التهجير والتهجير المتبادل في الذاكرة
في ذاكرتي صور عن تهجيرنا، كنت لا ازال طفلا ايلول عام 1961، ولكنني كنت اعي ما يحدث واحفظ الصور في ذاكرتي، اعيها كقصة وليس كابعاد ونتائج، كانت قرى نيروا وريكان (منطقة في شمال شرقي دهوك) قد سبقتنا في الهجرة او بالتهجير، فالتهجير لم يكن بارادة ذاتية، بل جراء هجوم اطراف معينة على القرى وغالبا لاسباب عشائرية، ولكن قرى ابناء شعبنا الاشوري كانت الاسهل على المهاجمين من الطرفين، لانها لم تكن تمتلك تلك الاسلحة الكافية للدفاع عن الذات، ولانها لم تتحصن خلف حلف عشائري او قومي او ديني لكي تدافع عن نقسها وتتلقى العون من الحلفاء. كان اغوات نيروا وريكان في خلاف مع الحركة الكوردية ولاسباب عشائرية محض’ ولذا تعرضت مناطقهم للهجوم من قبل مؤيدي ثورة 11 ايلول الكوردية، وتهجر من جراء ذلك ابناء شعبنا الاشوري من المنطقة بشكل كبير، لتقوم حكومة البعث باتمام العملية من خلال تدمير كل القرى او ما تبقى منها وتجمع السكان المتمسكين بارضهم في مجمع ديرلوك عام 1978. اتذكر ان الكثير من ابناء قريتنا في اول الامر ساند الحركة الكوردية، وغالبا لان الكثيرين اعتبرها نوع من التمرد واعتبرها نزهة قصيرة، فبعض تسلح ببنادق الصيد وتحصن بالجبل خلف قريتنا في مقابل العمادية التي كانت تمثل مركز الحكومة العراقية، ولان الحكومة لم تكن تمتلك اي خريطة او مكان لموقع المعارضين، فانها ارسلت طائراتها الجيتس ان لم تخني الذاكرة، التي القت قنابله وطلقات رشاشاتها على القرى وسكانها.
سمع اهل القرية عن قدوم جتة (الجتة هي التسمية التي اطلقت على الكورد الموالين للحكومة والذين سلحتهم ودفعتهم لقتال الثوار، وكانوا في الغالب من العشائر المناوئة، وكان هناك خوف كبير منهم، لانهم لم يكونوا يتفاهمون، فكل همهم السرقة والسلب وطلب الاموال وحرق القرى باكملها وحتى سبي النساء) في تلك الليلة، قام ابناء القرية بتركها، لقد تركت الماشية في اماكنها ولم يتم التفكير فيها، وكل واحد اخذ معه ما خف وزنه وغلا ثمنه، وكان الانسان وما عليه هو الذي تمكنوا من تهريبه من القرى، لان ثروتهم الحقيقية كانت في الماشية التي يمتلكوها والاراضي والدور. فهم في غالبيتهم فلاحون، وكانوا ينمون النفس بالعودة السريعة، ومنذ ذلك الوقت وهم في دور التمني. ففي ذلك الزمان لم يكن هناك منظمات مجتمع مدني ولا منظمات دولية لكي تمد يد العون والمساعدة، فكل واحد هو وحظه التعس.
كان التهجير في العراق وفي شماله تحديدا (كوردستان العراق)، فغمرت بغداد ودهوك وكركوك والموصل وحتى البصرة بالمهاجرين الباحثين عن لقمة العيش، كانوا في الغالبية من الاشوريين، فالكورد وان احرقت بعض قراهم الا ان الموازين والارتباطات العشائرية، سلمت الكثير منها، وكان التنقل بين طرفي الصراع اسهل لهم. لم يسمع احد صراخ المهاجرين ولا لانينهم ولا انبرى احد لمعالجة وهنهم. لقد تكفل الزمان بها. ولكن الهجرة والتهجير في العراق لم تتوقفا، بل استمرا بوتائر اكبر، واليوم موجة الهجرة والتهجير تكتسح المنطقة برمتها، فلو سلطنا عليها منظارا من اعلى لوجدنا مئات الالاف من العراقيين في سوريا، ومثلهم من السوريين في العراق، ومثلهم من السوريين في لبنان وعدد كبير من العراقيين ايضا، في تركيا تتجمع مجاميع من المهاجرين العراقيين والسوريين، في عام 1915 اخرجت تركيا كل اشوريها من لم تطالهم يد السيف والقتل، وهام البعض منهم يعود، مصر تحتضن عشرات الالاف من السوريين والعراقيين وهاهي ليبيا تدفع ابناءها للهجرة الى مصر وتونس،وبشائر ذلك في الجزائر من خلال الصراع العربي الامازيغي، المتبدل ان هناك منظمات مجتمع مدني او منظمات دولية، بدات تمد يد العون والمساعدة للهاربين وان كانت بالحد الادنى، انه معالجة مؤقتة لداء كبير وعصي، نعم اتسم التهجير في بداية الستينيات بالوحشية ولكن ما يحدث الان فاق كل خيال في التوحش والتفنن في التدمير، ليس تدمير البنيان الحالة التي عرفها الشرق منذ قدوم الغزاة الى المنطقة، بل تدمير الانسان وقيمه وكرامته.
وكانه هنالك لوحة في رسم التكوين او الاعداد، وكانه هناك ملامح جديدة لشرق اوسط جديد، هذا ما يتراء لمن يتمعن في التفكير وفي الصورة المتكونة، صحيح ان الصورة لا تزال سوريالية لا يمكن تفسيرها بشكل واضح وموحد، الا ان ما يحدث ينبئ بامور قد تنباء بها الكثيرين، وهي تحلل المنطقة الى فيسفساء من الدويلات الغير المستقرة الا بفعل قوى دولية تضبط ايقاع العلاقة بينهم. لقد سارت المنطقة بخطى ثابتة نحو هذا المصير وبارادتها المطلقة ولا يمكن لوم اي احد على ذلك، فالمنطقة ودولها اصرت ان تبقى دول فاشلة، اصرت ان تنقل صورة القبيلة وقيمها وممارساتها الى مستوى الدولة، وهاي ستعود الى مستوى القبيلة، ولكن بخليط غير متجانس يضطرها لكي تتنازل من اجل الحياة عن الكثير مما دعت اليه دولة القبيلة. فصراخ الحروب والغزو ورمي الناس في البحار، وصراخ المطالبة بتركيع الناس حالما توفرت بعض الاموال الزائدة، سيقابله التذلل للدول الكبرى لكي تضبط ادارة الايقاع يبنهم، وبين كل عشيرة ومواطنيها، الا ترون دلائل ذلك، هذه الدعوات المحمومة للتدخل الدولي لايقاف الذبح والقتل والاغتصاب والسبي الجماعي، لم تعد الدعوات محصورة بالاقليات المنهارة والمرعوبة والمذلة، بل صارت الدعوات تشمل الاكثريات الخائفة من اكثريات اخرى، من دول وقادة وجامعة الدول العربية. وهو اعلان صريح بفشل هذه الدول عن ادارة امورها.
لن يكون الحل بوقف هذا الانحدار السريع، فنتائج ما قالته هذه الدول، من ان الخريطة التي رسمها الاستعمار جزأت الوطن، وهم يعملون الى توحيده، ومنذ ما قيل عن كشف الصحفي الهندي كرانجيا لمخطط سري لتفتيت المنطقة عام 1957 في كتاب له معنون “خنجر اسرائيل”، ورغم هذا الكشف اي اعلانه، فالمنطقة تسير بخطى ثابته نحو الانحدار سواء في علاقتها مع شعوبها او مع بعضها البعض، واذا كان يعتقد ان المخطط حينها كان للعراق وسوريا ولبنان، فان ما يقال الان انه تم توسيعه ليشمل المنطقة باسرها. لقد او صلت السياسات النابعة من اعتناق ايديولوجية قومية مطعمة بالدين المنطقة الى مرحلة الحروب الاهلية، والحرب الان تحمل شعارات دينية خيارها بين الجنة والنار. وكل يدعي انه يملك مفاتح الجنة والاخر في النار. لا الشعوب ولا القيادات يمكن ان تتهم احد، بالتسبب في الحالة الراهنة، فاذا كان البعض يتعلل بالاعداء فمخطط الاعداء المفترضين كان مكشوفا، والسؤال لماذا سرتم فيه وانتم به تعلمون؟ عجيب وغريب امر ابناء هذه المنطقة، يتأمرون على بعضهم البعض، ويقطعون رؤس بعضهم البعض، ويسلبون ويسبون بعضهم البعض، ولو اطلعنا على كتب التاريخ سنجد الالاف من الامثلة على ذلك، ولكنهم يشكون من تامر الاخرين عليهم!!! وتأمر الاخرين مكشوف لديهم كما يزعمون ولكنهم يسيرون فيه، ويتهمون المتأمرين!!!
الحل سيكون باعتناق الشعوب لمبدأ الحرية والعدالة والمساواة، بغض النظر عن دين او قومية او مذهب او منطقة، الحل سيكون بقبول خيارات الاخر، بالامس كان ديفيد كامرون رئيس وزراء المملكة المتحدة، يتحدث عن موضوع استقلال اسكتلندا والاستفتاء المزمع عقده بهذا الشأن وبكل حيادية، وكان الامر له سيان ومنوط بخيار الناس، وهو سيحترم هذا الخيار، رغم ان الرابطة التي تربط اسكتلندا مع المملكة المتحدة عمرها ما لا يقل عن خمسة قرون، لا ينتهي العالم عند بريطانيا او انكلترا او ويلز، بفراق اسكتلندا، فقط لدينا تقوم الدنيا ولن تقعد ان طالب احدهم بحقوقه وتساويه مع الاخر، فيتحول بين ليلة وضحاها اسرائيل الثانية وخنجر في خاصرة الامة وعدو الاسلام وهلم جر من الاتهامات. وكل هذا والمتحكم اليوم بهذه المنطقة يمكن ان يتهم بانه ابشع استعمار استيطاني شاهدته البشرية، فبقوة السيف تم تحويل المنطقة من حال الى حال،وسادت ثقافة ودين على منطقة عرفت بالتنوع الدائم.
12 أيلول 2014 ايلاف
لجنة الشباب الاشوري في كنيسة مار عوديشو، لجنة المميزون
قبل ايام وصلني ايميل يعلمني بان النادي القومي الاشوري في شيكاغو اختار الاخ روميل شمشون شموئيل رجل العام جراء عمله الدؤوب ومثابرته، كانت هذه البادرة وغيرها من المبادرات التي قيمت اشخاص من ابناء شعبنا يربطهم رابط النشاط والفعالية في لجنة الشباب الاشوري في كنيسة مار عوديشو، ناقوس اعادني الى هذه اللجنة ونشاطها وبعض الفعالين فيها في مستويات مختلقة من حياة شعبنا.
تأسست لجنة الشباب الاشوري في كنيسة مار عوديشو في ايار عام 1973 وقد تم تأسيسها من قبل يوسف تيادورس زيا (المطران مار ميليس حاليا) ومايكل بيروتا (القس مايكل الان) ونمئيل نوتالي (لاحقا شماس)، وانظم اليها تباعا كل من دانيال بنيامين، وليم دنخا، مارتن هارون، ادمون تمو، روبين تيدي بيت شموئيل، تيري كنو بطرس، عوديشو يوسف توما (لاحقا شماس)، عمانوئيل بيتو (القس عمانوئيل بيتو حاليا)، شموئيل بيتو، ناتن يوخنا، خامس هرمز (الاسقف مار اسحاق)، عمانوئيل هاويل، زهير داود،روئيل، جميلة اوشانا، ابرم البازي (لاحقا شماس)، ادمون عمانوئيل (لاحقا شماس)، روبرت شمشون، كريم يوسف (لاحقا شماس)، كنعان موسيليني (لاحقا شماس)، انيتا جوزيف، وردية ايشا، يونية ايشا، الس دنخا، خاوا كنو، شميران بنيامين، مارينا ازريا، اكلنتين كينا، دكلص شموئيل (القس دكلص في الكنيسة الانجيلية) اكنس جبرائيل، ماري بيت شموئيل، سويتلانا بنيامين، دورس ابرم، جاكلين قوسن، اسحق بيجان، بلندينا وردة، انورهاويل، اوشانا هرمز، يورم اوشانا، يوخنا اوشانا (ملك)،يورم داود، البرت يوخنا، سعد يوخنا، يوئيل نوتالي،ادوين دعين نوني، عمانوئيل البرواري، شميرام نيكولا، نينوى نيكول، هلين، صونيا جان، انيتا جان، مارلين جان، نينا ، روميل شيبا، نينوس، البرت بابا (البرت اوشانا)، سركون بابا، مارلين خنينيا، مادلين خنينيا، اشور ايشو، عوديشو شمشون، برخو شمشون، بسي شمشون، اوريانا شمشون شموئيل، نوئيل خزقيا، كلبرت اويقم، سامي نسطورس (لاحقا شماس)، زيا كوريال، زيا نسطورس، سركون بولص (ليس الشاعر المعروف بنفس الاسم) ارتين، لندا بولص، ليدا بولص، شموئيل زيا، بطرس ليون، توني ليون،سركون زيا،كوركيس شمشون، فريدون ممو. هذه بعض الاسماء التي تحضرني من الذين نشطوا في لجنة الشباب الاشوري في كنيسة مار عوديشو في مدة حياتها القصيرة والتي بلغت ستة اعوام من العمل العلني. وبعد قيام اللجنة المركزية للطائفة الاثورية بحل لجان الشباب اثر الشكاوي من تطلعاتها ونشاطاتها القومية، تحولت في زمن سكرتارية الاخ دكلص شموئيل الى العمل السري او الشبه السري، حيث انها كانت تعقد اجتماعات دورية وتتخذ القرارت وخصوصا بشأن التعليم الصيفي وتنفذ القرار وكانه من بناة افكار المعلمين الذين كانت تختارهم لجنة الشباب. علما ان هولاء الاخوة والاخوات لم يعملوا كلهم بصورة دائمة ومستمرة.
