المسيحية والكنيسة

لماذا التهجم على قداسة مار دنخا الان؟

من الامور التي تدخل في نطاق العاديات وغير المثيرة للنقاش والاستغراب، أن يقوم قداسة بابا روما رأس الكنيسة الكاثوليكية في العالم بمقابلة كبار الضيوف من رؤوساء الدول والمسؤولين فيها، ويناقش معهم اهم الامور والمستجدات السياسية، وحتما هو يعطي رأية بكل الامور السياسية، صحيح ان بابا روما يعتبر رئيس دولة كون الفاتيكان دولة معترف بها من اغلبية دول العالم، الا ان هذه الرئاسة تسلمها لكونه الزعيم الروحي لكل كاثوليك العالم قاطبة.

ومن الطبيعي ايضا ان يقوم غبطة مار عمانوئيل دلي بمقابلة كبار المسؤولين في العراق أو العالم مثل استقباله من قبل السيد جاك شيراك فبل فترة من الزمن، وبالتأكيد ان الحوار في هذه اللقاءات لا يدور حول الامور الروحية بل يتعلق بالسياسة والادارة والأمور الجوهرية والمتعلقة بالانسان المعاصر وحقوقه وغيرها من الامور السياسية..

وهذا الامر ينطبق على قداسة مار زكا عيواص أو بابا الكرازة المرقسية، بابا الاقباط، حيث يقومان بمقابلة كبار رجال الدولة في بلديهما او في العالم، ولنفس الاغراض المذكورة اعلاه.

والامر اعلاه يمكن ان يقوم به قداسة مار دنخا الرابع، فقد التقى في ايران اية الله خامنئي قائد الثورة ورئيس الجمهورية حينذاك السيد خاتمي وقبل ذلك قابل المسؤولين الكثرين.

اذا ما الذي استجد ليقوم البعض اليوم بقيادة هجوم اقل ما يقال فيه هجوم همجي ومبتذل على قداسة البطريرك مار دنخا الرابع، بطريرك كنيسة المشرق الاشورية، لأنه التقى السيد مسعود البارزاني رئيس اقليم كردستان العراق.

الهجوم كما نقرأه في مواقع الانترنت من بعض الاشخاص المفروزين حزبيا وسياسيا، وكما نسمعه في غرف الحوار الاشورية من بعض المتحدثين المتخندقين حزبيا وسياسيا، لا يضم بين ثناياه اية محاولة للنقد العقلاني، هذا اذا افترضنا وجود ما يتوجب النقد في لقاء وزيارة طبيعية قام بها قداسته ويقوم بها الاخرون ضمن سياق العلاقات العامة والبروتوكولية، بل وضمن سياق اللقاءات لتبادل وجهات النظر في امور ومواضيع تهم الاطراف المشاركة في اللقاء.

الهجوم الشنيع هذا وما تضمنه ويتضمنه من عبارات تجريح وتخوين لطرفي اللقاء لا مبرر عقلي أو روحي أو كنسي له.

فيا ترى ماذا وراء هذا الهجوم على شخص قداسة البطريرك وتخوينه وتجريمه؟

ابتداءاً بهذا السؤال البسيط الذي ندرك جميعا اجابته:

ماذا كان سيكون عليه الوضع لو ان قداسته كان استصحب في زيارته هذه احد أنفارهم أو كوادرهم؟

انني متيقن لكانت صورة اللقاء قد تصدرت الصفحة الاولى لجريدتهم ومواقعهم الانترنيتية، ولكان قداسته بات بطلا قوميا يسير على خطى الشهيد مار بنيامين..

ثم، لماذا افتراض سوء النية لدى قداسة البطريرك وصولا الى تجريمه وتخوينه لالتقاءه بالسيد البارزاني؟

اليس رصيد قداسته من المواقف والدعوات لابناء شعبنا للتشبث بهويتهم ووجودهم وحقوقهم القومية واضحة ويكررها قداسته في كل رسالة بطريركية؟

أليست دعوات قداسته لأبناء شعبنا بالتشبث بوطنهم والمعيشة بمحبة وسلام مع اخوتهم في الوطن دعوات واضحة وتلقى الاحترام من الجميع؟

فلماذا اذن اساءة النية بالزيارة وتكفيرها وتجريمها؟.

اذا كان قداسته التقى بممثل تنظيمهم البنفسجي الذي زار امريكا قادما من السويد، فلماذا لا يلتقي قداسته مع السيد البارزاني الذي يمثل اقليم كردستان العراق ونفوسه الثلاثة ملايين.

واذا كان قداسته قد تحاور وناقش مع السيد البارزاني شؤون ابناء شعبنا في اقليم كردستان العراق واوضاع كنيسة المشرق في الاقليم فان ذلك واجب ملزم عليه قبل ان يكون مجرد حق يجوز له ممارسته او عمله.

ويجب ان نثمن ذلك ونقدره عاليا من لدن قداسته.

بالله عليكم، ماذا تتوقعون من قداسته ان يكون قد طلب او ناقش مع السيد رئيس اقليم كردستان غير الامور التي نرغبها جميعا لشعبنا من استقرار وحقوق واحترام وامن وامان.. فأي غبار على ذلك؟

وبالله عليكم، من يمكن له ان يناقش بشكل افضل ومن موقع اكثر تاثيرا واحتراما ورصانة هذه الامور مع السيد البارزاني، قداسة البطريرك ام المسؤل الحزبي لاسكندنافيا في تيار البنفسجيين الذي سعى للاجتماع مع السيد البارزاني ولم يفلح.

ولست ادري اذا كان قداسته ناقش كما يقولون انشاء مقر للبطريركية في عنكاوة ام لا، ولكني وبافتراض صحة ما يقولون من ان قداسته طلب انشاء بطريركية لكنيسة المشرق في عنكاوة اقول: اين الخلل في ذلك؟

ألسنا ابناء ومواطنين في الاقليم ومن حقنا أن نطالب رئاسة وادارة وحكومة الاقليم بتلبية احتياجاتنا وحقوقنا؟

ألسنا ندعو قداسته ومن عقود لنقل البطريركية والعودة الى الوطن؟

أم يا ترى ان بعضنا يقول ذلك لمجرد المزايدة والشعار ولا يريد تحققه لان البطريركية بما معروف عنها من منطلقات قومية من جهة وقاعدة محبة جماهيرية لها من جهة اخرى ستكون مزاحما غير مرغوب فيه في صنع الاحداث وقيادتها في الوطن.

ان تهويل امر لقاء قداسته مع السيد البارزاني يقع ايضا ضمن اللعبة الانتخابية..

فمع مؤشرات تراجع فرص لون معين للفوز في الانتخابات القادمة لاسباب كثيرة ومعروفة يعكسها الوضع المزري الذي وضعوا فيه انفسهم، بعد اصطدامهم بكل الاطراف والمؤسسات الموجودة في شعبنا، لانهم يرون انفسهم انهم قادة الشعب وعلى كل المؤسسات ان تتبعهم، ويريدون من الاخرين ان يصدقوا الكذبة التي صدقوها، فانه مع انحسار فرص الفوز فانه لا بد من عمل شيء ما ليس لمجرد تحسين الفرص فحسب بل وتسويق النفس على انها ضحية مؤامرة لمنع الفوز.

وافضل سيناريو لهذه المؤامرة هو لقاء قداسته مع السيد البارزاني.

من هنا نرى تهويل أمر هذا اللقاء وتخوين وتجريم طرفيه وتأجيج الأحقاد القومية فاذا خسروا كما هو متوقع فالشماعة موجودة وان ربحوا مقعدا فسيكون الرد برغم من مؤامرات الجميع يمكننا من انتزاع مقعدنا.

مرة أخرى نؤكد ان الاناء ينضح بما فيه، فكون هذا البعض مستعد لعملية البيع والشراء في كل الامور، يحملهم على الاعتقاد ان الجميع مثلهم، وصحيح ان فاقد البصر من الولادة يعتقد ذلك في الجميع.

ننتهي من حيث بدأنا، بأن اللقاءات هذه هي سياق اعتيادي وطبيعي التزمته وتلتزمه كافة القيادات الكنسية التي تحترم شعوبها واوطانها.

ألم يلتق غبطة البطريرك عمانوئيل دلي في روما السيد البارزاني ايضا.

وننتهي بتكرار السؤال السابق عمَّا كان سيكون امر اللقاء لو ان قداسته كان اصطحب معه اي من اعضاء تنظيماتهم؟

16 تشرين الثاني 2005

قنابل شيكاغو التي ستنفجر في وجوهنا

في الدعايات التي تردنا من نينوى الثانية، مدينة شيكاغو الامريكية وعود بتفجير قنابل مدوية من التاريخ القريب ستصيب شظاياها كل من يعادي المفجرين او ارهابيي العصر الكلدواشوريون.

بالطبع ان من تخرج من مدرسة الارهاب التي تقوم باسكات كل الاصوات الناقدة للوضع، المدرسة تلك التي حاولت اغتيال من تجراء على نقدها، او تشويه سمعة من كشف عوراتها او التهجم على كل من يقول الحقائق، ان خريجي هذه المدرسة لا يمكن ان ننتظر منهم الا التهديد بتفجير القنابل محاولة لترهيب مخالفيهم في الرأي والممارسة.

فانصار الاسقف مار باوي وهم نفس انصار الحركة الديمقراطية الاشورية اسما وانتماءا وممارسة، يستعدون كما يقولون لكشف المستور من تاريخنا (تاريخ الانقسامات الكنسية وبعض الاحداث التي مرت على شعبنا) وخصوصا اعادة كشف او احياء قضية اغتيال قداسة المرحوم مار ايشاي شمعون، الذي اغتيل عام 1974 في الولايات المتحدة الامريكية والتي احيت مئات المرات ونشرت تفاصيلها كلما كان هناك من يعتقد انه يمكنه استعمالها في الكسب السياسي الاني، وكذلك اغتيال ماركريت جورج وتصريحات الشماس المرحوم شليمون بيت مار يوسف (التي يقال انه كان له دور سلبي في الانشقاق الكنسي) وغيرها من القضايا التي يعتقدون انهم سيتمكنون من ارهاب الناس بها ومن ثم جعلهم ينصاعون لما يتم تليقنهم به، اي ممارسة ما يتم عمله معهم، لانهم باعتقادهم كل الناس يشابهونهم في قلة العقل والفطنة، وقد قيل ان الاعمى يعتقد الناس كلهم عميانا.

فماذا يخبئ لنا ارهابيي شيكاغو هؤلاء، وهل سيهدمون الهيكل على روؤسنا جميعا كما يتوعدون ويهددون، ام ان وعودهم وتهديداتهم تنطلي على من كان الخوف رفيق دربه والهلع حليب رضاعته والفزع نهاية امره، انهم قد نجحوا مع البعض بتهديداتهم، ويعتقدون ان كل الناس ستنصاع لهم ولمخططاتهم ولا يدرون ان تجربة الاترنايي قد شاعت وتوسع مداها فلم يعد احد اليوم يخاف من الفزاعات التي تضع في طريق الحقائق.

من الغرائب والعجائب التي يمكن ملاحظتها مع هؤلاء الغوغاء هو ان تحالفاتها تكاد ان تكون تحالفات وقتية وانية وتتم مع اعداء الامس القريب، وكلها تتم باسم الوحدة او الاتحاد، ولكن باتجاه معاكس، فرئيسهم الروحي المؤقت، مار باوي سورو والذي يكن عداء فكري وقيمي لرئاسة الكنيسة القديمة، نراه يحاول التحالف مع هذه الكنيسة لتحقيق غايات انية ومصلحية ولصالح شخصه وطموحاته، فالتقارب مع قداسة مار ادي الثاني ليس حبا وايمانا بل هو وسيلة لتبوء مرتبة جديدة (تشير التسريبات الى رغبته في نيل رتبة المطرافوليط) ومن ثم الدخول في حوار وحدوي مع كنيسة المشرق التقويم الجديد من موقع جديد وقوي، ان نيافة مار باوي بات يدرك الخطاء الذي وقع فيه، فاستعجاله في اتخاذ مواقف حدية مع قداسة مار دنخا الرابع، قد اوقعه في ورطة حل المشكلات التي باتت تواجهه وخصوصا مع انكشاف مخططه النظري والذي كان قد وضعه وحاول اقناع بعض طلاب الكهنوت به.

ولذا فلجوؤه الى الكنيسة الجاثيليقية كان من باب مضطر اخاك لا عاشق الاتحاد، لان هواه الاتحادي هو مع روما ومع التسمية الكلدواشورية، بل ان المؤشرات تؤكد ان خشبة الانقاذ قد رميت له من حلفائه السياسين من خلال الكاهن المتعاطف معهم في التقويم القديم.

اما كون مار باوي رئيسا روحيا مؤقتا للجهة السياسية الداعمة فهو لسببين:

أولهما ان نيافته لن يتمكن والى المدى البعيد الاعتكاز عليهم بسبب سرعة تغيير التحالفات السياسية والتي قد تظطرهم الى التخلي عنه او تقديمه كبش فداء لتحقيق امور تراها الجهة السياسية الداعمة اهم، وخصوصا ان السياسة تعمل باسس مصلحية وقصيرة الامد وخصوصا مع هؤلاء الاشخاص كما ان روما وكنيستها الكلدانية لا تبدي ترحيبا به وبتطلعاته.

وثانيها ان الجهة السياسية ستحاول التخلص من عبئه وخصوصا ان المؤشرات تدل على ان نيافته سيغرق في المشاكل التي اثارها بنفسه وخصوصا اصراره على اللجوء الى المحكمة لحل اشكالية املاك الكنيسة.

اما من ناحية الكنيسة الجاثيليقية فالظاهر ان المعلومات والحقائق التي تقدم الى قداسة مار ادي الثاني يتم تلوينها وتغييرها بما يساعد على ان تقوم هذه الكنيسة برعايته وفتح باب دورها امام نيافته ليقوم بإداء طقوس القربان وفي كل كنيسة بما يلائم انصارها.

البعض من مستشاري قداسة مار ادي الثاني يحاولون خلط السم بالدسم ففتح ابواب كنائسهم امام اسقف موقوف من اداء مهامه كاسقف بحجة ان ابواب الكنيسة مفتوحة امام الجميع هو تجميل، فنيافة مار باوي ليس كل، بل هو شخص موقف وهو في صراع قضائي مع كنسية شقيقة او مؤسسة مقدسة وشقيقة ويأمل ابناء الكنيستين في يوم قريب العودة الى الوحدة لان الخلاف الوحيد بينهما هو خلاف اداري وليس لا هوتي، كما ان الكنيسة المقابلة قد طرحت وبشكل جدي مشروع للاتحاد مبني على اتحاد كنيستين شقيقتين متساويتين، ان مستشاري قداسة مار ادي يضحون بكل الامال المستقبلية لاجل تحقيق اجندة سياسية تخص فصيلهم فقط، دون النظر الى صالح الكنيسة والرعية.

بعد هذا التوضيح لصورة الاحداث، نود ان نعرف او نعي بماذا يهددوننا مفجري القنابل الاذاعية والتلفزيونية في شيكاغو، وهل حقا يمتلكون شيئا يؤثرون فيه على مسار الاحداث، ام هوكما ذكرت ديدنهم في التهديد والوعيد وبالتالي لا يرتعد منها الا الرعديد.

كما قلت ان قضية اغتيال قداسة مار ايشاي شمعون، والذي تعتبره الكنيسة لحد الان بطريركا في سلسلة بطاركها، تم الحكم بها في محكمة امريكية وتم تجريم الفاعل واخذ حقه القانوني وقد تم اطلاق سراحه بعد ان نفذ مدة محكوميته، ولكن التهديد بها برغم من اثارتها كل فترة، له هدفين هو تهديد الكنيسة بالادعاء ان بعض قادتها كان على دراية بالامور وبمن كان السبب الرئيسي او المخطط للجريمة، وكذلك تهديد الاتحاد الاشوري العالمي بان له يد في القضية رغم ان قيادة الاتحاد الاشوري العالمي تغييرت مرارا وتكرارا، ومن يدخل على غرف الدردشة التي يديرها انصار مار باوي والحركة يدرك بلا شك عدائهم لقيادة الاتحاد الاشوري العالمي، بعد ان تمكنوا خلال السنوات الماضية من حلب كل ما يستطيعون من هذا الاتحاد. وفي هذا السياق وان كان المستهدف فيها الكنيسة ورأسها قداسة مار دنخا الرابع فقط في التهديد بكشف وثائق يقال انها تعود للمرحوم الشماس شليمون بيت مار يوسف ودوره السلبي في الانقسام الكنسي. ان التساؤل المشروع هو لو كانوا حقا يمتلكون وثائق ذات قيمة لماذا احتفظوا بها لحد الان، أليس من حقنا التشكيك بكل ما يمكن ان يبرزوه وخصوصا ان الوثائق المزورة التي نشروها بين العامة والتي فبركت ضد خصومهم كثيرة واحداها عملت برسالة حزبية من قيادة الاترنايي ومرسلة لي وهي لازالت موجودة لدينا، ومثال اخر الفاكس الذي ارسل الى احمد الجلبي بأسم مراسل قويامن في دهوك وغيرها الكثير من هذه الفبركات، التي توصم هذه المجموعة بالاجرام وليس بالنضال.

ان من كان ديدنه الاجرام والكذب والدجل، لا يسلم من اذيته الشريف والمسالم والنظيف، الا ان الاذية تكون بقدر الفاعل وهي رمي الدعايات الكاذبة والمفضوحة والتي لا يصدفها الا من لا يريد ان يصدق مهما كان الامر.

مشكلة هذا النفر ليس الحقيقة فالحقيقة وهم متعاديان او لا يلتقيان ابدا مثل الخطان المتوازيان، بل مشكلتهم هي محاولة تضخيم الامور والادعاء بعكس الواقع، ومحاولة ضرب عدة جهات في رمية واحدة.

يقال انهم في صدد اثارة مسألة مقتل ماركريت جورج وامتلاكهم ما يثبت مشاركة المرحوم ماريؤالاا في مخطط قتلها أو عدم الممانعة في ذلك، ان الغاية من هذا التسريب ليس امتلاك هذا الاثبات فمثل ذلك يكاد يكون في حدود المستحيل، الا انهم يرمون الى ضرب الكنيسة كمؤسسة مشاركة في العمل الاجرامي، ويقال ان السارق يبرر سرقته بان كل الناس هم لصوص، فالامر ليس احقاق حق في مسألة ماركريت جورج التي مر على مقتلها حوالي الاربعين عاما، بقدر ما هي محاولة لاعلام الناس انهم يمتلكون حقا معلومات ومصادر خبرية وارشيف الاسرار، كما ان هذه المحاولات كلها تصب في خانة خلط الاوراق واعادة كل الاشكالات السابقة والتي تجاوزها ابناء رعية كنيسة المشرق بفرعيها الى نقطة الصفر، فلوا كانوا بهذه القدرة لتمكنوا من اخفاء ما نشرته جريدة الحوزة والبينة وكررته صحف ووسائل اعلام اخرى، اليس كل ما يحدث يثبت بأنهم يريدون القول انظروا الكل مثلنا وكلهم مشاركين في جرائم وهذه ادلتنا، ألم أقل لكم ان السارق يبرر فعلته بالادعاء ان الجميع لصوص!

21 نيسان 2006

 

تأسيس كنيسة بمقاييس سياسية

في الخلاف الأخير الذي تفاقم بين كنيسة المشرق الرسولية الاشورية المقدسة ممثلة بمجلسها السنهادوسي ونيافة الاسقف مار باوي سورو والذي هو احد اعضاء المجمع السنهاديقي.. الخلاف الاخير، وبعد ان رفض مار باوي مختلف الخيارات التي قدمها المجمع بالاجماع الى نيافة مار باوي سورو، وصل حد ممارسة المجمع صلاحياته بايقاف نيافته عن ممارسة نشاطه كاسقف في الكنيسة.

ومع هذا الخلاف والازمة المؤلمة ترتفع مرة اخرى حدة الخلافات وتتفاقم لتأخذ أبعاداً لا علاقة لها بالخلاف الاساسي اصلا. فالخلاف الاساسي هو ان المجمع السنهاديقي المقدس وباجماع الاراء رأى ان نيافة مار باوي تجاوز سلطاته الاسقفية بحسب النظام الكنسي المعمول به ونكث بالقسم الذي تلاه عند رسامته.

المشكلة هنا اننا أمام خلاف كنسي وضمن اطار قانون كنسي له خصوصيته، فمهما كان رأينا في هذا القانون الا انه قانون نافذ ومطبق أو معترف به وملزم لاعضاء المؤسسة التي تخضع لهذه القوانين.

فنحن نعلم ان من تقوم الكنيسة برسامته لدرجة دينية معينة (ابتداء بالشماس الى قداسة البطريرك) سيبقى يحمل درجته ويمارس حقوقها ويلتزم واجباتها ما شاء الله له من الحياة، الا في حالة تقديم استقالته او تجريده من درجته الكنسية وفق القوانين والصلاحيات السنهاديقية.

بمعنى اخر ان هناك فرق بين مؤسسة الكنيسة الرسولية والمؤسسات القومية والثقافية والاجتماعية وغيرها، ففي الكنيسة لا يمكن تجديد انتخاب الاشخاص للمناصب الكنسية بين مدة واخرى، في حين ان المؤسسات القومية والسياسية يمكنها ذلك دوريا.

لذا كان من المطلوب حل الخلاف والاشكالية في الاطار الكنسي القانوني المعمول به والضامن لادارة الامور بشكل سلس.

نيافة مار باوي سورو بعد رفضه خيارات السنهادوس ودفعه للامور باتجاه ايقافه نسمعه يكرر خطابا اعلاميا وجماهيريا ويختار مواضيعه بانتقائية لدغدغة المشاعر اكثر مما هو لاقرار حقيقة ما.

الوحدة الكنسية والقومية التي تكررت في خطاب نيافته ومسانديه ووصلت حد اتهام السنهادوس بان سبب ايقاف نيافته هو دعوته وعمله من اجل الوحدة!! هي امر مرغوب وكل فرد منا يتمنى تحقيق هذه الوحدة.

وهنا مربط الفرس اي بما ان كل فرد يتمناها فهي بذلك مطلب وأمل جماهيري ويمكن من خلال العزف وتر الوحدة كسب القضية وكسب دعم وتعاطف الرأي العام.

الا ان ما فات نيافة مار باوي هو ان الوحدة هي بالاقناع وبالخيار الحر وليس بالانقلابات وبيانات الرقم واحد التي اعتدنا سماعها من اذاعات الدول العربية بأسم الوحدة، وليست بالسير خلف المطبلين لها دون بوصلة.

وما فاته ايضا ان دعم خطوات الوحدة تتم من قبل الوحدويين وليس من قبل من يدعيها ويحمل شعارها من المؤسسات السياسية والقومية ولكنه يقطع (بضم الياء وفتح القاف) اوصال الامة والكنيسة في ذات الوقت.

وما فاته ثالثا انه اراد الوحدة على الطريقة العروبية ولم يريدها على الطريقة الاوربية كمثال!!!

العرب اراد كل قائد فيهم تحقيق الوحدة بشرط ان يتبعه الاخرون، اما الاوربيون فارادوا تحقيق الوحدة بتفعيل العوامل المشتركة.. وشتان ما بين الوحدتين، وحدة تنادي بها العاطفة ووحدة يقودها العقل.

ثم أية وحدة تتحقق بتقسيم الكنيسة!!

اية حكمة هذه التي تقول اني اقسم الكنيسة لاوحدها!!!

اليس ما يقوم به نيافة منار باواي شرعنة لممارسات الارساليات “التبشيرية” السابقة والحالية التي قسمت شعبنا باسم الروحانيات وباسم المسيح وباسم الاصلاح الكنسي الى كنائس صغيرة هنا وهناك..

