسكرية العراقية وريثة التقاليد العثمانية، لايزال البعض يتشدق بوطنية المؤسسة العسكرية التي أذاقتنا الأمرين، ولكي لا افهم خطأ أراني ملزما أن أوضح بأنه لا اعني كل المنتسبين إلى هذه المؤسسة بل أتهم القيادات العليا والمتنفذة فيها، فالمؤسسة العسكرية تضم مختلف أبناء العراق في صفوفها وخصوصا المكلفين والذين لا حول لهم ولا قوة، ولكن القيادات العليا في هذه المؤسسة ظلت باستمرار في يد حفنة من معتنقي الأفكار الشوفينية أو أطاعت برضاها القيادات السياسية الشوفينية ونفذت سياساتها دون أن يكون لديها أي رادع من ضمير أو حس إنساني أو وطني.

فاول عمل بطولي!! نفذته هذه المؤسسة (والتي يمتلئ سجلها بمثلها العديد) كان قيادتها ومباشرتها في تنفيذ مذبحة سميل المروعة والتي راح ضحيتها الآلاف من أبناء الشعب العراقي من الآشوريين، فهذه المؤسسة بدأت بالتدخل في السياسة الداخلية متأثرة بالمد الفاشي والنازي في الثلاثينات من هذا القرن، لا بل دعمت بعض الشخصيات العنصرية رافعوا الشعارات العروبية مثل رشيد عالي الكيلاني ورهطه، كما إنها شاركت في عمليات الأنفال ونفذت سياسة الحكم بضرب شعبها بالأسلحة الفتاكة مرورا بقنابل النابالم المحرقة والأسلحة الانشطارية

انتهاءا بالقنابل الكيماوية في حلبجة وفي بعض مناطق برواري بالا، أما عن مشاركتها في الانقلابات المختلفة وخصوصا في الانقلاب البعثي الأول والذي أرعب العراقيين فحدث ولا حرج !! فبأي مقياس يتم قياس وطنية هذه المؤسسة التي تستغل امتلاكها للقوة لكي تقوم بكل هذه الممارسات المشينة..؟؟، إنها مؤسسة لم تتمكن من أن تخلق لنفسها أية معايير وطنية ثابتة، فكانت على الدوام ألعوبة في أيدي السياسيين الطامحين إلى السلطات المطلقة كي يتحكموا برقاب الشعب (والذي تدعي هذه المؤسسة إنها جاءت للدفاع عنه)، حتى الحروب التي دخلتها هذه المؤسسة ضد ما اصطلح على تسميته بعدوان خارجي، فإما أنها كانت حرب عدوانية مثل الحرب العراقية الإيرانية أو حرب احتلال كما حدث للكويت، أما عن مشاركتها في الحروب العربية ضد إسرائيل، فلم تكن أبدا طرفا أساسيا بل كانت مشاركاتها إما رمزية أو جاءت في نهاية المطاف !! فكل هذه المشاركات نفذت سياسات المتسلطين واستعملت للدعاية لهم باظهارهم كأبطال للعروبة دون أن يجني العراق من هذه المشاركات شيئا..

إن مقياس وطنية أي مؤسسة يجب أن يكون في ما تقدمه من خدمة للوطن والشعب، أن تكون محايدة في نظرتها لكل أبناء العراق القائمين بواجباتهم المطلوبة منهم كمواطنين، فهل كانت هذه المؤسسة تتصرف في الماضي والحاضر ضمن هذا السياق..؟؟ أليست الأمثلة السابقة بكافية كي ندين هذه المؤسسة والفكر الذي يوجهها..؟؟ وعلى أي أساس لا يزال البعض يضع فيها ثقته؟ هل انتظارا لفارس شهم يقود دبابته ويدك بها القصر الجمهوري بمن فيه ويخلصنا من صدام وزبانيته..؟ ألم يأتنا الكثير من أمثال هذا الضابط مدعي الشهامة والمروءة وما كانت النتيجة..؟

صحيح هو الرأي القائل بأن على المؤسسة العسكرية أن تأتمر بأمر القيادة السياسية، ولكن أي قيادة سياسية؟ هل القيادة التي تراها المؤسسة العسكرية تقوم بذبح أبناء وأخوة المنتسبين إليها لا لسبب غير اختلاف الرؤى..؟ إن هذه المقولة تكون صحيحة عندما تكون القيادة السياسية تلك منتخبة من الشعب..!! وان تحرم المؤسسة على نفسها التدخل في حسم الخلافات الداخلية، وأن تقف على مسافة واحدة من مختلف الفرقاء، فهل مارست المؤسسة العسكرية العراقية هذا الأمر..؟

إن المطلوب اليوم ليس التشدق بالمؤسسة العسكرية، بل المطلوب نقد وتصحيح كل مواقع الخلل والتي أوصلتنا إلى ما نحن عليه اليوم، ولكي يكون لنا وطنا مستقرا علينا أن نبني مؤسسات وطنية عراقية وليس توابع لإيديولوجيات سياسية أو قيادات سياسية حمقاء!!.

 

النظام الانتخابي في العراق، وضرورة تمثيل القوميات العراقية

 

في لقاء أجرته صحيفة طريق الشعب، مع الاستاذ حميد مجيد موسى، سكرتير الحزب الشيوعي العراقي، وعضو مجلس الحكم الانتقالي، ورئيس لجنة الانتخابات في المجلس المذكور. يقول السيد حميد مجيد موسى، انه تم الاتفاق على الاخذ بنظام التمثيل النسبي، واعتبار العراق دائرة انتخابية واحدة، لكي يضمن للأقليات القومية والدينية والعشائر ايصال ممثيلها الى البرلمان المنتخب. بالطبع التمثيل النسبي يعني توزيع عدد المقاعد حسب النسبة التي سيحصل عليها اي حزب، فالحزب الذي يحصل على 25% من اصوات العراقيين سيحصل على 25% من عدد اعضاء البرلمان، علما ان السيد موسى لم يتطرق في مقابلته، ما هي النسبة التي يجب ان يحصل عليها اي حزب او قائمة او شخص ليكون مؤهلا لدخول البرلمان، فبعض الدول تحدد النسبة 5% والبعض الاخر اقل او اكثر.

وبافتراضنا حسن النية، وهذا متوفر للسيد موسى، فانه شخص ناضل سنين طويلة ضد نظام صدام البعث الفاشي، كما انه لا يحسب على الاحزاب القومية المتعصبة ولا على الاحزاب الطائفية او الدينية. فالشخص وطني غيور لا غبار عليه. الا اننا نقول بافتراض حسن نية مقرر الاقتراح، فاننا نتوقع ان يزيل هذا النظام الانتخابي اي تمثيل أو وجود لتمثيل الأقليات القومية او الدينية.

والاسباب التي تحدو بنا الى هذا القول، منطقية، فالقوميات القلية العدد قياسا بالعرب والاكراد، هي جزء من النسيج العراقي، اي انها تتصف بصفات هذا النسيج من الانقسام والتشرذم، فمثلا،. ان الانقسام المذهبي لدى الاشوريين، وانقسامهم السياسي، يجعلهم شراذم لا حول لها ولا قوة،. وبافتراض ان الاشوريين سيصوتون لقوائمهم والتي نتوقع ان تكون كثيرة، فان اكبر القوائم قد لا تحصل على مئة الف صوت، وهذا تضخيم من عندي، وبافتراض ان عدد سكان العراق هو بحدود 25. مليون شخص، علما ان البعض يقدره ب26 مليون، فأن اكبر قائمة اشورية ستحصل على نصف بالمائة من الاصوات، فلا اعتقد انه سيكون هنالك نصف عضو اشوري والنصف الاخر نكمله بالاخوة الصابئة او التركمان او الشبك مثلا.

المعادلة لحل هذه الاشكالية طرحها الحزب الوطني الاشوري، تحت عنوان رؤية اشورية لمستقبل العراق الموحد. وكانت حلا ديموقراطيا لاشكالية تمثيل القوميات وللطوائف العراقية. الا ان المؤسف انها لم تأخذ دورها الحقيقي من النقاش، الجاد.

الرؤية تستند على على حقيقة موضوعية هي كما ان البشر متساوون بالرغم عن الجنس واللون والدين واللغة، وهذه المسألة متفق عليها قانونيا واخلاقيا، بحيث لا ينكرها الا المتعصب والشوفيني،. فالشعوب ايضا تتساوي حقوقها، ولا تتأثر باعددها، فمهما كان عدد سكان اي شعب يتساوى مع شعب اخر يفوقه باضعاف، ولكي لا يكون هنالك غبن ما يحيق بالشعوب الاكثر عددا، فقد طرحت الرؤية ميزان عادل لتحقيق التمثيل لكل الوان الطيف العراقي، بشكل يوازن بين الحق، وكثرة العدد،. وهذا الميزان كان باقتراح اقامة مجلسين للتشريع، اوله المجلس الوطني، وتتمثل كل قومية او طائفة دينية بحسب نسبتها السكانية من مجموع عدد سكان العراق،. اما المجلس الاخر ولنطلق عليه مجلس الشيوخ، فان كل قومية تتمثل بعدد متساوي من الاعضاء بغض النظر عن عدد المنتمين اليها. ولنفترض اننا قررنا ان يكون العدد عشرة، فيحق للعرب عشرة، وللاكراد والاشوريين والتركمان، نفس العدد. كما تكون نسبة تمثيل الشبك والصابئة واليزيدية و الكاكائية، بعدد يعادل نصف عدد تمثيل القوميات باعتبارها تشترك في الانتنماء القومي مع احدى القوميات العراقية وان اختلف دينيا او بالعكس. كما ان التنافس على المقاعد، في كلا المجلسين يكون محصورا بابناء القومية الواحدة. وتكون صلاحيات المجلسين متوازنة، بحيث لا يسرى اي قانون ما لم يتم المصادقة عليه من قبل المجلسين، كما انه في حالة تغيير الدستور يحق لاكثرية ممثلي احد القوميات استعمال حق النقض ضد اي تعديل دستوري، وكل ذلك لخلق التوازن بين الاقليات والاكثرية.

ان قلة عدد ابناء بعض الاقليات لم يكن خيارها، فعلى الاقل وحسب معرفتي البسيطة بالتاريخ، تعرض الاشوريين وبسبب انتمائهم الديني وكذالك اليزيدية الى عشرات المذابح الكبيرة التي اخلت مناطق واسعة منهم. وهذا فقط خلال القرنين المنصرمين، وبايادي جيرانهم. فالمنطق والعدالة الانسانية تستدعي انصافهم بعد كل المعاناة التي لا يزالون يعانونها بسبب انتماءاتهم الدينية والقومية. وكلنا سمع المصائب التي تحيق بالمسيحيين والصابئة واليزيدية في الاونة الاخير، من القتل والخطف والتهديد.

ان ميزة هذا الطرح، انه لا يغبن اي طرف، ويعطي لكل ذي حق حقه، ومن ناحية اخرى ان الطرح اعلاه، يساعد على اطفاء الصراعات القومية،. ويخلق قاعدة قانونية قوية، تستند على الحوار والاقناع. فالصراع سيتمحور بين المدارس الاقتصادية، او بالأحرى سيكون محوره الاساسي حول كيفية توزيع الدخل، وبالتالي سيكون هنالك اصطفاف يساري يضم كل الوان الشعب العراقي، مقابل اصطفاف يمني، او وسط، او غيرها من التقسيمات السياسية مكون من كل الوان الشعب العراقي ايضا.

ان خلق شعب موحد، وحالة سلمية مستديمة، لن يكون بفرض الاكثريات رؤيتها بل بالمشاركة الفعالة من قبل الجميع في بناء الوطن، وعلى أسس وقيم انسانية مشتركة.

18 حزيران 2005

الدستور بين نعم ولا

 

نشرت عنكاوا دوت كوم نقلا عن اذاعة العراق الحر من مراسلها في دهوك: عن مقابلة مع مسؤول زوعاوي، ان الحركة الديمقراطية الاشورية تدعو الى رفض الدستور: وطبعا وكالعادة يروجون لما قالوه وقلناه قبلهم ومعهم وبعدهم، من ان الدستور يغبن شعبنا في امور كثيرة ومنها عدم ذكر دوره التأسيسي للعراق وحضارته: علمان ان العراق لا يملك الا هذا العمق التاريخي الوطني الحقيقي: ولا يذكر دور العراقيين في الفترة المسيحية وهي فترة تطور ثقافي وعلمي وحضاري لا يستهان بها.  بل هي التي هيأت  القاعدة الاقتصادية والعلمية للمسلمين للبروز، وبمجرد ضمور دور شعبنا في الحضارة التي سميت الاسلامية ضمر دور هذه الحضارة، وانني شخصيا ذكرت مرارا ان هنالك الف سنة من التاريخ العراقي يتم نسيانها.

كما يستند الزوعاويون في رفضهم للدستور بسبب تقسيم شعبنا الى شعبين في المادة (121) حينما تذكر الكلدان والاشوريين اي منفصلين بواو العطف. والان لهم رنة جديدة تقول لتجاهل الدستور ذكر التسمية السريانية من بين اسماء شعبنا، ولكنهم لم يوضحوا هل كانوا يفضلونها بواو أم من دون واو.

لنقر بحق كل شخص في ان يقول رأيه في الدستور،. وانا من القائلين ان الدستور بحلته الحالية هو دستور رجعي وغير مهيأ ليواجه اعباء المستقبل،. كما ان فيه تناقضات كثيرة خصوصا في حقل الحريات التي تتناقض مع الشريعة الاسلامية او ثوابتها على الاقل. ولقد حاول الحزب الوطني معالجتها في رسالته الى لجنة صياغة الدستور. ولكن لم يكن لنداءنا اذان صاغية، وكان من ضمن المعالجات تأكيدنا على اننا شعب واحد.

كان لدينا في لجنة صياغة الدستور كل من السيد نوري بطرس عطو والسيد يونادم يوسف كنا، كان من المفترض بهما ان يطلعا الشعب واحزابه على التوجهات الجارية في لجنة صياغة الدستور. فهل فعلا؟  هل ايدنا اي منهم، عندما قلنا لا وعيب للعرائض التي انهالت على لجنة صياغة الدستور؟ ام ان لاحدهم دورا في استفحالها،؟ هل يمكن لزوعا ان يقول لنا ما هي الصيغة أو الاراء التي قدمها الى لجنة صياغة الدستور؟ ولماذا لم يتم نشرها لكي يطلع عليها ابناء شعبنا ليتأكد من مصداقيتهم،؟ لماذا لم يدع السيد كنا او السيد عطو الى اجتماع للاحزاب والمنظمات الفاعلة عندما رأيا الخلل الذي يراد تمريره في الدستور؟ ولماذا سكتا لحين وقوع الفأس في الرأس؟ وهل يعتقد الزوعا وقائده الهمام ان الشعب هم قطيع ابقار؟ لا تفكر الا بما يريدوه، نقول اننا لسنا من فاقدي الذاكرة ايها السادة.

ما الذي سنجنيه من قولنا لا للدستور الحالي والذي نقر بأنه حقا يحمل مواد لا نستسيغها ولا نعتقد بانها تجاري العصر ناهيك عن تسمية شعبنا، التي هي من صنع ايادينا، وبالاخص يد السيد يونادم كنا والذي يجب ان لا يتم مسامحته على ما اقترفه للوصول الى هذه النتيجة البائسة.

ان معارضة حوالي ثمانية الآف شخص قد يقولون لا لن يؤثر في اي نتيجة للدستور. ولا اعتقد ان للزوعا القدرة على جلب اكثر من هذا العدد. اذا اخرجنا حوالي ثمانية عشر الف من اصوات المهحر، وثمانية الاف من الذين ادركوا انخداعهم بزوعا وطروحاته. اذا زوعا لا يطرح الامر ليحسم موقفا او ليحسم هل الدستور سيقبل ام لا،. بل ليقول انني اتخذت موقفا. ولكن هذا الموقف هو بالضد من موقف امينه العام في اللجنة الدستورية، التي ظل ساكتا فيها ولم ينطق ببنت شفة، اذا قول لا التي يدعو لها الزوعا هي محاولة اظهاره وكأن له موقف ليس الا.

ولكن وطنياً ما الذي يعنيه رفض هذه المسودة. ان رفض المسودة يعني اول ما يعنيه اننا ندعو الى ان يخطوا شعبنا خطوة في المجهول خطوة في الهواء. فهل هذا دور الاحزاب ام ان واجب الاحزاب هو دعوة شعوبها للخطو الى الامام بخطوات معلومة ومحسومة النتائج. وماذا يعني ان نخطوا الى المجهول؟ معنى ذلك ان نخطوا الى حرب اهلية لا سمح الله.  سيكون شعبنا الاشوري (الكلداني السرياني) اول ضحاياها، وذلك لاسباب باتت الجميع يعرفها ويدركها بشكل تام،. ومعنى ان نقول لا،  اننا نمنح مصداقية للارهاب والارهابيين في ان يكون لهم دور في تقرير مصير البلد. وكلكم يدرك ماذا يرغب الارهاب والارهابيين، وان لم يكن يدرك فالذبح امامكم ماثل وحكومة طالبان وتجربتها امامكم لتعرفوا ما يعني حكم الارهاب والمتزمتين.  ورفضنا للدستور يعني اننا وبطريقة غير مباشرة نتحالف مع اشد القوى الظلامية وقتامة في تاريخ الانسانية، ولا ادري ما المنافع التي سنجنيها من ذلك، فهل للسادة في الزوعا ان ينوروها لنا؟

هل مطالبة زوعا لانصاره برفض الدستور او بالقول لا، مبررة ومقرونة بالبدائل أم هو تسويق النفس كقوة لها وزن بعد ان علم الكل انها بالون منفوخ لا اكثر. وليتحمل الشعب النتائج المأساوية للفراغ الامني والسياسي والادراي الذي قد يلي رفض مسودة الدستور. وهذا ما تعلمناه ماضيا من هذه المجموعة السياسية التي لم تعمل الا بما هو قصير النظر والذي لا يتعدى بعده عن أنفها، لانها لا ترى ابعد من ذلك.

ان الاقرار بمساوئ مسودة الدستور، لا يعني اننا يجب ان نصوت بلا عليه، لان الدستور يمنح للجمعية الوطنية الية تعديله. وعليه فاننا وكل العراقيين الشرفاء والذين يهمهم مستقبل العراق والعراقيين ومصلحتهم ويريدون لهم ان يعيشوا عصرهم، من القوى الوطنية والليبرالية، مطلوب منهم التحالف والتأزر من اجل العمل على تفسير بنود الدستور الحالي باكثر ما يمكن من الحرية والرؤى التقدمية، وان تعمل يدا بيد من اجل تعديل كل البنود التي لا تلائم مع حقوق الانسان والاتفاقيات والمواثيق التي اقرتها الامم المتحدة والهيئات الدولية ذات الشأن. اما حول تسمية شعبنا والتي كانت نتيجة عمل السيد كنا واصراره الانفراد بكل القرارات وممارسته الغش والخداع مع كل القوى الفاعلة في شعبنا. فتعديلها عائد الى شعبنا وقواه الخيرة وان نحن اتفقنا فلا نعتقد ان هناك من سيقف ضد ارادتنا وخصوصا ان التعديلات ممكن ان تبدأ بعد اربعة اشهر من الاتنخابات القادمة،. اي ان امام كتل شعبنا المختلفة الفترة الكافية والمناسبة لتعديل الامر وتصحيحه ان كنا حقانملك الرغبة والارداة لعمل ذلك.

 

الدستور تلك الوثيقة التي منها تنبع كل القوانين

 

عملية كتابة الدستور الجديد تعني عمليا عملية بناء دولة جديدة. اي بمفاهيم وقيم وهيكلية جديدة. ونقوم بهذه العملية اي كتابة الدستور الجديد، بسبب فشل المفاهيم والقيم والهيكلية التي سارت عليها الدولة في ظل دستورها القديم. اي العراق في زمن صدام وما قبله. اذا ما هو الجديد الذي يجب اضافته وما هو القديم الذي يجب ازالته ولماذا؟ هنا سنحاول اعطاء رأينا ونرجو ان نكون قد ساهمنا بجهدنا الفردي، كما ساهمنا بجهود جماعية عديدة لايصال رأينا ورأي تجمعات وتنظيمات واحزاب عديدة.

لعل اهم ميزة يجب ان يتصف بها اي دستور، هي ان يكون وثيقة مفتوحة يمكن تفسيرها بحسب التطورات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية. بمعنى ان الدستور يحدد مبادئ عامة تسترشد بها الدولة ولا يمكنها الخروج عنها، فمثلا ان أقّرَ الدستور الحريات الفردية، فليس هناك كائن من كان ان يسلب هذه الحريات من الفرد، الا في حالة عقوبة جراء جرم تم ارتكابه.

الدول التي تحترم نفسها، اما انها تلتزم ما وقعت عليه، او انها لا توقع اصلا على وثيقة لا يمكنها الالتزام بها، او تعلن خروجها عن معاهدة او وثيقة كانت قد التزمت بها. ولكن ان يتم الالتزام دستوريا بامور وقضايا ومواقف، تتناقض  مع ما التزم العراق به دوليا. فهذا امر يعني في ما يعينه، فتح الباب على مصراعيه للتدخل الدولي في شؤون البلد وبشكل قانوني. واستنادا الى القانون الدولي وقرارات مجلس الامن الدولي التي تعتبر قانونا دوليا واجب التنفيذ، ومنها القرار 688 وان كان ليس في اطار الباب السابع. كما انه يعني ان العراق منذ البداية وضع نفسه في خانة الدول الفاشلة والتي لا تحترم نفسها والتزاماتها الدولية وبالتالي، ان الاخرين ليس ملزما لهم احترام العراق وقراراته .

يقول بعض اعضاء لجنة صياغة الدستور، بضرورة النص على ان الاسلام هو دين الدولة. ويبررون ذلك بان كل الدول تنص على ذلك. ويعنون بكل الدول الدول العربية والاسلامية. بالطبع ما عدا تركيا حسب علمي. السؤال المنطقي هو مدى ضرورة النص على ذلك؟ ما هي الفوائد التي يجنيها العراق او الاسلام من ذلك،؟ بالطبع ان من يقول ان الكثير من الدول تنص على ذلك. لا يقول ان هذه الكثير من الدول تقع في اخر درجات، في سلم الحريات والتقدم الاقتصادي والتطور العلمي والضمان الصحي والتعليمي. وتقع في اول سلم الامية وزيادة السكان وقلة الدخل الفردي. هل للاسلام علاقة بالامر؟ نقول لسنا جازمين، ولكن بالتأكيد ان الحرية هي منبع الابداع والتطور والاسلام يعادي الكثير من الحريات. وقوانينه الألهية يمكن لمن لا يتقيد بتنفيذها، ان يعاقب بالموت، ويمكن ان يعاقب بالموت لمن يرتد عن الاسلام، وهلم جر من القوانيين. ويزايد بعض اعضاء اللجنة انه يجب النص بصراحة على ان يكون الاسلام المصدر الرئيسي للتشريع، ويزايد الاخرون بالقول ان لا يتم اصدار اي قانون يخالف الشريعة الاسلامية. وماذا بقى من الدولة الاسلامية، لكي يتم اقامتها في العراق؟ هل ان اعضاء اللجنة (لجنة كتابة الدستور) والاحزاب الاسلامية التي ترفع هذه الشعارات وهذه المطالب على اطلاع على الاوضاع الحقيقية للدول التي طبقت الاسلام كشريعة او كقانون ملزم؟ هل يريدون التضحية بالدولة على مذبح الايديولوجية المتطرفة؟ وبماذا يختلفون عن نظام المقابر الجماعية؟ هل باسلوب تنفيذ هذه المقابر، صدام قتل البشر او طمرهم وهم احياء. والنظام الاسلامي وتطبيق الشريعة والنص على دين للدولة، هو اعادة لانتاج دكتاتورية بشعة، تساعد على هرب الاقليات او تقوقعها وهو قتل اخر وهو قتلهم وهم احياء بعد ان استبشروا خيرا بالتغييرات التي اعقبت سقوط الصنم.

ان التشبث بهذه الآراء يعني ان بعض الاحزاب لا تريد ان تتعلم من تجارب الامم. لا تريد ان تدرك ان  ابتعاد الدين عن الدولة هو حماية للدين. وان هذا الاصرار يعني ارهاب الاقليات، لان هذه الاقليات عانت من الممارسات التي اقترفت باسم الاسلام عليهم ولهذا هم اليوم اقليات. هل الحقيقة موجعة..؟ نعم انها موجعة ومؤلمة عندما يحاول البعض تسويق سماحة الاسلام، مستغلا ضعف او شعوره بأن الاخرين ضعفاء. اليوم العراقييون امام المحك، فاما دولة عصرية حقيقية او دولة متخلفة كل غايتها حماية الاسلام من ان يلحقه اي تطور جراء التطورات العلمية والثقافية والتكنولوجية وغيرها. امام محك ان تقوم دولة لحماية مواطنيها وان تكفل لهم كل سبل التطور والتقدم.  او دولة تضحي بشعبها لاجل خدمة ايديولوجية ولا أقول الدين. لانه ليس هناك من قال ان الاسلام فوض هؤلاء للدفاع عنه. لانه في كتاب الاسلام المقدس وهو القرأن الكريم يقول بما معناه اليوم اكملت لكم دينكم ويقول اننا(الله سبحانه وتعالى) له لحافظون، فليس هناك أي دور للبشر للحفاظ على الدين.

بدلا من ان تكون الاحزاب واعضاء الجمعية الوطنية العراقية منارة للاراء المستنيرة. نراها هي التي تقوم بنشر الاراء الظلامية والتي ترهب الناس من اي تغييرات جذرية تتطلبها تجربة شعبنا العراقي المريرة. فبدلا من فتح قنوات الحرية لكي يطلع شعبنا على اخر المنجزات الفكرية والعلمية. نرى بعض الاطراف يقوم بتسويق تجارب محكومة بالفشلن. ليس هذا فقط بل انها محكومة بالعزل الدولي.  فهل يريدون لنا ان ننعزل عن المحيط العالمي ونتقوقع في اطار اقليمي ضيق ومحدد.

ان الدستور ان لم يضم في ديباجته الاعلان العالمي لحقوق الانسان هو دستور ناقص وغير مكتمل. علمان ان العراق موقع على الاعلان العالمي لحقوق الانسان والمواثيق التي تخص بحقوق الاقليات الثقافية والاقتصادية والسياسية. ان كل ما يريد البعض فعله هو التنصل من هذه الاتفاقيات علما انها ملزمة. واذا كانت الدول الكبرى لم تلزم الدول بتنفيذ التزاماتها سابقا وذلك بسبب الحرب الباردة. فانه من الملاحظ ان هنالك ضغوط كبيرة على جميع الدول للالتزام بهذه التعهدات والمواثيق. فهل يريد لنا هذا البعض ان تقوم دول العالم او الدول الكبرى  بتهديدنا او الضغط علينا لتنفيذ ما تعهدنا به بانفسنا؟ انه لامر غريب وينم على جهل كبير بمسار وتطورات الوضع الدولي.

ان الاقليات القومية والدينية العراقية والتي هي جزء اصيل من مكونات الشعب العراقي. قد عانت التهميش والابعاد عن مراكز صنع القرار وعانت من تهميش ثقافتها وحضورها في المجال العام والوظائف وخصوصا في المراكز العليا. ولذا يتوجب على اعضاء لجنة صياغة الدستور. ان تصيغ نصا يشير صراحة على ان يكون هنالك كوتة من المناصب في المؤوسسات التشريعية والتنفيذية العليا للمكونات القليلة العدد. وان تخصص موارد مالية لتطوير ثقافتها و تدريس لغتها وكل ما يجعلها تشعر بانها متساوية في الحقوق كما هي متساوية في الواجبات. كما أؤكد ان حماية الاقليات القومية والدينية هو واجب على الدولة ويجب مراعات ذلك بموجب التعهدات الدولية. فكما ساعدنا المجتمع الدولي للتخلص من نظام المقابر الجماعية علينا ان نساعده في تنفيذ التعهدات والقانون الدولي وان نساعد انفسنا بتوفير الحريات لابناء الشعب بعد استلبت منه.

ان الدولة ولكي تحقق واجباتها كمؤسسة. عليها ان تبتعد عن الايديولوجية وان تتعامل بما يحقق مصالح البلد وابناءه بغض النظر غن انتماءاتهم. ان هذه المؤسسة تتكون من اناس يديرونها، وهؤلاء الناس من مختلف المشارب العراقية. الدين هو لمن يملك عقلا وروحا، والدولة العراقية عقلها وروحها تكتسبها من كل العراقيين مسلمين او غير مسلمين مؤمنين او غير مؤمنين. فنرجو عدم التسرع وراء الشعارات السياسية والحكم على اجيالنا المقبلة ومستقبلهم بما نراه نحن لهم وهذا ليس حقنا بل حقهم الشرعي ان يحددوا هم مستقبلهم. وما علينا الا ان نوفر السبل الكفيلة والسلسلة لتحقيق هذا الامر( اي توفير ما يمكن للأجيال المقبلة لتحديد نوعية حياتهم بانفسهم ). وهذا هو المطلوب من الدستور وليس وضع ضوابط على الحريات الطبيعية التي يجب ان يتمتع بها كل انسان سوي.

الدولة العلمانية التي يخافون منها، هي الاساس لبناء وطن موحد ومواطن حر ودين غير مسير لمصلحة السياسة والسياسين. فلترتقوا بالدين الى مصاف مبادئه الروحية. ولتتركوا الدولة لكي تمارس وظائفها بعيدا عن وصاية الدين وشرائعه. فان اختل مسؤول او مؤسسة فهناك ممثلي الشعب يمارسون رقابة ويمكنهم ممارسة المحاسبة ويمكنهم التغيير والتعديل.

ايها السادة لم يكن هناك في التاريخ شئ اسمه الدولة الاسلامية. فالدولة بمؤسساتها هي نتاج التطورات التي حدثت منذ امد بعيد. فكل ما كان موجودا كان خلافة اسلامية وسلطة محصورة بيد شخص، يمتلك السلطتين الدينية والدنيوية. والشورى ليست الديمقراطية ايها السادة، فالنظام الديمقراطي له آلياته واشخاصه ومبادئه. اما الشورى فهي استشارة الحاكم للعلماء الفقهاء من رجال الدين. والشورى هنا هي صدى لافكار الفلاسفة اليونان في المدينة الفاضلة والتي لا يمكن تحقيقها لانها باختصار افكار وليست تطبيقات. والديمقراطية تعدل نفسها وتطورها بالياتها لانها ليست محكومة بقوانين ملزمة ومنزلة. فالقانون هو ارادة الشعب، اما الشورى فمحكومة بقوانين ملزمة إلاهية لا يمكن التعديل فيها. اي الحكم على الدولة بالبقاء في اطار واحد لا يتطور ابدا. والحكم المسبق بان الشعب قاصر. هذا الشعب الذي تتشدقون بانه انتخبكم. ايها السادة لا تعيدوا انتاج طروحاتكم. ترهبون الشعب من التغييرات الديمقراطية، بحجة ان ما تسمونه امراض في المجتمع الغربي ستطالكم. وبعد ذلك تقولون ان الشعب غير مؤهل للتغييرات الديمقراطية. والحقيقة انكم تريدون مصادرة العراق ومستقبله وقولبته في اطار افكاركم. فهل لاجل هذا حارب العراق والعرقيون نظام المقابر الجماعية؟

دولة المواطنة تعني ان كل المواطنين سواسية امام القانون. ما هي الضمانة التي يمكنني ان احصل عليها لكي تكون شهادتي كذمي ( هذا هو تصنيفي في الشريعة وليس مواطن، لانه لا يوجد في الاسلام كلمة مواطن، يوجد مسلم وذمي وكافر) مساوية لشهادة المسلم؟ هل ستتساوي المراة بالرجل؟ كيف سيكون قانون الاسرة؟ هل سيكون قانونا رجعيا عفى عليه الزمن ام قانون يتماشى مع العصر؟ كيف سيتم توزيع الارث؟ ما هو موقف القانون من الطلاق والزواج؟ كيف سيتم توزيع الدخل الوطني؟ هل يمكن اقامة الفدرالية في القانون الاسلامي؟ ما هو دور الثقافة والفن علما انهما لا يعيشان ولا يتطوران الا بالحرية؟ ما هي الحقوق التي ستمنح للعراقيين غير المسلمين؟ ماذا تعني العراق بلد اسلامي وهو جزء من العالم الاسلامي؟ ماذا يعني العراق بلد عربي وهو جزء من العالم العربي؟ انها اسئلة تلد اسئلة وانتم ايها السادة في بداية القرن الواحد والعشرون وامام التطورات الهائلة في العلوم والصناعة والتكنولجيا والاتصالات والتبادل التجاري تحاولون وضع دستورا وكأن العراق خرج توا من تحت سلطة الاستعمار العثماني. لماذا تلزموننا بما الزمنا اناس قبل ثمانين سنة واكثر رغم فشل كل ما الزمونا به. ايها السادة اما ان تكونوا على قدر المسؤولية التي يفترض ان تتماشي مع العصر او عودوا الى بيوتكم ليحفظكم الله.

تيري كنو بطرس

مواطن عراقي مقيم في المانيا

هارب من جحيم صدام

العاشر من تموز 2005

المساهمة التي ارسلت الى لجنة كتابة الدستور في الجمعية الوطنية العراقية

 

في الطريق الى الدستور الجديد 1

 

مهما كانت نتائج الانتخابات الاخيرة في العراق، فالمطلوب من قوانا السياسية عدم الانعزال والتقوقع. بل الواجب هو ان نشمر عن سواعدنا، ونعمل بجد من اجل الوصول الى صياغة دستور يلبي طموحاتنا وامالنا وما يمكنه ان يدوم وما يجعلنا متساويين في الحقوق والواجبات مع كل العراقيين بدون تمييز.

الدستور هو ابو القوانين، فمنه تستمد بقية القوانين وكل السلطات شرعيتها، وعليه يجب ان نكون مشاركين فعالين في النقاش حوله، فما يصاغ اليوم سيبقى لمدة طويلة مصدر كل تشريع، والدساتير لا تتبدل كل يوم، وان جرت بعض التبديلات احيانا في سنوات متباعدة.

في مخيلتي تصور ما للدستور العراقي، وأعني انه تصور عام، وليست بالضرورة صياغات قانونية، ولكنها صياغات فكرية وعناوين عامة. فنرجو ان ندخل في نقاش حوله لان الدستور لا يميز بين هذا الحزب او ذاك: وكذلك ان غبار معركتنا الدونكيشوتية قد انجلى او في طريقه الى الوضوح.

مجلس الشيوخ (مجلس القوميات) ضرورة وطنية: يتألف الشعب العراقي من قوميات واديان مختلفة، بعض مكوناته كبيرة العدد وبعضها قليلة العدد، والتي عددها قليل تعرضت في فترات تاريخية الى اضطهاد ممنهج، وعلى اسس دينية في الغالب، مما جعل اعدادها تتناقص، وبالتالي ان كونها قليلة العدد لم يكن بسبب عزوف ابناءها عن الانجاب. ان حقيقة كون الافراد متساوون في الحقوق والواجبات، مسألة محسومة في القانون (فالقانون الوضعي الطبيعي والذي يتفق مع شرعة حقوق الانسان لا يفرق بين مواطن واخر على اي اساس كان، وحتى في زمن صدام كانت القوانين تنص على هذه المساواة، ولكن في القانون الطبيعي والسائر مع المرحلة المتقدمة في الحضارة الانسانية، فأن الشعوب والقوميات والاديان ايضا تتساوى، فالشعوب والقوميات بالرغم ان المصطلحين يمكن استعمالهما بنفس المعنى) والاديان لها كيانها الخاص ولا ينتقص من هذه الخصوصية عددها الصغير.  ولانها عانت ماضيا الكثير من الويلات، وتسكنها مخاوف حقيقة من زوالها التدريجي، جراء ترسيخ غالبية موارد الدولة لاجل الاكثريات، مما يفقد هذه الشعوب والاديان القدرة على التطور والتعايش، فتلجأ للحفاظ على نفسها اما الى التقوقع والسرية او الى الهجرة الجماعية من موطنها.

ان حال مكونات الشعب العراقي ليست حالة فريدة، فشعوب سويسرا عانت الكثير من الاحتراب، الى ان توصلت الى نظام يصون حقوق جميع القوميات بصورة متساوية. وها هي تعيش سلاما امتد لما يقارب الخمسمائة سنة، واذ لم يكن مستوى العراقيين اليوم بمستوى السويسريين (من الناحية الثقافية والاجتماعية والعلمية) ولكن ألسنا بمستواهم الفكري حين ارتضوا نظاما يحفظ حقوق الجميع؟

أن يقول القانون بمساواة الافراد والمجموعات المكونة لشعب ما. فهذا ليس بضمانة انهم سيعاملون كذلك، ولقد ذكرت ان القانون في زمن الطاغية كان ايضا ينص على ذلك ولكن تنفيذ ذلك كان مستحيلا، لذا يجب ان يتم التفكير بوجود ضمانات للحفاظ على القانون من التلاعب ومن عدم التنفيذ. كما يجب التفكير بايجاد اليات او مؤسسات تكفل المساواة بين مكونات الشعب العراقي وليس فقط بين افراده.

ان النص في الدستور على قيام مجلسين للتشريع، احدهما الجمعية العمومية او البرلمان او المجلس الوطني، والاخر يسمى مجلس الشيوخ او مجلس القوميات، يكون متساويا مع المجلس الاول في الموافقة على القوانيين. اي ان اي قانون يصدر في العراق، يجب ان يحظى بالموافقة من قبل المجلسين (الاكثرية) ولكن في حالة اجراء تغييرات دستورية او المطالبة بذلك، نقترح ان يكون من حق غالبية ممثلي اي قومية، التمتع بحق الفيتو، اي عدم سريان التغييرات، وكذلك في حالة اقرار الميزانية العامة. كما يجب برأي ان يكون ممثلي كل القوميات العراقية متساوون في هذا المجلس. فاذا فرضنا ان للعرب 25 ممثلا، فيجب ان يكون ممثلي بقية القوميات بنفس العدد، ومن هنا ومن تمتع اكثرية ممثلي اي قومية بحق الفيتو على التغييرات الدستورية. تتحقق ضمانة معينة (الاقلية المعطلة) للقوميات ذات الثقل الديمغرافي القليل.

اما مجلس النواب فيفضل ان يكون ممثلي اي قومية فيه حسب نسبتها من الشعب العراقي.، ان المقترح اعلاه هو للمساعدة في اطفاء الصراعات القومية، ومنح الضمانات للجميع، كما سنجد ان الاحزاب القومية ستتحول تدريجيا الى احزاب ذات توجهات اقتصادية وتهتم بكيفية توزيع الثروة اكثر من رفع الشعارات القومية او الدينية المستفزة لمشاعر الاخرين،. مما سيخلق تحالفات على هذه الاسس تحتوي على كل العراقيين.

علما ان تمتع الجميع بحقوقهم لا يعتبر انتقاصا من حقوق أي جهة،. بل ان رفض منح الحقوق المتساوية، يعني ادلجة العدالة الانسانية، ومنحها حسب اللون او العرق او اللغة او الدين. ويجب التأكيد إن بقاء البعض غير متمتعين بحقوقهم المتساوية يعني وجود جمرات النار تحت الرماد، وبالتالي امكانية كبيرة لعدم الاستقرار.

اما اهم ضمانة لتنفيذ القانون هو وجود الانسان الواعي، بمعنى الحرية والوسيلة الديمقراطية في تسيير امور الحكم بمختلف مستوياتها. ففي ظل النظام الديمقراطي والحريات الفردية، يتمكن الانسان من ان يعيش بأمان، وبالفخر لانتسابه لمجموعته السكانية، وتنبنى علاقة عشق بين الفرد والوطن. ان وجود مثل هذا الفرد سيتطلب تربية اجيال، فالنظام العفلقي اضر بالانسان العراقي من خلال الثقافة التي زرعها. وعليه فأن اهم ضمانة للقانون والدستور هي حقا مواطنا متفهما محب للعدالة ومتسامحا،. الا اننا نتعامل مع اناس يمكن ان يأخذهم الهوى، ولذا كان القانون هو الحد الفاصل بين مراعاة حقوق الناس والحريات الفردية، بين الفوضى و الاستقرار.

نحن نرمي الى أن يكون عراقنا، اول بلد يضمن حقوق مواطنيه بصورة لا يمكن التراجع عنها. وضمانه حقوق مواطنيه وما يسمى بالاقليات لا تضر الاخرين. الا اذا كان الاخرين من حملة الايديولوجيات الشمولية. والديمقراطية ليست فقط نقيض الدكتاتورية بل نقيضا بنيويا للشمولية.

 

في الطريق الى الدستور الجديد 2

العلمانية في العراق المستقبلي عامل استقرار ووحدة الشعب

نشرت هذه المقالة في كراس اوراق من الوطن، العدد التاسع الصادر في حزيران 1996. الذي كان يصدرها نخبة من المثقفين الاشوريين وهي اي النخبة المرحلة ما قبل اعلان العمل العلني للحزب الوطني الاشوري. ولان مضمونها يتوافق مع النقاش الذي نريد اثارته حول الدستور العراقي الجديد، فأننا نعيد نشرها، مع ادخال تغييرت تتطلبها المرحلة او ضرورة التوسع فيها.

بالرغم من الفشل الذي طال التجارب التي ادعت انها تقيم دولة دينية. إلا إن البعض لا يزال يرفع شعار هذه الدولة، معتبرا ان القصور ليس في الدين القائد لهذه التجربة بل في الاشخاص الذين قادوا مثل هذه التجارب. ورغم انني ايضا اؤكد ان الدين واي دين قد لا يكون قاصرا في سماته العامة، والتي تميزه كدين عن الايدولوجية، ولكن حتما ان قيم الدين وجمود هذه القيم لا يمكن ان تقود دولة عصرية. يجب ان تلاحق التطورات الاجتماعية والثقافية والتكنولوجية، مما يتطلب ايضا فلسفة سياسية تتطور ايضا بحسب تطور الحياة بشكل عام.

إن المتتبع للمسار الإنساني المؤرخ، يلاحظ بلا شك التطور في هذا المسار، وخصوصا لو تتبعنا قضايا التحرر ووصول الإنسان إلى درجات أعلى في التمتع بحرية أوسع في كل مرحلة تاريخية عن سابقتها. (بحيث اعتبرت الحرية فردية أو جماعية هي التي تصنع التاريخ). وضمن هذا التطور وفي سياقه وصل العالم المتمدن إلى ضرورة فصل الدين عن الدولة، لكون الدين مسالة ضميرية تتعلق بالإنسان وعلاقته بالرب أو المعبود أياً كان اسمه. فالحساب والدينونة لا يعرفهما إلا الرب، ومن هو الشخص المؤهل لتفتيش ضمير الإنسان، أو لمعرفة الدين الحق أو الشريعة الحقة أو المذهب الحق؟ فالدين باعتباره مسالة اعتقاديه، من حق الإنسان أن يكون حرا فيها. والحكم باسم الله بتكفير هذا الإنسان أو هذه المجموعة أو تلك من صلاحية الله وحده. والله لم يمنحها لأي شخص، والإنسان الذي هو صورة الله في الأرض أو خليفته. يجب أن يحترم وتصان كرامته. والله في الأديان (السماوية) يدين الإنسان في الآخرة،. فليس للبشر أياً كان موقعه أن يدين الإنسان بأية عقوبة دنيوية على أساس المعتقد والإيمان. وكل مؤسسة دينية كانت أو اجتماعية أو سياسية لها قوانينها الخاصة ويمكنها أن تحكم على المنتمين إليها بان أحد أعضاءها يعتبر خارج عن معتقداتها وحسب أنظمتها المعمول بها، ليس اكثر، على أن لا يتجاوز ذلك الى فرض عقوبات بدنية عليه كالحجز أو الاعتقال أو التصفية الجسدية.

الدولة بما هي مؤسسة تعاقدية بين أبناءها الأحرار، لكي يضمنوا الحق والعدل والنظام، للوصول إلى التطور الدائم. يجب أن تنظر إلى المواطنين بنظرة مساواة باختلاف معتقداتهم الدينية والقومية أو منابتهم العنصرية أو الجهوية. والقياس الوحيد المعتمد هو مدى التزام كل شخص بالقانون الحافظ لحقوق البشر وواجباتهم.

والعلمانية والحالة هذه ليست بأية حال من الأحوال الإلحاد. بل بالعكس هي التي تبني الإنسان المؤمن الذي يمارس الإيمان عن قناعة تامة، وليس مراعاة لتقاليد اجتماعية أو خوفا من عقاب دنيوي. فالعلمانية تفترض الحرية في كل ممارسة ما لم يكن في هذه الممارسة تجاوزا على حريات الآخرين.

والمسألة التي قد يستجد النقاش فيها هي: مدى مطابقة هذا المطلب مع ما تقره اغلب التوجهات الإسلامية والتي تعتبر الإسلام دين ودولة. فنرى القانون الإسلامي، والاقتصاد الإسلامي، والثقافة الإسلامية، والعلوم الإسلامية أو أسلمة العلوم، واعتبار العالم دار الحرب ودار الاسلام، فدار الحرب هي كل الأراضي الخاضعة للكفار التي يجيز الاسلام فتحها واستملاكها وضمها لدار الاسلام التي هي الأراضي التي يحكمها الحاكم المسلم. وبهذا المفهوم فالفتنة قائمة إلى ما شاء الله، أو إلى حين انتصار الإسلام على أعدائه. وفي القران الكريم نلاحظ عدم وضوح هؤلاء الأعداء وخصوصا لو قارنا الآيات المكية بالآيات المدنية. وهو امر يؤدي إلى تقويض أمر الدولة الحديثة القائمة على التعاقد الحر. ويدفعنا إلى الدولة الدينية (او الاصح السلطة الدينية) التي تحدد العدو من الصديق بمقدار قرب الآخر من معتقداتها الدينية وان شئتم الأيديولوجية. وبهذا فنحن سائرون إلى دكتاتورية بنوع آخر، دكتاتورية الدين الاكثرية، الذي يطلب الجنة ليس حسب معتقدات الدين وإنما بالضرورة حسب مصالح الأشخاص المتقلدين لزمام السلطة والذين سيجدون في الكتب المقدسة آيات كثيرة تدعم توجهاتهم.

إن التاريخ القريب والبعيد يرينا مدى الإجحاف الذي لحق بالاقليات الدينية التي عاشت في ظل الدول التي تدعي الاحتكام إلى الشرائع السماوية. ونحيل القارئ إذا أراد التأكد وجس نبض هذه الاقليات في العراق، إلى المسيحيين أو الايزيدية أو الصابئة المندائيين وما عانوه عبر التاريخ في ما ظل يسمى الدولة الإسلامية وخصوصا الفترة العثمانية. وسيرى الفظائع التي لم يحاول أي مؤرخ عربي كشفها أو انتقادها. لا بل ظل الملوك والخلفاء الذين مارسوا التمييز الديني ضد غير المسلمين، مثار إعجاب هؤلاء المؤرخين. وهذا الأمر ينطبق على المورسكيين في أسبانيا بعد زوال الحكم الإسلامي العربي عنها. حيث خضع هؤلاء لمحاكم التفتيش الدينية القاسية، على أساس المعتقد والأيمان الصحيح. ففي كلا الحالتين وضع الحاكم أو الفقيه نفسه مكان الله جل جلاله. وحكم بالقتل والإبعاد وفرض الاتاوات والضرائب على الآخر لمجرد الاختلاف في الإيمان. وهذا الأمر ليس فقط بين الأديان المختلفة. وإنما مصيره بعد زوال التعدد الديني، العمل إلى إزالة كل اختلاف مذهبي واعتبار المذهب الفلاني هو الممثل للدين الحق.

وفي هذا المسار لا يختلف الدين عن الأيديولوجية التي تدعي امتلاكها للحقيقة المطلقة، ومعتنقيها هم صفوة البشر. ورأينا نتاجها في تجربة الدول الشيوعية. فالأيديولوجية منحت امتلاك الحقيقة إلى المكتب السياسي، والمكتب السياسي منحها إلى سكرتير الحزب وخير مثال لذلك هو التجربة الستالينية في الاتحاد السوفياتي السابق.

إن الأديان في غالبيتها تتوجه إلى الفرد، تدعوه للخلاص بإتباع طرق للحياة، يتسامى  فيهاعن الأنانيات ويرتقى إلى نكران الذات وزرع المحبة والوئام، وتحث المؤمن إلى ممارسة التقشف وعدم التعلق بالماديات والتطلع إلى المثال، وليس إلى الحكم والجاه. وضمن هذا المنطلق فالدين مسالة فردية، ومن يحقق هذا الهدف فله الوصول إلى المرام، والعارف به ليس غير الله مبعث الرسل والأنبياء، وليس شخصا يخضع مثلنا للأهواء.

إن تخليص الدين من ربقة الدولة، يعني إعادته إلى المنبع، إلى حقيقته، في توجيه الفرد نحو العمل الصالح والخير وزرع المحبة. كما انه يجعل الدين غير خاضع لأهواء السياسيين الذين يستغلون المشاعر الدينية لدى البسطاء لتحقيق مآرب سياسية رخيصة، الدين منها براء. وكلنا رأينا استغلال صدام للمشاعر الدينية في جريمة احتلال الكويت.

ومما يلاحظ إن وصاية الدولة على الدين تجعل اغلب رجال الدين تسير في ركب الساسة وخصوصا في الدول الدكتاتورية ذات الأنظمة الشمولية البغيضة.

كما إن تطبيق العلمانية يعني الاعتراف بحق الجماعات، غير الخاضعة لدين الغالبية، في المحافظة على معتقداتها وخصائصها وتراثها. ويكون في مقدورها تطوير هذه المعتقدات والتراث والخصائص بما يلائم التحرر من الخوف المحكومين به، ويجعلهم منفتحين، بدل التقوقع والانعزالية الحالية، والتي جاءت جراء حقب طويلة من الاضطهادات، وهذا الانفتاح يساعد على خلق المجتمع المدني الكفيل برفد الدولة بأساس التطور وهو الإنسان الحر.

كما ان تطبيق العلمانية في الدولة، يعني العودة الى المبدأ الاصيل في المساواة بين الاديان، مهما كان عدد معتنقيه. باعتبار الدولة تنظر الى حق المواطنين الطبيعي في اعتناق الفكر و(الدين منه) الذي يجدونه ملائما لهم. كما ان هذه المساواة هي الحالة الطبيعية المسايرة للتطور. باعتبار التجمعات الدينية والقومية واللغوية متساوية. كما هي الشعوب متساوية في حقوقها بغض النظر عن العدد.

 

الطريق الى الدستور الجديد 3

كذبة الدولة الإسلامية

 

الاسلام هو دين كبقية الاديان، يحث المؤمنين به لاتباع تعليمات وقيم وممارسات محددة. والاسلام ككثير من الاديان ان من اتبع ما اقره في كتابه المقدس وهو هنا القرأن الكريم وسنة نبيه، فأنه سيكافئ بالجنة التي تجري من تحتها الانهر وبالحور العين وبالحياة الابدية.

برغم ان بعض المستشرقين يقولون ان الاسلام هو نظام اقتصادي اجتماعي، اكثر مما هو دين، حسب مواصفات الدين. اي ان يهتم بالقيم والمبادئ، الا انه بالتأكيد لا يمكننا ان نقول ان الاسلام كان نظاما سياسيا. فبالرغم من ان المدينة اعتبرت اول دولة في الاسلام، وتلتها الخلافة الراشدية والخلافة الاموية والعباسية، وبرغم من البعض يطلق عليها اسم الدولة. الا ان المتابع للامر يكاد يعتبر الامر مجازيا اكثر مما هو حقيقي واقعي. فالاسلام لم يشهد دولة (وان شهد سلطة )، لان الدولة هي مجموعة من المؤسسات. فهل يمكن ان نقول ان هذه المؤسسات اعتنقت الاسلام مثلا؟ بالطبع غير ممكن، فالذي يعتنق دينا ما يجب ان يكون انسانا فردا يمتلك روحا (ذكرا او انثى). والخطاب الديني يكاد ان يكون موجها لهذا الانسان، من اجل خلاصه، فبالتالي من الصعوبة الاقتناع ان اي مؤسسة يمكن ان تتسمى بالاسلامية، صارت كذالك، فغالب هذه المؤسسات تتحكم بها المصالح والعمل اليومي، ولا تعمل بالمبادي، فلو عملت بها لانهارت.

كما ان الادعاء ان المحك في الامر هو القوانين التي تسير المؤسسات او الافراد هي الفصل في الأمر. لكن المرء من الملاحظات التي لدينا عن الدولةالاسلامية الحديثة (ايران، سعودية، سودان كأمثلة للدولة الاسلامية). يجد ان هنالك خلط غير سليم بين المؤسسات المستعارة من الغرب، مثلا مجلس الوزراء او السلطة القضائية او حتى المجالس الوطنية والتي تسمى بمجالس الشورى احيانا. فعلى اختلاف الامور في الغرب ان ما يتحكم في هذه المؤسسات اسلاميا هو الايديولوجيا على حساب المصلحة العليا. وفي الغالب رأي اومصلحة الحاكم الفرد او الاسرة الحاكمة. مع تغليف الامر بالايديولوجيا الدينية. وعليه فأن اساس دولة مختلف عنه في ما نعرفه عنها. كما ان هنالك اختلاف جذري اخر، فالدولة الحديثة تنظر للمواطنين نظرة واحدة، متساوية،. لا تفصل بين ابناءها على اساس الدين، طبعا في القانون وليس بالضرورة في الواقع، اما الدول الاسلامية فهي منحازة لمواطنيها المسلمين على حساب غير المسلمين، هذا اذا أقرت بمواطنية الاخرين.