ولدت لجنة الشباب الاشوري كحاجة ضرورية لربط الشباب بالكنيسة، ولبث الوعي القومي والديني في الشبيبة التي خرجت الى ساحة التطلعات والنشاط والتي بدات تظهر ميولا للقيام بنشاطات اجتماعية ثقافية وقومية، وكان ظهورها متوافقا مع بروز الوعي القومي بعد صدمة الهجرة الجماعية من القرى الى المدن، وبعد تجاوز مرحلة الفقر والعوز التي طبعت السنوات الاولى من الهجرة الجماعية لابناء شعبنا. فوصول الشبيبة الاشورية الى الجامعات واختلاطهم بالطلبة العراقيين من مختلف الميول وبروز القضية الفلسطينية ومنطمة التحرير، والحرب الفيتنامية اجج المشاعر المختلفة وخلق نشاطا فكريا من مخلف الاتجاهات. وكانت الشبيبة قد وعت بعض الدورس فلجات الى بث الوعي القومي والعمل المنظم بمختلف مراحلة. فكانت باكورة النشاطات الفعلية بعد مرحلة الانقطاع التي طبعت حياة شعبنا منذ احداث سميلي المأساوية، هي النادي الثقافي الاشوري، وان كان قد سبقة النادي الرياضي الاثوري ذو الانجازات الرياضية الكبيرة. وبعد النادي الثقافي الاثوري ، ظهرت لجان الشبيبة وفي نفس السنة تأسس الحزب الوطتي الاشوري، وكان قد سبقه في التاسيس حزب الاخاء الاثوري في السليمانية وكركوك. هذا النشاط المتداخل رافق ايضا وصول وفد الاتحاد الاشوري العالمي ولاول مرة الى العراق للقيام بالمفاوضات مع الحكومة العراقية، وكان يقود الوفد المرحوم مالك ياقو مالك اسماعيل، والجدير بالذكر ان الحزب الوطني الاشوري كان يعقد بعض الاجتماعت في بيت مالك ياقو وان كان يغلفها في الظاهر بوفود شبابية تقدم دعمها لمالك ياقو.
تميز نشاط لجان الشباب في السنتين الاولىيتين بنوع من التخبط وخصوصا من الناحية الادارية، الا انها انطلقت في عملها واستمرت نشطة وبشكل متميز لحين حلها رسميا وليس فعليا، ولكن بعد قرار الحل تحول نشاطها الى التدريس والاهتمام به الى سنة 1982 وسوق اغلب اعضاءها الذكور للخدمة العسكرية. فكان نشاطها الاسبوعي هو القاء المحاضرات في مختلف الاهتمامات والتي كان يلقيها اعضاء اللجنة وخصوصا اللجنة الثقافية والدينية والتي كانت تركز على تاريخ شعبنا وبعض المظاهر الاجتماعية والسياسة الغير المباشرة. ولكن اللجنة استقدمت شخصيات اخرى لكي تلقي محاضرات فيها ومنهم الشهيد يوسف توما هرمز وخوشابا سولاقا ونوئيل داود والفنان المتميز شليمون بيت شموئيل وغيرهم، وكان كل يحاضر في مجال اهتمامه, كما قامت اللجنة بعمل علاقات متينة مع لجان الشباب الاخرى وبالاخص في كنيسة مريم العذراء في النعيرية وكنيسة مار قرداغ في كمب الكيلاني وكنيسة مار كوركيس في الدورة وكذلك لجان الشباب في الموصل وكروكوك وديانا، حيث ذهب وفد من لجنتنا وضم كل من الاخوة روبين والشماس دانيال وروبرت وادمون وروميل ومنح للجنة الشباب في ديانا وهودينا كتب للتدريس بلغة الام . وكان للجنة علاقات متميزة مع النادي الثقافي الاثوري المركز العام وخصوصا بعد استلام القوميين الشباب لمسيرة النادي وخصوصا في فترة رئاسة السيد نمرود بيتو، كما كان للجنة الشباب علاقات مع الجمعية الثقافية السريانية وخصوصا من خلال بعض اعضاءها ذوي الاتجاهات الثقافية. ومن نشاطات اللجنة القيام بعرض مسرحيات مختلفة وخصوصا في اختتام الدورات الصيفية واقامة المهرجانات الشعرية السنوية ومعارض الكتاب، حيث امتلكت اللجنة مكتبة وان كانت فقيرة الا انها زودت الاعضاء ببعض الكتب وحثتهم على المطالعة، علما ان اللجنة كونت مكتبتها من خلال اقامة المهرجانات واشترطت لحضورها التبرع بكتاب واحد لكل من يود الدخول. وقامت لجنة الشباب بخطوة غير مسبوقة حيث قامت ومن عام 1974 بتطبيق مجانية التعليم، اي ان اللجنة وفرت الكتب والقرطاسية للتلاميذ، وتمكنت من تحقيق ذلك من خلال مؤازرة بعض اعضاء الهيئة الادارية للكنيسة ومؤازرة بعض اولياء الطلبة وشخصيات من شعبنا ممن كان عملهم متصل بهذه النشاطات، حتى اننا قمنا بالسفر الى كركوك والالتقاء ببعض الاشخاص ممن زودونا ببعض القرطاسية من مخزونات تربية كركوك. ولا يمكننا نسيان دور اعضاء لجنة الشباب في مواقف تاريخية، ومنها دورها في محاربة قرار الحكومة العراقية بفرض تدريس تفسير القران على الطلبة المسيحيين، حيث عقدت اجتماعات مع مختلف لجان الشباب، والطلبة المشمولين بالقرار وتم التهديد بمقاطة التعليم وعدم استلام الكتاب وفي حالة فرض استلامه كان الطلبة يرمونه وبذا خلقت حركة احتجاحات كبيرة وصلت الى مسامع الحكومة مما اضظر الحكومة لسحب تدريس الكتاب لغير المسليمن، ومشاركة اللجنة بفعالية في التوعية بضرورة تسجيل الانتماء القومي بصورة صحيحة وعدم الخوف، وقد دخل اعضاء اللجنة في كل بيت لهذا الغرض. كما ان اللجنة وبعد عدم موافقة الكنيسة الشرقية على طبع التقويم الكنسي يظم صور رئيس النظام، قامت اللجنة بطبع تقويم بسيط لتعريف ابناء الكنيسة بالاعياد والمناسبات الدينية، ووزعته لجميع ابناء الابرشية. ولعل لجنة الشباب الاشوري من اوائل المؤسسات التي احتفلت بيوم الشهيد، حيث كان التعليم في ذلك اليوم يقتصر على التعريف باحداث سميل ولجميع الطلبة.
هذه اللجنة، ورغم عدد اعضاءها المحدود الا انها ابرزت شخصيات فعالة في مجتمعنا وعلى مختلف الاصعدة. واذا كان من حق الجميع علينا ذكرهم الا اننا نطلب المعذرة لمن فاتنا ذكر اسماءهم، ولكن بالتاكيد سنبتداء اولا برجال الدين ومن مختلف الرتب
1- غبطة مار ميلس مطرافوليط استراليا ونيوزلندا، كان يقوم بتدريس لغة الام واعطاء المحاضرات الدينية في لجنة الشباب، واليوم هو احد ابرز اعلام كنيسة المشرق وهو رجل نشط ومثابر وقام بانجازات باهرة في ابرشيته، وخصوصا انشائه مدارس وبيت للمسنين وتنشيط الرعية وربطها بالكنيسة دون نسيان الدور القومي بحدود ما يمكنه رجل الدين القيام به، حاصل على اوسمة عديدة ولعل ارفعها من الملكة اليزابيت الثانية لدوره الكبير. شارك في ادراة لجنة الشباب في البداية.
2_نيافة مار اسحق اسقف دهوك وروسيا، كان عضوا نشطا في لجنة السشباب لكنيسة مار عوديشو ومن ثم انتقل الى لجنة الشباب في كنيسة مريم العذراء في النعيرية. وقام هناك بتدريس لغة الام، والان يقوم بنشاطات فعالة في بناء ابرشيته، وقام بالتدريس وتنشيط العمل في بعض مرافق الكنيسة
3_القس عمانوئيل بيتو يوخنا، قام بتدريس لغة الام في اللجنة، مؤلف عدة كتب تتعلق بمختلف اوجه المتعلقة بشعبنا ما بين الكتب التي تتعلق بحفظ تراثنا الى كتب تاريخية وفكرية ولغوية مثل قاموس زهريرا بالمشاركة مع القس شليمون ايشو، كما شارك في مهرجانات شعرية عديدة وقدم قصائد كثيرة دينية وقومية واناشيد للاطفال. كاهن خدم في اول رعية في سميل وخدم في مختلف المناطق وكان اخرها المانيا، والان هو نشط في مجال الخدمة الانسانية من خلال منظمة كابني منظمة المساعدة المسيحية في شمال العراق، وقد حصل على وسام تقديري لجهوده هذه من منظمات المانية، ويعمل الان في منظمة اسيرو الانسانية والخاصة بكنيسة المشرق الاشورية والتي تقدم خدماتها للجميع وبدون تمييز. سكرتير لجنة الشباب الاشوري من اب 1977 لغاية اب 1978
4_القس مايكل بيروتا عبدالله، قس في كاليفورنا، كان نشطا وفعالا في مجال تدريس اللغة السريانية. شارك في ادارة لجنة الشباب في البداية.
5_ القس دكلص شموئيل، نشط في مجال التدريس وكان ناشطا سياسيا في الثمانيات وبداية التسعينات لحين رسامته كاهنا في الكنبسة الانجيلية حيث اقتصر نشاطه على الجانب التبشيري المسيحي، اخر سكرتير منتخب للجنة الشباب الاشوري عام 1979 قبل حلها رسميا
6- الشماس نمئيل نوتالي كان نشطا في مجال تدريس اللغة وقدم قصائد شعرية مختلفة ولكن لفترة قصيرة. شارك في ادارة لجنة الشباب في البداية.
7- الشماس دانيال بنيامين من الشباب النشط والفعاليين في اللجنة من مفقودي الحرب العراقية الايرانية.
8- الشماس عوديشو يوسف توما نشط في مجال كتابة الاوبريتات والتمثليات والاشعار، شارك في مهرجانات شعرية عديدة، وقام لسنوات بتدريس اللغة السريانية وهو عضو قيادي في الحزب الوطني الاشوري. سكرتير لحنة الشباب الاشوري من اب 1978 لغاية اب 1979
9- الشماس نوئيل يوسف، نشط في تدريس اللغة السريانية، حاصل على شهادة الدكتواره في مجال الفيزياء.
10- الشماس كريم يوسف، تميز بصوته الجميل، ونشط في مجال الاعمال اخيرا
11- الشماس ابرم البازي والشماس ادمون عمانوئيل ناشطان كنسيا في الولايات المتحدة الامريكة.
12- شميران بينامين نشطت في مجال تدريس اللغة في الوطن والدنمارك وحصلت على وسام تقديري وجائزة الاندماج التي تمنح من قبل مركز ملتقى الثقافات الدنماركي للعام 2006 جراء نشاطها في اقامة الجسور بين الدنماركيين الجدد والاصليين\ن وتعريف ابناء الدنمركين الجدد باصولهم الحضارية ، وتمكنت بجهود كبيرة من التوفيق بين عملها ونشاطها القومي المتعدد وبيتها، وهي زوجة الكاتب القومي اشور سمسون. كما انها كادر متقدم في الحزب الوطني الاشوري.
13- روبن بيت شموئيل، نشط سياسيا وثقافيا منذ سبعينات القرن الماضي، درس اللغة والقواعد لسنوات عدة، شاعر مبدع له مؤلفات تاريخية توثيقية ادبية ودواوين شعرية عديدة، حاصل على ماجستير باللغة السريانية من جامعات هولندية،، كان نشطا في المجال الطلابي ، كان عضوا قياديا في الحزب الوطني الاشوري لسنوات عديدة. سكرتير لجنة الشباب الاشوري من اب 1976 لغاية اب1977
14- ماري بيت شموئيل محامية ونشطة قومية في المجال الطلابي الجامعي وعضوة قيادية في الحزب الوطني الاشوري.
15- روميل شمشون مارس تدريس اللغة في كنيسة مار عوديشو في بغداد والبصرة، عضو قيادي في الحزب الوطني الاشوري لغاية عام 2003 ناشط ساسي اجتماعي ثقافي في شيكاغو.
16- نمرورد يوسف نشط في المجال الطلابي الجامعي وتعليم اللغة والنتاجات الادبية وبخاصة الشعر والمسرح، وهو ايضا من المبدعين في هذا المجال وله قصائد كثيرة وشارك في مهرجانات كثيرة داخل وخارج الوطن.
17- يوئيل نوتالي نشط في المجال القومي وعضو قيادي في حزب بيت نهرين الديمقراطي جناح اميركا.
18- البرت اوشانا نشط في المجال القومي والسياسي كادر في حزب بيت نهرين الديمقراطي
19- جاكلين قوصن نشطت في مجال تعليم لغة الام وكانت عضوة في الحزب الوطني الاشوري الذي رشحها لتمثله في اول برلمان عراقي منتخب ومن ثم اختلفت مع الحزب.
20- اكنس جبرائيل، نشطة في المجال الطلابي الجامعي وكانت عضوة في الحزب الوطني الاشوري، حاليا هي تعمل مع الحركة الديمقرطية الاشورية.
21- دورس ابرم نشطت في مجال التاليف الشعري
22- تيري كنو بطرس، نشط في مجال تدريس اللغة في مارعوديشو في بغداد والبصرة والمانيا، عضو قيادي في الحزب الوطني الاشوري منذ عام 1980 لغاية عام 2003 وخرج من الحزب في عام 2009، كان عضو قيادي في التجمع الديمقراطي الاشوري من عام 1984 لغاية 1987، عضو في مؤسسات اشورية مختلفة، مارس كتابة الشعر وشارك في عدة مهرجانات شعرية مارس الكتابة السياسية. سكرتير لجنة الشباب الاشوري لمدة ثلاثة عشر شهرا من تموز 1975 ولغاية اب 1976
وكما ترون فان ربع اعضاء اللجة او اكثر كانوا من المميزون في مجال ما متعلق باحد اوجه خدمة شعبنا، وهي نسبة كبيرة في مؤسسة صغيرة لم تكن تملك موارد مالية الا تبرعات اعضاءها او موارد نشاطاتها، وبالاخص حفلة راس السنة التي كانت تجلب الاصدقاء والمؤازرين، ودعم بعض اعضاء الهيئة الادارية للكنيسة لهم ونذكر منهم الاخ ديفس سركيس العضو القيادي في الحزب الوطني الاشوري حاليا، والمرحوم مام شمشون شموئيل الذي وقف يساندنا في اصعب المراحل وغيرهم.