الكنيسة بما انها مؤسسة على المحبة والسلام والتسامح كما كانت دوما وكما تؤمن بها عقيدتها وكما يشهد لها تاريخها (تفتخر الكنيسة انها بشرت العالم بمبشرين حفاة لا يكسوهم الا قميص وليس في جربهم الا قطعة خبز ولم يملكوا سلاحا الا الانجيل والصليب) وتتضمنه قوانينها وفرت لسيادة مار باوي مخارج لطيفة وعملية وفيها دور للابداع واظهار القدرات الا ان مار باوي مدفوعا بعناد متأصل رفض وطلب اللجوء الى المحاكم.

والمرجح ان هذا هو ما سيكون الحل.

الا ان هناك من يطرح سيناريو اخر يتمثل بتراجع نيافته عن هذا الحل بناء على طلب مرجعيته السياسية منه التنازل والعودة الى بيت الطاعة، وهو امر قد تسعى اليه هذه المرجعية السياسية في الاسابيع القادمة وبما يجعل الامور مسرحية متقنة الادوار لجني مكاسب انتخابية وبطولية.

ان التصعيد الذي يراد التخويف منه والمتضمن اطلاق كنيسة للشعب الكلدواشوري بقيادة البطريرك غير المتوج مار باوي سورو، واعتباره خليفة لمار ايشا شمعون واعتبار مرحلة مار دنخا الرابع مرحلة غير قانونية، هو تصعيد المتهورين المهووسين الذين لا رادع قومي او ديني او اخلاقي او انساني يردعهم، فالمهم تحقيق اهداف انية فقط اما المستقبل فله الف حلال.

نعود الى مقدم مقالنا هذا ونطرح الاستغراب الذي طالما اشرنا اليه ألا وهو لماذا يكون الخلاف لدينا وبين ابناء شعبنا الاشوري الكلداني السرياني دائما طريقا للتقسيم وتأسيس مؤسسات جديدة تصبح مع الزمن عالة علينا وجزءا من المشكلة وليس حلا ادعته عند انطلاقها، بل وليست جزءا من هذا الحل أساسا.

ان السبب كان وسيبقى واحدا ألا وهو التعصب للرأي والتعصب للانتماء بدون وقفة عقلانية، تمنح للمقابل مصداقية ما او توسمها فيه، وبسبب هذا التعصب غير العقلاني (هذا اذا كان هناك اساسا تعصب عقلاني) نرى ان من يخرج عن قناعاته السابقة لاي سبب يشهر السلاح ضد انتمائه السابق وبكل شراسة ولا هوادة ويجعلنا نتذكر المثل المصلاوي الشهير: (كل مسلم زيزاني اصله نصراني).

23 تشرين الثاني 2005

 

اني اعتذر وان اعتبره البعض عارا

 

قبل اسبوع وكالعادة ارسلت مقالتي الاخيرة الى عنكاوا كوم ولكن المقال سحب من الموقع بحجة انه يخالف تعليمات النشر في عنكاوا وان فيه كلمات قاسية.

ليس بمقدرة الانسان ان يكبت عواطفه كل الاوقات، احيانا تنفجر المكبوتات دفعة واحدة لان حد السد امام السيل لا يتحمل فينهار مطلقا قوة هائلة، وهذه هي الحالة وهذا هو الوضع الذي لا يزال البعض يعتبره طبيعيا، من الطبيعي ان تطرح الرأي ومن الطبيعي ان تنتقد الاراء والتصرفات وحتى القيم، ولكن من غير الطبيعي ان تهدم وبكل برودة اعصاب ومع سبق الاصرار والترصد جهد الانسان منذ الالاف السنين، تهدمه لتحقيق انتصارا صغيرا وهو تدمير احد مداميك الامة مهما كان رأينا في هذا المدماك، لأنه اساسا ارث جمعي يعود لكلنا وليس من حق احد ان يحاول هدمه، لا بل ان يجمع من حوله انصارا ويكون رأي مهلوس حول المسألة وهي لا تتقبل كل هذه الضجة وكل هذا الابتذال الذي رافقتها.

اذا اني اعتذر لعنكاوا التي تحملت شطحاتي ولا تزال تتحمل، وانني لم ادع العصمة في ما اقول او اطرح، ولكن سيبقى السؤال المثير والمطلوب اجابته، لماذا هذا السكوت المريب عن تصرفات الهدم التي تمارس في امتنا بحق مؤسساتنا؟، ولماذا هذا السكوت المريب عن استهداف مواقع لها تاريخها ومكانتها التي تصل لحد القدسية؟ ولماذ السكوت لا بل اسكات من يكشف ممارسيها بالف حجة وحجة؟.

ان أمة العرب ظهرت فيها مثل هذه الحركات التي ادعت الثورية برغم ان ثوريتها كانت فقط في الهدم ولم تكن في البناء، وسحبت من خلفها المؤازرين والمؤيدين وكانت النتيجة ان ما تهدم لم يبن محله جديدا بل ضاع القديم واصبحوا عراة من كل شيء.

ان عملية البناء عملية معقدة تبداء بالانسان الحر، الانسان الذي يقدر على فرز الصحيح من الخطاء الانسان الذي يأخذ قراره خارج اطار المغريات الانية، ولكن ما يحدث هو جر الناس الى المنطقة المظلمة منطقة تحكم العاطفة منطقة قد لا يقدر الكثيرين الاقتراب منها لأنها أيضا تحمل من معاني القدسية الكثير الكثير، فيتم السكوت وتتحول اللعبة الى لعبة مسلية فأي نقد يجب ان يتوقف لان الفلان يقدم شهداء والبقية لم يقدموا، ولذا نجد ان الكثير من الكشوفات والاختراقات لجدران المسكوت عنه يتم تهميشه او سحبه او مسحه او السكوت الجمعي عنه، وهل بهذه الطريقة تبنى الامم؟

لنعطِ مثلاً توضيحيا قبل كتابة الدستور العراقي الحالي، كتبت مقالة نارية حول الارضحالجية، هل اخذت مكانتها في الادب السياسي بمعنى حقا ان هذه الممارسة لا تسيء الى حزب معين أو شخص معين بقدر اسأتها لشعبنا ككل، لا بل ان الممارسات زادت وقرأنا منظمات ترفع عدة عرائض وتقترح كل مرة تسمية معينة؟ أليس من حقي نقد وكشف ممارسة تسيء الى شعبنا؟ والا لماذا نكتب في السياسة، يمكننا ان نكتب في الادب ونكتب في العيون السود والصدور العامرة والخدود ذات اللون المورد.

في العملية السياسية التي رافقت صياغة الدستور قدم اغلب الاطراف رؤيتها لهذا الدستور ولكن من ظل يتباكي على الديباجة وتقسيم شعبنا بواو وغيرها من الخزعبلات، لماذا وقع عليه وهو في لجنة الدستور لا بل لماذا قبل ان يقراء فقراته، هل هناك محاسبة حقيقية لكل ما يحدث، محاسبة تجعل السياسي يفكر كثيرا قبل ان يتكلم وقبل ان يشعل النار في الامة ويقسمها تيارات متحاربة متقاتلة، لا تيارات متحاورة متناقشة.

هل من واجب من يعمل في الراي العام وايصال الحقائق السكوت عن الجرائم وفضح الأخطاء؟ والفرق واضح انه فرق اخلاقي، لا يمكن للامم ان تتقدم مادامت تساوي بين الجريمة والخطاء، او بين الجريمة والفقر او بين الجريمة وعدم القدرة على استغلال عاطفة الناس، ليس من واجب الاعلام السكوت لانه بسكوته يعمل على استفحال الظواهر السلبية وتفاقم المشاكل وتحكم الاجرام في المجتمع ويبقى السكوت سيد المصير ويكون الاعلامي او الكاتب او المثقف مشاركا في الجريمة، وهل تقدمت امة كانت ساكتة عن كل ما خطط لها دون ان تتسأل عن ماهية الخطط؟

اذا كان الحياء يجعل البعض يهربون من سماع ما سمعوه، كان الاحرى بهم ان يجعلوا منه مثالا للأشمئزاز ولما وصل الامر بالبعض من استغلال الشعارات ذات الجاذبية الخاصة في نشر مثل هذه العبارات والسباب والقاذورات بحق اناس لا يستحقونها، مهما كان رأينا فيهم.

منذ سنوات طويلة وهذا هو المؤلم نشير الى مواقع الخلل البنيوية لدى فئات معينة، وان هذه المواقع ستقودنا الى الكارثة لا محال، فالعرب وبرغم كل قدراتهم والعراق ورغم كل رجاله وامكانياته ادمتهم ممارسات نتجت عن تحكم الدجل والشعار التحريض والعدائي في ممارساتهم اليومية، فكيف بشعب منقسم داخليا فقير في قدراته العلمية والثقافية والاقتصادية مثل شعبنا، كيف به يواجه العالم وهو منقاد بصراعات تفرض عليه لتحقيق اجندة لن نقولها انها انتخابية ولنعتبرها استراتيجية ولكن هذه الاجندة الاستراتيجية خفية، غير معلومة.

هل التهليل والتبشير والدعوة لتقسيم مؤسسة عريقة مع مصاحبة هذه الدعوات بكلمات غير لائقة يعتبر عملا قوميا؟، وهل استمرار هذه العلمية وعلى مختلف الاصعدة يعتبر عملا قوميا؟، وهل الكشف عنها وتعريتها يعتبر عملا مرذولا؟، انني انا قد لا افهم مقايس معينة او تراني خارج زماني.

ان كشف هذه الامور يجب ان يعتبر من صلب عملنا لاننا نريد تصحيح الواقع المأساوي وليس التستر او المشاركة في التستر عليه، بأي حجة حتى لو كانت حجة عدم المشاركة في اسماع اذان ابناء شعبنا المرهفة الحساسة لهذا السيل من الكلمات..

لا بل ان واجب الاعلام الجاد هو وضع ما يقال ويتم التخطيط له امام الواجهة، لكي يعلم الناس ما يتم التخطيط لهم بأسم وحدتهم، فاما ان يقبلوه او يرفضوه، وليقل السياسين والكتاب في الامر قولهم.

لماذ يتم حذف خبر حكم محكمة استرالية بغرامة شخص بـ مائة وسبعة وسبعين الف وثلاث مائة دولار لأنه تعدى بكلام غير مسؤول على احد الاساقفة ولنقل بحسن نية مدفوعا بعشق قومي، وهل كان في الخبر ايضا ما يشين الم يكن الاجدر بكتابنا وسياسينا شرخ الابعاد الحقيقية للحكم ولممارسة الكذب والدجل؟، أليست العقوبة القانونينة للردع؟، أليس القانون هو الفاصل في الخلافات لكي لا يتحول مجتمعنا الى غابة تتحكم فيها القوة والمال والشعارات الكاذبة، ألم يشارك اعلامنا حينذاك في تشجيع الاخرين على انهم احرار في قول مايريدون؟ فالاعلام ساكت لا بل يساهم في التغطية على الامر بحذف كل الاشارات اليه.

يقول المثل (اذا كان صاحب الدار بالدف ضاربا فشيمة اهل الدار الرقص)، واذا كان اعلامنا بهذا السكوت عن كل ما يمارس لتدمر الاواصر الحقيقية بيننا كابناء شعب واحد، واذا كان اعلامنا يدعي الخجل وعدم المشاركة واذا كان اعلامنا المستقل يضطر للسكوت فلن يتخرج من مدرسة هذا الاعلام الا اناس مشوهين وغير اسوياء بل مرضى ولكن بمرض مستعصى على الشفاء.

اذا لنحول الاعتذار حالة اعتيادية يمكن ان نعيشها، انها لن تسقطنا من برجنا العاجي الذي قد نعتقد اننا نمتلكه، انها حالة يمكن ان تجدها لدى الانسان، وليس الاعتذار الا حالة من الصفاء مع الذات ومع الاخر ولكل ذلك فانا اعتذر ان كنت قد تسببت باي احراج او جرح احاسيس مرهفة.

انني اعتذر لأني حاولت رفع البرقع عن وجه مدعية العفة والجمال واظهرت حسنها هو بالحقيقة سم زعاف و العفة هو العهر بعينه.

انني اعتذر لانني حاولت كشف ما هو خلف الجدران ولم اكتف بالتطلع الى السماء مفتوح الفم كالبلهاء.

انني اعتذر لانه لم يوقفني عن سبيلي التابو المفروض عن نقد بقرتنا المقدسة.

انني اعتذر لخدشي رهافة الاحساس لدى ابناء وبنات شعبنا بكشفي او الترويج لكشف الكلمات التي تقال هناك، ولكن بالحقيقة هي تقال يوميا وبشكل مكشوف ومعلن وصار من العادي وقد يشار بالبنان لممارسها وهنا الطامة.

انني اعتذر لعنكاوتي الجميلة لاي احراج، ولكن لن اعتذر لامتي لانني اعلم ان كل الامور خرجت فيها من طور الاحراج.

اذا باعتذاري لن يموت في اي جزء او قيمة او زهو او افتخار زائف، فانا لا انتمي الى فئة الناس التي تعشق الذات وتعتقدها مفخرة بين الناس، انني اعتذر لادراكي ان الاعتذار حالة سوية وتتماشى مع ذاتي ومباديء وأخلاقي، وسأبقى الانسان ولن اتسامي الى اي شئ اخر لأنني أعشق الانسان.

انني اعتذر لعدم ادراكي ان البعض يعتقد ان ناقل الكفر كافر، وبهذا فنحن كلنا من الكفرة، مجامعنا المقدسة واحاديثنا اللبقة واجتماعاتنا القومية والوحدوية ففي كلها نتحدث عن انزلاق الاخرين الى هاوية الكفر، اي اننا ننقله وننشره انني اعتذر عن كل ما قلته ان كان قد جرح انسانا سويا صافيا نقيا، ولكنني ساستمر في طريقي وساقول ما اعتقده الحقيقة ولن احيد عنها وعنها لن اعتذر.

7 كانون الاول 2005

كنيسة في عين العاصفة

الكنيسة كمؤسسة وكاكليروس وكقوانين وكفلسفة ايمانية ليست خارج اطار النقد والبحث والتطوير، فالكنيسة ليست جدران وان كانت لكانت ايضا بحاجة الى تحديث، ولان الكنيسة هي من الناس ولهم، ولانها بلا شك تقدم خدمة لاناس يشعرون بحاجتهم الى هذه الخدمة، فهي يجب ان تتطور وتتقدم وتحدث خطابها واسلوب توجهها الى الناس بحسب اعمارهم وثقافاتهم، ولان الكنيسة تلعب دورا مؤثرا في حياتنا فمن حقنا ان نوجه لها كمؤسسة وكاكليروس انتقاداتنا ونحاول طرح البدائل.

المشكلة في الكنيسة ان ما تقرره وبحسب الايمان هو امر مقدس، اي ان ما يقرره المجمع السنهاديقي هو امر مقدس لانه بحسب الايمان جاء من روح القدس ولذا حدث الاتفاق بشأنه، وان لم نؤمن بهذا الامر فان ايماننا يجب ان يتغير او ان تقوم الكنيسة بتصحيح المفهوم وتطويره لكي يلائم ما توصل اليه الانسان في العصر الحالي والذي لا يعطي العصمة لاي كان.

ولكن التطوير والتغير اللذان نعتقد بمشروعيتهما وبضرورتهما ليس في الكنيسة بل في كل مؤسساتنا الاجتماعية والسياسية والثقافية وحتى في اصغر خلية في المجتمع التي هي الاسرة يجب ان تتطور وتتغير لكي تساير العصر ومتطلباته، اقول ولكن كل هذا لا يبيح ان نقول ام او، اي ان لا يكون امام الكل الا خيارين لا ثالث لهما، ان الوصول الى حالة الخيارين والذي لا ثالث لهما يعني ان الامور لم تكن مطروحة لأجل الاصلاح بقدر ما هي فرض ارادة بقوة متخيلة وليس بحوار منسق ومتطور، فالتغير في مثل هذه المؤسسات لا يحدث جذريا بل يأتي سلسا وبخطوات حذرة ويمكن اتخاذها دون احداث انقسامات وتجاذبات مؤلمة تقدم الكنيسة فيها تضحيات كبيرة كما حدث عام 1963، وعملية اما او تعني سلسلة انقسامات لا نهاية لها والمنطق يقول ان التغيير او صاحب مشروع التغيير يجب ان يقنع الاخرين به لكي يتمكن من تنفيذه، وليس فرضه لانه لا يستقيم مع اي قيمة وحتى مع قيم العصر، والكنيسة لا يمكن ان تسير بالثورات والانقلابات و لا بالمؤامرات.

فالكنيسة قد اتخذت بعض الخطوات والتي تقبلها المؤمنون لانه كان مهيئا لها مثل الخروج من قاعدة ناطر كورسي واليوم ان غالبية الاساقفة والمطارنة وحتى البطريرك هم من خارج هذه القاعدة والتي ندرك ان اتباعها لم يكن برغبة ولكن الظروف فرضت على الكنيسة او ما تبقى منها اتخاذ هذه الخطوة في ذلك الحين اي بعد المذابح التي اقترفها تمورلنك بنا والتدمير الذي الحقه ببنية الكنيسة، كما ان الكنيس تضم الان اساقفة شبان اغلبهم من حملة شهادة البكلوريوس او ما يعادلها، وهذا افض مما كان سابقا، وبالطبع نحن نتمنى ويجب ان يعمل الجميع على تحقيق الاكثر وليس الاكتفاء بما تحقق.

ومنذ انبثاق كنيسة المسيح او كنيسة المشرق على ارض النهرين كانت كنيسة الشهداء، فسلسلة شهداءها لا تنتهي بل تضم الملايين من المؤمنين والمؤمنات منهم الاطفال والشيوخ ورجال الدين بمختلف رتبهم، الا ان الكنيسة استطاعت تجاوز المذابح الاربعينية والتي اقترفها شابور الثاني لكي تتوسع وتنتشر وتخدم مؤمنيها وكل الذين كانوا يحتاجون لمساعدتها سواء بالطبابة او بالمساعدات العينية مثل الاغذية والالبسة، ورغم ان الاسلام قد احتل كل المناطق التي كانت الكنيسة تنتشر فيها، الا ان الكنيسة في القرنين الاولين من الحكم الاسلامي كانت تدار بقدرات وامكانيات هائلة واغلب التقدم العلمي والثقافي والتجاري الذي اتسمت به هذه الحقبة يعود الى رجال الكنيسة او من تخرج من مدارسها سبب هذا التقدم الهائل كان الاستقرار الذي تمتعت به المنطقة والكنيسة لقرابة اكثر من ثلاثة قرون.

ولكن الحروب المستمرة والضرائب الطائلة مثل الجزية وغيرها جعلت الناس تختار في اكثر الاحيان اعتناق دين الحكام للتخلص من اللا مساواة والاذلال والفقر المدقع الذي كان يتركهم فيه استحصال الجزية، وهنا فمعتنقو الاسلام من المسيحيين كانوا اكثر وبالا على اخوتهم السابقين لكي يتماهوا مع دينهم الجديد، فكانووا معهم قساة مستمدين القوة من كونهم مسلمين. ولكن كل هذا والحروب والمذابح التي رافقت الموجات البربرية والتاتارية وخصوصا بعد اعتناق المغول التاتار الاسلام في مناطق غرب اسيا، جعلت مناطق واسعة من العراق وايران وحتى الصين وتركيا تخلوا من ابناء كنيسة المشرق، ان عملية انكفاء دور الكنيسة كان تدريجيا ولكنه مستمر بخطوات متسارعة، ففي القرن السابع عشر على سبيل المثال لا الحصر ذكرت صحيفة كيهان باحد اعدادها عام 1963 ان اذربيجان الغربية الحالية كانت تضم ما يقارب الستمائة الف نسمة من الاشوريين، فاذا كانوا كذالك فمن المنطقي انهم الان بعشرات الملايين، ولكن الوقائع يرينا عشرات الالاف، النتيجة هي القتل والسلب والتدمير واعتناق الاسلام، كنيسة كان هذا حال اتباعها ماذا يمكنها ان تقدم لهولاء الاتباع، وخصوصا انها جزء منهم تسطلي بنفس النيران التي يسطلى بها المؤمنون.

كنيسة المشرق عانت من مذابح كبيرة في منتصف القرن التاسع عشر ومنها مذابح مير محمد كور امير راوندوز وبدرخان بك ومن انشاق كنسي بداء ياخذ مداه الكبير في نفس الفترة الا وهو انشقاق الكنيسة والتحاق المنشقين بكنيسة روما، امام كل هول المصائب لم تتمكن الكنيسة الا من لملمة جراحاتها والبقاء مستمرة مهما كانت هذه الاستمرارية، ولم يمر على المذابح الكبيرة تلك الا اقل من سبعين سنة واندلعت الحرب الكونية الاولى، وكان مصير الأرمن وأبناء الكنيسة والكنائس الشقيقة مثل الكنسية الارثوذكسية السريانية والكلدانية في تركيا، حيث تعرضوا للمذابح الشنيعة والفضيعة والمخزية ماثلا امام اعين الجميع، اي قرار كان على الكنيسة اتخاذه، اي قرار كان على قيادة المجتمع اتخاذه، هذه القيادة التي كلنا نعرف قدراتها وامكانياتها لان هذه القدرات والامكانيات كانت من نفس المجتمع ولم ينزل القادة من كوكب آخر على الشعب، فأخوتهم يقتلون والمصير اتي والتاريخ شاهد، فكل خسارة تكبدتها الدولة العثمانية في اوربا اخذت بثأرها من مواطنيها المسيحيين، الذين عملت فيهم السيف، الذين كانت كرامتهم مهانة على الدوام، فعشائر حكاري الشبه مستقلة فقدت هذا الاستقلال بعد اجتياحات بدرخان بك، اذا ماذا كان القرار المتوقع ان يتخذ؟، حيث لم يعارض القرار الا ال نمرود وهم لم يقدموا بديلا واقعيا، الا ترك النفس لكي يأتي قاتلها ويعمل السيف في الرقاب، هذا ما كانت تقوله تجارب الشعب مع العثمانيين والعشائر المحيطة، ولم يكن هناك اي بارقة امل او بديل واقعي ممكن الركون اليه. لقد اتخذ قرار الالتحاق بالقوات الروسية لان الشعب كان محاصرا من كل الجوانب ولذا فخروج الشعب اعتبر معجزة وقد خرج فارا هاربا. اما مصير ال نمرود والذي يراد طرحه في كل خلاف كنسي، هو مصير قرره الرسل المرسلين من قبل القيادة لابلاغهم بالقرار ولان ال نمرود رفضوا، فواقع ومكانة البطريرك الذي ما كان احد من المؤمنين حينذاك يعصي اوامره ويعتبر عصيان الامر مروقا من الدين، دفع الرسل لارتكاب الجريمة النكراء، ولكن المفارقة في كل هذا هو تحميل الجريمة للكنيسة، فاذا كان وهو ليس بكذالك ان الجريمة ارتكبت بامر مار بنيامين فلماذ يعاد التذكير بها والبطريرك الحالي ليس من عائلة مار بنيامين هذا اذا كان صحيحا تحميل الخف ما عمله السلف، الا اذا كان المقصود هو وصم الكنيسة كلها بالجريمة ودلالة التذكير هي هذه بالضبط وليست امر اخر، اي تحميل الجريمة للموؤسسة المستمر وقيادتها مهما كانت.

والامر الاخر ان بعض كتابنا عند اي خلاف مع الكنيسة او قيادات دينية يتهم الكنيسة بانها سبب المذابح التي جرت اعوام 1915 _1917 ويبرر للحكومة العثمكانية والعشائر الكردية فعلتها بسبب انحياز قيادة الكنيسة ورؤوساء العشائر الى الحلفاء (العرب كانوا منحازين الى الحلفاء ايضا)، وتستمر عملية الانتقام من البطريرك الحالي ورجال الكنيسة الحالية غير المرغوب فيهم لدى النقاد، بتحميل مذبحة سميل لاخطاء سرما خانم ومار ايشاي شمعون وحدهم وهم كانوا جزء من القيادة فقوتهم كانت من قوة العشائر ليس الا.