الي نهاية القرن التاسع عشر، كانت الدولة العثمانية، تنتقم من (مواطنيها)  من ابناء الاقليات المسيحية في اي خسارة تلحق بها على الجبهات الحرب الاوربية. او كانت توعز لسكانها المسلمين للقيام بذلك. وهذه بسبب اعتقاد الحكام ان الاوربيين بخسارتهم لاخوتهم في الدين، فانهم سيكفون عن التدخل في شؤون السلطنة او يكفون عن تشجيع الاوربيين الشرقيين للمطالبة بالاستقلال. ولعل اهم اسباب الاتهام الموجه للدول الاسلامية، بمساندة الارهاب، هو هذا الخلط بين الدين والدولة. فالمسلم اخو المسلم، اينما كان، ومهما عمل، والانكى ان المسلمين خلطوا بين الاسلام وبين بعض المثل العربية وخاصة التي تقول انا واخي على ابن عمي وانا وابن عمي على الغريب. فالقضايا لا تؤخذ بمدى عدالتها او بمدى مصلحة الدولة في تبنيها بقدر مدى قربها من الدين. فالمسلم على حق ضد غير المسلمين وان بغى، ولذا نجد الكيل بمكايل عدة وليس بمكيالين في هذه الدول.

ان توحد الرئاسة الدينية والدنيوية في شخص واحد لا يعني ان الدولة او الخلافة او الامارة صارت دولة اسلامية. فحقيقة الامر انه من المدينة ادارها النبي محمد ومن بعده الخلفاء الراشدين والى نهاية الدولة العثمانية. كان الغالب فيها ان الخليفة هو امير المؤمنين بالاضافة الى سلطاته السياسية والقضائية والعسكرية. فالكثير من الخلفاء لم يعملوا بالشريعة عندما تناقضت مع رغباتهم. ونعطي هنا مثال واحد عن الخليفة العباسي هارون الرشيد، الذي طلق زوجته زبيدة بالثلاثة، ولاعادتها زوجة له مرة اخرى، توجب الشريعة ان يكون هنالك محلل وواجبه ان يتزوج من زبيدة ويجب ان يدخل عليها وبعد ذلك يطلقها ومن ثم يحق للخليفة او لاي شخص طلق بالثلاثة ان يعيد استرجاع زوجته،. فالذي اخرجه من ورطته لم يكن اماما مسلما، بل بطريرك كنيسة المشرق مار طيماتاوس الكبير، الذي اشار عليه بتزويجها من شخص مسلم، وبعد الزواج يعتنق المسلم المسيحية، فلا تحل له زبيدة ويقوم بطلاقها فيتمكن الرشيد من استعادة زوجته، نرى ان الشريعة لم تطبق، وهنالك امثلة كثيرة يمكن للمرء ادراجها لتجاوز الشريعة والاحكام الدينية.

الدولة الاسلامية (السلطة الاسلامية) تفترض سن قوانين اسلامية، فلو عرفنا ان الاجتهاد في الاسلام وخصوصا السني منه متوقف منذ القرن الثاتلث الهجري، لادركنا البون الشاسع بين التطورات الحاصلة في العالم والجمود الذي اصاب ما يسمى القانون الاسلامي. فالقوانين هي تلك التي تسمى الحدود، والتي في اغلبها لاتتفق مع شرعة حقوق الانسان. الموقع عليها من قبل العراق. واذا علمنا ان القانون الدولي يعلى على القانون الوطني لادركنا الخلل الذي يصب قوانينا الاساسية في حالة تبني ما يسمى بالقانون الاسلامي. اما من ناحية الاخوة الشيعة، فبالرغم استمرار الاجتهاد لديهم بشكل نشط، إلا انه يجب ان يدرك ان الاجتهاد كان في حقل العبادات في الاغلب،. والاجتهاد الوحيد المعتبر يعود للشهيد الصدر في كتبه المتعددة بهذا الخصوص. الا ان هذا الاجتهاد لم تحكمه التجربة، وكان رد فعل عاطفي للمد الشيوعي الماركسي الذي عم جنوب العراق. ولكن التجارب التي امامنا ترينا كم ان الاسلام فقير بقدرات ادراة الدولة. و هذا ليس عائد الى نقص في الاسلام، بقدر ما هو تحميل الاسلام ما لا يحتمل.

ان اصدار القوانيين باسم الاسلام، لوفرضنا القدرة على التخلص من الانقسامات الاسلامية من ناحية المذاهب والاجتهاد حيث ينقسم السنة الى اربعة مذاهب كبرى، تنتشر في العراق اثنتان منهما وهم المذهب الحنفي والمذهب الشافعي، وفي الاونة الاخيرة يتسلل المذهب الحنبلي وربيبه الوهابي مرتع الارهاب وتكفير الاخر كل الاخر، كما ان المذهب الشيعي الاثنى عشري يلم كل شيعة العراق، فلا اثر يذكر للمذاهب الاخرى مثل العلوية والزيدية،. نعود ونقول ان اصدار القوانيين سيكون بأسم المقدس، باسم الله، فهل يمكن انتقادها؟ واذا لم يكن من ممكن انتقادها، فاين هي الممارسة الديمقراطية ودور الحريات الفردية؟ الا يتنافي اتخاذ دين للدولة او استنباط القوانيين من دين معين وبالتالي من مذهب معين مع الحرية  والاليات الديمقراطية والتداول السلمي للسلطة؟ الا يكون ذلك سببا لخلق اختناقات قد لايمكن حلها الا بالانتفاضات؟ فيما الديمقراطية ترمي الى حل الاشكالات من خلال الحوار وصناديق الاقتراع.

ان الدعوة لاقامة الدولة الاسلامة، هي دعوة لاستمرار حالة عدم الاستقرار. بسبب عدم ملائمة هذه الدعوة وليس الدولة فقط، مع العصر وتنظيماته. فالعراق يجب ان يعيش في وسط المجتمع الدولي، وليس على الهامش. كما ان هذه الدعوة هي دعوة لاضطهاد الاقليات الدينية واضطهاد الليبرالين وكل المتنوريين، ان هذه الدعوة هي دعوة الى الظلامية ونحن بحاجة الى النور.

 

ضمانات المواطنين العراقيين

نحو الدستور الجديد 4

لا تبنى اية مؤسسة على النيات الحسنة او الصافية، فكيف بدولة تمتلك سلطات كبيرة، واكبرها سلطة استعمال القوة او سلطة احتكار القوة، بالاضافة الى سلطة تشريع القوانين، وجباية المال واعادة توزيعه.

بعد ان تطرقت الحلقة الاولى من هذه السلسلة الى كيفية ضمان حقوق القوميات (من خلال انشاء مجلس القوميات او الشيوخ) الحلقة الثانية لكيفية ضمان حقوق المذاهب والاديان (من خلال الدعوة لعلمانية الدولة) والافراد من الناحية الدينية، والثالثة لتفنيد نظرية وجود الدولة الاسلامية (عدم امكانية التعايش بين سلطة دينية والدولة المعاصر وما تكبله بها القوانين الدولية التي يجب ان تعلى على القانون الوطني)، نتطرق في هذه الحلقة الى الضمانات التي يجب ان يتمتع بها المواطن.

كانت ولا تزال بعض الدول تتعامل مع المواطنين كرعية. عليهم السمع والطاعة، وبعد انقطاع التطور الحضاري بسقوط روما،  ثم عودته  مع التطور القانوني بالرغم من بطئه، ليستقر على تأسيس الدولة الحديثة. وبداية العودة نعتبرها في مؤتمر المائدة المستديرة الذي عقد في القرن الثالث عشر في بريطانيا، حيث لاول مرة تنص وثيقة على الحد من صلاحيات حاكم ما. وكان من اهم ما ادخله التطور على ما نتج عنه الدولة، هو تحديد حقوق المواطنين. والتي هي في حالة تطور دائم لحد اليوم، على حساب حقوق الدولة ، والتي هي في انحسار مستمر. فعليه ضمن حوارنا المستمر عن الدستور العراقي المقبل علينا ان نطرح هذه المسألة بصورة واضحة، فالحقوق ليست مسألة يمكن الركون فيها الى التطمينات اللفظية. بل يجب ان تكون واضحة وان تدعم هذه الحقوق مؤسسات متعددة،. فالبلد الذي لا يحمي مواطنيه من جور السلطات التنفيذية، لن يحميهم من اعتداء خارجي.

ان احد اهم ما يجب ان يحتويه الدستور الجديد، والدول العصرية سائرة، الى تضمينه، هو الاعلان العالمي لحقوق الانسان، الصادر بتاريخ 10/12 /1948 ميلادية. سبق ان قلنا ان ادراج الحقوق ليس بكافيا، فالعراق كان من الدول التي وقعت على الميثاق هذا وغيره من المواثيق. إلا أنه عمل (نظام الحكم في العراق) بكل ما يخالف ذلك. فاقترف ابشع الجرائم ضد الانسانية. وبعض هذه الجرائم مصنف ضمن جرائم الابادة البشرية. كما ان المواطن كان متهما الى ان يثبت براءته. والحقيقة فأن أية مادة من مواد هذا الاعلان، وكذالك أية مادة من مواد الدستور المؤقت، والخاصة بحقوق المواطنيين لم تنفذ، بل عمل عكسها تماما، وكان سائدا ان القانون شئ والممارسة شئ اخر.

كما ان اطراف عديدة في الدولة طبقت قانونها الخاص، والذي كان فوق اي قانون او اعتبار، وهذا ما ادى الى ان مكانة القانون والحقوق غير واضحة لدى العراقيين أجمعيين. لا بل ان الكثيرين ممن التجأؤوا الى دول اخرى، لم يتمكنوا من الدفاع عن قضيتهم، لعدم درايتهم كفاية بماهية حقوق المواطن.

سمعنا كلنا مصطلح الدول الفاشلة، والذي انتشر استعماله في العقد الاخير من القرن العشرين. وكان يقصد به الدول التي لم تتمكن بالرغم من استقلالها التام، وكون الحكام من نفس شعب الدول، من احراز اي تقدم، في حقوق المواطنيين، او في معيشتهم او في امنهم. بل ان السلطات الحاكمة  العراقية كمثال، بددت ثروات الدولة في حروب لا طائل من وراءها (هذا اذا كان هنالك طائل من وراء اي حرب اصلا). كما ان الكثير من الحكومات صارت تحكم استنادا الى ايديولوجيات اغلبها شوفينية استئصالية، لا تقبل اي تمايز ولا حتى في الملبس. في ظل مثل هذه الدول، تقوقع المجتمع على ذاته، وبدلامن التأثر بالعلوم والمعارف والاعلام الحديث وما يفرزه ذلك من الانفتاح على جميع الصعد. تفتت المجتمع الى اولياته ما قبل الدولة اي العشائرية وقيمها، هذا من الجانب القانوني والاجتماعي، اما من ناحية الاقتصاد فحدث ولا حرج. فكل امكانيات الدول تم التفريط فيها في حروب او مؤامرات لتحقيق احلام السلطات. كل هذا حدث في غياب مؤسسات الدولة، وما صنع منها كان على الاغلب كديكور لتزين الموجود والتباهي وليس لممارسة دور رقابي.

اذا دولنا تراجعت الى ما قبل حقب الاستعمار الاوربي. الى زمن السلطة العثمانية في مجالات بناء الدولة، بالرغم من تمتعنا بالتلفاز والاجهزة الكهربائية الاخرى وبالملابس التي تأتينا من شارع شانزلزيه وغيره من شوارع اوربا.

من الضمانات التي لا يجب ان يغيب بال اي مشرع عنها هي المحكمة الدستورية او العليا. هذه المحكمة يجب ان يتم وضع الية تشكيلها بحيث لا تتمكن السلطة التنفيذية او التشريعية من التاثير في قراراتها. وان تضمن استقلالية هذه القرارات وان يكون لهذه المحكمة سلطة قدرة تنفيذ القرارات. ان عملية موازنة السلطات التشريعية والقضائية والتنفيذية هي مهمة جدا، لكي لا يطغى اي منها على الاخر.

ان المحكمة الدستورية هي ضمان لتفسير القوانيين والدستور. صحيح انها ممكن ان تتاثر برؤية اعضاء المحكمة، الا ان هذا التاثير سيكون بحدود الرؤية وهي مسألة محددة بزمن وليس التناقض مع مواد الدستور. فالعضو المحافظ يفسر بعض الحريات تفسيرا محافظا، والعضو اليبرالي يفسرها اكثر تحررا، وهذا ضمن المتعارف عليه، اي ليس متناقضا مع القانون.

ان اقامة دولة القانون، ومجتمع يحترم القانون، ويتعامل مع افراده الذين يحترمون القانون بتقدير وليس مجرد اعتبارهم جبناء كما كان الحال سابقا. هو ضمانة الضمانات لأية دولة تحترم مواطنيها. لان القانون سيبقى الملجأ الاخير والفصل لأي مواطن اراد انصافه. سواء كان هذا الملجاء محكمة عادية او القدرة على الوصول للمحكمة الدستورية. وبهذه يمكن تحجيم الدولة او الموظفين لدى الدولة من التمادي، والعمل ضمن صلاحياتهم باعتبارهم موظفين لخدمة المواطن، الذي يدفع رواتبهم من جيبه الخاص، باعتبار ان رواتب موظفي الدولة من رئيس الجمهورية الى اصغر موظف هي استقطاع من الميزانية، التي يجب ان توزع بالعدالة بين المواطنين. وهذا يشمل سلطات تنفيذ القانون من الشرطة والاجهزة القمعية الاخرى، وكذالك الجيش. ان مسألة احتواء سلطات تنفيذ القانون والجيش، يتطلب اتفاق جميع التوجهات السياسية ومنظمات المجتمع المدني الاخرى. على ان تدخل هذه السلطات في السياسة من المحرمات، وانها يجب ان تخضع لمؤسسات الدولة (السلطات التنفيذية من ناحية التعيين والنقل والترفيع واداء المهمات، والتشريعية من ناحية المسألة وتجديد الثقة او رفعها، والسلطات القضائية من خلال الخضوع لما يبدر منها من قرارات عقابية).

يجب الادراك التام انه لايمكن اقامة الدولة الفاضلة. لسبب بسيط ،لان هنالك مؤثرات انسانية فيها. اي ليست مسيرة الدولة بشكل الي. ولكن افضل نظام حكم هو النظام الذي يتمكن من ان يتطور داخليا وبشكل سلس كما هو في الدول المتقدمة. ولماذا نقول عنها دول متقدمة، لانها خلقت بيئة لابناءها لكي يتطوروا، ويطوروا مهاراتهم ضمن اطار قانوني لا يميز في ما بينهم بأي شكل. وليس مثل الدول التي اسميناها الدول الفاشلة، والتي تحتاج الى هزات خارجية لكي تصحو وتسير في الدرب المؤدي الى الاستقرار والامن والتساوي والتطور.

ان عالم اليوم لن يرحم من يتباطئ عن المسير. لانه ببساطة عالم مترابط، فمن تباطأ، سيكون سببا لأذية الآخرين, وهذا ما نشاهده بأم عين. فالدول الكبرى والتي تمتلك ترسانات من الاسلحة الفتاكة ومن الحضارة الممتدة في عمق التاريخ ومن ثقافة راسخة.  تمنح مقاليدها لقانون الحياة والمسار الانساني، وتتخلي عن عنجهياتها وتقر بوجود قوانين عالمية واجبة القبول والتنفيذ.

فلندخل العالم من بابه الواسع باحترام الانسان كانسان، لانه القيمة العليا، وبضمان حقوقه وتهيئة ظروفه لكي يكون دوما هذه القيمة العليا.

 

هل نتجه الى مأزق دستوري؟

لا يخفى على احد ان معظم الدساتير العراقية اقرت ان الدين الرسمي للعراق هو الاسلام، وبعضها اقر ان يكون الاسلام مصدرا من مصادر التشريع. الا ان الحكومات او السلطات التي وضعت هذه الدساتير لم تقم بالعمل بايديولوجيتها الاسلامية بشكل تام الا في امور الاحوال الشخصية. فالبنوك كانت تحصل على الفوائد، والحجاب كان في انحسار، والاختلاط بين الجنسين كان في التوسع وحقوق المراة كانت تتقدم وخصوصا في العهد الجمهوري الاول.

الا ان اصرار البعض اليوم على تضمين هذه الامور والزيادة عليها بأن يكون الاسلام مصدر اساسي والبعض يقول المصدر الاساسي للتشريع والبعض يرفع المزايدة الى ان لا يتم سن قانون يتعارض مع الشريعة الاسلامية مسألة فيها وجهة نظر.

تذكر مسودات الدستور العراقي المطروحة للمناقشة ان السيادة هي للشعب العراقي. والمعنى الواضح ان الشعب هو مصدر كل السلطات. والشعب يفوض هذه السلطة لهيئة منتخبة لكي تقوم بالتشريع بدلا عنه. وهذا هو المفهوم الذي يمكننا ان نخرج به من هذه الفقرة من الدستور، لان هذا هو التفسير الوحيد لها بحسب تجارب الانظمة الديمقراطية. اما اي تفسير اخر لمثل هذه الفقرة فيقود الى نظام يدعي الديمقراطية ولكنه لا يمارسها فعليا.

ان المعنى الاخر للفقرة، هو ان كل تشريع يخرج باسم الشعب،. كما ان كل تنفيذ للقانون يكون بأسم الشعب، ويكون التشريع والتنفيذ خاضعان لمراقبة الشعب من خلال ممثليه ووسائل الاعلام المختلفة، وهيئات المجتمع المدني. ويمكن الطعن بها في المحكمة الدستورية.

ولكن في حالة اصرار المشرع (وهو هنا الجمعية الوطنية بمجموعها) على اضافة على ان لا يتعارض اي قانون مع الشريعة الاسلامية او الشريعة الاسلامية المتفق عليها، سنكون في مفترق الطرق،. فمن هو الذي سيقول ان هذا القانون يتعارض مع الشريعة ام لا. هل هي المرجعيات الدينية و المرجعيات الدينية اشخاص عاديون في نظر القانون لانهم غير منتخبين من قبل الشعب. او على الاقل ليس تشريع قانون من اختصاصهم او واجبهم، لان الدستور كفل هذه المهمة للجمعية الوطنية. ودستورية القانون تنظر به المحكمة الدستورية التي هي من صلب الدستور،. اي ان المحكمة الدستورية مؤسسة يقر بها ويمنح لها الدستور الشرعية التامة ويحدد لها الصلاحيات، هذا الدستور المقر من الشعب.

في النظم والشرائع الاسلامية هناك طرق كثيرة للتشكيك في شرعية كون القانون اسلامي ام لا مثلا الحسبة، فهذا القانون او المفهوم يمكن ان يمنح لكل متضرر أو أي شخص عادي من ان يقول ان القانون الفلاني غير اسلامي. او ان الممارسة الفلانية لا تتوافق مع الشريعة الاسلامية. والامر بالمعروف والنهي عن المنكر، تمنح لكل شخص ان يكون قاضايا للنهي عن ما يعتقده منكرا، او امرا بعدم ممارسة ما يعتقده منكرا.

من الصعوبة ان نحدد الحالات التي يمكن ان نقع فيها في مطبات واشكالات قانونية ودستورية في حالة اقرار الفقرة التي تقول بان لا يتم سن قانون يتعارض مع الشريعة او من المتفق بشأنها وخصوصاً مع تعددية المذاهب الاسلامية.

يقول ابو العلاء المعري

الشافعي من الائمة واحدا                             ولديهم الشطرنج غير حرام

وابو حنيفة قال، وهو مصدق                       فيما يفسره من الاحكام

شرب المنصف والمثلث جائز                      فاشرب على أمن من الانام

واجاز مالك الفقاح تطرفا                            وهم دعائم قبة الاسلام

فافسق ولط واشرب وقامر واحتجج                في كل مسألة بقول امام (1، 2)

ومن المعلوم ان الخمر غير مستحب والقمار محرم وغيرها مما ذكرها الشاعر الا ان بعض المذاهب تجيز هذه المحرمات فما هو المتفق بشأنه؟ اذ تفاسير الاسلام وشريعته متعارضة، ولا يمكن الاتفاق بشأنها لانها مسألة اعتقادية ايمانية والقول المتفق بشأنها امر مريب وغير سليم.

ان الدول التي تقول ان قوانينها يجب ان لا تتعارض مع الشريعة الاسلامية ولها دستور يقر بحاكمية الشعب، تفرز ممارسات غير ديمقراطية ومنافية لحكم الشعب وممثليه الشرعيين. فمثلا مصر هذه الدولة لها دستور ولها قضاء عريق، الا ان اقرارها بوجوب عدم تعارض قوانينها مع الشريعة الاسلامية في زمن حكم السادات، افرز مثل الممارسات التي ذكرناها. وعلى سبيل المثال، مسألة الرقابة المزدوجة على الكتب والمصنفات الفنية. فبالرغم ان الرقابة هي مخالفة للقانون لانه يقر بالحريات ويكفلها، فان المنفذ منح الحرية لهيئة غير دستورية وغير منتخبة (مثل الازهر) لممارسة حق الرقابة ورفض هذا الكتاب او ذاك بحجة تعارضه مع الاسلام وقوانينه،. ومسألة تنفيذ قانون حماية الاسلام او تنفيذ الحد بالمرتد. كمثال قضية المفكر المصري (فرج فودة). ان اقرار هذه الصيغة لا يخلق ازدواجية في من يشرع ويمنح الشرعية للقوانيين بل في تعددية المنفذين للقوانيين، وبالتالي اسقاط لفكرة الدولة الحديثة التي تقول انها تحمي القانون المسن من قبل الشعب والذي يعلى ولا يعلى عليه. كما ان هذه العملية تسقط احد اهم اركان الدولة باسقاطها المواطنة المتساوية والتي يقرها الدستور في مواد عديدة.

ان المخاوف من تطبيق كل ما عبرنا عنه حقيقية لوجود احزاب ايديولوجية تعلن بشكل واضح مراميها واهدافها. ان القبول بمثل هذه الفرضيات، مثل وجوب ان لا يتعارض اي قانون يسن مع الشريعة،. يعني ان العراق سيحكم من قبل نظرية الولي الفقيه دون ان تكون ملحوظة في الدستور، بل هي عملية التفافية تم التحضير لها بشكل ذكي.

انا شخصيا لا اعترض على ايمان اي شخص، ولكن ان يحاول شخص ما طمأنتي من خلال نصوص ويسلب الطمائنينة مني من خلال نصوص اخرى، ويعيشني قلقا دائما وغير مستقر ومنتظر لحظة ظهور انياب الافتراس المطمور بين سطور الدستور، فهذا امر صعب علي القبول به بعد كل التضحيات التي قدمها شعبنا العراقي من اجل ان يتحرر، ويأتي من يسلب الحلم ويحوله الى كابوس باسم الاكثرية التي يتكلم بها، في وضع لا يمكن تحكيم الاكثرية فيه مطلقا.

ان الدستور بذكره مراجع الدين ومراقد الأئمة والعتبات المقدسة، بالصورة التي تم ذكرها، لا يعلي دينا على الاديان الاخرى، بل يعلي مذهباً اسلاميا معينا على بقية المذاهب الاسلامية. اذا ان اقرار الدستور بالمساواة هي عملية اخذ باليسار ما منح باليمين، ان الدستور بحلته الراهنة، ملئ بالمتناقضات مما سيقودنا حتما ليس الى ازمة دستورية واحدة بل ازمات. واذا كنا في زمن الطاغية  لم نتمكن من تجاوز الازمات، فسبب ذلك كون الدستور مقر من هيئة غير شرعية وتفسيره ايضا خاضع لنفس الهيئة. ولم يكم من الممكن مراقبة دستورية القوانين، لان كل هذه العمليات كانت مناطة بجهة معينة ولذالك سمينا النظام البائد بالنظام الدكتاتوري. اما في عراق الغد فسيكون هناك هيئات متعددة، وقد خرج الشعب عن الطوق. ولن يقبل بقانون مطاط، بل يتطلع الشعب الى حقوق  واضحة وثابتة ومصانة وغير قابلة للمصادرة. واذا كان بعض المواطنيين منتشين بالحريات الحالية والشعارات الايديولوجية فغدا سيمتحنون السلطات وسيطالبونها بتنفيذ الحريات. فحينها على الدستور والهيئات المختصة الاجابة وبلا مواربة، هل يحكمنا ولي الفقيه ام اليات ديمقراطية حقيقية؟

سيكون سؤالا محرجا لماذا يكون مراجع الشيعة افضل من مراجع السنة و رجال الدين المسيحيين والازيدية والصابئة المندائية والكاكائية، هل الشيعة بشر والبقية بقر؟

ألم يتعرض الباقين مثلهم مثل مراجع الشيعة للظلم والاضطهاد، وعتباتهم مثل عتبات الشيعة للتدمير والتخريب؟

1- نقلا عن كتاب الاديان والمذاهب في العراق للاستاذ رشيد الخيون

2- قيل هذا الشعر لتبيان ان المذاهب الاسلامية تحلل ما هو محرم، وكل مذهب يحلل شئ من المحرم، مثل اللواط، وشرب الخمر، والقمار بالشطرنج.

24 اب 2005

 

لقد كانوا اكثر انصافا لنا

 

في معمة حروبنا وصراعاتنا، في معمة قتالنا الشرس الذي اندلع من اجل التسمية والحقوق واثبات الوجود. تناسينا كل حقوقنا وركزنا على التسمية الواجب اطلاقها علينا، وكأننا وليد جديد او لقيط وجد صدفة مرميا على قارعة الطريق. لقد كانت حربنا مدمية للجميع واصاب رذاذها بالاخص من نادى بوحدة شعبنا وضرورة صيانة هذه الوحدة اكثر مما اصاب الاخرين، لانهم كانوا مستهدفين من الاطراف المتزمتة في كل الجهات. اقول رذاذها تبسيطا ولكن الحقيقة كانت طعناتها العميقة والتي قد لا تندمل جروحها في مدى المنظور. لان من طعن لم يستثن الكرامة الانسانية وشرف المطعون فكل الاسلحة ابيحت وكل ما خطر على بال الثائر قيل بحق من اراد استعمال العقل والتعقل. في خضم كل ذلك، كان بعض المخلصين من أبناء شعبنا يقدم الاقتراحات المتزنة للجنة صياغة الدستور كمواطنين يؤدون واجباتهم او كتنظيمات سياسية تقوم بطرح رؤياها القانونية والسياسية لمستقبل بلدها اسوة بكل القوى الوطنية،. في حين كان الغوغاء من كل الاطراف يرفعون العرائض تلو العرائض من اجل شئ واحد فقط ،الا وهو التسمية التي يرغبون بها. وكأننا في روضة اطفال نتدافع من اجل قطعة حلوى او لعبة ملونة، فلم نجد في هذه العرائض اي طرح لحقوق او لشكل الدولة او لمستقبل العلاقات بين مكوناتها،. نعم لقد كان صراعا دمويا داخليا طلبنا من الاخرين حسمه. في الوقت الذي كان من واجبنا فعل ذلك. كنا اطفالا لم نتمكن من حسم صراعنا على لعبتنا الا بتدخل الكبار، وقد حسموه وكانوا اكثر انصافا لنا من انفسنا. فلنرى ونقراء فقرات من مسودة الدستور الذي دعى البعض الى رفضه ودعينا الى القبول به. فلنحكم اين كان العقل والتعقل؟

تقول المادة الاولى : جمهورية العراق دولةٌ مستقلةٌ ذات سيادة، نظام الحكم فيها جمهوريٌ (برلماني) ديمقراطيٌ اتحاديٌ.

هل نص دستورا عراقيا على مثل هذا؟ هل ادرك ابناء شعبنا من الكلدان الاشوريين السريان مغزى هذه المادة؟ هل ادركوا ان توزيع السلطات يعني خدمات اكثر وجهد اقل وسلاما داخليا مضبوط بقانون وسلطات تأتي بارادة الشعب، وحرية تشكيل التنظيمات السياسية والرأي وغيرها؟ الم يعي ابناء شعبنا تأثير كل هذا عليهم؟ الم تشرح الاحزاب ذلك لهم. ام ان عمل الاحزاب كان استثارة الغرائز العدوانية تجاه الطرف الاخر من النفس، والذي صدفه علموه اسما اخر ليطلقه على نفسه؟

المادة الثانية

اولاً :ـ الاسلام دين الدولة الرسمي، وهو مصدرٌ اساس للتشريع:

أ ـ لا يجوز سن قانونٍ يتعارض مع ثوابت احكام الاسلام.

ب ـ لا يجوز سن قانونٍ يتعارض مع مبادئ الديمقراطية.

ج ـ لا يجوز سن قانونٍ يتعارض مع الحقوق والحريات الاساسية الواردة في هذا الدستور.

ثانياً :ـ يضمن هذا الدستور الحفاظ على الهوية الاسلامية لغالبية الشعب العراقي، كما ويضمن كامل الحقوق الدينية لجميع الافراد في حرية العقيدة والممارسة الدينية، كالمسيحيين، والايزديين، والصابئة المندائيين.

هذه المادة الثانية، هل تم ذكرنا كمسيحيين في اي دستور عراقي سابق؟ هل تم ذكر اخوتنا الازيدية والصابئة في دستور سابق؟ هل شرحت الاحزاب ماذا تعني ضمان حرية العقيدة في هذه الفقرة. اشك في ذلك. لانها كانت منشغلة بأمور اكثر اهمية وهي التسمية وضمان مستقبل بعض اطرافها في السلطة. لحد ان احد الاطراف في اللجنة الدستورية وقع على مسودة الدستور لا بل قراء جزء من المسودة. ولكنه بعد ان شعر انه سيخرج خالي الوفاض امر انصاره بمعارضة المسودة وفر هو الى اوربا لكي لا يشارك في العرس الديمقراطي العراقي بالقبول او الرفض. ولان انصاره عبدة مأمورون لم ينبسوا ببنت شفة ويسألوا اذا لماذا وقعت المسودة؟

طبعا كنا نمني النفس بدستور علماني واكثر تطورا، الا ان التمني شئ والواقع شئ اخر. فسيرد السؤال الينا، وماذا فعلنا لتخقيق امانينا ارسلنا العرائض تلو العرائض ولاجل ماذا كانت عرائضنا؟

المادة الثالثة: العراق بلدٌ متعدد القوميات والاديان والمذاهب، وهو جزءٌ من العالم الاسلامي، وعضوٌ مؤسسٌ وفعالٌ في جامعة الدول العربية، وملتزمٌ بميثاقها

ها هذه المادة الثالثة تعود وتؤكد تعددية العراق القومية والدينية، اي انها ضمانة اخرى لنا لكي نعمل من اجل ترسيخ هذه الضمانات قانونيا وفعليا، اي على الواقع. وهل كنا نطمح اكثر من ذلك؟ في حالة ان جل جهد شعبنا انصب اهتمامه على شئ واحد، وهو لم يكن بأهمية ضمانات مستقبل شعبنا في بلده.  لقد حركتنا الغرائز العدوانية التي تم ايقاضها فينا كل ضد الاخر الذي هو منا.

المادة الرابعة:

اولاً :ـ اللغة العربية واللغة الكردية هما اللغتان الرسميتان للعراق، ويضمن حق العراقيين بتعليم ابنائهم باللغة الام كالتركمانية، والسريانية، والارمنية، في المؤسسات التعليمية الحكومية، وفقاً للضوابط التربوية. او بأية لغة اخرى في المؤسسات التعليمية الخاصة. ثانياً :ـ يحدد نطاق المصطلح لغة رسمية، وكيفية تطبيق احكام هذه المادة بقانونٍها هو اعتراف اخر بلغتنا وبشكل دستوري، وبحقنا في تعليمها في المدارس الرسمية اسوة باللغة التركمانية، صحيح انها لم ترتقي الى مصاف اللغة العربية والكردية. الا انه وضع افضل بكثير مما سبق، وهو تطور ايجابي وخصوصا عندما نقراء الفقرتين التاليتين من نفس المادة (رابعاً: ـ اللغة التركمانية واللغة السريانية لغتان رسميتان أخريان في الوحدات الادارية التي يشكلون فيها كثافةً سكانية.

خامساً: ـ لكل اقليمٍ او محافظةٍ اتخاذ اية لغة محلية اخرى، لغةً رسمية اضافية، اذا اقرت غالبية سكانها ذلك باستفتاء عام.

اذا في نطاق ما لغتنا رسمية، ويمكن اتخاذها لغة رسمية لمحافظة او اقليم ان كنا نشكل فيه الاكثرية، فهل تم اعلام الشعب بهذه الفقرات. ام تم شحن شعبنا وراء غرائز العداء والكره للاخر ودعوتهم لرفض الدستور على اساس ذلك؟

المادة الخامسة:  السيادة للقانون، والشعب مصدر السلطات وشرعيتها، يمارسها بالاقتراع السري العام المباشر وعبر مؤسساته الدستورية.

ها هي فقرة اخرى وان كانت عامة الا أنها تؤكد على سيادة الشعب. وان ممارسة السلطة مكفولة بموافقة هذا الشعب. فهل الداعين للقول لا للدستور كانوا يريدون ان نعود القهقري الى سيادة الايديولوجية والانقلابات الثورية؟ لم يجب احد على ذلك ولن يجيبوا لان الجميع كانوا متلهين بامور اكثر اهمية. وهي حياكة المؤامرات احدهم ضد الاخر، وتغييب العقل والمنطق والسياسة. وتقديم خطاب التبسيط والتخوين وتحقيق المصالح الانية.

المادة السادسة: يتم تداول السلطة سلمياً، عبر الوسائل الديمقراطية المنصوص عليها في هذا الدستور.

وهذه المادة تؤكد على تداول السلطة وتؤكد على سلمية هذا التداول. اي الاستقرار السياسي الكفيل بخلق التقدم الاقتصادي والثقافي والعلمي والاجتماعي. فماذا كنا نريد ممن دعوا  لمعارضة الدستور، هل تم طرح بدائل اكثر منطقية؟ وحشد خلفها قوى سياسية لتحقيق ذلك. عودوا واطلعوا على عرائض ابناء شعبنا وسترون في ماذا كانت تنحصر مطالبهم!

المادة السابعة:

اولاً :ـ يحظر كل كيانٍ او نهجٍ يتبنى العنصرية او الارهاب او التكفير أو التطهير الطائفي، او يحرض أو يمهد أو يمجد او يروج أو يبرر له، وبخاصة البعث الصدامي في العراق ورموزه. وتحت أي مسمىً كان، ولا يجوز ان يكون ذلك ضمن التعددية السياسية في العراق، وينظم ذلك بقانون.

ثانياً : ـ تلتزم الدولة بمحاربة الارهاب بجميع اشكاله، وتعمل على حماية اراضيها من ان تكون مقراً أو ممراً أو ساحةً لنشاطه.

أليست هذه المادة ضمانة اخرى لشعبنا ولبقية مكوناته القليلة العدد. من تفشي العنصرية الدينية والقومية، لو احسنا استغلالها وتوظيفها. ام ان انشغالنا بالهم الاسموي لشعبنا انسانا كل شئ اخر في هذا الوجود.

بالطبع ستخرج بعض الاطراف القومية لتدعي بانها انجازاتها. وانها كانت تروم الحصول على اكثر من ذلك. ولكن لنقول انه هذه الاطراف لم ترينا يوما ماذا ترغب ان يتضمن الدستور. ولن يفيدها ذلك بعد الان. لأن اي شخص يمكن ان يدون ذلك ويقول انني طالبت بهذا. ولكن كان من المفترض ان يقوموا بذلك قبل تدوين الدستور، وليس ادعاء باطل يقول اننا قدمنا اعتراضات وتعديلات لم يطلع عليها الشعب. وما الغاية من سريتها في حين ان الجميع كان يقدم اعتراضاته وتعديلاته علنا؟ أليس خداع السذج مرة اخرى وشعبنا مع الاسف ملئ بالسذج.

المادة المائة والاحدى والعشرون: يضمن هذا الدستور الحقوق الادارية والسياسية والثقافية والتعليمية للقوميات المختلفة كالتركمان، والكلدان والآشوريين، وسائر المكونات الاخرى، وينظم ذلك بقانون.

ارجو قراءة هذه الفقرة بتأن، تقول الفقرة بضمان الحقوق الادراية والسياسية والثقافية والتعليمية للقوميات المختلفة كالتركمان (فارزة) والكلدان والاشوريين (فارزة)  وسائر المكونات الاخرى.

هنا علينا ان نتسأل لماذا لم يفصل المشرع بين الكلدان والاشوريين بفارزة،؟ في حين انه فصلهم عن التركمان وسائر المكونات الاخرى بفارزة، ولماذا اضاف الواو فقط،؟ ان قراة الفقرة وبلغة عربية سليمة تعني ان المشرع استعمل واو المعية، اي ان الاشوريين هي مع الكلدان غير منفصلتان، انهما شئ واحد. والا كان بامكان المشرع ان يقول كالتركمان، والكلدان، والاشوريين، وسائر المكونات الاخرى.

أليست قراءة جديرة بالاهتمام. أليس مطلوبا منا اليوم التفكير بالعمل من اجل خلق المؤسسات الوحدوية التي تيضمن لنا الدستور اقامتها،. بالرغم من الدستور يضمن وحدة بعضها من خلال اعترافه بلغتنا الواحدة (السريانية). أليس من حقنا ان نقول ان العرب والاكراد كانوا اكثر انصافا لنا ولوحدتنا القومية من ابناء جلدتنا. كانوا اكثر عدلا لنا، ممن فرض نفسه علينا بطل الامة غير المنازع،. كانوا اكثر احقاقا لحقنا من بعض اطرافنا السياسية التي ارادت الغاء الاخر من بين ابناء شعبها بحجج عنصرية وغير مسؤولة،. لا بل الكل كان يدرك انها لن تتمكن من ذلك،. والشئ الوحيد الذي ستتمكن من انجازه هو المزيد من زرع الاحقاد والضغائن بين ابناء شعبنا. هذا كله ونقول نعم كنا نريد الافضل، ولكن السؤال يبقى ماذا عملنا لكي نحقق هذا الافضل الذي كنا نريده؟

10 تشرين الاول 2005

لا زلنا نمتلك ذاكرة

 

أبان اجراء الانتخابات السابقة 30 كانون الثاني 2005، تم حرمان اهالي بغديدا وبرطلة من التصويت. وقد استنكرنا كلنا هذه الممارسة، بالرغم ان المفوضية العليا المستقلة للانتخابات بررت هذا الحرمان، الا انه لم يكن مقنعا لغالبية ابناء شعبنا. لانه اساسا من حق المواطن ان يصوت لمن يراه الافضل ليمثله، وخصوصا ان هذه الممارسة الديمقراطية كانت الاولى من نوعها التي تجري في العراق. بل ايضا ان ممارسة الانتخابات يعتبر مشاركة فعلية في بناء العراق الجديد. ولذا كان على المفوضية العليا المستقلة للانتخابات ان تأخذ المسألة بجدية اكثر وان تزيل بقدر الامكان عوامل اثارة الشكوك بالعملية الانتخابية برمتها، وهذا كان موقفنا بالاساس.

إلا ان المثير والمستغرب في هذه العملية أن تخرج اصوات عالية من بين ابناء شعبنا معلنة ان العملية كانت مقصودة لحرمان فصيل اوفصائل سياسية معينة من التمثيل الحقيقي في البرلمان. وذلك لاسباب مجهولة او لانها تود هضم حقوق شعبنا او لانها تكن حقدا على فصيل معين لنضالاته المشرفة ومواقفه البطولية والتاريخية والمبدئية. بعض هذه الاصوات قدر عدد ابناء شعبنا المحرومين من المشاركة بالانتخابات بحوالي 150000 مائة وخمسون الف على اساس ان تعداد شعبنا يقدر هناك بحوالي 300000 ثلاثمائة الف نسمة. اي حوالي خمسة كراسي اضافية مضمونة. والبعض الاخر كان اكثر تواضعا فقدر عدد الناخبين من بين ابناء شعبنا بحوالي 80000 اي ثمانون الف ناخب، اي مقعدان اضافيان مضمونان مع بقية حوالي عشرون الف صوت تضاف الى حصته الاخرى فيضمن مقعد اخر.

الطموح أمر مشروع، والعمل من أجل تحقيق الطموحات امر أكثر شرعية ان كان هذا العمل يسير بطرق قانونية وغير مخادعة، فكل شعب يعمل من اجل حقوقه، وكل تنظيم سياسي يعمل من أجل احقاق حقوق شعبه وقد تختلف زاوية النظر لهذه الحقوق بين الاحزاب المختلفة، الا انها على الاقل تدعي بانها تعمل من أجل الصالح العام.

مشكلتنا مع الكثيرين انهم لا يعرفون حقائق الوضع على الطبيعة. ويعتقدون انهم بايرادهم ارقام ومعلومات خاطئة ومتضاربة ومضخمة. يخدعون الاخرين ويعتقدون ان هؤلاء الاخرين لا يمتلكون المعلومات الحقيقية في حين ان الاخرين يمتلكون مفاتيح معرفة الحقائق لانهم يمتلكون كل السلطات التي تؤدي بهم الى هذه المعرفة. من السلطة السياسية والعسكرية والقدرات المالية ومؤسسات البحوث والدراسات والخبراء بكل هذه المجالات.

اذا العملية لم تكن خداع الاخرين بقدر ما كانت خداع الذات وفي اسواء الاحوال خداع ابناء الشعب وجعلهم يعيشون احلام غير حقيقية، او واقع سياسي مخادع. ان هذه الادعات قد خدع بها الكثيرين حتى من تنظيمات شعبنا، مما الحق ضررا بالغا بمصداقية العمل السياسي لشعبنا وتنظيماته السياسية. كما أظهرنا الأمر وكأننا نصرخ لأي حدث، وان لم يكن حقيقيا مطالبين مساعدة العالم لنا، في امر لا نستحقه مستغلين امور بعيدة عن السياسية وحقائقها والديمقراطية وممارساتها.

ولنكن اكثر وضوحا ادناه الارقام التي نشرها موقع عنكاوا حول عدد من يحق لهم الانتخابات في كل من قضاء برطلة وبغديدا الذين بلغ مجموعهم حوالي23395 ثلاثة وعشرون الف وثلاثمائة وخمسة وتسعون ومن بينهم لنكون قليلا مغالين لصالح شعبنا ان ثلثهم ليسوا من ابناء شعبنا (اي الثلثين من ابناء شعبنا) اي حوالي 7798 يبقى لدينا من ابناء شعبنا 15597 ناخب، اذا أليس من حقنا ان نتسأل اين الثمانون الف ناخب الذين حرموا من حق التصويت؟ او اين المائة والخمسون الف صوت انتخابي؟  ومدى المصداقية التي يمنحها هذا الامر لاحزابنا ومؤسساتنا ولقادة احزابنا؟ ألا يوصمهم بالكذب أمام الآخرين؟ أليس من حقنا ان نقول، ماذا سنجيب على التسأؤلات المشروعة التي يمكن ان تنطرح علينا؟ ما هي النتائج التي افرزها صراخنا واتهامنا للاخرين؟ الم نقم ونحن نصرخ ونخرج بتظاهرات وبيانات ولو بخدش العلاقات التاريخية بيننا وبين الشعوب التي نتعايش معها؟ المطلوب ليس السكوت عن الحق، بل المطلوب عدم اشاعة الاكاذيب والدجل ونشر الاتهامات المزيفة لاجل المصالح الشحصية.

والامر الاخر المثير والمشمئز، أين المتباكون على القائمة القومية، أين الذين كتبوا ونشروا وهرولوا خلف الدهماء والغوغاء عن القائمة الفومية الموحدة؟ هل سنراهم هم انفسهم سيمدحون القائمة المنفردة اليوم ودون تبرير او تفسير؟، أليس من حقنا ان نتسأل ان الغاية لم تكن القائمة القومية الموحدة، بل الهجوم الحاقد على ابناء الامة ممن يختلفون في التوجه السياسي، دون مراعاة حدود هذا الهجوم.

لا يمكن لامة ان تتقدم وهي تقف على ارضية هشة غير حقيقية وغير واقعية. لانها لن تمتلك اي تصور سليم لوضعها فكيف يمكنها ان تمتلك مثل هذا التصور عن الاخرين وعن الواقع السياسي وموازيين القوى؟ ولنقل مرة اخرى نحن نمتلك ذاكرة تسجل كل هفواتنا وزلاتنا. وليت الاخرين يمتلكون مثل هذه الذاكرة، لوفرنا على نفسنا الكثير من التجارب المتكررة والمملة لحد السقم.

29 تشرين الاول 2005

هل تمكنوا من خلق الشعور الوطني على جثث شهداء سميل؟

كانت نبرة الصحف العراقية عالية في صيف عام 1933، مطالبة بمعاقبة هؤلاء الاثوريين عملاء الاستعمار، الاثوريين الدخلاء واحيانا التيارية وغيرها من التسميات. هذا العراق الذي كان قد نال استقلاله قبل حوالي تسعة اشهر، هذا العراق الذي اقر بانه سيحترم حقوق الاقليات لكي ينال هذا الاستقلال، رغم معارضة الكثيرين ومنه ابناء شعبنا والازيدية، فالعراق ما كان مهيئا ابدا للاستقلال من كل النواحي. فالطبقة السياسية التي كانت تسير اموره هي طبقة متخلفة تنخرها الانقسامات العشائرية والطائفية ورغم ان اغلب اعضاء هذه الطبقة كان يتفاخر بانتمائه العروبي، هذا الانتماء الجديد والغير الواضح، فكان الانتماء العروبي مرغوبا لان فيصل الاول من رعيله الاول والامير غازي من مسايريه، وكان البعد الاسلامي للانتماء القومي هو الغالب. ومن ناحية اخرى كان العراق لملوما ان صح التعبير، فالالوية الثلاثة التي دمجت في بلد واحد سمى العراق، لم تكن مرتبطة ببعضها البعض برباط وطني متين، فما كان ارتباط البصرة بالموصل الا كارتبطها  بطرابلس الغرب كمثال، فالموصل كانت ترتبط اكثر بحلب منها ببغداد او البصرة، والغالبية من ابناء لواء الموصل حينذاك (يشمل اليوم محافظات نينوى واربيل ودهوك والسليمانية وكركوك واجزاء من صلاح الدين) كانت تتطلع الى الشمال فالاكراد كانوا يتطلعون للتوحد مع اخوتهم في القومية في تركيا في منطقة مستقلة وعرب الموصل كانوا مع البقاء مع تركيا والتركمان كان خيارهم تركيا، اما ابناء شعبنا الخارجين للتو من اكبر مذابح القرون الاخيرة (في مذابح 1914-1917 قدم شعبنا حوالي 750 الف قتيل) فكانوا يتطلعون لانصافهم ومنحهم حق ادارة امورهم في مناطقهم التاريخية والتي تشمل منطقة حكاري ومناطق في غرب دجلة وجنوبا الى مناطق سهل نينوى . اذا حتى ولاية الموصل بذاتها لم يكن توجه سكانها عراقيا مائة بالمائة، والتوجه العراقي عندما دعمه شعبنا فانه دعمه جراء وعود بان يحصل على حقوقه الكاملة وخاصة ادراة نفسه بنفسه.
اما البصرة فانها وبرغم كونها تابعة للسلطنة العثمانية فان علاقاتها كانت اقوى مع منطقة عربستان الحالية وخصوصا الاغلبية الشيعية اما السنة فتوجههم كان جنوبا، اكثر مما هو نحو الشمال اي بغداد.
نتيجة للواقع الاجتماعي والسياسي والثقافي للدولة العثمانية، فان المواطنين كانت تربطهم رابطة الدين، وهنا كان الاسلام هو الرابطة التي ربطت كل هذه الشعوب بعضها ببعض، وكلنا نعلم مدى اهمية ما تناقله السلاطنة العثمانيين من انهم استلموا البيعة من العباسيين، وبالتالي كانوا هم بنظر الشعب او المسلمين على الاقل الامتداد الطبيعي للخلافة العباسية.
كان واقع ابناء الديانات الاخرى مختلف تماما، ففي المناطق المعزولة والبعيدة عن الاضواء مثل مناطق تواجد ابناء شعبنا بين حكاري شمالا وسهل نينوى جنوبا وطور عابدين غربا وسلامس شرقا، كان الشعب واقع تحت نير من الظلم والاستغلال اليومي وبشكل بشع جدا، نستثني من ذلك العشائر في حكاري حيث كان مناطقهم عصية ويتمتعون باستقلالية نسبية، حتى انه كان من الصعب على الغريب دخول مناطقهم الا برضاهم، وهذا الامر زال نسبيا بعد هجمات بدرخان بك والي جزيرة بوتان الذي قام بمذبحة كبرى بحق ابناء شعبنا في حكارى خصوصا.اما المناطق ذات الاكثرية المسيحية او القريبة من انظار الاوربيين فكان الوضع افضل كثيرا.
تحت تاثير مثل هذه الاوضاع تربى اغلب القيادات العراقية التي سلمت لها زمام ادارة دفة البلد، ولذا فانهم كانوا ينظرون الى ابناء الديانات الاخرى نظرة دونية ويحملونها منية بقاءهم على دينهم لحد الان. اذا كانت هذه هي النظرة في الحالة الطبيعية فكيف ستكون في حالة مطالبة ابناء الديانات الاخرى بحقوقهم وان كانت بصورة مبسطة مثلما طالبت قيادات شعبنا في مؤتمر رشت اميديا (سرى اميدي).
كانت القيادات العراقية متبخترة بلقب بروسيا العرب الذي اشاعه بعض القوميين العرب،ولاثبات قوة العراق وقوة جيشه واثبات ان اللقب ينطبق على العراق وعلى قيادته فكان لا بد من ان يزج الجيش في معركة يربحها وهو مطمئن وخصوصا ان الجيش القوي كان معيار قوة الدول في ذلك الوقت.
نعتقد ان سرد تفاصيل ما حدث خلال ذلك الصيف اللاهب في بغداد والعراق بات معروفا لمن يريد ان يعرف.  ان الاشوريين ما كانوا يطالبون بمطالب تعجز الدولة عن الاقرار بها، وان الاشوريين كانوا قد سلكوا الاساليب الديمقراطية  في المطالبة، وان اغلب ما اشيع عن التحركات الاشورية العسكرية كان كذبا ويراد منه تحقيق مخطط تم وضعه باحكام لاجل تحقيق امر واحد وهواثبات قوة الدولة وضرب الجهة التي يمكن تاجيج المشاعر الاسلامية تجاهها وهنا كان من الواضح ان الاشوريين هم الطرف الامثل لتحقيق ذلك. ان الاشوريين كانوا قد اضعفوا من قوة علاقاتهم ببريطانيا عندما قدموا استقالا ت جماعية من الجيش الليفي، وبالتالي كان الخوف من الاعتراض البريطاني على ضرب الاشوريين غير موجود لدى القيادات العراقية، هذا ناهيك عن ما يعتقد على نطاق واسع من ان المخطط اساسا كان برضا المستشاريين البريطانيين  الذين ما كانت وزارة عراقية تخلوا منهم.
اذا كان قرار ضرب الاشوريين ليس لاجل انهم اعلنوا عصيانا على الدولة، وليس لانهم يطالبون بمطالب سياسية، بل ان ما عجل في ضربهم، هو الخلفية العصبية والثقافية للقيادة العراقية، والتباهي بقوة الجيش، وبرغم من ان الجيش لم ينجح في المواجهة الحقيقية، بل نجح في مواجهة العزل والنساء والعجائز، الا انه تم اقامة الاحتفالات بانتصاره على اعداء الوطن (هكذا قيل)، وصار بكر صدقي بطلا للعراق كله هذا الذي سيتحول بعد اربعة سنوات خائنا يستوجب قتله من قبل العروبيين الذين هللوا لانتصار جيش العراق على العزل والنساء والاطفال. نعم كانت سميل نقطة حالكة السواد في التاريخ العراقي، لانها اسست للقوة في حل الخلافات السياسية، ان ما حدث في سميل اسس لما حدث في العراق من انقلاب ما سمي بالمربع الذهبي وما حدث على جسر الشهداء وما حدث في كركوك والموصل، وما حدث في ضرب الحركة الكوردية ابان ثورة ايلول او ثورة كولان او الانفال او الحلبجة، ان ما مارسه الجيش العراقي وبعض القيادات السياسية في العراق ابان احداث سميل اسس لعملية رفض الاخر لحد الغاءه ماديا او معنويا، وكانت الدماء التي اريقت في العراق منذ صيف عام 1933 فاتحة لما حدث في العراق تاليا ولازال الامر عند البعض مستمرا.
ان مناداة البعض بوطنية المؤسسة العسكرية هو نفاق في نفاق فالمؤسسة العسكرية لم تكن بالوطنية لانها شاركت في الخلافات الاهلية او السياسية وحاولت حسمها لصالح فئة دون الاخرى، وقد تلطخت يد المؤسسة العسكرية بالدماء الزكية لمختلف الاطراف العراقية، وهذا عائد لان المؤسسة العسكرية العراقية لم تبنى على مفاهيم وطنية صائبة بل كانت اداة في ايدي حملة ايدولوجية معينة، هذه المؤسسة التي زجت باباناءها في حروب لا ناقة لنا فيها ولا جمل مثل حرب 1948 وحرب 1967، هذه المؤسسة التي شاركت في حروب خارجية فاشلة جلبت الدمار للوطن والشعب، مثل حرب الخيلج الاولى والثانية. لا يمكن باي حال من الاحوال ان يقال عنها انها مؤسسة وطنية. واذا كنا لا ننزع الشعور الوطني من كل ابناء المؤسسة فاننا نعتقد بان منح هذه المؤسسة هذا الاستحقاق هو باطل وغير اخلاقي امام ما اقترفته بحق الوطن والمواطنين.
هذه الممارسات من قبل الطغمة الحاكمة منذ عام 1933 ولحد الان، الحكام وان تبدلوا الا ان تعاملهم مع الوطن ومع المواطنين بقى يدور في فلك واحد الا وهو ان على العراقيين ان يكونوا ضحايا على مذبح الطموحات الفردية والمعتقدات الايديولوجية للحكام، وان لم  تتبدل الامور فان الشعور الوطني للفرد العراقي لن يكون شعورا وطنيا حقيقا بل سيظل على الدوام شعورا مرتبطا بالعشيرة او الطائفة او الانتماء القومي. ان الشعور الوطني سينموا بقدر شعور المواطنين ان الوطن لهم جميعا وليس لفئة معينة فقط كما هو حاصل لحد الان مع الاسف. ان الموسسة السياسة العراقية لا تزال تتعامل مع الاخرين بقدر قوتهم وليس بقدر حقهم الطبيعي، ولذ فهي مستعدة للتنازل امام القوى الارهابية والتسترعلى الكثير من الامور لكي تلقى رضى هذه القوى.
لقد كانت مذبحة سميل تاسيس لعدم الانتماء للوطن العراقي وسيبقى هذا العنوان يرافق العراق ما دام غير قادر على حل الاشكالات الحقيقية التي تواجحه بتفهم وادراك ضرورة حل الامور بعقلانية وبتفهم وليس على اساس منح صفات محددة للوطن على الجميع الاقرار بها والا!
فالعراق يجب ان يكون العراق وليس عراقا عربيا او كورديا اواي شئ اخر، ان اردنا ان نتمتع جميعا في وطننابحقنا وان تكون هناك روح وطنية حقيقية، الوطن الذي يضطهد فئة ما على اساس قومي او ديني ليس له الحق في مطالبة هذه الفئة بتقيدم واجبات المواطنة له.