اننا وبهذه المناسبة نطالب هؤلاء الاشخاص الواردة اسمائهم اعلاه وغيرهم ممن شاركوا في مؤسسات شعبنا، لكي يستمروا في نشاطهم ويقدموا المزيد لشعبهم، لا بل ليخلقوا مؤسسات جديدة يحتاجها شعبنا، لانهم مؤهلين بحكم خبرتهم منذ الشباب، ولانهم مؤهلين لانهم تعلموا التضحية منذ البدء، لاجل المبداء ولاجل المستقبل الافضل. والدعوة هي لكل ابناء شعبنا قاطبة، فكم نحن بحاجة للعمل!!!!!!!!!!!!
الى كل احبتنا الاعزاء، هذا ايضا جزء من تاريخنا، والواجب يدعونا للاستفادة من التواصل الذي تمكنت التقنية الحديثة من خلقه وسهلته لنا، لكي نكتب تاريخ هذه المؤسسات التي خدمت شعبنا في نطاق معين، ان ارشيف الكثير من مؤسساتنا يضيع ويطويه النسيان اليوم نحن مطالبين بابرازه للجميع وتبيان دوره، لانه جزء من ذاكرتنا الجمعية
مسار تاريخي مختصر
في يوم 14 تموز يحتفل اعضاء الحزب الوطني الاشوري بالذكرى الرابعة والثلاثين لتأسيس حزبهم، حيث تأسس في ذلك اليوم من عام 1973. وشخصيا اعتبر من الرعيل الاول من اعضاء الحزب حيث انتميت اليه بعد اقل من شهر من تأسيسه وكان ذلك في 11 اب 1973.
الحزب مجموعة من الافراد يؤمنون بهدف واحد، ويعملون بشكل جماعي لتحقيق هذا الهدف، والحزب عند التأسيس ليس هو الحزب بعده، فالحزب عند التأسيس له هدف، ولكنه بعد التأسيس يبحث عن الوسائل، وطرق العمل والموارد والافكار التي تساند هدفه، والحزب بعد سنوات ليس هو الحزب يوم التأسيس،والحزب الذي يبقى نفسه كما كان يوم التاسيس، يعني انه لم يدخل معترك الحياة ولم يقم بنشاط ولم يتزود بالخبرات ولم يطرح اسئلة مشروعة عن الهدف والطريق ويخضعهما للنقد والمحاسبة.
لكل انسان امال وطموحات، والشباب تدفعهم الامال والطموحات والقيم العليا نحو العمل، وانا شخصيا اتذكر حينها ان اقصى طموحاتي كشخص كانت ان اعود الى قريتي وان اجلس على طارمة بيتنا المقابلة للعمادية وان اكتب، لقد كنت اكتب حينذاك بعض المحاضرات والتي كنت القيها في لجنة الشباب الاثوري في كنيسة مار عوديشو ولذا كنت اعتقد نفسي كاتبا متمرسا وكبيرا وخصوصا انني كنت قد ابتدأت بكتابة الشعر ولي اشعار شاركت اخوتي في القاءها في مهرجانات الشعر التي كنا نقيمها في نادي التأخي والجمعية الثقافية للناطقين بالسريانية ولجان الشبيبة، وكما ترون دارت بي الدوائر وها انا احاول الكتابة ولكن من غرفة وامام شاشة الحاسوب ولا زلت اتعلم الكتابة وقد قطعتني تجاربي السياسية والمصاعب الحياتية التي مررت بها عن الشعر.
الحزب الوطني الاشوري، ابتدأ بداية جيدة، لانها كانت بداية محمية بوجود المرحوم مالك ياقو مالك اسماعيل، ولكن فشل المفاوضات مع الحكومة العراقية ووفاة مالك ياقو اضطر الحزب لكي يتحول الى الصرامة في السرية، وخصوصا ان قائده في السنة الاولى قد بداء يتحول عن مباديء تشكيل الحزب وصار يقدم اقتراحات متتالية ومتناقضة عن المستقبل، فتارة تحويل الحزب الى تنظيم شبابي واخرى الى التحول الى نادي ثقافي اجتماعي خاص، ولذا فأرتأت الحلقة الأقرب اليه انهاء الامر والاعلان عن حل الحزب في اب 1974 وفي الوقت عينه اعادة بناء الحزب بمن فيهم الثقة الكاملة من الناحية الامنية، وخصوصا من ناحية الارتباطات بالبعث او الاتحاد الوطني لطلبة العراق.
في هذه المرحلة اي بداية السبعينيات وخصوصا 1973 و1975 لم يكن هناك تبلور او تقوقعا في الحزبية، فالحزب وبالرغم من تأسيسه عام 1974 الا انه واعضاءه بقوا منفتحين على المجموعات القومية الاخرى، فبالرغم من ان الشهيد يوسف توما هرمز كان من حزب اخر (الاخاء الاثوري) الا انه تم دعوته لالقاء محاضرة في لجنة الشباب الآثوري في كنيسة مار عوديشو واعتقد ان السيد يونادم كنا كان معه، وكذلك كنا نعتبر ان مجموعة الأخوة خوشابا سولاقا وابرم شبيرا وبين ونوئيل داود توما وشليمون بت شموئيل في النادي الثقافي هي اقرب مجموعة الينا وقد دعينا كل من الاخوة خوشابا سولاقا وشليمون بيت شموئيل ونوئيل داود توما لالقاء محاضرات في لجنة الشباب والتي كان يسيرها على الاغلب اعضاء الحزب الوطني الاشوري وخصوصا لجنتها الثقافية الفرعية والتي كنت اسيرها في السنتين الاوليتين لتاسيس لجنة الشباب.
وعند دخولنا الى النادي الثقافي الاثوري المركز العام، وذلك لاننا كنا ندرك ان ايماننا القومي يجب ان يصقل بالعمل المهني وبالاختلاط في الاجواء الثقافية، وعلى هذا الاساس كنا نعتبر انفسنا في جو النادي انه الجوي الطبيعي لنا، وخصوصا ان غالبية اعضاء الحزب من الشبيبة كان لها تطلع ثقافي وفي مجالات متعددة، منها الشعر والمقالة السياسية والمقالة الثقافية او التاريخية، واذكر انني نشرت اول مقالة لي في مجلة المثقف الاثوري عام 1977 وكنت قد سبقتها بمحاضرات ثقافية في لجنة الشباب.
توسع اعمال الحزب بين لجان الشبيبة الكنسية واللجان الطلابية والنادي الثقافي الاثوري، جعله يكون رقما صعبا ومؤثرا، ولكن الحزب ظل على الاكثر يقدم خدماته ويعمل دون ان يخرج الى المقدمة، في النادي الثقافي الاثوري بالاخص الا بعد عام 1977 وبعكس ذلك كانت قيادة اللجان الطلابية بغالبيتها بيد اعضاء الحزب او المتعاطفين معه، وللذكرى هنا نذكر الكليات التالية والتي كان يقود لجانها الطلابية اعضاء حزبيين او متعاطفين مع الحزب،وهي جامعة بغداد ( كلية الهندسة، كلية الطب، كلية التمريض، كلية القانون والسياسة، كلية الصيدلة، كلية الادارة والاقتصاد، كلية التربية) جامعة التكنولوجيا، جامعة المستنصرية ما عدا كلية واحدة فيها، مؤسسة المعاهد الفنية ( معهد التكنولجيا، معهد الادارة، معهد الزراعة، لحق به يعد حين المعهد الطبي) بهذا الزخم كان اعضاء الحزب يتحركون ويقررون ما يعتقدون صالحا لربط الطلاب بقضيتهم القومية، من خلال اقامة حفلات التعارف التي تحولت الى حفلات نهارية يغلب عليها الطابع الثقافي واجتمعات التعارف لكل كلية على حدى تتخللها انتخابات مسؤولي الكليات من ممثلي الطلاب الاشوريين والتي كانت تعقد في النادي الثقافي الاثوري.
على المستوى السياسي العملي كان الحزب قد خطى خطوات اساسية في العمل داخل شعبنا وفي مؤسسات متعددة، واقام علاقات من خلال اعضاءه مع اغلب النشطاء القوميين، الا ان قصر الفترة التي يمكن تسميتها بالديمقراطية الخجولة والتي امتدت من عام 1970 الى عام 1975 لم يترك للحزب من ان يقيم علاقات على مستوى الاحزاب الوطنية، عدا الحزب الشيوعي العراقي والذي كانت تحركاتنا واضحة لاعضائه الا اننا لم نقم بمبادرة للتواصل معهم ولا هم بادروا الى ذلك، منذ عام 1975 بدات التغييرات تتجه الى فرض الحكم الفردي المباشر وعزل كل الاطراف الاخرى، وقد كان اول من تم ضربه الحزب الديمقراطي الكوردستاني والحركة الكوردية عام 1975، وتلتها ضرب الحزب السيوعي العراقي وبدأ التضايق عليه منذ عام 1976 اما نصيبنا فقد بدأ بمنع النشاطات الطلابية الاشورية وتحولت الى نشاطات سرية، وبعد ذلك تم التضييق على النادي الثقافي الاثوري، وفرض هيئة ادارية مؤقتة تمهيدا لتحويل النادي الى نادي عادي مكان للتجمع وللشرب وليس مكانا للتثقيف والتنوير، وفي الاخير تم حل لجان الشبيبة الاشورية في الكنائس، اتت هذه المراحل الثلاثة بعد ظهر النشاط السياسي وخصوصا في أمرين مهمين للعراق وهما الاحصاء السكاني لعام 1977 ، ومسألة فرض تدريس تفسير القرآن على تلاميذ المدارس الابتدائية والمتوسطة، ان الدور الريادي لاعضاء الحزب واصدقاءه في هاتين المناسبتين ومن خلال المؤسسات التي كان يقودها، عمل على ان تقوم الحكومة بحلها.
الثمانينات ولمن لا يعرف الثمانينات من عمر حزبنا يدرك انها كانت من اصعب السنوات التي مر بها شعبنا حينذاك، ومرت بها حركتنا القومية الاشورية ففي الوقت الذي كان حمل القضية القومية ملقيا على كاحل الشبيبة وخصوصا المتخرجة حديثا من الجامعات والمعاهد العليا، جاءت الحرب العراقية الايرانية بما حملته في البداية من البذخ الكبير مما جعل من اي معارضة للنظام وكشف عوراته امر صعبا ويحمل الكثير من المخاطرعلى الصعيد الوطني وحتى القومي، ومن جانب اخر كانت الخيارات السياسية محدودة، ليس امامنا نحن الآشوريون فقط بل حتما العراقيون عموما فالخيار بين ظلاميين من طرفين مختلفين امر صعب فالحل الايراني لم يرق للكثيرين، وبالاخص انه لا يلائم تركيبة العراق الديموغرافية ولا يلائم الطبيعة الانسانية التواقة للحرية والتطور الاقتصادي. اما الواقع العراقي ونظامه فكان يوما بعد يوم تشتد غطرسته ويجعل السلطة في حلقة مغلقة لا يمكن الشك في ولاءها لانها تدرك انها لا تستحق ما وصلت اليه، وكل ما هي فيه هو بفضل النظام ورأسه المتحكم بكل شئ.
من جانبنا كحزب، تم سوق اغلب اعضاءنا الى الخدمة العسكرية، وانا شخصيا كانت المرة الرابعة التي اساق للخدمة في عام 1982، حيث انهيت خدمة الاحتياط الاولى 1 تموز عام 1980، وسقت مرة اخرة لمدة خمسة عشر يوما في نفس العام. وبات العسكري يأتي ولا يرى رفاقه وان رأى البعض فانه يكون قد تعب خلال كل هذه الفترة من الخدمة الشاقة والخطرة، فلا يكون مهيئا للنشاط السياسي والذي كان يعتمد في غالبيته على النشاط الفكري، ومن يمكنه تهيئة مسلتزمات النشاط الفكري، فالغالبية في الجيش عدا العضوات الحزبيات.
من ناحية اخرى تم طرح قضية الالتحاق بالاحزاب المعادية للنظام، واعلان الكفاح المسلح، وكان خيارا في ظل اللاخيارات ولكن الحزب ارتأى بعد مناقشات مستفيضة ان لا يأخذ بها الخيار وخصوصا ان الاخوة المشاركين معنا في التفاوض من الاطراف الاخرى لم نرهم يرتقون الى مستوى المطروح وخصوصا توفير الضمانات الكافية لنجاح مثل هذا الطرح.
وبالرغم من ان الحزب عاد وارسل الى المناطق المحررة عضوين قياديين في الحزب هما الاخ اشور سمسون شينو وكاتب المقالة والاخت شميران بنيامين ، لكي يكون في الصورة وخصوصا بعد الانشقاق الاول في الحركة الديمقراطية الاشورية قبل كونفراس كوندي كوسا، ونشر بيانات لحزب بيت نهرين الديمقراطي وتأسيس التجمع الديمقراطي الاشوري والذي اوحي الينا من قبل بعض الذين كان لهم علاقة ببعض مؤسسيه انهم على اتصال وتناغم مع الاتحاد الاشوري العالمي.