ان محاكمة التاريخ بمعاير اليوم، وبامكانيات اليوم وتحويله الى مرتع للصراعات الايديولوجية او العشائرية او المذهبية امر مدمر وليس بناء باي شكل من الاشكال، فتاريخنا مأساوي حقا، فقد تكالب على  المؤمنين بهذه الكنيسة الاعداء من كل جانب، فحتى اخوتهم حاولوا تقطيعهم لكي يسلبوا البعض منهم الى صفهم وكم اذى ذلك وكم دمر وكم جعل هذا الامر البعض يتحول الى دين الحكام املا بالراحة واشمئزازا بالمقترف من يؤمن بنفس ما تؤمن.

لم يكن شعبنا وبالاخص المؤمنين بكنيسة المشرق متهئيين للدخول الى القرن العشرين وبما جلبه من التطورات الفكرية والتكنولوجية، فقد بقوا لقرون منغلقين لاجل الحفاظ على معتقدهم، أكانوا محقين في ذلك أم لا فهذا كان اعتقادهم وعلينا احترامه، ولكن ان نطالب كنيسة كانت دوما في عين العاصفة، ولم تتمكن من ان تستقر لكي تعيد الحيوية الى كيانها وتعيد بناء مجدها، فهاي سميل تقسم الشعب والمؤمنين ورجال الدين، فمن استقر في سوريا ومن استقر الحال به في القبرص ومن ثم لندن واخيرا في سان فرانسيسكو، ومن بقى في العراق بقى بلا قيادة، وقبل ان يشعر الناس بعودتهم للاهتمام بشؤونهم وتطوير قدراتهم، اكملت نتائج ثورة ايلول البقية الباقية من النفس، فهاي القرى تحرق من قبل قوات الفرسان او ما اصطلح على تسميته بقوات الجحوش، والناس تهرب الى المدن والكنيسة تلحق بمؤمنيها أينما ذهبوا رحلت معهم، وهنا ايضا بدأ كل شئ من الصفر، الكنائس والاكليروس وقبل اي استقرار حصل انقسام اخر في عام 1963 بسبب التقويم، او اعطي السبب، والجراح لم تلملم بعد حصلت الهجرة السبعينيات وتلتها الحرب العراقية الايرانية، والبقية معروف للجميع، كنيسة ترحل خلف مؤمنيها، وكل جيل يبدأ من الصفر كما هو شأن المؤمنين، فكيف لها ان تتقدم وتتطور وتنافس الكنائس الاخرى المستقرة بمؤمنيها، هل يمكن بناء مدرسة او جامعة او التفرغ للدراسات اللاهوتية وغيرها من الدراسات الضرورية لتطوير الكنيسة؟

من الصعب اليوم تقبل القاء اللوم كله على رجال الكنيسة الذين هم جزء من هذه الامة، لا بل ان استذكار التاريخ في كل خلاف يحدث في الكنيسة حتى لو كانت اسبابه انية، يعني اتهام المؤسسة بان بناءها ومسيرتها كانت خاطئة منذ امد طويل ولا تشمل الفترة الحالية فقط، اننا يمكننا تفهم دراسة تاريخ الكنيسة، وتوجه الاتهامات او النقد لهذا الموقف او ذاك، ولكن غير المفهوم اسقاط الخطاء المزعوم على الواقع الحالي او اسقاط المعرفة والقدرات الحالية على الماضي بكل تفاصيله المعروفة للجميع، والخطاء الاكبر يبقى منح التبرير لمن ذبح شعبنا ومؤمنينا بعلة خطاء البطريرك او المطران الفلاني.

مرة اخرى نود التاكيد ان كل مؤسسة مطالبة بمراجعة ذاتها على الدوام، لكي تتمكن من الاستمرار، ولكن مراجعة الذات وطرح الافكار للتطوير، لا تعني فرض الذات ولا تعني اما او، اللتان لا تستقيمان مع الكنيسة والمباديء التي تسترشد بها.

نحن اعضاء الاحزاب نقول بالاقلية والاكثرية، فالأقلية تقول رأيها ويحترم الرأي ولكن الذي ينفذ في النهاية رأي الاكثرية، وهذا ما يجعل المؤسسة تسير كمؤسسة وليس كتوجهات فردية تصدم احداها مع الاخرى.

اليوم لا زالت كنيسة المشرق والمؤمنين بها في عين العاصفة، وهي لن تخرج من هذه العاصفة الا باستقرار المؤمنين بها وتمكنهم من بناء قاعدتهم الاقتصادية والعلمية والفكرية، والتي سترفد الكنيسة بكل الافكار والامكانيات لتسير مسيرتها نحو التقدم والتطور، فالازمات التي تعاني منها اغلبها كان نتيجة هذا الوضع غير المستقر والذي لم تصنعه الكنيسة ولا قيادتها بل فرض عليها لانها كانت تعيش في قوس الازمات والمرير انها لم تمتلك صديقا، فالكل كان يطمع بسلب جزء منها.

 

نحو ثورة في الكنيستين الكلدانية والسريانية

في عام 1979 حاول نظام البعث العفلقي فرض تدريس تفسير القرأن على كافة الطلبة وبضمنهم الطلبة المسيحيين بحجة جعلهم يجيدون العربية، طبعا الكتاب كان مقررا لجميع الطلبة فرضا، ولذا فقد قبل (بضم القاف وكسر الباء) بحملة احتجاجات وانقطاعات عن الدراسة شملت الطلبة والطالبات وخصوصا في مدارس بغداد في مناطق الدورة والصناعة وبغداد الجديدة، وكان يقود هذه الحملة الشبيبة الكنسية وخصوصا في كنائس مار كيوركيس في الدورة ومار عوديشو في الصناعة ومارت مريم في النعيرية، وكان البارز في هذه الحملة دور الفتيات الاشوريات في التحريض على عدم استلام مثل هذه الكتب وفي حالة فرضها عليهن رميها والانقطاع عن الدراسة وخصوصا في الدروس الخاصة بالدين وتفسير القرأن، ولا زلت اتذكر اسم فتاة اسمها سمر البازي التي كانت تتسلق جدران مدارس الفتيات لكي تلتقي بهنَّ وتحثهنَّ على الالتزام بالتعليمات.

كان الشباب في هذه الحملة بدون معين إلا الوعي والاخلاص ونكران الذات ولكن الله لا يترك عبده بدون معين بل سيرسل له من يقف الى جانبه، ولذا فموقف قداسة البطريرك المرحوم مار بولص شيخو، كان خير معين عندما ساند هذه الحملة بمقابلته لوزير النظام طارق عزيز وتأنيبه له وتهديده بان الامر غير مقبول وستتطور الامور بما لا تحمد عقباه، وهكذا تراجع النظام عن خطوته هذه التي كانت الغاية منها التاثير في الاطفال لتغيير معتقدهم الديني في الطريق لتعريبهم بالكامل، وقد حمل وزير الاوقاف حينها المسؤولية واعفي من منصبه.

وفي خضم هذه الاحداث يقال ان قداسته زار الكنيسة الموجودة في شارع فلسطين واعتقد ان اسمها كنيسة العذراء سيدة القلب الاقدس وعندما شاهد القداس وكل الصلوات تتلوا بالعربية قال اويلاه سنضيع او بهذا المعنى ابدى امتعاضه.

من محاسن الاعلام انه يريك بعض الحقائق وان لم يكن يقصد ذلك، وهذه من محاسن قناة عشتار عندما نقلت لنا في بداية بثها قداديس لجميع كنائس شعبنا، وكذالك مقابلات مع رجال الدين والعلمانيين او العوائل من ابناء شعبنا، ويا هول ما رأينا، لقد كانت اغلب القداديس باللغة العربية وكانت اغلب احاديث رجال الدين باللغة العربية وكانت اغلب احاديث العوائل بالعربية ونحن هنا بخصوص قداديس الكنيسة الكلدانية والسريانية عدا القداس الذي قدمه مار ربان اسقف اربيل في عنكاوا.

قد يقول قائل وانك تكتب بالعربية، ولكنني اكتب لادراكي انه ليس لدينا قراء بالسرياينة ولكن اغلبنا يفهم السريانية وخصوصا البشطتا (ܦܫܛܬܐ) او السوادية(ܣܘܕܝܬܐ) اي المحكية ولا نقول السبريتا(ܣܦܪܝܬܐ) اي الادبية، وهنا يتبادر الى ذهني ما مر به العرب فرغم ان لغة دواوينهم ابان السلطنة العثمانية كانت التركيةـ الا ان التركية كانت تكتب باحرف عربية اي ان كل العرب المتعلمين كانوا يتمكنون من قرأة المكتوب وفهمه ان كتب بالعربية لمعرفتهم بالاحرف العربية، وبقت مسألة المصطلحات التي تم حلها تدريجيا، بعكسنا نحن فالذي يريد قراءة السريانية عليه تعلم حروفها.

نعم ايها الاخوة لقد غزتنا العربية في عقر دارنا، او في اخر او اهم معقل من معاقل الحفاظ على احد اهم ميزة لنا الا وهي اللغة التي نتناقلها منذ الاف السنين، دون ان يقف رجال الكنيسة ولو لحظة امام تساؤل مشروع ما هم فاعلون؟، هل حقا ان ورثة مار توما أودو ومار يعقوب أوجين منا وأدي شير يكونوا بهذه اللا أبالية تجاه احدى اهم ما ورثناه عن اباءنا واجدادنا، وهل حقا ان الانسان كان بحاجة لهذه النقلة التي تكاد تدمر كل اواصر الانسان مع تاريخه لا بل مع اخية المحتفظ بلغته ويمارس التكلم بها وبشكل عادي رغم تقديمه الضرائب الباهضة من اجل ذلك، اما كان بوسع الاخرين المحافظة على لغتهم وممارسة التكلم بها وسماع القداس والتراتيل والسوغياتا والعونياتا بها، مالذي فعله اباء الكنيستين باتباعهما، ألم يجعلوهم يتغربون عن محيطهم الحقيقي وعن موطنهم الحقيقهم وعن تاريخهم الحقيقي؟، أليس من حقنا اليوم دعوتهم لاطلاق ثورة في الكنيستين والعودة الى لغتهما الاصلية لغة الشعب اللغة السريانية الجميلة؟، الا يساعد العودة الى لغتنا الجميلة عملية التقريب بين مكونات شعبنا المختلفة، ماذا سيدور بمخيلة السامع لهذه القداديس وهي تقال وتتلو بلغة ليست لغة الام بل تعمل من اجل نسيان لغة الام والمساعدة على صهرنا في البوتقة العربية التي لم تفد للموزانة عندما تخلوا عن لغتهم لصالح العربية اي شيء، فالعرب لم يعتبروهم الا مجموعة من المسيحيين الانعزاليين رغم كل الخدمات التي قدموها للعرب والعروبة وللاسلام والمسلمين، وها هم اليوم بعد قرنين يحاولون العودة الى لغتهم.

ألم يشعروا بالاستصغار مع المعذرة؟ الا انها الحقيقة امام شمامسة كنيسة المشرق بتقويميها وهم يتكلمون ويقدسون بالسريانية رغم كل فقر الكنيستين ورغم كونهما كنيستيبن لاتمتلكان حلفاء ولا قوى عالمية مساندة، الا رعيتهما المسكينة الا ان الكنيستين كانتا في هذا المجال على الاقل عند حسن الظن بهما فحافظتا على لغته الشعب وطورتاها واعادت تجديد اللغة السوادية(ܣܘܕܝܬܐ) بتطعيمها بشكل سلس بالكلمات المشتقة من السبريتا(ܣܦܪܝܬܐ).

ان اللغة ملك الشعب وهي احد ميزاته وعناصر فخره، والاهتمام بها وتطويرها وتوريثها لأبناءنا ليس تعصب ولا شوفينية بل هو واجب قومي وانساني، فالدول المتقدمة في مجال الحقوق والحريات تساعد الاقليات القومية ليس فقط التي هي من ابناء وطنها بل المهاجرة ايضا لكي تقوم بتدريس لغتها وتطوير هذه اللغة باعتباره ارثا انسانيا واجب الاهتمام به، اما ما فعلته الكنيستان وخصوصا في العراق فانني لا اجد كلمات لوصفه، لانه حقا امر شنيع وفضيع ان تساهم الكنيستان بسابق تصميم على ترك لغة الشعب المحكية والمكتوبة ايضا لصالح اللغة العربية وبدوافع مصلحية قصيرة النظر.

ان ابناء واباء الكنيستان المتنورين مطالبين اليوم باتخاذ خطوات جادة وحقيقية لاعادة الاعتبار للغة الام، لا بل يجدر بنا القول انهم مطالبون بالاقدام على ثورة حقيقية داخل الكنيسة لاعادة الاعتبار للغتنا الجميلة، ولاعادة الاعتبار لتراثنا الغني ولاعادة الاعتبار لميزتنا في اننا نتكلم او ندعي اننا نتكلم بلغة السيد المسيح، او باحدى لهجاتها، او انه مجدا لاسمه تكلم بلغتنا التي تكلم بها اهل الجليل، لان اصل اهل الجليل كان من نينوى كما يقول البعض.

انه من المعيب ان نرى اليوم جامعات ومدارس ودول تحاول مد يد المساعدة لكي تبقى هذه اللغة حية، وان نرى ابناءها يتركونها لصالح لغة اخرى وهي العربية، علما ان تعلم العربية ليس عائقا، بل ان من يجيد او يتكلم لغه الام يمكنه ان يتعلم لغة اخرى بيسر اكثر.

ان اللغة السريانية (السورث) هي ملكنا جميعا وهي ارثنا المشترك وهي حافظة للتراث والتاريخ الذي تركه لنا اجدادنا، ومن حقنا ان ندافع عنها ونعمل من اجل تطورها وليس من اجل طمر او ازالة كل اثر لها. ان ما تقترفه الكنيسة الكدانية والسريانية وخصوصا في العراق هو امر مجحف بحق هذه اللغة وبحق الشعب الذي يمتلكها وبحق وحدته المعرضة للتفكك بسبب عدم دراية الكثيرين لهذه اللغة ولتاريخها وتاريخ الشعب الذي تكلمها وطورها ونشرها، حتى كادت تكون لغة عالمية في زمن ما.

انني ارى من واجبي ورغم عدم انتمائي لاي من الكنيستين أن أنبه اباء الكنيستين الى الجريمة المقترفة بحق لغتنا والتي ارى انها تتم (سواء كانت) بعلمهم او بدون علمهم ولكن السكوت عنها يعني اكثر من ذلك يعني انها تتم بتصميم وتخطيط مسبق ومتعمد.

23 اذار 2006 عنكاوا

لقاء قداسته وغبطته

في تعليق لي على مقالة الاستاذ الدكتور ليون برخو حول وحدة كنيسة المشرق، قلت لا اعتقد ان الكنيسة ستتحد قريبا، رغم ان املي هو عكس ما اعتقد، ولكن ما نشر عن اللقاء اظهر ليس انه لا اعتقد كانت صحيحة، ولكن ان الطرفين يعيشان واقعين مختلفين تماما.

كنيسة المشرق الاشورية

منذ ان تبواء قداسة مار دنخا كرسي البطريركية في الكنيسة، وللمطلع والذي عاش اوضاعها يدرك، انه حدثت تغييرات جوهرية في امور كثيرة داخل الكنيسة، فمن ناحية تم رسامة كوكبة من الاساقفة المتعلمون والذين لهم تجارب حياتية ويجيدون لغات متعددة ويحملون شهادات  في احتصاصات متعددة ومن ثم دخلوا سلك الكهنوت عن قناعة ورغبة في المشاركة في انقاذ الكنيسة (لدي اتباع كنيسة المشرق الاشورية تمثل انقاذ الكنيسة كعملية للعمل القومي باعتبار الكنيسة كانت اقدم مؤسسة قومية حافظت على اللغة والتراث الفكري للامة) ومن الملاحظ ايضا ان اغلب الاشخاص الذين دخلوا سلك الكهنوت وتبواوا مناصب المطران او الاسقف، كانت لهم اتجهات قومية، اي دعم تطلعات الامة في انقاذ نفسها وتحقيق طموحاتها ومساواة ابناءها ببقية مكونات الاوطان التي يعيشون فيها وخصوصا في الاوطان التاريخية (العراق، سوريا، لبنان،تركيا، ايران والاتحاد السوفياتي السابق). كما ان الكنيسة التي لم تكن تمتلك الا كنائس قليلة بعد تدمير ما كنت تمتلكه في القرى، تمكنت ان تقوم بتجديد وتملك ابنية لاداء الطقوس وللقيام بالمهام الادارية والتربوية. لم يتعرض قداسته الى اي انتكاسة حقيقية او تذمر او محاولة للتمرد باستثناء محاولة اشور سورو التي اثرت كثيرا نتيجة تداخلات كثيرة وخصوصا من قبل فصيل سياسي معين، مما استوجب تقديم تضحيات كبيرة لانقاذ ممتلكات الكنيسة من محاولة السرقة المفضوحة. وكانت نتائج هذه المحاولة التفاف اكبر حول قداسته والكنيسة وفشلا كبيرا للمحاولة وبالاخص الامال التي وضعت عليها. ولكن هذا لا يعني عدم مواجهة الكنيسة ككل مؤسسات التي تتعامل بالشأن العام واحيانا بالمصير بعض الخلافات او البرود في العلاقة بين اعضاء مجلسها السنهاديقي.

من جهة اخرى تعرضت كنيسة المشرق كبقية كنائس المنطقة، الى عملية هجرة ابناءها وبكثرة وبحالات تكاد ان تكون جماعية من مناطق سكناهم الاصلية اي الشرق الاوسط، نحو المغتربات في اوربا والولايات المتحدة الامريكية واستراليا ونيوزيلندا. بحيث ان صار ثقلها الرئيسي في المهجر وما الوطن الا ثقل معنوي. وقد وقفت الكنيسة موقفا عاجزاء ومرة اخرى مع بقية الكنائس امام هذا المد الذي يكاد ان يقلعها من موطنها الاصلي، ولكن مشكلة كنيسة المشرق ان قيادتها قد هاجرت ايضا بحيث ان مقرها صار في الغرب تاركة الوطن رغم ان الوطن او ان بقع منه يمكن العيش والعمل والتحرك فيه. وطدت كنيسة المشرق الاشورية وجودها في الهند ودول الاتحاد السوفياتي السابق، فصارت لها بالاظافة الى الهند رعيات في هذه الدول مع وجود كهان متفرغين لها. ولعل جولة قداسة مار دنخا الرابع الاخيرة كانت خير دليل على ان الامور هناك تسير بشكل مرضي جدا، ولكن يجب عدم التأويل على ذلك في اتخاذ القرارات او التاثير على قرارات مثل اعادة اللحمة والوحدة مع كنيسة المشرق الكلدانية او مع كنيسة المشرق القديمة. فالعلاقة مع كنيسة روسيا ليست مفتاحا لحل المشاكل، وتكاد الامور الجارية الان تتشابه في الكثير من التفاصيل وقد تتشابه مع بعض النتائج ما حدث في نهايات القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين. ان وحدة الكنيسة هو تطبيق لقول الرب يسوع المسيح كونوا واحدا، وليس فقط لحسابات سياسية وقوى فقط، ورغم ذلك يجب ان ندرك محدودية الدور الروسي الدولي والكنسي في الشرق، فحتى اكبر الانظمة المدعومة روسيا مثل النظام السوري لم يكن يوما يعامل شعبنا معاملة جيدة ولن نقول يتمتع شعبنا في ظله بحقوقهم. فاذا جهرت داعش والمنظمات الاسلامية الاخرى بكفرنا وبوجوب قتلنا وتدمير الكنائس والمعابد العائدة لنا، فان نظاما مثل نظام بشار الاسد، حاول ازاحتنا وابعادنا من خلال الاستيلاء المنظم على ممتلكاتنا وتجفيف المياه التي تسقي اراضينا وفرض التعريب علينا. ولان طموحات روسيا صغيرة فقد تقبل بمبادلتنا بتحقيق تلك الطموحات او اقل منها. ان الكنيسة الروسية تسير في فلك تحقيق طموحات الدولة الروسية وما انتساب السيد بوتين واعلانه اعتناق المسيحية، الا صورة في تحقيق التكامل الشرقي بين الكنيسة والدولة. في الغرب قد يحدث ذلك ولكن بصورة اكثر تلطفا، فهناك مساحة لتحرك الطرفين بشكل مستقل.

ولعل بروز ظاهرة لجوء كهان من كنيسة المشرق الكلدانية الى الكنيستين الشقيقتين (الاشورية والقديمة) كان من الامور الملفتة للنظر وللتحول الذ طراء، بعد سنوات من استقرار الوضع على ما استقر عليه منذ مطلع القرن الماضي، وقبلها من هجرة كهان كنيسة المشرق الى الكنيسة الكلدانية، طلبا للامان والعلم والامل. ونعتقد ان سبب ذلك يعود بالاساس للترهل الذي اصاب الكنيسة الكلدانية، والتطور الحاصل في كنيسة المشرق الاشورية وبروز الدور القيادي لقداسة مار دنخا الرابع، والتقدم الذي احرزته القضية القومية تحت الراية الاشورية على المستويات الوطنية والدولية، بحيث اشعر هؤلاء الكهان انهم يتنقلون في بيتهم الواحد ولكن مع الطرف الذي يسير مع المستقبل.

في تحركات قيادة الكنيسة من البطريرك والمطارنة والقساوسة، يلاحظ، ان هناك نوع من تبادل الادوار او لنقل اعطاء انطباع خاص للمؤمنين يقول ان لم تكن لنا دولة فلنا كنيسة تقوم بمهام الدولة، وهو نوع من املاء الغرور اكثر مما هو حقيقة، ولعل المتتبع لهذه التحركات سيلاحظ ذلك بشكل جلي، وباعتقادي ان بروز قيادة مار دنخا كان لانها قدمت انجازات ملموسة نوعا ما للكنيسة ، ولدغدغ هذا الشعور انه ان لم يكن لنا رئيس فلنا بطريرك بمستوى الرئيس. يقابل الرؤساء ويتصرف كتصرفهم ويستقبل كاستقبالهم.