6 اب 2009

ما هكذا يدعم اصل العراق!!!

تيري بطرس

ماكدت ارى ردي على مقالة الاستاذ الدكتور سيار الجميل على صفحات صحيفة الصباح البغدادية، وبعنوان ردا على مقالة الدكتور سيار الجميل العدالة في توزيع المظالم.

حتى تفاجات بمقالة الدكتور كاظم حبيب والتي هي بعنوان (رأي في الحكم الذاتي والشعب الكلد- آشور- السريان في العراق)، لقد كانت مقالة الدكتور كاظم حبيب بالنسبة لي حقا مفاجأة غير سارة، فالاستاذ كاظم حبيب ليس ببعيد عن معرفة واقع شعبنا الكلداني السرياني الاشوري، والتهديد الجدي الذي يطاله ليس كافراد بل كشعب ذو خصوصية حضارية ثقافية، فمشاركات الاستاذ كاظم حبيب في نشاطات ابناء شعبنا وخصوصا المقامة في برلين عديدة ويشكر لها ولمواقفه السابقة في تفهم حقوق شعبنا. ولكن المفاجاءة كانت في ايراده مبررات يدرك الدكتور وكلنا ندرك ان هذه المبررات غير صحيحية وما حدث لم يكن بسبب مطالبتنا بالحكم الذاتي، فالمطالبة بالحكم الذاتي بدات منذ ما بعد منتصف عام 2006، على الاقل المطالبة الاخيرة، ولا نقصد المطالبات التاريخية. وكان قد سبق هذه المطالبة الهجمات المتتالية على ابناء شعبنا ودور عبادتهم وتهجيرهم من البصرة والانبار والدورة، عدا عمليات التصفية التي سبقت ذلك في الموصل، والدكتور يدرك جيدا ان الارهابيين والمتعصبين قوميا، ليسوا بحاجة لمبررات لقتل ابناء شعبنا، فنحن نقتل بجريرة ما يقوله بابا روما، او بجريرة رسوم كاريكارتيرية رسمها دنماركي غير مؤمن اصلا، ونقتل بجيرة صراع مسيحي اسلامي في اندونيسيا او جراء الصراع في شيشان، او قتل اليهود لفلسطينين في اسرائيل يتم الثأر منا. ولم يتكلم ولم يطلب احد من بابا روما لكي لا يتكلم لكي لا يعاني ابناء شعبنا وبقية المسيحيين من ردات فعل الارهابيين. او غيرها من المواقف.  ولكن عند قتل المسيحيين او من ابناء شعبنا الكلداني السرياني الاشوري وهو العمل المستمر والدائمي نطالب بالصمت والسكوت وان لا نرفع صوتا باي مطلب لحماية مستقبل شعبنا محملينا مسؤولية ما يراق من الدماء البريئة لابناء شعبنا. انه حقا منطق غريب، انه منطق السكوت والصمت عن الشكوى وعن بحث الحلول لكي لا نستثير الارهابيين، اذا لنترك شعبنا يهاجر رويدا رويدا ويضيع في المهاجر، وليرثتنا من يتواجد في العراق من العرب والكورد، فهل هذا هو المطلوب؟

اذا كنا نحن مهددون لمطالبنا السياسية، فما مبرر عمليات قتل المندائيين والازيدية، ما مبرر قتل الشيعة على يد تنظيمات سنية والسنة على يد عصابات شيعية. ان الارهاب والارهابيين لن يعدموا حجة لاذيتنا والنيل منا وحجة مطالبتنا بالصمت عن اي مطالب قومية مشروعة بحجة للحفاظ علينا فيها بالنسبة لنا ان، وليعذرنا الدكتور ان قلنا ان الحجج ليست بريئة مطلقا.

لماذ تسيئ علاقتنا بالشعبين العربي والكوردي، جراء مطالب قومية لا تسرق من احد، بل هو مطلب لتنظيم اداري سياسي يحمل مميزات تساعد شعبنا في البقاء ليس الا. فهل ما هو حلال للاكراد والعرب حرام علينا؟، هل لهم حلال ترسيخ حقوقهم القومية والدينية والطائفية، وهم غير مهددون كثقافة وكحضارة في وجودهم، وحرام علينا؟، اليس منطقا غير سليم ما يطرح علينا لكي نتخلى عن مطلب مشروع وانساني ومحق في اطار كل الاتفاقيات الدولية .وهل تغيير الخارطة الادارية لمنطقة سيثير العرب والكورد؟ الم تتغير خارطة محافظة الموصل، حيث استقطعت منها كل محافظة الدهوك، واقضية منها الحقت بمحافظة صلاح الدين، لماذ سكت العرب على هذه الاستقطاعات، هل لان الحكومةكانت حينها مسيرة من قبل حزب عروبي ؟، وهل ان ما يقوم به طرف قوي امر محق وما يطالب به شخص ضعيف وخائف على الذات، يستحق الرجم والاستهزاء؟

اخر ما كنا نتوقعه من الدكتور ان يعتبر ان حق اقامتنا في الحدود العراق الاتحادية ، كانه منى النفس بالنسبة لنا، او كأنه حق مسلوب منا في السابق، وجاء التغيير بعد 9 نيسان 2003 واعاده لنا.

في البصرة كنا موجودين ولكننا انحسرنا وبات عددنا قليلا جدا، وفي الرمادي تم ابعادنا، وفي الكرخ من بغداد يحتفل بين الفينة والفينة بعودة الامن ولكن اهلنا لا يحسون به، ان وجودنا في العراق وحق التمتع بهذا الحق هو حق لكل مواطن عراقي، فاذا كان الحق مباح للكوردي فما بالكم تتغنون بالفدرالية، كحق للكورد، فهم باعتقدي وبحسب المنطق السائرون عليه،  ليسوا بحاجة للفدرالية وليعود العراق الى سابق عهده بلا فدرالية ولا هم يحزنون. ولتتوقف كل المطالبات العربية والتركمانية والكوردية، بضمان حقوقهم.

في الدستور العراقي، تم تقنين الصراع من خلال المادة 140، وهي تخص كل المناطق المتنازع عليها، وللغرابة او لحسن الحظ فكل مناطق شعبنا تقع ضمن اختصاص المادة 140، فهل هنا سيكون الصراع التناحري، وسنؤخذ بجريرة مطالبنا، في حين ان هناك صراع على محافظة بكاملها وهي محافظة كركوك، وصراع على منطقة سنجار وهي اكبر من سهل نينوى، وصراع على خانقين ومندلي وزرباطية، فهل حل هذه الاشكاليات والتي تتعلق بالارض، وهي لن تؤثر على الهوية القومية الكوردية او العربيةن بمعنى ان عادت عائديتها لاقليم كوردستان فان العرب لن يفقدوا هويتهم القومية وان بقت في وضعها الحالي فان الكورد ايضا لن يفقدوا هويتهم القومية وكل المناطق بالتالي هي ضمن العراق الاتحادي، هذا العراق الذي عندما يصل الامر الى الحديث عن حقوقنا يرجع وبقدرة قادرة الى اكثر الاشكال من المركزية المتزمتة. ولكن نحن المهددون بزوالنا من على وجه الارض كشعب وكهوية تتراكم على رؤسنا التهديدات ليس من الارهابيين فقط، بل ايضا من المحسوبين اصدقاء شعبنا، ومن حملة مشاعل التنوير والليبرالية الاجتماعية على الاقل ان لم نقل السياسية. اذا مسألة الصراع علي المناطق تم حسم الية حلها وهي مدونة في الدستور، واذا بقت في المناطق العربية او التي سميت بالعربية او اذا الحقت باقليم كوردستان فهي ستبقي عراقية خالصة. ولكن كل ما في الامر انه ستقوم في المناطق الخاصة بشعبنا مؤسسات تشريعية وتنفيذية وهياكل ادارية من القضاء والشرطة المحلية ودوائر الدولة الضرورية الاخرى، ستكون لغة التخاطب الرسمية فيها السورث (السريانية المحكية) وسيكون للمنطقة مؤسساتها النابعة من شرعية مؤسساتها التشريعة لادارة العملية التربوية والعلمية وتصحيح مسارت معينة ووضع الحل النهائي لمشاكل عويصة تواجه شعبنا مثل التسمية، اي ان الميزانية الخاصة بالمنطقة ستلاحظ تخصيص اموال تصرف لتطوير ثقافتنا وتعمل لشد لحمتنا القومية المشوه بفعل ما مورس بحقنا عبر التاريخ الماضي والذي انتم سيد العارفين مضمونه.  .

ماهي المشاكل التي ستخلقها المطالبة بالحكم الذاتي، فوق كل المشاكل التي يعانيها العراق، من الارهاب والتدخلات الاجنبية وخصوصامن قبل بعض دو الجوار، والصراعات الطائفية والقومية. ان  الاطراف المشتركة في هذه الصراعات والمشاكل تستعمل كلها السلاح والمفرقعات والتهديدات لتحقيق غايتهأ، عدا المطالبة بالحكم الذاتي لشعبنا والذي يسير بما رسمه الدستور العراق وروح الديمقراطية، فهل كل ما سبق ترياق للعراق والحكم الذاتي هو الطعنة النجلاء له؟

ان مسألة اين سيكون الحكم الذاتي، سيتم حسمها بالتصويت الشعبي المنوص عليه ايضا في الدستور العراقي حين الرغبة في تحديد عائدية منطقة ما. وعلى العرب في محافظة الموصل، والاكراد في اقليم كوردستان استمالتنا بتقديم مميزات سياسية واقتصادية لمنطقة الحكم الذاتي ان ارادوا ضم مناطقنا، والشعب بالتاكيد سيختار الحكم الذاتي في المنطقة ذات المميزات الافضل. ولكن من الثابت ان منطقة الحكم الذاتي ستكون في العراق، وهذا تدركونه جميعا ومن الثابت ان منطقة الحكم الذاتي ستكون منطقة تضم خليطا من ابناء شعبنا الكلداني السرياني الاشوري والكورد الازيدية والشبك والعرب والكورد المسلمين.

ان احد اسس بناء العراق الديمقراطي هو ان يكون لكافة مجموعاته السكانية او مكوناته وبذات الحقوق، والسيد سركيس اغاجان في مطالبته بالحكم الذاتي وبمساعدة اكثرية تنظيمات شعبنا السياسية وجمهرة كبيرة من مثقفينا ورجال ديننا وبقية ابناء الشعب بنساءه ورجاله وشبابه، فانهم بالتأكيد يساهمون في بناء العراق الديمقراطي التعددي الخالي من عوامل عدم الاستقرار، وهنا يتبادر الى ذهني السؤال التالي هل ترون حقا ان استقرار العراق مناط فقط بوقف شعبنا مطالبته بالحكم الذاتي؟

ان ارهابنا بالبعبع العربي والمد الاسلامي يجب ان يزيدنا اصرارا على المطالبة بالحكم الذاتي، البوتقة التي يمكن منها ان تنطلق اسس حمايتنا واستمرار شعبنا على ارضه التاريخية، ان ارهابنا بهذه الامور دليل على عدم حسن النية، فالمطلوب هو لجم التعنت العروبي والتهور الاسلامي لكي يكون البلد وشعبه مهياء للدخول في حوار شامل لحل كل مشاكله بالاسلوب الحضاري وليس بالترهيب والوعيد.

27 نيسان 2009

 

نحن بحاجة لروح التفهم ايضا، مقالة لم تنشرها صحيفة عراقيون

 )  كان الاخ ش قد نبهني الى مقالة بعنوان روح المحبة والتسامح ارثنا منشورة في صحيفة عراقيون  طالبا مني الرد، وقمت حينها بكتابة هذا الرد وارسلته الى عنوان الصحيفة ولكنه لم ينشر، وادناه ايضا اخر اميل استلمته من الاخ ش يوضح ملابسات عدم نشره، وانني اعيد نشره، رغم تقارب مضمونه مع مضامين مقالات اخرى لكتابنا الاعزاء)

نشر الاستاذ محمد فوزي مقالة بعنوان روح المحبة والتسامح ارثنا ،في العدد 195 من صحيفة العراقيون الصادرة بتاريخ 16 تشرين الثاني 2008 في الموصل ولمالكها الاستاذ اثيل النجيفي.

ورغم اعجابي بروح المحبة والتسامح التي يبديها الاستاذ الكاتب مع المسيحيين، وبالاخص مسيحيي الموصل، والذين يمتد تواجدهم في هذه المدينة منذ تاسيسها وتاريخها وتاريخ كنائسها ومزاراتها يشهدون على ذلك، الا اننا راينا في المقالة مغالطات كثيرة يوجب الرد عليها، ونحن اذ لا نحمل القصدية في هذه المغالطات للاستاذ الكاتب، ونعتقد انها نتاج لثقافة الخوف من الاخر، ولثقافة ان تمتع الاخر بحقوقه الوطنية كمجموعة سكانية يضر الاخرين. وهذا لا حظناها في الموقف من القضية الكوردية، التي وصفت مرارا بانها محاولة لتاسيس اسرائيل ثانية، فكيف يكون التفهم لمطالب مشروعة ودستورية من قبل مجموعة سكانية، ارث المنطقة ينظر اليها وكانها خارج الشعب. وهي في ضيافة الكريمة للمسلمين ولا ينظر اليها نظرة مواطن يرغب في حماية ذاته وخصوصيته القومية والدينية في اطار وطن، يقول دستوره انه فدرالي او اتحادي، بمعنى انه مؤلف من مناطق وشعوب او امم او مجموعات سكانية متحدة طواعية لكي تعيش معا في ظل قانون يساوي بينها في الحقوق والواجبات.

يقول الكاتب ((ان الطائفة المسيحية تتخذ كورقة ضغط اوجعلهم كانتون ضيق يعزلهم وهم عرب عن اخوتهم المسلمين)) نعتقد جازمين ان هذا الفهم الخاطئ ناتج عن الثقافة التي تنظر للوطن كمثال واحد لا تنوع فيه. ولا حق لاي اختلاف بالظهور بل يجب ان يكون الشعب والوطن كالبنيان المرصوص وصوت هادر موحد خلف القائد. وليس الفهم الذي يدرك ان الوطن غني بتنوعه وبتعدده، والوطن قوي بوحدته النابعة من ارادة ابناءه الحرة، وليس من ارادة قائد مهما كان رأينا في هذا القائد. ان الشعب الكلداني السرياني الاشوري، اذ يطالب بحقه في الحكم الذاتي يخطو على خطى الدستور العراقي المقر والذي يعمل الجميع تحت ظله، وبحسب مواده ولا يعملون في ليل مظلم كمتأمرين ينون الحاق الاذى بالوطن، الذي هو وطنهم منذ اكثر من ستة الاف سنة ولحد الان. هذا الشعب من كثرة ما مرت عليه الحوادث والمذابح والاضطهادات الممنهجة والخارجة من اقبية الكارهين للاخر، صاروا اقلية في بلدهم، ونحن لا نقول الكلام على عواهنه للاستاذ الكاتب بل التاريخ هو الذي يتحدث، نحن ندرك انتم منا والكورد منا لاننا نشعر ونحس بان الكثير من ابناء شعبنا تعربوا وتكردوا وتاسلموا بفعل عوامل كثيرة وكان اقلها بالتاكيد القناعة والايمان. ولذا نحبكم وسندافع عنكم،  ونعمل معكم، ولكنكم هل تتمكنون من تفهم مخاوف جزء اصيل من شعبكم، مخاوفه من الانقراض كميزة ثقافية وحضارية تربطكم بماضيكم الجميل والعظيم. ان الكلدان السريان الاشوريين لا يريدون اقتطاع جزء من وطن هو وطنهم، بل تنظيم انفسهم في الوطن لكي يحموا اصالة ارثه ولكي يحموا ثقافتهم وتقاليدهم وعاداتهم التي يعمل الزمن والقوانين الموضوعة لصالح الاكثرية على سحقهم وتعريب وتكريد البقية الباقية منهم.

انه سؤال مهم ما هي المخاوف من ان يكون لهذا الشعب المعطاء والذي خدم الوطن وقدم لاجله الغالي والرخيص، من ان يتمتع بهذا الحق وضمن منطقة للحكم الذاتي تكون جزء من الوطن؟، الن تكون تجربة ثرية للوطن وللشعب؟ وما الذي سينتقص من حقوق الاخرين ومن حقوق الوطن لو تمتع الكلدان السريان الاشوريين بحقهم في الحكم الذاتي؟  لماذا لا نستفاد من تجارب الامم المتقدمة ونضع خططنا وتصوراتنا لمستقبل الوطن في اطارها الصحيح؟ مرة اخرى لماذا لا يتفهنا بعض الاخوة العرب او الكورد، في مطالبنا المحقة، وهي مطالب لا تسندها لا البنادق ولا السيوف، ولا مؤامرات خارجية، لماذا لا يخرج العرب و الكورد في مظاهرة لدعم هذا الحق الانساني لهذا الشعب الذي يحمل اصالة العراقيين ام ان حمله لهذه الاصالة وبقاءه محتفظا بها مدعاة لخوف الاكثرية؟

وفي الوقت الذي لا يمكننا ان نعبر عن راي اخوتنا المسيحيين العرب ممن يرجعون باصلهم الى بني تغلب وبني ربيعة، كما وفي الوقت الذي لايمكن ان نقول ان المجتمع المسيحي او اي مجتمع لا يحوي اناس يحملون نوايا خبيثة، نقول ان حامل النوايا الخبيثة لا يعمل في وضح النهار، ويطالب اخوته بتفهم مخاوفه لاجل العراق الموحد والعراق الوطن والعراق الشعب.

عندما اتى البعض من خارج الحدود، نود ان نذكر الكاتب انه لم تكن هذه الحدود قد وضعت، وكان الوطن باتساعه يعتبر واحدا ، ولو ان صياغة اتفاقيات سايكس بيكو بقت على حالها لكان وطننا الان سوريا وليس العراق، كما وكان يمكن ان تكون حدود العرق جنوب الشرقاط، وليس على قمم الجبال، ولكن من كان اول من حمى حدود العراق في راوندوز عام 1922 وصوت لجعل لواء الموصل ضمن العراق،الم يكن هؤلاء اللذين يتهمهم الاستاذ الكاتب بانهم اتوا من خارج الحدود؟.

ان اقضية وقصبات الموصل كلواء سابق او كمحافظة نينوى الحالية هي جزء عزيز وغالي على ابناء شعبنا الكلداني السرياني الاشوري، لانها تضم اغلب مواقعه التاريخية ويكفيك نينوى واشور ونمرود ودير الربان هرمز والاديرة والكنائس القديمة التي يعود تاريخ الكثير منها الى اكثرمن الف عام، فما هي نغمة فصل جزء من الوطن، وكيف يكون وطنا لنا وكل هذه المدن وغيرها من البصرة التي سميناها كرخ ميشان والعمارة ميشان والديوانية قاديشتا وتكريت وبلد وانبار وغيرها لنا كما هي لكم ولكل العراقيين.

يبادر الناس في العالم المتحضر للتظاهر والاعتصام لاجل انقاذ فصيل حيواني يهدده الانقراض، فما بالكم لا تهتموا باصل العراقيين وحامل تراثه الاصيل للقرن الواحد والعشرين، ان مطالبة الكلدان السريان الاشوريين بحقوقهم كانت بمظاهرة علنية وسلمية ويطالبون بمقالة وبقول وبكلمة محبة وطلب تفهم، فهل امام كل هذا يتم تبرير ما فعله البعض بجزء من ابناء شعبنا العراقي وهم مسيحيي الموصل؟ اهذه هي وقفة مواطن مع ابناء شعبه لهم مخاوف مشروعة؟

لماذا نقف خائفين مرتعدين امام اي مطالب للاخرين، وهم جزء منا، لماذا نحاول تخييرهم بين القبول بالامر الواقع او الاتهام بالخيانة، واليسوا بشرا لهم مطالب قد تكون محقة وقد تكون غير ذلك، ولكننا في كل الاحوال يجب ان نتناقش معهم حولها، وليس الرد بقتل من هو من دينهم ويعيش بيننا؟

لا نود ان نحيلكم الى الحريات التي يتمتع بها العراقيين كافة في بلدان الغرب، العراقيين الهاربين من بعض حكوماتهم، ومن بعض منظماتهم ومن بعض قومياتهم ومن بعض اديانهم، وهم مهاجرين قد لا يكونون قد امضوا سنوات او حتى سنة في هذه البلدان، ويتمتعون بكل ما يريدون من حريات من التبشير بدينهم والاحتفاظ بثقافتهم وتطويرها وحرباتهم الشخصية التي لا تتعارض مع المواثيق الدولية، ولكننا لسنا بمهاجرين سيدي الكاتب نحن اصل العراق وجذره العميق، اهكذا يتم تكريمنا بالتشكيك وبالاتهام وبالقتل والتهديد وباقسى منها وهو ايجاد التبرير لمقترفي كل ذلك؟، انه زمن الاغبر هذا سيدي الكاتب.

ان شعبنا الكلداني السرياني الاشوري في مطالبته بهذا الحق المشروع دستوريا وقانونيا واخلاقيا، ينتظر موقفا متفها من كل ابناء العراق ومن ابناء محافظة نينوى التي صمتت عندما اقتطع منها اجزاء كبيرة وحولت الى محافظة دهوك، والى محافظة صلاح الدين، الم يكن ذلك اقتطاع من محافظة نينوى؟ نريد نظرة جديدة للوطن، وطن الكل وللكل وطن السلام وطن لا نقول فيه ان العراق هو مثل بستان الورد فيه من كل لون ورائحة وردة، بل وطن يمكن لهذه الورود ان تتعايش سوية وتنموا سوية وان لا تفرض ظلال احد الورود على الاخرين الحرمان من الشمس. ولو فرضنا ان تم اقتطاع قسم من محافظة نينوى فهل سيذهب هذا القسم الى ايران ام الى تركيا ام سيبقى في الوطن مميزا بتجربة ثرية اخرى تظاف لكل تجارب الوطن وتجعله متعدد الثقافات والحضارات والالوان الحقيقة مما يمكننا من اظهار حقيقة وطننا وشعبنا وبفخر للعالم اجمع. اننا نتطلع لتفهمكم لما نريد ولماذا نريد وليس الى سيل الاتهامات التي مللنا منها ومن الخطاب التخويني والتشكيكي الذي لم يفعل الا سحبنا الى الخلف والى التراجع في الموقع الحضاري والسياسي والعلمي والاجتماعي والاقتصادي.

22 اذار 2009

الأخ تيري كنو بطرس المحترم

أرجو ان تكون بصحة جيدة

أخي العزيز: سبق وان لبيت طلبي حول الرد على ما كتبه السيد محمد فوزي في جريدة عراقيون وقد أرسلت لي نسخة من نفس الرد الذي أرسلته أنت إلى جريدة عراقيون وطلبت مني متابعة الموضوع أود اعلامك باني قمت يما يلي :

1ـ للاتصال بالسيد أثيل النجيفي واعلامه بان هناك موضوعا منشورا في جريدتكم فيه مغالطات تمس شعبنا وهناك رد على ذلك الموضوع من قبل احد كتاب من أبناء شعبنا حيث قال لي في حينه سوف ننشره ……

2ـ قمت بإرسال الموضوع مرتين عن طريق الايميل إلى جريدة عراقيون

3ـ اقترح احد الاعلامين بان أرسل الرد المذكور على شكل قرص  CD وقمت بنقل الموضوع إلى القرص سي دي  مع نسخة مطبوعة في المقال إلى الجريدة ولم ينشر أيضا وتبين لي وعند مناقشة الموضوع مع احد العاملين في جريدة العراقيون المدعو  جرجيس العطوان والذي أبدى مخاوفه من نشرها لاحتوائها على مطاليب مثل الحكم الذاتي وغيرها وان نشر الرد سوف يفتح بابا نحن في غنى عنه :

علما بأنه قال لي ان الأستاذ أثيل النجيفي قال لنا انشرو  الرد كما هو ولكنهم أي العاملين في الجريدة قامو باقناع السيد النجيفي لعدم نشر الرد.

لذا أرجو منك نشر الموضوع في المواقع التي تراها مناسبة لذلك واذا أمكن اعلامي بذلك ولك جزيل الشكر

ملاحظة :

منك حقك ان تتعرف علي أني ش من سكنة الموصل منذ ان التقينا انا وانت في الجيش منتصف الثمانينات في من منطقة واقعة بين راوندوز وجومان في حينه كنا نتحدث في امور كثيرة ومن ضمنها كنت تحدثني حسب ما اتذكر عن المذاهب الاسلامية حيث كان لك في حينه خزين من المعلومات حول الموضوع وبعد فترة اختفيت دون ان تقول لي بانك تنوى الاتحاق بالقوى التي كانت تعمل ضد النظام في حينه ولكن سمعت من الراديو خبر التحاقك اخي العزيز اني كتبت لك ليس لانك تنتمي الى جهة سياسية معينة وانما لكونك كاتب ومثقف واي شيء يمكننا عمله معا ويكون لفائدة قضيتنا القومية فهو شيء رائع                                           ودمتم

 

عن اية حركة وطنية يتحدثون؟

 

هذا هو السؤال الذي وجهه لي احد المعلقين، وتعقيبه ((سؤالي للسيد تيري بطرس ، هل أنت جاد بقولك إن الحركة الوطنية لم تتبلور في العراق لحد الآن ؟ !

إذا كنت جاهلاً بالتاريخ السياسي للعراق فمن المستحسن البحث أولاً عن الحركة الوطنية في العراق قبل  الإسترسال باللغو الفارغ . هذه البعض من الوقائع التاريخية :

من كان وراء إضراب عمال الموانئ في البصرة أيام العهد الملكي ؟

ماهي القوى التي قادت إضراب عمال السكك ؟

من الذي نظم وقاد وثبة كانون المجيدة ؟

وماذا عن إضراب عمال شركة النفط البواسل في كَاورباغي بكركوك ؟

وغيرها الكثير … وأختمها وسؤالي الأخيرلك ما هي الدوافع الدينية ، الفئوية أو عشائرية والتي فجرت ثورة 14 تموز المجيدة إن لم تكن جبهة القوى الوطنية والتي تعاونت مع الضباط الوطنيين الأحرار في إنجاح ثورة الشعب والجيش .

نعم كل هذه الإنجازات التاريخية الخالدة كانت من قبل قوى الحركة الوطنية وليس غيرها)) .

ولكن ماهي الحركة الوطنية العراقية؟ هل تمكن احد من الاجابة عليها، ام ان البعض يحاول اختصارها بتاريخ الحزب الشيوعي العراقي، وهل حقا ان الحركة الوطنية لاي بلد تختصر في حزب ام في مجمل النشاط السياسي والثقافي والاجتماعي المؤدي الى تطور الواقع الى الافضل؟ويا ترى هل نحن تطورنا الى الافضل؟ واذا كنا حقا تحركنا نحو الافضل حقا فما هي دلالات هذا الافضل؟ وهل يمكن اختصار الحركة الوطنية في مجموعة من التظاهرات والاضرابات وفي انقلاب عسكري استعان بالاحزاب ليضفي على نفسه شرعية ديمقراطية، وارتدى لباس الثورة، وبالحقيقة حاول انجاز بعض مشاريع مجلس الاعمار ولكنه خرب البلد من كل النواحي. والحقيقة ان الدوافع وراء انقلاب 14تموز عام 1958 ليست واضحة ابدا، غير استغلال الموقع والمكانة في الجيش لتحقيق استلام السلطة وفرض الذات على الشعب كقادة لثورة لم تحدث اي تغيير ايجابي للمجتمع. واذا كانت عملية قتل الملك الشاب وعائلته وحتى نوري سعيد وتمثيليات محكمة الثورة ، تعتبر ثورة، فان اي عملية اجرامية يمكن تعدادها في الثورة ايضا. اما عن مشروع الاصلاح الزراعي والذي بنتيجته كان وبالا على الاقتصاد والبنية الاجتماعية والديمغرافية للعراق، حيث نزح عشرات الالاف من الارياف نحو المدن، فان كان هذا المشورع يعتبر انجازا فالفيضانات والزلازل ستعد من الان وصاعدا انجازا.

وان كان الانقلاب لمحاربة الاستعمار والتخلص من تاثيره، كما ادعي، فماذا حصلنا بعد ذلك، الم ياتي اليوم الذي ترجت كل الاطراف العالم لكي يخلصها من ابن وطنها الذي سرق القيادة وجعلها له ملكا خالصا، ليس القيادة، بل البلد كله، ليس ذلك فقط بل وادخله حروب لا ناقة للوطن بها ولا جمل. ولو قارنا نتائج نشاط الحركة الوطنية في العراق، بما في الاردن والكويت والامارات والمغرب، لادركنا كم كانت وخيمة العاقبة نتائج عمل الحركة الوطنية هذه؟

لا بل ان اول تقسيم طائفي للسلطة وبشكل واضح حدث في انقلاب 14 تموز عندما تم تشكيل مجلس السيادة من سني وشيعي وكوردي، نحن هنا لا نحاكم نيات الزعيم عبد الكريم قاسم، ولكننا ننقاش وقائع حدثت، قد يكون الرجل فوق التجاذبات ولكن هذا لا يعني ان نعطي صفات انشائية ونستمر بالصاق شعارات  على حدث نحن ندرك انها لم تعد صحيحة.

ان التزام قوالب معينة وعدم الخروج منها، واعادة تكراراها ورميها في وجه من يعتقد البعض انه لا يفهم او لم يطلع على الحقائق، لن تصنع حقائق وتغير الواقع. الذي يعمل على التغيير هو الحركة الدائمة وبتناسق في مسيرة تكون نتيجتها تحقيق ايجابيات للمجتمع من خلال النشاط الثقافي او السياسي او الاجتماعي.

ان حصر الحركة الوطنية بتاريخ الحزب الشيوعي العراقي، هو الدليل على انعدام هذه الحركة وعدم فعاليتها واثرها في بناء الشخصية الوطنية العراقية. الحركة الوطنية من المفترض ان تصنع شخصية وطنية يشترك فيها غالبية العظمى من العراقيين ، وتكوين راي عام يتجه نحن هدف عام مشترك، واشاعة ثقافة اجتماعية سلمية عامة تطغي على التوجهات القومية والمذهبية والدينية للمجموعات المختلفة. انه الدليل على كم هي هذه الحركة الوطنية فقيرة ومهلهلة وذات لون واحد، في حين ان المفترض في الحركة الوطنية ان تضم الوان الشعب وتطلعاته . حركة وطنية اول ما شعرت بقوتها سحلت ابناء الشعب في كركوك والموصل، حركة وطنية كان شعارها اعدم اعدم لكل من خالف توجهات معينة في فكرها.

هل يمكن ان يقال ان العراق امتلك حركة وطنية، ونحن ندرك ان العراق وتغيير الحكومة فيه حدث اما بانقلاب عسكري او تدخل خارجي، وهل يمكن ان يقال ان البلد يملك حركة وطنية وفيه يتم اقصاء واضطرار مجموعات سكانية الى هجرة بلدها خوفا ورعبا، وهل يمكن ان يمتلك بلد حركة وطنية يتم الصاق تهمة الخيانة والكفر بالمخالف؟. هل يمكن ان يقال ان العراق امتلك حركة وطنية، وفيه تم ذبح ابناء شعبنا الكلداني السرياني الاشوري وقتلهم في سميل وصورية دون اي محاكمة او تحقيق للعدالة، لا بل ان بعض المحسوبين على الحكرة الوطنية قد يبرر ما حدث. حركة وطنية سمحت قيمها بان تحدث الانفال والحلبجة وغيرها، حركة وطنية لم تنتج الا تدمير القرى و تجريد الجبال والوديان والاهوار من نباتها ومياه وانسانه. قد يقال ولكنها ليست من انتاج الحركة الوطنية، وجوابنا ولكن اي القيم الوطنية التي انتجتها الحركة الوطنية، والتي يجب ان تطغي على الميول الحزبية والقومية والدينية؟ ميول تقول بتقديس حياة الانسان العراق مهما كان دينه وقوميته ومذهبة وحزبه، هل حقا نحن مارسنا ذلك، وهل مارست الحركة الوطنية اذا كانت موجودة  ذلك؟

انه التاريخ الذي نحن بحاجة الى نقده والبعض الى اعادة قراته قراءة منصفة وغير ايديولوجية، بل قراءة معتمدة على النتائج الحقيقية للحدث.

في بلدنا، عندما لا يتمكن الكلداني السرياني الاشوري اوالمسيحي او المندائي او الازيدي او الكاكائي او اليهودي من معايشة حالته وبفخر وباعتزاز وبحرية ، اليس من حقنا ان نسأل اذا اين الحركة الوطنية؟ الم يكن من واجب الحركة الوطنية هذه ان تجعل من الاحتفاء بهذه التنوع وادخاله في المشروع الوطني؟ من خلال الحريات والضمانات التي كان يجب ان توفر لهم.

في بلدنا عندما يقتل السني الشيعي وعندما يخاف الكوردي من الاثنين، وعندما تنعدم الثقة بين الاطراف، اليس من حقنا ان نسأل عن الحركة الوطنية، اين هي؟

الحركة الوطنية هي واقع على الارض يجب ان يعاش، وليست شعارات لم تحقق امرا. واذا تم اخراج كل الافعال الوارد اعلاه وانقلاب بكر صدقي وثورات العشائر وحركة رشيد عالي الكيلاني ومل سمي بالمربع الذهبي  من تاريخ الحركة الوطنية، فماهي اذا الحركة الوطنية؟ وبئس الحركة الوطنية التي انتجت هذا.

18/02/2013

 

نحن وبطل العرق

لمن لا يعرف معنى كلمة بطل هي كلمة مستعربة من الانكليزية Bottle اي القنينة، والعرق هو مشروب كحولي مشهور في منطقة الشرق الاوسط، ويعرف باليوناني اوزو والتركي راكي والعراقيين والكثيرين في المنطقة كانوا يصنعونه ايام زمان في بيوتهم، الى ان منعت الدولة ذلك باعتباره تهربا ضريبيا.
صدر السبت الماضي عن البرلمان العراقي قرارا ملحقا بقانون وارادات البلديات، وفي مكان وفي موقع ليس مكانه او موقعه قرار ضمن القرارات المتعلقة بهذه الواردات فقرة بمنع تصنيع والتجارة واحتساء المشروبات الكحولية، في العراق كله ما عدا اقليم كوردستان. اي ان الفقرة حشيت حشيا ضمن القرار، مثلما يعمل المهرب حينما يضع الامور الممنوعة في مكان لا تطاله الاعين او لا يثير الشبهة لكي يمررها من مناطق التفتيش. كما ان البرلمان حينما استثنى اقليم كوردستان من تطبيق هذا القانون، فانه يقصر ولايته على جزء من العراق ويعلن انتفاء الحاجة اليه في بقية المناطق، ويلغي شمولية تمثيله للعراق كله. واحدى المفارقات التي يجب ان تذكر هي انه في التصويت على قانون المزدوجي الجنسية قام اعضاء البرلمان بالتغييب عن الجلسة او خرجوا منها قبل التصويت لكي يعطلوا النصاب، وهو قانون مهم ويثير الانقسام والشك في العراق وفي ولاء مزدوجي الجنسية وحسب الدستور لا يحق لهم تولي مهام سيادية او امنية مهمة. وبلا شك ان عضوية البرلمان منصب سيادي وهم لا يريدون ان يتخلوا عن جنسيات الدول التي تبيح العرق والويسكي. ولكن حينما اتى الدور على التصويت على قانون واردات البلديات اكتمل النصاب، فلا نعلم هل اكتمل لانهم ارادوا ان يمنعوا ما يسمح به في بلدانهم التي اكتسبوا جنسياتها ام لانهم ارادوا تمشية ولو قانون واحد لكي لا يقال ان الجيش العراقي في المعركة والبرلمان مشلول ولا يساهم في تمشية امور البلد.
في اول مشاركة للعراق في معرض فرانكفورت للكتاب الدولي، كنت متلهفا لمشاهدة والاطلاع على مضمون ما يشارك به العراق، من الكتب وانواعها، ومع الاسف كانت المشاركة ضعيفة ولم يكن فيها ما يسترعي الانتباه الا العنوان الديني عدى بعض مشاركات اقليم كوردستان، ولكن ما اغضبني حقا هو انني كنت اتحدث مع امراة حضرت كمندوبة للعراق ضمن الوفد العراقي، وحين سؤالي لها عن احوال العراق وصور الحياة فيه، قالت الله العراق جنة تروح الاسواق بعد ما تشوف (لن ترى) صفوف وانواع المشروبات الحرام فيه. وحينها لم يكن قرار البرلمان صادرا واصلا البرلمان لم يكن منتخبا. وهذا يعني ان بعض المنظمات لم تنتظر قرار البرلمان بل عملت من اجل فرض شريعتها على الجميع، وقامت بمنع المشروبات الكحولية في مناطق نفوذها، بالقوة. ولكن نفس المنظمات لم تتمكن لحد الان من الحد من انتشار الجريمة القتل والاعمال الانتقامية وفرض القوانين العشائرية والانتقاص من حرية وكرامة الانسان في تلك المناطق. من هنا يكاد الامر يثير الاستغراب، وفي المثال يقال كاد المريب يقول خذوني، اذا ان منع المشروبات الروحية بالمناسبة العراقيون كان يطلقون عليها المشروبات الروحية وليس الكحولية، ليس غايته فرض الاستقامة والحد من الجريمة والخروج عن القانون. ومثالنا الاهم البصرة التي تم منع المشروبات فيها، فاستشرت المخدرات وكادت تباع شبه علنا في الاسواق. فهل كان المنع لصالح تجار المخدرات ام لغايات اخرى، نترك الجواب للتجارب ولذوي اهل الخبرة، ولكن يحزنا ان لا نلقى جوابا لحين ان يدمن الناس المخدرات وحينها يكون كل علاج قد انتفى. كما ان المنع سيشجع التهريب، والذي قد يقدم المشروبات الكحولية بنفس سعرها، لانه سيستفاد من عدم دفعه الضرائب التي كانت تجبى منها والتي بلغت 100%. هذا ناهيك عن عدم توفر الرقابة الصحية على المنتوج المهرب والذي سيكون في الغالب من انتاج الافراد، مما سيسهل انتقال الامراض والاصابات المختلف.
دينيا يتم الاستناد الى ((يا أيها الذين آمنوا إنما الخمر والميسر والأنصاب والأزلام رجس من عمل الشيطان فاجتنبوه لعلكم تفلحون* إنما يريد الشيطان أن يوقع بينكم العداوة والبغضاء في الخمر والميسر ويصدكم عن ذكر الله وعن الصلاة فهل أنتم منتهون) [المائدة:90-91، وفي هذه الاية هناك من يفسرها بانها تحريم ومن يقول انها دعوة للاجتناب بدليل قوله (( الخمر اثم كبير بنص الاية ()يَسْأَلونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُمَا أَكْبَرُ مِنْ نَفْعِهِمَا )(البقرة: من الآية2 19)). اي ان فيها منفعة ايضا ولكن مضارها اكثر. وهنا يلعب الاجتهاد دوره ويختلف المجتهدون حول ان كان هناك تحريما اصلا. وان كل اختلاف يفسر لصالح السماح وليس للمنع، باعتبار الاسلام دين يسر وليس دين عسر كما يقول يوميا المسلمون، هذا اذا كان يحق للاسلام ان يفرض قوانينه على الناس بالقوة وبقوانين ارضية.
انها بالحقيقة ليست معركة العرق، او الكحول، بل هي معركة الحريات وبناء الدولة، والاهتمام بالمهم ثم الاهم، اليوم السؤال الذي يرد على بال الجميع ما الذي يفرق بين من وافق على هذا القانون والذي تم تسويقه بهذه الصورة المشبوهة، وبين من يحاربهم الجيش العراقي في محافظة نينوى وكركوك والرطبة في محافظة الانبار، هل هناك فرق، ان الفرق الوحيد، هو ان الدواعش فرضت قيمها وقدالتها الخاصة بالقوة، اما اعضاء مجلس النواب او الاحزاب الاسلامية الاخرى تريد ان تفرض تصورها وقيمها على العراقيين تدريجيا، على ان لا يشملها ذلك. ودليلنا عدم توفير النصاب لقانون متعددي الجنيسة الذي كان يطال الكثير منهم.
انها ليست معركة المسيحيين والازيدية والصابئة المندائيين ممن لا تحرم اديانهم احتساء الكحوليات، رغم ان هناك مذاهب مسيحية تحرم الكحول ولكن هذه المذاهب تحرمه على اتباعها ومن رغب بالشرب عليه ان يخرج من المذهب او ليؤسسه مذهبه الخاص. بل انها معركة الحرية والحقوق الشخصية والتي ان تنازل عنها العراقيين فانهم سيتنازلون عن الكثير، ان شيوع ارتداء الحجاب والنقاب في المجتمع والذي انتشر بعد الحملة الايمانية التي قادها صدام، لما كان قد حدث وفرض لو عمل المجتمع اوالناس من اجل رفض فرضه. انها عملية فرض القيم الدينية بواسطة القوانين الارضية، والاسواء انها عملية مخادعة الناس واظهار من وافق على انه مؤمن ملتزم، رغم انه قد يمارس السرقة والكذب والفساد بكل انواعه.
اليوم يمكن ان يدرك العراقيين الفرق بين المسؤل الحقيقي والذي يهتم بمعاناتهم ومشاكلهم ويعمل من اجل حلها ولو تدريجيا، وبين الكذاب المنافق ممن يبيع الشعارات ويجذب الناس الاميين ممن يتبعون رجال الدين ويطلبون مودتهم لاجل حماية حياتهم الاخرى، بعد ان فقدوا كل امل في حياتهم الحالية.

 

مستقبل العراق اخر ما يهم النظام 

 

لم يعد السؤال الآن هل سيتم ضرب النظام؟ بل هو متى؟ حيث ان هناك اتفاق دولي واسع، على ان صدام ونظام حكمه، لا يمكن لاحد ان يدافع عنهم، وبالتالي هناك موافقة ضمنية لازالة هذا النظام الغاشم وتخليص العراق والعراقيين منه.  اما الاعتراضات اللفظية التي تخرج من هنا او هناك، فما هي الا محاولات لزيادة اسهم المصالح.

اننا كعراقيين نرحب بكل محاولة لمساعدتنا في التخلص من هذا النظام، ونحن ندرك الصعوبات التي سنواجهها لو حاولنا ذلك بقوانا الذاتية، هذه القوى التي قام النظام بكل ما يستطيع من اجل ازالتها من الوجود وبكل السبل، قتلا وسجنا وتشريدا.

ولكن هناك شيئا اساسيا دخل على مسألة التخلص من النظام. وهذا الشيء يتعلق بمستقبلنا واساس وجودنا، وهو التهديدات الاسرائيلية بالرد على اي هجوم يقوم به النظام عليها بالمثل وربما اقوى. يقول المسؤولون الإسرائيليين، بانهم في حالة استخدام العراق لأسلحة الدمار الشامل، مثل الأسلحة الكيمياوية او البايلوجية، فأن ردهم سيكون بالاسلحة النووية.

ان خبرتنا بالنظام الصدامي وممارساته، تقول لنا ان النظام يمكن ان يقدم على مثل هذا الخيار المدمر. لقد قالوها منذ سنين طويلة (جئنا لنبقى) اي رغم ارادة الشعب، وقالها النظام ابان الهزائم في حرب الخليج الاولى عام 1982، (انه سيسلم العراق خرابا. ان نظاما بهذه العقلية وهذا المنطق، يمكن له ان يفعل الكثير، عندما يجد ان ليس له اي مجال للخلاص. فمن ناحية يدرك النظام انه قد قطع كل سبل العودة مع الشعب العراقي، وانه لا يمكنه ان يتحكم بالشعب الا بالقوة الغاشمة فقط. ومن ناحية اخرى، ان مسؤولي النظام لم يتركوا لهم صديقا لكي يلتجئوا اليه عند محنتهم. ان النظام سيلجأ الى خيار شمشون، عليَّ وعلى اعدائي. فالنظام لم يهتم يوما بمصير العراق والعراقيين، المهم بالنسبة له كان على الدوام، بقاءه واستمراره، مهما كانت السبل، ومهما كانت التضحيات بالعراقيين وثرواتهم. فالنظام الذي لا يزال يضحي بابناء شعبنا ويقيم لاطفالنا المأتم الجماعية، ويضحي بثرواتنا النفطية، للحصول على مكاسب سياسية انية. مستعد ان يقدم على ضرب اسرائيل بالاسلحة المحرمة دوليا، لانه يعتقد انه بهذا الاسلوب سيكسب الشارع العربي، مؤملا بوقوع تغييرات، تخلط اوراق السياسة الدولية، وبهذا قد يكسب زمن اضافي.

ان العراق والعراقيين واقعين بين مطرقة صدام وسندان اسرائيل. فصدام لم ولن يهمه يوما مصير العراقيين، واسرائيل متعنتة في ان تقوم بالرد، لانها تعتبر موقفها في حرب تحرير الكويت، عندما سكتت على مضض، ولم ترد على الضربات الصاروخية العراقية، موقفا شجع مناوئيها.

باعتقادنا انه يجب على قوى المعارضة بحث هذا الاحتمال بجدية، فلا اعتقد ان المعارضة تريد استلام بلدا مدمرا فوق التدمير الذي الحقه به صدام وزبانيته. انها مسألة يجب ان تبحث مع الدول الكبرى، القادرة الى الضغط، او بالطلب بوضع الخطط العسكرية الخاصة بازالة النظام، بشكل لا يترك له المجال لاستعمال مثل هذه الاسلحة.

12 كانون الاول 2002

هواجس مواطن عراقي

 

عندما اقول مواطن عراقي، تترأى لي صورة شخص يمكن أن يقول ما يعتقده، شخص يلبس ما يعجبه، شخص يشعر ان كرامته مصانة، شخص لا يرتعد امام ابسط شرطي، او من تمثل بدور عضو حزبي، شخص له حرية التنقل والسفر، لن ازيد.. فانا لم اتمتع حتى بهذه الحريات البسيطة طيلة حياتي، فاذاً لست بمواطن انا.

انا انسان قدر له ان يولد في بلد اسمه العراق، غني هذا العراق، بتاريخه المديد اكثر من ستة الاف سنة، غني هذا العراق بثرواته الطبيعية..

فقير هذا العراق بانسانه الخائف على الدوام. فالانسان العادي، الذي لا سلطة له، خائف مع كل طرقة على الباب، خائف في كل خطوة من مجهول، فلا قانون يحكم ولا عدل يسود.. فكلمة السلطة هي القانون وهذه السلطة تبتديء بشرطي او حزبي مبتدء ولا تنتهي الا بصدام.. وصدام واعوانه خائفون على الدوام، لانهم يدركون ان مواقعهم هذه تم سرقها من المستحقين، ولذا يحكمون على النيات قبل الحدث.. ان ما يحكم طريقة تفكيرهم وسلوكهم هو الريبة من الكل، فينظرون الى هذا الشخص او الطائفة او القومية على انه خطر يتهددهم، لذا علينا ان (نتغدى بهم قبل ان يتعشوا بنا).. هذا هو منطقهم، منطق اللصوص.

ان النظام كابوس يكتم انفاس العراقيين رويدا رويدا، الى ان يقضي على البشر، ان كل جريمة له تجره الى اخرى ابشع واكثر تدميرا.

فقبل ايران والكويت، كان قد كتم انفاس العراقيين، وان لم تصدقوا اسألوا السجون واقبية الاجهزة الامنية.

اسألوا الحوتة، وهل تعرفون ما الحوتة؟، قيل فيها من دخلها مفقود ومن خرج منها مولود.

اذهبوا وتفحصوا مئات القرى التي تم تدميرها بما فيها من اثار، من الكنائس والجوامع، كنائس واديرة يعود تاريخ الكثير منها الى اكثر من الف عام، وهنا في اوربا يعتبر البناء اثريا ان كان تاريخ بنائه اكثر من مائة عام.. وهذا يذكرني بامر اخر.. اثناء سيري في الشوارع الاوربية اقرأ على محلات او ابنية او معامل ان تاريخ انشاءها اكثر من مائة عام.. من بين ما يعنيه هذا هو تراكم للثروة.. اما انا، الانسان المسكون بالخوف والرعب على الدوام، فقد شاهدت بيتي يدمر ثلاث مرات، فانى للثروة ان تتراكم لدينا؟ انها تتراكم لدى اشخاص محددين، وهم فوق القانون وكل ما يريدونه هو قانون.

لا للحرب، وانا الذي عشت الحرب سواء في ميدانها، تحت رحمة نيران المدافع من الهاون الى النمساوي (كما اعتدنا على تسميته)، وانا الذي شاهدت اشلاء الاطفال في قصف عراقي على قرية ايرانية يسكنها لاجئون عراقييون، وانا في الحرب كنت اتمتع باجازة كل اربعين يوما اسبوع، كنا نقضيه في تقديم التعازي لمن التهمته الحرب، وفي المساء كنا نجتمع لنلهو ونقضي هذه الساعات معا، لاننا كنا نشعر ان الدور لا بد ان يأتي على احدنا في المرة المقبلة.. كم صديق وقريب فقدت، كم من شباب العراق التهمته الحروب الداخلية  والخارجية، من اجل لا شئ،..

الحرب كريهة بكل المقاييس، ولكن أليس ما يعيشه العراقيون منذ  ثلاثون سنة حربا.. انها حرب غير معلنة على شعب العراق، من قبل زمرة سرقت حقهم، في ان يعيشوا حياة طبيعية.

اذا لماذا لا تأتي الحرب مرة واحدة وتخلصنا من العذاب اليومي المستمر، العذاب الذي لا نهاية له، أليس العذاب مرة واحدة افضل، من هذا الدمار النفسي والعقلي والاقتصادي والاجتماعي الذي نعيشه يوميا؟

اننا نرجو هذه الحرب، لاننا نرجو ان نعيش، فكفانا ما بين الموت والحياة، سيموت في الحرب من يموت، ولكن من يعيش، قد يعيش احسن حالا، اننا من اجل هذه الـ(قد) نعمل ونعيش، لاننا لم نملكها ابدا.

نعم اخاف، من ان يأتي متطرف اخر، بلباس اخر..

نعم قد تتدخل الدول الاقليمية، وتشعل النار في الخلافات الداخلية..

نعم اخاف كمسيحي من تكرار المذابح التي عاش اجدادي خمسة منها خلال مائة وخمسون سنة الاخيرة..
ولكن ورغم كل المخاوف فان لي الامل ايضا ان الحياة ستتحسن، لو كان هناك من يدرك ان الاوان قد ان لايقاف النزيف وان البناء يتم عندما يتساوى الانسان واخيه مهما كان دينه او لغته او لونه او جنسه.

انا الخائف المرتعد، يأتيني يوم واشاهد الرعب ساقطا على من استعبدني، فهل من فرحة توازي هذه الفرحة.
اطلقوا سراح شعبي المرتعب من سجن صدام، ولتنطلق طيور السلام في ارض الرافدين، بيت نهرين..
نعم، سلام يأتي بعد ازالة الطغيان، ومرحى لكل من يساعد شعبنا ويقف معنا، ولعنة التاريخ على كل من يدعم مضطهدينا وتحت اية حجة كانت.