مرت هذه المرحلة الي نهاية الثمانينات بتعاظم دور النظام العراقي وخصوصا ان ايران خرجت من الحرب في ظل ضغط عراقي كبير، وخرج العراق مدمرا اقتصاديا ومحملا بديون ضخمة وبالة عسكرية هي اقرب منها الى الخردة مما هي الة عسكرية يمكن الاستفادة منها في تحويلها الى الخدمة المدنية، ولكن العراق خرج قويا سياسيا، على الاقل على مستوى دول الجوار، وكان انعقاد مؤتمر القمة العربي عام 1990 في بغداد اعترافا بدور العراق المتعاظم، ولكن الخطوة الرعناء وغير المنتظرة للنظام بغزوه للجارة الكويت، لم تكن ضربة قوية للنظام وقوته وهيبته، بل كانت ضربة قوية للعراق ولاقتصاده المنهوك اصلا ولموقعه الحضاري والسياسي، فخرج العراق من مغامرته الكويتية مدمرا في كل مناحي الحياة وفوق ذلك معزولا دوليا. وبعد هزيمة النظام العراقي اندلعت انتفاضة جماهيرية من جنوب العراق الى شماله وتم تحرير اربع عشرة محافظة من اصل ثماني عشرة، ولكن الانتفاضة سارت المسار الخاطيء هو المسار الذي لا تزال بعض الاحزاب الاسلامية تريد السير فيه وهي تدرك انه مسار مرفوض من عراقيين ومن الجوار ومن دول العالم.
بعد الهجرة المليونية لابنا اقليم كردستان العراق، كوردا واشوريون وتركمانا، اقيمت منطقة امنة محمية بقوات دولية في شمال خط العرض 36، مما اتاح للجبهة الكردستانية لاقامة سلطتها الخاصة وانسحاب الحكومة العراقية وسحب موظفيها من المنطقة.
برزت الحركة الديمقراطية الاشورية وهي عضو في الجبهة الكوردستانية كتنظيم لشعبنا، وسارع الحزب الى دعمها بكل ما كان بمقدوره حينذاك، كما ارسل لقيادتها رسالة في ايار 1991 لم يحصل الحزب على جواب لها، ولكن الحزب والحركة دخلا مفاوضات لتطوير العمل عقد اجتماع واحد او اثنان وتم ايقاف الاجتماعات بعد سفر اول وفد للحركة خارج الوطن وعودته، ومن هنا بدأت عملية محاربة أعضاء الحزب ونعتهم بأبشع النعوت والصفات، ولم تبق الاتهامات الموجهة للحزب واعضاؤه داخل ابناء شعبنا او داخل الاشخاص المهتمين بل نشرت على نطاق واسع وتم تقديم اتهامات مماثلة للحزب واعضاؤه الى الاحزاب العراقية نذكر منها الاحزاب الكوردية والمؤتمر الوطني العراقي وحركة الوفاق العراقي، وتم تزوير في رسائل حزبية وقعت في يدهم ونشرت للجماهير، وتم التخطيط لاغتيال احد اعضاء قيادة الحزب، وهنا قرر الحزب التحرك لان الخطوط الحمر كلها تم تجاوزها من قبل قيادة الحركة، فارسل رسالة سرية الى التنظمات الاشورية طالبا علمهم ونصح قيادة الحركة بعدم السير في هذا المسار وارسلت الرسالة الى الاتحاد الاشوري العالمي والمنظمة الاثورية الديمقراطية وحزب بيت نهرين الديمقراطي والحزب الاشوري الديمقراطي، ولم نخرج خلافنا وما كنا نعانيه من اطار الشكوى لله واخوتنا التنظمات الاشورية الاخرى، وعندما رأينا كل الجحود وكل اللامبالاة بالدم الاشوري حينها خرجت صيحتنا المكبوتة رويدا رويدا، ورغم كل ذلك ورغم قيام الحزب باقامة تكتل ثقافي اطلق عليه اسم نخبة من المثقفين الاشوريين، اصدر عددا لا بأس به من كراريس ثقافية باسم اوراق من الوطن، الا ان الحزب اعلن عن وجوده العلني في خريف عام 1997، ونتيجة للوشايات ايضا تم اغلاق مقر حزبنا لمدة ثلاثة ايام من قبل قوات الاسايش ولكن بعد افتضاح الاكاذيب تم السماح باعادة فتح المقر في دهوك كأول مقر للحزب الوطني الاشوري.
ورغم الاساءات ومحاولات الطعن من الخلف ومحاولة تشويه السمعة التي قادتها الحركة الديمقراطية الاشورية واعضاءها الا ان الحزب كان على المستوى القومي عاملا ومناضلا من اجل وحدة الصف وقدم تنازلات كبيرة لتحقيق هذا الامر، وعند عقد مؤتمر نيويورك للمعارضة العراقية عام 1999 كان للحزب حضورا فعالا رغم كل النضال الذي دخلته الحركة لاجل منع حضور الحزب وتمثيله بحيث اعتقد البعض ان الحركة تناضل لحجب ومنع الحزب اكثر مما تناضل لاحقاق حقوق الشعب الاشوري،، ويشرف الحزب انه طالب وضمن قرار حق عودة كل المهاحرين الى بلدهم العراق بغض النظر عن الفترة او الزمن الذي هاجروا منه اي بعد تأسيس العراق عام 1921، فالحركة وبعض حلفاءها عملوا جادين على حصر التواجد الاشوري بها، وعقدوا مؤتمرا لهذا الغرض مستبعدين الحزب من حضوره، مما اضطر الحزب الى عقد مؤتمر اخر بمشاركة غالبية تنظيماتنا كان اكثر نجاحا واكثر قبولا، وفي عام 2002 نشط الحزب في العمل من اجل وحدة القرار الاشوري قبل اسقاط النظام وقد وجه دعوة سرية او لم تكن علنية لعدم احراج اي طرف لعقد اجتماعات تنسيق العمل وخصوصا ان الحزب اكد ان اسقاط النظام صار امرا محتوما، الا ان الدعوة قوبلت بالتجاهل، وعند تذكيرنا السيد يونادم كنا قال لنا ما كنا نعرف ان الامور تسير بهذا الاتجاه وهذا بالضبط بعد شهرين من تاريخ ارسال المذكرة، ورغم كل شئ ورغم تحددينا المسبق لما ننتظر الخروج به من مؤتمرنا الاشوري في لندن والذي سيسبق مؤتمر المعارضة العراقية، الا ان الالاعيب ظلت لحرمان الجميع من التواجد في مؤتمر المعارضةو العراقية، فبعد ان كان من المؤمل ان يكون تمثيلا يقارب الستة بالمائة، تنازل البعض الى ثلاثة بالمائة لاجل حرمان الاخرين من التواجد (الآخرين من أبناء شعبهم)، وهكذا فقدنا ورقة تلو الورقة بهذه الممارسات الصبيانية، مع كل هذا أقر أخيرا أعضاء الوفد الآشوري صيغة معينة مشروطة، الا ان البعض وبعد ان وصل لغايته ايضا لم ينس الشروط بل نسى من اوصله الى المكانة التي كان فيها.
هذه نبذ صغيرة ومختصرة لما عايشته في الحزب، الذي لا أزال عضوا فيه، ومنذ عام 2003 انا عضو فرع اوربا ولم اعد عضو قيادة الحزب، وهناك اعضاء كانوا اعضاء القيادة واليوم لم يعودا كذالك ، وهناك اعضاء جدد اي انتماءاته في التسعينيات من القرن الماضي وهم اعضاء قيادة، والحزب لم يدمر ولم يتراجع بل لا يزال الى الامام رغم نقص الدعم ورغم ان مؤسسات شعبنا قصرت الدعم لتنظم واحد بحجة دعم التدريس السرياني، ودعم عمليات البناء واقامة المشاريع لابناء شعبنا، هذه الامور التي ندرك ويدرك غالبية ابناء شعبنا انها بعيدة عن الحقيقة.
من الصعوبات والمعيقات الكبيرة التي واجهها الحزب ومن داخله كأمثلة للتذكير، قيام الحزب بطرح رؤياه وما يعتقده الاصح بشكل مباشر الى الجمهور، لم يساير الجماهير في بعض الامور التي لا تتعلق بالسياسة ومصالح شعبنا الحقيقية، مثل النفخ في معاداة اطراف معينة واستحضار التاريخ، لم يدع الحزب امتلاك قدرات خارقة ولم يشوه واقع ووديمغرافية شعبنا ويعطيها ابعاد غير حقيقية، لقد قال للجميع انني اتطلع الى تحقيق هذه الامور لانني أراها الأصوب والأكثر ملائمة مع امكانياتنا، وقال انني اريد ان اتحالف مع هذه الاطراف لانه اسلم لمصالحنا القومية والوطنية ايضا، الحزب قاطع الخطاب الديماغوجي والمعادي والشعاراتي، لانه خطاب لم يعد مقبولا، ومن يقبله اليوم يسير الهوينا نحو التخلف والانعزال عن العصر، في خطابه السياسي الحزب كان واضحا ومباشرا لحد ان البعض اعتقد ان الحزب يريد تأييس الجماهير والحقيقة كانت انه يريد توعية الجماهير بالحقائق كما هي لكي لا تصدم يوما بالحقيقة العارية، لان حبل الكذب قصير والمشكلة التي قلناها مرارا ان ما فينا وما هي قدراتنا يعلمها الاخرون اكثر منا، ولذا فعلينا ان نكون واقعيين في طرحنا، وكل هذا والحزب لم يعلن يوما ان شعبنا مثلا لا يستحق هذا الامر او ذاك، بل اننا كحزب نؤمن ان شعبنا الكلداني السرياني الاشوري يستحق الدولة ايضا، ولكن في السياسة ليس كل ما يستحقه المرء يحصل عليه.
ارجو ان يعي البعض الان من البادئ ويقال ان الباديء اظلم، وليست المسألة مسألة عداء، بل على من اخطاء ان يصحح المسار وليس على الضحية السكوت، والمشكلة الاخرى اننا كحزب لم نكن الضحية الوحيدة بل اخرين ولكن الضحية الكبرى كان شعبنا كله.
7 تموز 2007
عندما فصلت من النادي الثقافي الاثوري في بغداد
في بداية السبعينيات من القرن الماضي، كان النشاط القومي في اوج تالقه، فالمجموعات القومية، كانت تتنامي وتتطور. فرغم ان شعبنا تلقى ضربة كبيرة مع بزوغ الستينيات ضربة ادت الى تركه قراه وارضه، جراء عمليات الحرق والتهجير والسلب التي مارس اغلبها الميليشيات المدعومة من الحكومة العراقية والتي كنا نطلق عليها ال(جتا) او الجحوش. الا ان ابناء شعبنا المعروفين بالتفاني والرغبة في تحقيق الافضل، تمكنوا من ان يرتقوا في مدارسهم ويدخلوا الجامعات بسرعة قياسية. في هذه الفئة الشابة تم اعادة بعث الوعي القومي من خلال منابر وتجمعات عديدة. اقول اعادة بعث الوعي بمعناه الدعوي والتنظيمي. لقد كانت لزيارة المرحوم مار ايشاي شمعون وما رافقها من مظاهرات واحتفالات وتجمعات جماهيرية غير مسبوقة اثرا فعالا في التواصل الاجتماعي وزيادة الروابط الفكرية واللقاءت المختلفة. وقد تاسس النادي الثقافي الاثوري في تالك السنة وكان الشرارة لحدوث تغيير ثقافي وخلق وسط اخر لاختلاط ابناء شعبنا، ولكنه وسط ملئ بالاسئلة والحوارات التي تبحث الاجابات عن المصير والمستقبل. شخصيا ورغم صغر سني الا انني قد حضرت مناسبة استقبال مار ايشاي شمعون وكذلك حفل افتتاح النادي الثقافي الاثوري الذي اقيم في النادي المشرق على ما اذكر، وكان حضورنا في هذه المناسبة لدعم النادي الجديد.
ولكن اول حديث جدي، عن الانتماء والعمل القومي المباشر، كان في خريف عام 1972 مع المرحومان توما هرمز وابنه الشهيد يوسف وكان حينما دعواني الى الانتماء الى حزب قومي وكان اسم الحزب حزب الاخاء الاثوري، ولكن انقطاع الاتصالات وكون الشخص المرشح لادارتنا لم يتصل بنا، فقد تغييرت وجهتي وبعض الاصدقاء ممن كانوا يترقبون العمل القومي المقترح. ففي ربيع عام 1973 علمت بان هناك مجموعة من الشباب تزمع العمل من اجل تدريس لغة الام، ولذا فعزمت الذهاب لتعلمها وهكذا كنت في خلال شهر ايار من تلك السنة عضوا في لجنة الشباب الاثوري في كنيسة مار عوديشو مع مجموعة من الشباب يعتبر الكثير منهم اليوم قادة في مواقعهم وموجهين في مجال اختصاصهم القومي. وفي نفس الصيف اتصل بي بعض الاصدقاء وعرضوا علي الانتماء الى حزب قومي يقوم بالعمل لتحقيق مطالب شعبنا العادلة، وهكذا في 11 اب 1973 كنت عضوا مرددا للقسم في الحزب الجديد الحزب الوطني الاشوري (مموين بدما دسهدي واوبرا داتري دله هاون خاين قا امتي) (وفي كل اجتماع كنا نردد تشبوختا لالها بشما دقيمتا داومتن اتور)، والذي كان يتعاون مع المرحوم مالك ياقو مالك اسماعيل، وحضر اجتماعا لنا بعض مرافقيه وزوراه وخصوصا من الاتحاد الاشوري العالمي
كان الانتماء للنادي الثقافي الاثوري حلما يراود اغلب الشباب القومي، فقد كان منبرا لطرح الافكار والنشاطات القومية، ولذا فاول ما تخرجت من الاعدادية عام 1974 ، قدمت اوراق انتماء وتم قبولي وكان رقم هويتي 549 ان لم تخني الذاكرة. وبرغم نشاطي الحزبي وفي لجنة الشباب التي كنت حينها سكرتيرا لها، فانني اتخذت منحا ثقافيا في نشاطي في النادي، بمعنى ان اكون في اللجنة الثقافية وفروعها من اللجان الاخرى. كما دخلت دورتين لتعليم اللغة السريانية، لتطوير امكانياتي اللغوية وخصوصا من ناحية القواعد (ممن تعلمت علي اياديهم في هذه الدورات كان الاستاذ يوسف نمرود كانون والاستاذ القس المرحوم ايشو القس عوديشو والشماس الاستاذ عوديشو ادم). كان انتمائي للنادي خطوة في توسيع علاقاتي القومية، ولكن خطوة الانتماء كانت ايضا عمليا سياسية بامتياز. لانه في تلك الفترة بدات بالظهور اختلافات بين جيل الشباب وبين الجيل الاكبر في النادي، اتخذت طابعا اتهاميا للجيل الاكبر في السن بانه يمالي الحكومة، جيل الشباب الذي كان متمثلا بالسادة خوشابا سولاقا وابرم شبيرا وشليمون بيت شموئيل ونوئيل داود وادم بثيو وبنيامين زكريا وغيرهم الشباب المندفع، وبين الاكبر سنا مثل الدكتور سركون ايشو سابر والسيد ولسن ملهم نرسي اللذين كانا يتناوبان رئاسة النادي، وبالطبع كانت ميولنا مع مجموعة الشباب لانهم الاقرب لنا في الافكار والمرحلة العمرية. ولذا فان دخولنا وبمجموعة كبيرة في النادي ومن الاتجاه القومي غير موازين القوى لصالح التيار القومي الحركي.(هنا اود تسجيل تقديري للجيل المؤسس النادي وبالتاكيد ان عملهم كان بدافع قومي خالص، الا ان العمل القومي والسياسي يتطلب تحركات واختلافات ولذا فانني لا اقصد من خلال هذه المقالة اتهام اي احد باي تهمة). وكان التغيير الاول حينما تمكن الحزب الوطني الاشوري وبالتحالف مع المجموعات القومية من الاتيان بالسيد ايشو دنخا يقيرا وهو من القوميين رئيسا للنادي الا ان الامن العراقي رقن قيده، لنشاطه القومي السابق، وحل محله السيد روميل جورج.