كنيسة المشرق الكلدانية

قد يكون تراجع دور كنيسة المشرق الكلدانية، ابتداء حقا مع السبعينيات من القرن الماضي، حينما لاحظ بعض الشباب ان الكنيسة تبتعد تدريجيا عن اللغة والتراث،وقد تكون لصرخة المرحوم مار بولص شيخو عندما شعر بمدى تراجع الخدمة بلغتنا السريانية واحلال العربية محلها، انذارا لواقع خروج الامر من ايدي قادة الكنيسة. فمن ناحية هناك حزب مسيطر على مقاليد كل الامور في البلد، وهذا الحزب يقوم بتعريب المجتمع، ووجد التعريب دعما من بعض رجال الكنيسة التي ارادات ان تساير الواقع كما هو وكما هو مفروض، وليس مسايرته لانتظار فرصة التغيير. وبرز التهلل في البناء الهيكلي للكنيسة بعد وفاة المرحوم مار روفائيل بيداويد وانتخاب مار عمانوئيل دلي. فمن ناحية ان الكنيسة التي اعتبرت ملاذ يلجاء اليه الفقير والجائع والخائف، صارت لا تتمكن من الدفاع عن ذاتها وتراثها ولغتها امام هجمة العربية والعروبة، بحيث ان ابناء الكنيسة بغالبيتهم في سجلات وفي احصاء النفوس سجلوا انتماءهم القومي عربي بالنسبة للمدن الكبرى وبعضهم كردي وغالبا بتوجيه من رجال الدين، بخلاف ابناء كنيسة المشرق الذين سجلوا الانتماء القومي الاشوري رغم ادراكهم انه سيتعرض للتغيير او انهم قد يتعرضون للمضايقة. كما ان عدم قيام الكنيسة بالتحدث عن تجاوزات النظام من خلال تدميره العشرات من الكنائس القديمة والاثرية، اثر على سمعتها ومكانتها كملاذ للضعيف. اذكر ان الكنيسة الكلدانية عند التحضيرات لمهرجان حنين وافرام في بداية السبعينيات من القرن الماضي لم تجد من فرقة تنشد لها السورث، ولذا لجأت الى فرقتنا الفقيرة والحديثة في كنيسة مار عوديشو التابعة لكنيسة المشرق الاشورية والتي قام الاب المرحوم فيليب هيلاي بتدريبها لهذه الغاية، وفي اثناء تقديم المشاركين حاول اداريي المهرجان تناسي مشاركة كنيسة المشرق او حتى امتلاكها ومشاركتها تراث مار افرام، مما حدا بنا الى انذارهم بان فرقتنا ستنسحب من المشاركة ان لم تعودوا وتذكروا اسم كنيستنا واشتراكها بتراث مار افرام مع بقية الكنائس الاخرى وهذا ما حدث حقا حيث خرج قارئ الكلمة الرئيسية واعتذر عن سقوط اسم كنيسة المشرق. اقول ان الكنيسة الكلدانية حينها وبنوع التفكير السائد حينها ما كانت مستعدة للاستعانة بفرقة فقيرة وحديثة من كنيسة لا تريد ذكر وجودها اصلا في احتفال دولي لولا عدم امتلاكها فرقة تنشد بلغة الام. وكانت هذه مفارقة للكثيرين.

قد اكون من اوائل من انتقد عمل مار لويس ساكون حينما كان اسقفا لكركوك، واعتقد انني كنت من اوائل من رحب بتسنمه منصب البطريرك، ارى فيه ولحد الان رغبة  مسيحية صادقة للوحدة الكنسية. ولكن الوحدة لا تحققها الرغبة الصادقة بها، فهذه الرغبة يشترك فيها الكثيرين. بل ازالة العوائق الواحد تلو الاخر. بالتاكيد ان كنيسة المشرق ستجد من الصعوبة منذ البدء ان نطالبها بالتنازل عن استقلاليتها، وكرسي البطريرك، ومنذ قداسة الشهيد مار بنيامين شمعون يمثل هذا الوهج المتالق والمتمثل بانه رمز لاستقلال شعبنا، نعم انه تداخل السياسية بالدين، ولكن هكذا كانت الامور في الشرق حينها ولاتزال سارية في النفوس والعقول، لا بل ويمكن القول ان جل اساقفة  وقساوسة كنيسة المشرق الاشورية اتوا من عن الطريق القومي الى هذا الموقع الحساس، وهذا ليس انتقاصا من ايمانهم، بل لادارك الكثيرين ان احد وسائل خدمة الشعب، هو دعم مؤسسة كنيسة المشرق. لا اعلم مدى تاثير قضية اشور سورو في هذا المسار، الا انني اعتقد ان لها تاثير سلبي وكبير، ورغم قناعتي التامة ان قداسة مار دنخا ميال بطبعه وتربيته للتسامح ونسيان الماضي، الا ان بقية الاساقفة قد لا يجارونه في ذلك وخصوصا ان اشور سورو الحق اضرارا بالغة بكنيسة المشرق، اضرارا مادية ومعنوية، ولم يقدم اعتذارا عنها لحد الان، ورغم ذلك قامت الكنيسة الكلدانية باحتضانه ودعمه ومساندته، واذا كنا لا نريد له اي ضرر او سئ، ولكن مثل ذلك يفتح الباب لكل طارق. فالمفروض في الكنيسة الكلدانية وهي تريد ان تطرق باب الوحدة ،ان لا تكون قد تورطت في هذا الموقف الصعب، كان حل قضية اشور سورو هو بالتجائه الى اي دير او البقاء كشخص عادي يمكن ان يتدبر اموره كبقية الناس. لقد كان واضحا ان كفة الميزان كان يجب ان تكون لصالح العمل الوحدوي ولصالح التقارب مع كنيسة المشرق الاشورية وليس تفضيل شخص الحق كل هذه الاضرار بالكنيسة وبمكانة البطريركية على المسار الوحدوي. ان الالتجاء الى الاخلاق المسيحية والعفو ونسيان الماضي، ليس عملا صالحا او منطقيا في حال اشور سورو الذي تم تصوير حل قضيته كانها عملية فرض على كنيسة المشرق الاشورية.

مطالبنا مشروعة

مع ادراكنا لصعوبة المسار الوحدوي، وخصوصا ان هناك تراكمات كثرة عبر القرون، الا ان  السير به باعتقادنا مطلب مشروع، ولكن طريق الوحدة يجب ان يبتداء بلجنة خاصة مؤلفة من اشخاص مؤمنين حقا بهذا الهدف، تتم مناقشة كل الامور، بشفافية والرغبة في حل اي اشكالية تحدث. بما فيها قضية اشور سورو. وليس بزيارات غير مهيئة ومنتظرين من الاخر ان يتفهم وضعنا، ان الكل الان في وضع صعب وابناء رعية كنيسة المشرق في الوطن بوضع اصعب بكثير، ولو حقا كانت لنا الرغبة الحقيقة بالوحدة، علينا ان نضع خارطة الطريق لها ونزيل المعيقات وليس فرض امرواقع او قد يحسبها المقابل عملية لوي الاذرع. مع ادراكنا ما للوحدة القومية من اهمية، ومع وعينا الاهمية التي توليها كنيسة المشرق لمثل هذه المسألة وتاريخية هذا الاهتمام، الا اننا نعتقد ان ادراج وحدة التسمية كان امرا يسبق الامور الاخرى، وقد يكون الرمي في ساحتكم كما فعلتم انتم. كما ان ابراز رد مار ابراهيم ابراهيم الذي يؤمن بتعدديتنا القومية بما يتعارض مع ايمان اغلب الوحدويين، باعتقادي كان ردا غير موفق، على مسألة اثارة توحيد التسمية. والافضل باعتقادنا ان تكون عملية الوحدة، بالاضافة الى تشكيل اللجنة المذكورة اعلاه، ايضا وبشكل مباشر بين كنيسة المشرق الاشورية وكنيسة روما. وهذا ما اراد ان يوصله فديو الاستقبال الذي نشرته كنيسة المشرق، اي ان الطرفين المستقلين والمتساويين بالمكانة والدرجة، مار دنخا الرابع وبابا روما يمكنهما التحدث بهذا الشأن. ومع جل تقديري لهذا الرأي ارى ان واقع شعبنا يجب ان يتخطي الكثير من الاشكالات وان يتم الالتهام بطريقة تعيد ثقة الناس بقياداتها الدينية، كما ارى ان غبطة مار لويس ساكو مهموم بهذا المصير والذي يريد ان يحميه وبكل الطرق.

16 حزيران 2014 عنكاوا

 

 مار دنخا التفاني والنجاح

منذ نهاية السنة الماضية عانى قداسة مار دنخا الرابع، نتيجة المرض والجهد المبذول، واليوم سلم الراية، راية العمل والجهد لمن يخلفه في هذا الموقع المهم والذي يعتبر استمرارا لموقع مار بطرس ومار توما ومار ادي ومار ماري ومار شمعون البرصباعي.

لا احد ينكر التركة الثقيلة التي استلمها قداسته، ففي عام 1976 حينما اختير لادارة الكنيسة بعد مقتل مار ايشاي شمعون، كان وضع الكنيس يرثى لها، فلا قساوسة اكفاء ولا اساقفة مهيئين ولا مطارنة يملؤون  مراكزهم. كانت الكنيسة تدار بهمة ثلاثة او اربعة اساقفة، لا يربطهم رابط. وكنيسة لا تعيش العصر ولا اي عصر، بل كانت استمرارا بهمة تاريخها ورعاية الله. فبطركها منفي منذ امد طويل، وتنخرها الانقسامات التي لا اول لها ولا تالي، والعشائرية كادت ان تذهب بها.

كان مار دنخا ورفيق دربه المرحوم مار نرسي من رعيل الاساقفة الذين فتحوا اعينهم على العمل القومي العصري، فكانوا جزء من الته الجبارة لضخ الهمم والشعور بالمسؤولية والعمل والاندفاع، ورغم ان قداسته كان يكرر ان العمل السياسي هو للسياسيين، الا انه دعم وساند وبشر برسالة امتنا الواحدة، التي يجب ان تتحد وان تتقدم، لانه لم يجد اي تناقض بين واجبه الديني وانقاذ شعبه وتراثه وضمان استمرارية رسالة المسيح بيد ومع هذا الشعب.

كان الغضب ياكل منا ونحن نرى حال كنيستنا، ولا يد لنا في تطويرها، اننا كنا متلهفين لذلك، وكنا نعتقد ان التطوير هو وصفة جاهزة، فبمجرد ان نفكر فيها سيمكن تطبيقها، كنا شبانا تحركنا العواطف النارية والرغبات المتسرعة، لاننا اعتقدنا باننا زائلون لا محال.

قبل انعقاد المجلس السنهاديقي لاختيار البديل عن قداسة مار ايشاي شمعون، اتذكر ان الاخ نمرود بيتو سئلني عن من باعتقادي سيكون البطريرك الجديد، فقلت له سيكون مار دنخا لانه ليس لنا بديل اخر، فالاخر مار نرسي محر وقة اوراقه مع الحكومة العراقية لانه متهم بالتعامل مع الكتائب، وهكذا كان، لم يكن تنباء بل لانه كان حقا الخيار الوحيد المتاح والذي اثبت نجاحه، والذي كان يمكن ان يتواصل مع الكنيسة في العراق.

اليوم كنيسة المشرق لها بدائل وخيارات ونترك ذلك للمجلس السنهاديقي، لانه الافضل من الذي يختار، ولن نحدد اي مواصفات وشروط او مطالب فكلهم في نفس الميزان، لانهم ابناء نفس العائلة، كنيسة المشرق.  واليوم كهنة واساقفة ومطارنة الكنيسة باتوا يحملون شهادات عليا وقدرة عالية على التواصل ومخاطبة ابناء الكنيسة وابناء الشعب والاخرين، فكل منهم مؤهل لادارة الكنيسة لان لكل منهم موقعه الاداري والديني.

كان اول لقائي بقداسته بعد ان رسم بطريركا وكان لقاءنا غير وديا، فكنا نحن محمولين بالكم الهائل من المعاناة والمخاوف والرغبة السريعة في تغيير الواقع، لقد تعرضنا لتدمير القرى وتهجيرها وتعرضنا للتضييق في عملنا الشبابي، الا اننا تمكنا ان نتواصل وان نحصل على دعمه على استمرار لجان الشباب، ولكن بتنازلات معينة، وفي المرة الثانية شأت الصدف ان ياتي قداسته قبل بدء الحرب العراقية الايرانية، وكنا نلتقى ان لم اكن شخصيا دائما ولكن بوجود اخوة اخرين بشكل يومي، بحجة حراسته وصارات حوارات كثيرة ونقاشات. اتذكر ان صحيفة الثورة العراقية ارادت اجراء لقاء صحفي معه، ولان الاوضاع كانت سيئة مع جمهورية ايران الاسلامية، ولانه ادرك المخزى من المقابلة لانه جرت مع اخرين، فرفض اجراء لقاء ورفض ايضا التصريح باي شئ يشم منه تهجم على جمهورية ايران الاسلامية، فخرج قرار يطلب بمغادرته الاراضي العراقية وخلال اربعة وعشرون ساعة، كنا حوله، وحاولنا ان نعرف ردة فعله، فقال يجب ان اخرج لانني ايراني الجنسية ولكن سابقى مدى اكبر وبقى ايام اضافية كتحدي للسلطة، وكان موقفا جعلنا نشعر بالفخر حقا، لانه واخيرا  هناك من تحدى السلطة التي كانت قبل اشهر تحاول ان تفرض تدريس تفسير القران لابناءنا الطلبة. هذه الفرض الذي رفضناه بالتمرد ورفع الصوت وعدم الذهاب الى المدارس، والذي كان لموقف المرحوم مار بولص شيخو ايضا دورا مساعدا في الغائه.

لم يقبل قداسته تجيير الكنيسة لاي عمل خارج اطار مؤسساتها، حاول البعض استغلالها او الضغط عليها لكي تمنحهم صك العمل القومي الوحيد، لم يتمكنوا، لان الكنيسة وقداسته نظروا لكل ابناءها ولكل الاشوريين نظرة واحدة في العمل القومي. وهكذا وجراء قصر نظر البعض حاولوا التهجم على قداسته وعلى الكنيسة ومطارنتها واساقفتها، الا ان الكنيسة لم تستسلم، وصارت في الخط المرسوم، لم تترك مبادئ الايمان المسيحي، ولا العمل القومي الصالح والخير للجميع.

لقد التقيت قداسته مرارا وفي مناطق مختلفة، اتذكر لقاءنا في طهران عام 1989، تحدثنا عن العمل القومي، والكفاح المسلح، ودور الكنيسة، حيث قال لي ان الكنيسة لن تتدخل في عملكم السياسي، ولكننا اشوريين كلنا نتعاطف ونشارك في تقوية وجودنا وكل من موقعه، كنت عازما على ترك طهران والخروج بعد ان تيقنت ان لا مفر امامي فاما البقاء هناك او الخروج، فقلت له انني انوي الخروج، الى اي منطقة يمكنني، فقال لي بما يعني انه يعذرني على الخطوة، ادرك انكم احرقتم جسوركم مع النظام ولا مفر لكم الان وليس في مقدروكم العودة.

لقد تمكن قداسته ان يعيد الدماء الى الكنيسة، ليس من خلال كوكبة من الشباب من تبوا مناصب عليا فيها، وليس من خلال كسر السياميذا بيوبالا، وليس من خلال النشاط الثقافي والادبي الذي عم ابرشيات الكنيسة، بل ايضا من خلال العلاقات التي اقامها مع الكنائس الشقيقة مثل كنيسة المشرق التقويم القديم والكنيسة الكلدانية والكنيسة السريانية الارثوذكسية، وبقية الكنائس الشقيقة. اقام علاقات ودية وندية مع الكنيسة الكاثوليكية الرومانية ومع الكنيسة الارثوذكسية الروسية. واهم عقابات واجهها في مهمته في فتح صفحة ناصعة بين كل الكنائس كان الموقف المؤسف للكنيسة القبطية.

نعم حدثت نكسات وانتكاسات، ولكن يسجل لقداسته طيبة قلب متناهية، وايمان مطلق بان الجميع صالحين، ورغبة حقيقية في مسامحة الجميع، ولكن مع الاسف لم يكن الكثيرين على مستوى هذه الروحية الطيبة.

ماذا نقول لرجل حياته كانت انجازات مستمرة، هل نقول يرحمك الله، ام نقول لقد عملت ووفيت وستبقى ذكراك خالدة في عقول وقلوب ابناء وبنات امتك بمختلف كنائسها، فلمثلك كتب الخلود، ونم قرير العين، وليكن من يخلفك بهمتك ووعيك ويبنى ما بنيت ويعمر ما نويت. والف رحمة على روحك الطاهرة كه سي.

26 اذار 2015 عنكاوا

 هل سيتم اختيار قداسة مار ادي لقيادة الكنيسة؟

في السبعينيات من القرن الماضي، كانت لا تزال اثار الخلافات التقويمية والعشائرية حية ولها تاثيرها، ورغم العمل القومي الجبار الذي قاده الشباب حينذاك واثمر حالة من التعايش وكسر الحواجز، الا انه لم يتمكن اي الشباب القومي من انجازات خطوات اخرى في طريق ازالة العوائق والصعوبات امام العمل القومي ومنها مثلا قضية الكنيسة وانقسامها الجديد والذي ابتداء عام 1964، ورغم اللقاءات التي اجريت مع طرفي النزاع واقرار الطرفين اوزعماءهم ان الانقسام لا معنى له حقيقة، الا ان الانقسام ظل وبقى لا بل استحفل وانتقل الى المهجر نتيجة اخطاء اقترفتها الكنيسة ورجالها وخصوصا كنيسة المشرق الاشورية والاحزاب السياسية، التي حاولت الدوخول الى الساحة لاستلام مهام ودور الكنيسة.

في كل حوارات كنيسة المشرق الاشورية وكنيسة المشرق القديمة، كان عائق وجود بطريركين عائقا مهما ووجد انه من الصعب تجاوزه، وقد يكون احد اسباب ذلك عدم الثقة في ادارة احد الاطراف من قبل الطرف الاخر، او لاسباب اساسها عشائري محض، لاتزال ونحن في بداية القرن الحادي والعشرون وبعد ان تركنا مناطقنا العشائرية التي نسبنا اليها باكثر من مائة عام تؤثر فينا سلبا.

وكان احد المخارج التي تم مناقشتها ان يكون للكنيسة بطريركين متساوين بالارادة وان ينتظران ما يقرره الله وحينها سيبقى بطريرك واحد ومن ثم تسير الكنيسة على هذه الخطى.

ونحن اليوم نودع قداسة مار دنخا الرابع الوداع الاخير، وامام  المجلس الكنسي وقتا وان كان قصيرا، فهو اقل من شهر باعتقادي، لانتخاب من يجلس على كرسي البطريركية، نضع امام انظار الاكليروس والمؤمنين هذا الاقتراح.

ورغم ايماني واعتقادي ان في كنيسة المشرق الاشورية، رجال يمكن لهم ان يديروا الكنيسة بدرجة عالية من المسؤولية وان يخدموها وينقلوها خطوات الى الامام، ولكنني امام احدى الخطوات التاريخية لوحدة قسمين من الاقسام الثلاثة لكنيسة المشرق، اقف واقول لماذا لا نمنح الفرصة لهذا الخيار التاريخي والرباني لكي نحقق ارادته؟

سيقف الكثيرين مرددين الكثير من الاقاويل والاعتراضات وان الوقت ليس وقتها، ولكنني ارى بانه لم يبقى لنا وقتا اصلا،  كشعب وككنيسة، ادرك المنافسات الطبيعية وادرك التضخم الكبير في الهيكل الاداري للكنيسة، ولكن امام الارادة الواحد، لاجل عودة الوحدة، فان الكثير من الجهد والتضحيات يجب ان تبذل. نعم ارادة الوحدة وارادة التقدم والتطور يجب ان تكون موجودة، ويجب ان تدفع الجميع من كلا الطرفين لكي يتم تسجيل اسمهم في التاريخ الناصع من تواريخ كنيستنا وهو تاريخ عودة اللحمة والوحدة بين الطرفين، مع وضع كل الضوابط والاسس الكفيلة بان تكون الوحدة عاملا في تطور وتقدم الكنيسة  وليس في تشرذمها مرة اخرى. ويجب ان يتم الادراك ان من يكون في موقع البطريركية سيتمكن من خلال تكاتف جهود كل اعضاء المجلس السنهاديقي من التغلب على كل محاولات البعض استغلال اخطاء الماضي للتاثير عليه.

ان التاريخ لا يرحم من لم يستغل الفرص المواتية احسن استغلالا، انها فرصة الاهية، وهاهو الرب يقول لقد منحتكم الفرصة التي قلتم بها، فهل ستتمكنون من التغلب على شكوكم ومخاوفكم احدكم من الاخر؟

لنحصن موقع البطريركية والمجلس السنهاديقي من كل التاثيرات الخارجية، وليكن في خدمة تحقيق كلمة الرب، وخط الكنيسة، وهذا لن يكون الا بتظافر الجهود، من اجل اعلاء شان الكنيسة والامة ايضا.

انها صرخة وارجو ان لا تكون صرخة عاطفية، بل ان يعمل العقل قبل العاطفة، ولكن يجب ان لا ننسى ان العاطفة تعبر اصدق تعبير عن حقيقة الانسان ولحظته. وان يتم دراسة المقترح وانه يمكن تاجيل انتخاب بطريرك جديد باعتقادي بعض الوقت ان كان الامر جديا. والا فان انتخاب بطريرك جديد سيكون مدار تساؤل حول احقية رغبىة ابناء الكنيسة في الوحدة، وخصوصا ان ما يفرق الكنيستين، لم يعد له وجود، فلا النظام الديكتاتوري موجود، ولا اختلاف التقاويم ولا الصراع من اجل هذا اوذاك، لاننا كلنا اليوم في سلة واحدة، هي سلة التي يلعب بها الهواء وفي اي لحظة قد تطير بها هبة قوية منه

8 نيسان 2015 عنكاوا

 

 هل ستنجحون يا اباء الكنيسة في مهمتكم المقدسة، الوحدة؟

هناك في الحياة بعض الاشخاص يطبعون العصور وليس العصر بطابعهم، لانهم يتمكنون من انجاز امور قد يجدها الاخرين صعبة او مستحيلة. وهذا لانهم يمتلكون رؤية للحياة تقول بالغاية والاسلوب المتوافقان. بمعنى ان كانت الغاية خير فبالتأكيد ان الوسيلة ستكون خيرة.

في مقال لنا سابق، سألنا سؤال قد يكون افتراضيا ولكنه اساسي وهو هل يمكن ان يكون قداسة مار ادي بطريركا للكنيسة؟ الحقيقة ليس الهدف شخص قداسة مار ادي او غيره، بل الغاية هي عودة وحدة الكنيسة التي ابتلت بانقسام غير معقول وغير مبرر، وبسبب تعنت كل الاطراف حينها، لانهم اخذوا الامور بشكل شخصي وقبلي، اكثر مما هو مجال للحوار وتبادل الاراء والاتفاق وخصوصا ان الامور التي سيقت حجة للانقسام كان يمكن الحوار حولها او تأجيل الاخذ بها لحين الاتفاق. مما ساهم في تدخل اطراف عديدة لاضعاف الكنيسة والطمع في توجيه ابناءها الوجهة التي كانوا يريدون.

في شرقنا ونحن جزء منه ثقافة، وان كنا نعيش في الغرب، نعتقد ان الانتصار على الاخر هو اعلانه الاستسلام ورفع الراية البيضاء والقبول بكل ما يتم املائه عليه، ولكن في ثقافة وممارسة من يطبع العصور باسمه، الانتصار يعني التوافق على كل الامور بشكل شفاف وواضح وان تاجل امور يمكن تاجيلها لان، الغاية اسمى. الانتصار ليس شخصيا بل هو انتصار الكل على حالة تعوق تقدم وتطور الكل، من هنا فالانتصار الحقيقي هو الذي يجمع قدرات الكل وبتراضي تام ويتم وضع هذه القدرات لتحقيق حالة اكثر ايجابية واقدر على تحقيق تغييرات في الواقع الحالي.

اود ان اقدم اعتذاري لاباء الكنيس ان كان يستشف من كتابتي هذه على انه تدخل في شؤونهم، فما اقوله ليس الا راي متواضع من شخص محب للجميع من اجل مستقبل افضل لنا جميعا.

الغاية من الوحدة، هي تقوية وضم كل الجهود معا لاجل تحقيق غايات اعلى، بمعنى ان الوحدة في اي مجال تحاول فتح افاق غير محدودة للمستقبل، مع توفير الجهود لهذه الافاق من القدرات الفكرية والمادية وغيرها. الوحدة لا تتحقق بانتصار طرف على اخر، رغم ايماني ان اباء الكنيسة من الطرفين ليسوا في وارد التفكير بالانتصار بمعناه الارضي، بل هم يريدون  الانتصار لقيم الايمان المسيحي والانتصار على الشر الذي تمكن من ان يتسلل الى الكنيسة ويقسمها بمعونة ابناء لم يتمكنوا من ان يتحاوروا. الا ان التنبيه منه ومن محاولة الشر الاستمرار في محاولته لاعاقة او تاجيل او نسيان العمل الوحدوي، امر ضروري لاننا في الاول والاخر بشر من دم ولحم. و ان امنا ان روح القدس ترفرف حامية تجمعنا.