2 نيسان 2003

 

اللصوصية

 

في انتقادنا لما مارسه بعض اعضاء مجلس الحكم في نهاية عام 2003 من الغاء قانون الاسرة ومحاولة وضع بديل عنه يساير شعارات الاسلامويين، قلنا وذكرنا ان نجاح القانون ليس بسرعة سنه بل بمدى النقاش والحوار والتفاعل معه واخذ كل الامور بخصوصه من الايجابيات والسلبيات والاحتمالات المرافقة لفشله او لنجاحه، فلتمرير مشروع قانون لا يكون باستغلال فرصة عدم وجود غالبية معينة ويتم طرحه، بسرعة لكي يمرر لان الاكثرية ملائمة لصاحب الطرح او لانها تأتمر بأوامره بل ان هذا الاسلوب في الطرح يؤكد ان هنالك مسألة تأمرية اي خيطت في مكان وتم طرحها وطلب الموافقة عليها دون دراسة من بقية الكتل والاعضاء.

حتما ان اي قانون يكون فكرة لدى شخص ما يطرحه ويتناقش مع اقرب الناس اليه في مضمونه. وهذا حق يكفله القانون لكل مواطن. ولكن في الدول الديمقراطية تطرح حتى افكار القوانيين الجديدة للمناقشة على الرأي العام لكي تغنى بالافكار والاراء والابعاد. بعد هذه المرحلة قد يتم تبني فكرة مشروع القانون من جهة حزبية او كتلة برلمانية. وعندها يتم المزيد من التداول بشأنه لانه اصبح امراً جدياً، ولذا تكلف مجموعة قانونية من قبل الكتلة البرلمانية لصياغته على ضوء النقاشات التي حدثت وعندها تعلن الكتلة النيابية رغبتها في طرح مشروع القانون للتصويت عليه في البرلمان او الجمعية الوطنية. وتعمل الكتلة لكسب الكتل الاخرى لصالح مشروع القانون الذي اقتنعت بضرورته للصالح العام. وخلا كل هذه الفترة يكون هناك افراد من الشعب يدلون باصواتهم واراءهم بخصوص مشروع القانون وتقوم وسائل الاعلام بتسليط الضوء على هذه الاراء وابرازها. ومن اهمها اسباب الاعتراض على مشروع القانون. وعند اكتمال هذه المراحل يتم تقديم مشروع القانون الى رئاسة البرلمان مقرونة بموافقة عدد من اعضاء البرلمان او الجمعية الوطنية يحدد عددهم القانون. وتقوم رئاسة البرلمان بعد التأكد من استيفائه الشروط القانونية بتحويله الى اللجنة المختصة. ويتم دراسة مشروع القانون من قبلها ويعرض للتصويت العلني فيها، فان اجتاز التصويت بنجاح ،تحدد جلسة علنية للبرلمان للتصديق عليه او رفضه بالاكثرية وان صدق عليه يتم نشره بعد موافقة رئيس الجمهورية. وتكون هذه المصادقة ايضا محددة بقانون، هذا هو المسار الطبيعي لسن القوانين وهذا هو المسار الطبيعي لكي يكون القانون اقرب الى العدالة منه الى ان يكون مجحفا بحق المواطنيين او البعض منهم على الاقل (بعض الدول تشترط ثلاث قراءات لمشروع القانون ويتم التصويت بعد كل قراة عليه.)

قد يتعلل البعض، بان المرحلة الحالية تستوجب سرعة البث بالقوانين لكي يتم ضمان تسيير شؤون البلد والمواطنين. ولكن الملاحظ ان القوانيين التي يتم طرحها بشكل فجائي ويطلب من الجمعية اضفاء الشرعية عليها، اغلبها قوانيين تمس الهوية الايديلوجية للدولة. وهي قوانيين او مشروعات قوانيين غير مستعجلة بل يمكن التريث فيها. لو كنا حقا نعمل من اجل مصلحة الوطن والمواطن. واخر مثال على ذلك هو طرح مشروع قرار لتغيير قانون الانتخابات بشكل غير لبق وغير قانوني ومن وراء ظهر الشعب. ان مثل هذه الممارسات اقل ما يقال فيها انها ممارسات لصوصية استغلالية يراد تمرير امور لتحقيق مصالح غير سوية. كما يمكن ان يقال فيها انها تفقد الثقة بالجمعية الوطنية ودورها الحقيقي وتحولها الى الة تبصم لقرارات تتخذ في اقبية ومراكز سرية او من قبل اشخاص متأمرين والا لماذا يتم طرح مشاريع قوانيين فجأة دون معرفة الشعب بها، ان لم يكن من اجل تمريرها بشكل مستعجل تحقيقا لتجهيل الشعب بالابعاد المختلفة لمثل هذه المشاريبع التي يصب غالبيتها في مصالح فئة او شريحة او لتحقيق انتقام من شريحة ما، وفي كل هذه الاحوال يكون الوطن والمواطن هو الخاسر.

ان المراقب للمسار السياسي في العراق يلاحظ لدى البعض، لهاثهم وراء تحقيق امور معينة قبل ان تشب الدولة عن طوقها. اي ان هذا البعض يراها الان فرصة سانحة لتحقيق المأرب، لأنهم يدركون أو يعتقدون ان لم يحققوا مبتغاهم الان فانه من الصعوبة بمكان ان يتم تحقيق غاياتهم في جعل الدولة مطية لايديولوجية وخادمة لطموحات شخصية اوفئوية معينة. ولكن في هذا اللهاث يتم تدمير مصداقية السياسي وشرعية النظام الديمقراطي، والامل بالحرية كمخرج من الازمات التي يعانيها المواطن العراقي.

ان ابسط ما يقال في القانون الجديد. او خطوط جديدة لقانون الانتخابات، هو عملية وضع اليد على مصير البلد، والحد من قوة فئات وقوى سياسية اخرى. انهم بهذا الاسلوب ان كانوا يريدون تحجيم الاكراد، فانهم ايضا حجموا القوميات الاخرى.  لا بل ان تمثيل هذه القوميات صار شبه مستحيل في الانتخابات القادمة. ان الغاية لدى البعض اصبح شبه معروف وهو اقامة دولة تسيرها الشريعة الاسلامية. وخصوصا ان هناك نوع من التناغم بينهم وبين بعض الاطراف السنية الفاعلة في هذا الاتجاه. الا ان الطرفين ان كانا متفقين في عنوان واحد، فاننا نتوقع ان كل واحد منهما يبيت للاخر وسينقلب عليه في اول فرصة، وبالرغم من قلة عدد السنة قياسا الى عدد الشيعة الا ان ما يتوقعه السنة عند وقوع الواقعة هو مساندة اكثر وهذه المساندة ستكون من امثال الزرقاوي.

اذا الشي المستنتد والاقرب الى الواقع والمنطق، هو اننا يمكن ان نحكم على الكثير من السياسيين الذين يسيرون البلد. انهم لم يخرجوا بعد من تقوقعهم المذهبي، الى فضاء العراق الديمقراطي الحر. بالرغم من تأيدنا انهم عانوا كثيرا ايضا من نظام المقابر الجماعية، الا ان من مارس هذه الاعمال لم تكن القوميات والاديان العراقية الاخرى. بل نظام عروبي متمسح بالاسلام بالرغم من ادعائه انه علماني في اول استيلائه على السلطة.

فهل سنخرج الى ضوء النهار في ممارساتنا السياسية ومطاليبنا, أم سنظل نعيش في اوكار الظلام ونخيط ونخطط هناك للاستيلاء على الكعكة كلها بحسب اعتقادنا؟

4 اب 2004

 

فليكن يوما يبقى في الذاكرة

 

بالنسبة لي كانت مفاجأة سارة، العراقيين يديرون امورهم بانفسهم، وبهذه السرعة! انه لخبر مفرح وسعيد، فمبروك لشعبنا اخذه الامور بيده، مع امانينا ان لا يكون استقلالا اسميا. اننا نتطلع ليكون اليوم يوم شمر السواعد للبناء، بناء الانسان العراقي، الذي شوه صورته النظام المقبور، بناء البنية التحتية، من التربية والتعليم الى الشوارع والمستشفيات وكل ما يساهم في بناء انسان متطور، اساس البنية الاقتصادية المتطورة.

نبني دولة يكون المقدس الوحيد فيها الانسان وحقوقه. تكون قيمته اعلى من كل النصوص، وكل شئ لتمجيده. اليس خليفة او صورة الله على الارض؟ انسان يكون امام القانون، بلا لون او دين او لسان، بمعنى ان القانون لا يرى فيه هذه الخصال. بل ان يرى فيه حقه ومدى تجاوزه على حقوق الاخرين. دولة لا يكون الوزير ونواب الوزير و وكلاء الوزير وفراشي الوزراء من طائفة وحزب واحد. دولة تحترم قوانينها، او على الاقل حتى ثبوت فشلها في التطبيق العملي. ولا تسمح لكل من هب ودب بسن قوانينه الخاصة، استنادا الى مرجعيات لم يتفق عليها الشعب العراقي، ناهيك عن كونها تعيد انتاج نماذج مقننة لاضطهاد الاخرين باسم الدين والعرف.

نتمنى دولة تسير الخطى نحو التقدم، كل شيء خاضع للمسائلة النقدية والفكرية. فكفى بحق الله الحجر على الافكار، فما عانينا منه طوال كل هذه السنوات، كان بسبب كم الافواه، فهل نحن مستعدون لخوض مغامرة الحرية بكل افقها الواسع، وبدون خوف من فقدان ما الفناه؟

ايها العراقيون الأباة، الاستقلال واستلام السلطة. يجب ان يعني اننا بلغنا سن الرشد، اي ان نأخذ قراراتنا بعد اخضاعها للنقد والتمحيص. فكم قرار سريع اتخذه الدكتاتور السابق، ارضاء للعاطفة، ولنزواته، قد ثبت فشله ودفعنا نحن ثمن الفشل. فعلى العراقيين ان يدركوا ان السير بخطى ثابتة للامام، وان كانت بطيئة، افضل من الهرولة التي قد تعيد كل شيء الى ما مضى.

لقد خصص كل نظام لنفسه اياما، اعتبرها مجيدة، ونراها الان انها حالكة السواد. لانها انجبت لنا نظام المقابر الجماعية، نظام تدمير القرى والكنائس والمساجد وقتلى الانفال، نظام الحلبجة وووو ان ايام النظام السابق كثيرة جدا، وكلها مكللة بالسواد، فليكن لنا يوما واحدا، نقول منه بدأنا، البداية الصحيحة، ان ما مضى صار ملكا للماضي، فهل يمكننا ان نمتلك المستقبل؟

نعم ولا، نعم ان اخذنا بالنماذج الناجحة، ان ابتكرنا، ان لم نخف ونرتعش من الافكار الجديدة، ان فتحنا شبابيكنا امام رياح العالم. ولكننا متأكدون انها لن تقلعنا من اساسنا، واساسنا هو العراق والانسان العراقي، ولا ان اصرينا على اجترار التجارب الفاشلة والمدمرة، بحجة الدفاع عن الثوابت والقيم والمقدسات.

ايها العراقييون، في هذا العالم المتصل، والذي يشعر كل شخص انه ليس بقادر على العيش المنفرد، لانه بحاجة للاخر، وهذا الاخر قد يكون في اليابان اوكندا او دنمارك او جنوب افريقيا. فكيف بحال الدول والشعوب، في هذا العالم؟ لم يعد لبعض الكلمات نفس مدلولاتها السابقة. فليس هناك اليوم دولة مستقلة مائة بالمائة، فكل دولة تأخذ بحسبانها ردود افعال الاخرين على اي قرار تأخذه، بما فيها الدولة الاعظم اي الولايات المتحدة الامريكية. والسياسة، لم تعد اكاذيب وفهلوة كلامية. بل صارت الدخل القومي والفردي وكل ما يقوي من موقف السياسي. فما معنى ان يكون لنا طائرات ودبابات من احدث الموديلات. ولكن دخل الفردي يقع في اسفل سلم جدول الدخول الفردية في العالم..؟ ما معنى ان يكون لي كل ما قلته، وهي مستوردة..؟  في اي لحظة تتحول الى خردة، بمجرد، فرض عقوبات غير معلنة. السياسة هي مصلحة الشعب وليست شعارات وتهديدات. السياسة هي فن التعايش مع المتغيرات. فن الحفاظ على مصلحة الشعب برغم كل المتغيرات. هل اطلعتم على التجربة الالمانية او اليابانية او حتى الكورية؟ هل تسألنا عن سبب تقدم هذه الدول برغم الكوراث التي لحقت بهذه البلدان، وبرغم ندرة مواردها من المواد الاولية، وسبب تخلفنا نحن؟

ان الاطلاع على تجارب الاخرين، لكن مع الصدق مع النفس، سيمنحنا احد الاجوبة، او الكثير منها، حسب قرأتنا، ولكن بالتأكيد، سيكون احداها احترام الانسان وحقوقه، سيكون الاخر حرية الرأي.

من اليوم يجب ان نرمي كل الشعارات، وكل حروبنا، وكل انتصاراتنا الكاذبة، ان نرميها في مزبلة التاريخ، ان نبدأ بالبناء، فقضايا فلسطين والاسكيمو والواق واق، وغيرها سيتكفل بها ابناءها. وان اردنا المساعدة، فلنساعد انسانا مظلوما، جائعا، مهانا. تذكروا ابناء شعبكم الهاربين عندما اوتهم شعوب ودول اخرى. لا تمت لهم بصلة دم ودين، ولكن بصلة اسمى، انها صلة الاخوة الانسانية.

فمن اليوم يجب ان نرتقي بتطلعاتنا الانسانية. ان نتمتع بحرياتنا، ان نعمل من اجل محاربة الارهاب والقتل والتدمير. يجب ان نبدأ من اليوم حياة جديدة، ملؤها الامل والمحبة. فهنيئا لشعبنا البداية الجديدة.

29 حزيران 2004

 

هل كانت المؤسسة العسكرية العراقية مؤسسة وطنية ..؟؟

 

رغم كل المآسي التي لحقت بالعراق وطنا وشعبا، والتي أتت أغلبها من ممارسات المؤسسة العسكرية العراقية وريثة التقاليد العثمانية، لايزال البعض يتشدق بوطنية المؤسسة العسكرية التي أذاقتنا الأمرين. ولكي لا افهم خطأ أراني ملزما أن أوضح بأنه لا اعني كل المنتسبين إلى هذه المؤسسة، بل أتهم القيادات العليا والمتنفذة فيها. فالمؤسسة العسكرية تضم مختلف أبناء العراق في صفوفها وخصوصا المكلفين والذين لا حول لهم ولا قوة. ولكن القيادات العليا في هذه المؤسسة ظلت باستمرار، في يد حفنة من معتنقي الأفكار الشوفينية. أو أطاعت برضاها القيادات السياسية الشوفينية ونفذت سياساتها دون أن يكون لديها أي رادع من ضمير أو حس إنساني أو وطني.

فاول عمل بطولي!! نفذته هذه المؤسسة (والتي يمتلئ سجلها بمثلها العديد) كان قيادتها ومباشرتها في تنفيذ مذبحة سميل المروعة والتي راح ضحيتها الآلاف من أبناء الشعب العراقي من الآشوريين. فهذه المؤسسة بدأت بالتدخل في السياسة الداخلية متأثرة بالمد الفاشي والنازي في الثلاثينات من هذا القرن. لا بل دعمت بعض الشخصيات العنصرية رافعوا الشعارات العروبية مثل رشيد عالي الكيلاني ورهطه. كما إنها شاركت في عمليات الأنفال ونفذت سياسة الحكم بضرب شعبها بالأسلحة الفتاكة مرورا بقنابل النابالم المحرقة والأسلحة الانشطارية، انتهاءا بالقنابل الكيماوية في حلبجة وفي بعض مناطق برواري بالا.

أما عن مشاركتها في الانقلابات المختلفة وخصوصا في الانقلاب البعثي الأول والذي أرعب العراقيين فحدث ولا حرج !! فبأي مقياس يتم قياس وطنية هذه المؤسسة ،التي تستغل امتلاكها للقوة لكي تقوم بكل هذه الممارسات المشينة..؟؟، إنها مؤسسة لم تتمكن من أن تخلق لنفسها أية معايير وطنية ثابتة. فكانت على الدوام ألعوبة في أيدي السياسيين الطامحين إلى السلطات المطلقة كي يتحكموا برقاب الشعب (والذي تدعي هذه المؤسسة إنها جاءت للدفاع عنه. حتى الحروب التي دخلتها هذه المؤسسة ضد ما اصطلح على تسميته بعدوان خارجي. فإما أنها كانت حرب عدوانية مثل الحرب العراقية الإيرانية أو حرب احتلال كما حدث للكويت. أما عن مشاركتها في الحروب العربية ضد إسرائيل، فلم تكن أبدا طرفا أساسيا بل كانت مشاركاتها إما رمزية أو جاءت في نهاية المطاف !! فكل هذه المشاركات نفذت سياسات المتسلطين واستعملت للدعاية لهم باظهارهم كأبطال للعروبة دون أن يجني العراق من هذه المشاركات شيئا..

إن مقياس الوطنية لأي مؤسسة يجب أن يكون في ما تقدمه من خدمة للوطن والشعب. أن تكون محايدة في نظرتها لكل أبناء العراق القائمين بواجباتهم المطلوبة منهم كمواطنين. فهل كانت هذه المؤسسة تتصرف في الماضي والحاضر ضمن هذا السياق..؟؟ أليست الأمثلة السابقة بكافية كي ندين هذه المؤسسة والفكر الذي يوجهها..؟؟ وعلى أي أساس لا يزال البعض يضع فيها ثقته؟ هل انتظارا لفارس شهم يقود دبابته ويدك بها القصر الجمهوري بمن فيه ويخلصنا من صدام وزبانيته..؟ ألم يأتنا الكثير من أمثال هذا الضابط مدعي الشهامة والمروءة وما كانت النتيجة..؟

صحيح هو الرأي القائل بأن على المؤسسة العسكرية أن تأتمر بأمر القيادة السياسية. ولكن أي قيادة سياسية؟ هل القيادة التي تراها المؤسسة العسكرية تقوم بذبح أبناء وأخوة المنتسبين إليها لا لسبب غير اختلاف الرؤى..؟ إن هذه المقولة تكون صحيحة، عندما تكون تلك القيادة السياسية منتخبة من الشعب..!! وان تحرم المؤسسة على نفسها التدخل في حسم الخلافات الداخلية، وأن تقف على مسافة واحدة من مختلف الفرقاء، فهل مارست المؤسسة العسكرية العراقية هذا الأمر..؟

إن المطلوب اليوم ليس التشدق بالمؤسسة العسكرية. بل المطلوب نقد وتصحيح كل مواقع الخلل فيها والتي أوصلتنا إلى ما نحن عليه اليوم. ولكي يكون لنا وطنا مستقرا علينا أن نبني مؤسسات وطنية عراقية وليس توابع لإيديولوجيات سياسية أو قيادات سياسية حمقاء!!.

قويامن   1999

 

دور التعليم في ترسيخ الوحدة الوطنية في العراق

 

بداية عام 1980 تم سوقي الى خدمة الاحتياط (كل عراقي كان مطالب بخدمة في الجيش مرة كخدمة اساسية ومرات عدة كخدمة احتياط) وقد تم نقلي الى احدى الربايا ( الربية هي مجموعة عسكرية تعيش في موقع واحد وتقل عن الفصيل) على الحدود العراقية التركية، قرب قرية اسنخ (سناط). وكان في هذه الربية جنود من منطقة وسط العراق وبالاخص من قرى محافظة الكربلاء. فمن الطبيعي وانا كنت قد قدمت جديدا، ان يثير اسمي الغريب لديهم تساؤلات عن هويتي الدينية والقومية. وعندما قلت لهم انني مسيحي تفهموا وعرفت انهم يدركون وجود المسيحيين في العرق. ولكن عندما ذكرت لهم انني مسيحي اثوري (اشوري) اثارت انتباههم هذه الاثوري (الاشوري). لانهم قالوا لي انهم لاول مرة يسمعوها، طبعا متوقع الامر من اشخاص اميين، غير مطلعين على تاريخ بلدهم. ولكن المسألة تتعدى هؤلاء الى المتعلمين، الذين لا يعرفون عن مكونات الشعب شيئا. فاغلب العراقيين يدركون وجود العرب والاكراد والتركمان، ولكنهم يجهلون وجود الآشوريين الكلدان والصابئة واليزيدية والكاكائية والشبك وعلي اللهية والارمن واليهود، والسؤال الذي يتبادر الى الذهن هو، من المسؤول عن ذلك؟ أليس في تغييب مكونات الشعب القومية والدينية اجرام بحق الشعب ووحدته الوطنية. لماذا لم يقم التعليم بدور تعريف ابناء الوطن بعضهم الى البعض؟

بلا ادنى شك ان عملية التغييب، كانت عملية متعمدة، فنتيجة للايديولجية الشوفينية التي تحكمت بالعراق، والتي رفضت الاعتراف بالاخر، وخصوصا القومي. فقد حاولت محو هذا الاخر من الذاكرة بعدم ذكره، اي قتله معنويا. في الطريق الى صهره واذابته وازالة كل ما يظهره مختلفا. لان تلك الايدولوجية كانت تؤمن بالواحد المنفرد، وكل ما عداه فهو شذوذ. وان اعترفت بالاخر ففي ظلال الحراب فقط. اي انها لا تقر بالاخر الا بالقوة. وهكذا نرى ان الاعتراف بالاكراد لم يكن الا نتيجة لانتفاضة الاكراد. ولم يكن لان الايديولوجية تقر بذلك من ذاتها. ولقد تم تغيبنا عن المنهج الدراسي وتم تغييب نتاجنا الثقافي والحضاري وتم اعتبارنا وكأننا نزلنا من المريخ في ليلة حالكة السواد، ورفقا بنا اضفى العرب والحكام حمايتهم لنا.

والتغييب متعمد وليس سهوا، فلو اطلعنا على تاريخ العراق كمثال فأننا لن نجد شيئا عن الفترة الممتدة بين 539 قبل ميلاد السيد المسيح والى غزوات المسلمين للعراق. وهذه الفترة تقارب الالف عام، فهل انمحى الشعب الذي كان موجودا؟ بالطبع لا، ولكن في هذه الفترة استمر الشعب في منطقته وان كان خاضعا لدول او حكام اخرين. ومع انتشار المسيحية في العراق، انتشرت فيه المدارس والجامعات امثال جامعة نصيبين واورهاي وجندي شابور والدير الكبير. وكانت تدار اغلب هذه المدارس والجامعات، من قبل كنيسة كوخي في المدائن (ثلاثون كيلومتر جنوب بغداد. اي ان الرئيس الاعلى او البطريرك كان يقيم في هذه الكنيسة، وبالتالي كان يعتبر من هذا البلد، وبأوامر من هذه الكنيسة خرجت بعثات التبشير وجابت سيبريا والصين والهند. وتلامذه هذه الكنيسة قاموا بترجمة الكتب من اليونانية الى السريانية ومن ثم الى العربية. وخريجي هذه المدارس كانوا اطباء الخلفاء العباسيين. لا بل ان اول وزير لمعاوية بن ابي سفيان كان منصور بن سرجون، الذي دخل لاحقا الدير وسمى بيوحنا الدمشقي.

في كتبنا المدرسية كنا نقراء عن تاريخ اوربا، وثقافتها واشعارا من اميركا الجنوبية وجغرافيتها وهكذا عن استراليا واسيا، وطبعا عن العرب من المغرب الى العراق، وادبائهم وكتابهم، ولكن لا نجد ذكرا لكاتب سرياني او تركماني، لم نقراء يوما شيئا عن الايزيدية او نصاً من كتبهم الدينية او عن المندائية.

في ما يسمى العراق الحالي او المدن التي كانت خاضعة لأدارته الدينية مثل نصيبين واورهاي.

برز كتاب مبدعين، وشعراء عظماء، امثال افرام السرياني والسروجي والراس عيني ونرساي ووردة الاربيلي وخامس القرداحي وعوديشو الصوباوي، لا يتم ذكرهم كتراث او كصانعي تراث هذا البلد. طبعا لا اود ان انسي الكتاب والادباء من ابناء شعبنا العراقي من القوميات والاديان الاخرى، الا انني ايضا لست مطلعا عليهم كفاية. لانني اناايضا من نتاج هذه المدرسة التي غيبت كل ماهو ليس بعربي، وما عرفته عن تاريخ شعبي كان من خارج اطار الدراسة المنهجية او الرسمية.

ففي الوقت الذي نؤيد ان يكون طلبتنا على المام بثقافات الشعوب الاخرى، وان يتم اشعارهم انهم جزاء من هذا العالم ( فلكي ننتعش ونتجدد، يجب ان نفتح نوافذنا للتيارات الاتية من الخارج). الا انه من المفروض ايضا ان يتم اعلامهم بمكونات شعبهم، من خلال ذكر دور هذه المكونات في التاريخ او تدريس نماذج من نتاجاتهم مترجمة الى اللغات العربية والكردية وبالعكس. بالرغم من ان ابناء ما بات يوصفون بالاقليات تطلع على ثقافات العرب والكرد لانهم ملزمين بدراسة اللغتين.

ابني يذهب الى المدرسة في المانيا، التي اعيش فيها. هل تدرون ما هي اول كلمتان تعلمها في مدرسته ومكتوبة في كتابه، انها علي وليا(ALI ;LIA)  وطبعا تدركون ان اسم علي ليس المانيا. بل هو اسم عربي واسلامي. ولكن الالمان يدركون ان هذا الاسم موجود حاليا، وان لم يكن موجودا قبل خمسين عاما. انهم لا يتنافرون من المخالف، من الاخر، بل يحاولون ادراجه واستيعابه كما هو وليس صهره.

اذا لكي لا نخاف على وحدتنا الوطنية، ولكي نجعل اجيالنا المستقبلية تعي ان العراق ارضا ووطنا، يتكون من مجموعات بشرية مختلفة اللغات والديانات والتقاليد، الا انهم بمجموعهم يكونون الشعب العراقي.  فيجب ان تطلع هذه الاجيال على نتاجات الادبية والفكرية لكل مكونات الشعب العراقي، كما على الجميع دراسة تاريخ العراق الحقيقي والواقعي وليس التاريخ المفترض، الذي يتجاهل مكونات العراق، لان التجاهل يخلق هذا السؤال ومن اين اتوا هؤلاء؟ برغم من ان بعض من هؤلاء هم اقدم بكثير ممن يسمون اليوم بالاكثرية، فلبناء وحدة وطنية راسخة وسليمة، لنبداء من الكتاب المدرسي، الوطني.

 

الاستقطاب

 

عندما نقول حوار، فهذا يعني تبادل الاراء والنقاش حولها، والغاية تكون لكي نعرف ابعاد اخرى للقضية المتحاور حولها، والا فما فائدة كلمة الحوار؟ عدم تقبل الحوار والقطع بحل جاهز، لا يدل الا على الرغبة في الاستحواذ والسيطرة. ولو تمعنا في ما يجري في العراق الان، فاننا سندرك ان الحوار مفقود، وليس له اي اساس وبدون حوار لن نجد حلا، هذا اذا كنا نريد حلا اصلا.

الوضع في العراق، هو في الحقيقة نتيجة الاستقطاب، اما موجب او سالب، اما مؤمن او كافر، اما وطني او خائن، اما ناصبي اوصفوي، ابيض او اسود، مسبقا كل الطرق مقطوعة للحوار، لا وجود لمنطقة وسطى، لا وجود للون رمادي، لا وجود لمستقبل الا بما يرضي الطرف المتسلط. يحاول البعض الاشارة الى المعضلة ولكن صوت الجميع يخفت ويضيع امام صرخة الخوف والرعب والدم المسال. كل الاصوات الداعية للتأني تصمت امام هول الجرائم المتتالية والتي لن تؤدي الا الى المزيد، لحين تحقيق الفصل التام بين المكونات والاطرا ف والاجزاء.

نعم ان المسير هو الى تشرذم البلد، ورغم كل الامال التي نعقدها ويعقدها البعض على التحركات السياسية واللقاءات بين الاطراف المتصارعة. نجد ان ارادة التشرذم والانفصال هي السائدة، لان كل كبوة تعيدنا الى المربع الاول وهو الوطني والخائن وما يليها من الثنائيات القاتلة. فخلال اكثر من عشر سنوات من ازاحة نظام صدام، نشاهد نفس الحالة القاتلة وهي ان الحلول السياسية هي حلول مؤقتة مخدرة ليس الا. لان ما يليها يكون اسواء مما كان قبلها, واليوم اذا نتحدث عن سبايكر والفلوجة والموصل وغيرها، فلاننا نسينا الحلة والبصرة وبغداد والكثير من الجرائم المارة والتي لفها النسيان، لان التي اتت بعدها كانت من الهول لدرجة انه تم نسيان كل ما سبقه.

كيف لبلد ان ينعم بالسلام والاستقرار، اذا كان لا يرى نصفه في النصف الاخر الا مجرد عملاء وخونة. وكيف لبلد ان يتطور وكل ما لديه تاريخ من الاحقاد والثارات المتبادلة. وعندما اقول النصف، فهذا لا يعني ان النصفان المختلفان متوحدان، كلا انه متوحد مقابل الاخر فقط، لان كل نصف فيه خونته لاسباب كثيرة كالعشائرية والجهوية والسياسية. هذا الوصف ليس للعراق فقط ولكن يمكن تعميمه بسهولة وبنسبة صحة كبيرة على عدد من بلدان الشرق الاوسط. ولكن العراق صار نموذجا يمكن البناء عليه ومعرفة مستقبل المنطقة من خلال استقراء مستقبله.

ان بقاء الاطراف المتنازعة، الحزبية والطائفية والقومية، عند مواقفها، لا تتزحزح عنها، هو اثبات لهذا الاستقطاب الذي يتنافي مع العملية السياسية. فقولنا عملية سياسية معناه اننا ندرك باننا يجب ان نصل لانصاف الحلول، ان نعطي وناخذ بلغة الشارع، ولكن هل يمكن لاحزاب تؤمن بالكفر والايمان، تؤمن برسالة خالدة وطارئ على التاريخ، تؤمن بان بعض البشر احفاد قردة وخنازير واخرين ورثة ادم، تؤمن بان الاخر يمثل خروجا عن الدين الصحيح. ان تتحاور وتنخرط في العملية السياسية حقا؟ يصدع راسنا البعض بان المجتمعات الاوربية انتجت احزاب دينية منخرطة في العمل السياسي اشارة الى الاحزاب المسييحية. ولكن يفوت هؤلاء ان ان الاحزاب المتسمية بالمسيحية في اوربا احزاب علمانية حقا. فيها المؤمن والملحد والمسلم والبوذي. وما يوحدهم بالاساس البرامج الاقتصادية المحافظة وبعض القيم الاجتماعية مثل معارضة الاجهاض. وهذه الاحزاب والاحزاب التي على يسارها او على يمينها متفقة على قيم مشتركة لا يمكن التلاعب بها. مثل الحريات الفردية والضمان الاجتماعي. وبالتالي فان وجود كلمة المسيحي في تسمية هذه الاحزاب لا تعني الا اعتراف ما بالارث المشترك. ان الاحزاب المسيحية لا تدخل في صراع حول من هو المؤمن او الكافر، ولا تميز في عملها بين هذا وذاك، وكليهما له الحق لتبؤ اي موقع فيها، والمهم في الامر هو رضا القاعدة الحزبية. في حين ان الاحزاب الدينية العراقية وفي المنطقة، تنطلق من منطلق التكفير ونبذ ومقارعة الاخر على الاساس الايماني. ولا يمكنها ان تخرج عن اطار ماهو مرسوم في الشريعة الدينية المكتوبة قبل مئات السنين، والتي  لم تتجدد وتحدث لحد الان. وبالتالي الاحزاب الدينية العراقية والعربية ملتزمة بالموروث الذي يميز صراحة بين المؤمن والغير المؤمن وحتى بين المؤمنين من نفس الدين ولكن من مذهبين مختلفين. اي انتفاء روح المواطنة وقلع مسببات المساواة في الحقوق والواجبات.

اذا الحلول في اطار وجود احزاب دينية امر يكاد ان يكون مستعصيا ان لم يكن مستحيلا، الا اذا انسلخت هذه الاحزاب من جلدها واعلنت على رؤس الاشهاد انها تؤمن حقا بالمواطنة كاساس للتعامل مع المواطنين. دون اي اعتبار للدين والقومية والجنس واللون، وان يتم ازالة كل ما يعيق عمل الدستور المتناقض بين الاليات الديمقراطية والحريات الفردية، وبين القيم الاسلامية والاكثرية الدينية والمذهبية. حينها سيمكن لهذه الاحزاب ان تتناقش وتتحاور خارج اطار الاستقطاب، وضمن اطار المصالح المتعارضة التي يمكن ان يتم التوافق بشأنها.

5 تشرين الأول 2014 ايلاف

رجاء لا تمنحوا المساكن للفقراء

 

لا اعرف من بداء هذه البدعة، ان تقوم الدولة او رئيسها او اي مسؤول فيها بمنح او بالادعاء بمنح المساكن للفقراء. ولكن الظاهر انها وظواهر مرضية اخرى شائعة في مجتمع منطقة الشرق الاوسط، مثلا القيام برعاية الاحتفال الجماعي بالزواج، بدعوة ان الشباب لا يملكون الاموال لكي يتزوجوا، او اقامة الموائد الكبيرة لاطعام الناس في المناسبات ولاحظوا هي فقط في المناسبات وخصوصا في رمضان وكانه لا فقراء الا في رمضان.

الفقراء موجودون في كل زمان ومكان، حتى في اغنى الدول واكثرها استقرارا، بالنسبة للدخل الفردي سنجد اناس انهم اقل دخلا من المتوسط، وهم سيعتبرون في نظر القانون فقراء، وعلى الدولة ان تقوم بمساعدتهم لتلبية احتياجاتهم الطبيعية  التي لا يمكنهم تحقيقها.

ان قيام اشخاص او مسؤولين بتوزيع قطع اراض او مساكن من ممتلكات الدولة والتي تعتبر جزء من ثروة الشعب، باعتقادي خطاء ان لم يكن جريمة.  واساسا لا يحل المشكلة ابدا، بل قد يفاقمها كثيرا لانه يعلم الناس على الكسل، وعلى العطاء وكانه منحة شخصية وليس حقأ. قبل مدة وبعد ان سمع الاستاذ نوري المالكي رئيس الوزراء بمأسأة العائلة المسيحية والتي كانت تعيش حالة مزرية. قيل ونشر في الاعلام انه وهبها منزلا، الحقيقة لم نرى ولم نجد في الاعلام ما يؤيد او يفند ذلك، بل دخل على الخط السيد سركون صليوة وزير البيئة وادعى بانه اسكنهم في الفندق لحين ايجاد منزل لائق لهم في بادرة لنفي غير مباشر لما قام رئيس الوزراء. وكلا الطرفين استغلا ذلك للدعاية الانتخابية. اي ليس تادية دولة لواجبتها تجاه مواطنيها.

الدستور العراقي يقر في مادته الثلاثون بحق الناس في المسكن ((المادة (30):

أولاً :ـ تكفل الدولة للفرد وللأسرة ـ وبخاصة الطفل والمرأة  ـ الضمان الاجتماعي والصحي، والمقومات الأساسية للعيش في حياةٍ حرةٍ كريمة، تؤمن لهم الدخل المناسب، والسكن الملائم.

ثانياً :ـ تكفل الدولة الضمان الاجتماعي والصحي للعراقيين في حال الشيخوخة أو المرض أو العجز عن العمل أو التشرد أو اليتم أو البطالة، وتعمل على وقايتهم من الجهل والخوف والفاقة، وتوفر لهم السكن والمناهج الخاصة لتأهيلهم والعناية بهم ، وينظم ذلك بقانون )).  وهذا يعني ان تقوم الدولة بتوفير المسكن لمن لا يستطع ذلك، وهذا يشمل كل مواطن بلغ الثامنة عشر، ولكن توفير المسكن لا يعني منح مسكن ليصبح ملكه، لا فهذا هي اموال الدولة  وحل مؤقت لمشكلة ستكون مزمنة لانه يشجع الاتكالية ويدفع الناس للاعتماد او انتظار الدولة لتحقيق كل شئ لهم، هذا ناهيك عن ان امكانية انتشار الفساد واستغلال الامر لغايات اخرى من قبل شخصيات في السلطة.

الحل الامثل هو تشجيع الشركات للبناء العامودي والناس للسكن في الشقق السكنية متعددة المساحات، مع توفير كل مستلزمات ذلك من الماء والكهرباء والمجاري والتهوية الصيفية والشتوية. وقيام الشركات بنفسها بادارة المسكن من ناحية النضافة والاهتمام بالحدائق والممرات واعتبار ذلك جزء من الايجار. ان السكن العمودي سيكون ارخص ايجارا، ويشجع الناس للاستقلال عن الاسرة وبناء الذات. كما ان الدولة ستتمكن من خلال الضرائب والموارد التي ستحصلها من الشركات لبيع الاراضي او ايجارها، موارد لدفع ايجارات الناس التي لا يمكنها دخلها من دفع ايجاراتها، ان مثل هذا الطرح يشجع الناس ايضا للتطوير ومحاولة التوفير للحصول على المسكن الخاص.

نجد في الاخبار ان السيد فلان قام بتوزيع اراضي او قطع سكنية او دور او غيرها وكانها ملكه الخاص. ما يوزع هو من ممتلكات الدولة لا يمكن لشخص مهما علا شنه التصرف بها. الذي يتصرف بها هو القانون وليس غيره. ان تنسيب منح هذه الممتلكات لاشخاص يمنحهم حصانة ومكانة لا يستحقونها. لا بل قد يغير في توجهات الراي العام لصالحهم وهم يعتبرون من الناحية القانونية لصوص ليس الا.

اذا مرة اخرى لا لمنح المسكان ولا لمنح اي شئ من اموال الشعب والدولة باسم اشخاص مهما علا شأنهم. لا بل وضع قوانين استنادا الى مواد الدستور لحماية وكفالة كل العوائل الفقيرة والغير المتمكنة. اي نعم ان اقامة مؤسسات وتنظيمها وتدريبها سيستغرق وقتا طويلاـ  ولكن هذا لا يمنع من وضع الاسس لبناءها الان قبل الغد، وفسح المجال لمنظمات المجتمع المدني وخاصة الجمعيات الخيرية الاهلية من القيام بدعم الاسر المعوزة وتوفير اموال لها لكي تفي حاجاتها الضرورية مثل المأوى والملبس والمأكل. واعتقد انه يمكن سن قوانين سريعا لتنشيط المجتمع بهذا الاتجاه مع وضع اليات مراقبة ملائمة. ستكون افضل واكثر ملائمة والاهم ستكون قانونية وسيعود نتاجها للوطن وليس لاشخاص يجيرونها لمصالحهم الخاصة. ومن هنا يمكن ان تبداء عملية حل مشاكل الفقر ولو بحده الادنى مثل عدم القدرة على توفير الحاجات الضرورية. وليس بتمثيليات لا غاية من وراءها الا الشهرة ومحاولة كسب السمعة او تنظيفها او تنويم الضمير بان ما اخذ بغير حق يصرف بحق.

على الدولة ان تاخذ بيدها عملية التخطيط الاسري. ليس قسريا بل بالتوجيه والتربية والاعلام. ان ترك مثل هذه الامور بيد رجال الدين  وتحت توجيهاتهم سيجعل بلدنا يتراجع ليس من الناحية الاجتماعية بل الاقتصادية ايضا. رجال الدين او بعضهم يريدون صنع سجن كبير الكل يسيرون فيه حسب قوانين يقولون انها من الله. ولكنهم ومع الاسف يعيشون على هواهم وحسب ما يتراى لهم دون خوف من هذا الله. ان تفاقم حالة العزل الاجتماعي القائمة حاليا، سيجعل الانسان الذكر غريبا عن الانسان الاخر الاخر الانثى، لا يتحكم في العلاقة بينهم رؤى وفكر وعلاقات اجتماعية مثل الصداقة والعمل والدراسة. بل الشهوة الحيوانية التي لا يضبطها اي شئ نتيجة حالة الاغتراب المعاشة. سيتحول الانسان وفي الاغلب الذكر لانه الاكثر تحررا بحكم القيم الاجتماعية الى انسان تم تجويعه لمدة طويله ومن ثم طرحه في وليمة لا يدري ان كانت ستستمر ام انها ستنتهي بعد لحظات. ان حالة الانفجار السكاني التي يشجعها رجال الدين، ولغايات غبية وعدوانية في الغالب كاكتساح العالم والسيطرة عليه بالعدد الكبير. حتما ستولد ازمات اجتماعية كثيرة ليس في السكن فقط، بل ايضا في الماكل والملبس والتعليم والنقل وهلم جر. والحل ليس بمسكنات مما ينشر احيانا بل بوضع خطط علمية قابلة للتطوير والتنفيذ. ومنها التشجيع على الحد من النسل على الاقل في المراحل الحالية والتي لا تتوفر فيها المعلومات الكافية عن واقع وحال المجتمع، وبعد السيطرة على مكامن الازمات، يمكن العودة الى تشجيع الاسر الكبيرة ومن خلال القانون ايضا.

7 أيار 2014 عنكاوا

شكرا دكتور اياد علاوي

 

من امثالنا العراقية الدارجة، مثل يقول( الي يتزوج امي اصيحلة أبويا)، ويضرب على الاكثر للذين يتوددون لمن يستلم السلطة، فمن استلم السلطة يتم التودد اليه، وتقال فيه الاشعار والمدائح، اما من خرج من السلطة فيلعنون سلفات سلفاته. ويلصقون به كل الرذائل والاخطاء. وخصوصا ان لم يكن من حزبك او من طائتفك او من قوميتك، والحمد الله ان الدكتور اياد علاوي، رجل عربي وشيعي و رئيس الوفاق الوطني العراقي. وانا اشوري، مسيحي شرقي، ومنتمي للحزب الوطني الاشوري، فلا رابط بيننا، الا رابط المواطنة لبلد واحد اسمه العراق(وكلمة الوطني لدى التنظيمين وفكرهم الليبرالي)، ولكن اسمحوا لي ان اقول كلمة في هذا الرجل الذي على يديه وزملائه الوزراء، تمكنا من تحقيق سوابق ليس في العراق لا بل في منطقة الشرق الاوسط. ففي الوقت الذي كان الكثيرون يمنون النفس بعدم اجراء الانتخابات. وفي الرجل بوعده واجرى انتخابات، صداها هز المنطقة. هذا البعض راهن على فشل علاوي لكي يثبت ان الدكتاتورية والسلطات القائمة افضل لشعوب المنطقة وافضل لمخططات امريكا. والبعض راهن على عدم تسليم السلطة، وان ديدن العرب هو التمسك بكرسي الحكم الى الرمق الاخير، ولكن اياد علاوي كذبهم وسلم السلطة كما وعد وتعهد.

ان انجازات السيد علاوي وحكومته، قياسا الى عمرها وما واجهته من العراقيل ومن مواقف عدائية وخصوصا من الاعلام العروبي المتأسلم، كانت هذه الانجازات اكثر من رائعة وكبيرة بحق.

فبعد سقوط الصنم. ادارت الدول العربية وجهها عن العراق بحجة انه محتل، وانه فاقد للسيادة، وكأنه في زمن صدام كان يمتلكها. وكأنها (الدول العربية) كاملة السيادة. وهكذا تمكن السيد علاوي من اعادة العلاقات بين العراق ومعظم الدول العربية والاجنبية. كما تم انجاز اسقاط الكثير من الديون، التي اثقل نظام المقابر الجماعية كاهل العراقيين بها، حيث استدان ليصرف على مغامراته. كما حاول بكل قدراته تحقيق انجازات اقتصادية فعالة الا ان يد التخريب والقتل والتفخيخ لم تترك مجالا لفاعل لكي يبني. فالمحطات الكهربائية التي كانت تنشاء، كانت تفجر في اليوم التالي، ومرافق النفط يتم تفجيرها بعد كل اصلاح، وبالرغم من كل هذا، فان العراقيين يحسون بتحسن مضطرد، في قدراتهم الشرائية نتيجة للأرتفاع الكبير في الرواتب. اما من الناحية الامنية فقد تم بناء جيشا وشرطة يقدر اعدادها باكثر من مائة وخمسين الف فرد، وهي في طور التقدم المضطرد، وان شاء الله ستأخذ دورها كاملا في حفظ امن البلاد والعباد.

اننا نقول للسيد علاوي هذه هي الديمقراطية التي ارتضيتها، ودوركم في العراق باق، المهم بقاء العراق سالما حرا ابيا.

لقد تكالبت سيوف وخناجر العربان على العراق والعراقيين. وكأنه لم يكفيهم سنوات الاذلال والقمع التي عاشوها. هذه السيوف التي ترغب في ادخال المارد العراقي في قمقم التخلف واعادته الى ما قبل اربعة عشر قرنا الى الوراء. فمن قنابلهم وانتحاريهم الى وسائل اعلامهم المسمومة. كان كل شئ معدا لقتل البذرة وهي في المهد. لان هؤلاء العربان ادركوا ان نسمات الديمقراطية معدية، وان الحرية مضرة بمشروعهم الرجعي المتخلف، الا ان حكومة السيد علاوي ادت الواجب، باقتدار وفي اصعب الاحوال.

وهذا لا يعني ان الحكومة كانت خالية من السلبيات ومن الاخطاء، وخصوصا اننا شعرنا في احيان كثيرة ان الحكومة فاقدة لبوصلتها الموحدة. وان كل فرد فيها يعمل ما يحلو له، وليس للحكومة سياسات موحدة. كما ان الفساد الاداري لا زال مستفحلا وبدرجات كبيرة، هذا الفساد الذي شجع عليه النظام السابق، حيث شرعه ورعاه.

ان السيد علاوي خضع لارادة الناخب العراقي، ولكن للسيد علاوي دور مستقبلي. وهنا نود ان نقول ان كل ساسة العراق المتنورين المؤمنين بالديمقراطية والحريات الفردية والنظام الفدرالي والتعددية الثقافية. سيكون لهم دور في صنع حاضر ومستقبل العرق. اما من يتشبث بالماضي ويريد اعادة عقارب الساعة الى الوراء، فان العراقيين سيرفضونه، لان العراقيين يريدون بناء مستقبلهم، يريدون ان يعيشوا في عالم اليوم. بكل منجزاته التكنولوجية والثقافية والعلمية وقيمه الحضارية.

واخيرا من القلب نقولها شكرا دكتور اياد علاوي شكرا الطاقم الوزاري.

 

اهلنا المندائيون يستغيثون

 

نشرت مفوضية حماية المندائيين نداء استغاثة ودعوة للمساعدة للخروج من واقع مؤلم يهدد ليس حياة بضع مندائي بل يهدد وجود المندائيين كلهم في العراق وذلك لتعرضهم لضغوط واعتداءات واغتصاب، ان ما يستشف من النداء ان هنالك خطر كبير يتعرضون له اهلنا المندائيون وقد لا يصرحون به بشكل علني الا انه واضح من قراءة المنشور. ان هناك تهديد ديني وفرض امر واقع لتغيير المعتقد بالقوة.

المندائيون اصحاب احد اقدم المعتقدات الدينية في العراق ويمتد وجودهم الى المنطقة المجاورة في ايران منطقة اهواز، و مهما كان رأينا بالدين المندائي وهنا اود التصريح بانني لست مختصا به لكي افتي او اكتب الكثير عنه، الا ان الحس الانساني قبل الوطني يدفعنا لكي نتعاطف وندعو الآخرين لمد يد العون والمساعدة لهم. فالمطلوب وطنيا وخصوصا في العراق اقامة تكتل حزبي واسع ويضم نخب اجتماعية مرموقة ندعوه تكتل الدفاع عن المندائيين لكي نحقق لهم الامان المنشود. فالمندائيون المعروفون بمسالمتهم لا يهددون احد بشئ ولا دينيا، فحتى دينهم ليس تبشيريا، لكي يخاف الاخرين منه. ان هذه الفئة العراقية الاصيلة قدمت للوطن الكثير وخدمته في اصعب الظروف رغم تعرضها للاضطهادات المتتالية. ان هذه الطائفة الكريمة والتي تحمل في لغتها وتراثها ودينها اصالة العراق منذ اقدم الازمنة. مطلوب اليوم ان يهرع كل العراقيين للدفاع والذود عنهم امام الهجمات العنصرية البربرية. ان فقدان هذه الطائفة لا يعني فقدان حق لمواطن بل يعني فقدان تواصل العراق مع ماضيه الناصع. هذا الماضي الذي يخافه من دخل علينا وفرض قيمه بالقوة ولا يزال. بل هو تدمير لعراق نتمناه عراق السلام والمحبة والتسامح والتعدد، فاي تعدد نريده دون وجود المندائيين؟.

ان الحكومة العراقية مطالبة لكي تدرك خطورة الامر وتأخذه بجدية تامة. فما يحدث للمندائيين، وهم فئة اصيلة واساسية من شعب العراق، يمكن ان يستشف منه ماذا سينتظر الاخرين، لو، لا سمح الله نجحت خطط من يحاول الاعتداء على احد الاجزاء الاكثر التصاقا بالعراق التربة والتاريخ.

ان حكومة تسمع استغاثة فئة عراقية ولا تستغيثها لهي حكومة باطلة حكومة لا تؤمن باي من مبادئ حقوق الانسان التي ناضل شعب العراق من اجلها وقدم الكثير الكثر لاجل هذه المبادئ. ومن بين من ضحوا واستشهدوا لاجل ذلك الكثير من اخوتنا المندائيين. ان عدم التحري والاستعلام عن مصدر التهديد، هو مشاركة في الجرم والعملية الجرمية، من قبل من كلف بمهمة حفظ القانون ،التي هي الحكومة العراقية واجهزتها واذا كان باعتقاد البعض ان المندائيين ممكن لهم ان ينتظروا لحين التخلص من الاخطار الاخرى، فهذا الاعتقاد كاذب ويدل على كم هائل من الاستهتار بقيم الحياة، وقيمة التماييز الثقافي. فالمظلوم يعتقد ان الثانية دهرا، والخائف لا يسأل الانتظار لان ما يداهمه خطر كبير وجلل قد لا يكلفه حياة انسانية واحدة بل ميزة وتراث وايمان فئة واسعة. فهل ان رئاسة الوزراء والحكومة على دراية بالامر الحاصل ام انها في خبر كان؟ اننا اذ نشارك اهلنا المندائيين في استغاثتهم، فاننا نتطلع الى قيادات العراق كله، وقيادة اقليم كردستان ومجلس النواب ومجلس القضاء الاعلى وكبار رجال الدين وكل الاحزاب السياسية ان تقوم بعمل موحد ومشترك لاجل ازالة المخاوف الحقيقة التي تجعل طائفة كاملة توجه نداء استغاثة في العراق. وان يتم الكشف الواضح والصريح عن معاناتهم الحقيقية ومن يتسبب بها.

ان الاستجابة للنداء المنشور لا يعتبر في اي شريعة كانت تدخلا في الشؤون الداخلية، ان مواطنينا المندائيين يتعرضون وحسب المنشور الى ابشع انتهاك لحقوق الانسان، والامم المتحضرة قد اجازت التجاوز على السيادة الوطنية في حالة الانتهاك الفاضح لحقوق الانسان او تعرض فئة ما لشكل من اشكال ابادة الجنس البشري. وما يشكو منه مواطنينا المندائيين هو احد اشكال الابادة الجماعية للمندائين، في ظل الاتكال على ضعف قوة القانون والاهتمام المنصب على العاصمة والفئات والطوائف الاكبر ومشاكلهما.

ان نعزي الامر الى الفلتان الامني، فهذا نوع من الهروب من الواقع ومن الرغبة في ايجاد حل لمشكلة، ان لم تحل اليوم فغدا قد يكون الحل قد تأخر كثيرا، وفيه سيأتي الدور على الازيدية والمسيحيين. وبعد ذلك تصفيات في داخل الدين الواحد ومن ثم تصفيات داخل الطائفة الواحدة فهذا ما يعلمه لنا الدرس المستمد من تجارب الامم التي تركت للغرائز لكي تفلت من عقالها وسمحت للكره وللحقد لكي يسطير على مجريات الامور وادخلت القانون في مجمدة اين منها مجمدات الطبيعية في القطبين.

على مؤسسات المجتمع المدني التحرك وبسرعة من اجل تحريم الاعتداء على الناس بسبب معتقدهم الديني والسياسي والقومي. فمادامت كل المنظمات تؤمن بالتعددية. فيجب ان تتكاتف من اجل القضاء على كل من يعمل من اجل اشاعة الدين الواحد والحزب الواحد والرأي الواحد. ان من يحاول الاعتداء على شخص بسبب معتقده الديني يجب ان يتم تجريمه باقسى عقوبة ممكنة. فكيف على من يحاول الاعتداء على طائفة كريمة واصيلة ومسالمة مثل اهلنا المندائيين؟

ان نداء اهلنا المندائيين يضعنا كلنا، كل العراقيين امام مراة انفسنا، امام حقيقة ما نريده وما نرغبه، امام المستقبل الذي سينتظرنا او الذي نريده ان ينتظرنا. فترك الامور على الغارب كما يقال يعني اننا لا نريد ان نبني مستقبلا مستقرا مستقبلا يتمتع الانسان فيه بالكرامةز لان كرامة المجموع من كرامة الفرد. واذا كنا نرى ونسمع اليوم صراخ اهلنا ولا نبادر الى ايجاد حل لهم. فغدا لناظره قريب، ومع الاسف انه لن يكون غدا مشرقا بل كله سواد في سواد وبكاء وعويل وظلم واضطهاد ومزيد من القتلى والمفقودين والمهجرين والمهاجرين.