صار معروفا ان الاتجاه الفائز في انتخابات النادي الثقافي كان الاتجاه القومي الحركي وعرفوا علنا بالمستقلين او بالطلبة الجامعيين احيانا، الا انهم كانوا معروفين من خلال المتفاوضون باسمهم والذين كانوا كل من السادة نمرود بيتو وبنيامين ابرم وكوركيس ياقو. وصار توجه النادي قوميا صرفا، فحتى بعض الشعارات التي كانت ترفع لذر الرماد في العيون لم يعد لها مكانا في النادي، ولكن من جهة اخرى انتشر صيت النادي على مستوى الوطني وخصوصا على مستوى المفكرين ولادباء والشعراء، من خلال مهرجانه الشعري السنوي او من خلال معرض الكتاب والمهرجان الادبي التي كان يتم اقامتها خلال الاسبوع المصادف لذكرى مذبحة سميل. كان النادي مجالا للحوار والنقاش وتبادل الاراء بين ابناء شعبنا من مختلف الاتجاهات السياسية، فكان هناك اعضاء في الحزب الشيوعي العراقي واعضاء في الحزب الديمقراطي الكوردستاني واعضاء في حزب البعث والقوميين الذين عرفوا بالمستقلين وكانوا ايضا من مختلف الاتجاهات (الحزب الوطني الاشوري، حزب الاخاء الاشوري، مجموعة القوميين الذين كانوا قبلنا في النادي وقد اتيت على اسماء بعضهم وتيارات قومية اخرى، وكانت السمة المميزة بين هذه التيارات هي تقاربها في الطروحات. كان الحوار ساخنا وكل طرف يحاول اظهار اسباب لقناعاته، ولكن بالتاكيد كانت هنالك ملاحظات فارقة وهي التبريرية التي كان المنتمون لحزب البعث والشيوعي والديمقراطي الكوردستاني يظهروها لانتماءاتهم حينما كانوا يتناقشون مع القوميين. لقد اظهر الكثير ممن انتموا لهذه الاحزاب معدنهم الاصيل حينما كانوا عونا او حاميا او على الاقل لم يكونوا حجر عثرة امام القوميين، في حين ظهر ان بعض المنتمون للتيار القومي، لا يمانع من طعن اخوتهم من الخلف لاسباب تافه احيانا. وفي الانتخابات التي حدثت في نهاية سنة 1978 تم تاجيل الانتخابات في ساعة متاخرة من بعد منتصف الليل بعد ان طالت المدة وقدمت بعض الاطراف اعتراضات في مصداقية الاعضاء، كل هذا حدث لان الجميع كان يدرك ان المستقلين في طريقهم للفوز مرة اخرة. ولذا وبعد منتصف الليل قرر الحاكم المشرف على الانتخابات تاجيلها.
امام تغول السلطة وتمكنها من ازاحة القوى المنافسة كالحزب الديمقراطي الكوردستاني والحزب الشيوعي العراقي، كان من الواضح ان دور شعبنا ومؤسساته ات وان استقلالية مؤسساته باتت مهددة. لم يكن امام هذه المؤسسات سوى الانبطاح واعلان الاستسلام التام لارادة السلطة الفاشية، التي ابرزت انيابها بشكل واضح وبلا مواربة. فتم الضغط على النادي الثقافي الاثوري في الموجع وهي المادة. كانت الموارد المالية للنادي الثقافي الاثوري تاتي من مصادر عديدة ولعل اهمها الاشتراكات والتي كانت ربع دينار شهريا لكل عضو، وريع الحفلات والسفرات وريع بيع مجلة المثقف الاثوري، ووارد بعض الاعلانات التي كانت تنشرها الحكومة العراقية على صفحة مجلة المثقف الاثوري على قلتها والتي استعملت للضغط على المجلة وتوجهها. ولزيادة الموارد المالية تم الاقتراح بتغيير فقرة من النظام الداخلي والتي تحدد قيمة الاشتراك السنوي، الا ان الحكومة من خلال الامن العام ودائرة الجمعيات تعنتت في منح الترخيص للقيام بذلك. ، فلم يسمح بتغيير النظام الداخلي الا بشرط ان يسمح لجميع العراقيين الانتماء للنادي اي ازالة خصوصيته القومية. ولم يمنح ترخيص لاي نشاط يجلب الموارد المادية، ولذا فان النادي كان يترنح. وكانه يسير الى الموت البطئ، فكان الاقتراح المثير وانني شخصيا كنت قد اقترحت مثله، بحل النادي في صورة علنية وامام الجميع وتحميل الحكومة اسباب ما ال اليه الوضع، بعد ان اغلقت كل مجالات العمل امام النادي، وقامت بالقاء القبض على بعض اعضاء الهيئة الادارية بحجة الذمة المالية ولكن تم اطلاق سراحهم بعد ذلك. ولذا فقد عملت القوى القومية على المباشرة والتحضير للقيام بهذه الخطوة وجعلها صفعة للنظام واجهزته، الا ان التحضير لمثل هذه الخطوة كان يتطلب نشر واعلان النية على مدى ما، ولذا فقد علمت الاجهزة الامنية بهذه الخطوة، وقبل تنفيذها، حضر ممثل لجهاز الامن العام الى النادي وقال لاعضاء الهيئة الادارية تريدون تصيرون ابطال بروؤسنا. ولذا فقد قدم قائمة باسماء من يقترحهم للهيئة الادارية الجديدة، وهكذا فرضت هيئة ادارية من اطراف بعثية وبعض القوميين ممن اعتقد انه ينقذ ما يمكن انقاذه، ولكنها لم تتمكن من الاستمرار اكثر من سنة لان الامور بدات تتضح حتى لهم بان لا مخرج وان الامر محسوم حكوميا باتجاه معين.
ولكن فرض الهيئة الادارية لم يعني اننا سكتنا، بل بقينا نناقش الامور القومية وموقفنا من الهيئة الادارية المفروضة، لقد وصلت الامور الى اتهامات واتهامات متبادلة وصراع وانقسامات في كل صف نتيجة هذه العملية. كان مصير النادي واضحا ولم يكن امرا مخفيا، الا ان البعض اراد ان يظهر نفسه بطل الانقاذ، ولكنه تحول وبعد سنة الى الفرار والخروج من النادي، ولعل من المفاخر التي كان النادي يفتخر بها انه كان ممنوعا في النادي بيع واحتساء المشروبات الكحولية (المشروبات الروحية)، الامر الذي كان يرفد الاندية الاخرى باموال كثيرة وحضور دائم. ولكن بعد سنة من فرض هيئة ادارية تم السماح بذلك وبذا صار النادي الثقافي الاثوري مثاله كمثال الاندية الاخرى، مجال لتمضية الوقت بالتسلية او بالشرب.
في احدى الامسيات وكنت جالسا مع قريبي عوديشو انويا (من انصار الحزب الشيوعي العراقي عرف بين الانصار باسم خيري) وكنا نتناقش وحضر الى مجلسنا كل من الاخوة عمانوئيل بيتو (الخوري عمانوئيل بيتو) والاخ روميل شمشون والاخ ليون سمسون ومن خلال نقاشنا تطرقنا الى مسألة الهيئة الادارية الجديدة، وحينها حضر السيد ابرم داود شبيرا (الكاتب ابرم شبيرا) وجلس الى طاولتنا وبقينا نتحاور وكان السيد شبيرا ممن اختيروا لادارة النادي من قبل الامن العام. وبعد ايام قرانا اعلانا من الهيئة الادارية يطالب كل من تيري كنو بطرس (الكاتب) وعمانوئيل بيتو وروميل شمشون وليون سمسون بالحضور الى الهيئة الادارية في توقيت محدد. بالنسبة لي وبعد تسرب ما تنوي الهيئة ممارسته، دخلت على الهيئة الادارية وسلمت عليهم، ولاني كنت اعرف مسبقا ما يريدون، قلت لهم الظاهر ان هناك محاكمة ما، فقال احدهم لا ليس هناك من محاكمة بل هو نقاش ليس الا. وناقشوني بالحديث والاراء التي قيلت في مجلسنا وكان السيد شبيرا حاضرا فيها، فقلت هذا راي، انني لم انتخبكم ولا احد انتخبكم، اذا انتم مفروضون على النادي. وطالبوني بالعمل مع هيئات النادي، فقلت انكم ترفضون ان نقول لكم انكم مفروضون علينا، وهذا يعني انكم منتخبين، فنرجو ان تستعينوا بمن انتخبكم ليعمل معكم. كما ان النادي فيه اكثر من خمسمائة عضو، فهل كلهم يعملون في هيئات النادي؟. وبعد يوم او يومين خرج نص قرار الهيئة الادارية بفصلنا نحن الاربعة من عضوية النادي لمدة سنة ولسبب لااعرفه لحد الان والقرار لم يستند الى اي فقرة من النظام الداخلي ايضا، وكان اخر عهدي بالنادي الثقافي الاثوري.
بالطبع ان الحزب الوطني الاشوري لم يكن على طول الخط على الصح، لا بل من الاخطاء التي مارسها ويمارسها كل احزابنا في المنطقة، هي انهم يتخذون القرارات المسؤولة عن المؤسسات التي يوجهونها او التي يسيرونها في اجتماعاتهم الحزبية، وهذا باعتقادي ما شعر به بعض الاعضاء القوميين ممن لم يكن عضوا في الحزب الوطني الاشوري، فاي اقتراح كان ياتي من احد اعضاء الحزب كان يلقى ترحيبا من بقية اعضاء الحزب ودون نقاش كثير، مما اثار حفيظة الاخرين، واعتبروه سرقة للنادي، الا انه ومع الاسف ان هذه الممارسة مستمرة ولحد الان في مختلف مجالات حياتنا السياسية العراقية او القومية. ان مثل هذه الممارسات جعلت الاخرين يعتقدون انهم امام مؤامرة كبيرة لا يعرفون من اين تبداء والى اين تنتهي، وهم محقين بمخاوفيهم ولكن تضخيمها كان الامر المقلق وخصوصا تحويل المخاوف الى عداء شخصي مقرف، وتصيد الاخطاء الصغيرة وتحويلها الى خطايا واستعمال كلمات غير لا ئقة للتعبير عن حالات عادية مثل كلمة (السرسري التركية وتعريفها) التي انتشرت وتحولت الى نكتة بين الاطراف كلها. كل هذا جلعنا ندفع جهدا لاجل امور ما كان يجب ان تحدث وقدمنا الكثير من التضحيات وحاول البعض طمس وغبن جهد الاخرين وحتى دورهم ووجودهم.
24 نيسان 2012
عندما تم تحويل النادي الثقافي الاثوري من شهيد الى ميت يطويه النسيان
كتابة التاريح هي كتابة وجهة نظر مستندة الى حدث وزاوية رؤية الكاتب، ونسيان الماضي من المحال لان الماضي هو مخزون تجاربنا وخصوصا لو استعمل لاخذ الدروس والعبر ولم يكن للانتقام والثار . بل يكون من المفضل قول كل وجهات النظر حول هذا الماضي وعدم الارتكان الى رواية وحيدة. ان مطالبة البعض بنسيان الماضي وكأنه لم يكن امر خطر على ذاكرة الشعب وعلى الرغبة في الاستفادة من الدروس والعبر. ولكن على ان تركز عملية العودة الى الماضي على حالة نقد الممارسة وليس الشخصنة . ان من يدعونا لنترك الماضي هي دعوة لبناء اسس الجهل والبدء من الصفر كل مرة. فعندما يتم اتهام كل من قال بغير الرواية الوحيدة بانه لا يريد تهدئة الاوضاع ونسيان الماضي فهذا لا يعني انه هناك امور مخفية لا يراد لها ان تخرج فقط، بل فرض الصوت والرواية الواحدة من اجل تلميع الذات النرجسية ليس الا، كما ان الداعي لاخذ روايته للحدث فقط كمعيار للحقيقة، فانه بالحقيقة يدعو لخلق حالة البلادة الفكرية والجمود والاتجاه نحو نزعة دكتاتورية في رواية التاريخ واضفاء دور القداسة وامتلاك الحقيقة على النفس.