اسعدني خبر اللقاء الذي تم في شيكاغو بين اباء من الكنيسة بطرفيها، فاللقاء مهما كان سيكون باعتقادي وسيلة لتقوية الاواصر وفهم الاخر وفهم تطلعاته ورؤيته، ولكي لا يكون لقاءا استعراضيا، بل لقاءا مثمرا ومنتجا، وهو الذي نتوخاه منهم لان اباء الكنيستين قد اثبتوا مرارا انهم بقدر المسؤولية، وانهم يدركون جسامة المهمة التي يتولونها، ومدى تاثيرهم في المؤمنين سلبا وايجابا، وحسب الوضع، فلذا فاننا نتوق الى ان يتم الخروج بافضل النتائج من خلال ما نتطلع ونتمنى ان يكون واقعا. وبالطبع انني مدرك بشدة ان هناك اخوة اخرين يمكنهم ان يساهموا ويغنوا القضية بافكار وطروحات ايجابية لوضع حد لقضية اشغلتنا نصف قرن ولم ننل منها غير السلبيات، واقصد بها قضية انقسام الكنيسة الذي حدث عام 1964. ان حل هذه القضية باعتقادي سيكون الباب الذي يمكن منه العبور الى التعامل بايجابية وثقة اكبر من الشقيق الاخر من الام الواحد اي الكنيسة الكلدانية، واللتي ايضا هي جزء من كنيسة المشرق.

باعتقادي ان غاية الوحدة اسمى من انتخاب بطريرك جديد للكنيسة حاليا، وخصوصا ان هناك بوادر لتطوير اللقاء ليكون حوارا جادا، وهذا معناه ان العمل من اجل انعقاد المجلس السنهاديقي المقدس بمشاركة الطرفين، والبحث في كل المشاكل ووضع تصور لحلها والاتفاق عليه، بصورة شفافة وواضحة، يمكن ان يسهل عملية انتخاب بطريرك جديد يقود الكنيسة بعد وحدتها، ليس كدخيل على طرف بل كبطريرك شرعي مستمد قوته من المجلس السنهاديقي الموحد. والمشاكل العالقة هي في الغالب مشاكل ادارية ورمزية، اما الادارية فهي تواجد مطارنة واساقفة وكهنة في منطقة واحدة، بل احيانا وجود زخم منهم او اكثر من الحاجة، وهنا اود ان اقول اننا بحاجة لكل ابناء الكنيسة والامة بالتاكيد، ولكن لادارة رعية او ابرشية وغيرها وبامكاناتنا الحالية وتشتتنا الحالي نرى ان الزخم كبير والكنيسة تتحمل الكثير لاجل ذلك، وانه في الغالب كان نتاج التنافس الغير الطبيعي بين الطرفين. باعتقادنا انه يجب حل المسألة ووضع حلول لازمة لها، ومنها الابقاء على الكهنة كما هم الان، ومحاولة توزيع بعض الاساقفة على مناطق لا يتواجد فيها اساقفة ومطارنة، كلبنان وروسيا مثلا، والعمل من اجل تكليف البعض بالتفرغ لادارة مؤسسات تابعة للكنيسة مثل اسيرو، او مكتب للدراسات واعادة النظر في التراث الكنسي. مع الانضباط وعدم رسامة اساقفة جدد لحين استقرار الوضع الاداري على طبيعته وضرورة المستجدات الت قد تفرض رسامة البعض مستقبلا. كما يمكن بالطبع الاستماع الى رغبة البعض بالتقاعد لكبر السن او اسباب اخرى ولكن برغبة شخصية خالصة.

تبقي بعض الامور الرمزية والتي اتخذت كسبب للانقسام مثل مسألة التقويم، باعتقادي يجب ان يتم مناقشة الامر من خلال مصلحة المؤمنين اولا واخيرا، وليس من خلال فكرة وحدة بوحدة، اي تنازل هنا مقابل تنازل هناك، ورغم ان فكرة الاحتفال بعيد الميلاد على التقويم الغريغور وعيد القيامة على تقويم اليولياني، فكرة مطروحة وقابلة للتنفيذ، وخصوصا ان عيد القيامة يقع دائما يوم الاحد، مما يعني توفر يوم واحد للاحتفال بدل يومين . من هنا نرى بان اخذ الامور بذهنية المناقشة الحرة قد تجعل مسألة ايجاد الحلول لمثل هذه الامور يسيرة وغير معقدة. اما الامر الاخر فهو بعض التغييرات البسيطة التي اجريت على الطقس فهي باعتقادي امر فرضتها التطورات ويمكن التعايش معها وخصوصا ان الطرفين يتشاركان كثيرا في تناول القربان المقدس بدون حساسيات.

اليوم اباء الكنيسة بطرفيها، هم امام انظار ورقابة المؤمنين الذي يتوقون للوحدة، صحيح نحن لا نريد وحدة شكلية بل وحدة حقيقة تضع كل الامكانات في اتجاه واحد، وهو اتجاه دعم المؤمنين امام ما يتعرضون له في كل مجال، سؤا الاضطهاد والتمييز في اوطانهم الاصلية او محاولة الانسلاخ عن الايمان والكنيسة نتيجة شيوع وانتشار الايديولوجيات المعادية للدين. ولذا اقول لاباء الكنيسة، انكم يا اباء الكنيسة مطالبون بتقوية الكنيسة وبدعم ونشر رسالة السيد المسيح التي اكدت على المحبة والتسامح، وخصوصا مع بعضكم البعض من خلال اشاعة روح المحبة المسيحية في، كما انكم مطالبون بعدم التبرير والاصرار على اراء وفرض مواقف، كما انكم مطالبون بوحدة تستمر وليس وحدة تخلق شرخا اخر.

كما فتح انتخاب قداسة مار دنخا حينها امام الكنيسة افاق جديدة، ففي اربعين عام تمكنت الكنيسة وتحت ادارته وبمعونة الرب واخوته من تطوير وتوسيع امكانيات الكنيسة واعادة الامل الى ابناها بان كنيستهم كنيسة فاعلة في حقل الرب، نقول ان انتقال قداسته الى الاخدار السماوية قد تفتح باب الوحدة، ليس كما قد يضن البعض من انه كان ضد اتمام الوحدة، بل لانه عمل بكل اخلاص من اجل ذلك وهناك شواهد كثيرة على ذلك. فانتقال قداسته قد حل عقدة لم يتمكنوا حينها من حلها، وها قد حلها الله حينما اختاره الى يمينه في مملكته العليا.

اننا في هذا الوضع المؤلم وخصوصا بعد التشرد واحتلال مناطق شعبنا وتهجير واسر الاخرين، نتطلع لخطوات نستمد منها الامل، لكي يستمر دم الحياة يجري في عروقنا، ولا نستسلم لامر نعتقده محتوما وهو زوالنا ككنيسة وكشعب.

24 أيار 2015 عنكاوا

 

 لقد كنتم على قدر المسؤولية

لقد كان البعض على استعجال، لانتخاب البطريرك الجديد الذي سوف يحمل المسؤولية الثقيلة على عاتقه، بعد انتقال مار دنخا الرابع الى الاخدار السماوية، هذا البعض قد يكون بعضان وليس واحد، واحد يريد ان يرى راسا للكنيسة لكي تستقر وتسير الامور، والبعض الاخر، كان يريد استعجالا لكي يتهم لاحقا، ولماذا استعجلوا، ولم يمنحو الفرصة للحوار الوحدوي.

اليوم يتبين انكم يا اباء الكنيسة الاجلاءاستمعتم الى الحقيقة النابعة من ضميركم الصافي، ولم تمنحوا فرصة للصائدين في المياه العكرة، لكي يزيدوا من التباعد بين ابناء الكنيسة من الطرفين، ولا لخلق مجال اخر لجر البعض الى انقسام اخر بحجة ان الاباء لم يمنحوا الفرصة المطلوبة، ليس حبا بالكنيسة وبالوحدة، بل رغبة من هذه الاطراف لاضعاف الكنيسة، لانهم يعتقدون انهم بضعف الكنيسة سيكونون اقوى. ولكنكم خيبتم ضن الابليس وضربتموه من حيث لا ينتظر.

الكنيسة واعني كنيسة المشرق الاشورية، ستسير كما سارت خلال الاربعين يوما الماضية، فكل اباءها يقومون بواجبهم وكل من موقعه، وعليه فعجلة العمل في الكنيسة ستسير ونعتقد ان مار ابرم يمكنه وبقدرته وتاريخه ومكانته ان يمنح الكل النصيحة الصالحة للمسيرة لحين انتخاب اب الاباء في المستقبل القريب انشاء الله.

فثلاثة اشهر من التاجيل لا تعني اي شئ، مقابل الفرصة الممنوحة لوحدة الطرفين، فبقدر سمو رسالة الوحدة، وكونها مطلبا مهما لغالبية ابناء الكنيسة، الا ان الوعي بهذا الامر وضرورته وانصياع اباء الكنيسة للحق كان باعتقادي مثار اعجاب وافتخار وزهو لدى كل من سمع قرارهم بتاجيل انتخاب بطريرك جديد للكنيسة.

ان هذا القرار يدل بلا ادنى شك على قوة الكنيسة وثقتها بنفسها وبانها تختار الطريق الصحيح، طريق الاباء الكبار مثل مار شمعون برصباعي ومار اوا ومار طيماتاوس الكبير ومار يوالاها الثالث ومار بنيامين الشهيد  الى الاب الكبير ومجدد الكنيسة مار دنخا الرابع. ان هذه الثقة لم تأتي من فراغ، بل اتت من المشاركة والمعايشة التي يعيشها اغلب الاباء مع شعبهم وعاشوها مع معلمهم الارضي مار دنخا الرابع.

كنيسة تمكنت ليس من بناء صروح معمارية، وليس من رسامة اساقفة متنورين ومتعلمين، بل ان تكون في قلب المجتمع في اغلب المناطق، فالكنيسة تقوم بتوجيه المجتمع وتبني كوارده في صروحها التعليمية وتتشارك افراح ابناء الرعية في نجاحاتهم، وتتشارك مع من تعوزه الحاجة من خلال منظمتها القائمة لمساعدة المحتاجين وتتشارك في اعلامهم وتوجيههم من خلال اصواتها الاعلامية. كنيسة كهذه تدخل العصر من مختلف ابوابه، كنيسة قادرة ومقتدرة، ولن يفزعها ان يتاجل انتخاب بطريركها لمدة لاجل غاية اسمى وهي تحقيق امر يسوع المسيح، عندما قال كونوا واحدا.

اليوم تخطو الكنيسة خطوة واسعة نحو الوحدة وتمنح الفرصة لكل الاطراف لكي تمعن التفكير في ما الت اليه امور شعبنا وكنيستنا وكم ان وحدة الشعب والقرار ضرورة للناس العاديين في حياتهم اليومية وصراعهم من اجل البقاء، ان الوحدة هنا هي ذلك الامل والشعاع الذي يمنح للناس الطمائنينة من ان الامور يمكن ان تكون افضل.

لنرفع السواعد من اجل تحيقيق هذا الانجاز الاولي، ولنتمكن من ان نكسر الموانع والعقبات، وان نضع حلولا لكل المعيقات، الرب سيكون معكم مادامت غايتكم صالحة وهل هناك اصلح من تحيق وحدة كنيسة. في مواجهة اي معيقات يمكن ان يكون الانفصال والعودة الى ماكان اسهل الحلول، ولكن اصعبها وافضلها واكثرها تلائما مع الحق والايمان، هو استمرار الحوار من داخل المنظومة الواحدة، وعدم منح الفرصة للشيطان لكي يخرب في بستان الرب.

الف تحية لكم ايها الاباء ونحن نراقب خطواتكم، بكل محبة وحذر

5 حزيران 2015 عنكاوا

 

 من سيكون البطريرك الجديد؟

ابتدأ من يوم غد سيعقد المجلس السنهاديقي لكنيسة المشرق الاشورية، جلساته بغية العمل من اجل انتخاب اب جديد للكنيسة، اب يكون سليل مار ادي ومار ماري وما شمعون برصباعي وما اوا ومار طيماتيوس الكبير ومار يوالاها الثالث والكثير من الإباء  الافذاذ ممن جلسوا على هذا الكرسي الرسولي الكاثوليكي.

اود ان اشير انني كنت من الداعين للوحدة ومهما كانت التضحيات، ولكنني لست ممن يقومون بالانتقال والتغيير والتهجم حينما لا يتحقق حلمه، فاكيد ان حلمي قد اصطدم بوقائع مريرة كنت اعلم عن بعضها ولكنني منيت النفس بتجاوزها، لأننا نرمي الى تاصيل دور الكنيسة والكرسي البطريركي، ولكن وقع ما كان متوقعا، وهو ان الوحدة ما بين الفرعين الأقرب لكنيسة المشرق لم تتحقق، وكل سيحاول اثبات انه الاحق، ولكن الحقيقة ان لا احد يملك الحقيقة كاملة. ومستقبلا أتطلع من البطريرك الجديد لكنيسة المشرق الاشورية ان يحاول ان يلم بأسلوب المفاوضات وطريقة اجراءها وهذه التطلع موصول لكنيسة المشرق القديمة، لان التفاوض ليس فرض شروط او محاولة الاستقواء او التطلع للاستحواذ، ان التفاوض هو للوصل الى تحقيق الاهداف المشتركة، وهنا هي كثيرة وان كانت كل تلك الأهداف ووصاية السيد المسيح وما يتعرض له انساننا من محاولة سلخه من واقعه ومن هويته ليست كافية فما هو الحدث الذي سيجمعهم مرة أخرى يا ترى. اليوم خسرنا فرصة كان يمكن الاستفادة منها، ولكن تشبث البعض بمواقعهم رغم ان الوقائع تقول انهم لم يعود بمقدورهم إدارة الأمور، قد أوصل الأمور الى هذه النهاية، ولكن مرة أخرى أقول ان الانسان لا ينجح من الخطوة الأولى او الثانية، بل يجب الإصرار على ولوج طرق جديدة للوصول الى الغاية المرجوة، ولعل من أهمها محاولة المشاركة في فعاليات وحوارات ايمانية ونشاطات شبابية مشتركة.

قد لا يكون شخص البطريرك بذاته مهما، فكل المشتركين في السنهادوس قادرون ومتمكنون ونكن لهم التقدير والاحترام، ولكن الأهم هي  تطلعاته ومرونة اسلوبة وانفتاحه على الأطراف المختلفة وقدرته على الاخذ والعطاء، وقدرته على التطوير والبناء  وهذه كلها يمكن ان  نستدل عليها من تاريخ المنوي انتخابه. الحقيقة ان انتخابات المجلس السنهاديقي، وبما انها مفتوحة، أي ان الكل مرشح وليس هناك استثناء يجعلنا ان ندعو الجميع ان يكون خيارهم منصبا لصالح الكنيسة، الكنيسة كمؤسسة والكنيسة كمؤمنين، ولذا فاننا ندعوهم لتجاوز كل الحسابات الانية والعمل والفعل من اجل انتخاب بطريرك، يتمم مسيرة قداسة المرحوم مار دنخا الرابع، ويعيد ما حدث في عام 1976 حينما تجمعت كل العوامل لتجعل الجميع ينتخبون قداسته لهذا المنصب المهم والذي اثبت وبكل جدارة انه كان جدير به، رغم كل ما مر على الكنيسة والأمة والبلدان التي كان يعيش فيها المؤمنين. ندعوهم لاختيار رجل يؤمن بالعمل المؤسساتي وله خبره في هذا العمل، لانه من الان وصاعدا سيكون من المستحيل الحفاظ على الكنيسة ووحدتها الإدارية دون العمل المؤسساتي المنظم.

لقد تمكن قداسته من تطوير وإعادة العمل بتقليد الإباء في عقد المؤتمرات، لتطوير الكنيسة واخذ المشورة ومشاركة الجميع في القرارات التي تهم الكنيسة والمؤمنين، ولكن يبقى على من يخلفه ان يطور هذه العملية التي تؤدي الى بناء مؤسسة متمكنة وقادرة، وهي عملية ليست بالهينة ولكنها تتطلب التجارب والانفتاح وفرض الالتزام بالقوانين المسنة من قبل الجميع.

ان عملية اختيار البطريرك هي تتمة واجب أعضاء المجلس السنهاديقي، في اختيار مرشد، وقائد يقود الجميع في المهمات الصعبة، وخصوصا ان كنيستنا ومنذ تأسيسها قبل الفي عام، كانت تعيش هذه الظروف الصعبة، لانها أساسا لم تعش مع حكام من ابناءها او من حكام يؤمنون بايمانها، لقد عاشت حقا في غابة يحيط بها قطعان من الذئاب من مختلف الأنواع والألوان،ولكنها مع كل ذلك صمدت. فمن هو القادر على اتخاذ القرارت الملهمة للجميع، ومن هو الذي تمكن من ان يثبت للجميع انه تمكن من ان يبني من لاشئ واقع يشار له بالبنان. اننا يا اخوتي في المجلس السنهاديقي بحاجة اليه، وبحاجة اليكم لكي تتمكنوا من ان تختاروا حسب ما هو الأفضل للكنيسة.

لا يخفى على الجميع الواقع المأساوي الذي يعيشه أبناء شعبنا في العراق وسوريا والمهجر، ان انتخاب بطريرك يمكنه الحوار وتبادل الرأي والاخذ والعطاء مع مؤسساتنا السياسية بروحية بناءة وقادرة على تراكم الخبرة والامكانيات، ومع القوى السياسية الوطنية في العراق وسوريا، لهو امر مهم ان يؤخذ بنظر الاعتبار، لان البطريرك يكاد ان يكون احد اهم الأشخاص ممن يتم اخذ رأيهم بنظر الاعتبار، لاعتبارات تاريخية واجتماعية وواقع حال الانقسام السياسي في المنطقة فانه من المهم الالمام بلغة والتاريخ السياسي والجغرافي والتكوين الاجتماعي للبلدان التي نتواجد فيها بكثرة وخصوصا العراق وسوريا.  ان بطريركا مثل هذا يمكن أيضا ان يواجه أي حملة تضليلية ضد معتقدات الكنيسة، كما حدث مع قداسة مار دنخا، ففي الوقت الذي كان يستقبل على اعلى المستويات في الكثير من البلدان التي كان يزورها الا انه لم يسايرها في أي  ادعاء ودافع بصلابة ومهابة عن معتقدات الكنيسة، وشخصيا شهدت له مثل هذه المواقف حينما رفض مهاجمة النظام الإيراني ورفض اجراء مقابلة مع صحيفة الثورة العراقية لهذه الغاية، وحينما فند طروحات بعض رجال الدين المسلمين الذين كانوا يدعون ان النبي محمد هو المقصود بالروح القدس او فارقليطا، في عام 1989 في كنيسة مار كوركيس في طهران. داعيا المؤمنين للافتخار بايمانهم وان يدافعوا عنه من موقع المعرفة والعلم وليس التعصب.

ان تجديد الطقوس والممارسات الكنسية امر يفرضه العصر ومتطلباته، وعلى الايمان ان يتماشى مع إمكانيات وظروف الناس، ان التجدد هو سمة الحياة ولا يمكن لاي مؤسسة لا تجدد ذاتها ان تستمر، وعليه من الضروري ان يتم اخذ إمكانية القادر على التجديد مع الحفاظ على الاصالة، في نظر الاعتبار ان اردنا كنيسة قادرة ومتمكنة وتسير بحسب ايمانها ومقرراتها وليس بتلميحات وايماءات واوامر من خارج الكنيسة ومن خارج المجلس السنهاديقي والذي يعتبر اعلى سلطة في الكنيسة.

من الواجب باعتقادي ان يؤخذ، بنظر الاعتبار قدرة البطريرك على التعايش مع التكنولوجيا الحديثة والالمام بالعلوم والاحداث السياسية المتسارعة والتفاعل معها، لان كل هذه الأمور تساهم في صياغة القرار واتخاذ الموقف السليم، ان انعزال البطريرك عن الحياة وعدم قدرته على التفاعل مع مجريات الأمور على المستوى العالمي وخصوصا ان كنيستنا باتت عالمية، بكل معنى الكلمة ليس فقط لتعدد الأمم  فيها بل لان مؤمنيها ينتشورن في اكثر من أربعين بلدا في العالم. من هنا ان وضع هذه النقطة في نظر الاعتبار سيساهم في ترسيخ دور الكنيسة في حياة الناس ويجعلها محور هذه الحياة.

ان اخذ تجارب الكنسية وخدمات المنوي اختياره امر ضروري أيضا لكي يمكن للبطريرك الجديد الحورا مع الكنائس الشقيقة والتي تختلف عن كنيسة المشرق ببعض الطروحات اللاهوتية والتاريخ الكنسي والحوارات الدينية والمذهبية.

ان تجارب الشبابية وا لاهتمام بهم ورعايتهم والعمل من اجل جذبهم للمعايشة الايمان من خلال الكنيسة امر ضروري لربان السفينة (الكنيسة) كي يمكن ان يسير بها في عباب البحار المتلاطمة. فبواسطة عضلات وعقول هؤلاء الشباب سيمكن ان تنتقل كنيستنا من جيل الى الاخر، وليس بالعناد والجمود. اننا نتمنى ان نرى بطريركا تقوده همة الشباب وخبرة وحنكة الشيوخ، بطريرك يمكن ان يخدم لفترة تمكنه من ان يسير بسفينة الكنيسة نحو الطور والتقدم والمشاركة بين المؤمنين والكهنة.

فلتهبكم الروح القدس من نورها نورا يمكنكم من انتخاب من يمكنه ان يقود كنيستنا الى بر الأمان، والرب معكم

15 أيلول 2015 عنكاوا

 

 مار كوركيس الثالث صليو… البطريرك الحادي والعشرون بعد المائة

في يوم الجمعة المصادف 18 أيلول 2015 تم انتخاب غبطة مار كيوركيس صليوا، مطران العراق وروسيا، ليتسنم منصب البطريركية ويكون البطريرك الحادي والعشرون بعد المائة لكنيسة المشرق الاشورية. ونحن اذا نبارك لغبطته هذا الاختيار، فاننا نتمنى له ديمومة الصحة والعمر الطويل لخدمة الكنيسة وتقدمها وترسخها في حياة ابناءها وثباتها كشاهدة على الايمان والصراع مع الشر أينما كان.

الكنيسة ليست مجرد مجموعة من الابنية، بل هي مجموع المؤمنين، بخط وعقيدة واحدة، ومن هنا فالكنيسة تتعامل مع أناس لهم ميول مختلفة ومصالح وامال عديدة، ان التوفيق في هذه الأمور ليس امرا سهلا ولكنه في عين الوقت ليس مستحيلا، فالمؤمنين اليوم وفي عصر الاعلام المفتوح وارتقاء مستواهم العلمي وتنوع اختصاصاتهم ومعارفهم العلمية والأدبية واللغوية، يفرضون واقعا اخر على رجال الكنيسة، بالتأكيد انه ليس واقع الاستجابة التامة لكل ما يصدر عنهم او حتى احالته الى رب العالمين في قولنا اعملوا ما يقولون ولا تعملوا ما يعملون. ان الناس لم تعد ترى في رجل الدين الشخص المقدس المنزه، وليست مستعدة لتراه بهذه الصورة، بعد ان تم تشويهها من قبل الكثيرين. فالكثير من رجال الدين او الكنيسة اعتبروا تسنمهم منصبا او موقعا في الكنيسة صك مفتوح لاصدار الأوامر والبعض لممارسة امراضه النفسية في السيطرة والقيادة والا فالويل لمن لا ينصاع (حتى انني اشبه علاقة بعض الأساقفة مع الكهان بعلاقة ضباط الجيش العراقي بنواب الضباط وضباط الصف الذين كانوا يواجهون صخط الضباط وسخط الجنود). وعليه نرى ان تكون للكنيسة ومجلسها السنهاديقي موقف واضح من هذه الأمور، وان يقوم رجال الدين بفهم ان واجبهم ليس توجيه الأوامر بل الاقناع، وان الكنيسة ليست المجال لممارسة السلطة، بل لترسيخ الايمان واظهاره باجمل صورة. ولم شمل المؤمنين حول أمور أساسية وليس خلق حزازيات بينهم لاجل تسيرهم، ودفع الأساقفة لتحقيق الإنجازات الممكنة في الابرشيات التي يرؤسوها.