من الواضح ورغم ملاحظاتنا على الدستور العراقي. انه اي الدستور فيه ضمانات كافية لحماية الانسان ومعتقده. ومن الواضح ان البرلمان العراقي مؤتمن عل تطبيق الدستور الجاري. ومن الواضح ان مجلس القضاء الأعلى مناط به ليس حماية استقلال القضاء فقط، بل العمل على تطبيق بنود الدستور وخصوصا في حالة كالتي اطلعنا عليها، وهي تهديد طائفة اساسية من طوائف شعبنا العراقي في وجودها. اذا الدستور العراقي يكفل القيام يكل الخطوات اللازمة لازالة التهديد الذي يطال المندائيين، تبقى هناك قوة الحكومة العراقية التي تدير الاجهزة التنفيذية وبضمنها جهاز الشرطة والجيش. من الواضح لحد الان، انه ليس لدينا حكومة قوية بما فيه الكفاية في ظل الانتشار الواسع للسلاح وفي ظل الايادي الكثيرة التي تحرك مجموعات بشعارات تكفيرية. حيث يمكن لفتوى من رجل دين جاهل ان تفعل فعلها في تهييج البسطاء وممن يرتزق من امثال هذه الامور. اي فرض الخاوات مقابل توفير الحماية وهو نظير الشارعي البلطجي للجزية السيئة الصيت.

ان سكوت الفعاليات السياسية والشعبية ومنظمات المجتمع المدني، عن ما يحيق باهلنا المندائيين معناه انتظار حد السيف لكي يصل الى الرقبة التالية. والامر ليس ببعيد عن الرقبة التالية فقد شاهدنا نماذج منها في الاعتداء على المسيحيين والازيدية وما يديرونه من مجالات العمل سواء كانت حلال ام حرام من وجهة نظر الفاعل. ان لم يتكاتف المجتمع من اجل ازالة حالة الاعتداء والتهديد الذي يطال اهلنا المندائيين. هذا يعني ان المجتمع لم يتعلم من تجربة صدام شيئا. والا فليعلم الجميع ان ما اقترفه صدام بشعب العراق وبابنائة وببيئته واقوامه قد لا يحسب شيئا امام المستقبل الذي ينتظرنا لو تركنا الامور لكي تسير بهوى ورغبة من يهدد اخوتنا المندائيين.

ان المجتمع الحي ليس من بكى على من فقدهم، بل المجتمع الحي هو الذي يدراء الاخطار قبل وقوعها، وان يتحصن ضدها قبل استفحالها، وان لا يرتضى ظلم جزء منه من قبل اجزاء اخرى، لان بالموافقة على ذلك فالمجتمع يبصم على صك وفاته

14 حزيران 2006

 

هل يمكنني التعاطف مع صدام؟

 

أعتقد جازماً ان المسؤوليين العراقيين الكبار وذو السلطة والجاه ايام صدام، لم يعقدوا مؤتمرا صحافيا في عمرهم خارج العراق، لانهم حتما داخل العراق كان يمكنهم ان يعقدوا ما شاؤوا من المؤتمرات وكانت تصريحاتهم تخرج في الصحف مرتبة ومنظمة، ولذا فنحن العراقيين ما كنا نعرف حقا ضحالة مستوى سياسينا من صدام وانت نازل. الا انني حقا اندهشت واصابني الذهول وانا اسمع حسين كامل يتحدث في المؤتمر الصحفي عندما خرج الى الاردن بحجة الرغبة في احداث تغيير في النظام. فقد بدا للجميع غبيا لا يفقه من الامور الا ترديد اقامة نظام ديمقراطي بين الحين والاخر. فمثل هذا المسؤول حتما لا يمكنه ان يطرح رأياً واحداً لتطوير الوضع. فشخص مثل حسين كامل كان حقا لا يمتلك من الدنيا شيئا، لا علم ولا تجارب ولا علاقات، الا قدرته على قيادة الدراجات النارية، وهذه ايضا تعلمها عندما كان نائب عريف في الجيش العراقي. كان يتقلد اهم المناصب الوزارية وكان يستحوذ على نصف ميزانية العراق أو اكثر، قادونا من الوضع المسئ الى الاسواء.

منذ منتصف السبعينيات من القرن الماضي قامت الحكومة العراقية بحملة كبيرة لتدمير الكثير من قرى اقليم كردستان حتى بلغت المدمرة اكثر من اربعة الاف قرية بما تضمه من جهد الانسان لالاف السنين قي تصليح الاراضي وبما يحمله الانسان من عبق الذاكرة ودفئها، وبما تحمله هذه القرى من الكنائس والمساجد والاديرة المدمرة والكثير من هذه المباني تاريخية حقا تعود في تاريخها الى اكثر من الف عام، وبما تعنيه للأنسان من المعاني والعواطف والذكريات الحنونة والمرتبطة بالشعائر التي اقيمت فيها مثل العماد والزواج والقداديس في الاعياد او في باعوثة نينوى، فاجدادي ووالدي ووالدتي عمدوا وتزوجوا في كنيسة قريتنا وكنت انا ايضا قد عمدت فيها وكان من المفترض أن اتزوج وأن اعمد اطفالي فيها دلالة على الاستمرارية والارتباط، هذه القرى التي لم يتح لها صدام وامثال صدام من العروبيين من ان تتطور او ان تراكم ثرواتها لبناء مستقبل افضل، فكل عقد من السنين كانت موجة هوجاء تأتي لتدمر كل شئ ولتبداء المسيرة من جديد من الصفر.

صدام الذي أتى على ظهر دبابة واستمر بالسيف والقتل والتنكيل، بدءاً من رفاقه ومروراً بمعارضيه وكل من شك في ولائه، هل كان من المنتظر ان يتغيير من خلال صناديق الاقتراع، فكل جريمة جديدة من جرائمه جعلته يتشبث اكثر واكثر بالسلطة كطوق الحماية الاخير.

في تشرين الاول من عام 1987 سحب والدي من مقر عمله للعمل سخرة (اي العمل جبرا) في احدى المنشآت العسكرية وليحمل الصواريخ بواسطة الرافعة الثقيلة، ولم يخرج والدي الا جثة في تابوت محظور على اهلي فتحها او رؤية ماذا حل بوالدي الذي كان في الثامنة والخمسين وكتب في شهادة الوفاته سبب الوفاة الشيخوخة؟ وستجدون مثل هذه القصص العائلية في العراق منتشرة من اقصى شماله الى اقصى جنوبه.

في عام 1977 اجبر جميع ابناء شعبي على تسجيل انفسهم في الاحصاء كعرب، اي لم يسمح لهم لعيبروا حتى عن انتمائهم القومي.

في عام 1976 تم منع اي نشاط طلابي اشوري مستقل.

في عام 1979 تم منع النشاطات الشبابية في الكنائس الشرقية الاشورية.

ومنذ عام 1979 لم يعد لاي تنظيم سياسي عراقي علني اخر وجود.

في عام 1980 بدء النظام حربه الشعواء ضد الجارة ايران والتي دمرت البنى التحتية للاقتصاد الوطني وراح ضحيتها مليون قتيل وجريح بينهم حوالي خمسون الف من ابناء شعبنا الاشوري، وبما يعنيه انه تم حرمان شعبنا من احتمالية تأسيس خمسون الف اسرة، وما كان سيعقبها من أبناء هذه الاسر.

منذ الثمانينات بدء في تدمير بنية الاهوار وتدمير البيئة.

منذ السبعينات تم العمل من اجل ترحيل الاف العوائل الشيعية (العربية والكردية) والاشورية وما تبقى من اليهودية وتم حجز اموالهم المنقولة وغير المنقولة.

في حملة الانفال تم قتل اكثر من مائة وثمانين الف كردي عراقي لا لسبب الا لكونهم من الكورد، وبضمنهم اكثر من مائة وخمسين ما بين طفل وامرأ ة وشيخ من الاشوريين المتبقين في القرى او الذين سلموا انفسهم للسلطات العراقية وثوقا منهم بوعودها.

في عام 1990 قام النظام بغزو الكويت مما الحق ببلدنا وشعبنا المزيد والمزيد من التدمير الذي لم يبق اقتصاديا او قتلى من ابناء الشعب بل وصل التدمير الى القيم الاجتماعية وشيوع الظواهر المرضية من الرشوة وسرقة المال العام والتذلل والنميمة وسوء وتخلف المستوى الدراسي وعودة ارتفاع مستوى الامية وفرض قوانين جائرة، من القتل والاعدامات لاسباب تافهة مع استلا م ثمن طلقات الاعدام لوكان المعدوم من الجيش.

في انتفاضة شعبية في ربيع عام 1992 قام النظام بانتهاك كل المحرمات (وبالحقيقة انه لم يعرف في يوم ما المحرمات) وكان يقصف المزارات والمساجد والبيوت الاهلة بالسكان وقتل الالاف من ابناء الشعب لا لسبب الا لادراك النظام ان الناس ما عادت تتحمله.

ومنذ ذالك الحين والنظام يخطط ليوم يرحل من سدة الحكم لتحقيق ما كان قد نادى به، الا وهو انه لن يسلم العراق الا خرابا.

رغم نفوري من عقوبة الاعدام، لأنني اعتقد ان الحياة هبة من الله ولا يجب ان يزهقها اي انسان، الا ان تنفيذ حكم الاعدام بصدام رأيتها عقوبة اكثر من عادلة، لا بل قد تصبح امثولة لأمثال صدام، الذين منوا النفس بان يكون مصيرهم كمصير بنوشيت، الا انهم قد عادوا وفكروا بأن مصيرهم قد يكون مماثلا لمصير صدام، وهذا انتصار لكل شعوب المنطقة ان وعت وادركت.

ولكن كل هذه الجرائم معلومة ومعروفة ويبقى السؤال اذا لماذا يبكي العرب صداما، أليس في هذا البكاء وفي اقامة مجالس العزاء او في استنكار اعدامه وهم كلهم يثبتون في انظمتهم حكم الاعدام ويمارسونه بسهولة اكثر، الا يشي كل هذا باهانة مقصودة لمشاعر غالبية العراقيين، وهذا ينطبق على العراقيين ممن بكاه وممن حمل صورته او ممن قال انه من اتباعه.

بالرغم من كل هذا ايضا اقول ما كان ضروريا نشر صوره او تصويرها بالهاتف النقال او بترديد الشعارات فهذا يجب ان لا يكون، رهبة الموت يجب ان تنسينا نشوة الانتقام، بل اقول ان من مارس تصوير عملية الاعدام ليس لغرض التوثيق ومن ردد الشعارات ليس ببعيد عن معتقدات صدام، عندما كان يجبر العراقيين لكي يتجمعوا ويشاهدوا اعدام العراقيين الهاربين من الخدمة العسكرية او ممن كان يشك في ولاءهم، ويبلد مشاعرهم تجاه الموت ورهبة اللحظة في عملية لجعل القتل مسألة سهلة وبسيطة ولأشاعة الرعب والرعب المتبادل بين مكونات المجتمع.

وتحوله الى مجتمع قاحل لا ينبت جديدا ولن نقول خيرا. 6 كانون الثاني 2007

شيعة العراق والاخطاء المتكررة

 

من لا يقر بمظلومية شيعة العراق، ليس اليوم بل على مر التاريخ البالغ ما يقارب الالف واربعمائة سنة من عمر الاسلام ومن عمر الخلاف الذي نشب بين خلفاء نبي الاسلام وبالاخص في فترة حكم علي وما تلاها، والتي وصلت ذروة مأساتها في مقتل الحسين وصحبه بالصورة المأساوية التي ينقلها لنا التاريخ في واقعة ألطف في كربلاء. لا يمكن ان يقر باي مظلومية او باي حق. وقد تكون فترة البوهميين هي الفترة الوحيدة التي شعر بها الشيعة انهم حكام وليسوا محكومين وهذه الفترة ايضا كان الحكام اجانب ولكنهم شيعة المذهب. ولذا كان للشيعة حظوة وفترة راحة، ولكن شتان بين الاقرار بهذه المظلومية وبين الاخطاء القاتلة لشيعة العراق واحدة تلو الاخرى.

الشيعة كمجموعة مذهبية او سكانية يشكلون الاكثرية في العراق، ولكن في الشيعة ايضا تنويعات سياسية حالهم حال كل مجموعة سكانية، فمنهم القوميين العرب ومنهم مذهبيون ويتبعون رجال الدين في كل امور حياتهم ومنهم واليساريون وكذالك العلمانيين.

ولكن الشيعة او القوى المتنفذة تصرفت وكأنها بنيان مرصوص الجدار، واحد احد. واخذ التيار الديني في الشيعة ياخذ الامور وكأنها مسيرة بيده وله وحده الحق في القول والفصل. وبهذا فانه اراد تجميل خطأ 1991 القاتل عندما تم رفع الشعارات الاسلامية الثورية والتي تتطابق مع شعارات المرفوعة في الجمهورية الاسلامية الايرانية. ولذا  فحينها  تم ترك الشيعة لامرهم ولخيارهم الذي اختاروه. ولكن الشيعة لم يدفعوا الضريبة وحدهم، بل دفعها عنهم كل الشعب العراقي، فبعد ان كان النظام محصورا في اربعة محافظات وبغداد ايلة للسقوط. نرى انه وبفعل ممارسات الشيعة ونعني به التيار السياسي الديني، استطاع النظام فرض سيطرته وبقسوة لا مثيل لها على العراق واقسامه الوسطى والجنوبية ولمدة اثنى عشر سنة اضافية.

كان حريا بالتنظيمات الشيعية ان تتعلم من الدرس الذي تم تلقينهم اياها، ألا وهو ممنوع اقامة نظام مماثل للنظام الايراني، ممنوع تكرار تجربة ايران الفاشلة مع حقوق الانسان والاقليات وحقوق الشعب والديمقراطية واستقرار المنطقة. وان هذه الممنوعات لا تتلائم مع النظام الدولي الجديد. اي نعم قد تغض بعض الدول النظر عن تجربة ما، اذا استنتجت ان هذه التجربة في مداها البعيد هي خدمة لمصالحها. ولكن هذه الدول تدمر كل تجربة تعني لها. ان تحققها من المؤكد انه يضر بمصالحها الانية والبعيدة الامد. والعراق يقوم على بحيرة نفط ويبعد عن البحيرات الاخرى بشمرة عصى لا غير.

اذا كان من المؤمل ان تعيد الاحزاب الشيعية حساباتها وتقوم بدرس الظروف المستجدة وتتحقق من ارادة الاطراف الدولية ومدى مسايرتها للتصورات الشيعية، وهذا ما لم يحدث. فالاستنتاج الذي نخرج به من تجربة الاحزاب الشيعية خلال هذه السنوات الثلاث، هو انها ارادت استعمال اميركا كحصان طروادة تركبه ليصل بها الى السلطة، معتمدة على الديمغرافية الشيعية وعلى الحقد الذي زرعه النظام في قلوبهم لكل توجه سياسي اخر. والذي عنى لهم ان انقاذهم لن يكون الا باحزاب تبرز هويتهم وترفع لواء ذلك عاليا. وهكذا نرى بدل من ان تقوم الاحزاب الشيعية بتبصير الناس بمخاطر تشييع الحياة والدولة ومحاولة فرض قيمهم عليها وجعل الدولة جزر امنية خاصة. وخصوصا مخاطرها من دول الجوار وكذالك من بقية افراد الشعب التي ستنظر حتما للعملية على انها اعتداء على خصوصياتها، لا بل سرقة الدولة لصالح الشيعة. في الوقت الذي عانت كل تلاوين الشعب من ممارسات النظام المباد. لا بل ان هذه التلاويين تحمل الشيعة وشعاراتهم سبب اطالة هذه المعانات.

وكان انصار النظام من الذكاء ان اغلبهم لبس الجبة السوداء والتحق بما سمى جيش المهدي. هذا الجيش الذي كانت اغلب انجازاته الاعتداء على المسيحيين والصابئة المندائيين وغلق محلات الحلاقة وفرض الحجاب او الملابس الاسلامية على الناس. ولعل اكبر انجازات هذا الجيش وقائده هو العملية الخسيسة التي ادت الى مقتل السيد عبد المجيد الخوئي. ونتيجة للشعارات التي رفعها انصار السيد مقتدى الصدر، والتي عممت ونشرت على نطاق واسع من قبل بعض الفضائيات العربية. لا بل وبعض العراقية والتي اعتقدها التيار الاسلامي انها تعبر عن نبض الشارع. سارع هذا التيار الى تبني هذه الشعارات والتي زين اغلبها بانه يريد استقلال البلد وان ابنائه قادرون على ادارته كمزايدة رخيصة على صبيان جيش المهدي، دون ان يروا مدى التدهور الذي يؤدي اليه رفع هذه الشعارات و مدى التدمير الذي يقود اليه هذا الامر.

ولذا فالأحزاب الشيعية ارادت اعادة تجربة البعث مع الكورد 1970 _1974 اي غض النظر عن الاكراد ومنطقتهم في كردستان العراق. مع  اخذهم حريتهم الكاملة للتصرف في بقية العراق مؤملين ان يستجيب الاكراد لمثل هذه المعادلة الفاشلة. والتي رفضها الاكراد منذ ثورة ايار برفعهم الشعار الديمقرايطة للعراق والحكم الذاتي الحقيقي لكردستان العراق والذي تطور لاحقا الى النظام الفدرالي للعراق. اي ان الاكراد استفادوا من تجربة بداية السبعينات وادركوا ان لا حقوق لهم الا باقامة النظام الديمقراطي والذي يتناقض مع ايدولوجيات الاحزاب الشيعية، ويتناقض كذلك مع محاولة فرض ايديولوجية معينة على الدولة. فنظام حكم البعث قدم بعض التنازلات المرحلية حينذاك، الا انه اعادة فرض سيطرته مرة اخرى ودمر المنطقة بتقديم تنازلات اخرى الى شاه ايران في اتفاقية الجزائر السيئة الصيت. وعندما شعر بقوة اكثر تنكر لاتفاقية الجزائر مهاجما ايران معتبرا اياها لقمة سائغة. بمعنى ان الاكراد ادركوا ووعوا ان لا ثقة ولا امان الا مع نظام ديمقراطي تام لا يمتلك قوة الانقلاب على نفسه وفرض الامر الواقع كلما شاء.

اليوم يريد شيعة العراق تسويق مسألة سيطرتهم على مفاصل الحكم ومسألة فرض ايدويلوجيتهم على الشعب باعتبارها احدى تجليات الممارسة الديمقراطية، متناسين ان الديمقراطية ليست ممارسة آلية. بل ضوابط قانونية ورؤية موحدة للدولة وسياستها وبناءها ومواثيق تكاد تقدس حرية الانسان وتجعله الاساس لكل شئ وان الدولة واجهزتها وقوانينها هي لخدمة هذا الانسان الحر. في حين ان ايديولوجية الاحزاب الشيعية تعني استعباد الانسان وحصره ضمن اطار واحد وجعله آلة صماء في خدمة ايدويولوجية الاهية معصومة، وهذا الامر لا يتفق عليه الشعب العراق لانه اساسا مكون من اديان ومذاهب واحزاب.

امام الوضع الصعب الذي وصل اليه العراق، اليس من المستحيل اعادة عقرب الساعة الى الوراء بعض الشيء وتسليم السلطة لمن هو اقدر على ادارة الدولة، لمن يتمكن من الفصل بين الدولة والايدولوجية، لمن يتمكن من القضاء التام على المليشيات والخارجين على القانون باسم الدفاع عن الدين والمذهب والذين يستعملون المقرات وبيوت العبادة لاعتقال وحجز المواطنين وطلب الرشوة منهم.

ان الدلائل تكاد تشير الى ان شيعة العراق وقياداتهم السياسية لم يتعلموا من التجارب. وهذه الدلائل تكاد تشير الى انهم سيفقدون موقعهم المشارك الاصيل في رسم سياسة البلد. الى موقع المؤثر الثانوي ان لم يكن المنزوي ولمدة عقود اخرى، لان ساسة الشيعة لا يقرأون التاريخ ولا التطورات السياسية على الواقع.

30 اذارا 2006

تهنئة من القلب لشعبنا العراقي*

 

لا يستقيم الفرح مع الموت، فالموت واي موت مبعث للحزن والكرب والاسى. الا ان التخلص من موت محقق ودائم وسيف مسلط على رؤوس العراقيين. هو مبعث للفرح والسرور والحبور. نعم اهنيء شعبي العراقي ومن كل قلبي بمقتل المجرم الذي بأجرامه لم يترك لمن يخلفه ما يوازيه بالبشاعة المقترفة. فحتى الاجرام انواع منها الاجرام ومنها ممارسة البشاعة في الاجرام، اليوم قد تخوننا التعابير لكي نصف ماذا يعني لنا نحن العراقيين التخلص من الزرقاوي. ماذا يعني لنا التخلص من سيف مسلط على رقابنا في كل لحظة؟ ماذا يعني ان يكون كل واحد منا مشروع مستقبلي للقتل وبلا اي ذنب، الا لكونه عراقيا مسالما يعمل من اجل ان يكفي عائلته شر العوز والسؤال. فالعراقيون في الاونة الاخيرة صاروا من كثرة القتل والاجرام وكثرة من يقوم بالارهاب والتهديد بهن يجدون تبريرا للقتل وخصوصا ان سبقه تهديد. نعم ان البعض كان يبرر قتل من يعمل مع الاجانب، بقوله ولكنه لم يسمع لصوت التهديد فقد هدد قبلا بالقتل، فلماذا استمر في العمل مع الاجانب؟ انه واقع مؤلم واقع فرضه الزرقاوي وامثاله من المجرمين. فمن يعمل مع الحرس الوطني يجب ان يستقيل لان الملثمين لا يريدون له ذلك. ومن يعمل مع الشرطة يجب ان يترك عمله لان سرايا الانتقام باسم الدين تستنكر ذلك. ومن يعمل مع الشركات الاجنبية ولا يهم ان كان في مجال الكهرباء او الماء او الصحة يجب ان يرتحل فالاسلام لا يبيح الامر. والمعلوم ان الحلاقيين مشروع دائم للقتل، وبالاخص حلاقي النساء، وكل من لا يلتزم بالزي الاسلامي في بعض المناطق. والشيعي يقتل والكردي يقتل والمسيحي والصابئي والازيدي يقتل من قبل ارهابيي الزرقاوي والتكفيريين السنة ومن قبل عصابات ما يسمى بجيش المهدي. والحقيقة ان الامر وصل بالبعض الى قتل بائع الثلج كما ورد في اخر اخبار العراق. لانه لم يكن في زمن الرسول ثلج والرسول شرب الماء كما كان يؤتي به غير مبرد لا في الثلاجة (البراد) ولا محلي باي لون وطعم. اذا الدور لاصحاب بيع الشربت (العصير). وهكذا صار العراقيون رهائن في بلادهم من قبل من اتى باسم الاسلام يحكم عليهم بالقتل بالفتاوي العجيبة والغريبة. فكل شئ يمكن ان يحرم وكل شئ يمكن ان يحلل وحسب المزاج وحسب الدوافع وحسب الدفع وحسب المقام. وكل يريد ان يفرض قانونه الخاص الذي يعلى على قانون الدولة. حتى ان بعض الوزراء فرض قوانينهم الخاصة في وزاراتهم.

العراقيين لم ينتهوا بمقتل الزرقاوي من الارهاب، ولكنهم انتهوا من بعضه، وبعض العراقيين في الطريق للخروج من كونهم رهينة لهذا الارهاب الذي مورس بأسمهم. لاجل قتل اخوتهم في الوطن. انه طريق شاق ولكنه يبشر بأن الخطوات اللاحقة ستكون اسرع واكثر جذرية. وبالرغم من ذلك فان بعض العراقيين مطالبين اليوم بان ينتفضوا على واقعهم الذي وجدوا انفسهم فيه، الا وهو واقع كونهم اسرى مخططات مشبوهة وتستعملهم لاجل الوصول الى السلطة. مخططات يبيح اصاحبها لانفسهم كل شيء ويحرمون الاخرين حتى من ثلج يضفي برودة على ماء يبلل شفاه العطشى في صيف بغداد الملتهب.

اليوم من حقنا الفرح لاننا رأينا بأم أعيننا انتقام الله يطال من من زرع الخوف والرعب في نفوس العراقيين بلا ذنب اقترفوه ولا جريمة مارسوها بل لانهم يريدون العيش وفقط العيش.

اليوم من حقنا ان نفرح لان جزارا (قصاب) جديدا قد ولى وذهب والتحق بسيد الجحور. اليوم تتنفس الامهات بانتظار يوم يخرج فلذات اكبادهن الى المدرسة والعمل بلا خوف ولا هلع. فالزرقاوي وامثاله زرعوا الرعب في قلوب الاباء والامهات. فكل منهم كان يضع اليد على القلب لحين عودة ابنائه سالمين. لا بل كان الرعب يتعشش في كيانه وكان الخروج الى المدارس كان ذهابا الى جبهات القتال او يعني احتمال كبير بعدم العودة. اليوم صار احد اهم ممثلي الاجرام والذبح في خبر كان وصار العالم اكثر امنا، فهذا الشخص الذي جعله البعض قائدا ومنقذا ومخلصا لأنه أعاد رفع الشعارات القديمة بحلة جديدة.  والذي لم يتقن شيء ما الا القتل وبابشع الاساليب الدموية والمشمئزة. لم ينهي بمقتله قصة مجرم عاث في الارض فسادا، بل انهى ارتهان بعض المسلمين العراقيين وبعض سنته بالاخص. اليوم بمقتله صار واجب الانتفاضة والاعلان للجميع العودة الى الشرعية التي تمثلها الحكومة العراقية ويمثلها مجلس نوابه. والقرار له وهو سيد نفسه في اضفاء الشرعية على اي امر يراه صالحا للبلد، ما عدا ما يهين انسانية الانسان ويلغي او يحد من حرية من حرياته، الا بدواعي الامن الجماعي والمصلحة الجماعية.

واذ نكرر تهانينا الحارة لشعب العراق من الجنوب الى الشمال، نقول لكل شعبنا رجالا ونساء، شيوخ وشبابا حذار من الوقوع في مطبات من يريد منك ان تكونوا وقودا لتحقيق مراميه. حذار من بيع اعز ما تملكون الا وهي حريتكم، حريتكم التي تطلبت عقودا من السنين لكي تعاد اليكم. تمسكوا بالحرية وبالحقوق الفردية وبالانفتاح وبالتلاقي مع العالم فهذا هو طريق الخلاص. وليس هناك من طريق اخر. واخيرا نقدم تعازينا الحارة الى قنوات الشر والحقد وخصوصا الى قناة الجزيرة التي ستفتقد احد مموليها بالصرعات وافلام القتل والذبح.

*لم نكن نعلم ان الذي تخبئة لنا الايديولوجية الوهابية يمكن ان تخرج بما هو اسواء من الزرقاوي، واتت بالدواعش وهم اسواء بكثير.

9 حزيران 2006

 

ويحدثوك عن العلم!

في بداية عام 1990 اخذتني المقادير لكي اسافر الى مدينة بون الالمانية، وكانت حينذاك عاصمة المانيا الاتحادية، وفي تجوالي وقعت عيناي على العلم العراقي مروفعا فوق بناية، وعندما استفسرت عن البناية قيل لي انها السفارة العراقية. طبعا لا يمكن لاحد ان يتخيل انني قد هرولت بشوق ولهفة الى البناية لكي اروي ضمئي الى الوطن، لان دون ذلك مخاطر كثيرة، اقلها تحقيق وتهديد واكبرها وضعي في صندوق باسم بريد السفارة والى بغداد التي ما كان ستسعها الفرحة باستقبال احد ناكري نعمة الثورة وقائدها. وقفت بعيدا انظر الى هذه السفارة التي كان من المفترض ان تعلى على الخلافات السياسية وان تكون بيت العراقيين وماواهم عند الشدائد. كنت انظر للعلم العراقي ليس كرمز للوطن بل كراية اعلام وتعريف، لم اشعر تجاه هذا العلم انه يمثل كرامة وطنية ولا رمزا في وجداننا يعبر عن الحرية والتقدم والتطور والانتصار في ميادين الحياة المختلفة.

علم بألوانه الاحمروالابيض والاسود والنجيمات الخضر. ماذا يعني لي وأي رمز يحاول ان يتم التعبير عنها في هذه  القطعة من القماش؟ هل كانت حياتي وتطلعاتي مصانة وكنت قادرا عن التعبير عنها؟ هل ان هذا العلم مثل شيئا من التاريخ لي؟ انا بالرغم من عراقيتي واعتزازي بها، الا انني امتلك هوية اخرى وهي الهوية الآشورية المقموعة والتي لا يمكنني التعبير عنها. ولا يمكنني المشاركة في العراق بها. فعلي ان اتخفي خلف الف ستار وستار لكي اعبر عن اشوريتي.

هذا العلم مستمدة الوانه من علم الثورة العربية الكبرى، جيد ولكن انا ايضا ابن لهذا الوطن أين أنا من هذا العلم. اذا كان يعبر بالوانه لهذه الثورة المدعاة؟ اين التركمان منه؟ واين الاكراد؟، انه علم ايديولوجي يعبر عن تطلعات فئة سياسية معينة وهم القومييون العرب. وهل يمكن اختصار الوطن بالقوميين العرب؟ علما مرتبط  في ذاكرتنا بالحرس القومي، احد ابشع واكثر التنظيمات شوفينية واجراما. علم مرتبط بحروب داخلية وهزائم خارجية، والانكى ان هذا العلم في نجومه كان يعبر عن الوحدة المنشودة بين جمهورية العراق والجمهورية العربية السورية وجمهورية مصر العربية او (الجمهورية العربية المتحدة. اي عن طموح فاشل وليس عن انجاز باهر. فماذا يهم غير القوميين من العرب والكرد والاشوريين والتركمان والازيدية والمندائيين وحدة لن تحقق لهم الا المزيد من التهميش. والاسواء ان ان البعض يفسر البعض هذه النجيمات بانها تمثل الوحدة والحرية والاشتراكية. فانظروا الثلاثي الرائع، فأي وحدة تحققت؟ ألم يزد التباعد لا بين الانظمة العربية فقط بل بين الشعوب العربية اي عرب هذه الدول؟ وكان كل هذا الانجاز البطولي من اعمال القوميين العرب. اما النجيمة الثانية والتي تعبر عن الحرية. فقط وصل واقعنا في العراق الى حرية ليس السلطة فقط، بل أحد اركانها في ان يعمل بك ما يشاء دون ان يتم مسألته ولو من باب التجميل للواقع الكريه. فالحريات الجزئية التي كنا نتمتع بها وخصوصا ممن كان يسير الى جانب الحائط على الدوام أي حرية الحياة. حتى هذه الحرية ومن هذه الفئة قد تم قضمها شيئا فشيئا فبعد ان كانت بيد الدولة واجهزتها صارت بيد القائد ومن ثم تناست وصار مصير حياة كل المساكين من امثالي بيد اي واشي او منافق يرغب الصعود في مراتب السلطة. فأسهل وأضمن من يمكن ان يشي بهم على انهم اعداء قائد الضرورة والثورة هم المساكين ممن لا حول لهم ولا قوة. اما النجيمة الثالثة والتي تعبر عن الاشتراكية، فهذه الوحيدة التي تم تطبيقها جزئيا فقد تم تقسيم العراق الى اقطاعيات لأزلام السلطة وقائدها.

فأي رمز للوحدة الوطنية وللكرامة يمثل هذا العلم الذي هو بالحقيقة تمثيل لنظرة ايدويولوجية شمولية للوطن؟ أي علم هذا الذي يمكن ان يتغير لأربع او خمس مرات خلال أقل من  مائة عام؟ الا يمثل العلم رمزاً موحدا في وجدان المواطنيين؟ فكيف تم التلاعب بهذا الرمز الوجداني كل هذه المرات؟ الا يدل هذا التغيير المتكرر ان الكل ما كان ينظر للعلم باحترام وتقدير ولا كان يراعي مشاعر الشعب في هذه التغييرات. فكيف يمكن تغيير شئ له هذه القيمة الوجدانية، او يمثل رمز للكرامة او الحرية؟ انه سؤال مشروع  من حقنا ان نطرحه.

ماذا يمثل لي هذا العلم كآشوري عراقي؟، فلنتفق ان العلم يمثل رمز الكرامة والحرية والمساواة، أو يمثل رمزا لانتصارات تاريخية لها وقع ومكانة ومهابة لدى الشعب. أنا الآشوري العراقي، كان من الصعب او المستحيل ان اجادل حول حقوقي القومية، لا بل بقرارات شفهية تم مصادرة حقي في أن اسجل في الوثائق الرسمية قوميتي،  فقد فرضوا عليَّ الخيار بين اثنين لا ثالث لها اما عربي او كردي، المهم ان لا اكون اشوريا. فكل ما يمكن ان يمثله العلم هو تدمير قرانا العديدة وليس هذا فقط بل انه تم تدمير العشرات من الاديرة والكنائش الموغلة في القدم والتي يرقى عمر الكثير منها الى العصور المسيحية الاولى اي قبل ظهور الاسلام. ان العلم يمثل قتل اطفال وشباب ونساء لانهم كانوا ساكنيين في قراهم عند وقوع جريمة الانفال. ان العلم بات رمزا لابشع ممارسة لطمس الحريات والهويات القومية لغير العرب والهوية الدينية لغير المسلمين. مثال فرض تعليم تفسير القران الكريم على الاطفال جميعا دون مراعاة لحقوقهم الدينية ولرغبة اولياء امورهم. اي غرس مفاهيم قد تخالف  مفاهيم دينهم في رؤوسهم وتشكيكهم بمعتقداتهم الدينية.

انا كاشوري قد لا يصيبني من العلم الجديد المنوي عمله واقراره الا ما اصابني في ديباجة الدستور العراقي. اي التجاهل التام لكل تاريخ وجودي على هذه الارض والتي تبلغ عمر الانسانية حيث ان هذه السنة هي سنة 6756 اشورية، فتصورا كم هو قديم وجودنا وكم شاركنا في رفد العراق الحالي بما يفتخر به من الانجازات الحضارية؟  ففي كل مرحلة كانت بلاد النهرين منبع للحضارة كانت مشاركة الاشوريين فيه واضحة والا اسألوا وإستنطقوا التقدم الحضاري في فترة الدولة العباسية كان على يد من؟

ان الضجة المفتعلة حول العلم العراقي، وبكل هذا الصوت العالي، ليست من اجل العلم بل من اجل مصالح سياسية آنية، أو مصالح فئوية، انها فرصة لوضع العصى في دواليب عجلة مسيرة الاستقرار والتقدم لأجل الحصول على مصالح فئوية مثل الغاء او تخفيف قانون اجتثاث البعث او مصالح اخرى عديدة، فكل المدافعين عن هذا العلم الذي يدعون انه يمثل رمز السيادة والاستقلال لم ينطقوا ببنت شفة عندما وضع الرئيس السابق على العلم عبارة الله اكبر وبخط يده، وبدون اجماع وطني او حتى قومي؟

10 ايلول 2006

التمثيل بالجثث

محمد حمزة الزبيدي، من من العراقيين يعرف هذا الاسم؟ انه اسم لرئيس وزراء عراقي سابق. ولكن أؤكد لكم مائة بالمائة لو سألتم العراقيين عن روؤساء الوزراء العراقيين ممن تسنموا هذا المنصب لما خطر اسم محمد حمزة الزبيدي بخاطر احد، الا الندرة اليسيرة جدا منهم. ولكن مع ذلك فمحمد حمزة الزبيدي معروف كاحد بلطجية وقتلة وممن أرعب ابناء الشعب العراقي ابان النظام السابق.

ان اسم محمد حمزة الزبيدي معروف بكل ما لا يشرف من الصفات التي يتركها الانسان لكي يترحموا عليه. ان صوره وهو يدوس ويضرب بحذائه على اشخاص احياء، ممن تم  القبض عليهم ابان انتفاضة الشعب العراقي عام 1991 والتي اجهضت بفعل الشعارات الرنانة والطنانة لممثلي التيار الاسلامي الشيعي. ان مجرد عرض هذه الصور على اي قاض نزيه ما كان سيخرج هذا الشخص دون اقسى عقوبة، لتعذيبه مع سبق الاصرار والترصد مخالفيه او معارضيه. هذا ناهيك عن الجرائم الاخرى من القتل والاعتداء والسلب والاستيلاء التي لم يسلم منها عضو من عصابة النظام السابق.

كل ما قلته اعلاه هو حق ولا اعتقد ان هناك من له الجرأة لكي يقول العكس. إلا ممن لا يخجلون من مشاهدة المقابر الجماعية والحروب المتتالية والقتلى بمئات الآلاف والمفقودين بالارقام الفلكية والمهجرين والمهاجرين بالملايين. من امثال المستفيدين من كوبونات النفط وسراق اموال الشعب العراقي والمتباكين على النظام العروبي المقبور وعلى مجد العروبة الذي اطيح به بسقوط فارسهم الذي لا يدانيه فارس في اللجوء الى الجحور المظلمة. ولكن كل هذا لا يبرر ابدا التمثيل بالجثث.

ولكن ان يقوم شخص مهما كانت مشروعية قضيته بالتمثيل أو بالانتقام من جثة فأيضاً هذا امر ليس مطلوبا استنكاره. بل استئصاله لانه مرض. نعم انه مرض ومرض خبيث هذا الذي يسمح لانسان ان يقوم بالتمثيل بالجثث. ان من مارس هذه الحالة انسان اقل ما يقال بحقه انه شاذ عن القيم الانسانية. او انه (وانا لا اؤمن بنظرية المؤامرة) اراد من التصوير بيع الصورة لادراكه ان محطات التلفاز ستتلقفها وستدفع الكثير من اجل بثها كسبق صحفي اوانه مدفوع لكي يقترف هذه الممارسة.

هل هناك من يمكنه ان يدافع عن مثل هذه الممارسة الهمجية التي أسأت الى القيم الانسانية؟ وأسأت الى صورة العراقي، ان كان قد بقى منها شئ بعد صور الذبح والخطف والتفجيرات الشنيعة التي بثت في كل انحاء العالم.

نعم ان الزبيدي كان عدوا للغالبية العظمى من العراقيين. ولكن لنقاء صورة العراقيين ولحق وشرعة الانسان علينا حق. اننا مطالبون اليوم كلنا بالضغط من اجل كشف الفاعلين وتقديمهم للمحاكمة وباقسى العقوبات الممكنة. ان لم نتحد في الدفاع عن قيم الانسانية والتي انتهكت بشكل فاضح وقاسي ومؤلم وان كان ضد عدونا، فلن نتعلم ما معنى بناء العراق الديمقراطي التعددي الحر، ولن نتعلم مدى قدسية حرية الانسان وكرامته سواء كان حيا او جثة هامدة.

سيخرج علينا ممن سيستنكر وسيقول انها ليست من شيمنا وليست من قيمنا كما عودونا على الدوام. ولكن هذه الممارسات ليست وليدة اليوم، وقد تكون الكثير من الشعوب مارستها، الان اغلب هذه الشعوب عالجتها ثقافيا وحضاريا وقانونيا. يجب ان لا نكتفي بالقول ان هذه الممارسات ليست من شيمنا وليست من قيمنا. بل استنكارها وادانتها ومعالجتها. بمعنى ان اسس الممارسة موجودة في الثقافة التي نتعلمها، والتي تحث عل قتل المخالف والمغاير مهما كان. التي تحول المخالف الى بهيمة يمكن قتلها. انها ثقافة يتم ارضاعها لاطفالنا مع حليب امهاتهم والا كيف نبرر استمرارها كل هذه السنين والعقود والعصور. انظروا الى كتاب الاستاذ باقر ياسين الموسوم بتاريخ العنف الدموي في العراق. فان كان الجهل يبرر ما حدث في التاريخ القديم او حتى ما قبل مائة سنة. ما المبرر لمذبحة الاشوريين في سميل وبشاعتها التي فاقت بشاعة هجمات هولاكو قياسا بالزمن المقترف؟ ما مبرر ماحدث في الثورات الدموية من قتل وسحل افراد العائلة المالكة ونوري سعيد وما اقترفه الثوار الاشاوس في تصفيات دموية وبشعة وما اقترفه ما سمى بالحرس القومي وما تم اقترافه في زمن صدام وبايادي زبانيته المقربين.

ان وزارة الصحة التي اقترفت فيها هذه الممارسة ،والتي سلمت لها الجثة ومع كل الاسف، اقترنت بطيف سياسي استلمها وفرض عليها شروطه وقوانينه. وهي تخالف مواد قانون ادارة الدولة التي تسير ببنوده الدولة العراقية وكذالك مواد الدستور العراقي المصادق عليه شعبيا.

ان مرتكبي هذه الممارسة البشعة يجب ان يتم دراستهم كنماذج حية لمعرفة الاسباب التي تجعل الانسان يعود بممارساته الى الازمنة السحيقة حين لم يكن هناك من قانون أو دين يردع عن اقتراف مثل هذه الامور. وللتذكير نقول ان الكثير من اعضاء ما نسميه عالم الحيوانات تعاف الاقتراب من الجثث وان كان الجوع قد اهلكها، فهل من مبرر لتصوير التمثيل بجثة وان كانت جثة محمد حمزة الزبيدي.

3 ايار 2006

هل ان الانقلاب العسكري هو الحل؟

 

ليس خافيا على احد الازمة التي يمر بها العراق، فالوضع الامني المتردي لا يسمح لأي مجال للتقدم في اي قطاع من القطاعات الاقتصادية اوالاجتماعية او حتى في شؤون ادارة الامور الصغيرة. فالتفلت وقلة الانتاجية والتجاوز على حقوق الغير وعدم القدرة على تنفيذ القانون حتى في المسائل المدنية تعزي الى استفحال ظاهرة الارهاب. كما ان هذه الظاهرة افرزت على مستوى الشعب العراقي ظاهرة خطيرة، الا وهي انعدام الثقة بالاجهزة المنفذة للامن وخصوصا الشرطة والحرس الوطني. وبالتالي شيوع ظاهرة الاتكال على الذات او على العشيرة التي ابتدأت ايام النظام الصدامي وترسخت حاليا في امور هي من صميم واجبات الدولة ومنها العدالة وتنفيذ القانون.

ان الواقع الحالي والذي لا يرى فيه بصيص أمل، او حسب العبارة التي باتت شائعة اليوم (ضوء في نهاية النفق). يجعل غالبية العراقيين تتعلق بوهم اسمه الانقلاب العسكري. تمنيا لاستباب الامن والامان وتخلصا من ظاهرة الارهاب والقتل المجاني التي شاعت في العراق في الوسط والجنوب. ففي الوسط ومنها الموصل ايضا تشيع ظاهرة عصابات القتل والاجرام باسم تنظيمات دينية او تحت يافطات دينية، وجرائمها تطال الجميع المسيحيين والكرد والشيعة ومن يعمل في اعمال معينة مثل الحلاقة كمثال لعبثية هذه العصابات واعمالها. اما في المحافظات الجنوبية فالاعمال الاجرامية تتخذ ابعاد اكبر، بتحولها الى تنظيمات سياسية علنية تقوم بفرض قيمها على الجميع من خلال تهييج الشارع أو بعضه تارة بحجة معاداة، اميركا واخرى بحجة معاداة ايران او الاثنين معا. والضحية في كل الاحوال هو العراق والعراقيين والدولة واجهزتها المشلولة وغير القادرة على عمل اي شئ.

نادرة هي الانقلابات العسكرية التي قدمت حلول ناجعة لمشاكل اي بلد. لا بل ان التجارب تعلمنا ان اغلب هذه الانقلابات وان كانت تتبني شعارات الاصلاح والتعديل والعدالة، الا انها انتهت اسواء مما سبقها في كل الممارسات وخير مثال على ذلك هو العراق الذي انتهى بعد سلسلة الانقلابات العسكرية اسواء مما كان في الزمن الملكي.

اذا العراقيين في تمنهيم الانقلاب العسكري يهربون من السيء الى الأسوء. ولكن هل يعاب من يده في النار ان طلب اي علاج؟! والعراقيون حتى في اقليم كردستان الآمن يعانون مما يجري في مناطق الوسط والجنوب. نحن يقينا نرى ان الانقلاب العسكري سيكون الاسواء في نتائجه. لان الواقع الحالي ليس نتيجة لسوء الادارة بقدر ما هو عدم الاتفاق على مفهوم موحد للوطن والمدعوم من الجوار الاقليمي. فاغلب الاطراف لها رؤى ايديولوجية ضيقة للوطن والمواطنية وتريد فرضها على العراقيين اجمعين بالقوة. هذه المفاهيم التي تجد لدى الجوار الاقليم دعما لها، وليس بالضرورة لان الجوار يؤيد هذه الرؤى. بل قد يدعم توجها لانه يراه الاقوى من اجل تحقيق مصالح اخرى كأن ينتقم من الامريكيين او يعيق مخططاتهم السياسية. وخصوصا اشاعة المفاهيم الديمقراطية في الحياة السياسية وقيم الحرية في المجتمع الامر الذي يضر بمصالح الكثيرين في الداخل العراقي وفي الجوار الاقليمي.

اذا صار شبه يقين ان الوضع الشاذ الذي يعيشه العراق ليس في طريقه للحل حاليا، وان الانقلاب العسكري المتمنى من الكثيرين، ليس بوارد القدرة على حل أية مشكلة، وخصوصاً ان الجيش بوضعه الحالي واجهزة الامن المتشكلة على اسس محاصصة حزبية وانعدام الروح الوطنية كلها، تجعل من المتعذر نجاح الانقلاب العسكري في تحقيق اي هدف من المرجو تحقيقها. فالانقلاب العسكري قد يكون باب لولوج الحرب الاهلية المدعوم بالاليات العسكرية من الدبابات والمدفعية وقيام جبهات المواجهة بين المدن والمناطق، لا بل داخل المدينة الواحدة. وعلى ضوء عدم وجود عقلانية سياسية، والتخندق الطائفي والديني، ومحاولة جعل الدولة لكي تقوم على اسس طائفية معينة سنية او شيعية، وارتهان القرار السياسي لدى البعض الى الجوار الاقليمي. يجعل من ايجاد حل للوضع امر شبه مستحيل ما لم تنهار قوى الاطراف المتصارعة وتتحطم امالهم في نجاح خططهم في اقامة دول على أسس ايديويولوجية معينة. لكي يدرك الجميع ان الحل الوحيد هو في اقامة دولة القانون الانساني، وعندما نقول دولة يعني بضرورة الغاء أية صفة ايدولوجية لها وخصوصا الصفة الاسلامية لانه باعتقادنا لم ولا يوجد شئ اسمه الدولة الاسلامية وان وجدت في نماذج معينة فهي لا تحقق صفة الدولة والتي من اولى شروطها النظر الى مواطنيها بنظرة متساوية وترمي الى تحقيق العدالة بين افرادها.

وهنا نود التأكيد على العقلنة السياسية الغائبة والمغيبة بفعل ارتفاع نغمة الشعارات الدينية والتي لا تمانع في تدمير الكل لتحقيق جزء صغير من الحلم الايدويولوجي، كما هو حاصل في لبنان فحزب الله دمر لبنان ويعتبر الامر انتصارا لمجرد تمكنه من اقتناص بعض الاسرائيلين او اليهود كما يقول في ادبياته.

اننا نرى انه مادامت القوى السياسية العراقية خانعة وخاضعة او متخاذلة امام الخطاب الديني المؤدلج، والرامي لخطف الدولة بحجة تحقيق العدالة السماوية، والتي لا نرى تحقيقها في التجارب المماثلة، فان طول معاناة العراقيين مرشحة للاستمرار والوضع الى المزيد من التدهور. ولكن الامر لا يحل بانقلاب عسكري بل في دخول الجميع الى خيمة الوطن الواحد. اي الاتفاق على مفهوم موحد للوطن، ينبع من العراقية كمواطنة وكامة تتشكل من قوميات ومذاهب متساوية في الاحترام والمكانة. فالعراقية هي ملك للجميع، قد نختلف على العروبة، وعلى الاسلام وعلى التشيع وقد نختلف على الانتماء الحزبي والمناطقي، ولكننا كلنا نمتلك جزء من العراقية ونفتخر بهذه العراقية، ان عراقيتنا المشتركة هي التي ستبني وطنا متصالحا مع الذات وهي التي ستكون الخيمة التي سيمكن للكل دخولها براحة ودون تشنج، وليس كما كانت العروبة التي شعر الكرد والاشوريون والتركمان انها مفروضة عليهم فرضا.

ان عراقيتنا ستحدد علاقتنا بالجوار على اساس مصلحتنا الوطنية، وليس على اساس انتماءات قومية او دينية او مذهبية. ان علاقتنا لن تكون مع الجوار الا من خلال لغة المصالح المشتركة. ونحن بعراقيتنا لن نحاول فرض اي قيم او اي اتحاد او أية قيادة على الآخرين. فبعراقيتنا سنكتفي بحدودنا المعروفة دوليا، ولن نتطلع الى الخارج لتحقيق وحدات قومية او دينية، ولن نتجه الى الجنوب لتحرير فلسطين، فتأييد حق الفلسطينين ان كان لديهم حق لم يتمتعوا به هم الذين سيحددوه وان رأيناه صائبا وكل ماهو صائبا من منظور عراقيتنا سنؤيده والعكس بالعكس.

اذا التعلل بالانقلابات العسكرية ليس حلا، بل هو انتكاسة كبرى في مسيرة العراق، الحل هو ان نعود الى انفسنا كعراقيين وان نبني دولة عصرية على اسس وقيم العصر، لاننا من هذا العصر ومن هذا العالم.

23 اب 2006

حبايبنا

هل قرأتم الاسم اعلاه، انه اسم يحمل كل معاني المودة والصفاء والنقاء، انه اسم للدعوة بالمحبة وبابتسامة، ليس موجها لفرد بعينه لجنس بذاته لكبير قوم او صغيرهم، انه دعوة باذرع مفتوحة لكل قادم.

حبايبنا اسم يجمع الكل، شيعي سني مسيحي ازيدي صابئي كاكائي بهائي، عربي كردي اشوري تركماني، عراقي اجنبي، لا اشتراطات لمن نادي حبايبنا، فكلهم حبايب، المهم تحقيق الرزق الشريف.

هذا كان اسم المطعم في حي جميلة الذي قام مقاوموا العروبة واسلاميوا اخر زمن، بتفجير سيارة مفخخة فيه. هل كان صاحب المطعم يستفز هؤلاء المقاومون؟ اعتقد انه استفزهم وبشكل متعمد، لانه سمى مطعمه بهذا الاسم الجميل الذي يحمل كل هذه الدعوات بمحبة صافية. انه استفزهم لانهم نقيض المحبة والود والدعوة. انهم يحملون في قلوبهم حقد لا يوصف لكل شئ يذكرهم بالحب والحياة. انهم يكرهون انفسهم ذاتها، والا هل يقوم فرد بالانتحار بتفجير ذاته لو لم يصل الى حد احتقارها؟ فكيف بهم يتقبلون اسما يحمل معاني الحب والود.

كأني بصاحب المطعم يستقبل زبائنه ببشاشة وابتسامة. ولذا فهو استفز مقاوموا العروبة الجدد. والذي ابتلى العراق والعراقيون بهم. لان الابتسامة دلالة الخفة والخنوثة وليست من الرجولة بشئ في عرفهم. فان لم تكن متجهما فانت خنثي، هذا ايضا معيار من معايرهم التي يقيسون الامور بها. انها جزء من ثقافتهم التي ارضعوهم بها. فالرجولة تتجسد بالقتل بدم بارد، بالخشونة، بالجلباب القصير واللحي الطويلة، بالنظرات النارية المستفزة المليئة بالحقد. هذه هي رجولتهم، وها هنا احد اخطاء صاحب المطعم ورواده. فكلهم اناس بسطاء، جلبهم حضهم العاثر وفي هذه اللحظة بالذات الى هذا الموقع لاشباع معدة خاوية. ان بساطتهم كانت سبب مقتلهم، لانهم لم يتأدلجوا. وهرولوا خلف متطلباتهم ومتطلبات عوائلهم، انهم لم يتركوا دنياهم من اجل دينهم، فهم يستحقون هذا المصير.

حبايبنا لم يكن مسورا ومحصنا. فهذا يخالف هدفه ودعوته انه مفتوح لكل من يأتي ليشبع معدة جائعة. صحيح ان الامريكان لم يكونوا فيه، لانه مطعم للبسطاء. ورغم هذا ولهذا استهدف بانتحاري مربوط في سيارة مفخخة، يرغب الحصول على الجنة على حساب ارواح بريئة، على حساب عوائل فقدت معيلها، على حساب اطفال تيتموا ونساء ترملن واباء وامهات عصى دمعهم عن النزول  من مأقيهم على فلذات اكبادهم لهول الفاجعة. لا بل الفواجع التي يهديها لنا الاعراب ومقاومتهم وتحريضحهم.

في اي مدينة عربية سنرى الاحتفال التالي، بعرسهم الدموي بعد اغتيال او تدمير او تفجير حبايبنا. لتقول لنا الابواق التي تصدح ليل نهار بحمد المقاومة التي ثارت للشرف العربي. هذا الشرف الذي لا يثار له الا بالدم العراقي المسفوح. تبأ لكم ولشرفكم المستباح على الدوام. عن اي شرف تتحدثون ايها البأسون. نعم ان بؤسكم وحقدكم على كل ما هو جميل على كل دعوة للحب والمودة على كل خطوة للتحرر، تدفعكم للسعير والصراخ الى المزيد من الدم والقتل. انها علامات فرحكم مشاهدة المزيد من دماء العراقيون، والا ما هذا الاحتقان الطائفي الذي تصدروه اربعة وعشرون ساعة في اليوم من خلال اعلامكم التحريضي. انكم مصرون على اشعال فتنة الحرب الاهلية، لكي تتحقق نبوأتكم الدموية وتتحقق اماني سيدكم بترك العراق صحراء قاحلة.