ان الشخص الذي يعتبر نفسه رمزا وقائدا ومؤسسا لتيار فكري عليه ان يكون اكثر تواضعا ويقر بحقائق الامور ولا يستل قلمه ليهجم على من خالفه الراي في تفاصيل الاحداث، وخصوصا لو كان المخالف كما قال هذا البعض شخص ثانوي او هامشي. ان رواية التاريخ والاحداث من وجهات نظر مختلفة تعني حوارا خلاقا وليس سيفا يستله البعض للطعن والثار، و في مقالنا المعنون (عندما تم فصلي من النادي الثقافي الاثوري) لم نحد عن قول الحقيقة من وجهة نظرنا وكان الاحرى بمن لم يقتنع بها ان يناقشنا بتفاصيلها وليس بتسفيه كل شئ مع اخفاء الحقيقة الاخرى عن القارئ، فكم كان سيكون جميلا لو حاورني السيد شبيرا بطرح الرؤية الاخرى للحدث، او ان يطرح المخفي عني وخصوصا انني كنت من الهامشيين كما يقول ورغم هامشيتي فانه يبدو انني واصدقائي الثلاثة قد اقضينا مضجع السيد شبيرا وجعلناه يخرج عن الاطر الصحيحة للتعامل مع الراي المخالف والذي كان سائدا في النادي منذ تاسيسه فعمل كل ما بوسعه لفصلنا من النادي، او كما يظهر ان المقالة اعلاه قد اخرجته عن طوره ولذا نراه يحاول الضرب في كل الاتجاهات دون ان ينجح في تبرير اي شئ، وكأن به يقول ومن هذا لكي يتجرأ ويكتب عن تاريخ النادي الثقافي الاثوري ؟
لا تزال الصورة ماثلة في مخيلتي حينما دخلت على اعضاء الهيئة الادارية وبعد ان سلمت على الجميع تساءلت ان كانت هنالك محاكمة، فرد السيد شبيرا انه ليس هناك اي محاكمة، وكان النقاش عن قولي بان الهيئة مفروضة، فاصريت على قولي وبدلائل، وعندما طالبوني بان اعمل معهم في اللجان، قلت انتم تقولون انكم جئتم برغبة الاكثرية، وعليه فانني اعتقد من المفترض ان تسندكم هذه الاكثرية من خلال دخولها اللجان لدعمكم، وانني واحد من اكثر من ستمائة عضو فاعتقد ان حالي مثل حال الكثيرين ممن هم اعضاء ولكنهم لا يعملون مع الهيئة الادارية.
كم كا سيبدو راقيا لو قال السيد شبيرا نعم انه حدثت هناك اخطاء في المسيرة لعدم امتلاك كل ادوات المعرفة، وكما كان سيبدو عظيما لو قال لنناقش كل تاريخنا الحديث برؤية جديدة، لنستخلص دروسا وعبرا لنمنح الاجيال الجديدة، ادوات العمل القومي النضيفة من كل التوجهات الاقصائية والتخوينية والتحزبية. كل ذلك كان سيبدو انفتاحا على طريق رحب يسع الجميع ويرحب بالجميع، انفتاحا يحاول ان يجد حلا لمعضلة شعبنا الحالية والتي تهدد وجوده. ولكن السيد شبيرا عاكس كل شئ واعتبر مقالتنا اساءة لتاريخه القومي ولم يعتبره رؤية خاصة يمكن النقاش حولها. ان السيد شبيرا يقول انني كنت هامشيا في النادي، ولكن حتى للهامشي حق في قول رايه وفي سرد روايته من موقع هامشيته. يقول الفيلسوف الالماني الامريكي هربرت ماركوز ملهم ثورة الشباب الاوربي عام 1968 ((بعد ان تمكنت الراسمالية من تدجين الطبقة العمالية فلم يبق في المجتمع من قوى للتغيير الاجتماعي والسياسي الا الطلاب والمهمشين)). اذا حتى للمهمشين دور يا سيد شبيرا.
من الاسس التي اعتمد عليها كتاب عنكاوا بالاخص هي ايراد رابط المقالة المراد نقدها، لكي يعود القارئ اليها ان رغب او اخذ مقاطع لكي يفهم القارئ ، وهذا ما لم يفعله الاستاذ ابرم شبيرا وكان به يقول ليصدقني القراء في ما اقول فانا لا اقول الا الحقيقة. ولكنها حتما بئس الحقيقة تلك التي يقول بها، لانه نزل بي اتهاما ومنها انني ادعيت بانني كنت عضوا فعالا ورئيسيا ومن الشخصيات البارزة في النادي وهذا ما لم اقله، بل قلت انتميت للجنة الثقافية ولجانها الفرعية او انه اعتقد انني بمجرد ان بحثت وكتبت في امر يخص النادي الثقافي الاثوري، كان تطاول وزعم مني انني من من مشاهير وقيادات النادي. ان قيام الاستاذ ابرم شبيرا بنقد مقالتي دون ان ياخذ الا فقرة واحدة منها او حتى دون ان يشير الى رابطها، يؤكد بلا شك نيته السيئة والمسبقة في تسفيه المقالة وخداع القارئ ليس الا.
ان الارتباك الذي يتهمني به يظهر من خلال مقالته التي حشاها باحداث وقصص ليس بينها رابط واشارات الى احداث يتهم فيها اطراف لم يتمكن احد من اثبات من قام بها، فقط لكي يقول للقارئ انه يمتلك المعلومات الكافية، واذا كان الكاتب يعتقد ان العنوان لا ينطبق على المتن في مقالنا فليقل لنا كيف وكيف ان مقاله هو ردا لما قلناه في مقالنا عندما تم فصلي….، والا سيكون النقد كله سفاهة في سفاهة وترديد لاقوال لا معنى لها وسب وانتقاص من المقابل دون ان نناقشه، وباعتقادي المتواضع ان مقالتي مترابطة وتفي بالغرض الذي نشرت من اجله الا وهو نقد وتوضيح الاخطاء في الممارسة القومية.
وبعكس ما يتهمني فقد دخل السيد شبيرا وكأن في نيته تصفية حساب قديم معي ويريد ان ينهيه بمقالة واحدة والدليل الكم الكبير من المعلومات المشوشة والغير المترابطة عن وليم شاؤول ونادي سنحاريب العائلي ومحاولة تفجير سيارة وليم وعملية توزيع المناشير ومالك ياقو والاترناي وزوعا وغيرها . وهي كلها احداث وقعت وكلنا علمنا بها ولكنه ينسبها ويوزعها كيفما شاء خياله الجامح، لا بل ان ادخال الخلاف بين الاتراناي والزوعا في صلب المقالة يرمي من خلاله الى توسيع دائرة الخلاف، كما ان معلوماته حول تبني الاترناي للتسمية المركبة او الموحدة خاطئة وتدل دلالة لا شك فيها انه غير متابع للقضايا والامور القومية. لان الجميع يعلم ان الاترنايي قد حاولوا حل المشكلة منذ المؤتمر الثاني وفي مؤتمر بغداد عام 2003 طرحوا التسمية الثلاثية كحل منطقي وفي اجتماع نادي اشوربانيبال وكان اخر ملاذ لايجاد الحل قبل طرح الدستور العراقي للتصويت وجه الاترنايي نداء عاطفي حار من اجل الاتفاق على التسمية الموحدة ومعلوم من رفض كل ذلك. ان كل ما ذكرته اعلاه يدل دلالة لا شك فيها انه لم يدخل الحوار لتصحيح معلومات خاطئة لدى من ينتقده، بل دخل في صراع، وفي نيته تصفية الحسابات بادخاله امور كثيرة على مقالته ليس لها من داع، الا اعتقاده ان ذكر مثل هذه الامور سيعني القضاء المبرم وفرض الصمت المطبق على الكاتب. اما عن حشر اسم الكاتب ابرم شبيرا فهي عملية تعريف ليس الا و اشرت الى نفسي ايضا ولا اعتقد ان فيها اساءة لان كل من قرأ المقالة يفهم انني اقصده بذكر ابرم شبيرا وحتى من دون كلمة الكاتب. كما ان ذكري له كان لانه الشخصية الرئيسية في عملية فصلي، ليس من ناحية اتخاذ القرار فقط، بل واقولها للمرة الاولى من ناحية الوشاية، لنقله كلاما قيل على مسمعه وضمن اطار الاحترام وحرية ابداء الراي التي كانت قائمة في النادي الثقافي الاثوري، الى داخل الهيئة الادارية وتحويله الى خلاف تناحري وبالاحرى الثأر لعملية فصله من الهيئة الادراية السابقة . الثأر من هؤلاء المهمشين كما يعتقد لانهم اصدقاء او مؤيدين للاكثرية في الهيئة الادارية السابقة والتي قامت بفصله، علما انه لم يكن لهؤلاء المفصولين من سلطة على الهيئة الادارية او حتى دور في عملية فصل السيد شبيرا منها.
ونحن اذ لا نحاول ان نكمم او نعمل من اجل ان يصمت السيد شبيرا وهذا ليس واجبنا او دورنا على كل حال، الا اذا كان يعتبر نفسه فوق النقد وفوق التصحيح والتوضيح وكل نقد لممارسة شارك فيها يعتبر انتقاصا شخصيا منه. فعندما اقول في مقالتي قررت الهيئة الادارية فصلنا نحن الاربعة من عضوية النادي لمدة سنة ولسبب لا اعرفه لحد الان والقرار لم يستند الى اي فقرة من النظام الداخلي ايضا، وكان اخر عهدي بالنادي الثقافي الاثوري. وهو المقطع الوحيد الذي استشهد به من المقالة …. يقول السيد شبيرا ((أعتقد بهذا يجانب السيد تيري الحقيقة والواقع أو يتجاهل ذكر أسباب فصله التي كانت واضحة و “قانونية” وإستناداً إلى النظام الداخلي للنادي لأنه في تلك الفترة لم يكن له ولرفاقه شغلاً شاغلاً غير الإساءة إلى الهيئة الإدارية وخلق البلبلة وبث إشاعات في كون الهيئة الإدارية مفروضة من قبل الجهات الأمنية وغيرها من الإشاعات المغرضة ضد النادي وهيئته الإدارية خاصة بعد فشل جهودهم في إغلاق النادي. فطبعاً في مثل هذه الحالة لم يكن أمام الهيئة الإدارية إلا فصل السيد تيري ورفاقه… فهذه هي أسباب فصله فإن لم يكن يعرفها فليعرفها الآن كما كان يعرفها المئات من أعضاء النادي في تلك الفترة))انتهى الاقتباس هل في ما سبق كله سبب من اسباب لفصل انسان امن على قول رايه كما يعتقد وكما كان جار في النادي منذ البداية وهل يريدني ان اتي بامثلة من تاريخ النادي كانت هناك مواقف اكثر حدية ولا تستند الى الحقيقة ولم يتخذ فيها مثل هذا الاجراء. وهل لاحظتم ان السيد شبيرا يجعل النادي والهيئة الادارية واحدة اي يحول الموقف من الهيئة الادارية وكأنه موقف من النادي، كيف كنا ضد النادي ونحن نعمل فيه وفي لجانه وندفع اشتراكاته ونحمل مجلته الى معاهدنا والمدن التي كنا فيها نخدم العسكرية، على الاقل بالنسبة لنا كان الامر يستند الى واقعة حقيقية، كما ان نقاشنا وفي جلسة تضم اصدقاء يعتبر من الامور العادية التي تتطلبها روحية النادي وهدفه، ولكن نقل النقاش وتحويله الى صراع تناحري يا اما انا او انت واستعمال ادوات القمع في حسم النقاش كما حدث هو الذي يعتبر من الامور المستهجنة. والذي لا افهمه كيف لا تكون الهيئة الادارية مفروضة وقد طلب من الهيئة الادارية الاجتماع وبحضور الملازم خليل واخرجت الورقة وقرأت الاسماء التي يجب ان تدير النادي خلال الفترة المقبلة، ماذا يعني ذلك؟ منذ متى كانت اسماء اعضاء الهيئة الادارية القادمة تكون بقائمة يقراءها ضابط امن؟ ومتى شاهد السيد شبيرا انتخاب الهيئات الادارية في النادي تنتخب باكملها بالتزكية؟ اننا نورد هذه المعلومات ليس لانتقاص او لتشويه سمعه اي شخص، فنحن كنا ولا نزال نكن لكل الاخوة في النادي التقدير الكبير، ونرى انهم اجتهدوا ونحن اجتهدنا وكل منا كانت له غاية واحدة وهي الوصول الى حالة انقاذ النادي او انقاذ ما يمكن انقاذه او القيام بخطوة لدفع الوعي والفعل القومي باتجاه التجذر، وفي هذه الحالة كنا ندرك نحن ان النادي بدلا من ان يموت كمؤسسة لا يشعر بها احد، كما يحاول النظام مع مؤسساتنا الاخرى ، فانه من واجبنا ان نعلنه شهيدا يخلد وموقفا يؤجج العمل القومي، الا ان السيد ابرم شبيرا وفي كل سردياته يحاول ان يكون هو البطل والاخرين اما عملاء او مشبوهين او هاربين من تحمل المسؤولية، او ان يتجاهلهم وكانه لا وجود لهم، ويدرك الجميع الان ان النادي ذهب بصمت وموت بطئ وكما ماتت مؤسسات اخرى حسب ما ارادته السلطة والسيد شبيرا ودون ان يحس بهم احد.
ان من حق كل انسان كتابة التاريخ من الزاوية التي كان يراها او التي بات يراها الان ولكن ليس من حق احد فرض رؤيته الاحادية والمبتورة والمليئة بالرتق على الناس، ان حالة التوافق القومي القائمة الان لا تجيز لاي كان محاولة طمس الحقائق او الاساءة الى جهات ما، مستغلا هذه الحالة وعدم الرغبة في الدخول في نقاشات وحوارات ساخنة. لو كان السيد شبيرا قد فتح وقرا الموضوع المنشور تحت عنوان ((فرحة لم تكتمل… فمن يتحمل المسؤولية؟)) للسيد الياس متي منصور والتعليقات عليه والتي اكدت اغلبها على ان التوجه الحكومي كان الى محاصرة كل المؤسسات ووضعها تحت سيطرته وبكل السبل وما حل بكل مؤسساتنا الاخرى كان خير دليل على ذلك، لما تحمل مشقة كتابة ما كتبه من تاريخ وتبريرات لا تقنع الا الذي لا ولم يريد رؤية الحقيقة القائمة امام اعينه.