الكنيسة منقسمة منذ البدء قهذه حقيقة، لانها أصلا لم تكن متوحدة، في يوم من الأيام، ولكنها في البدء لم تكن مؤسسة، لها كادر متفرغ وسياسة تسير على نهجها، في البدءكانت ايمانا صافيا وبلا أي تعقيدات ولكن تطور الأمور وانتشار التفاسير والاجتهادات توجب ان تكون لها قيادة ومجالس وسياسة وتفسيرات محددة. ولكن كنيستنا المشرقية، منقسمة منذ اكثر من خمسمائة سنة ومن ثم تجدد الانقسام الثاني منذ اكثر من خمسون سنة، ان هادي الكنيسة وقائد ربابنتها، عليه ان لا يقف عند انه الصح والاخرين خطاء، فهذا موقف ايماني صرف لا ينظر للانقسامات من باب اختلاف الرؤى والمصالح.  من هنا نتمنى من غبطته حينما يتسنم مركزه، في السابعوالعشرون من الشهر الجاري، ان ينظر بعيون اكثر انفتاحا ورؤية اكثر تفهما لما يعتقده ويؤمن به الاخرين، على غبطته ان يعطي صورة كلية لمدبر الكنيسة كلها، وان ينظر من كل الاتجهات والمواقع ليرى، علاقة المؤمنين بعضهم مع بعض رغم اختلاف الكنائس، لكي لا يتجاوز المؤمنين الكنائس يوما وتجد الكنيسة نفسها انها في واد والناس في واد اخر. مع الكنيستين الأخيرتين، الكلدانية والمشرق التقويم القديم، يربطنا الكثير وليس الايمان المسيحي بل التاريخ واللغة والتراث والليتورجيا ووو وكوننا شعبا واحدا، وعليه انه من واجبنا ان نرى شعبنا في الضفة الأخرى كيف يفكر وماذا يريد. من هنا نجد ان يقود غبطته توجها نحو الوحدة، بمفاوضات وليس بشروط، والبحث عن مخارج وليس اما او، وهذا سيكون ممكنا لو كانت هناك لجنة او مجموعة تتحاور وتتفق على إيجاد مخارج لكل ما يستعصى على الحل لتعرضه على أصحاب الشأن وحينما ينضج حلا يمكن ان تعلنه. يجب ان نتجاوز عقبة الايمان الحق والقويم، فكلنا بالمسيح مؤمنين. وكل منا له اخطاءه وخطاياه وليس هناك من معصوم، ان شعبنا وكنيستنا المشرقية تتمنى ان تكون واحدة، لكي نتمكن من ان نتوحد مع كنائس شعبنا الأخرى، ممن لم تكن أصلا من كيسة المشرق.

هنالك الكثيرمن الأمور التي قد تكون صحيحة، وانا قد اتفق معها مع غبطته، ولكن ليس كل صحيح صائب، فالاصرار على المواقف الأيديولوجية والفكرية، بحجة كونها صحيحة قد يضر أبناء شعبنا وهم في نفس الوقت أبناء كنيستنا اوابناء كنائس شقيقة، وقد يخلق ياس وقنوط، ان التعامل في المجال العام هو تعامل مصلحي بالأساس، ماهي المصلحة، وأين تقع وماهي افضل النتائج، انيا وعلى المدى البعيد. يحضى غبطته بالتقدير الواسع من لدن أبناء الكنيسة ومن أبناء كنائس أخرى، وهذا التقدير هو راس مال جيد، يمكن استثماره في مجال تحقيق نتائج افضل لكنائسنا ولشعبنا. في مقالة سابقة أدرجت الكثير من الأمور التي أرى انه يجب ان تتوافر في بطريركنا الجديد، وأتمنى ان تتحقق لدى غبطته، فهذا اول من انتخب لدرجة البطريركية وهويحمل شهادة جامعية، وله خبرات ثقافية وادبية وتعليمية، وهو اول رجل دين بدرجة عالية خصص وقتا لتتبع اثار كنيستنا وشعبنا والقى محاضرات مختلفة في مواقع متعددة وتمكن من إقامة مكتبة للمطرانية، (للعلم ان اكبر كتاب في المكتبة هو كتاب الخودرا العائد لقريتنا بيبدي) وغبطته اهتم بالشباب وبانشاء مجموعات للاناشيد الدينية والتعليم بلغتنا الام. ولعل من اهم ما اقدم عليه كان قبوله ان يرسم مطرانا للعراق وهو في المهجر، كانت عودته واستقراره في العراق، مبعثا لفخرنا ولاعتزازنا. حينما عاد غبطته كنا قد شكلنا وفدا وذهبنا لاستقباله في مطار بغداد الدولي، وكانت اول مرة نشاهد الباب الذي يفتح من مجرد الاقتراب منه، وكان معنا الصديق المفقود في حرب العراقية الإيرانية الشماس دانيال بنيامين فكان بين الفينة والأخرى يخرج قدمة من الصف لكي يفتح البابـ مثيرا سخطنا خوفا من قيام الموظفين بطردنا.

عاد مار كوركيس الى العراق وكنيستنا بوضع غير سليم، وتمكن من ان يعمل وبجد ورغم الأوضاع المعروفة من سيطرة النظام ووضعه حصارا غير معلن على كنيستنا وكل مشاريعها، الا انه حقق إنجازات باهرة في مجال البناء او بناء الانسان والمؤمن المرتبط بالكنيسة ورفدها بكهنة واساقفة شباب. تعاون مار كوركيس مع الجميع، وحينما حاول البعض في حواراتنا الشبابية الشكوى منه وانه يتعامل مع بعض المحسوبين على البعثيين، أتذكر انني  قلت ان كلامنا قد يعجب مار كوركيس ولكنه يريد أفعال واعمال ونحن ليس لدينا أي روابط وعلاقاته تساعده في مهمته، والحقيقة ان غبطته كان مهتم بتحقيق إنجازات وهو بالأساس كان بتعامل مع أبناء الكنيسة  ويستغل قدراتهم وامكانياتهم لهذا الغرض.

ما سيكون عثرة في مسيرة مار كوركيس قد يكون القدر الهائل من الاستقلالية التي كان يشعر بها بعض الأساقفة، ونرجو ان يكون هناك توازن بين الأوضاع العامة ومراعاة ظروف كل ابرشية وبين الالتزام بقوانين موحدة ويمكن الشعور فيها ان الكنيسة حقا فيها وحدة القرار. والامر الاخر باعتقادي ان أي محاولة للمقارنه بين غبطته وقداسة مثلث الرحمات مار دنخا، قد لاتكون في صالحه رغم امكانياته، وذلك لاختلاف  الظروف، ظروف شعبنا بالاخص، لانه بات اكثر تشتتا، واكثر بعدا من الكنيسة، ولان مار دنخا تحرك في حقل كان قاحلا حقا، واي انجاز مهما كان صغيرا، ظهر وبان. ان قدرات مار كيوركيس وخبراته باعتقادنا كفيلة بان تبعد  الكنيسة عن الوقوع في مازق كثيرة.

من الطرائف التي سمعتها عن غبطته، ان بعض أعضاء اللجنة المركزية للطائفة الاثورية (هكذا كانت تسمى) قدموا له احد أعضاء الامن العام والمعروف باسم ادور، وكان يتحدث باللهجة السوادية المستعملة لدى أبناء شعبنا في الغالب، فقالو نقدم لك الأخ ادور، فرد غبطته ولكنك الست كامل من الرمادي وكان هذا اسمه وهو من عشائر الرمادي، فوقع في ايدهم وانكشف الرجل انه لم يكن ادور ولا غير، بل من الامن العام لمراقبة تحركات الاشوريين وليكن عينا على الكنيسة وما يجري فيها.

الف مبروك اختيار مار كيوركيس ليكون راعيا للكنيسة، وكلنا امل اننا سنجد راعيا يمكنه ان يخلق علاقة اكثر صميمية بين الكنيسة كمؤسسة وبين المؤمنين، علاقة متناغمة ومتكاملة وترمي للبناء، وان تكون روحه المتواضعة خير معبر لتحقيق إنجازات في مسار وحدتنا القومية والكنسية.

20 أيلول 2015 عنكاوا

 

قداسة مار كيوركيس الثالث صليوا

بطريرك كنيسة المقدسة الرسولية الشرقية الاشورية

 

ببالغ السرور والفرح تابعنا وعشنا الاحتفال الكبير المقام، على شرف تسنمكم درجة اب الإباء بطريرك كنيسة المشرق، الحادي والعشرون بعد المائة، مستبشرين ببزوغ أياما اجمل في هذا الزمن الصعب، أيام يسودها الحوار الهادي المؤدي الى وحدة فروع كنيسة المشرق، أيام نتطلع الى اننا يمكننا ان نحقق ذواتنا وحقوقنا كافراد وكشعب وككنيسة، بارادتنا المتوحدة. فليكن هذا الميعاد، ميعاد التجدد في الكنيسة، ميعادا للعمل من اجل ان يشارك الكل في العمل ويتحملوا مسؤوليته بمساواة وبتفهم احدنا للاخر.

ان اختياركم لتبوا هذه المسؤولية الثقيلة، لهي رسالة ربانية، رسالة تقول ان الكنيسة مؤسسة تسير بخطى حثيثة نحو التقدم والتطور، وانها خرجت منذ زمن من بوتقتها، التي تم حصرها فيها في تحالف التاريخ والجوار. انكم بالتأكيد كنتم خير خلف لخير سلف، فما انجزه مثلث الرحمات مار دنخا الرابع، سيسير في طريق الاكتمال من خلالكم.

تهانينا القلبية المفعمة بمشاعر المحبة والتقدير ابينا المبجل اب الإباء، بطريركا كنيستنا المقدسة الرسولية، ولتحميكم الرعاية الربانية دوما

تيري كنو بطرس

 

 

اشور سورو (باوي) لم يكن داعيا للوحدة

 

(ملاحظة، لقد حافظت على تسمية الاسقف الموقوف بلقبه الكنسي في كل ما كتبنه سابقا ولحين تجريده  من لقبه، من الكنيسة التي منحته اياه، ولذا فبعد هذا التجريد نعود لنشخصه باسمه الشخصي، علما انه مارس هذا الامر مع نفسه وهو لا يزال اسقفا حينما حول الممتلكات الكنسية التي كانت تحت رعايته الى اسمه العلماني، اي لكي يكون هو صاحبها الفعلي)

تحت عنوان ((الاسقف مار باوي سورو … ليس يهوذا الاسخريوطي …. مع الدلالات ؟)) نشر الاستاذ انطوان دنخا صنا مقالة نعتقد انه جانب الحقيقة فيها كثيرا، مانحا صفات ومواقف لشخصيات لا يليقون بها او لا تليق بهم، ورغم التزام الكاتب بالشفافية والحقيقة، الا انه وجه مجموعة كبيرة من الاتهامات لتنظيمات اشورية، مستندا الى طروحات هذه التنظيمات كما يقول، دون ان يوضح اين نشرت ومن قالها، اخذا الجميع بجريرة جهة ما غير واضحة المعالم والاهداف وان كانت اشورية التسمية. فهو يقول عن لسان هذه التنظيمات ((انها اعتبرته (اشور سورو) ابنا ضالا خان كنيسة المشرق الاشورية في دعوته للوحدة والاتحاد والاندماج مع الكنيسة الكلدانية الكاثوليكية وكرسيها الرسولي في روما وان هذا الامر يصل الى تخوم الهرطقة والكفر في مخيلتهم المريضة(يقصد التنظيمات الاشورية)

لا ادري هل قراء الاستاذ انطوان الصنا كل ما يقوله في مقالته المنوه عنها اعلاه وما وضعه على لسان التنظيمات الاشورية حقا ام انه يضعه ويفسره على هواه، وبالطبع ما اقتبسته هو قليل من الكثير من الاتهامات الاخرى ومنها التعصب القومي والجمود العقائدي، ومعادة القومية الكلدانية وغيرها وغيرها الكثير ويمكن للقراء الكرام العودة الى المقالة وقراتها بتمعن لكي يدركوا حقائق الامور.

من خلال معايشتنا للحدث ومنذ البداية منحنا للسيد اشور سورو (باوي) حق ان يغير مذهبه وان يلتحق بالمذهب الذي يراه انه الانسب لمعتقداته وضميره كحق انساني، وبالتالي لا اعتقد انه كان هناك شخص ما يمكنه معارضة هذا الحق الطبيعي، ولكن هل حقا ان اشور سورو (باوي ) كان يرغب في الوحدة  او الاتحاد مع كنيسة روما؟ وهل ان من يريد الاتحاد يقوم بوضع مخطط سري وعلى مراحل لجر الكنيسة الى الاندماج مع كنيسة روما دون علم مجمعها المقدس؟، ويتضمن المخطط كيفية السيطرة على الكنيسة، ويمكن الرجوع الى حيثيات المحاكمة للاطلاع على التفاصيل. وهل الايمان بمذهب اخر اوالرغبة في الاتحاد به يعني تغيير ممتلكات الكنيسة الى اسمه العلماني، اي ان يقوم مار باوي الذي هو لقبه الكنسي ببيعها الى اشور سورو الذي هي تسميته قبل اقتبال الدرجة الاسقفية. لقد كان واضحا ان السيد اشور سورو متجه نحو تفجير الكنيسة وتدميرها كليا، لانه لم يطع امر المجمع السنهاديقي في الالتحاق بابرشيته الجديدة والتي كانت تشمل ايران وروسيا، وكان له فيها مجال واسع لاظهار امكانياته المدعي بها. ولم يرضى بالجلوس والسكوت وتسليم الابرشية التي كان مؤتمنا عليها، بل قال كلمته المشهورة، ان من ياخذ الكنائس مني عليه الذهاب الى المحكمة محيطا نفسه بحراس شخصيين. وهل كان على الكنيسة الرضوخ والاستسلام للامر الواقع، بالطبع لا، لان الكنيسة مؤتمنة على املاكها، والا لكان يحق لكل من هب ودب ان يستولي على املاكها. اذا اين هي وحدوية السيد اشور سورو، لقد رفع شعار تاسيس كنيسة كلدواشورية، وبعد نتائج المحكمة قال انه يفكر في الانظمام اما الى الكنيسة الشرقية الجاثيليقية القديمة او الى الكنيسة الكلدانية، فقارن الخيارات، هل فيها اي نوع من الرغبة في الوحدة؟ ام فيها التخبط، فالكنيسة الشرقية الجاثيليقة  القديمة تتبع نفس مذهب كنيسة المشرق الاشورية، لا بل انه ليس لها اي تفاهم او تبادل اعتراف مع كنيسة روما، وهي ابعد عن الكنيسة الكلدانية من الكنيسة الشرقية الاشورية، من ناحية العلاقات المتبادلة او حتى الاقرار بتقديم الخدمات للمؤمنين. اذا الخيارات التي وضعها لنفسه كانت انية، واظهرت مدى تخبطه ليس الا. ومن ناحية ثانية ان كان يريد الالتحاق بالكنيسة الشرقية الجاثيليقية او التقويم القديم، فانه كان يقر بشكل مطلق وان كان غير واعي ان غايته ليست ايمانية، فايمان كنيسته السابقة وايمان الكنيسة الشرقية ذات التقويم القديم برئاسة قداسة مار ادي هو نفسه، اذا هل كان غير راضي عن ادارة الكنيسة؟ هنا يظهر انه لم يهئ اوراقه بشكل جيد رغم انه وضع مخطط للاستيلاء على الكنيسة وفرض الاندماج عليها مع كنيسة روما او الاعتراف برئاسة بابا روما على الكنيسة. فطلبه الانضمام الى الكنيسة الشرقية ذات التقويم القديم يعني ابعاد نفسه اكثر عن هدفه المعلن، فهل في مثل هذه الطروحات والتخبطات اي تفكير وحدوي. وهل يفترض في كل كاهن او اسقف او مطران يريد الالتحاق بكنيسة اخرى تدمير كنيسته الاصلية او محاولة تدميرها؟ وهذا ما فعله السيد اشور سورو عندما جر الكنيسة الى ساحات المحاكم وكلفها ارجاع ممتلكاتها المستولي عليها ملايين الدولارات، فهل في هذه الممارسة روح مسيحانية وحدوية، وهل قبول الاخرين له بدرجته الموقف عن ممارستها وادخاله ضمن وفدهم هي روح مسيحانية حقة، بعد ان كلف كنيسته الاصلية بروعنته ما كلفها؟ وهل يمكن تفسير موقف غبطة البطريرك الكاردبينال مار عمانوئيل دلي ؟ وبماذا ستفسر الكنيسة الشقيقة او بالحق الكنيسة الام موقفهم هذا؟ انه سؤال كان يجب التفكير به قبل استصحاب اشور سورو بمعية الوفد الملتقي بقداسة بابا روما، فالرجل قد الحق خسائر فادحة بكنيسة شقيقة، دون وازع من ضمير، وكان يمكنه بسهولة الالتحاق بالكنيسة الكلدانية او الشرقية القديمة لو كان هدفه ايمان بالمذهب الاخر او لو كان هدفه وحدويا، الا انه لم يفعل، بل اصر على سلب ممتلكات الكنيسة معه، ولو كان قد نجح في مسعاه لا سمح الله، لما تقرب مع اي طرف، بل لحاول تاسيس كنيسة كلدواشورية بمن التحق به؟

((وقد افترى وفسر البعض منهم وقال ان دعم الكنيسة الكلدانية الكاثوليكية للاسقف مار باوي يدخل في خانة الانتقام وتصفية الحسابات التاريخية ولوي ذراع كنيسة المشرق الاشورية لغايات واهداف مبيتة ومكشوفة واعتبر بعض كتاب ومثقفي ومفكري ومنظري الحزب الوطني الاشوري وهو من اكثر الاحزاب الاشورية القومية المتعصبة والمتشددة ضد هذا التوجه الوحدوي والتقارب بين الكنيسة الكلدانية الكاثوليكية وكنيسة المشرق الاشورية وبشكل خاص مبادرة الاسقف مار باوي الوحدوية للاندماج والانضمام مع الكنيسة الكلدانية حيث يصبون نار حقدهم على رموز الكنيسة الكلدانية والاسقف مار باوي واتباعه وكل من يؤيد هذا الاتجاه من كل التنظيمات القومية الاشورية والكلدانية…))  اود ان اقول لكاتبنا المحترم، اريد ان تنقل لي ولو موقف واحد من الحزب الوطني الاشوري ضد الوحدة الكنسية او القومية، وكيف حكمت عليهم بانهم اكثر الاحزاب القومية المتشددة، في حين انهم ومنذ المؤتمر الثاني قدموا قراءة منطقية لمسألة التسمية، وفي مؤتمر بغداد لعام2003 طالبو بضرور استعمال التسمية الثلاثية، وفي اخر جلسة قبل اقرار مسودة الدستور والتي عقدت في جمعية اشور بانيبال وجهوا نداء من اجل قبول الجميع بالتسمية الثلاثية كمدخل لحل الاشكالية التسمية لشعبنا وامتنا. ولكن الحزب هو حتما ضد اعتبارنا ثلاثة قوميات او ثلاثة شعوب، نحن نؤمن بان حامل التسمية الكلدانية او السريانية او الاشورية هم منتمين لنفس القومية ولنفس الشعب والحزب يتمنى اتحاد الكنائس اليوم قبل الغد. ولكن مرة اخرى نقول اننا ايضا ضد الوحدة التي تعمل من اجل هدم مؤسسة عريقة كمؤسسة الكنيسة الشرقية الاشورية، فما كانت الوحدات ابدا تعني الهدم بل الوحدة هي سكة ذو اتجاهات متعددة وتلتقي في نقطة واحدة. ان السيد اشور سورو (باوي) كان مدفوعا من طرف سياسي ومدعوم منه لضرب مكانة البطريركية في الكنيسة، والدليل انه لم يقبل خيارات الكنيسة له، وهي كانت مخارج جيدة وتحفظ مكانته، وكذلك لم يقبل النصح بالانتماء الى اي كنيسة يريد دون ادخال الكنيسة في معمة المحاكمات. اليوم السؤال هو كيف ستتعامل كنيسة المشرق الاشورية مع الكنيسة الكلدانية، وهي ترى ان من حاول ايذاءها لا بل حملها اعباء كثيرة يقابل بالاحضان من كنيسة شقيقة وهي تدرك جيدا ان ما قام به جرم بحق كنيسته التي لم تمنعه من الالتحاق باي كنيسة يريد. هناك تفسير منطقي من المؤسف اننا نصل اليه، وهو ان الكنيسة الكلدانية كانت او اطراف منها في صلب العملية وكانت تريد ما حدث وتشارك في التخطيط له ؟ مع توفر كل الخيارات السلمية والقانونية والتي تتوافق مع الحفاظ على الكرامة الشخصية للجميع، وتتوافق مع الحفاظ على القيم المسيحانية في العدل والعفو والتسامح، فهل يمكن لكنيسة المشرق ان تسامح الرجل على ما اقترفت يداه وهي قد نبهته لما يحدث ولما قد يحدث؟ انه سؤال بحاجة للانصاف لكي يمكن الاجابة عليه.

((تقول سيدي1- ان طلب اندماج كنيسة الاسقف مار باوي واتباعه من الكهنة والشمامسة وبعض عامة الناس بالكنيسة الكلدانية الكاثوليكية ليس حركة انشقاقية او تمردا او عصيانا للتقسيم والتشرذم والتكتل ضد كنيسة المشرق الاشورية ابدا … وانما اتجاه فكري ايماني وعقائدي وحدوي وصوتا هادرا في تدعيم اركان كنيسة السيد المسيح له المجد الواحدة والتي نؤمن جميعا بحتمية توحيدها بكل المذاهب اجلا ام عاجلا تحت خيمة وبيت واحد اما الاختلاف فهو الاجتهاد حول هذه المذاهب خلال العصور الماضية تراكمت وترسخت وتعقدت بفعل عوامل كثيرة لسنا بصددها الان في كل الاحوال ان هذا الصوت الجديد الداعي للوحدة والاندماج هو بذرة ونواة لحركة تصحيحية في اركان الوحدة الكنسية وهو ليس محاولة للاساءة او الانقسام او الانشقاق في كل الاحوال))

لو كان الانتقال حدث بصورة سلسة وبدون جر الكنيسة الى المحكمة وبدون محاولة الاستيلاء على ممتلكاتها، والتلاعب بها والعمل على وضعها تحت الرهن، و دفع الناس من مختلف الكنائس ولكن من لون حزبي واحد الى تصعيد الامر والتهجم باقذع النعوت على راس الكنيسة والاكليروس، ولو كان اتجاها فكريا ايمانيا،لرحبنا به واعتبرناه حقيقة ايمانية، ولكن ان يصل السيد اشور سورو الى المحطة الاخيرة وهي ايام بعد المحكمة ويقول ان له خيارين، اما الانظمام الى كنيسة المشرق ذات التقويم القديم او الكنيسة الكلدانية، فهذا يدل على عدم وجود ايمانا بالاساس، بل خيارات والايمان هو واحد وليس خيارات.  ان حركة السيد اشور سورو (باوي) كانت حركة مخطط لها ودعمت باناس ما كان لهم الحق في دعمها، الا لغايات معروفة وهي تمزيق الكنيسة المشرق الاشورية، لان من خطط لها عمل بكل الطرق للوصل بالقضية الى المحكمة. لو كانت مسالة لاهوتية فخيار السيد اشور ما كان سيكون  اما او وما كان قد قال ان احد خياراته هو الانظمام الى كنيسة الشرقية القديمة، التي لها نفس الايمان اللاهوتي لكنيسة المشرق الاشورية.