24 ايار 2005  ايلاف

جرح البصرة، جرح العراق

 

كيف يمكننا البدء، ما الذي يمكننا عمله أو قوله، امام هول المأسي التي يتم اقترافها في العراق؟ اناس امنوا انهم بقتل الاطفال والشيوخ والنساء، يضمنون الجنة. اناس فقدوا كل حس انساني، تحولوا الى مجرد أدوات، آلات لا تفكر. فبالله عليكم، هل ما حدث في البصرة اعقبه تفكير؟ اقول ذلك، لانني اعرف ان التفكير سمة انسانية، وما حدث ويحدث في العراق، هو قتل مجاني، قتل لاجل القتل، اما الصفات التي تضيفها الفضائيات العربية على المجرمين، فهي الملح الذي يضاف الى جرح العراقيين. ما هي الرسالة التي يمكن لنا ادراكها من جراء هذه الجرائم البشعة؟ ولكن هل للجرائم رسالة؟

ان الفكر الذي تم زرعه، وباموال النفط ، ينشر نتائجه في بلدي العراق، عراق الحضارة والمدنية. ان مقترفي هذه الجرائم، يخافون نور الحضارة، لادراكهم، ان فكرهم لا يمكن ان يقاوم حقائق العصر وقوانينه. ان الغاية من وراء هذه الاعمال القبيحة هو اعاقة او وقف مسيرة شعبنا العراقي نحو الديمقراطية والحرية. انهم يريدون ان يطلب العراقيون الامن حتى من ايتام صدام. مالذي يمكن لهيئة العلماء المسلمين ان تقوله؟ اتتشبث بقولها ان هذه العمليات يقودها المجاهدون والمقاومون. ولكن اين كانوا هؤلاء المجاهدين والمقاومين، ايام المقابر الجماعية والانفال وحلبجة؟ اين كان الضاري والكبيسي وغيرهم؟ من مدعي العلم والتدين؟ الذين لا يتورعون من الكذب الصريح وامام كاميرات التلفاز. لماذ يخاف انصار الوهابية من التعددية والحرية؟ الا تدل هذه الاعمال على انهم لن يتورعوا عن كل امر، لكي ينشروا فكرهم الظلامي؟ أهذه هي سماحة وعدالة وانسانية ما يؤمنون به؟

اليس مطلوبا بعد كل ما حدث في الفلوجة، ان تعيد هيئة علماء المسلمين النظر بمسلكها وخطابها التدميري؟ لنقلها صراحة انهم ان ارادوا الجنة فليذهبوا اليها وحدهم، فلعنة لجنة يبشر بها امثال هؤلاء.

ماذا يعمل السيد السيستاني، أيكتفي باصدار الفتاوي والتحذيرات، بعدم دخول النجف، ومتى كانت النجف محرمة على الدخول اليها؟ ولماذا لم يحرم قوات صدام من دخولها؟ ولماذا يجعلها ملجأ آمن لمخرب مثل متقدى الصدر؟ ايخاف السيد السستاني على متلهف للسلطة باي وسيلة، ولا يخاف على شعب العراق واطفال العراق؟.

يصرخ اهلي في البصرة، نحن مسلمون، نحن لسنا بيهود، بمثل هذه الاقوال تم تثقيف الناس في زمن صدام. أيعني ان قتل اليهود حلال؟ ان هذه الجرائم ليست من فراغ، ان من يجب ان يحارب هو فكر، و من نسق وسن قوانين فرضت بأسم الدين والاكثرية.

هذا القتل، هذه الدماء التي تسال، لا تشبع انصار الفكر الظلامي، انهم يعيشون عليها وبها. انهم يصرخون بأعلى أصواتهم، انهم للقتل،ان رغبتهم هي الموت، ونحن لسنا معترضين، ولكن ليذهبوا للموت وحدهم، نحن نحب الحياة، نحب البسمة على شفاه الاطفال، والضحكة على وجوه الرجال والنساء، فليذهبوا للموت وحدهم.

أياً مجلس الحكم، الى متى يأخذكم الجبن؟، لماذا ترتعدون امام ما يقترفه ارهابيو الفلوجة وجيش مقتدى ومفجري البصرة؟ لماذا لا تقولوها صريحة وعالية ان مكان هؤلاء هو السجن ان لم يكن القتل؟ ما هذه المراوغة، أترضون أن يكون لكل شخص قانونه، ولكل حي جيشه؟ لماذا لا تقفون وقفة رجل واحد وتقولوها اننا لن نرضى بعد الان. لن نقبل بأسم المقاومة ان يقتل شعبنا ويذبح. ألستم القيمون على تطبيق القانون؟ الم توفروا الفرصة لكل من لا يرضى ان يقول ذلك، اذا كانوا لا يرضون عن تحرير العراق من صدام، فلماذا لا يقولون ذلك من خلال الحوار والاعلام؟، ألم يحن الوقت لتشديد قانون العقوبات يا مجلس الحكم؟

23 نيسان 2004

 

ما حدث في البصرة افسح الطريق لما حدث في الحلة

 قد يستغرب البعض هذا العنوان، الذي يضع سبب احداث وقعت في زمن ماضي على حدث وقع بعده وان كان بأيام. ولكن الحقيقة وكل الحقيقة تؤكد ذلك،. فصراخنا واستنكارنا وتنديدنا بما حدث في الحلة اذا كان أمراً مطلوبا وواجبا من قبل المواطنيين والمسؤولين. فان الامر نفسه مطلوب لما حدث في البصرة، والا فأن طيور الظلام ستتحول بمرور الزمان الى متفجرات متنقلة تستهدف كل ما تعتقده مخالف لتفسيرها للدين.

بدأت الحركة الاسلامية كأي حركة دينية ترمي الى الأصلاح وزرع قيم الدين في النفوس، ورفعت شعار العمل بالمعروف والنهي عن المنكر، واذا كان العمل تحت هذا الشعار قد اتخذ في البداية منحى سلمي، الا ان هذه الحركة أو الحركات، كانت تحتذي بما مارسه الاسلام الاول اي تمسكن الى ان تتمكن، ففي اول بادرة التمكن لديها، وقد جاءت عندما استعانت بعض الحكومات بها لضرب التيار اليساري، بدأت هذه الحركات بمحاولة فرض قيمها بالقوة وخصوصا في الجامعات والمعاهد العليا، هذه التحربة يمكن ملاحظتها في اغلب الدول العربية، تكاد التجربة تتشابه حد التطابق، الى ان تحولت بعض الانظمة او قيادات الانظمة ضحية لهذه الحركات وطبعا بعد ان تمكنت.

ولكن التمكن ليس له حدود، والوطن ومجال العمل أيضاً في حالة اتساع (الحركات الاسلامية تعتبر كل الاراضي التي تسكنها أغلبية اسلامية هي اراضي اسلامية وبالتالي هي وطن للمسلمين كلهم)، الى ان بدأت بعض الحركات ومن خلفها بعض الحكومات او اشخاص متنفذون في حكومات معينة، انه بات من الممكن فرض اجندة الحركات الاسلامية على الدول الاخرى بارهابها وتهديدها. وخرج لنا شيوخ الارهاب بفتاوي حسب الطلب، فالحوريات تضاعف عددها، وباب الجنة بات مفتوحا لمن يقتل اكثر، وانتشرت ظاهرة الانتحاريين، الذين يتسمون باسم الاستشهاديين، وكل شهيد تنتظره سبعون حورية بضة بكر لكي يفض بكارتهن. وبات القتل المقدس اي لغاية مقدسة منتشرا ومقبولا، لا بل يوجد له منظرين كثرين في عالم العربان، ومنهم جأنا هدية منفذ جريمة الحلة التي راح ضحيتها اكثر من مائة وسبعين ضحية بريئة لحد الان، لم يكتفوا بارسال هديتهم المقيتة هذه، لا بل احتفلوا بقتلهم هذا العدد الكبير، وهذه دلالة لا تخيب للحصول على الجنة وحور العين، هذه هي نتيجة التنظير للموت التي تم اشاعتها في الفكر العربي والاسلامي، بحجة محاربة الاعداء، وهذا هو مالنا يعود الينا، لكي يقتل منا، واذا كان اليوم يأتي من الخارج، ويقتل من يعتقده عدوا، لانه يختلف معه في الدين او في المذهب، فغدا ان استفحل سيقتل من المذهب نفسه، لانه يعتقده غير سليم النية و(الطويَّة) أو متأثراً بفكر الخوارج او.. او.. واسباب للقتل للحصول على الجنة سهلة الايجاد، المهم نفذ والسبب سيأتي لاحقاً.

في البصرة الفيحاء، مدينة التسامح والتألف المدينة المنفتحة على الكل، تخرج فئة ضالة لكي تنكل بالناس وخصوصا بالطلبة والطالبات الجامعيين، محاولة فرض رؤيتها للدين عليهم، محاولة فرض قيم وملبس واسلوب معين عليهم بالقوة، لانهم يعتقدون انهم تمكنوا، وليس عليهم بعد الان ان يتمسكنوا، فالمفروض والفرض، وكل من لم يطع، فمصيره الضرب ومن ثم الطرد وان لم يتقبل الامر فالقتل اهون الشرور، هذا الذي حدث باختصار، مجموعة تريد فرض قانونها الخاص، متجاوزة قانون الدولة الذي يقر بالحريات الاساسية ومنها حرية الرأي والمعتقد، ومن اجل هذا حارب العراقيون أم من اجل ان يخرجوا من قفص الايمان بمبادئ ثورة السابع عشر من تموز، لكي يدخلوا قفص الايمان بالاسلام وشعائره وشريعته، والمشكلة انه كان هنالك سابقا صدام واحد يحدد مبادئ السابع عشر من تموز والآن لدينا الف الف من يريد تحديد شريعة الاسلام، والناس حيارى.

ان من يتساهل اليوم مع مجرمي البصرة، حقا انهم مجرمون لأنهم قاموا بعملهم مع سابق تصميم وترصد، وهم مجرمون لأنهم تعدوا على الحريات الشخصية والعامة، وهم مجرمون لأنهم تجاوزوا قانون البلد المعمول به، وحاولوا فرض قانونهم الخاص، أليس هذا ما يفعله اللصوص والعصابات المسلحة، والمشكلة لن تقف لهذا الحد فالتجربة تقول لنا ان فلت الأمر من عقاله فسنرى المفخخون في كل مكان، ولن يكون القتل لأن الشخص ينتمي الى الدين الفلاني، كما حدث مع المسيحيين والايزيدية والصابئة، او لأنه من المذهب الفلاني كما يحدث وحدث في النجف والكاظمية والحلة، بل سيتحول الى الطائفة نفسها، لان هنالك من يحاول فرض قيم بالقوة، وسيكون هنالك من يرفضها لانها مفروضة، وسيكون شعار الله يرحمك يا صدام ليس بغريبا على الاذان.

ان الدول التي اتخذت الاسلام السياسي منهجا لها، لم تنجح في اي شيء إلا في الصراخ والتهديدات التي تكيلها للاخرين، في التلفزيونان واجهزة الراديو التي تشتريها ممن تسميها اعداءها، ولم تنجح الا في العمل على زيادة سكانه بنسب رهيبة، مما وسع الطبقات الفقيرة وقلص الطبقات الغنية والوسطى، فأتشهادون ذلك أم لا، هل ترون اننا والمنطقة تتراجع عمَّا كانت عليه قبلا من التطور في المجال العلمي والاجتماعي والثقافي، وننجح فقط في زيادة اصحاب العمائم اسيادنا الشيوخ وفتاويهم التي تأتي حسب الطلب. أليست هذه الاجواء التي تخلق مثل مفجر ذاته في ابرياء الحلة او بالاصح شهداء الحلة فهم الشهداء الحقيقيون، وليس المجرم الذي فجر نفسه، واليوم الذي يستنكر ما حدث في الحلة عليه ان يستنكر وبقوة اكبر ما حدث في البصرة، لانه من هنا تبداء الرحلة للوصول الى ما حدث بالحلة والموصل وغيرها.

21 اذار 2005

العراق الى اين؟

 

سيقول لك ان الاسباب التي اوصلت الوضع العراقي الى التازم الحالي هي (( عدم العمل بالدستور، والطائفية والمحاصصة، والمؤامرات والتدخلات الاجنبية في شؤونه)) القائل قد يكون مواطن عادي او سياسي تملاء صورته شاشات التلفاز، وقد يكون كرديا او سنيا او شيعيا، الكل يقول بهذا، وهذا دليل للاتفاق، ولكن علام الاستمرار في الحالة المازومة اذا؟ هل لانه قد يكون نفاقا ليس الا؟ لان الجميع يدرك ان المواطن المسحوق يريد العمل بالدستور والغاء المحاصصة الحزبية والطائفية وايقاف التدخلات الاجنبية. او هو توصيف اتفقت الطبقة الحاكمة عليه لانه ليس لديها اي معرفة عن اسباب الحالة اصلا.

لاننا كلنا نستعمل منذ طفولتنا، لغة المواربة، اللغة التي تجعلنا لا نقول ما نريده، لاننا لا نعتبره حقا خالصا لنا، لانه بالاساس لم نعرف حقا، ونريد من المقابل ان يعرف ما نريد. هذه الحالة هي حالة كل فرد عراقي، مهما كان عمره وجنسه وقوميته ودينه. والاخر لا يفهم او لا يريد ان يفهم لانه ايضا يستعمل نفس لغة المواربة والتي يريد الاخرين ان يقراوا ما خلفها وليس ما تظهره.

هكذا هي مطاليب العراقيين صعبة، وغير واضحة، ولا يعرفها حتى من يطرحها. فكيف يمكن الحوار حولها؟ السنة يطالبون بنفس ما يطالب به الشيعة والكورد. وتابعوا القنوات الاخبارية والتي تنقل المظاهرات والمظاهرات المضادة، الخلاف هو في ان السنة يقولون بانهم مهمشون، لا اعرف كيف هم مهمشون ومن انتخبوهم تبؤا اكبر المناصب، من نائب رئيس الجمهورية ورئيس البرلمان، ونائب رئيس الوزراء ووزراء سيادة، وكل من هؤلاء له فوج حماية وليس افراد حماية، فعن اي تهميش يتحدثون؟

العراقييون يعيشون التاريخ واحداثه، ويريدون الانتقام لكل ما حدث لهم فيه. ولو نجحوا في فعل الانتقام، لاحتاجوا اضاعاف عددهم لكي يشفي غليلهم. ولكنهم يريدون ايضا مستقبلا بلباس الماضي هذا. البعض يريد اليزيد حاكما والاخر يطلب الامام علي خليفة،  عندما نطلب اعادة الماضي، فهل في مثل هذه الحالة يمكننا بناء وطن؟

الطائفية هي جزء من الحياة السياسية، لا بل ان اقوى الاحزاب هي احزاب طائفية، من الدعوة الاسلامية، الى الحزب الاسلامي والمجلس الاسلامي والفضيلة والاحرار والتنظيمات الغير الرسمية، ولكنها على الساحة تفجر وتقتل، فاذا كانت هذه هي احزاب التي تتشارك في اللعبة السياسة. فهل سيمكنها ان تنتج نظاما ديمقراطيا متحررا ويعمل للمستقبل؟

غبية هي دولة من دول الجوار ان لم تتدخل في شأن في العراق. السياسة لا تقبل الفراغ، فاذا كانت الساحة السياسية العراقية خالية من استراتيجية وطنية للعمل. فان دول الجوار ستعمل من اجل ان تضع العراق تحت جناحها. وهذه هي حال ايران الدولة الراسخة وكذلك تركيا. انهما يريدان وضع العراق في حسابهما، وكل يستعمل طرف ما، ليس حبا بالطرفين ولكن لهفة لجائزة العراق. ايران ستعمل الى اخر شيعي عراقي من اجل العراق وهكذا تركيا، لاخر عراقي سني وتركماني، انهما دولتان تفتخران بتاريخمهما واستمرارهما ومدى مصالحهما. لماذا عندما تتدخل مثلا سوريا والسعودية يعتبر ذلك امرا محمودا، وليس بذي عاقبة؟ من فرض على العراق الارتباط بالسياسة العربية او باللاسياسة، بل بمجموعة رؤساء العشائر المسمون ملوك وامراء ورؤساء العرب؟

في ظل تفاقم الصراعات الحالي، فامام العراق طريقان للخلاص، احدهما صار مطروحا والبعض يرحب به كخلاص ليس الا. وهو التقسيم لكي يتخلص السنة من الشيعة والشيعة من السنة والكورد من الاثنين. وكانه خط مرسوم، فما قاله وزير خارجية العراق حينها مع بدء الحرب العراقية الايرانية السيد طارق عزيز من الرغبة في تقسيم العراق الى اربعة اقسام سني وشيعي وكوردي واثوري. صار مطلبا للبعض، والخاسر فيه الاشوريين لحد الان، لانهم صاروا خارج اللعبة. او هكذا تبدوا الامور. والطريق الاخر التخلص من لغة المواربة والجلوس وطرح الامور والاحقاد والمخاوف على طاولة البحث، ووضع علاج حقيقي لكل ذلك، فالعراق ان بقى عراقا، يجب ان لا يكون عراق الشيعة ولا عراق السنة ولا عراق الكورد ولا عراق الاشوريين بل عراق الكل، عراق العراقيين، فهل من في سدة الحكم والقيادة فاعلون؟

31.12.2012

تحية ود وتقدير لرجل الدين الشاب اياد جمال الدين

احيانا نحاول التعميم، بالرغم من أن التعميم حالة مرضية، الا انها حالة موجودة، ومن حالات التعميم، ان نرى كل رجال الدين، من الداعين لتطبيق الشرائع السماوية. او لحكم رجال الدين بحجة انهم الاصلح او لانهم سيحكمون بشريعة الله. و التعميم ينظر لهؤلاء الرجال بانهم من الداعين الى التزمت بكل شيء. وخصوصاً في القوانين التي تتحكم بالعلاقات الاجتماعية. وهذه النظرة تطال على الاغلب رجال الدين الشيعة، وذلك لما رأه العالم من الممارسات التي تقترف في ايران بأسم الدين.

إلا ان ما سمعناه من الطروحات المتنورة، والتقدمية (بمفهوم تتجاوز الواقع المتخلف الى طرح يحاول تطوير المجتمع، بالاصلاح وليس بالثورة)، لرجل الدين العراقي سماحة الشيخ اياد جمال الدين ينبؤونا بولادة جيل متنور من رجال الدين. جيل يحاول اعادة الدين الى مساره الصحيح، اي تعليم قيم المحبة والتسامح ورفض الظلم وايذاء المجتمع والفرد بالممارسات المنبوذة. اعادة الدين لمخاطبة الفرد وروحه القلقة المحتاجة لما يطمئنها. دين يحاول غرز قيم الاستقواء بالقانون والحقيقة وليس بالعلاقات العشائرية والحزبية والطائفية.

السيد اياد جمال الدين. وبصراحة رجل الدين الحقيقي يقول انه مع الحكم العلماني. انه يقول يجب ان نفرق بين الدين والدولة، فلا رابط يربطهما، الا كون رجل الدين من مواطني الدولة، حاله كحال اي مواطن اخر، اي مواطن يمتهن مهنة رجل الدين، حاله كحال من يمتهن الطب والهندسة والفن، ان المجتمع بحاجة لرجل الدين، نعم ولهذا فالمجتمع افرزه لخدمة المجتمع، وليس ليقوده بأسم الدين، ان السيداياد جمال الدين، يقر ان استقواء الدين بالدولة أو تشبث رجل الدولة بالدين اضر الدين اكثر مما افاده، لقد انزل الدين من عليائه لقد جرده من روحانيته، الى درك الممارسات السياسية، لقد تحول الدين في السلطة الى جلاد، يحكم وينفذ، لقد تحول الدين الى طاغية يأمر ومن لم ينفذ فأن مصيره الويل والثبور، فبدلا من كلمة الرحمة والمواساة والامل، صار لرجال الدين السوط والكلاشنكوف.

السيد اياد جمال الدين يدعو صراحة الى الديمقراطية كوسيلة للحكم، والحرية كأساس لممارسة الديمقراطية. انه يدرك ان تطور وعزة ومنعة الدين تأتي من الحرية وليس من الفرض والقهر. انه يدرك ان الامريكان جاؤوا ليساعدوا العراقيين، وان لهم مصالحهم، كما كانت لنا مصالحنا في اسقاط النظام البعث الفاشي. انه انسان يعرف السياسية كما هي وليس كما يتطلب الدين. او بالاخص بعض رجال الدين، امثال القرضاوي الذي يبرر تواجد الامريكان في قطر، لأنه يستلم هباته منهم، ويدعوا الى قتل الامريكان وحتى المدنيين، ليكسب الشارع العربي. ان السيد اياد جمال الدين يدعو ليقرر السياسيين المنتخبين شرعا الى تقرير الصالح للعراق، انهم المهيئون لذلك وليس رجل الدين، نعم لرجل الدين حق ابداء الرأي بالسياسي، لانه ايضا مواطن وله الحق كأي مواطن اخر ابداء رأيه، الا ان الرأي يجب أن لا يكون مقرونا بالدعوة الى العنف واستعمال السلاح. ان السيد اياد جمال الدين خير تلميذ للمرجعية الدينية في النجف، هذه المرجعية التي حاولت بكل قواها تنزيه الدين عن السياسة، فالف تحية الى امثال السيد اياد جمال الدين، رجل الدين الشجاع وحامل شعاع الامل والتنوير، ان ذكر الرجال الشجعان واجب ليكونوا قدوة للاجيال الصاعدة.

نداء الى قادتنا، هذا النزيف العراقي ، الى متى؟

 

بعد قبول العراق في عصبة الامم اعترافا باستقلاله التام، قامت الحكومة العراقية حينذاك برئاسة رشيد عالي الكيلاني باول اعمالها البطولية بمذبحة الاشوريين في سميل في صيف 1933. هذه المذبحة التي  اتسمت بطولاتها ببقر بطون الحوامل وسحل الشيوخ واغتصاب النساء والفتيات، وكانت حصيلتها ما يقارب الخمسة الاف ضحية جلها من النساء والشيوخ. واعقب المذبحة استغلال العشائر لاعلان ثوراتها من اجل الوصول الى المنصب، وتلاها قمع حركة البارزانيين، والفرهود اليهودي، ولم تتوقف عند اعدام الشيوعيين وقبلهما حلفاء المحور الضباط الاربعة، ألا واكتملت بسحل العائلة المالكة يوم 14 تموز 1958.

وانا طفل صغير وبعد ان تم حرق قرانا وتدميرها لجأنا الى دهوك. ولا زالت في ذاكرتي سيارات الجيش العراقي وانا انظر اليها من علو سطح دارنا، وهي تعود محملة بالجثث مرمية احداها فوق الاخرى راجعة من معركة خاسرة مع الثوار الاكراد عام 1962. وخلال هذه الثورة تم قتل عشرات الالاف من ابناء العراق كردا وعربا واشوريين وتركمانا، واحرقت مئات القرى، ولم تهدأ المعارك في بداية السبعينيات من القرن الماضي الا واشتعلت مجددا في عام 1974 وكان قد سبقها مشاركة الجيش العراقي في حرب عام 1973 مع اسرائيل. وخلال اقل من خمسة سنوات ابتدأت الحرب العراقية الايرانية والتي قدم العراق فيها مئات الآلاف من القتلى والمليارات من الدولارات التي خسرها سواء لشراء اسلحة من السوق السوداء او خسائر البنية التحتية التي تم تدميرها كليا. ورائحة دخان هذه الحرب لم تهدأ الا والنظام قد اقدم على جريمة الانفال وما تبعها من جرائم غزو الكويت وسحق انتفاضة الشعب العراقي عام 1992 وما تبع ذلك من عمليات الانتقام والتنكيل والتدمير الممنهج ليس لاقتصاد البلد بل حتى لأخلاقيات وقيم الشعب.
اننا لو رغبنا في ذكر كل جرائم النظام السابق ما اكتفتنا كتب وسجلات كبيرة، فهل لنا ان ننسى المقابر الجماعية والتي تجاوزت المئات؟ وهل لنا ان ننسى تدمير البيئة في الاهوار او في كردستان العراق؟ وهل ننسى جرائم الابادة الجماعية في حلبجة او التي حدثت ضد البارزانيين او الجرائم التي طالت الاحزاب الدينية؟، وهل لنا ان نسى ما تعرض له الاشوريين والتركمان من حملات التنكيل والقتل وتدمير القرى وفرض الانتماء العربي عليهم؟. ان غايتنا ليست سرد للجرائم المقترفة بل غايتنا الوصول الى الحد الفاصل وهو الحد الذي يجب على الجميع الاتفاق بشأنه والقول بفم ولسان واحد كفى تحويل العراقيين الى جثث، كفى تحويل الحاضر الى ماض كفى قتل الامل بمستقبل افضل.

انه نداء الى قادتنا السياسيين واخص بالذكر الاستاذ جلال الطالباني والاستاذ مسعود البارزاني والدكتور نوري المالكي   والدكتور اياد العلاوي وكل قادة العراق ممن اكتوا بنار الظلم الصدامي وممن عانوا شخصيا وعائليا من الاضطهاد الصدامي. وممن اصقلتهم التجارب السياسية وممن يمكنهم ان يعلوا على جراحاهم، لانهم اكبر من الجراح. انه نداء لكي يقفوا صفا واحدا ويقولوا كفى من استرخاص الدم العراقي، يجب ان نضع حدا لكل هذا الجنون. ومن يضع حدا له هم انتم يا عقلاء العراق، يا من ننتظر منكم بارقة امل في هذا الليل الحالك في هذا الطريق المليء بالجثث وضحايا الابرياء. في هذا الواقع المتشح بالسواد، سواد الامهات الثكالى والزوجات والازواج الأرامل وألاطفال اليتامى.

الحرب والقتل والتدمير يمكن ان يقودها مجنون كمجنون العراق صدام. ولكن البناء والسلام الاهلي لا يمكن الا للعقال ان يحققوها. واليوم وطننا المثخن بالجراح بحاجة للعقلاء، لوضع حد لكل ما يقترف، ليس مجانا، فالسلام الاهلي والبناء ان منح وحقق فهو ليس مجانا انه يعادل كل اموال الكون انه ذاكرة عطرة في التاريخ لن تمحوها السنين.

في تقاليدنا الكنسية نقر بغفارة الذنونب ولكن بعد الاعتراف، التي ندعوها (موديتا) (الاعتراف بالذنب)، فبلا موديتا لا تغتفر الخطايا. واغلب الاطراف موغلة في الخطايا واغلبها يدعي احقاق الحق. ولكن لا احد منها يرى حق للانسان العراقي في حياة حرة وكريمة وامنة، فسيف الحقد هو العالي ونحن كعراقيين ما احوجنا لراية السلام والمحبة.

لا اعتقد ان العراقيين بغالبيتهم اسفون لمصير صدام واخيه ورئيس محكمته. فاغلب العراقيين يشعرون ان لهم حق على هؤلاء يجب تأديته. انهم يشعرون ان لهم معهم قضية شخصية ووطنية، فها قضاءنا قد اقتص منهم، وليكونوا عبرة لمن لا يعتبر. ولكن العراق بات بحاجة الى لفتة اخرى الى تحدي اخر الا وهو تحدي السلام. فالعراق لن يكون عراقا بلا سنة ولن يكون عراقا بلا شيعة ولن يكون كذلك بلا كوردا ولن يحمل هذه الصفة بلا اشورييه وبلا تركمانه، فهلاَّ عملنا كلنا من اجل العراق خارج اجندة ضيقة؟
يا قادة العراق يا من لم تروا الا مسيرات الدم والقتل بحقكم وبحق اقرباءكم وبحق ابناء شعبكم، اما ان الاوان لكي تقف هذه المسيرة مسيرة الدم المباح لكل سكين مشرعة، اكانت ايرانية او عربية او غيرها؟

قال تعالى  (ولئن شكرتم لازيدنكم).

اتوجه بخطابي هذا لمعارضي تواجد القوات التحالف الدولي. لقد عانى العراقيون من ظلم صدام واعوانه سنين طويلة. وما رفعكم لصوره ومديحكم له ولنظام حكمه. الاطعنة نجلاء في ظهور كل العراقيين، إنها إهانة لكل عذابات العراقيين اهانة للمقابر الجماعية ولحملات الابادة الجماعية، انها اهانة لمشاعر مواطنيكم واخوتكم في الوطن. فسوء الحكومات التي تلت نظام صدام لا يعني انه كان الافضل. بل تعني انه زرع ما نحصده اليوم. ان الوطن كان مزرعة لعائلة واحدة فلماذا لا نجعله بستان بكل الالوان ولكل العراقيين. انكم تدركون ان معانات العراقيين او الغالبية منهم لم تكن لتنتهي لولا المساعدة الدولية، وهذه كانت حال المانيا. الوطن نحن الذي سنبنيه وبخياراتنا لو عرفنا كيف نوالف بين هذه الخيارات. وعرفنا كيف نستفيد من التواجد الاجنبي لكي نبني وطنا وجيشا. ما يطلبه البعض من الاسراع في اخراج الجيش الامريكي بالاخص، معناه ان له اجندة خاصة، انه يريد ان يفرض ما يرتأيه مستندا الى قوى اقليمية، يجب علينا ان نعي مصالح العراق ككل وليس مصالح فئة منه، انه من الصحيح ان يكون لكل طرف مصالح، ولكن مصالح الوطن هي من توالف مصالح كل ابنائه. واذا تم فرض مصالح طرف واحد فقط فمعناه ان العراق سيبقى في الحلقة المفرغة التي كانت ايام صدام .

العراق بمذهب معين فقط، او بدين معين فقط او بحزب معين فقط ، لن يتقدم ابدا بل سيتقهقر اكثر واكثر. لن يمكننا فرض رؤية واحدة للدين او رؤية واحدة للوطن، اذا لنجعل كل الرؤى ممكنة التحقيق، لنبني عراقا علمانيا لا يعارض الدين والتدين، ولكنه يعارض فرض دين على الكل ولو باسم الاكثرية. او حتى فرض رجال دين من مذهب معين ليحكوا وليفصلوا بين الصالح والطالح للوطن. فالوطن كما هو للشيعي هو كذالك للازيدي، لا فرق وان حاول البعض خلق فروقات ودرجات فانه ليس بوطن بل هو سيكون مزرعة خاصة.

انها دعوة لكي لا نتجرد من انسانيتنا، وان ترتقي القيم والمفاهيم الى علو يسمو بالانسان كخليفة لله على الارض، وليس الى مشروع للقتل. فهل سنرى حركة شاملة قوية متحدة من اجل فرض السلم الاهلي والتعددية الثقافية والدينية والقومية والسياسية، من اجل ان يتعايش الجميع في اطار ضوابط معينة يتفق الجميع عليها.

مسار الامم لم يكن هينا ، بل كان صعبا وشاقا، ولكن عندما ارتقى الانسان بفكره وبحسه تمكن من ان يقبل الاخر كما هو ومن هنا بدأت مسيرة التقدم والسلم الاهلي فهل نحن فاعلون؟

نداء اخير لقادتنا لكي يخطو الخطوة الاكبر نحو وقف نزيف الدم.  فالعراق امانة في اعناقهم وليكن خيروا الامة العراقية عضدا وسندا لمن عانى وارتقى على جراحه من اجل بلده وشعبه. التسامح يا قادتنا شيمة، لا يمكن للكل ان يدعي بها، انها فعل ايمان/ التسامح فعل الولادة من جديد، ان من يسامح يعني انه مكتوي بنار كبيرة ولكنه في الوقت نفسه يقول ها انا ذا اقر بعجزي عن تحمل الاحقاد وبعجزي عن اقتراف الثأر. فانا اسامح الجميع لنعلن الولادة الجديدة، وليرتفع عاليا انساننا الجديد المؤمن بالاخاء الانساني، في بستاننا الجميل العراق الجنة، وألم يقل  في التوراة ان فرات ودقلت (دجلة) يمران بالجنة فاي بلد يمر به النهران غير العراق.

ادرك مصاعب وقف نزيف الدم، لان الايادي في تفعيله كثيرة، ولكن ان نقف موقف موحدا ونعلن للجميع عزل كل من يقترف القتل وكل من يفرض قانونه الخاص وكل من يكفر الاخرين، وكل من يستقوي بالدولة ويمد يده للتعامل مع الاخرين خارج اطارها، سيكون موقفا وطنيا شجاعا ومؤثرا وذا مفعول كبير.

22 كانون الثاني 2007

كلنا شيعة العراق يا زرقاوي

 

بالأمس اصدر الارهابي والمجرم، سفاك دم العراقيين الاردني الجنسية المسمي ابو مصعب الزرقاوي فتواه بمحاربة شيعة العراق مطلقا عليهم لقب الروافض. هذا الاتي من خلف الحدود وباسم الاسلام وشريعة الاسلام ويدعي انه في بلاد الاسلام يفتي بمحاربة اكثر من نصف شعب العراق. مهما اختلفنا ومهما كان رأينا ببعض السياسيين ذو المذهب الشيعي، او مهما كان تقيمنا لرجال الدين الشيعة، فاهلنا الشيعة هم اهلنا وخلافنا يجب ان يبقى تحت سقف البيت الواحد هذا البيت الذي اسمه العراق.

لا يخفى الدور الايجابي الذي لعبه اية الله العظمى السيستاني في وقف الانجرار وراء العنف والحرب الاهلية. بالرغم من كل المأسي وعمليات القتل ذات المنحى الطائفي الواضح. الحرب الاهلية التي كانت احد اهم اهداف زبانية صدام المتحالفين مع المتأسلمين من وراء الحدود.

بالرغم من معارضتي الشخصية الشديدة لادخال الدين في السياسة، ولقيام احزاب دينية ولاقحام القوانيين الدينية في صلب قوانيين الدولة. الا انه وبالرغم من كل هذا اشعر ان التهديدات التي وجهها هذا القادم من بلد غريب الى  اهلي في العراق، يجب ان يقف لها موقف عملي واضح ليس بالادانة اللفظية والتي لا معنى لها، الا التأييد ولكن بالاستيحاء اي كما يقول العراقيون سكتاوي.

المواقف المطلوبة واضحة لا لبس فيها، ففي الوقت الذي لا يمكن ان نتهم كل اهلنا من سنة العراق بالمشاركة في عمليات القتل الاجرامية بحق بقية العراقيين. الا انه مما لا شك فيه ان البلدان التي يشكلون فيها الاغلبية هي مرتع لانطلاق او للاقدام على هذه العلمليات. ولا يخفي ان مواقف هيئة العلماء المسلمين هي مواقف تبريرية لمثل هذه العمليات. وهذا يجعل الكثيرين يرفعون علامات استفهام كبيرة، هل ان اهلنا السنة يحنون الى ايام قصاب العراق؟  هل هم سيقفون بالضد من اعادة تشكيل العراق الجديد الذي يساوي فيه بين مواطنيه؟  ان المطلوب من اهلنا السنة انتفاضة حقيقية للمشاركة في بناء العراق الجديد، مع بقية مكونات العراق لوقف حالة الظلم الابدي التي استمرت منذ اقامة بلدنا. المطلوب من اهلنا السنة التبرؤ من هذه الاعمال ليس فقط بالقول بل بنشر الوعي بالتسامح والتعايش والتعددية، والمطلوب الاكثر الحاحا، هو الكشف عن كل الذين يتخذون منهم سواتر للاحتماء. واماكن للتخفي ومناطق خلفية للانطلاق مجددا. فللصبر حدود وان نفذ الصبر سيكون الساكتين عن كشف هؤلاء اولى الضحايا.

اليوم على العراقيين جميعا ان يدركوا قيمة عراقيتهم، ان يدركوا  كيف لا يسمحوا لشيعي من خارج اهل العراق ان يزايد عليهم. ان لا يسمحوا لسني من خارج اهل العراق ان يزايد عليهم. ان يدركوا كيف لا يسمحوا لعربي او لكردي او لاشوري او لتركماني من خارج العراق ان يزايد عليهم. فانتم اهل العراق، ومحكوم عليكم العيش سوية، كما هو محكوم لأهل الارض ان يعيشوا في هذه الكرة السابحة في الفضاء تحت رحمة الله، فعلى سكانها ان يتعايشوا ويتكيفوا معا.

فلنقل في وجه هذا القاتل المجرم، نحن عرب العراق وكرد العراق واشوريي العراق وتركمان العراق وشبك العراق، نحن سنة العراق ومسيحي العراق وصابئة العراق وازيدي العراق وكاكائي العراق كلنا شيعة العراق. فمن يهدد ويتوعد اهلنا فكلنا اهل وكلنا عصبة واحدة.

يا اهل العراق، ان عملنا دولة دينية ستأتينا امثال هذه الآفة المسماة الزرقاوي وتحاول فرض رؤياها علينا باسم الدين. وان جعلنا بلدا لقومية واحدة سيأتينا كما اتانا ماضيا مبشرون بهذه القومية ويفرضون اجندتهم وحروبهم علينا كما فعلوا سابقا. لنبني عراق للعراقيين بكل تلاوينهم، لنسد ابواب من يدخل بيننا ويتكلم باسمنا ليضر اخوة لنا في الوطن. بالامس كانت التفجيرات في مدننا المقدسة وفي الحلة وحي جميلة وكل احياء العراق. بالامس كانت تفجيرات الكنائس وقتل و تهديدات المسيحيين في البصرة وبغداد والموصل وعمليات القتل في اربيل. لاجل اشاعة نمط واحد من العيش نمط لا يقبل الاخر. فلينتفض العراقيون على كل من يريد ان يكون العراق لفئة واحدة، وليقفوا صفا واحدا في وجه من يستهين بكرامتهم عندما يصف عمليات القتل المجانية بالمقاومة. عندما تزعق وسائل اعلام العروبيين بالتهليل لمثل هذه الجرائم البشعة، فلنقل كلنا بصوت واحد كلنا شيعة العراق والموت الزؤام لكل اعداء حرية شعبنا العراقي، كلنا شيعة العراق.

يا لبؤسنا

 

اليوم صباحا تم تفجير مرقد الامامين على الهادي والحسن العسكري في مدينة سامراء، صباحا جهارا وكان منفذو الجريمة النكراء قد دخلوا المرقد مساء اليوم السابق اي حوالي اثنا عشر ساعة قبل التفجيرات، ولم يحس بهم احد، ولم يتصل الحراس باحد ولم يتم التدقيق على الحراس من قبل احد لا برسائل راديوية ولا بالمعاينة العينية اوبالتفتيش الروتيني. وهكذا تمكن نفر اعلن عن هدفه بشكل مباشر من عمليات متتالية انه يعمل من اجل اشعال نيران فتنة داخلية شيعية سنية تحرق الاخضر واليابس. الكل كان يدرك اهداف هذا النفر الضال، ولكن اصحاب (ولكن وبسبب والاحتلال الاجنبي) ظلوا يهيئون الفرص المتتالية لهذا النفر لكي يعيثوا في ارضنا خرابا وتدميرا.

بالرغم من ارتفاع حدة النغمة الطائفية والتي اشعلت الصدور بنيران الحقد وكره الاخر مستمدة وقود هذا الكره والحقد من التاريخ. اصرت الحكومة على اشعار الجميع ان الحكم ان لم يكن كله لصالح طائفة واحدة فاغلبه هو كذالك وفعالياته موجهة لخدمة ابناء هذه الطائفة. وهكذا بعد ان كان الكل يعلم مدى طائفية وعنصرية حكومة صدام، صار الناس امام ممارسات الحكومة الحالية يرون انها منبع الطائفية ودك اسفين الفرقة بين طوائف الشعب العراقي. فالعطل الرسمية صارت اكثر من ايام العمل في السنة وشهداء الاعمال الارهابية من ابناء طائفة ما صاروا الاكثر ايلاء للاهتمام من الشهداء الاخرين ان تم ايلاء الاخرين اهتماما ما. والكل شارد في اوهام، هى بنقل اكبر عدد من افراد طائفته للجنة خوفا من الزحمة والانغلاق. فلم نسمع كلمة لمرجع عاقل ينبه من الزيارات المليونية لمراقد الائمة لتدارك تعرضهم لاعمال ارهابية هم اصلا مستهدفين لها وعلى رأس الاسشهاد.

في ظل كل ما اثارته الرسوم الكاركاتيرية في صحيفة دانماركية مغمورة بالكاد يقرأها خمسة الاف نفر، واغلبهم لا يعرف من هو النبي محمد، لان اغلبهم قد لا يعرف من هو يسوع المسيح ايضا. خرج الملايين منددين بهذه الصور ومانحيها ابعادا اكثر من بعدها الذي اريد به تحدي، الخوف من الاصولية الاسلامية التي شاعت بعد مقتل المخرج الهولندي. اي لو انه لم يخرج احد ليتظاهر لما عرف بها الا عدد قليل جدا من البشر قد لا يتجاوزون واحد من الميلون من بني البشر على هذه الارض. ولكن خروج المتظاهرين ينبئ عن غاية من نفذ ودعا وعمل على نشر التظاهر والعمل على احراق الاعلام والسفارات لا بل القتل ايضا. انه نشر الخوف من الاسلام والمسملين باعتبارهم قوة لا تلين وسيحققون اهدافهم بكل الوسائل. ومطالبتهم باعتذار من الدنمارك يدخل في باب التخويف وادخال الرعب في قلوب الاخرين. فالدانمارك وحسب قوانينها لا تتحمل مسؤولية ما يتصرف به مواطنيها من ممارسة لحرياتهم العقائدية. واما الصدمة التي اصابت المسملين جراء هذه الرسوم التي قد نجد منها الالاف منتشرة في الصحف تخص الاديان الاخرى ورموزها. فنجد ان نفس المسلمين لم تهتز لديهم شعرة واحدة امام مقتل العشرات من الشيعة في باكستان وافغانستان، ولم يكن لهم ذنب غير ممارسة طقوس تعودوا عليها. وها هم المسلمون يقفون لا بل يشمتون بالضحايا التي يقدمهاالعراقييون على أيدي الارهابيين المسمين اسلاميا بالمقاومة!

أمام البؤس والايام المكفهرة السواد، تتالي علينا انباء عن اختلاسات واستقطاعات واستملاكات تخص هذا الحزب او ذاك هذه الشخصية السياسية اوتلك. لا بل وصل الامر الى التصريح ان الوزارة الفلانية يجب ان تطبق الزي الاسلامي لان وزيرها من هذا التيار وخلافا لكل القوانيين العراقية. اي ان لكل وزارة قانونها الخاص بها للحريات الفردية!

ان البؤس العراقي يكاد يشمل كل المرافق، فاذا كان الامن غير متوفر فياترى ما العمل بعد تدمير مرقد الامامين على الهادي والحسن العسكري؟ الله اعلم! قد تكون ابواب الجحيم قد فتحها لنا انصار الزرقاوي وغير الزرقاوي من التكفيريين. ولكن ياترى هل تتعظ الطبقة السياسية العاملة في العراق وتتخلص من اسمالها المهترئة والتي تلبسها باسم الدين والطائفة والاخوة والعدالة الاسلامية، لكي تتحفنا بخطاب معاصر لدولة مدنية معاصرة لا تكون لطائفة بل للمواطنيين اجمعين. ان كل المشاهد والاقوال التي قيلت بعد هذه الفاجعة تقول ان لا دروس تم الاتعاظ بها ولا هم يحزنون فكل بقى يبكى على ليلاه وليلى العراق مريضة لحد السقم.

ان المؤسف ان الوزراء والمسؤولين لا زال لديهم الجرأة والقدرة على مواجهة الناس. وليس لديهم من الحلول الا التنافس على الاكثار من ايام الحداد وايام التعطيل! ولو حدث هذا في بلاد الكفرة لكانت الان عشرات الوزارات قدمت استقالاتها ولكن هذا لا يحدث في بلداننا المؤمنة لانها تؤمن بالاية الكريمة والتي تقول وقل لا يأتيكم الا ما شاء ربكم او هكذا هو مضمون الايةّ!

وبؤسنا ليس عراقيا بل هو اشوريا ايضا اي كلداني اشوري سرياني، ويا لهول بؤسنا ويا لهول مأساتنا، فنحن امة لم تتفق على تسمية او الاصح كان هنالك تسمية لم يرغب بها البعض، لانه لم يعايشها في بيته او في منطقته، ولذا فقد رفض التسمية المؤطرة للعمل القومي والتي ظل اخوته يناضلون تحت رايتها اكثر من قرن من الزمان، ولانه لا يريد هذه التسمية لانها باعتقاده تسمية لاناس غرباء عنه صدف انهم يتكلمون نفس لغته وينتسبون لنفس تاريخه ويسكنون نفس موطنه لا بل يقتسمون في بعض الاحيان نفس قريته، فيحاول البعض زيادة اواصر التفرقة بزيادة رموز المفترقة، فاذا كان هناك من اختار 7 اب يوما للشهيد فالاخر سيختار 15 تموز واذا كانم البعض اختار النجمة الرباعية التي هي جزء من التاريخ العراقي القديم وقد استعملها كل المدن العراقية القديمة فان البعض الاخر سيختار علم الاستاذ عامر فتوحي واذا كان البعض قد تعلم ان ينطق اسمه بلغته على انه اتورايا فالاخر يقول لا قل اشورايا لانه اكثر عصرية وتتفق مع العربية وهلم جر من الحواجز المصطنعة امام وحدة شعب هو واحد اصلا وفصلا. ولكن المركب الضعيف تتقاذفه الاهواء كيفما شأت. فبدلا من حصر الخلاف سياسيا بين تنظيمات شعبنا نحاول جر البساط لكي يمتد لوحدة الشعب، سائرين خلف المشعوذين ممن لا يفكرون ابعد من انوفهم. ومن حكمة البعض سواء كان اشوريا او كلدانيا او سريانيا ان ياخذه الاعتقاد بان الاضرار بمن يحمل التسميتين المغايرتي لتسميته هو احقاق لحق له ويا للهول!

وحكمة بعض سياسينا انهم عملوا على اضعاف المركب وعمل مشرطة السكين في احشائه لزيادة تفتته بحجة القيادة التاريخية والحكيمة وبحجة الشهداء وكأن الحكمة هي ان نظل مصرين على لون واحد واشخاص محددين واكثرهم من المتملقين والمتسلقين، واليوم صار النضال على بقاء واحد احد برغم كل ما تم صرفه انتصارا للامة والامة في خبر كان من كل ما كان!23 شباط 2006

مظلومية الشيعة

 

من لا يقر بمظلومية شيعة العراق، ليس اليوم بل على مر التاريخ البالغ ما يقارب الألف وأربعمائة سنة من عمر الإسلام ومن عمر الخلاف الذي نشب بين خلفاء نبي الإسلام وبالأخص في فترة حكم عليَّ وما تلاها، والتي وصلت ذروة مأساتها في مقتل الحسين وصحبه بالصورة المأساوية التي ينقلها لنا التاريخ في واقعة ألطف في كربلاء، لا يمكن أن يقر بأي مظلومية أو بأي حق، وقد تكون فترة البوهميين هي الفترة الوحيدة التي شعر بها الشيعة أنهم حكام وليسوا محكومين وهذه الفترة أيضا كان الحكام أجانب ولكنهم شيعة المذهب ولذا كان للشيعة حظوة وفترة راحة، ولكن شتان بين الإقرار بهذه المظلومية وبين الأخطاء القاتلة لشيعة العراق واحدة تلو الأخرى.

الشيعة كمجموعة مذهبية أو سكانية يشكلون الأكثرية في العراق، ولكن في الشيعة أيضا تنوعات سياسية حالهم حال كل مجموعة سكانية. فمنهم القوميون العرب ومنهم مذهبيون ويتبعونهم رجال الدين في كل أمور حياتهم ومنهم اليساريون وكذالك العلمانيون.
ولكن الشيعة أو القوى المتنفذة تصرفت وكأنها بنيان مرصوص الجدار، واحد احد. واخذ التيار الديني في الشيعة يأخذ الأمور وكأنها مسيرة بيده وله وحده الحق في القول الفصل. وبهذا فانه أراد تجميل خطأ 1991 القاتل عندما تم رفع الشعارات الإسلامية الثورية والتي تتطابق مع شعارات المرفوعة في الجمهورية الإسلامية الإيرانية. ولذا فقد ترك الشيعة لأمرهم ولخيارهم الذي اختاروه. ولكن الشيعة لم يدفعوا الضريبة وحدهم بل دفعها عنهم كل الشعب العراقي. فبعد أن كان النظام محصورا في أربعة محافظات وبغداد آيلة للسقوط، نرى انه وبفعل ممارسات الشيعة ونعني به التيار السياسي الديني استطاع النظام فرض سيطرته وبقسوة لا مثيل لها على العراق وأقسامه الوسطى والجنوبية ولمدة اثني عشر سنة أخرى.

كان حريا بالتنظيمات الشيعية أن تتعلم من الدرس الذي تم تلقينهم لها، ألا وهو ممنوع إقامة نظام مماثل للنظام الإيراني، ممنوع تكرار تجربة إيران الفاشلة مع حقوق الإنسان والأقليات وحقوق الشعب الديمقراطية واستقرار المنطقة. وان هذه الممنوعات لا تتلاءم مع النظام الدولي الجديد. أجل قد تغض بعض الدول النظر عن تجربة ما إذا استنتجت أن هذه التجربة في مداها البعيد هي خدمة لمصالحها، ولكن هذه الدول تدمر كل تجربة تعني لها أن تحققها من المؤكد انه يضر بمصالحها الانية والبعيدة الأمد، والعراق يقوم على بحيرة نفط ويبعد عن البحيرات الأخرى بشمرة عصى لا غير.

إذا كان من المؤمل أن تعيد الأحزاب الشيعية حساباتها وتقوم بدرس الظروف المستجدة وتتحقق من إرادة الأطراف الدولية ومدى مسايرتها للتصورات الشيعية. وهذا ما لم يحدث، فالاستنتاج الذي نخرج به من تجربة الأحزاب الشيعية خلال هذه السنوات الثلاث ،هو أنها أرادت استعمال أميركا كحصان طروادة تركبه ليصل بها إلى السلطة معتمدة على الديموغرافية الشيعية وعلى الحقد الذي زرعه النظام في قلوبهم لكل توجه سياسي أخر والذي عنى لهم أن إنقاذهم لن يكون إلا بأحزاب تبرز هويتهم وترفع لواء ذلك عاليا. وهكذا نرى بدل من أن تقوم الأحزاب الشيعية بتبصير الناس بمخاطر تشييع الحياة والدولة ومحاولة فرض قيمهم عليها، وجعل الدولة جزر أمنية خاصة، وخصوصا مخاطرها من دول الجوار وكذالك من بقية أفراد الشعب التي ستنظر حتما للعملية على أنها اعتداء على خصوصياتها، لا بل سرقة الدولة لصالح الشيعة، في الوقت الذي عانت كل تلاوين الشعب من ممارسات النظام المباد، لا بل أن هذه التلاويين تحمل الشيعة وشعاراتهم سبب إطالة هذه المعانات.

وكان أنصار النظام من الذكاء أن اغلبهم لبس الجبة السوداء والتحق بما سمى جيش المهدي. هذا الجيش الذي كانت اغلب انجازاته الاعتداء على المسيحيين والصابئة المندائيين، وغلق محلات الحلاقة وفرض الحجاب أو الملابس الإسلامية على الناس. ولعل اكبر انجازات هذا الجيش وقائده هو العملية الخسيسة التي آدت إلى مقتل السيد عبد المجيد الخوئي. ونتيجة للشعارات التي رفعها أنصار السيد مقتدى الصدر والتي عممت ونشرت على نطاق واسع من قبل بعض الفضائيات العربية، لا بل وبعض العراقية والتي اعتقدها التيار الإسلامي أنها تعبر عن نبض الشارع. سارع هذا التيار إلى تبني هذه الشعارات والتي زين اغلبها بأنه يريد استقلال البلد وان أبنائه قادرون على إدارته، كمزايدة رخيصة على صبيان جيش المهدي، دون أن يروا مدى التدهور الذي يؤدي إليه رفع هذه الشعارات و مدى التدمير الذي يقود إليه هذا الأمر.