بين الفينة والاخرى يذكر السيد شبيرا كتاباته في المثقف الاثوري وتعرضه للمحاسبة بشأنها من الجهات الامنية وكانه الوحيد الذي كان يكتب فيها، دون ان تقوم هذه الجهات بمحاسبة رؤساء التحرير الذين يعتبرون مسؤولين مباشرة عن كل ما ينشر في المجلة وهناك كتاب كثر كتبوا ونشروا اكثر وبجراءة اكبر ولم نسمع منهم انهم حوسبوا. ليس لان النظام لم يكن يحاسب بل لان المجلة ومحدودية انتشارها والتزامها بالمعايير الموضوعة ابعدت عنها المحاسبة، وشخصيا كان لي مساهمتان في المجلة حيث قمت بنشر مقالة تحت عنوان برصوما بين الحقيقة والافتراء (وهي مقالة في تبرئة برصوما مما نسب اليه وتبرير موقفه بخطوة لانقاذ شعبه وكنيسته) وترجمت قصة الكاتب الفرنسي الفونسو دوديه الى السورث وهي من قصص الرومانسية القومية وعنوانها الدرس الاخير وكانت في الفترة التي بدات فيها السلطة بالتضييق على تدريس اللغة في الكنائس والمساهمتين تعتبران من المساهمات ذات التوجه القومي ولم يتم مساءلتي عنهما (السيد شبيرا نشر بحسب علمي عدة مقالات ومنها (( العلوم وتصنيفها العددان 13 و14 يتعلق بالعلوم واسباب قلة او ندرة توجه الطلاب من ابناء شعبنا نحو العلوم الانسانية، والاعياد في حضارة وادي الرافدين، وهو استعراض لاطروحة ماجستير الطالبة راجحة عباس العدد 16، و رحلة طويلة مع المثقف الاثوري وهي مقالة في استعراض مجلة المثقف الاثوري والمصاعب التقنية والمادية التي تواجهها العددان 17 و18 ,العلاقات السياسية للدولة الاشورية استعراض بحث او اطروحة ماجستير للباحث وليد محمد صالح فرحان العدد19_20)) في كل هذه المقالات التي وقعت تحت يدي ليس ما يمكن ان يحاسب عليه الكاتب امنيا، نعم نحن نشكره ونقدره على الكتابة ليس في المثقف الاثوري فقط ولكن لانه اصدر كتب ولان له مشاركات في مواقع شعبنا ايضا، وكل من ساهم في تطور الوعي الثقافي والقومي والسياسي لابناء شعبنا مطلوب منا ان نذكره بالخير لهذا الفعل وهذا ما نقدمه للسيد شبيرا . الا ان الادعاء بالتعرض للمحاسبة والمضايقة بسبب وبدونه لا يخدم الحقيقة ولا يخدم من يدعيها بالاساس لان الامور حتما ستنكشف يوما ما. علما انني لم ادخل في تفاصيل حياة السيد شبيرا ولم اتهمه باي تهمة ولا حتى نوهت بها ، بل انني اعلنت اننا كنا من المساندين للمجموعة التي كان يحسب من ضمنها، وانها كانت مجموعة قومية ولكن في الوقت ذاته ذكرت الحقيقة الاخرى والتي هي دوره في عملية فصلي من النادي، ولم اذكر ذلك لاي غاية غير التذكير بوقائع تاريخية وصارت جزءا من التاريخ وليس لها موقع في ذاتي كحالة يمكن ان تجعلني احقد على اشخاص كنت ولا ازال اكن لهم كل المودة والتقدير مع احترام الخيارات المختلفة. كما قلت انه كان من اعضاء الهيئة الادارية المفروضة وهي حقيقة لا جدال فيها ويمكن النقاش حول لماذا قبل البعض بالفرض من عدمه، ولكن في نفس الوقت علينا ان نستخلص من التجربة الدروس. اما اذا كان بعض الاطراف يعتبرون انفسهم من الرواد القوميين ومن الذين صبوا الاسس القومية والسياسية كما يدعون وليس من بعدهم ولا قبلهم مثيل فانا لا يمكنني تأييد على مثل هذه الطروحات التي تفتقر الى المنطق والعقل والحقيقة التي تقول ان الامة في حالة فعل دائمي وكل مرحلة لها رجالها او شخوصها، وان الكثيرين ممن يدعون الادعاءات الكبيرة تكون اقدامهم قد غاصت في كثير من الاحيان في وحول اسنة.
مهما كان راينا انا والسيد شبيرا بالسيد وليم شاؤول، فانه يبقى حقيقة اثرت بهذا القدر او ذاك، سلبا او ايجابا في مسيرة العمل القومي والمؤسساتي، ولذا باعتقادي ان نكون اكثر حذرا من سوق اتهامات بلا طائل وبلا معنى غير اظهار البطولات الفارغة ولو لم تكن كذلك لما كان حال شعبنا بالبؤس الذي هو فيه. فلو كنا ابطالا ونناطح الاعداء ونفرش الطريق ورودا ورياحين امام شعبنا لخطونا الى الامام كل هذه السنين وليس الى الوراء، والامور والنهايات بنتائجها وليست بادعاء المدعين. من الغريب ان كاتب يعتبر نفسه من النخبة المثقفة يسمي السيد وليم شاؤول بالمجرم رقم واحد، وفي الوقت الذي لا ادافع عن السيد وليم شاؤول فانني اسال الكاتب ما هي معاييره في تصنيف المجرمين الى رقم واحد ورقم اثنين، وثانيا هل يحق له ان يسترسل في اتهامات لشخص دون ادلة كان ياتي لنا لاسماء كانت ضحية (حقيقية) لاجرام السيد وليم شاؤول مثلا ، هذا لم يذكره السيد الكاتب وغيرها من الاتهامات الكثيرة، ولكن معلومة واحدة او اكثر قد تساهم في توضيح بعض الامور وقد تجعل السيد شبيرا يغير رأيه او يتبنى راي اكثر واقعية، والمعلومة هي هل يعرف السيد شبيرا ان السيد وليم شاؤول كانت لديه نسخة من النظام الداخلي لحزب الاخاء الاثوري ، وهل يعلم ان وليم شاؤول قد حاور قيادات لاتزال حية في حزب الاخاء الاثوري حول العمل المشترك، السؤال الاكثر اثارة هو لماذا لم يقم وليم شاؤول بتسليم ما يملكه من معلومات مهمة عن الاخاء الاثوري وعنا نحن من كنا (من ترك العمل معه والسيد شبيرا ورفاقه) نلعنه ليل نهار الى السلطات الامنية يا ترى؟ ولكنه ينقل اكاذيب مدعاها ان السيد ابرم شبيرا قد سب واحقر وزير الداخلية، او ان السيد شبيرا كان هو ورفاقه من فجروا انابيب النفط في كركوك؟ امور اخرى مثيرة للشفقة وتستلزم الاثبات ومنها الادعاء باخذ المجلة من النادي وتحويلها الى نادي سنحاريب او مسألة تفجير بونيد سيارة التي يقول السيد شبيرا ان احد اعضاء الحركة قال له في حينها (هذه الحينها مثيرة) انهم من قام بالعملية علما ان العملية حدثت قبل تاسيس الحركة، كما ان السيد نمرود بيتو رئيس النادي الثقافي قد القي القبض عليه ومن داخل النادي لاتهامه بالتسبب بعملية تفجير سيارة وليم شاؤول وهذا الامر يعرفه السيد شبيرا . او مسالة المناشير التي قاموا فيها بدور شرلوك هولمز لمعرفة من كاتبها ويقول انه كان وليم بعد مقارنة خط كتابتها بخط احدى دفاتر وليم الجامعية والتي كانت بالتاكيد لدى مكتبه ال اف بي اي الخاص. علما ان السيد ولسن مروكل وهو احد اعضاء لجنة الشباب الاشوري في كنيسة مار كيوكيس في الدورة وحاليا يقيم في شيكاغو قد قال لي في حينها انهم (ولم يحدد حينها من يقصد بانهم من بالضبط) من وضعها ولكن بالتاكيد انه كان واحدا منهم، وهو لم يكن محسوبا على اي طرف الا انه كان قوميا.
وعند سرده لتواجد المرحوم مالك ياقو مالك اسماعيل، نرى الكثير من الاعاجيب، كامكانية ان يقوموا هم بتحذير مالك ياقو ورفاقه من ان يقوم بعض الاشوريين المندسين بوضع سماعات وكاميرات مراقبة، لا اعلم هل كانت موجودة ام لا في ذلك الزمن، وهل ان مستوى الوفد وشعبيته كانت تسمح بمثل ذلك، وخصوصا لا نستبعد ان الحكومة كان يمكنها ان تزرع واحد من عملاءها داخل مقر اقامة مالك ياقو وبكل سهولة، مستخدمة الترهيب والترغيب بامتيازات مادية. طبعا هذا كان في عام 1973 وكانت الفترة هي الفترة الاكثر انفتاحا في تاريخ البعث مع كل القوى الوطنية، في تلك الفترة ادرك السيد شبيرا وبعض رفاقه ان الحكومة تريد استغلال الوفد لتحقيق غايات ومنها ضرب الاكراد، ولكن بعد ستة سنوات وبعد المزيد من انفضاح النظام وسياساته نرى ان السيد شبيرا يؤمن بان الحكومة والجهاز الامني يريدان الخير للنادي ولذا يتعاون معهما ولكن ليس لانقاذه، بل لجعل موته موتا بطيئا وغير مسموع به.
من الملاحظ انه من خلال سرد السيد شبيرا انه يحاول القيام بوضع اسفين بين الكوادر القديمة للحزب الوطني الاشوري والقيادات الحالية من ناحية، كما يحاول ان يسئ الى تاريخ الحزب الوطني من خلال طرح امور كاذبة وغير حقيقية، فهو ومن خلال السرد يجعل قبول الحزب الوطني الاشوري بالتسمية المركبة وكانها قد اتت متاخرة جدا وكما قلت بان الحقيقة ليست كذلك ابدا ويمكن الرجوع لادبيات الحزب الوطني الاشوري بهذا الشأن للتاكد من ذلك، كما ان علاقات الحزب مع كل احزاب ومؤسسات شعبنا بنيت على اساس الاحترام المتبادل، وكانت ولاتزال العلاقات قوية، ولكن هذه العلاقة شابها الكثير من اللغط والكثير من الخلاف مع الحركة الديمقراطية الاشورية، ومرد هذا الخلاف يعود بعض منه الى الخلاف بين اعضاء الحزب واعضاء الاخاء الاثوري حول ظروف عمل كل منهما وخصوصا ان تركيز الاخاء ونشاطه كان في جامعة السليمانية واما الحزب الوطني فقد انتشر في كل جامعات العراق مع ان الثقل كان في بغداد وكذلك عند اعلان الكفاح المسلح وبعضه اتى لاحقا، ولكن اول من ارسل رسالة تاييد للحركة كان الحزب الوطني الاشوري في ايار 1991 وهي منشورة ويمكن الرجوع اليها او يمكن طلبها من ممثلي الحزب. وعندما يحاول السيد شبيرا تمرير هذه المغالطات فاما انه يحاول المس بطرف سياسي ولو من خلال التنويهات الغير الصحيحة او انه لم يطلع على الامور على حقيقتها ويدلي باراء عنها، وهي كارثة بعينها لشخص يوصف نفسه بمن صب الاسس او المداميك القومية.
طبعا يدرك السيد ابرم شبيرا ان المجموعة الطلابية التي كانت نشطة والتي كانت تقوم بكل النشاطات لحين منعها من قبل الاتحاد الوطني العراقي كانت لجنة الطلبة الاشوريين الجامعيين والتي كان يقودها ممثلين لكل الجامعات والكليات والمعاهد في بغداد وكان اغلب هؤلاء الممثلين من اعضاء الحزب الوطني الاشوري ونذكر منهم نمرود بيتو وبنيامين ابرم وكوركيس ياقو واكنس مرزا وماري تيدي وروبن تيدي وسامي لازار وجارلس شمشون وعامر شمشون ونمرود يوسف وشموئيل بيتو ولازار روئيل وكوركيس اوشانا وفوزي توما وسركون ريحانة وتيري كنو بطرس (الكاتب) وغيرهم كثيرين وكل الذين ذكرت اسماءهم وغيرهم كانوا اعضاء في الحزب الوطني الاشوري، فمن كانت اللجنة الاخرى، اليس هؤلاء السادة والسيدات من كان يقوم بالنشاطات وغير موازين القوى في النادي لصالح التيار القومي.
من خلال مطالعة مقالة السيد ابرم شبيرا نجد انه يقدم الكثير من التبريرات للحكومة ويضع الاخطاء على الهبئة الادارية للنادي، ولكن التساؤل المشروع اذا كانت الهيئة الادارية للنادي الثقافي الاثوري تقع في مثل هذه الاخطاء، فهل وقعت بذلك ايضا لجان الشباب في الكنائس، ولجنة الطلبة الاشوريين الجامعيين، والجمعية الثقافية للناطقين بالسريانية واتحاد الادباء السريان، وجمعية الفنانين الناطقين السريانية والمجمع العلمي للناطقين بالسريانية، ام ربما ان الجمعيات الاخيرة اخذت بجريرة اخطاء الهيئة الادارية في النادي الثقافي الاثوري!!!… وللتاريخ صفحات مطوية من الواجب فتحها لكي نستفاد ونعيد النظر بما حدث ويحدث .’16 أيار 2012 عنكاوا
الكفاح المسلح1
اود ان انوه انني هنا اكتب او احاول ان اكتب عما عشته وما علمته به في اطار عملي ونشاطي القومي. قد تكون هناك تجارب اخرى لم اعاشرها او لم اسمع بها او انها تجارب ضبابية غير واضحة لي، فارجو المعذرة، ليس في نيتي غبن حق احد، ولا التطاول ولا نسيان دور ولا فرض دور. قد استعمل صيغة انا، وهي لانني المتكلم ومن المنطقي ان تحتفظ ذاكرتي بما قلته وعملته شخصيا اكثر مما تحتفظ بما فعله الاخرين. تزوير التاريخ هو غباء بعينه، لان التاريخ لا يصنعه شخص واحد، بل الناس، ومن هنا نعلم ان للتاريخ شهود اخرين سيدلون بشهادتهم، ونتائج ستتكلم عن العمل، ولكن يبقى تحليل وتفسير الاحداث خاضعا لراوي التاريخ ومعلوماته واتجاهاته.