اما عن كون شهاداته من المراكز والجامعات الكاثوليكية فهو امر صحيح، ولكنه دخلها بموافقة رئاسة الكنيسة، ودخلها لكي يزيد علما ويخدم الكنيسة، ان الدراسة والعلاقة المتوازية ان كانت من صفاته ، فهو امر مطلوب ومحبذ، ويخدم الكنيسة او المؤسسة التي ارسلته للاستزادة من العلم وليس لكي يقوم برسم مخطط ويضع تفاصيل كيف يمكنه دمج الكنيسة بالكنيسة الكاثوليكية في روما خلا ل سنوات معينة وبمراحل معينة، وفاتح بها بعض زملائه من الدارسين معه وقد كشفوها بعد ان علموا انها كانت جزء من مخطط سري، ولم يكن قد اعلم بها رئاسة الكنيسة ومجمعها المقدس، فهل المؤمنون يعملون في الظلام وعلى صورة المؤامرة، ام يبشرون بايمانهم علنا ودون محاولة السرقة، ونحن نعتقد ان الحركة الانشاقيقة كانت غايتها الاساسية التغطية على السرقة التي حصلت من تحويل الممتلكات ودفع اموال الى اطراف سياسية معينة اعتقد انها ستدعمه الى النهاية.

نحن وبرغم من اننا علمانيون الا اننا نرغب وباعتقادي ان الغالبية ترغب في ان تعود لحمة الوحدة الى الكنيسة الشرقية باطرافها الثلاثة وهي الكنيسة الشرقية التي تسمي اليوم بالاشورية  وكنيسة  المشرق الجاثيليقية برئاسة قداسة مار ادي والكنيسة الكلدانية ، ولكن هل ان ضم والحاق شخص مجرد من كل درجاته الكنسية وقد اجرم بحق احد الكنائس الشقيقة سيساعد لتحقيق الوحدة، ام ان ضمه هو لوقف المد الوحدوي بين كنائسنا الثلاثة والتي تحمل ارث كنيسة المشرق؟ واذا كنت تقر سيدي ان الممتلكات تعود قانونا الى الكنيسة وليس الى شخص الاسقف المطرود فهل يعقل ان يكافئ من حاول الاستيلاء على ممتلكات كنيسة شقيقة نرمي الوصول معها الى الاتحاد او الوحدة بضمه واعتباره اسقفا وادخاله في الوفد الملتقي بقداسة البابا، اعتقد ستتفق معي ان الخطوة لم تكن سليمة البتة ويمكن بسهولة ان تفسر على انها وضع العصى في دولاب الحوار البناء ان لم ترمي الى قطع اي احتمال للحوار لامد طويل. ولكن بالمقابل لو كان الحوار استمر وتوصلت الاطراف كلها الى اتفاق، كان يمكن لطلب من احد البطاركة مثل قداسة مار ادي او غبطة الكاردينال مار عمانوئيل دلى ان يجد صداه ويزيل المرارة التي تسبب بها بتصرفهاته الغير المسؤولة، ويمكن للكنيسة ان تسامحه، اما اليوم فصار الامر اكثر صعوبة امام الحوار وامام العفو وهو امر نكاد نعتقد انه المطلوب من بعض الاطراف.

ليس هناك من حاقد على الامة الكلدانية كما تدعي ، لانه لا انسان يحقد على نفسه وامته ، ان قرار السيد اشور سورو لم يكن قرارا  مبنيا على الايمان وهو يرمي الى وضع اسفين بين طرفين من الاطراف الثلاثة لكنيسة المشرق، فهل يفوز السيد اشور سورو برهانه هذا؟ انه سؤال تتوقف اجابته على الاطراف الوحدوية الحقة في الكنيسة الكلدانية، فجوابه سيحسم المسألة. ان وحدة كنيسة المسيح يجب ان تكون باسلوب مسيحي مبني على الصراحة والنقاش الحر وليس بمؤامرات سوروية او باعادة شخص مجرد من رتبته الى الواجه.

10 شباط 2009

وحدة كنيسة المشرق… اراء و رؤى

لا اود ان يعتقد احد ما، ان ما اطرحه هو تدخل في شؤون الكنيسة، بل هي رؤى لما يمكن وما يجب ان يحدث، في نقاش حول اهم مؤسسة من مؤسسات شعبنا مستمرة لاكثر من 1700 سنة. وهي مؤسسة عراقية ايضا لم يقم العراقيين بالاحتفاء بها بما تستحقة وبما قدمته للبشرية من خدمات جليلة. وكأي كائن حي، تعرضت مؤسستنا الحية لامراض عديدة لم تاتها من روحها النقية، بل بفعل الانسان الذي لا يقبل التطور او التعايش مع العصر او حتى حينما لم يتمكن من  ان يستنبط طرق جديدة للحياة. من كوخي الكنيسة القديمة في ساليق وطيسفون (ܡܕܝܢ̈ܬܐ) (المدائن) جنوب شرقي بغداد اديرت الامبراطورية الروحية والتي امتد حدود تواجد مؤمنيها من البحر المتوسط والقدس غربا الى اواسط الصين وجزر جنوب اسيا والهند وكازخستان الحالية شرقا ومن اواسط تركيا الحالية الى جنوب جزيرة العرب الحالية. هذه المؤسسة الدينية التي لم تستعمل في التبشير بايمانها الا الكتاب المقدس وعلامة الصليب وما يحمله المبشر من العلوم والمعارف، هذه الامبراطورية التي يقال ان عدد المنتمين اليها ايام طيماتيوس الاول كان يربووا على الثمانين مليونا. لم تكن دولة ولم يكن لها جيش او سلاح ولكنها كانت عابرة للدول. بل وقامت بما لم تقم به الدول فجامعاتها في نصيبين واورهي وجندي شابور ومدارسها في كل دير وكنيسة واشهرها الدير الاعلى قرب الموصل، غنية عن التعريف وعن ما قدمته للانسانية في علوم الفلك والرياضيات واللاهوت ونقل وترجمة علوم الاغريق الى السريانية ومن ثم تم نقله بواسطة علماء السريان الى العربية.

انتشر الايمان المسيحي شرقا وغربا وشمالا وجنوبا. لقد كانت روما وهي اعظم مدينة في ذلك الزمان قبلة لكل من يريد ان يكون امميا، كما انها كانت العاصمة التي تتحكم في الارض التي انبثق منها الايمان المسيحي، ولذا فلا عجب ان يكون لروما مكانة خاصة في تطلع اصحاب الايمان لنشر ايمانهم فيها، ولذا فان وجودها في التراث المسيحي امر مفهوم ولكن ليس بمفهوم الزعامة والريادة، وحتى لو قلنا ان الزعامة هي لبطرس (شمعون) الرسول، ولكن ليس هناك حقائق دامغة على كون بطرس فيها، والامر الاهم هو ان البطرس هنا هو الرمز، لبناء هيكيلية ادارية وقيادية تنشر الايمان وتهتم بالمؤمنين. ودليلنا على ذلك هو ان كل الرسل والتلاميذ والمؤمنون قاموا بالتبشيربالدين استنادا الى اجتهادهم الخاص ولم ينتظروا تعليمات من بطرس او اي ممن خلفه، كما منحوا العماد للمؤمنين دون انتظار صلاحية من احد غير ايامنهم وغيرتهم، ولعمري ان منح العماد وتقديم القربان المقدس هما اقدس ممارسات التي يمارسها اي رجل دين من بابا روما الى اصغر كاهن في كنيسة في قرية منسية.

ولذا فان الكنائس انتشرت كما بينا اعلاه ليس كتجمعات صغيرة بل وايضا كهيكلية ادارية وقيادة دينية هرمية يراسها اسقف برتبة بطريرك ويعتبر الاول بين الاساقفة. وسمي في بعض الكنائس بطريرك وبعضها بابا. اثرت الانقسامات السياسة والبعد الجغرافي والثقافة في تنوع الكنائس واثرت التراث الحضاري والفلسفة في تفسير الدين وخصوصا بالنسبة لمعرفة الله (الاقانيم الثلاثة) ويسوع المسيح من الناحية اللاهوت والناسوت

منذ نهاية القرن الثاني تلبورت هيكلية كنيسة المشرق (ܥܕܬܐ ܕܡܕܢܚܐ) ، وبالتاكيد ان الناس الذين انتموا اليها او كانوا ضمنها، كانوا يمتلكون بعد حضاري سابق، حملوا اثرا منه في معتقدهم الجديد، ولعل اكثر الاثار اثرا هي المعتقدات السابقة ونظرة الناس للكون والحياة وما بعدها.فكلمات في الاديان القديمة واعياد واساطير حورت عن معناها واسباب حدوثها لتلائم الايمان المسيحي كما ان مؤثرات ايمانية سابقة بقى تاثيرها وان تغيير في الايمان الجديد. مثلا من الشائع ان كنيسة المشرق لا تستسيغ وضع التماثيل والصور في دور العبادة، وهذا الامر وان استند الى ما ورد في التوراة والوصايا العشرة المكتوبة على الحجر بيد موسى النبي، الا انها ايضا مستمدة من التراث والعمق الحضاري والديني لما قبل المسيحية، فالمعروف ان العراقيين القدمى لم يقيموا التماثيل لالهتهم، بل مجرد رموز تمثلهم، وهذا الامر انتقل الى المسيحية لديهم والالهة عندهم غير مرئية وسماوية، ولذا فانهم يميلون الى الفصل اكثر بين الناسوت واللاهوت في المسيحية. وفي السنوات الاخيرة اعترفت المسيحية كلها بالتاثيرات الثقافية في فهم المسيحية، ولذا فانها صارت اكثر تسامحا مع بعضها البعض، لا بل ان المسيحية فتحت افاقا مع الاديان الغير المسيحية مثل الاسلام واليهودية من اجل الانسانية والتاخي الانساني وقبول مبداء التعدد الايماني وحق الناس في ممارسة ايمانهم بالصورة التي يرونها الاسلم لهم. على ضؤ انفتاح كنائس على الاديان الغير المسيحية واعترافها بالاخوة الانسانية وبحق ممارسة الايمان بالصورة التي يراها المؤمن وبحقهم التعبير العلني عن ايمانهم، نجد انه من الغريب ان المسيحية لم تتمكن من ان تصنع وحدتها الخاصة! بل يمكن القول ان بين اطراف منها وممن يقول عن ابناء الديانات الاخرى انهم اخوة لهم، يتهم كنائس معينة بالهرطقة والكفر مع انها تشترك مع بالايمان بالاقانيم الثلاثة وبالخلاص من خلال يسوع المسيح وبالقيامة وغيرها من التعاليم المسيحية الاساسية وخاصة التي وردت في صلاة فعل الايمان (بشرارا كير همنينان).

لا يخفى ان الحوارت الوحدوية بين الكنيسة المشرق وكنيسة روما ليست وليدة اليوم، وليست وليدة الانقسام الذي قاده بعض رجال الدين وبموجبه تم انتخابا يوخنا سولاقا بطريركا جديدا او بديلا، وليست كذلك وليدة بعثة بروصوما الذي ارسله ملوك المغول لبناء وحدة مسيحية وتم التماطل فيها لسنوات لحين انقلاب المغول الى اعتناق الاسلام وما حدث بعدها من الذبح الشامل والتدميرالشبه الكامل للوجود المسيحي في الشرق، بل هي منذ القرون الاولى للمسيحية وحتى حينما كانت كنيسة المشرق خاضعة للامبراطورية الساسانية والاسلامية فانها تحاورت مع كنيسة روما في الوحدة ولكن هذه الحوارات كانت دائما تقف عند الخلاف اللاهوتي والفهم الخاطئ لكلمة القنوما التي لا مثيل لها في اللغة اليونانية والتي فسرها البعض پرصوپا Person  وعدم قدرتهم على فهم التنوع الثقافي وادخال الامر في عمق الايمان والهرطقة والكفر. وجدت جاليات وابرشيات كنسية تابعة لكنيسة المشرق في منطقة سوريا الحالية وقبرص وفلسطين وحتى مصر، وبالمقابل وجدت كنائس تابعة لروما مذهبا وهيكليا في هذه المناطق، ولا بد انه كان هناك حوار يومي وتعايش وحوار، الا اننا لا نرى له اثر وقد تاتينا الايام بما يغني معلوماتنا من خلال الكشف عن المزيد من الكتب والوثائق الغير الموثقة. يقول السيد المسيح ليكن الجميع واحدا كما انك انت ايها الاب في ةانا فيك ليكونوا هم ايضا واحدا فينا ليؤمن العالم انك ارسلتني يوحنا 17:21 (( ܕܟܠܝ ܗܘܝ ܚܕ̄ ܕܐܟ̣ܝ ܕܐܢ̄ܬ ܒܒܐ ܒܝܝ ܝܘܬ ܘܐܢܐ ܒܝܘܟ̣ ܝܘܢ ܕܐܘܦ ܒܝܢ ܗܘܝ ܚܕ̄ ܕܗܡܢ ܥܠܡܐ ܕܐܢ̄ܬ ܫܘܕܪܝ ܝܘܬ؛ ܝܘܚܢܢ 21̄ -17))

، هكذا يوصي السيد المسيح تلامذته، وهو يعنينا اي كل من اعلن ايمانه المسيحي، ولكنه بالتاكيد لم يقل اتبعوا روما، ولم يقل ان من سكن روما هو خليفة بطرس هامة الرسل. الذي قال ذلك هو موقع روما السياسي والاقتصادي، لانها كانت قلب الامبراطورية الرومانية. كانت اسقفيات روما والقسطنطينة وانطاكيا والقدس والاسكندرية تعتبر المراجع الرئيسية للمسيحية، ومن المفترض ان تكون كنيسة المشرق تابعة لكرسي انطاكيا، الا اننا لا نلاحظ التاثير الانطاكي في سير الامور بل نجد وكان الكنيسة ومنذ البدء استقلت بنفسها واتخذت قراراتها ولكنها من جانب اخر حاولت ان يكون ايمانها متوافقا مع الكنائس الخمسة، وذلك من خلال الرسل المرسلة لهم ومن خلال ترجمة الكتب اللاهوتية والدينية التي نشروها. اذا كنيسة المشرق كانت مستقلة اداريا ولكنها عملت جاهدة للتوافق مع بقية الكنائس في الايمان وصيغته فهي شاركت في مجمع نقيا  اول مجمع مسكوني تعقده الكنيسة الجامعة او مجمع 318 اب الشائع لدى العامة والذي انعقد عام 315. في الصراع اللاحق بين بطريرك قسطنطينية نسطورس وبطريرك الاسكندرية قيرلوس، لم تتدخل كنيسة المشرق، لا بل ان وفودها لم تصل الا متاخرة، ولكنها لم تحرم نسطورس كما فعل البقية لانهم لم يجدوا وبحسب تعاليمهم ما يشينه. وكما اسلفنا فاليوم اغلب الكنائس لا تجد في تعاليم نسطورس ومعتقدات كنيسة المشرق اي هرطقة بل هي رؤية منبثقة عن ثقافة وتقاليد الشعب الذي انتشرت فيه.

امام معضلة الانقسام، وقول السيد المسيح ليكن الجميع واحدا، والطموحات البشرية، علينا الادرك ان ما كل ما يبتغيه المرء يناله، على الاقل في المدى القريب، ولكن فسح الطريق لذلك امر ممكن من خلال طرح البدائل والمعيقات والتصورات القابلة للنقاش، على الاقل لخلق جو مرحب بوحدة الكنيسة وليس اتجاه الوحدة او تفاصيلها الذي يبقى في النهاية من مهمة اباء الكنيسة.

ولكن علينا ان نحدد نقاط الارتكاز او الثوابت التي يجب ان تبقى في الذهن عن مناقشة التصورات المحتلملة للوحدة براينا. ان مفهوم ان بابا روما وبصفته اي لكونه في روما فهو خليفة بطرس مفهوم تجاوزه الزمن ولم يعد يشكل اي نقطة للحوار، بمعنى انه امر لم يعد مقبولا  ولا يمتلك اي مصداقية ايمانية . كما ان الصاق تهمة الهرطقة بكنيسة المشرق او اي كنيسة اخرى في ضؤ اعتبار ابناء الاديان الاخرى اخوة في الانسانية وابناء الله لم يعد له من معنى وخصوصا ما يمتلكه المؤمنون في الكنائس المختلفة من مشتركات كثيرة. ان كرسي البطريركية في كنيسة المشرق يساوي كرسي الباباوية في روما من حيث القيمة الروحية والرسولية والشرعية الدينية. ان كنيسةالمشرق الكلدانية تتبع الكرسي البابوي وهي في النهاية ستمتثل لقرار هذا الكرسي في اغلب امورها. ولكن وصية الرب يسوع المسيح كونوا واحدا يجب ان تتحقق. اذا امام الوحدة لكي تتحقق احتمالات مختلفة او اخراجات متعددة.

هل هناك من داع لبقاء كنيسة المشرق الكلدانية عن كنيسة المشرق، على ضؤ اعتراف كنيسة روما بصحة ايمان كنيسة المشرق؟ انه احتمال من احتمالات الوحدة، اي ان تعود كنيسة المشرق الكلدانية لايمانها ولترتبط بكنيسة المشرق، وهو سيكون مقبولا من كنيسة المشرق بالطبع باعتباره مطلبها الدائمي، سواء الان ام ما قبل اعتراف روما بصحة ايمانها. ولكنه احتمال بعيد المنال باعتقادي، فهذا يعني خروج كنيسة المشرق الكلدانية من ارتباطها بكنيسة روما بشكل تام واتخاذه القرار المستقل في امر بهذه الاهمية وهو ما لم تقم به منذ ثلثمائة سنة العمر الافتراضي للكنيسة المشرق الكلدانية. ولكنه قد يفيد في سحب كنيسة المشرق بعدئذ للارتباط بكنيسة روما. ولكنه لن يعاني مصاعب في تغيير هيكلية الكنيسة.

هل هناك من داع لبقاء كنيسة المشرق مستقلة وبعيدة عن كنيسة روما كبرى كنائس المسيحية، بعد اعتراف روما بصحة ايمانها، باعتبار ان كنيسة المشرق لا تتهم اي كنيسة اخرى بالهرطة في العصور الحديثة؟ اي ان تحيقيق كونوا واحدا، لا يتطلب الكثير لكي تعلن كنيسة المشرق قبولها بالارتباط بالكرسي الرسولي في روما، وهذا يعني اتحادا فوريا وبلا اي مشاكل وسلسا مع كنيسة المشرق الكلدانية. ولكن امام مثل هذا الاحتمال خطوات براي يجب ان تؤخذ بنظر الاعتبار. واهمها ان تحتفظ كنيسة المشرق بصورة ايمانها كما هي وليس هناك داع لتغييرها، وان تحتفظ بالخصوصية وبالاستقلالية في رسامة وسيامة كل اباء الكنيسة بمختلف رتبهم وحتى البطريرك، الذي لن يحتاج الا الى مصادقة البابا او الكرسي الرسولي كامر واقع وليس خيارا. وان تحتفظ بمؤمنيها في اي بقعة من العالم وان يتم التعاون بين كنيسة المشرق وكنيسة روما في اي تعاون او اشكال يحصل او دعم يقدم. وان يكون القاصد الرسولي في البلدان ذات التقليد المشرقي مثل العراق وايران وسوريا من اتباع كنيسة المشرق اي ترشحه كنيسة المشرق ويعينه الكرسي الرسولي ممثلا له، طبعا يقوم بالتنسيق مع الكرسي الرسولي في مهامه. ان يكون لبطريرك كنيسة المشرق الحق في المشاركة في انتخاب من يتبواء منصب البابا وان يكون له الحق في ان يرشح نسفه او ان ينتخب لهذا المنصب. وبما اننا نؤمن ان روح القدس يتدخل في اختيار الافضل، فلنترك روح القدس يعمل  ويختار ولا نحدد مساره ونحدد خياراته. ان محاولة تحديد هذا المنصب بمنطقة جغرافية معينة هو عمل منافي لروح الايمان المسيحي ولعمل روح القدس. وفي هذا الاطار يمكن توسيع قاعدة الهيئة ادارة الكنيسة وخصوصا الموظفيين الثابتين والذين لا يتطلب استبدالهم باستبدال ساكن الكرسي الرسولي، وان يكون لكنيسة المشرق ممثلين في الهيئات المختلفة التي تدير الكنيسة الجامعة.

والاحتمال الثالث للوحدة براي هو الوحدة من خلال التعددية، ولكنها وحدة مهزوزة نوعا ما مالم تؤسس لنفسها شكل مؤسساتي يمكن ان نبثق منه قرارات ملزمة. وهذه الوحجة تعني اجتماع البطاركة بما فيهم بابا او كل من يلقب بالبا بشكل مؤسساتي لاتخذ قرارات تهم العالم المسيحي من الناحية الدينية.

وفي كل هذه النقاش لم نتناسى كنيسة المشرق ذات التقويم القديم، فهذه الكنيسة لا تختلف عن كنيسة المشرق ذات التقويم الجديد في الايمان وفي الطقس ولكنها تختلف عنها اداريا، وبالتالي فان الامور الادارية هي العائق في تحقيق الوحدة وعدم رغبة البعض بها لاسباب لا ترتقى ابدا الى ضرورة الوحدة. اننا نتطلع الى تحقيق هذه الوحدة باقرب فرصة، وحل اي اشكالية خلافية من خلال استنباط طرق ومفاهيم جديدة للادارة والتطوير.

28/02/2013 »

 

يا لبؤس رجال الدين المسيحي في مقابلاتهم التلفزيونية!

الاعلام يبحث عن الحدث، ويحاول ايصال كل جوانبه الى المتلقي، ووضع مسيحي المشرق (عراق، سوريا، لبنان، مصر، اردن، فلسطين) وما يتعرضون له هو حدث جاذب للقراء او للمشاهدين. وخصوصا ان هذا الوضع قد صبغ بالدماء وباوضاع ماساوية من الهجرة والاضطهاد اليومي والتهديد المستمر وفرض القيم والزي الاسلامي عليهم. ولان المنطقة برمتها مبنية على التوزيع الطائفي، ولانه لا تزال التقسيمات العثمانية التي قسمت الشعوب الى ملل حسب هذا التوزيع. فقد صار رجل الدين المسيحي العنوان الابرز لمعرفة شؤون هذه الطائفة الدينية وان كان بالحقيقة لا يعبر عن ما يجري في الشارع من الافكار والطروحات.

يشعر المرء احيانا بالرأفة على رجال الدين المسيحي وهو يشاهدهم في المقابلات التفزيونية، لانهم يحاولون حمل العصا من الوسط، فلا يزعلون هذا ولا ذاك، في تناقض واضح مع رسالة المسيح التي تقول نعم نعم او لالا، بل قد يلجأون الى تبرير تعرض اتباعهم الى الاضظهاد بمختلف الحجج الواهية. وما يحز في النفس ان غالبية رجال الدين المسيحي يحاولون مدارة الامور لتصل الى حد التضليل ان لم نقل الكذب. فالاستغراب الذي يقعون فيه عند وصف ما يحدث الان علما كما يقولون انه كان هناك تعايش اسلامي مسيحي رائع لم يعكره امر، هذه الكذبة الجميلة التي يحاولون نشرها وهم يدركون ان التاريخ مصبوغ بالدماء، سواء كانت هذه الدماء على المستوى العام مذابح عامة معروفة التاريخ والفعلة والمحرض ومتبنية من الدول، او حركة اضطهادات نائية وهي الغالبة والمستمرة والمستندة الى فتاوى ائمة او ملالي منعزلين ولكن نتائجها كانت تيقى الى ابد الدهر. وهنا لا ننكر وجود علاقات على المستوى الفردي قد يمكن وصفها بافضل من الرائعة بين منتمين لمكونات مختلفة دينيا او قوميا، ولكن المشكلة لم تكن فردية ابدا، بل تتعلق بالعقل الجمعي والجمهور عندما يهيج.