ولذا فالأحزاب الشيعية أرادت إعادة تجربة 1970 _1974 إي غض النظر عن الأكراد ومنطقة كردستان العراق، مع منحهم الحرية الكاملة للتصرف في بقية العراق. مؤملين أن يستجيب الأكراد لمثل هذه المعادلة الفاشلة والتي رفضها الأكراد منذ ثورة أيار برفعهم الشعار الديمقراطية للعراق والحكم الذاتي الحقيقي لكردستان العراق والذي تطور لاحقا إلى النظام الفدرالي للعراق. إي أن الأكراد استفادوا من تجربة بداية السبعينات وأدركوا أن لا حقوق لهم إلا بإقامة النظام الديمقراطي والذي يتناقض مع ايدويولوجيات الأحزاب الشيعية والذي يتناقض ايضا مع محاولة فرض إيديولوجية معينة على الدولة. فنظام حكم البعث قدم بعض التنازلات المرحلية حينذاك إلا انه إعادة فرض سيطرته مرة أخرى ودمر المنطقة بتقديم تنازلات أخرى إلى شاه إيران في اتفاقية الجزائر السيئة الصيت. وعندما شعر بقوة أكثر تنكر لاتفاقية الجزائر مهاجما إيران معتبرا إياها لقمة سائغة. بمعنى أن الأكراد أدركوا ووعوا أن لا ثقة ولا أمان إلا مع نظام ديمقراطي تام لا يمتلك قوة الانقلاب على نفسه وفرض الأمر الواقع كلما شاء.
اليوم يريد شيعة العراق تسويق مسألة سيطرتهم على مفاصل الحكم ومسألة فرض ايدويولوجيتهم على الشعب باعتبارها إحدى تجليات الممارسة الديمقراطية، متناسين أن الديمقراطية ليست ممارسة آلية، بل ضوابط قانونية ورؤية موحدة للدولة وسياستها وبناءها ومواثيق تكاد تقدس حرية الإنسان وتجعله الأساس لكل شئ وان الدولة وأجهزتها وقوانينها هي لخدمة هذا الإنسان الحر. في حين أن ايديولحية الأحزاب الشيعية تعني استعباد الإنسان وحصره ضمن إطار واحد وجعله آلة صماء في خدمة الآيدويولوجية الأهية معصومة. وهذا الأمر لا يتفق عليه الشعب العراق لأن أساسه مكون من أديان ومذاهب وأحزاب.

أمام الوضع الصعب الذي وصل إليه العراق ليس من المستحيل إعادة عقرب الساعة إلى الوراء بعض الشئ وتسليم السلطة لمن هو اقدر على إدارة الدولة. لمن يتمكن من الفصل بين الدولة والايدويولوجية، لمن يتمكن من القضاء التام على المليشيات والخارجين على القانون باسم الدفاع عن الدين والمذهب والذين يستعملون المقرات وبيوت العبادة لاعتقال وحجز المواطنين وطلب الرشوة منهم.

أن الدلائل تكاد تشير إلى أن شيعة العراق وقياداتهم السياسية لم يتعلموا من التجارب، وهذه الدلائل تكاد تشير إلى أنهم سيفقدون موقعهم المشارك الأصيل في رسم سياسة البلد، إلى موقع المؤثر الثانوي أن لم يكن المنزوي ولمدة عقود أخرى، لان ساسة الشيعة لا يقرؤون التاريخ ولا التطورات السياسية على الواقع.

 

خسائر الشيعة، خسائر العراق

 

بعد الاطاحة بنظام صدام البعثي الفاشي، كان من المؤمل ان يبدأ العراقيون، بداية جديدة. تتصف بالهدوء والتروي واتخاذ مواقف ثابتة وغير قابلة للتفسيرات المختلفة، من الارهاب بكل اشكاله والوانه.

بمثل هذه البداية، المناقضة لكل ممارسات النظام السابق، كان على العراقيين ان يبدأوا، وليس بترديد شعارات، تقبل تأويلات متعددة وتصب في خانة استمرار النظام السابق، ولكن بواسطة اصحاب العمائم السوداء او البيضاء لا فرق.

فالشيعة وقياداتهم السياسية وخصوصا قيادات الاحزاب الدينية، لم تخف نيتها في اقامة دولة اسلامية ( رغم هلامية الشعار)، سواء من خلال خطب زعمائها او في ممارسة انصارها، كما ان موقف قيادات الاحزاب الشيعية بمختلف توجهاتها، من ممارسات السيد مقتدى الصدر واعوانه، المخالفة لكل قانون، حيث وضعوا انفسهم كمنفذي قوانينهم التي سنوها في جحورهم المظلمة، كالجحر الذي وجد فيه مثالهم الاكبر، صدام القتل والدمار.

كما اتصفت القيادات الشيعية ورغبة في تسويق نفسها عربيا، بمواقف هزيلة تجاه احداث الفلوجة، حيث لم نسمع اي ادانة واضحة لممارسات الارهابيين الذين كانوا ينطلقون من الفلوجة وجوارها، لنشر الدمار والخراب وسفك دماء العراقيين الابرياء.

اضافة الى موقفهم غير الودي بتاتا مع ما قدمه لنا الامريكان. من ازالة نظام الطغيان الصدامي،فمنذ الايام الاولى، صرح بعض زعماء الشيعة برغبتهم في ازالة الاحتلال بأقرب فرصة، مع وعيهم باستحالة هذا الامر، لعدم وجود قوة وطنية  مدربة ومنظمة لحفظ الامن الداخلي والتدخلات الخارجية، نتيجة انهيار كل مؤسسات نظام صدام المقبور.

كان من المفروض، في قيادات الاحزاب الشيعية، وبالأخص ان لبعض هذه القيادات خبرات واسعة في العمل السياسي، ان تهدئ الامور في العراق، وان تعمل جاهدة لاستباب الامن والنظام، وان تنأى بنفسها عن بازارات توزيع الغنائم الذي اتصف به مجلس الحكم اوالبعض من اعضائه. في تلك الحالة كان من الممكن ان يطرحوا انفسهم كقيادات وطنية فوق الطائفية. صحيح ان الشيعة كانوا مغبونين، وهذه حالة اغلب العراقيين. وصحيح ان غبن غالبيتهم كان بسبب انتمائهم الطائفي، الا ان العراقيين كانوا بعد اساقاط حكم الافاقين في طريق نحو اقامة تجربة جديدة كل الجدة، تجربة اقامة نظام ديمقراطي تعددي، ولا يمكن اقامة مثل هذا النظام في ظل شعارات أسلمة الدولة. لا بل هنالك تناقض تام ما بين اقامة النظام الاسلامي والنظام الديمقراطي التعددي، الذي يجب ان يكون علمانيا.

ان التنظيمات العراقية الشيعية، استنسخت تجربة 91 عندما انتفض العراق، أو غالبية محافظاته، ولكن ليحصد صدام في النهاية تمديدا لعمره المنتهي. انها نفس الممارسات، لا تختلف الا بالرتوش، لو نحن أردنا الحق. نتيجة لتساهل القيادات الشيعية في الاساسيات، وتشبثها بالامور الثانوية هاهي مهددة بخسارة ان يكون احد ابناءها رئيسا للدولة، برغم ان هذه الرئاسة حق لجميع المواطنين، الا انه يراد اعادة حصره بين سنة العراق، سواء قانونيا او بشكل عرف متداول.

ان هيئة علماء المسلمين استنفرت كل قواها واستثمرت في الارهاب والارهابيين، وهي تجني الآن من يفترض به ان يقف ندا لها ملتهي بمنصب هنا اوهناك.

ان اخطاء قيادات التنظيمات الشيعية ستكلف العراقيين الكثير من الجهد. لا بل الكثير من الدماء، والزمن المراد لاعادة البناء. ان المطلوب اليوم ان ينخرط الشيعة وكل العراقيين الذين يودون بناء دولة عصرية، في خط واحد شعاره دولة القانون، دولة المواطنة الواحدة، دولة النابذة لكل اشكال الارهاب. كما انه من المطلوب الاستعانة بخبرات أجنبية، فليس عيبا ان كنا لانعلم، ولكن العيب ان لا نعمل من اجلا الارتقاء بمعلوماتنا وخبراتنا. والاستعانة تكون في كل المجالات، الا ان اهمها، كيفية بناء دولة القانون والمواطنة، كيفية اقامة الاجهزة الامنية التي تحمي الامن وتصون كرامة العراقيات والعراقيين الآن. كما يجب ان يؤيدوا في البداية اقرار مشاريع قوانين تحد بشكل جذري من ظاهرة انتشار الاسلحة في البلد، تحت طائلة التعرض لعقوبات غير عادية، لان انتشار الاسلحة في ايدى الاجهزة غير الرسمية، يجعل من كل مواطن الشرطي والقاضي في الان نفسه، كما ان انتشار الاسلحة يهدد كيان الدولة، وهيبتها، واحد اهم اسس قيامها، الا وهو احتكارها للقوة.

21 ايار2004

 

بمن استقوى حارث الضاري؟

 

عندما خرج حسين كامل صهر صدام الى الاردن، بحجة انه يريد معارضة النظام، فامت بعض القنوات بتغطية ما سمي بمؤتمر صحفي له ليقدم نفسه للعالم. عندما استمعت الى حسين كامل وهو يتكلم او يجيب على بعض الاسئلة، شعرت بالمهانة، نعم شعرت بالمهانة وانا اشهد واسمع بعض من كان يحكم ويسير بلدي في اي مستوى من التخلف والسذاجة هم، قلت لصديقي الجالس قربي أحقا امثال هؤلاء كانوا يحكموننا؟

بهذا ذكرني السيد حارث الضاري امين عام هيئة علماء المسلمين في خطاب يذكرنا أيضا بخطابات القادة العرب قبل الايام السوداء هذه. صال السيد الضاري وجال وهدد ووعد طارحا شروطه. ولِم لا! أليس هو المنتصر، بالعمليات الارهابية التي يسميها المقاومة؟ نعم من سمع خطاب حارث الضاري يعتقد انه امام قائد منتصر من زمن هتلر وموسليني وصدام.
فهذا الذي يدعي الدفاع عن العراق وشعب العراق. وهذا الذي يدعي الدفاع عن العروبة ومجدها والاسلام وعزته. برغم كل ماذكره عن الارهاب والارهابيين لم يقم يوما بفتح فمه لينتقد ولا نقول ليدين صدام وممارساته. لا بل لا زال وامثاله برغم كل الشواهد والاثباتات عل جرائم النظام السابق يناور دفاعا عن مؤسسات النظام ومنها الجيش السابق الذي قال انه لم يكن طائفيا!

قيل ان لم تستح فافعل ما شئت. واليوم ولا زالت جراح العراقيين مفتوحة وآلامهم مستمرة واهاتهم وصراخهم من الوجع ترتفع الى السماء يأتون ليبرروا قتل العراقيين بالمقاومة! لم يسألوا يوما مالذي اتى بالامريكان الى العراق؟ لم يسألوا انفسهم ماالذي وضعنا في هذا الموقف؟ أليست ممارسات النظام وقراراته المتتالية والتي لم يسلم منها لا شعب العراق ولا الشعوب المجاورة.
هذا الذي صار اليوم يتحدث عن حقوق الانسان ويتكلم بها ويطالب بتطبيق اتفاقيات جنيف. اين كان يوم لم يطبق صدام اي بند من بنود الاعلان العالمي لحقوق الانسان. لا بل انني متأكد انه شخص سيعارض على الاغلب بنود هذا الاعلان. لان ايديولوجية الانسان تفصح عمَّا يريد. اذا لا زال البعض يريد ان يستمر بالكذب والدجل وكأن العالم لا يعرف ما الذي يحدث، انها نفس الشعارات التي مللنا منها، والتي لم تشبع جائع او تنصف مظلوما، لا بل شتتت الشعب في اصقاع العالم طلبا للخبز والعدالة، وبلدنا مرتع الخيرات والثروات.

هذا هو الضاري الذي يصول ويجول موزعا اتهاماته يمينا ويسارا، لم يستثن احد الا هو وبلدانه العربية وجامعته الصماء البكماء والتي لم تدخل مشكلة الا وعقدتها. وحفنة من القتلة المهوسين بالدم من طالبي الجنة على حساب اشلاء العراقيين.

لا يمكن للمرء ان يستمع الى مثل هؤلاء الناس من الذين لا يعيشون واقعهم وعصرهم وقدراتهم وامكانياتهم، الا ان ينزوي خجلا من ان يقال له انه عراقي، خجلا لانه قد يقارن بهم، انهم يدعون العراقية ونخوتها فاين النخوة من هذا الشلال المستمر من الدم؟ اين النخوة من هذا الاحتضان لكل قاتل ودعي العروبة والاسلام لكي يمارس ساديته على العراقيين؟ ان العراقيين ورب الكعبة ليخجلون من ان يسمى البعض بقادة. ان يكون شاكلة القادة مثل هؤلاء الذين سكتوا عن كل ممارسات صدام وعدي وقصي وعزت والجزراوي وغيرهم كثرين. سكتوا ولم ينطقوا ببنت شفة، واليوم لما فسح لهم القادة الجدد والنظام الجديد كل مجالات الحرية هاهم يريدون ان يتم تسليم الحكم اليهم على طبق من الذهب.

ان السيد الضاري، لا يبكي في الحقيقة على حقوق الانسان لانه اساسا لا يفهم للانسان حقوقا خارج اطار ايدويولوجيته. بل انه يبكي امتيازات كانت محصورة بطائفته واليوم قد تتوزع قد يشمل خيرها غيره. انه يبكي ان تطال العدالة كل مرافق الحياة فحينها لن يكون له ولخاصته الاولية، بل سيعامل كالبقية، حاله من حالهم، والا فاي انسان سوي يقول عن كل ما يجري انه مقاومة؟ الم يكن السيد الضاري اول المشككين في وجود الزرقاوي او من نسب كل الاعمال الاجرامية لما سماه قوات الاحتلال. هاهم الزرقاويون ينسلون الى دول الجوار ليطعموهم شيئا مما ذاق العراقيين، أهي مقاومة عندنا وارهاب عند الغير يا سيد ضاري؟
السيد ضاري مستقويا بالاسلحة التي وزعها النظام، مستقويا بالنظام العروبي الخائف مما يسميه الشيعة وسيطرتهم على العراق، مستقويا بالعروبيين المتخوفين من النظام الفيدرالي، مستقويا بالخائفين من ان يكون العراق مصدرا لاشاعة فكر التحرر والتطور والانفتاح، مستقويا بكل من يخاف اشعة النهار وقيم الحضارة الانسانية، مستقويا بكل هؤلاء تحدث وصال وجال، انه لم يكن مستقويا بشعب العراق  لا ابدا.

21 تشرين الثاني 2005

انها دعوة لسفك دم العراقيين !

 

تتواجد على الساحة العراقية العشرات من الاحزاب، تمتد اتجاهاتها الفكرية ما بين اقصى اليمين الى اقصى اليسار. ومنها ما يمثل التوجهات القومية وغيرها التوجهات الدينية، ومن هذه الاحزب من هو جزء من الحكومة وغيرها يدعم الحكومة وهو خارجها، وبعض الاحزاب تعارض الحكومة، ودرجات المعارضة ايضا محتلفة. الا ان ما يسجل للحكومة انها لم تقم بقمع اي جهة اتبعت الطريق الديمقرلطي في المعارضة، بمعنى الجهر بالمواقف، وتحليل اسباب المعارضة وكشف الاخطاء، ولكن من واجب الحكومة واي  حكومة ان تكشر عن انيابها، عندما ترى ان جهات تستغل الديمقراطية والحريات الفردية لتتجاوز على القانون وتقوم باقتراف الجرائم الكبرى.

نقلت الانباء عن استقبال (التجمع السوري للجان دعم العراق)  وهم مجموعة من العراقيين ممن سموا انفسهم بالمعارضين. وهم مثنى الحارثي الناطق بأسم (هيئة علماء المسلمين)، وصفاء العجيلي من (الجبهة الوطنية لتحرير العراق)، وعبد ستار رؤف و نظلة الجبوري، وبالطبع حلل الوفد وشرح حسب ما يشتهي، وحسب ما يريد الاخر سماعه، ففي بلداننا اصبحنا خبراء في معرفة ما يريد الاخر سماعه، ونتيجة لجهد حكامنا الميامين، فنحن خبراء في النفاق، وهل عملوا غير انهم حولونا من اناس بشر الى طبول تطبل لهم؟

ان يعارض الوفد الحكومة فهذا شأنه، وهو حر في ذلك، واعتقد ان الحكومة ستحترم رأيه ولن تقف منه موقف العداء، وهذا ما ينتظر من اي حكومة تدعي الديمقراطية، ولكن ان يدعوا افراد الوفد الى ضرب الحرس الوطني العراقي والشرطة العراقية، وحتى القوات المتعددة الجنسية، التي لها الان صفة رسمية وتنتظر الانتخابات والحكومة المقبلة لتحديد الموقف منها. اقول ان دعوة الوفد هذه تعتبر اجراما بحق العراق وشعب العراق ومستقبل العراق، كما ان هذه الدعوة تعتبر اجراما في القانون الجنائي العادي، لانها دعوة للقتل، اما تخفيفها برفض قتل المدنيين واتهام الموساد وغيرها بهذه العمليات، فهذا للتضليل الاعلامي .

وقد ذكرت الايلاف في خبرها عن هذا الوفد العجيب الغريب، بأنه سيقوم بزيارة الى جامعة عمرو موسى (الجامعة العربية)، ليقدم شرحا عن انجازات الذبح والقتل التي يقومون بها، وليتمتع ببركات  امينها العام، الذي لم يستقبل لا هو ولا جامعته اي معارض عراقي ابان حكم صدام البعث الفاشي. بالرغم من ان صدام لم يكن يقبل بوجود معارضة في العراق. اي ان المعارضة كانت اما في المقابر او في المهاجر، فهل استمع اليها عمرو موسى يوما ليعرف معاناة شعب العراق، ولكنه اليوم وبالرغم من وجود التعددية في العراق، يهرع لاستقبال مجموعة من القتلة او ممن يدعمهم بأسم المعارضة. فهل اصبحت العراق وحكومته بهذا القدر من قلة الاهمية والمكانة، لكي يقوم عمرو موسى وجامعته بالتدخل في شؤونهما؟ ولماذا لم يستطع ذلك في عهد صدام؟ ام ان اهوائه الشخصية كانت تميل لصدام وتوجهاته المعلنة، بالرغم من ان الكل يدرك ان صدام لم يكن مؤمنا بأي شيء، فايمانه كان بمصلحته فقط، وبما يوطد هذه المصلحة.

أليس من حق شعب العراق ان يتسأل اليوم عن الجدوى من التواجد في مثل هذه المؤسسات المهترئة والتي لم تقدم لقضيته الحقيقية يوما اي  شئ، غير انها كانت مستعدة للعق مؤخرة صدام، وزبانيته ومستعدة لننأ جراح العراقيين بكيل المديح لقاتل العراقيين.

اننا نتسأل اين كانت هذه اللجان التي تدعى دعم العراق، اين كانت هذه الجامعة، عند اقتراف المقابر الجماعية، عند اقتراف حملة الانفال، عند تدمير الالاف من قرى الاكراد والاشوريين والتركمان، عندما تم ضرب مراقد الائمة وتم تدمير كنائس يعود عمر بنائها ا لاكثر من الف واربعمائة سنة، اي انها كانت تراث وطني، فهل تكلمت ونطقت هذه اللجان وهذه الجامعة.

ولكن من الواضح، ان هنالك اطراف اتحدت برغم من انها كانت على عداء. وذلك لخوف هذه الاطراف على مصالحها، او لخوفها على وجودها، فها هي بعض الحكومات العربية التي كانت في حالة عداء مع شعوبها، وتكم افواهها وتذيقها المر وتعيشها في خوف دائم. تفتتح التواصل مع الاطراف الاكثر رجعية والاكثر عداء للتغيير الديمقراطي، والاكثر طائفية، لكي يتم قتل الوليد العراقي في مهده. لان هذه الحكومات وهذه الاطراف، باتت ترتعش من كلمة الديمقراطية. ولكننا نقول لهذه الحكومات ان نجحت في مسعاها ( وان كنا نستبعد ذلك) فأن هذه الحكومات ستكون ضحية تحالفها مع هذه الاطراف، فالاطراف المغرقة في الرجعية والافكار الطائفية لن ترتضى الا بسيادتها وحدها، والا بسيادة منهجها التكفيري، ولكن الحكومات العربية ممن لا ينظرون الى المستقبل، فلسان حالها يقول ومن بعدي الطوفان.

26 كانون الاول 2004

 

قبل اعلان النتائج

 

لا اريد ان اخمن من الفائز، اود ان اهنئ اي منهم كان، وللخاسر اقول انشاء الله في المرة القادمة.

قبل ان تعلن نتائج الانتخابات، ونعلم من فاز ومن لم يفز، دعونا نلقي نظرة على ما فاتنا وعلى التربية الحديثة التي اكتسبناها. دعونا فقط ندرك ان الانظمة  الديمقراطية بما توفره من الحريات تتيح النقد واعطاء البديل، وانها تبين البدائل ان لم يكن البديل للواقع الراهن. وان الحرية امر اساس ولكن الحرية ليست في المسبات والاتهامات الرخيصة والاكاذيب التي ستنفضح بعد يوم او يومين او شهر. التكنلوجيا تتيح الكثير ومنها تركيب الصور، وللحقيقة فانني بت اخشى نشر اي صورة او اي تهمة لانه من كثرتها بتنا ندرك انه من المستحيل ان يرتكبها انسان. والصور تتركب بما يعقل ولا يعقل، اقول للموالاة وللمعارضة، ان كانت الغاية الحكم والسلطة، فهنيئا لكم سلطة على شعب حولتموه الى مجانين يحارب بعضه بعضا، وليس اناس يتحاورون ويختلفون ويتعايشون. هنيئا لكم ارض يباب لا ينبت فيها ثمر ولا زرع ولا ينتج منها منتوج، كل ما فيها دمار وقتل ودماء تسيل بلا نهاية.

اعارض سياسات نوري المالكي، واؤيد الاتجاه الليبرالي المدني، ولكن هذا شئ والصاق كل التهم وبما لا يعقله العاقل بالسيد المالكي امر محير وامر يجب ان نتلافاه، فالامر قد ينقلب لان الناس ستتسائل هل حقا انه امر حقيقي؟ اتذكر حينما سلم الدكتور اياد علاوي رئاسة الوزراء كتبت مقالة عنوانها شكرا دكتور علاوي، وعندما اصر على ان يكون رئيس الوزراء بعد الانتخابات حاججتهم بانه ليس من حقهم لانهم لايؤلفون الكتلة الاكبر في البرلمان. ولكن كل هذا لا يعني ان الدكتور علاوي قديس او ابليس، انه والمالكي بشر يخطأون ويصيبون وعلينا محاسبتهم على ذلك فقط، لنتركهم يتعايشون في الوطن مع القدرة على اللقاء رغم الاختلاف. ان ابلسة الخصم وتحويله الى مجرم سارق لص، يعني اننا لا نريد السلطة الا لنا وباي اسلوب اتت. ان عراقية الفرد لا تقاس بحزبه وطائفته ودينه، اليس هذا هو الموجود في الدستور اللذي وافقتم عليه جميعا؟ قد ترتفع نغمة الخلافات وتحتد، في زمن الانتخابات، ولكن ليس مقبولا هذا التخوين الذي شمل الكل، وبالاخص الكل القادر العامل. ولا اعتقد انه بهذا الاسلوب يمكننا ان نحل مشاكل بلدنا ابدا. من الواضح ان بعض الشيعة يريد الانتقام للماضي، وبعض السنة يريد الانتقام للحاضر. على الاطراف المختلفة ان تحاصر الطرفين، وحينها سنكون قد خطونا نحو حصر الارهاب، هذا اذا كنا نريد عراقا موحدا. ليس من المعقول ان يقوم انصار السيد المالكي تخوين كل من يختلف معهم، فالعمل الوطني والسياسة التي ندعي ممارستها وجدت لحل الاختلافات من خلال مقاربات عديدة، وليس من خلال الفرض بالقوة، والا لكان صدام حسين باقيا ولم يكن هناك افضل منه ليفرض الامور بالقوة! الامر اعلاه صحيح ويجب ان نعمل من اجل ارساء اسس العمل الديمقراطي وبناء الامور على اساس قبول التعددية، وتدريجيا وضع كل الامور بشكل قانوني يتم تثقيف الشعب به. على كل فرد ان يعرف حقوقه وحقوق الاخر، حدوده وحدود الاخر، فالساحة ليست مستباحة لكل من يريد. واذا لم نكن نريد دولة القانون (اعني دولة يسود فيها القانون وليس ائتلاف دولة القانون برئاسة السيد نوري المالكي) فاي دولة نريد؟ ان الالية الديمقراطية والحريات الفردية والجماعية لا تنتعش وتثمر الا في دولة يسودها القانون، القانون فوق الجميع.

على مستوى شعبنا، نكرر نفس الامور والسنا عراقيين وشرق اوسطيين، تشيع بيننا نفس الثقافة السياسية؟ قد نختلف مع فلان او علان ولكن الصاق كل التهم به مسألة يجب ان ننتبه اليها. فاذا كنا دعاة المطالبة بحقوق الشعب، فاي شعب هو هذا الذي نحول نصفه جالسين في حضن الكورد، والنصف الاخر في حضن العرب وبعضهم سارق ولص وغيرهم خونة. هذا لا يعني انه لا يوجد مثل هؤلاء في شعبنا ولكن ان نوزع الاتهامات يمينا ويسار وبلا ضوابط قانونية واخلاقية فالامر يجب ان يؤخذ ماخذ الجدية. ويحق لنا ان نتسأل اذا انتم ونحن وهم (لصوص وخونة وبائعي) الا يحق لي ان اسأل اذا من اجل اي شعب نعمل؟

نحن نسير الى متاهة لا قرار لها، ولكننا لكي نتخلص من الواقع المر، والانقسام العبثي والاتهامات الغبية، على قيادات احزابنا ومؤسساتنا ان يرتقوا الى مستوى المسؤولية. وان يقروا بان الوضع الراهن لا يؤدي الا الى المزيد من التشرذم. والتقدم من الشعب واعلان الاعتذار عن كل ما بدر منهم. انا لا اعرف كيف يجيز حزب لنفسه اتهم خصومه مرارا وتكرارا بكل التهم العفنة والكاذبة، ان يجلس معهم ويحاورهم ويناقشهم ومن ثم يعود مرة اخرى الى نفس النغمة؟ ليس مرة واحدة بل مرارا، الا يرى هذا الحزب ان معزوفته باتت مملة وتاثيراتها السلبية لم تعد تتحمل. في كل الدول الديمقراطية يكون الحزب هو المدرسة الاولى لتعليم الناس الحقوق والواجبات، يكون الحزب المدرسة التي تعلم ان القانون فوق الجميع، ولذا فاعضاء الاحزاب يدركون حقوقهم وواجباتهم، والغريب انني عاشرت اناس من شعبنا منضوين في احزاب الدول الديمقراطية، ويمارسون ممارساتهم في النقد والطرح، ولكن حينما ياتون الى قضايا شعبنا يفتون ويحرمون لغيرهم الحق في طرح الراي. ولذا بت مقتنعا ان الاحزاب او بعضها على المستوى القومي او الوطني العراقي ترغب في اعضاء لا يفقهون في مسألة الحقوق والواجبات ولا في حدودهم القانونية، لان الامر يخدم قيادة هذه الاحزاب التي تعتقد بانها خالدة في مواقعها. في نهاية الحرب العالمية الثانية كان على تشرشل ان يجتمع مع ستالين لعقد معاهدة يالطا، وقد حضر وجلب معه منافسه زعيم حزب العمال للمؤتمر. فسأله ستالين عن سبب احضار منافسه وهو ليس في الحكومة. فقال له تشرشل نحن اجرينا الانتخابات ولا اعرف من منا سيفوز، واحضرته لكي يكون على  اطلاع على كل الامور لانه قد يكون رئيسا للوزراء غدا. نحن بحاجة لروحية تدرك بان المسؤول يعمل لاجل الشعب وهو يستلم راتبه ومكانته وشهرته لهذا السبب فقط، وعليه ان يدرك ان الشعب من حقه ان يغيير رايه فيه وان ياتي بالبديل عنه. فهل هذا ما نلاحظة خلال فترة الانتخابات او حتى خلال اغلب الفترات العادية، الا نشعر بان كل سياسي يريد القضاء على غريمة قضاء تاما؟

في الكثير من الحالات، يمكن لخصم ما ان يقضي على خصمه او على قيادة خصمه برمتها وخصوصا في حالة الحروب بين الشعوب والامم. ولكن لا يقدمون على هذا، لانهم يدركون ان القيادة في الغالب هي الاكثر خبرة والاقدر على اتخاذ القرارات، ولو قضوا عليها، فعلى الاغلب ان الكوادر الاقل خبرة ستكون اكثر تهورا ورغبة في الانتقام، وبالتالي المشكلة ستكون اكثر عصيا على الحل. الا نحن فنحن نريد ازالة الخصم من الوجود ومحوه هو وانصاره وكل من يدافع عنه. طيب اذا كان هذا هو حالنا فمن سيكون الشعب وكيف سنخلق وحدة الشعب التي ندعي بها. وشعبنا مقسم  بين الزعامات. البعض يريد النحر والقتل والابادة ولا يتورع عن استخدام مثل هذه الكلمات. وكانه هو وقائده منزلين من السماء. وكانه لم يكن قبل يوم او يومين يطالب بازالة الدكتاتورية الغاشمة ومنح الحرية للشعب. الا يحق لنا ان نتسأل اذا عن اي حرية كنا نتحدث؟

مرارا حذرنا من فلتان مسالة الخصومات والاختلافات وتحولها الى خلاف متزمت، وكم ستمون نتائج ذلك وخيمة العاقية على شعبنا وعلى عملنا السياسي. واتذكر انني استعملت تعبيرات مثل اننا لا نسيطر على شعبنا، وشعبنا لا يسير بحسب قوانين من وضعنا، وان شعبنا ووضعه بهذه الصورة يمكن ان يختار اي شئ، وقد وصلنا الى ذلك، وصلنا الى درجة ان كل واحد يمكن ان يستند الى قوة ما ويعلن انه منقذ لشعبنا وهوفي الحقيقة يبحث عن مصلحة ذاتية وانية. لان قوى الشعب التي تريد حقوقه مشتتة ومتنازعة لا بل متعادية، وكيف لا ونحن نقول عن البعض ان مصير فلان مزبلة التاريخ. في العراق الان هناك ظاهرة الفرصة المواتية، اي ان البعض يدعي الوطنية والغيرة وكل الشعارات المرغوبة ليس لانه يؤمن بها، بل لانه يعتقد ان المرحلة فرصة سانحة ليضرب ضربته ويشلع بالتعبير العراقي، وهذا الامر نجده لدى البعض من ابناء شعبنا، وقوانا السياسية هي من منحت لهؤلاء الفسحة لكي يلعبوا في ساحة شعبنا.

فهل سنرى بعد الانتخابات عودة الوعي للجميع والاعتذار عن كل هذه الامور التي تحدث وحدثت في شعبنا، والوعد بعدم تكرار تجاربنا الخاسرة ليس لاحزابنا بل لشعبنا ايضا.

1 أيار 2014 عنكاوا

 

الوطني الشريف، العميل الخائن ثنائية العمل السياسي

 

لا اعتقد ان المطلع على الخطاب السياسي العراقي ويمكن القول العربي في الغالب يمكن ان يقول ان هذا الخطاب يساعد، في تقصير المسافات او ايجاد الحلول او التصالح او حتى التساوم من اجل ايجاد الحلول، لاي معضلة تواجه هذه البلدان. ففي الوقت الذي اوجدت السياسية او برزت على السطح كاحد الضروريات الاجتماعية لحل المشاكل، فان الكلمات او المصطلحات هي التي توضح السياسية وتفتح ابواب الحوار. ولكننا نرى ان ما يحدث الان في السياسية العراقية و العربية ان السياسية هي ممارسة فعل انتقام من الاخر اكثر مما هي مفتاح لحلول.

ومن هنا يمكننا الجزم ان السياسيين في الغالب لا يؤمنون حقا بتعددية الرؤى والاجتهادات، بل جل اعتقادهم الحقيقي هو انهم على الحق والاخرين على الباطل وعلى طول الخط. وجزمنا هذا لم يأتي اعتباطا، بل بالحقيقة ان استنكار والخوف من التعددية هو نتاج تراث هائل من وحدة القرار وان الحاكم دوما على صواب. ومن الناحية الدينية الجمود في الافكار الدينية والتي لم يدخلها اي تحديث، كل هذا جعل من قبول الاختلاف والتعدد يدخل في خانة الرغبة في التقسيم والانشطار والضعف او الاستيلاء على ما لا يحق له.

يطغي على الخطاب السياسي وعلى مطالب السياسيين من اقرانهم كلمات وصفات غير محددة، مائعة تقبل هذا التفسير ونقيضه، والحقيقة لم يتم الاتفاق على معناها بين الكل، مثل الوطني، الشريف، المخلص، الصادق الاصيل، النزيه. وحينما يطالب سياسي ما بهذه الصفات ووجوب توفرها في خصمه، سؤاء كان الخصم في الحكم او المعارضة، يعني ان الاخر لا يتمتع بهذه الصفات، بل يتمتع بعكسها وان لم تقال. والاخطر ان طالب الصفات اعلاه، يمكن ان يقولها رئيس الوزراء حينما يواجه معارضة، او تقولها المعارضة حينما تعارض خصومها في الحكم.

ولكن ما معنى الشريف مثلا، الشريف عن ماذا، هل معنى انعدام الشرف هي القيام بعلاقة خارج اطار الزوجية مثلا، او انها القيام بالسرقة، او القتل. وعندما نطالب الجميع بهذه الصفة هل نتهم ان من لا نتعاون او نتعايش معهم في اطار قانون يساوي بيننا هم غير شرفاء وقد قاموا بكل الامور التي تسلبهم شرفهم؟ بالحقيفة انه لا معنى الا هذا، الا اذا كنا لا نعني بهذه الكلمات معناها الحقيقي ولكننا نطلقها على عواهنها فقط وفقط لكي يكون لدينا ما نقول. في الفرضية الاولى يكون مطلق هذه الصفات على الاخرين، حتما ايضا متمتعا بهذه الصفه، لانه يدرك ما فعله خصمه من افعال تخرجه من فئة الشرفاء ولكنه لا يقدم هذه الافعال للقضاء لكي يلاقي جزاءه وهو من المفترض ان يقوم بذلك كونه يعمل في الحقل العام والذي من واجبه حماية حقوق المواطنين. ومن هنا يمكننا ان نسأل اليس من حق الوطن واجهزة العدالة فيه ان تحاكم من يقول انه يعلم او يعرف وله ملفات حول ممارسات خصومه، او انه كان يمتلكها او يهدد بكشف ما لخصومه من الملفات؟. او ان الفرضية الثانية هي الصحيحة وهي طرح الكلام على عواهنه وفي هذه الحالة لن تبقى مصداقية لاي كلام يقال، وبالتالي فان السياسة ستكون فن اللغو.

((ان العراقيين الشرفاء)) او اي صفة ايجابية اخرى مثل المخلصين الصادقون، هي في الغالب جملة الافتتاح في الخطاب السياسي الموجه. ولكن مرة اخرى من هم هؤلاء العراقيين الشرفاء والذين يتم توجيه الخطاب اليهم، ومن هم النقيض، وكيف يعيشون سوية وفي نفس الاجواء من حرية الممارسة، الشرفاء يمارسون الشرف والاخرين يمارسون ما يناقضه وبكامل الحرية والدليل ان هناك خطاب موجه اليهم. فالخطاب الموجه للعراقيين الشرفاء، هو في ان نفسه موجه للنقبض، لانه يشملهم بالنقيض حتما.

هنا من حقنا ان نسأل كيف يمكن لمثل هذا الخطاب ان يتواصل وان يوصل رسالته، كيف يمكنه ان يدرك ان الناس مصالح وليسوا الاة اخلاقية فقط. فالذي يحكم يحكم بحسب نظرته للامو، والنابعة من فهمه ومن مصالح القوى التي تدعمه. وما يجعل الناس تختلف هو بالحقيقة هي المصالح، فحتى الخائف ومعارض سرقة المال العام، دافعه الاساس ان ما تم سرقته هم جزء من حصته وليس القيم المجردة. ان القيم المجردة تبقى غطاء قانوني الذي يحرم اخذ او اختلاس ما لا تملك او ما لا حق لك فيه.

هذا الخطاب الذي يقسم المواطنين وبضمنهم السياسين الى اخيار واشرار، امناء ولصوص، وطنيين وعملاء، ادى الى تقاسم خيرات الوطن بين المتنفذين من كل طرف. والى وجود نوع من التواطء بين الحاكم والمعارض، لتوزيع الحصة حسب القدرة والامكان، وخروج المواطن خالي الوفاض منها. هذا الخطاب هو الذي قدم لنا نماذج غاية في الغرابة من السياسيين الذين يتحولون بين ليلة وضحاها من هذا الطرف الى الاخر، من لصوص وارهابيين الى وطنيين يكشفون اللصوص والارهابيين، في عملية كسب المواقع تجاوزا على كل متطلبات العدالة.

المطلوب ليس من السياسيين فقط، بل من وسائل الاعلام وكافة النشطاء اعادة صوغ الخطاب وتوضيح مقاصد الكل من اي مشكلة من خلال توضيح المصالح المتضاربة وكيفية الحوار حولها وتقريب المختلفين بعضهم من البعض من خلال مساومات سياسية واضحة وادراج كلمة المساومة السياسية في القاموس السياسي ككلمة ايجابية وليس سلبية. فالوطن هو بالنهاية ما يتفق ابناءه حوله، وما يحددونه من السياسات وليس كلمات اخلاقية، ولكن في النهاية نمارس نقيضها. ولو عدنا الى كلمة المساومة كمثال فانها تعتبر من الكلمات التي تنتقص من مكانة اي شخص، وهو اتهام سياسي يوجه الى الاخر، ولكن الحقيقة ان جلسات الحوار والنقاش حول البرامج والخطط ومبادئ الحكومة التي عليها وبمعاونة الاجهزة الاخرة ادارة شؤون الوطن، هو بالنهاية حوار حول توزيع الحصص اي المساومة على نسبة هذه الحصص، وكل حسب قدرته الانتخابية او عدد مؤيديه في مجلس النواب.

4 شباط 2015 ايلاف

نبش قبور الآشوريين

   تناقلت وسائل الاعلام صور ومعلومات عن قيام اشخاص بتحطيم شواهد ونبش قبور عائدة للاشوريين في كركوك.

الاشوريون ينتمون الى جنس البشر، وموطنهم الشرق الأوسط، مركز تواجدهم في العراق ولكن أراضيهم وقراهم امتدت الى ايران وتركيا وسوريا. والانتماء للجنس البشري ولهذه المنطقة، جعلهم يمارسون ممارسات متشابه مع بقية سكان المنطقة، ومنها ان يكون لموتاهم قبور وشواهد. و ينتمي الاشوريين في الغالب الى الطبقة الوسطى من المجتمع، هذا اذا كان يصح لنا ان نقول ببقاء طبقة وسطى في العراق الحالي. وبالتالي فان قبورهم تكون عادية ولا تكون بارزة ومحاطة بقبب او ما يشعر الناس بغنى صاحبها، كما ان القبورلا تحوي مجوهرات او مواد ثمينة، فهذه العادات لا يمارسها الاشوريين بمختلف طوائفهم. ومنذ سنوات طويله عممت كنيستهم تصميما بسيطا وغير مكلف ولا يثقل أهل المتوفي، لقبورهم، وقد التزمت الغالبية به الفقير او الغني.

قد يكون من فعل هذه الفعلة من الصبية ممن تاثر باراء محددة، وليست خلفهم أي توجهات او مخططات بعيدة المدى، غير اظهار الكره وعدم الاحترام المنقول من البيئة للاخر. وفي هذه الحالة المسألة يمكن تجاوزها، ولكن على الدولة ان تنتبه لما دفع هؤلاء الصبية لاقتراف هذا العمل الصبياني، وفي الغالب ان الانتباه يجب ان يكون من خلال تطبيق القانون وجعل القوانين صارمة اكثر وخصوصا في ما يتعلق بشرخ الوحدة الوطنية. ومن خلال التركيز على اعلام الناس ان العراق وإقليم كوردستان وكركوك هم جزء من هذا العالم ولايمكن ان يعيشوا منعزلين عنه. وان مثل هذه الممارسات تعطي صورة مشوه عن البلد وعن سكانه، وبالتالي سيتحمل البلد عقبات ما يمارس على ارضه ضد الاخرين، وعدم تقبله أبناء البلد ممن لا يؤمنون بدين الأكثرية.

ولكن ممارسات كثيرة وعديدة تمارس ضد أبناء الديانات الأخرى، توحي بان المسألة ممكن ان تكون ضمن الاستهداف المخطط، وليس عملا صبيانيا ابدا. وهذه الممارسات هي استهداف المندائيين وفرض الاسلمة عليهم وخصوصا في بعض البلدات مثل الفلوجة. والازيدية وقضيتهم باتت معروفة عالميا من خلال السبي وبيع الفتيات في سوق النخاسة والاعتداء الجنسي حتى على الأطفال. وقتل الكثير من الشباب والشيوخ والنسوة الكبار في العمر، وهو الامر الذي عانى منه أيضا المسيحيون، من استهدافهم كافراد او استهداف كنائسهم ومعابدهم ومدنهم وقراهم. بحيث ان مدينة مثل الموصل التي لم تخلى من المسيحيين منذ قدوم المسيحية الى هذه الاصقاع في القرن الأول الميلادي، باتت اليوم خالية منهم. من هنا نحن نعتقد، ان بعض الأطراف المتطرفة والتي تعمل بنفس نهج داعش، ولكن بصورة أخرى لوقوعها في ظل سلطة اقوى، وهي سلطة إقليم كوردستان، هي التي تقوم بهذه الاعمال مرسلة رسالة للمسيحيين بان وجودكم غير مرحب به.

ولكن قد يتبادر الى الذهن لماذا القبور وشواهدها. باعتقادي ان القبور وشواهدها هي شاهد محايد وذو مصداقية على وجود الانسان حامل هوية معينة على الأرض واستمراره فيها. ان من يخطط لمثل هذه الامر لا يريد ان يقلع المسيحيين من هذه الأرض فقط، بل يريد ان يزيل وجودهم من ذاكرة الأكثرية، من خلال محو كل اثارهم واهمها قبورهم. لان هذه الأكثرية ستقارن احوالهم وأسلوب عيشهم حينما كانوا مع المسيحيين والان. كما يقارن العراقيون حياتهم اليوم بما كانوا يعيشون فيه أيام كان اليهود في العراق.

المسيحييون الاشوريون، ليسوا أصحاب ارض فقط، بل هم رئة يتنفس الاخرون من خلالها الجديد الذي يحدث في العالم. سواء كانت اراء وأفكارا او أزياء او ماكولات او فنون، لقد كان المسيحيون دوما حلقة الوصل بين المجتمع العراقي والعالم الخارجي، وهذه رسالة يراها البعض خطرة على الأكثرية التي يريدونها على فكر وراي وزي واحد، وكلما تقاطعت مع العالم كان ذلك افضل.

قبل اشهر ليست ببعيدة قام المتعصبون وحملة الأفكار التكفيرية، بهدم حتى اثار البلد التي تظهر تقدمه ومدى تاثيره على الحضارة الإنسانية. كما في نمرود والحضر ودير مار بهنام ومتحف الموصل وغيرها من المناطق. ان هذا يبين مدى كرههم للحضارة والتقدم وكل ما يذكر الناس بضرورة التطور. لان التطور في عرفهم هو الخروج عن الدين، كما يعرفوه هم.

اذا، الدافع والقائم بهذه الفعلة، في عرف الأكثرية ونتيجة لما سبقها، ليس صبيا والعمل ليس صبيانيا، بل رسالة امكن ارسالها بهذه الطريقة، ولكن نتائجها تلتقي مع ما مارسته وتمارسه داعش.

لإثنين 28 ديسمبر 2015 ايلاف

 

متى سيحتفل العراقيون والسوريون براس السنة البابلية الآشورية – اكيتو؟

 

يحتفل الكلدان السريان الاشوريون، في الاول من نيسان ببدء السنة الجديدة حسب التقويم القومي لمنطقة بلاد النهرين، والذي كان القدماء من اهل بيت نهرين يسمونه احتفال اكيتو، وتقام له الاحتفالات في اكبر معابدهم في بابل ونينوى. لا زال من يحمل فخر الانتماء الى هذا الارث، يحتفلون به الى يومنا هذا، وينقلونه معهم اينما ارتحلوا وحلوا، فالاحتفالات تبتدأ من نيوزلاندا واستراليا وايران وروسيا وارمينيا وجورجيا والعراق وسوريا وتركيا ولبنان ويونان واوربا الوسطى وصولا الى الامريكيتين، وخصوصا الولايات المتحدة الامريكية وكندا. وهذه مناطق تواجد أبناء بلاد النهرين اوبيت نهرين بعضها استمر تواجده عليها الالاف السنين والبعض الاخر المئات واخرى اضطرته الهجرات وظروف القهر والتمييز العرقي والديني والحروب الداخلية وفرض قوانين لا تراعي ثقافتهم وانتماءهم عليهم، الى الهجرة اليها طلبا للامان، ولفترة راحة لعل تكون بداية جديدة لاشعال وهج حضارتهم التي نورت العالم وكانت بداية لكثير مما نشاهده ونتمتع به اليوم.

الغريب والمثير للأعجاب أيضا، ان الأقلية التي حملت مشعل استمرارية الانتماء الى الحضارة الاصلية لبيت نهرين. تتعرض من قبل اغلب الشعوب التي باتت اكثريات الى التمييز والانتقاص من حقوقها. لا بل التجاوز عليها وهظمها. بدلا من الفخر بها والعمل من اجل ترسيخ وجودها وتوفير الامان لها، لانها من تحمل ارث حملة مشعل الحضارة الانسانية. والاغرب ان أبناء المنطقة من الاكثريات اي منطقة بيت نهرين المقسمة، لا يحتفلون بهذا العيد الذي يرمز الى هذا الرابط بين انسان اليوم ومن بداء الخطوات الاولى في مسيرة التنوير الانساني. رغم كل مايقولوه عن انهم ورثة بناة الحضارة الانسانية.

ان راس السنة الكوردية، النوروز يكاد ان يكون الاستثناء من هذا، لانه بالحقيقة يتطابق مع الاحتفالات الاصلية لما كان يقام في نينوى وبابل، فنيسانو او نيسان الاشوري والبابلي حينذاك كان يبتدأ مع انتهاء الاحتفالات او في اليوم الاخير من الاحتفالات والتي كانت تستمر اثنا عشر يوما. عدا اضافة طقوس النار وغيرها اليه وهذا مفهوم لطول الفترة الزمنية التي لا يزال يحتفل بها، فحتما تتم إضافات اخرى وحسب المنطقة والمعتقد السائد. ولان السنة البابلية الاشورية كانت سنة قمرية شمسية، فكانت الايام الاحد عشر التي هي الفرق بين السنة القمرة والشمسية، لا تعتبر شهرا. ولا تضاف الى ايام السنة بل، تقضى في احتفالات مستمرة وكل يوم على مستوى معين، وكان الجميع يتشارك فيها من العائلة المالكة وابناء الشعب ككل. الا ان ما يثير في النوروز انه صار مرتبطا اكثر بالشعوب ذات الاصول الارية او التي تمتد من افغانستان شرقا مرورا بايران ومناطق الكورد المختلفة. وكاد ان يكون عيدا قوميا للكورد والفرس بالاخص. كما انه من الملاحظ ان الاخوة الازيدية يحتفلون براس السنة الخاص بهم والذي يتوافق مع هذا الاحتفال، الا انهم لا زالوا يرتبطون بالتقويم اليولياني القديم والذي يتخلف ثلاثة عشر يوما عن التقويم الكريكوري المعمول به في المنطقة. وتختلط الاحتفالات القومية بالدينية وخصوصا بالرموز والمأكل وخصوصا مسألة البيض الملون الذي يستعمله الكلدان السريان الاشوريون فقط في عيد قيامة السيد المسيح فيما يستعمله الاخوة الازيدية ايضا في سري صال، او راس السنة.

تكاد الغالبية العربية في المنطقة، هي الوحيدة التي تتغيب عن الاحتفال الحقيقي بهذا الموروث الوطني لبيت نهرين، وكانها ترفض ادعاءها بانها وريثة حملة مشعل الحضارة الانسانية، من خلال رفضها المشاركة في هذه المناسبة الاكثر وطنية باعتبار الوطن هو الأرض وليس فقط الدولة، هذه الارض التي تضم العراق وسوريا واجزاء من تركيا وايران. ان عدم احتفال العرب او حتى الدول العربية التي قامت في المنطقة بهذا العيد، يعني ان هذه الدول، ابتعدت حقيقة عن منبع وجودها واتجهت نحو مصدر اخر لاثبات شرعيتها، والذي كان الدين بالاساس وليس الاستمرارية الانسانية وما انتجته هذه الاستمرارية. ودليلنا ان الدول القائمة وان اولت جزء من الاهتمام الضئيل الى التاريخ القديم، وخصوصا سومر وبابل ونينوى، وفي سوريا الدويلات الارامية. الا ان هذه الدول تجاهلت الانتاج الانساني في المنطقة، رغم رقيه وتقدمه، مثل الكتب والشعراء والادباء والجامعات العلمية التي اقيمت في القرون السبعة الاولى للمسيحية. وكان هذا الانتاج من الرقي انه كان الاساس التي استمدت بغداد ودمشق وحتى الاندلس الكثير منه لكي تعيد اصداره الى اوربا.

ان هذا التجاهل للاحتفال بعيد اكيتو، رغم قيام حكومات عراقية باحتفالات خجولة بعض السنوا بعيد الربيع، يهد اسس الارتباط التاريخي بين الانسان وما سبقه. مما يجعله يعتقد او يؤمن وان كان غير معلن، ان كل ماهو غير اسلامي، هو غريب عن المنطقة. في الوقت ان التواجد الازيدي والمسيحي واستمرارية تواجد الكلدان السريان الاشوريون، هو اصل المنطقة، وهو من يحافظ على الروابط الاكثر قربا لما كان يقام قبل اكثر من الفان او ثلاثة الاف سنة من الان. لا بل ان هذا التجاهل، يراد منه وان كان بلا وعي تجريد ابناء المنطقة من كل روابطهم الحقيقية بالارض وبماضيهم، لصالح ارتباطهم بثقافة او قيم مستوردة من البداوة. وفيما يمكن ملاحظة ان المسيحية، لم تلغي ارتباط الانسان بماضية، وبثافته السابقة، من خلال تبني الكثير من الاعياد والاحتفالات السابقة واعطاءها بعدا مسيحيا، فان الاسلام حاول تجريد او محو اي اثر للماضي الخاص بابناء المنطقة لصالح، ما قيل انه كان يقام في سوق عكاظ.

يتوافق بدء الاحتفال بعيد راس السنة البابلية الاشورية، مع بدء الربيع في المنطقة، وهو يدل على تجدد الحياة وبدء دورة النشاط والعمل. وخصوصا ان العمل في الغالب حينها كان مرتبطا بالزراعة. فاذا كان راس السنة البابلية الاشورية مرتبطا بالدورة الجديدة للحياة، فان المسيحية استوحت ذلك حقا من خلال ان قيامة السيد المسيح التي تتوافق مع الربيع وتتوافق مع المعنى الرمزي للحياة الجدية، وقتل كاوا الحداد للملك الشرير الضحاك، وبدء الحياة الجديدة الخالية من الظلم. وهكذا في سري صال الازيدي. ان المطلوب الان ليس ازالة او محو الارتباط التاريخي لأبناء المنطقة مع ما استجد من الروابط التي قامت بالاساس على الدين ومن ثم بعد شيوع العربية واسلمة المنطقة صار ارتباط قوميا ايضا. بل الاهتمام الاهم بربط ابناء الوطن مع ماضيهم بكل ابعاده وبمختلف روافده، لكي يتصالح المواطن مع ماضية ومع اخوته في الوطن ممن لا يحملون نفس تفاصيل هويته الدينية او القومية. ولكنهم بالتاكيد يحملون الكثير مما الروابط المبنية على تاريخ طويل من الحياة المشتركة.

30 اذار 2017

من ينقذ الاثار الاشورية من العابثين بالتاريخ؟

نشر الدكتور عبد اللطيف الهميم  رئيس ديوان الوقف السني وعلى موقعه في الفيس بوك، خبر يقول (الدكتور الهميم يضع الحجر الاساس لاعادة بناء جامع ومرقد النبي يونس، مضيفا  ان جامع ومرقد النبي يونس يمثل تاريخ نينوى والعراق وسوف يشهد هذا العام اعادة بنائه. وقال انه مهتم في انجاز هذا الجامع واعادة بنائة وبالطريقة نفسها التي كان عليها سابقا، وبالتعاون مع دائرة الاثار، لانه يمثل تاريخ نينوى والعراق.)

شاع في نهاية سبعينيات القرن الماضي، عن قيام شركة امريكية بتقديم طلب الى العراق، يتضمن قيامها بنقل جامع النبي يونس من مكانه الحالي الى اي مكان يتم اختياره وبصورته التي كان فيها ودون اي تغيير. وان تقوم الشركة بالكشف والتنقيب في قصر الملك الاشوري اسرحدون، مقابل ان تحتفظ الشركة بالقطع المتكررة من اللقي والاثار التي ستكتشف. الا ان المقترح جوبه حينها باعتراض واسع من قبل الشخصيات السنية في الموصل. ولمن لا يعرف عن جامع النبي يونس، فهو مبني على تله، تكونت على خرائب قصر اسرحدون، بعد قرون من سقوط نينوى، وقد بني عليها معبد للنار، وبعد دخول المسيحية تحول المعبد الى دير تابع للكنيسة الشرقية. ويقال ان المرقد او ما يشاع انه مرقد النبي يونس ما هو الا مرقد احد مطارنة الكنيسة الشرقية. حيث جرت العادة ان تكون الكنائس والاديرة مكان دفنهم. وبعد الاحتلال الاسلامي، تم بناء مسجد ومقبرة اسلامية الى جانب الدير ومن ثم تدريجيا تم الاستيلاء على الدير. وفي القرن الرابع الهجري يتحول المسجد الى مسجد النبي يونس بعد ان جددته جميلة ابنة ناصر الدين الحمداني واوقفت عليه اوقاف كبيرة.

لا اعتراض على ان جامع النبي يونس قد تكون تكونت له قدسية، بمرور الزمن وبفعل المرويات، ولا اعتراض على اعادة بنائه. ولكن هل من الضروري ان يكون البناء فوق قصر اسرحدون، وخصوصا ان اثار القصر قد بدأت بالظهور؟ وهل ان جامع النبي يونس يمثل تاريخ العراق ونينوى، ولكن قصر واحد من الملوك المشهورين للامبراطورية الاشورية، وبما يضيفه اكتشافه وعرضه، من سمعة دولية وثقافية ودعوة لتنشيط السياحة وتشغيل ايدي عاملة تعتمد على هذا الاكتشاف المذهل، لا يمثل تاريخ نينوى والعراق؟ انه السؤال الذي يفرض نفسه،وخصوصا، ان الناس بحاجة الى السكن والعمل وهناك كفاية من الجوامع ودور العبادة. ففي كل انحاء العالم، تاتي المتطلبات بحسب الاهمية، وبالاخص ان تمكنا من اتمام احد المتطلبات في طرق او امكنة اخرى.

تقول المادة 113 من الدستور العراقي ))تعد الاثار والمواقع الاثرية والبنى التراثية والمخطوطات والمسكوكات من الثروات الوطنية التي هي من اختصاص السلطات الاتحادية وتدار بالتعاون مع الاقاليم والمحافظات وينضم ذلك بقانون.)) سؤالنا للسلطات التي تحمي الدستور، هل تم مفاتحتكم بالامر؟ ام انه وضع الجميع امام الامر الواقع، في اعادة وتكرار لما حدث في التاريخ، من انه لا يمكن ان يمس بناء تحول الى جامع.

يلاحظ في موقع الدكتور الهميم ان اغلب المعلقين، معترضين على عملية وضع حجر الاساس، باعتبار ان توفير المسكن والماوى ولقمة الخبز افضل ولها الاولية. اي ان الناس العادية اكثر وعيا بمتطلباتها من ما يقوم به الدكتور الهميم المنطلق من فرض امر واقع، خوفا من ظهور الاصول الحقيقة للجامع وما تحته. لان ذلك سيفتح عيون الناس الى ماضيها الحقيقي، ماضيها المنتج للثقافة والعلم، وليس الماضي المبني على السيف.

بالرغم من ان العراق هو من البلدان المؤسسة للحضارة الانسانية، واراضيه خصبة، بالمواقع الاثارية التي يمكن ان تجذب افواج من السواح، لو توفرت الاجواء الاجتماعية والسياسية المساعدة. الا انه لم يحضى بحضور سياحي على الخارطة العالمية، خصوصا السياحة الثقافية، بفعل مسك البلد من قبل سلطات دكتاتورية كانت تخاف من كل غريب، لاعتقادها ان الغريب قد يثير اسئلة لا تريد ان تثار. ان السياحة في الكثير من بلدان العالم تضخ في ميزانياتها المبالغ الطائلة، و انها تشعل ايدي عاملة كثيرة. ولكن في بلدانا، مع الاسف، يتم طمر الاثار لاجل اعادة بناء جامع، يمكن ان يبنى على بعد كلومتر واحد او اقل.

من هنا ندعوة للحكومة العراقية، والجهات المختصة بالاثار وثقافة البلد، لكي تقوم بمهامها في الكشف عن اثارنا واساس حضارتنا، وفتح الابواب لتطوير السياحة الثقافية، باعادة ابراز اثارنا ومنح حق التنقيب لشركات كبرى. مع الاهتمام بالبنية التحتية لتطور السياحة، مثل طرق المواصلات، المطارات، والوضع الاجتماعي، وتدريب كوادر متمكنة لغويا وثقافيا للتعامل مع الاخر. وعدم ترك هذه المواقع لكي يتلاعب بها البعض ممن همهم الاساسي هو فرض العقائد.

20 اذار 2017

عصائب اهل الحق تقرر.. والكثير من الشيعة يؤيد

 

قالت انباء من مصادر مختلفة ان عصائب اهل الحق، قررت منع اي كوردي بدون كفيل من دخول بغداد، وحكما المناطق الجنوبية الاخرى لانه يجب ان يمر ببغداد. وعلى مواقع الاتصال الاجتماعي تشتعل اليوم معركة بين مؤيدي القرار ومعارضيه. وشعار المؤيدين العين بالعين والسن بالسن، في رد فعل على قيام حكومة اقليم كوردستان الطلب من بعض العرب، الذين يريدون الاقامة في الاقليم توفير كفيل لمنحه هذه الاقامة. بالطبع الطلب قد لا يكون دستوريا وهو بالتاكيد ليس ضد العرب كقومية او كيان. ولكنه قرار امني لحماية امن سكان الاقليم ومنع دخول الارهابيين والقيام بعملياتهم هناك. والمراقب سيدرك حتما ان القرار اتى بايجابيات كثيرة للمنطقة حيث تكاد ان تنعدم العمليات الانتحارية والارهابية بمختلف اوجهها. على رغم تواجد بعض الاطراف الكوردية المتاثرة بخطاب الارهابيين النابذ لكل من لا يؤمن بما يؤمنون وبالاخص من الاطراف السنية.

بالطبع لا تكاد اي منطقة من مناطق الاقليم تخلوا من من تواجد العرب وخصوصا ان الحدود فتحت بعد تهجيير الالاف العوائل من نينوى وكركوك والانبار (والحدود مفتحوة اصلا الا من من حوله بعض الشكوك). الا ان الملاحظ ان المدافعين عن القرار، اعني قرار قيام عصبة عصائب الحق الغير الدستورية والتي ليس لها اي موقع امني او حتى سياسي في هيكلية اجهزة الدولة العراقية، يكادون ان يكونوا من الاخوة الشيعة ومن اهل الجنوب بحجة الرد على التمييز الذي يعاني منه العرب في الاقليم.

قرار الاقليم اتخذ من سلطة دستورية وجدت قبل الاجتياح الامريكي للعراق وقبل سقوط النظام البعثي السابق، والاقليم كان مأوى لمئات الالاف من المعارضين الشيعة والسنة لسنوات طويلة، ولكن متطلبات الامن لها ضرورتها وعلى السلطات المختصة ان تتخذ ما تراه الانسب لحصر الخسائر وان كان القرار تشوبه شكوك بانه غير دستور، ولكنه ضروري ضرورة ملحة واتى بثمار جيدة. في المقابل ان ما اتخذ في بغداد هو قرار من مجموعة مسلحة ليس لها اي صفة دستورية او تمثيلية ولم يستند الا على رد الفعل. وبالعكس فالقرار ينفذ غصبا عن الحكومة العراقية الاتحادية، ويمكن ان تتطور ردود الفعل الى مقطاعة ممثلي الاقليم لاجتماعات الحكومة العراقية وبالتالي شل كل اجتماع وعدم دستورية اي قرار. ليس هذا فقط، ففي حين ان قرار حكومة الاقليم مبرر والكثير من القادة العراقيين يتفهمونه، لكن قرار عصائب الحق يرسل رسائل بالغة السؤ عن المسؤول عن القرار الامني في العراق وعن رغبة الشيعة في وحدة العراق اصلا. ادناه صورة من احصائية عن الانتحاريين ممن قتلوا الشيعة وغير مشمول بهم من قتل السنة وهي التالية

(( 13 تشرين الأول 2013: بغداد قالت إحصائية أمنية عراقية تتعلق بالانتحاريين الذين فجروا أنفسهم في الأماكن الشيعية العراقية، منذ أن بدأ استهداف العراقيين مذهبيا قبل نحو عشرة أعوام، أي منذ ما بعد الغزو الأميركي بقليل، إن الفلسطينيين الذين فجروا أنفسهم في عمليات انتحارية احتلوا رأس القائمة بعدد إجمالي قدره 1201 انتحاري فلسطيني، تلاهم الإرهابيون السعوديون الذين بلغ عددهم حوالي 300، ثم اليمنيون بعدد إجمالي قدره 246، ثم السوريون الذين بلغ عددهم 197، ثم التونيسون الذين بلغ عدهم 44 انتحاريا، فالمصريون الذين قدموا على “مذبح الحرية” 88 إرهابيا، فالليبيون الذين ساهموا في المذبحة المفتوحة بـ41 مجرما. وجاءت الإمارات العربية وقطر والبحرين في المؤخرة، حيث ساهمت مجتمعة بأقل من 20 انتحاريا! ويتفاوت عدد الضحايا الذين سقطوا جراء هذه العمليات الانتحارية من منظمة وجهة أمنية إلى أخرى. فبينما قالت منظمةIraq Body count البريطانية في تقرير أصدرته اليوم إن العدد يترواح ما بين 112 ـ 122 ألفا من المدنيين، قالت وكالة اشوشييتد برس إن عدد القتلى بلغ حتى أبريل/ نيسان 2009، أي خلال ست سنوات فقط، 110 آلاف شخص، فيما قدرت مجلة “لانسيت” الطبية في دراسة أصدرتها عام 2006 عدد العراقيين الذين قضوا جراء الحرب خلال ثلاث سنوات بأكثر من 600 ألف. أما التوزع المذهبي للضحايا فيشير إلى أن 93 بالمئة منهم من “الشيعة”، بينما يتوزع الضحايا الآخرون على باقي الطوائف والقوميات. يعمد الإرهابيون الوهابيون إلى تقجير أنفسهم في الحسينيات ومجالس العزاء والمساجد والأسواق والشوارع المزدحمة في المناطق ذات الكثافة السكانية “الشيعية”. ومن المعلوم أن جميع التفجيرات قام بها عناصر”القاعدة” في العراق، الذين بدأوا بتنظيم صغير نسبيا (التوحيد والجهاد) أسسه الفلسطيني “أبو مصعب الزرقاوي”(أحمد الخلايلة)، قبل أن يصبح اسمه”قاعدة الجهاد في بلاد الرافدين”، لينتهي بتنظيم”دولة العراق والشام”(داعش) الذي بات يبسط إجرامه على العراق وسوريا ولبنان معا، أي منطقة”الهلال الخصيب” بكاملها)).

لمن يريد ان يزيد النار اشتعالا بحجة الدفاع عن العرب والعروبة واخذ ثائرهما من الكورد واقليم كوردستان، اقول هذه هي هدايا العرب  لكم.  ولكن كم كوردي او من اهل الاقليم ممول او مدعوم من اقليم او الاحزاب العاملية فيه قام بعمليات ارهابية ضدكم ايها الاخوة الشيعة؟ انها بدعة جديدة يدفعونكم اليها لاستمرا نار الخلافات والصراعات في العراق بحجج مختلفة وانكم بقدميكم تسيرون اليها. والظاهر ان ذاكرتكم كانت دوما قصيرة وتنسون ما يجري لكم على ايدى اخوتكم. السؤال الذي يطرح نفسه وهو اذا كنتم انتم مستعدون لتقديم المزيد من الضحايا الابريا او ضحايا العمليات التفجيرية والارهابية واذا كنتم تعتقدون ان مثل هذه الممارسات تقربكم من زمن ظهور الامام المهدي، ولذا فانكم لا تهتمون بمقدار الضحايا التي تقدمونها لاجل هدفكم السامي، اقول ان الاخرين ليسوا مضطرين لمجاراتكم في اعتقاداتكم ولهم كل الحق في الحفاظ على امنهم وامانهم بغض النظر عن اعتقادكم اليس كذلك؟.

21 يناير 2015 ايلاف

 

تلميحات غير سليمة حول الايزيدية والمسيحيين

في حوار قال احدهم ان بعض الازيدية صاروا يعتنقون المسيحية بعد ما مارسته داعش بحقهم، فقلت انها خسارة للانسانية وللعراق.

الحقيقة انا من المؤمنين بحق التبشير، لانه يعبر اصدق تعبير عن عمق الايمان، ولكن التبشير يكون بطرح الرؤى والاراء. وقد يحتوى على ما يفند الاديان او المعتقدات الاخرى، وقد قامت في التاريخ البشري حركات واديان باستعمال سبل بشعة وكريه لفرض العقيدة او المعتقد او الدين على الاخرين. مثل تخييرهم بين الموت او الانتماء او التجويع او السبي او الاسر او فرض ضرائب باهضة بحقهم تجبرهم على التخلي عن ما يؤمنون به لاجل التخلص من ما يفرض عليهم.

لقد تطور العالم وتطورت المفاهيم، وبات استعمال القوة والترغيب او الوعيد لفرض عقيدة ما امرا مكروها ومرذولا، وبات من يستعمل هذه الاساليب يوصم بالتوحش. الا ان التناقض الذي يقع فيه البعض هو كون اغلب المنظمات الانسانية، والتي تهرع لمساعدة المنكوبين في الاصل منظمات دينية. ورغم ان تجاربنا ومشاهداتنا عن هذه المنظمات تؤيد انها تبقي محايدة في الغالب ولا تحاول استعمال المساعدات كاغراء لجذب الناس للانتماء الديني. لانه بات مدركا ان من يغيير عقيدته لاجل لقمة عيش او لوضع اكثر رفاهية. سيقوم بتغيير ما اتخذه لو تم اغراءه بما يزيد عن ما هو متوفر له.

هناك امور لم يتم توضيحها في ما ذهبت اليه السيدة فيان دخيل، عضو مجلس النواب العراقي. والتي اتهمت بعض المنظمات باستغلال المساعدات للتبشير بين الازيدية بالدين المسيحي. وهي هل انه يتم قطع المساعدة عن من لا يستسلم لهم؟ او يكون هناك تمييزا بين من يعتنق او من يرفض؟ او ان ما تقوم به هذه المنظمات هو مجرد دعوات عامة او خاصة لاعتناق المسيحية، مع بقاء هذه الدعوات ضمن نطاق العادي اي كونها لا تترافق مع اي تهديد من اي نوع.  كان تكون دعوات لحضور محاضرات او قراءة بعض الكتب مع ترك الانسان حرا في الحضور او القراءة او لا.

من خلال التجارب التي تمتلكها تلك المنظمات، باعتقادي انها لا يمكن ان تفرض معتقدها وباي وسيلة على احد، فهذه المنظمات هي نتيجة المجتمع الاوربي العلماني التي تؤمن بحرية العقيدة، وان كنت مخطأ فنرجو ممن لديه ما يثبت خطأي ان ياتينا بادلة تثبت ذلك، وسنكون اول من سيرجم هذه المنظمات لفعلتها الشنعاء.

قد لا يفهم الكثيرين مخاوف الازيدية. فالازيدية ليست ديانة فقط، بل تكاد ان تكون هوية دينقومية للازيدية، نتيجة لمعايشتهم في محيط عدائي اقترف بحقهم اكثر من سبعون مذبحة خلال مائتي سنة الاخيرة. ورغم ان اغلبهم يقول بكورديته، الا انه تبقى الازيدية او الهوية الازيدية ملجاء وهوية خاصة. تدفعهم في احيان كثيرة للتماييز عن الكورد المسلمين حتى قوميا. وان انسخلاخ الازيدي عن ديانته يعني خروجه عن المكون كليا. واذا علمنا ايضا ان الازيدية هي ديانة يتوارثها الابناء عن الاباء وليست ديانة تبشيرية. لادركنا حقا مخاوف الازيدية من التبشير فيهم باي دين. وقد يكون المسيحيين الاشوريين جيرانهم الاقرب اليهم من ناحية المخاوف هذه. ورغم ان الاشوريين يفصلون بين انتماءهم الديني والقومي بشكل واضح نظريا، الا انهم في الواقع لا يتمكنون من فعل ذلك ايضا بشكل فعلي. فكل اشوري منهم يخرج عن انتماءه المسيحي بكاد ان يفقد انتماءه الاشوري القومي ايضا بسبب عدم ترحيب الاشوريين به ضمنهم.

الدين واي دين، يتطور وينتشر بالتبشير به. وليس  فق\ بفعل الولادات، لانه بقدر ما يكتسب يفقد بفعل الموت والتخلي الاخرين عنه لقناعات جديدة. ومن هنا فمعضلة الازيدية هي في الخيار ان يكون دينا تبشيريا، ويوسع قاعدته الايمانية او ان يبقى دينا منغلقا على عدد محدود من الاتباع والذين في الغالب تربطهم علاقات اسرية.

من الواضح ان الديانة الازيدية امام معضلة، فعليها الخيار والا فانها مهددة حقا، وخصوصا في المهاجر حيث لا وجود لمجتمعات ازيدية كبيرة تحتضن الناس. ولكن قبل الاقدام على الخيار الاكثر عصرية وهو قبول دخول الاخرين الى الدين الازيدي،على الازيدية ان يقوموا باعادة صياغة ونشر وتفسير عصري لكتبهم الدينية وكتابة وتفسير الشعائر الدينية، لكي لا تبقى امام اجتهادات مختلفة واغلبها يثير تساؤلات اكثر او يثير الشكوك. هذا ناهيك عن ادخال تعديلات تطال بنية المجتمع الازيدي المبني على نوع من الطبقية الدينية، وجعله مجتمعا مفتوحا يمكن لاي شخص فيه الارتقاء في المناصب الدينية وعدم ابقاءها حكرا على التوارث. وهذا يتطلب انشاء بعض المدارس الدينية التي تلقن رجال الدين ، الدين على صحيحة وتفسيرات للاسئلة وطرق اداء الشعائر. ولتقريب التجربة هذه نقول ان كنيسة المشرق الاشورية كانت ومنذ القرن الرابع عشر وبعد المذابح التي اقترفها المغول والامارات التركمانية الاخرى، قرار بان تكون المناصب الدينية بالتوارث، حيث تقوم كل عائلة رجل دين وخصوصا الاساقفة والمطارنة والبطريرك، بتربية ابن اخ رجل الدين تربية دينية ويخضع للتعليم الديني، ليرث منصب عمه عند الوفاة، ولكنها تمكنت التخلي عنه منذ السبعينيات القرن الماضي. ومن هنا باعتقادنا ان ادخال مثل هذه التحديثات سيقوي المجتمع الازيدي ويجعل الديانية خاضعة لمجلس من شخصيات مثقفة تعيش عصرها، وتتمكن من الدفاع عن معتقدها امام هجمات او تشكيكات الاديان الاخرى او انتشار الالحاد.

ان الهجوم الذي استشعرته على المسيحيين من خلال كلام السيدة دخيل او من خلال الناطق باسم الوقف الازيدي في اقليم كوردستان، باعتقادي غير مبرر وغير صحيح. فالتهديد المبطن بان العلاقة الازيدة المسيحية يمكن ان تتاثر، يطال مسيحي العراق حتما وليس المنظمات التبشيرية او الكنائس التي تدعمها. ودليلنا ان السيدة النائب والناطق ذكرى بالعلاقة الجيدة في الماضي بين الطرفين. ومن هنا يجب ان نطرح تساؤل مشروع ان كان ما قالته السيدة فيان دخيل والناطق باسم الوقف الازيدي، له بعد اخر سياسي، لاشغال الازيدية والاشوريون المسيحيين بمشاكل ثانوية؟ كما ان من حقنا ان نتسأل يا ترى هل كان منطلق التصريحات حقا مخاوف حقيقية ومستند الى حقائق دامغة، ام ان خلفه نوع من الاستقواء بدفع من جهات اخرى.

المسيحيية كديانة تبشيرية تقوم بما هو واجبها، ورغم ايماني الشخصي ان المسيحيين لا يحتاجون للمزيد على كوكب الارض، ففيهم كفاية لكل الامور الجيدة والسيئة بعددهم الذي يفوق المليارين من الناس. الا ان المسيحي العقائدي لن يتنازل عن واجبه في التبشير بما يعتنقه. ولكن المهم ان يكون ضمن اطر المتفق عليها، اي بالحوار والنقاش وليس باستعمال الضغوط والوعيد والترهيب. وبالمقابل على الازيدي ان يقوي موقفه، وان لا يكون في مهب ريح كل من يأتي ويقتلعه من جذوره. اي الثقة بالنفس والانتماء، وشخصيا لا اشكك في ذلك، وخصوصا بعد ان هب الازيدية للدفاع عن انفسهم وبقوة ورغم قلة الدعم. ولكن كلام المصرح به، هكذا يوحي.

بالنسبة لي كاشوري وعراقي ارى ان ضياع الازيدية من العراق يعني ان هناك عراقا اخر، عراق قاحل لا يتقبل ابناءه الاصلاء، عراق يسير رويدا رويدا نحو هاوية الانغلاق. ولكي لانخسر مكونا يشكل ثراء للعراق، ارى بان اول الامور الواجب الاخذ بها هو الاصلاح الداخلي، ففي الماضي كان مستحيلا اجراء مثل هذا الامر، لان المخاوف كانت كثيرة، ولكن اليوم باعتقادي ان الازيدية كديانة مطالبة بان تطرح نفسها للعالم كرسالة لا تخاف ولا ترتعد امام الاديان الأخرى.

21 حزيران 2015 ايلاف

 

جمهورية العراق الاسلامية

 يجد المرء صعوبة في تفسير الكثير من الظواهر التي تحيط به، ولعل ظاهرة الخفية او القول علنا شيء وما يبطنه المرء شيء اخر، من الظواهر التي تستحق الدراسة والتحليل للخروج باستنتاجات او حلول لهذه الظاهرة المرضية. من الطبيعي ان يقول الانسان أشياء لا يقتنع بها، لانه يخاف ولكن ان يقولها وكانها ايمانه الشخصي وانه يعاني من ما يعاكسها فهو امر مخجل ومعيب وخصوصا لو تمكن القائل من ان يكون في موقع القوة.

اغلب السياسيين العراقيين ومن مختلف الاطياف، عانوا من بطش النظام البعثي الصدامي، ولكن مع الأسف ان ممارساتهم تكاد تمنح ورقة البراءة لهذا النظام. وغالبية الساسة في العراق بعد زوال صدام، من التيارات الدينية، ولكن لم يحدث في تاريخ العراق سرقات واستغلال وتجاوزات كالتي تحدث الان. ولاجل ذلك راجت بين العراقيين نكتة تقول سئلت امراة عجوز عن رايها بالنظام السابق أي نظام صدام، فقالت يمة النظام السابق، قتل أولادنا، وهجرنا، وجوعنا، الله لا يرحمه، وسئلت عن النظام الحالي فقالت يمة النظام الحالي بيض وجه النظام السابق.

في بداية السبعينيات من القرن الماضي تم إضافة فقرة الى قانون الاسرة، وما يسمي الان البطاقة العائلية، ينص على (ان الأبناء في الاسرة يتبعون ديانة احد الوالدين ان اسلم) ولقد عانت اسر كثيرة من هذه الفقرة الظالمة، وخصوصا ان الكثيرين لم يعلموا بها، فالغالبية من الأطفال تبقى مع الاب او الام الباقي على ديانته السابقة. لان الذي يغير ديانته ينعزل عن مجتمعه وفي الغالب يعملها ليس ايمانا بل هربا من تبعات اجتماعية معينة مثل عدم القدرة على الطلاق. وفجاءة حينما يريد الأبناء دخول المدارس وبعضهم بعد البلوغ وجراء الحاجة لبعض المعاملات، يجد نفسه مسلما دون علمه، لان والده او والدته قد اسلمت قبل سنوات وهو قد لا يتذكرهم في الغالب.

طالب النواب الممثلون للكلدان السريان الاشوريين، بإضافة فقرة الى هذه المادة ومنح الأطفال حق تقرير انتماءهم الديني خلال سنة من بلوغهم السن القانونية، وليس الغاءها كليا، الا ان البرلمان العراقي، لم يقبل، حتى هذا التغيير المتوافق مع ميثاق حقوق الانسان. رغم المعاناة التي يعيشها الكثيرين وبعضهم اضطر للهجرة لكي لا يفرض عليه دين لم يختاره.

في اللقاءات والحوارات التي أقامها السياسيون من أبناء شعبنا مع السياسيين من العرب والكورد. كانت الغالبية تقر بحقوق شعبنا وحقوق الطوائف الأخرى. وكانت تقول ان باقة الورد لا تكتمل الا بكل مكونات العراق, وكان السياسيون العراقييون الحاليين حينما كانوا لاجئين، يتباكون على الحريات المفقودة في العراق، ومنها الحريات الدينية. اريد ان اعرف فقط اين صار هذا التباكي، الا يعتبر هذا الامر والاستمرار فيه ممارسة قبيحة وغير أخلاقية في زمن الحريات الدينية؟

وهل وصل الامر بالنواب العراقيين انهم يفرضون عقيدتهم بالقوة وبالقانون الغاشم على الاخرين؟ وهل الشريعة يجب ان تفرض بالقوة؟ واذا كانت كذلك لماذا لم يفرضها رب العالمين بنفسه؟ ولماذا يحتاج هذا الرب الى البشر لكي يفرضوا شرائعه على الناس؟ الا يدل هذا على ان هذا الرب قاصر وغير قادر؟ ومن جانب اخر اليس هذا مخالف ومعارض لما ورد في ايات من القران، (لا اكراه في الدين، قد تبين الرشد من الغي، البقرة 256، وقل الحق من ربكم فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر الكهف 29. ولو شاء ربك لآمن من في الأرض كلهم جميعا أفأنت تكره الناس حتى يكونوا مؤمنين” (يونس: 99).- “… فمن اهتدى فإنما يهتدي لنفسه ومن ضل فإنما يضل عليها وما أنا عليكم بوكيل” (يونس: 108).

ان ما مارسه مجلس نواب العراقي، يعتبر استهتارا بكل القيم والاتفاقيات والعهود التي وقعها العراق، والتي تلزمة باحترام حقوق الانسان وحق العقيدة وممارسة الشعائر الدينية. ان امام نوابنا الان طرق أخرى ليسلكوها في فرض الغاء القوانين الجائرة وهي الزام العراق امام المنظمات الدولية واولها المنظمات الإنسانية ومنظمات التابعة للأمم المتحدة والاتحادات البرلمانية الدولية والإقليمية، بالالتزام بالحريات الأساسية والمنصوص عليها في المواثيق الدولية.

بالأمس كانت هجمة داعش على أبناء شعبنا ومحاولته اخذ الجزية منهم او فرض الإسلام عليهم. ولم يتركهم الا بعد ان سلب منهم كل ما يملكون وحتى اوراقهم الثبوتية. وكانت الهجمة على الازيدية وما تبعها. سؤال بسيط للسادة النواب بماذا يختلف موقفكم عن الدواعش؟ الا تثبتون كل مرة من انكم كلكم دواعش؟ وان داعش خير ممثل للاسلام، على الأقل الذي وصلنا الان. مرة أخرى، ندعوا منظمات شعبنا الى التحرك لعرض ملف العراق والاضطهادات المقوننة التي يتعرض لها أبناء الأقليات، وفرض العقوبات عليه، ما لم يتم معالجة الامر ويمنح كامل الحقوق لجميع الأقليات وبالتساوي مع الاخرين.

29 تشرين الأول 2015 ايلاف

 

هل رحل حلم الدولة المدنية، برحيل الجلبي؟

 

 

يقول البعض، إن أحمد عبد الهادي الجلبي هو من اقنع الامريكان بغزو العراق، ويؤمن الكثيرين بهذه المقولة، من المؤيدين والمعارضين له. المؤيدين الذين تركوه، وانظموا فيما بعد الى الأحزاب الدينية وما تمنحهه من الحصص والمواقع والمزايا، والمعارضين ممن يلعنوه ليل نهار باعتباره سبب ضياع الامتيازات التي فقدوها، والطرفان يبكون كما يقول المثل العراقي على الهريسة وليس على الحسين (العراق).

بالطبع في الاعتقاد أعلاه مبالغة كبيرة جدا، فدولة عظمى مثل الولايات المتحدة، لا يمكن ان يخدعها شخص ما او يورطها شخص ما في اتخاذ خطوات لا صغيرة ولا كبيرة بكبر ما حدث في العراق. لان كل خطواتها تخضع للدراسات المتعددة واضعين نصب اعينهم تاثيرات الخطوة لسنوات طويلة وقدرة بلدهم لتحمل النتائج السلبية لحين قطف الإيجابية. فما قاله جورج بوش الابن هو قرار استراتيجي أي الفوضى الخلاقة، انه قرار استراتيجي للولايات المتحدة الامريكية وليس لجورج بوش، وقد تمكنت الولايات المتحدة الامريكية من سحب اقدام الدول الاوربية والاتحاد الروسي وحتى الصين واليابان نحو الانخراط فيه بصورة من الصور.

الصحيح ان المرحوم احمد جلبي تمكن عراقيا من خلق مظلة واسعة لتأييد الخطوة. ضمت هذه المظلة أحزابا وتيارات مختلفة ومتعددة. وهذا انجاز كبير يحسب له وليس عليه، وهو انجاز كان من المستحيل عراقيا توفيره لولا قدراته وديناميكية الرجل. فالعراقيون، كانوا قد تعودوا على الانقسام الاميبي في كل ما يؤسسوه من المنظمات والمؤسسات. وجاء احمد الجلبي وجمع اغلب قواهم تحت مظلة المؤتمر الوطني العراقي. وهذه الخطوة كانت ضرورية للولايات المتحدة الامريكية، لانها منحت لها الشرعية والتفويض اللازمين لحرب تحرير العراق. التفويض كان شرعيا بقدر ما كان وجود نظام صدام شرعيا. فهذا النظام الذي جاء بانقلاب عسكري، وحكم بالقوة وبقمع كل المعارضات، وادخل البلد في حربين مدمرتين، لم يكن يملك أي شرعية قانونية لحكم البلد أصلا. ومن هنا تساوت شرعيته مع شرعية المعارضة التي لم تكن قد اعتمدت على استفتاء العراقيين. ولكن ما غلب المعارضة على النظام هو تنوع اللون السياسي والقومي والطائفي للمعارضة مقابل، الأحادية السياسية للنظام.

مع الأسف، ولكن قد تكون هذه هي الحقيقة، ان ما ورثه غالبية العراقيين من عادات وقيم وتقاليد، لا تسمح لهم بتكوين فكرة عن الوطن بمفهومه مجموعة من القيم والقوانين والمؤسسات والممتلكات التي يتشارك فيها الكل، والتي تخدم الكل. فمفهوم الوطن لدى البدو وثقافته هو موقع ومناظر، وهذا هو الطاغي على ثقافة العراقيين، ليس العرب فقط بل النظام العشائري وقيمه السائدة، هي التي تمنح وترسخ هذا المفهوم للوطن لدى الناس. ولعل ابراز ظواهر الفرهدة (من الفرهود) والتخريب المتعمد للمتلكات العامة، او سرقتها وبشكل علني وبدعوة انها مال الحكومة، يظهر مدى ضعف مفهوم الوطن لدى العراقيين. ولذا أيضا ليس هناك مفهوم الدفاع عن الممتلكات الجماعية حتى لدى قيادات الأحزاب الفاعلة. ورغم انين العراقيين وملايين اللاجئين سواء في ايران او في سوريا او الدول الغربية، لم يدفع ذلك الى تعاطف العراقيين الاخرين معهم، ولم يظهر وطنيا اطراف تدعوا الى حل لهذه المأساة. وعند سقوط النظام بواسطة الولايات المتحدة الامريكية وعودة الكثير من اللاجئين، كان موقف المتواجدين انهم غرباء او انهم إيرانيين او انهم من جاء بهم الاحتلال.

كان انين العراقيين من جراء تبعات الحروب المدمرة والدكتاتورية يرتقع عاليا، وكانت موجات الهجرة والهروب تزداد وتتفاقم، ولكن بمجرد سقوط صنم بغداد، تغييرت الأحوال، فالضحايا تحولوا الى جلادين، بدلا من ان يكونوا بلسما يعالج مخاوف مواطنيهم ممن ذاق اغلبهم ويلات الحروب. وبمجرد رخو يد الأجهزة القمعية، حتى تحولت العراق الى مكان مفتوح للنهب والسرقة، لا بل ان أجهزة النظام السابق تحولت الى تخريب وسرقة ممتلكات الدولة ومن ثم الى الاقتصاص من الناس وفرض الخوات والاتاوات عليهم.

والانكى من كل ذلك، والعراق بالكاد كان قد تخلص من النظام، الا ونرى مجاميع مسلحة تدعوا لمحاربة الامريكان، في موقف واضح يظهر نكران الجميل بابشع صوره. وكان إرادة المواطن في حكم بلده كانت متجلية في حكم صدام حسين، الا انه مرة اخرى الفهم العشائري البدوي للوطن والمواطن، والذي يقصر مفهوم الوطن على موقع ليس الا.

وفي ظل مثل هذا الواقع كان التيار المدني يخسر أنصاره امام مد التيار الديني المخون للاخر، سواء كان التيار سنيا او شيعيا، وكل منهما استمد قوته من الجوار، لقد كانت الحرب التي اوقفتها السعودية عام 1991 حينما ارتضت، بقاء صدام ملجوم على الانيان بالاسلاميين الشيعة التي لا يعرف نواياهم. خلال اكثر من عقد لم يتعلم العراقيين من ما سبق، بل عادوا ليكونوا وقودا لهذا الطرف او ذاك. وكل يريد الانتقام من غريمة العراقي الاخر وان كان بسلاح اجنبيّ!

التيار المدني صار مضطرا للاحتماء بالتيار الديني الجارف لكي يبقى. وهذا كان مثال احمد الجلبي، الرجل الذي أراد التخلص وتخليص العراقيين من نظام صدام، لينتهي اسيرا لنظام اخر يكاد ان يكون اسواء من نظام صدام، بفرزه العراقيين الى انتماءات وحسب تلك الانتماءات تكون الحقوق.

من أخطاء الجلبي باعتقادي هي محاولته الحثيثة للثأر من البعث والبعثيين. ولكن بصورة غير مدروسة وبدون أي مساومات، في الوقت الذي كان البعث وبرغم سقوطه كنظام الا انه كتنظيم قمعي كان لا يزال قائما، من خلال دخول أنصاره التنظيمات الدينية المختلفة ومحاولة توجيهها بما يخدم اجندتهم الخاصة، وفي الغالب التي كانت تتعلق بمخاوفهم من الانتقام لماضيهم. هذه المخاوف التي لم يتمكن الجلبي من فهمها ولم يعطيها حقها، ولعل خلو مفهوم التسامح والمساومة من سجل السياسيين العراقيين هو احد أسباب ما لا يزال مستمرا لحد الان.

رحل الجلبي ولكن يحق لنا ان نتساءل هل رحل معه حلم إقامة الدولة المدنية العراقية؟

8 تشرين الثاني 2015 ايلاف

 

سقوط الثقافة والمثقفين العراقيين

 

في ازمات العراق منذ تاسيسه عام 1921 لم يسقط البلد في خضم المشاكل والحقد المتراكم، بل كان لسقوط مثقفيه دوي اكبر. فعندما نقول هوية وطنية، الم يسأل مثقفيه من يشيع تلك الهوية، وهل يكفي ان يكون اسم صاحب البار ابو جورج وصاحب التاكسي كه كه حمه وصاحب البقالة حمد في بعض الاعمال الدرامية لصنع ثقافة وطنية حقا. الم يكن مطلوبا الخوض عميقا في ثقافة وتقاليد وعاددات المكونات وتقديمها للجميع. يا ترى كم عراقي يعرف عن الشعراء الاشوريين والرواة الكورد والمؤلفين التركمان. كم عراقي يعرف عن مأساة الاشوريين في 1933 والتي لم تحض بتعاطف من اي مثقف عراقي عربي؟ او عن ماساة اليهود وعمليه تهجيرهم البشعة والفرهود؟ كم عراقي يعرف حقا عن مأساة الانفال وحلبجة وقرية البشير وعن تهجير عشرات الالاف من الشيعة العرب والكورد واشوريين وارمن بحجة عدم عراقيتهم؟ كم عراقي يعرف حقا عن مخاوف السنة؟ سنجد اننا نحصد في الفراغ، منجلنا لن ياتي باي قبضة لا من الحنطة ولا الشعير، لانه حقا لا يوجد اي شئ. فالتغني بالوطنية وبالاخوة يتهدم عند اول مشكلة نصادفها، ويبداء السياسين الرمي بالتخوين يلحقهم المثقفين بالتصفيق.

في كل ازمة وبدلا من ان يصطف المثقفين لتوضيح مخاوف الاخر، وشرح الجوانب الغير المرئية لدى الناظر، ومحاولة تقريب المختلفين الى بعضهو البعض، ليتمكنوا من استنباط الحلول الناجعة للمشاكل التي تعصف ببلدهم وبهم. نرى المثقفين العراقين اول المتسارعين للاصطفاف الايديولوجي والقومي والطائفي.

هذا هو حال غالبية المثقفين العراقيين اليوم. انهم يصفقون مع طوائفهم واحزابهم وقومياتهم، وكل يريد العراق كما يتصوره مكونه فقط. انهم يحتشدون مع المحتشدون، ويصفقون مع المصفقون، معلنين خوفهم على طائفتهم. اذا يحق لنا ان نتسأل، هل حقا لنا وطن؟ وبالتالي  هل نحن مواطنين ام ان الوطن والمواطنون شعار في سوق الشعارات؟  والا ليقل لنا المثقفون كيف يبنى الوطن وهناك فئة تشعر فيه بالظلم والاضظهاد او بالخوف والتهميش؟ كيف يقبل المثقفين على انفسهم المشاركة في لعبة قذرة غايتها الانتقاص من الاخر بسبب قوميته او دينه او طائفته؟ الى اي درك تكون تلك الثقافة قد انحدرت؟ لو كنا حقا ابناء وطن واحد، ولو كنا حقا مرعوبين من ممارسات صدام التي الجمت السننا، الم يكن مطلوبا من المثقفين الكورد والشيعة والاشوريين والتركمان، تطمين اخوتهم من مثقفي السنة والعمل لعدم تهميش اي شخص بسبب سنيته؟ الم يكن من الواجب اشعارهم بانهم اخوة حقا؟ وليس ما نقوله شعارا. وفي المقابل الم يكن مطلوبا من المثقفين المحسوبين على السنة عمل نقد ذاتي لكل مشاركة منهم في طمس معاناة الاخرين؟ كل الاخرين وليس تبريرها. اما كانت ستكون هذه نقلة نوعية تتحطم عليها كل المخططات التي بنيت في زواريب مخابرات صدام واعوانه؟.

الصراع القائم حاليا لم يعد سياسيا، بل هو بكل المقايسس صراع تناحري يرمي الى ازالة الاخر من الوجود. تستعمل فيه كل الاسلحة، الاسلحة القاتلة للبشر مثل البندقية والدبابة والصاروخ وغيرها من قبل الارهابيين والمسلحيين المختلفين. كما تستعمل الكلمة من قبل بعض مثقفي العراق، وكم كلمة قتلت وهدمت اكثر من مدفع وصاروخ. والمطلع لحرب الكلمة بين اشباه المثقفين والذين يدعون الثقافة سيرى حجم التدمير الذاتي لعلاقة الانسان بالاخر. انهم بدلا من ان يتعاطفوا ويداوا تراهم يتلذذون بغرز السكين في الجرح. وبهذا الطريق يسير الوطن والشعب الى التفتت. وليس بسبب طلب احقاق حقوق محقة وقانونية وحتى ان كان هناك خلاف عليها.

يا ترى كم منهم حاول ان يرى تعاطف المثقف الاسرائيلي مع معاناة العربي في اسرائيل؟ كم منهم تفهم روح التعاطف التي يظهرها البعض مع قضايا انسانية محضة، وهم لا يمكنهم ان يتعاطفوا او يتفهموا الاخر من بني وطنهم. اذا كنا قادرين ان نتحارب او ان ننعت بعضنا بالصفات التي نطلقها (صفوي، رافضي، ناصبي وهابي، عميل اسرائيل، شعوبي، عميل الامبريالية) فهل يمكن ان ندعي الرغبة في ايجاد الحلول. ام ان كل طرف يرى الوطن على مقياس طائفته، غير مدرك ان غاب الاخر فان الخلاف سيتحول داخليا، ولن يتمكن من ايقافه احد، الا بما اوقفه الاخرين، اي قبول الاخر كما هو وليس كما نريد.

شكرا لمن يدافع عن المسيحيين بدعوة انهم من اصحاب الديانات السماوية، وياريت تمكن احدهم من ان يشرح لي معنى ديانة سماوية واخرى ليست كذلك؟ ولكن اليس في هذا القول اباحة لدم الازيدي والمندائي والكاكائي والبهائي ووو؟ اذا الدفاع اولا واخرا يجب ان يكون عن الانسان وانسانيته، بما يحمله من قيم وثقافة وتنوع. في نظر المثقف يجب ان لا يكون هناك ديانة سماوية واخرى ارضية او غيرها، الديانة هي معتقدات الناس عن الخلق وما بعد الموت، وليس من حق احد ان يفرض ما يعتقده على الاخرين. ان الكل يدور ويلتف في نفس دائرة الداعشي وان كان البعض يلبس الكرافتة والبدلة العصرية، الا ان دماغه يشتغل على نفس الية الدواعش.

فجاة تحول المثقف الشيعي اكثر عنصرية من البعثي، الذي كان يتهم الحركة والكوردية وقادتها بانهم عملاء اسرائيل يريدون تفتيت وتقسيم العراق واقامة اسرائيل ثانية. هذا الشيعي الذي كان بالامس مضطهدا لشيعيته، بعد ان تسلم السلطة اراد ان يصنع العالم كما يريدها والا فالكل عملاء وخونة، اذا بماذا اختلف عن بعثيي الامس؟ وهكذا الكوردي في رد فعله ولن نستثني الاشوري والتركماني من ذلك.

في الازمة الحالية ليس هناك صالح ومحق مائة بالمائة، وليس هناك مخطئ ومسئ مائة بالمائة، انها مصالح ويجب ان يكون هذا المصطلح (المصالح) مفهوما كمصطلح سليم وسياسي وليس كمصطلح للاتهام والتهكم. والسياسية هي ذلك العلم الذي يدير الخلاف حول المصالح المتناقضة، وبه تتوصل الاطراف المختلفة الى حل تناقضاتها وخلافاتها. وكان على المثقفين ان يرتقوا الى مستوى ما تحمله صفتهم كقيمة عليا فوق المصالح، الى عالم القيم الرحب. قيم تمجد المساواة والعدالة وحياة الانسان وانسانيته. ولاننا لم نعد وطنا ولسنا بمواطنين ولم نرتقي لمستوى الانسانية فان ممارساتنا تتفق مع ما نحن عليه، وليس مع ما ندعيه بانه الثقافة والمثقف.

6 اب 2014

 

العراق اصلاح ام انهيار؟

في مقولة يرددها الكل، إن البناء ليس بسهولة الهدم، ولكن ترديد المقولة شيء والفعل العراقي شيء اخر. ليست غايتي هنا ان أقوم بالدفاع عن الطبقة السياسية المتسلطة في العراق، فهي بحق طبقة طائفية، والطائفييون هنا ليسوا الشيعة فقط، بل الكل، ولكن اتهام الطبقة السياسية بالطائفية، لا يبيح لنا حقا، ان نبرئ نظام حكم عمل كل ما بوسعه من اجل إيصال الأمور الى ما الت اليه اليوم.

مناسبة الحديث هو ما تردد في الآونة الأخيرة، وهنا اقصد منذ بدء المظاهرات التي أقيمت كل جمعة، في ساحات المدن العراقية، من المطالبة بإسقاط الطبقة الحاكمة، كلها وبكل مؤسساتها. وما ارتفع وبثقل كبير بعد الجريمة النكراء في الكرادة في بغداد، وكأن البعض يعتقد انه وبمجرد طرح شعارات ومطالب، ستتحقق له!ّ وقد ركب السيد مقتدى الصدر الموجة، محاولا قيادتها لحد ان أنصاره تجأروا لاقتحام البرلمان وتدنيس القنفة المشهورة. وبالرغم من ان المظاهرات حق شرعي للمطالبة بمطالب يراها أصحابها مشروعة ومحقة، الا ان الضحك على أبناء الشعب، من أي طرف يعتبر مشاركة في ما نتهم به الطبقة السياسية، وان كان بصورة أخرى. وفي الحقيقة ان بعض الأكاذيب يمكن ان تنطلي على الناس وتدعم تحركا ما، ولكن الحقيقة لا بد ان تظهر يوما، والذي يدفع ثمن انطلاء الحقيقة عن الكذبة المسوقة هو الشعب كله، يدفعها من ثروته وعمر ابناءه.

عندما استولى حزب البعث على السلطة في عام 1968، استولى على السلطة السياسية بانقلاب عسكري. ولكن الدولة بمؤسساتها بما فيها الجيش وأجهزة الامن والشرطة والمؤسسات الخدمية كانت قائمة ولم تتاثر. وتغيير القائمين عليها حدث تدريجيا لحين القيام بتبعيث اغلب المراكز العسكرية والأمنية والاستراتيجية. أي ان نظام البعث لم يتولى دولة هرب جنودها وتفتت شرطتها، كما حدث في يوم 9 نيسان 2003. كما ان الانقلاب البعثي استلم السلطة بعد إعلانه منع التجول ومن كان يجراء على التجول كان سيقتل فورا. بما جعل عملية السيطرة على البلد سهلة.

لقد وفى النظام السابق بوعده، انه سلم البلد خراب ودمار. وهذا يدل على كذب كل مقولات التي تقول ان راس النظام اهتم يوما بمصير الوطن والشعب. فالنظام ومنذ بدئه الحرب العراقية الإيرانية، ادرك انه لم يعد له خيارات متعددة، فهو مخير بين الموت او البقاء على راس السلطة في العراق. لان جرائمه وموقف الدول الأخرى منه كانت واضحة وهي، انه نظام مجرم. وما العلاقات الا ضرورة الحفاظ على المصالح الخاصة. والحقيقة ان اكثر ما اضر العراق، ليس اهتراء بنيته التحتية، منذ بدء الحرب حتى السقوط، بل اخلائه من كل القوى المعارضة الحقيقية التي يمكن ان تنافس صدام في قيادة دفة السلطة. وهذا الاخلاء لم يشمل أعضاء الرؤى المختلفة، بل حتى من كان رفيق صدام في قيادة البعث. لقد رفع النظام شعار واحد، اما انا او فلا احد. فهل كان ذلك في مصلحة العراق والشعب؟ بالتأكيد أي نظام يعمل لاجل الوطن، يفكر بان الوطن باقي وهو زائل، ولاجل الوطن يجب ان تتوفر دائما بدائل سياسية تقوده في كل المراحل. ولكن نظام البعث، فكر ان انه العراق والعراق هو فقط.

هذا ناهيك عن ادخال العراق، في حالة انقطاع تام عن المجريات الدولية والتطورات السياسية والاجتماعية التي حدثت وتحدث في العالم. مما خلق بين العراقيين والتجارب العالمية السياسية بون شاسع. ان العراق كان كوريا الشمالية والبانيا، وان لم يكن معلنا، بسبب طرحه شعارات القومية العربية، وللمصالح الانية مثل دخوله الحرب مع الجارة ايران، التي كانت تحتم عليه الانفتاح قليلا ولو ضمن مقاييس محددة على بعض الدول العربية.

ما يدعونا ليكون طرحنا اقرب الى اليأس منه الى الامل، رغم ان الطغرائي قال من مئات السنين أُعَلِلُ النَّفْسَ بِالآمَالِ أَرْقُبُهَا مَا أَضْيَقَ العَيْشَ لَوْلَا فُسْحَةُ الَأمَلِ، ان المطروح وان كان إزالة الطبقة السياسية المتهمة كلها وبلا استثناء، بالفساد والعمالة من قبل معارضيها، وبالأخص من الطوائف التي فقدت بعض سلطتها. لا يقدم بديلا حقيقيا بل البديل المماثل ولكن تختلف نوع العمائم والجبب ليس الا.

قد يكون السؤال من اين يبداء الإصلاح في العراق؟ من اصعب الأسئلة التي تواجه الإنسان العراقي، لانه بحق ليس هناك شيء لا يحتاج للإصلاح في العراق واولهم الانسان. والصعوبة لا تنبع من وضع عنوان معين كاجابة، كان نقول من نظام الحكم، بل من ان الإجابة تتطلب التنظير ووضع دراسات والاجابة على أسئلة عويصة تحدد ماهي الدولة.

منذ الثلاثينيات القرن الماضي والعراق لم يكد ينل استقلاله، علما انه لم يكن هناك تاريخيا بلد باسم العراق، ينبري الشاعر العراقي المعروف (معروف الرصافي) وينشد قصيدته المعروفة انا بالحكومة والسياسة اعرف التي يقول فيها (عَلَم ودستور ومجلس أمة… كل عن المعنى الصحيح محرف.أسماء ليس لنا سوى ألفاظها… أما معانيها فليست تعرف.مَن يقرأ الدستور يعلمْ أنه… وَفقاً لصكّ الانتداب مصنَّف). مبديا عدم رضاه عن الواقع ولو كان الامر وقف عند عدم الرضى لهانت الأمور ولكن هناك اتهام وتشكيك بالطبقة السياسية كلها معتبرا انها تمثل الاستعمار وانها تسرق العراق. لا بل ان انقلاب 14 تموز عام 1958 برر استيلاه على الحكم، لاسباب تتمثل بكون الحكومات تسير بمشيئة الاستعمار وان الطبقة السياسية فاسدة وتسرق البلد. واذا استثنينا رئيس الوزراء الزعيم عبد الكريم قاسم والرئيس عبد الرحمن محمد عارف ورئيس وزرائه البزاز فان اغلب رؤساء وزعماء العراق تطلخت اسمأهم بالسرقة والدكتاتورية والطائفية.

اذا مسألة الاتهام الموجه للطبقة السياسية الحالية، ليس بجديد. بل هو حالة معاشة في العراق، ولكن الجديد ومع النظام التعددي وامام توفر وسائل الاتصال الاجتماعي والانفتاح على العالم، هو القدرة على قول الاتهام علانية ودون مخاوف جدية من ذلك. فالخوف اليوم يكاد ان ينحصر من بعض معارضي الحكومة اكثر من الحكومة أمثال داعش وبعض المليشيات الشيعية الأخرى. حالة عدم الرضى من الوضع قائمة منذ قيام العراق، والعلاج يتطلب دراسة الإخفاقات والجرأة في وضع اليات جديدة لبناء واقع جديد، يمكن من خلاله بناء عراق جديد.

لا اعتقد ان ما يطرح الان في بازار السياسية العراقية، سواء على المستوى الوطني او حتى على مستوى إقليم كوردستان، هي طروحات جدية. بل كل ما يطرح هو عملية لخبطة ان صحت الكلمة، لارضاء الذات او لخداع الشارع، باعتبار ان طارح مطالب الإصلاح قد قام بواجبه ليس الا.

فهناك دعوات الى الغاء الدستور و استقالة المجلس الرئاسي وحل مجلس النواب واستقالة مجلس الوزراء، أي ان البلد سيكون فارغا وكل قرار فيه سيكون غير شرعي. الا اذا شكلنا مجلسا عسكريا يعلن الطوارئ ويوقف العمل بالدستور، أي انقلاب عسكري. ولكن الامر ليس بالسهولة التي تتراى لرافعي الشعارات، فالجيش علاوة على انه لا يملك القوة وقيادة مركزية يمكن ان تحركة حسبما تشاء، فانه متهم أيضا بالفساد. هذا ان تناسينا ان هذا الجيش لا وجود له في إقليم كوردستان وبالتالي فان أي انقلاب عسكري سيكون تكريسا للانقسام الذي يرفضه المعارضون اكثر مما هو حل.

لنتسأل اذا كانت كل قيادات العراق اما دكتاتورية او حرامية، ولم يخرج منها الا النفر النادر جدا. وقديما قيل لكل ظاهرة شذوذها، أي لو اعتبرنا السياسيين العراقيين اللذين لم يتطلخ اسمهم بالسرقة والدكتاتورية شذوذا عن القاعدة. لكنا امام ظاهرة تخالف كل التوقعات وهي ان المسؤولين في حقيقتهم كلهم يجب ان يسرقوا وان يمارسوا العنف لكي يبقوا. وهو استنتاج يخالف ان لم نقل يصدم الحس الإنساني السليم وما وصلته النظم السياسية ومستوى الحريات التي يتمتع بها المواطن.

في الجملة السابقة انهيناها بكلمة المواطن، وهي كلمة مستمدة من الوطن، وهنا بيت القصيد او احد المفاتيح الأساسية لبناء بلد مستقر وامن ولا يسود فيه هذا الكم الهائل من الاتهامات ولمدى طويل ودون ادلة في الغالب. لنتساءل هل حقا العراقيين مواطنين، بمعنى هل انهم امام القانون وامام منفذ القانون على درجة واحدة. ام ان هناك اختلاف في التعامل معهم. بالتأكيد سنجد وان كان القانون وخصوصا في المرحلة الأولى من تأسيس العراق، قد ساوى بين الجميع، الا ان تنفيذ القانون شابه الكثير من التمايز لاسباب عرقية او دينية او طبقية. وهذا التماييز كان شائعا، وكانه كان امرا مسلما به، لانه جزء من تراث المنطقة التي كانت مقسمة سلطويا على المذاهب والطوائف وكان الدين الإسلامي فيها والمسلمون هم في السلم الأعلى، ويتبعهم الاخرون.

هناك شرخ كبير في مفهوم الوطن والمواطن، لدى العراقيين، وقد ساهم ليس فقط التراث السياسي والقانوني للمنطقة في تشويهه، بل الأيديولوجيات التي شاعت في المنطقة ومنها الأيديولوجية العروبية، التي ربطت العراق بالسعودية كمثال، في حين نظرت الى ايران او تركيا كاعداء. لان السعودية عربي%