التبرير الذي يطغي على كلام رجال الدين المسيحي مرده في الاساس الى ضعف المجتمع المسيحي وكونه بغير سند اقليمي او دولي بالاضافة الى ان الانقسامات المذهبية في المجتمع مترسخة ولها مفعول سلبي تجاه وحدة القرار والمصير. ففي الوقتا الذي يعمل رجال الدين المسيحي لكي يكونوا هم الناطقون والامرون والمستشارن بشان المسيحيين في المنطقة، فانهم ومن خلال خلافاتهم جعلوا المسيحيين وبمرور الزمن ضعفاء اكثر واكثر. انهم لا يتكلمون عن الحقائق وعن ما يتعرض  او تعرض له ابناء رعياتهم، ولا عن المطالب المشروعة كمواطنين ان لم نقل كمكون متميز، انهم بالاحرى يحاولون استجداء التعاطف وحق مارسة بعض الشعائر ليس الا، وهذا يفهمه كل من يستمع اليهم او يشاهدهم في المحطات التلفازية.

في ما يسمى الربيع العربي او حتى اي وضع سياسي تم فيه تغيير السلطة القائمة، كان المسيحيين يقعون بين طرفين كل منهم يريدهم معه، وان لم يكن فهم يعتبرون خونة ، وهذا يدركه رجال الدين المسيحي الذين اوقع في يدهم فهم لا يعرفون اي خيار يختارون، لانهم بالاساس اضاعوا خيارهم الخاص لصالح السلطات العروبية القائمة. فمعظهم كان يفتخر بعروبته وتاريخه العربي ونضال العرب وحقوقهم، لقد تماهو في العروبة لحد نسيان كل تاريخهم ولغتهم وحتى عاداتهم وتقاليدهم.  متناسين او محاولين نسيان او طمرالحقيقة التاريخية وهي ان العرب المسلمين لم يعودوا يريدنهم الا بعد ان يغيروا دينهم وليس فقط لغتهم وقوميتهم. وفي الخيار الاخير ايضا كل طرف يريدهم من مذهبه.

ان الوضع القائم مزري حقا، ففي الوقت الذي كان يتعرض المسيحيين في العراق ومصر للاضظهاد بسبب دينهم، كان احد رجال الدين المسيحي في مصر يفتي بعدم امكانية دخول الاشوريين الجنة لانهم نساطرة، متناسينا انهم معه يؤمنون بالرب الواحد و بالثالوث المقدس وبالمسيح والاناجيل. لا بل متناسيا شهداءهم من اجل الايمان وجاعلا من ذاته اله اخر يمنح الجنة لمن يشاء ويحرمها لمن يشاء في تقليد لفتاوي الائمة والملالي المسلمين التي تمنح الجنة والحور لمن تشاء وتحرمها لمن تشاء.

صار من الواضح ان رجال الدين المسيحي لن يتركوا محاولاتهم العرجاء من اجل التكلم باسم المؤمنين، وفي الشؤون السياسية والاجتماعية وغيرها، انهم لن يتركوا هذا الدور الغبي الا بعد زوال اخر مسيحي من المنطقة، لا بل انهم يضعون العصى في دواليب الاحزاب السياسية والمنظمات التي تحاول احقاق حقوق الشعوب التي تدين بالمسيحىة كاحد اوجه هويتها وليس وجهها الوحيد، كالاحزاب القومية الاشورية في العراق وسورية وبعض المنظمات القبطية في مصر، من اجل المكانة التي ورثوها من التوزيع العثماني، والتي كانت تتكلم مع الشعوب والملل من خلال رجال الدين، من اجل ذلك فان هؤلاء رجال الدين مستعدين للتضحية باخر مسيحي في المنطقة.

كل نداءات الاخوة وابناء الوطن الواحد والنضال المشترك لم تعمل لانقاذ مسيحي واحد، بل كان البعض يتاجر  بها لاجل فرض المزيد من الاذلال على المسيحيين، ان ما هو مطلوب ليس ان ان يتحول رجل الدين المسيحي الى كاذب ومنافق ومستجدي العواطف، المطلوب كلمة صادقة وقوية وهي اننا شعب (في كل بلد تواجدوا فيه) ونريد المساواة وماعدا ذلك فان كل خياراتنا ستبقي سليمة، وباعتقادي ان قول ذلك لن يزيد من معاناتنا ابدا. يجب ان نقف ونقول كفي لاذلال دام قرونا، ان الايمان يتطلب الكرامة وليس المذلة والهوان، فلا ايمان بلا كرامة.

صار من الواضح ان الضعيف لن يكون له مكانة في المنطقة، وعلى رجال الدين المسيحي الكف عن الالتزام بالضعف واعتباره رمز قوة، لان الضعف باعتقادهم يمثل الطبيعة المسيحية المسالمة. السلام والمسالم يجب ان يكون قويا ليس فقط لكي يحقق حقوقه ولكن لكي يتمكن من ان ينصح الاخرين بالطريق الصحيح، والاخرين لن يستمعوا له ان كان ضعفيا. لقد كان واضحا امامنا المصير الذي ال اليه يهود بلداننا، الذين ضحت بهم هذه البلدان بسبب الفلسطيين لان الفلسطينين كانو يتشاركون بغالبيتهم مع العرب بالاسلام.  الم يكن الافضل ان تعمل بلداننا للاحتفاظ بمواطنيها اليهود، لانهم اولا مواطنيها وثانيا لكي يفشلوا المشروع الصهيوني كما اسموه. ولكن التوجه في هذه البلدان هو الاسلام اولا فكانت النتيجة ان اكثر من نصف مواطني اسرائيل هم من البلدان العربية التي طردتهم لانهم يهود وهم المواطنيين الاصلاء لبلدهم وذنبهم كان ان دينهم كان يهوديا.

علينا العمل وبقوة لكي يكون المواطن وكرامته اولا. وهذا لن يكون باظهار التعجب الكاذب عن ما حل بالمنطقة التي يقال ان ابناءها كانوا يعيشون كاخوة ويتقاسمون الرغيف!ولا اعلام مع من ومتى تم تقاسم الرغيف؟، مع اليهود مع الازيدية مع العلوية، مع المندائية، السنة مع الشيعة او الشيعة مع السنة، ان التكاذب الذاتي لن يوصلنا الى نتيجة، بل قول الامور بصراحة تامة، وهو ان هناك استهداف لمعتنقي الاديان الاخرى، وحتى داخل الاسلام هناك صراع تناحري بين الشيعة والسنة. وعليه فالاماني والاستجداء وغيرها لن تنفع، الذي ينفع هو القوة واظهارها، ان يكون المسيحي ليس قويا بايمانه، ولكن قويا بارادته في البقاء على ارضه وباحقاق حقوقه وبكل السبل، حتى سبيل القوة المجردة . واذا كان البعض يعتقد اننا ضيعنا البدائل فاعتقد ان بديل القوة هو افضلها والاكثر ملائمة مع فهم المنطقة ومع مسارات الامور. ان المنطقة وبهذه الصورة متوجه لا محال لحروب اهلية في كل بلد وبين تحالفات من بلدان مختلفة وعلى اساس طائفي واضح، والامر سيطول وقد ياخذ سنين لحين استقرار المنطقة على ضؤ موازين القوى، الناتج بعد اجهاد الجميع واستنزاف امكانياتهم. ولذا فالعمل من اجل تقوية المجتمعات التي المسيحية هي احد مظاهر هويتها يكون بان تكون قوية من الداخل وتمتلك الادوات الكافية للرد على اي اعتداء بحيث يقنع الجميع ان استهداف هذا المكون هو خسارة للمعتدي باكثر مما هو للمعتدي عليه. ان مجالات القوة تكون متعددة بلا شك، ولعل اولها وحدة الصف وووضع اوليات وبرامج وخطط لتحقيق الاهداف. المنطقة صارت مستودع للسلاح بكل انواعه، واذا كان للاخرين الحق في امتلاكه فانه يحق لنا ذلك، على الاقل دفاعا عن الذات امام كل تهديد جدي وللرد على كل محاولة استهداف. لن ينفعنا التغني بالاوطان، فالاوطان التي لا تقبلنا وتعمل بعض الاطراف فيها على اقتلاعنا، ليست اوطانا بل مقابر جماعية وعلينا ان نجعل منها حقا اوطانا.

07/06/2012

 

المسيحيون مطالبون دوما بإعلان الولاء

حال مسيحيي الشرق، لا تسر، فحتى الوصف أحيانا يصعب على المرء، لأنه سيصاب بالعجز عن وصف حالهم.

تعالوا نمر سريعا على السنوات الثلاثة الاخيرة من حياتهم في العراق وفي مناطقهم خصوصا وفي سهل نينوى بالاخص. قبل ثلاث سنوات اجتاحت عصابات داعش الموصل وبعدها منطقة سهل نينوى، وتعرض المسيحيون الى انتهاك فضيع، فبالإضافة الى انه تم تجريدهم من كل ممتلكاتهم المنقولة، وتمت مصادرة ممتلكاتهم الغير المنقولة مثل الاراضي ودور السكن ومواقع العمل. فان بعض نساءهم تعرضن للسبي وسجن الكثير من رجالهم وفرض الاسلام على اخرين. من قام بذلك، انها عصابات داعش، ولكن ممن تتكون هذه العصابات، لقد كانت مع الاسف من ابناء المسلمين من نفس المناطق. المسيحيون هربوا واحتموا باقليم كوردستان كاخر ملاذ لهم في العراق، بعدما تم تحجيم وجودهم في بغداد والبصرة والانبار، ولحقت بها الموصل وسهل نينوى. ولازال الكثير منهم يتملكهم الخوف من العودة الى املاكهم، وبيوتهم. الكثير منهم لم ينظر الى وراءه، فاخذ طريق سابقيه وخرج الى المهاجر لا يلوي على شئ.

تم طرد داعش، وعاد الكثيرين من العرب الى مناطقهم، ومع الاسف الكثير من الدواعش: معهم ايضا، كما يقال من سبوهم من الازيديات والمسيحييات نساء واطفالا، وانبرى الكثيرين للدفاع عن الدواعش، على انهم تحت ظل الخوف والرعب انضموا الى الدواعش، وعلى الدولة والمجتمع عن يرأف بهم، ويحاول ان يتفهم ظروفهم. اما الضحية فعليها السكوت لاجل تحقيق المصالحة الوطنية. ولكن السكوت ليس المطلب الوحيد،بل ان تتقبل التغييرات الجديدة. فبعد الدواعش اتت اطراف اخرى، تحمل نفس الايديولوجية الدينية، ونفس التوجهات ونفس القوانين، وان كانت باسم مذهب اخر. لا اعلم ماذا سيتغيير عند المسيحي، لو كان مضطهده شيعيا حشديا عن من كان داعشيا. ان كان داعش قد دفعهم الى ترك المنطقة او دفع الجزية مع محاولة فرض الاسلمة ولو بالقوة احيانا. فان الحشدي مع الاسف وباسم انقاذ الوطن الذي باعه بعضهم، يحاولون ان يفرضوا ابناء مذهبهم، الشبك الشيعة كاوصياء على كل مناطق المسيحيين، ليس كاخوة متساويين كما طالب المسيحيون مرارا ، بل كاوصياء على الجميع الناس والارض.

بالامس وبطريقة غير مباشرة كان البعض يهدد المسيحيين، ويتهمهم بالعنصرية، لاي شئ؟ لانهم حاولوا ان يطرحوا معاناتهم. فعيب على المسيحي ان يطرح اي معاناة، ان مجرد بقاءه حيا، كافي، ليقدم شكره وامتنانه لمن تركه حيا. على المسيحي ان يتقبل وبكل رحابة صدر، ان ياتي اي مسلم وباي حجة ويسكن بيته او غرفة في بيته، والا فرفضه ذلك معناه انه ناكر جميل من حرره من داعش. ولم يقل احد ومن اتى بداعش، ومن فسح لهم المجال ومنح لهم الاسلحة، الم تكن الحكومة التي يسيرها نفس المكون؟ على المسيحي ان لا ينطق حينما يرى بان الشيعي الحشدي يحاول ان يستولي على ممتلكاته، انه نكران للجميل واي جميل؟ وعلى المسيحي الصمت والا فهو عنصري.

تعرض الطلبة المسيحيون في جامعة الموصل ومنذ سنوات عدة الى التهديد والوعيد وفرض القيم الاسلامية عليهم، ووصل الامر الى اغتيال عدد منهم، لا بل هوجمت سيارات النقل الخاصة بهم وقتل من قتل واصيب من اصيب منهم. ولذا طالبوا بفتح جامعة خاصة بهم. على الاقل لحمايتهم وليتمكنوا من ان يستكملوا تعليمهم، وبدأت الاستعدادات وتمت المباشرة في التعليم، في جامعة الحمدانية. وتم تهجير الجامعة ضمن ما هجر من اهالي سهل نينوى، وقامت الكنائس بدورها الكبير في توفير اغلب ان لم نقل كل احتياجات جامعة الحمدانية المتنقلة قسرا الى اربيل، وكل احتياجات الطلبة، وبدون ان تفرق بين الطلبة بسبب الدين او القومية. واليوم عادت هذه الجامعة الى موقعها، وتم تنسيب بعض الطلبة المسلمين من الجنوب اليها. ولكن المنطقة منكوبة، ولا تتوفر فيها كل مستلزمات اسكان اهلها فكيف باسكان الطلبة. ورغم ذلك تم توفير مسكن للطالبات وبعد جهد تم توفير اماكن ايضا للطلبة. من هذه الازمة خرجت صرخات الاخوة الشيعة متهمة المسيحيين بالعنصرية وبانهم لا يريدون ايواء الطلبة في مناطقهم. وبدلا من توجيه الاتهامات الى الحكومة التي لم توفر مستلزمات ايواء الطلبة الذين وزعتهم مركزيا، وجه اللوم إلى المسيحيين المنكوبين.

المشكلة الاخرى ان بعض الطلبة قام بالتحرش بالنساء والفتيات وجاراهم بعض منتسبي الحشد الشعبي في ذلك، وخاصة من المكون الشبكي. هنا يجب ان نعود ونقول جار المسيحي السني المتحول الى الدعشنة، سرق واعتدى وسبى المسيحي باسم الاسلام، وجار المسيحي الشيعي الشبكي المحشدن، سرق املاك المسيحي وحاول الاعتداء على نساءه وبناته. لا اعلم ما الفرق بين الامرين وبين الاسلام السني والشيعي؟

من المؤكد، ان الكثيرين، يؤمنون بمبداء القوة والفرض، وانهم لا يريدون ان يتعلموا ان القوة والفرض، تولد الانفجار في النهاية، ان القوة والفرض، تفرض على الاخر اللجوء حتى الى الشيطان للتخلص من الظلم. مع ان تجاربنا الفاشلة مع القوة والفرض كثيرة ، وكل هذه التجارب، جلبت المأسي على الجميع. ان الاستقواء بالعدد وبالدين وبالمذهب لسلب الاخر، لم ولن يخلق او يبني وطنا. بل ساحة صراع تمتد كل الأيادي اليها. ان من يحاول ان يستقوى لكي يفرض ما يريد، ويأخذ ما يريد، يريد ايصال رسالة واحدة فقط، وهي ان مفهوم الوطن لديه معدوم، انه يؤمن فقط بالسلب. انه يؤمن بقانون العشائرية الذي كان يبيح السلب والقتل والثأر والسلطة للقوي. في عصر وزمن يعتبر بلده جزء من العالم وبلده ملتزم بقوانين دولية ستفرض عليه الكثير من العقوبات التي قد لا يراها ولكنها تعزل البلد وتؤثر في مستقبله. ان خالف التزاماته القانونية تجاه مواطنية.

في العراق ايها المسؤولين وايتها المرجعية، المسيحيين حائرون لمن يقدمون الولاء، فان كان للوطن، فانهم قدموه مرار وتكرار واكثر من اي مكون اخر. ولكن ان يتركوا الوطن ويقدموا الولاء والطاعة للطوائف والقوميات النابع من الرغبة في فرض القيم وصولا الى تحويل الانسان الى عبد لرغبات المنتمين الى هذه الطوائف والاحزاب والقوميات، فهو لامر مهين للكرامة الانسانية.

المسيحيون، ايها السادة، ليسوا عنصرين، بل هم وبقية المكونات الاقل عددا، كانوا الاكثر انفتاحا، وكان دورهم ملاحظا في الكثير من المجالات التي تعبر عن الرغبة في تطوير البلد، ثقافيا وعلميا واقتصاديا واجتماعيا. ولكنهم و الاخرين ايضا ورغم انفتاحهم فهم لن ولم يقبلوا يوما ان يتم التعامل معهم بمهانة، ومن خلال الفرض والاستقواء

 

المسيحيون المشرقيون بين ترامب ومشرقهم

 

 

أصدر الرئيس الامريكي دونالد ترامب مرسومه الرئاسي الخاص بمنع دخول الولايات المتحدة الامريكية لمدة تسعين يوما، لابناء سبعة دول وهي ايران والعراق وسوريا واليمن وليبيا والسودان والصومال. وهذا قرار سيادي يمعنى انه حق لاي دولة ان تمنع او تسمح او تطلب فيزا مسبقا او تعفي من الفيزا. وحسب ما مذكور فان القرار اتخذ لدواعي امنية. هاج الاعلام وماج مدعيا ان دونالد ترامب اتخذ القرار لاسباب دينية بحتة، وانه اختار ان يمنع دخول المسلمين في حين ان هذه الدول الستة فيها اقليات ومكونات دينية اخرى، ليس هذا فقط بل ان هذه الدول تكون جزء صغير من المسلمين، فمسلمو الهند اكبر من اي مجموعة اسلامية اخرى وهكذا بالنسبة لاندونيسيا. ولو اراد منع المسلمين لادرج كل المسلمين بالرغم من الامر صعب لان اغلب الدول لم تعد تذكر الدين في وثائقها كما ان التسمية لم تعد تعبر عن الانتماء الديني كما كان سابقا. الضجة حدثت لاسباب قد يكون احداها ان السيد ترامب وفي فترة الترشح والدعاية لنفسه قال انه من الواجب الاحتياط واخذ الحذر لا بل منع المسلمين من دخول الى البلاد حتى التأكد منهم امنيا. ولا اعتقد انه صرح بجمع او بتسجيل كل المسلمين في الولايات المتحدة كاحتياط او لضبطهم ومعرفة توجهاتهم حسب ما راج في الاعلام. والامر الاخر الذي ذكره السيد ترامب وهناك دلائل عليه ان الادارة السابقة كانت تشجع استقدام المسلمين الى البلاد وتستبعد المسيحيين. من هاذين المثلين اتخذت الدعاية توجها دينيا، صرف في قرار امني صرف خاص بالولايات المتحدة. فمن ناحية انه يتم محاسبة السيد ترامب على ما يفعله بانه تمييز ديني ومحاباة، ولكن لا احد يتكلم عن ما مارسته الادارة السابقة في محاباة طرف معين.
ولكن المثير للاستغراب ان تلجاء اغلب الاطراف الى الربط بين ما تقرره الادارة الامريكية وبين وضع المسيحيين في بلدانهم وخصوصا التي منع ابناءها من دخول الولايات المتحدة الامريكية، وكان المسيحيين العراقيين والسوريين والسودانيين هم من التبعية الامريكية، فالتهديدات المبطنة او التي تربط بين استهدافهم وبين القرار صارت تنتشر على اوسع نطاق، فيما هم لا في العير ولا في النفير.
فصار من المعتاد سماع سؤال من مقدمي البرامج السياسية، عن مدى تاثير قرار الرئيس ترامب على وضع مسيحيي المشرق. هنا صار الكل يطبقون ما قيل سابقا بفم بعض الحكومات الدكتاتورية في المنطقة، والتي كان مضمونها انه حين يعتدي المسلم على مسيحي او اي من ابناء الاقليات، فعليهم السكوت ومسامحة المعتدي لكي لا تغضب الاكثرية المسلمة، وان كان المعتدي مسيحي او من ابناء الاقليات، فيجب معاقبته باشد العقاب لكي لا تغب الاكثرية المسلمة. ان ما ينتشر الان في هذه البرامج هو نفس هذه المقولة ولكن بصورة اخرى، وهي ان منعت او اتخذت الادارة الامريكية قرارا ما لا يعجب المسلمين وما اكثرها، فاخوتنا المسلمين او اغلبهم يعتقدون او يؤمنون بان سبب مصائبهم هي الولايات المتحدة الامريكية، فيجب او يتوقع ان يكون لهذا القرار تاثير سلبي على المسيحيين وكان المسيحيين من مواطني اميركا. اي في كل الاحوال تكاد ان تكون محصورا، في كماشة لا فكاك منها، انت متهم متهم، مهما فعلت او لم تفعل.
يتناسى الكثيرين ان دونالد ترامب تسنم الرئاسة منذ اقل من شهر، ولكن اجتياح مناطق المسيحيين والازيدية حدث عام 2014 من قبل داعش وعمليات قتلهم واستهدافهم لم تتوقف طيلة السنوات المارة، وليقدم اخوتنا في مصر جداول ببناتهم المختطفات وكنائسهم المحروقة والمفجرة، وابناءهم القتلى بلا سبب. وهكذا الامر مع مسيحي سوريا. ان ما يحاول بعض مقدمي البرامج السياسية عمله او يعتقدون انهم يعملوه هو جعل الادارة الامريكية رهينة بسبب مصير المسيحيين المشرقيين، وكان هم هذه الادارة كان هذا المصير في يوم ما.
او هو ايحاء ما يوجه للتوجهات المتطرفة لاستهداف المسيحيين، ومن ثم القول ان ممارسات ترامب ادت الى استهدافهم. ان بعض التوجهات الليبرالية، تعتقد انها الوحيدة على حق، وكل من لا يتوجه بما تقول وتؤمن فهم يجب ان يعزلوا، ومن هنا نرى ان هذه التوجهات ونتيجة لعداءها للسيد ترمب وطروحاته، فانها مستعدة، لاشعال نار حرب دينية. والا فان ما مارسه السيد ترمب في منع مواطني سبعة دول من دخول الولايات المتحدة ليس بذلك الامر الكبير والشاذ. وخصوصا لو ادركنا انه مؤقت، ويتم تعديل الممارسات الخاطئة فيه او تشذيبه. لا بل ان دول تمارسه وان لم تعلنه. فهناك دول تمنع تجنيس الناس لاسباب دينية وهناك دول تعيش فيها جاليات وتعمل لاجيال ولا يحق لابناءها التمتع بجنسية البلد الذي ولدوا وعملوا له.
ان معارضة قرارات السيد ترامب هو حق من حقوق المواطن الامريكي، ومن حقنا ان نبدئ الراي بها سلبا و ايجابا، ولكن المعارضة يجب ان تكون بخطوات وطروحات معقولة ولا تكون سببا في تقديم ضحايا ليس لهي ناقة وجمل في كل ما يحدث، بل هم ضحايا في اوطانهم ومن قبل ابناء اوطانهم. من هنا نود ان نوجه انظار العالم الى التيقض والحيطة مما يحاول البعض المحسوب على الليبرالية من دفع الامور لتصله، فالاقليات في المنطقة لا تزال تقدم وبدون اي سبب تضحيات وخسائر في كل النواحي سواء بالانفس او الممتلكات.