في عام 1981 فوتحنا، نحن في قيادة الحزب الوطني الاشوري، ليس بصفتنا هذا الاسم لان الاسم لم يكن معروفا، بل لادراك من فاتحنا اننا قوة سياسية منظمة، وكان من فاتحنا هو السيد كوركيس خوشابا (ابو فينوس) من خلال كلامه مع الاخ نمرود بيتو السكرتير السابق للحزب الوطني الاشوري، بمسألة الكفاح المسلح، وانهم مجموعة لهم اتصال مع الحزب الشيوعي العراقي، ويرغبون منا الانظمام اليهم في التوصل الى صيغة ما لاعلان الكفاح المسلح والانضمام الى المعارضة العراقية في منطقة كوردستان العراق. طبعا القرار بمثل هذه الامور لا يتخذ في لحظتها، فقد تطلب الامر لقاءات وجس النبض وخلال تلك الفترة علمنا ان السيد كوركيس خوشابا ومجموعته قد فاتحوا السيد يونادم كنا ومجموعته من بقايا حزب الاخاء الاثوري والذي كان قد انحل حسب معلوماتنا عام 1976.
من خلال النقاش في قيادة الحزب كانت القيادة منقسمة بين الاكثرية التي تريد تحقق شروط معينة قبل الاقدام على مثل هذه الخطوة، وهذه الشروط، كانت ضمانة قبولنا في جبهات المعارضة العراقية، وضمان التواصل مع المهجر الاشوري، الامرين الذين لم يتمكن محاورينا من الايفاء بها، مما جعل اكثرية قيادة الحزب ترفض المشاركة في اعلان الكفاح المسلح، وكان راي وراي الاخ نمرود بيتو مع المشاركة بغض النظر عن تحقق ما طلبناه ام لا.
كان اول شخص التحق بالكفاح المسلح على اساس فتح الطريق وكسب الخبرة لمن سيلتحق به، هو الاخ شموئيل يونان (عزيز) وهو للمفارقة كان عضوا في الحزب الوطني والاكثر مفارقة انه كان ضمن خلايا التي كنت اديرها وحدثت بيننا مناقشات مشحونة و نارية هو للدفاع عن خيار الكفاح المسلح وانا لنقل صورة قرار القيادة التي كنت ملتزما به رغم انني صوتت لصالح قرار الالتحاق بالكفاح المسلح. وقد التحق الاخ شموئيل يونان بالحزب الشيوعي العراقي لهذا الغرض. وكان من فتح الطريق له هو المرحوم ابو امل (دنخا كيجو) الذي فقد في احداث انتفاضة 1991. علمت بعد فترة ان السيد كوركيس رشو(نينوس) وشخصين اخرين سيلتحقون ايضا، وقد نقل الخبر لي السيد روميل موشي الذي كنت مسؤوله الحزبي ايضا، وهو الان عضو المكتب السياسي للحركة الديمقراطية الاشورية، اذا اننا بعد اتمام مهام الاجتماع قال لي ان لديه معلومة ولكنه اقسم على الاحتفاظ بها، فغضبت وقلت له اننا في اطار عمل لو انكشف فاننا سنقتل جميعا، يعني ما نعمله هو الاكثر سرية وانت تقول انك تريد الاحتفاظ بالمعلومة لانك اقسمت، فقال لي عن ان السيد كوركيس رشو (نينوس، السكرتير السابق للحركة الديمقراطية الاشورية) صديقه من ايام كلية العلوم قد قال انه وصديقين سيلتحقان بالكفاخ المسلح واذكر ان اليوم كان الجمعة وان سفرهما كان سيحدث يوم الاثنين. حدثت في تلك الفترة نقاشات وصراعات وانقسامات بين مؤيدي الكفاح المسلح ونحن المعارضين. ولكن المؤيدين بالنسبة لنا كانوا معروفين لان جل نقاشهم كان معنا وباعتبارنا قوة منظمة ولها صيتها ومكانتها وخصوصا في المؤسسات الجماهيرية، كما ان اعضاءنا عرفوا بالتزامهم ونشر الوعي القومي، لذا كانوا مستهدفين من قبل مؤيدي الكفاح المسلح لكسبهم ، فقد حاولوا التاثير علينا من خلال اقناعنا بخطوة الكفاح المسلح. والنقاشات كانت تحدث على مستويات مختلفة، وقد شارك فيها الكثيرين، وكتنظيمات عرفنا بها، مثل مجموعة المتغيرون زمنيا، التي علنا رفضت الا ان اثنين من اعضاءها التحقوا، بالكفاح المسلح من خلال الحركة الديمقراطية الاشورية، ولكنهما لم يبقيا لخلافات حادة. ولحد الان اذكر تجمعا غير عقلاني حقا عقد في دارة المرحوم لازار الجماني، جمع عدد يتجاوز العشرين شخصا وتم هناك ايضا مناقشة مسألة دعم الكفاح المسلح. ولكنني شخصيا والتزاما مني بقرار القيادة ابديت اعتراضي وبحسب الحجج التي كنا نسوقها حينها. واذكر ان الحزب كان قد قرر تقديم دعم مادي وحسب الامكانيات للكفاح المسلح من خلال احد اعضاءه، واعتقد ان الامر حدث مرة او مرتان، رغم موقنا المعارض للكفاح المسلح. كنا نتابع خطوات الكفاح المسلح بصورة دائمة، واتذكر ان اول عدد وصلنا من جريدة بهرا وكان من اربعة صفحات، قرأناه في تواليت النادي الوطني الاشوري، حيث كان كل واحد منا ياخذ العدد وبحجة دخول التواليت كان يقراء العدد او مقتطفات منه. في عام 1982 كنا في سفرة انا والاخ اشور سمسون (حاليا في دنمارك) حينما التقينا بالسيد يونادم كنا في احد اسواق كركوك، ودعانا لبيته وحدث ايضا نقاش حول الكفاح المسلح ولانني شخصيا كنت من مؤيدي الطرح تركت الحديث يجري بين الاخ اشور والسيد يونادم كنا. وفي نفس تلك السنة تم دعوتي للالتحاق بخدمة الاحتياط، ورغم انشغالي الا انني تابعت مسألة الكفاح المسلح وللصدفة كنت في فترة قصيرة منها في كركوك. ولكنني لم احاول الالتقاء باي احد لان الوضع كان نوعا ما مرتبكا وخصوصا بعد القاء القبض على السيد يونادم كنا لفترة بحجة دعم الكفاح المسلح ومن ثم تم اطلاق سراحه. كما ان تجربة الكفاح المسلح وبقيادة الحركة اصابها تشوه من بعد الانقسام الذي حدث فيها وانتقلت شضايا الامر الى بغداد وتحولت الى نوع من العشائرية. وفي خريف عام 1983، نقل الاخ عضوة قيادة الحزب الاخ ديفس سركيس انه التقى بالاخ عمانوئيل يوخنا شمعون، وانه يقول ان اخاه قد حضر من اميركا وهو مزكي من الاتحاد الاشوري العالمي، وطرح لماذا لا نلتحق معه، وقد طرح كاقتراح اسمي شخصيا للالتحاق، وعند مجئ في اجازة وكنت حينها قرب جبل كردمند، نقل الاخ بنيامين ابرم الخبر لي، وطرح مسالة التحاقي فقلت بانني حاضر، وفي اليوم المحدد لسفري كانت القيادة مجتمعة دوني لانني كنت انتظر الشخص الذي سياتي لكي نسافر سوية، حين اتى الخبر من ان القيادة لم تتفق بعد، وهكذا تأجل سفري.
في ربيع 1984 تم نقلنا عسكريا الى اربيل لاعادة التنظيم والراحة ، حينما تم جمع كل من يحمل صفة (خريج ) للالتقاء بامر الفيلق الاول، وفي هذا الاجتماع كان علينا ان نكون مستمعين فقط، وما سمعناها كان ان الجيش بحاجة للمتعلمين للانخراط في جهاز للتنصت على العدو، ولكن على الجميع ان يكونا محل ثقة، وطلب تسجيل اسماءنا والعودة الى وحداتنا، ادركت ان موقفي يضعف، من ناحية الضغوط لفرض الانتماء، ففي الوقت الذي تمكنت وانا في جبهات القتال من التنصل وبمواجهة مع المسؤول الحزبي للفوج، حينما طالبني بالانتماء للحزب، فقلت له وبنوع من الصراخ ان المدفعية الايرانية التي تهطل علينا لا تميز بين الحزبي والغير الحزبي، فرد ان هذا جواب استفزازي فقلت هذا جوابي، اقول ان الواقع تغيير ولذا فانني صممت على الهرب من الجيش باي طريقة، وفي اقرب وقت، وفي ايار وفي منتصفة كنت اتمتع باجازة عادية استغلتها للالتحاق. فسافرت الى دهوك وهناك وبمحاولة ومساعدة من الاخ الشماس حينذاك عمانوئيل بيتو التقيت بالمرحوم دنخا كيجو، الذي اخبرنا ان الطرق صعبة الان بسبب تقدم قوات الجحوش (الجتا). ولذا فعزمت السفر الى القرية (بيبيدي) وبقيت ليلة هناك وفي الليل سمعت عن مفرزة قد وصلت القرية، فالتقيت بها وكانت مفرزة شيوعية، ومن خلال النقاش السياسي الذي دار بيننا كانت وجهات نظرنا مختلفة في امور معينة، ومع ذلك اتفقت بانني ساسير معهم والتحق بالمعارضة. ولكن في الصباح التالي وهو يوم 19 ايار 1984 اتي الي الاخوة وليم وساو وبنو وخلو من ابناء القرية وقالوا انهم سينقلونني الى كاني بلاف بالسيارة لانهم روا انني اختلفت مع المفرزة وكانت لهم مخاوف من الذهاب معها، وهكذا تم نقلي بالسيارة الى كاني بلاف ودون معوقات تذكر وكانت اخر نقطة تفتيش الحكومية متساهلة جدا. وفي ظهير ذلك اليوم كنت في كاني بلاف. انتظر للالتحاق بالتجمع الديمقراطي الاشوري، الذي سمعنا ان له اتصالات مع الاتحاد الاشوري العالمي.
كنت متلفها للالتحاق بالتجمع، لانني خطوت خطوة، وكان علي ان اعرف مقري ومكاني لاعرف ماذا يحدث، فالقرية غريبة علي والناس لا معرفة لي بهم، ولكنني عرفت بان التجمع لا يملك مقرا، وان المقر الذي بني في كاني بلاف مهجور، وكانت النيه بناء مقر اخر في زيوة على الزاب مع مقرات الاحزاب الاخرى. كان نيسان يوخنا خارج كاني بلاف ولم التقي به اول الايام، ولكن الصدفة الحسنة انني التقيت باخوة اعرفهم وهم كل من بطرس (عمانويل ديمتري) ووردة، وهما كانا من تنظيمات الحركة ممن تركوا العمل بعد معاناة معهم. وكان معهم ايضا الاخ تيدي، والاخوة لم يقصروا فقد ضيفونا لديهم وازالوا الكثير من الحرج الذي كنت اشعر به. كانت النقاشات الدائرة هي حالة صراع مستديم بين انصار التجمع وانصار الحركة، واغلب النقاشات كان يدور حول اتهامات بالعمالة للحزب الديمقراطي الكوردستاني موجهة من الحركة للتجمع الديمقراطي الاشوري. في الوقت الذي لم اكن اعرف احد في التجمع، كان اعضاء قيادة زوعا والكثير من كوادرها من اصدقائي ومعارفي في بغداد، ولذا فانني كنت اعتقد بانهم سيجدون وصولي امر مفرح رغم انتمائي للتجمع، الا انني انصدمت باول لقاء لي مع مفرزتهم في كاني بلاف، فقد كان باردا بمعنى انني لم اعد صديقهم، لهذا الامر كانت الامور قد احتدمت، بين الحركة والتجمع وكان الخلاف واساسه مدار حديث اهالي القرية من الرجال والنساء.
كانت الحركة قد انقسمت فعلا دون اعلان ذلك، فمجموعة ابو فينوس (كوركيس خوشابا) كانت خارج الحركة ملتحقة بالتجمع وان كانت على خلاف مستعصي مع السيد نيسان يوخنا، فبعد مقتل زيا في موسكا ونتائج كونفراس كوندي كوسا، تفتت الرفاق ووصل رذاذ تفتتهم الى المدن وتنظيمات الداخل، كما ان الحركة كانت قد فقدت شهيدين في معركة غير متكافئة وفي غير زمانها، وهما كل من الشهيد جميل متي وشيبا هامي، وكما نقل لي السيد نيسان يوخنا والذ كان متواجدا في قرية هشيركي ان اهل القرية علموا بنية الجحوش الدخول الى القرية، ولذا فقد خرج الهاربون وكذلك البشمركة ولكن الشهيدين بقيا وحاولوا المقاومة مع اعداد تتجاوز المائة فتم قتلهم. وبهذا خسرنا شابين كان يمكن ان يقدما الكثير. وهناك شخص تمكن من النجاة لانه اخفى نفسه في زريبة الحيوانات.
في عرس احد ابناء القرية وهو الاخ ابرم نيسان ننو، وكان عضوا في التجمع، كان قد وصل الشماس عمانوئيل بيتو(لاحقا خوري) لمعاونة القس الذي كلل العروسين، وبعد ان قاموا بواجبهم، عاوا الى دهوك، وحينما سمع اعضاء الحركة ارسلوا مفرزة الى كاني بلافي بدعوة القاء القبض عليه لانه كان عميلا بنظرهم، وهذا حدث ايضا لما وصل الى دركني للقيام بخدمة دينية بعد سنوات. كان في تحركات الحركة واعضاءها نوع من التمثيل ومحاولة ابراز الذات والاهم اتهام الاخرين كل الاخرين بالعمالة والخيانة.
لم يكن في نيتي احداث اي اصطدام مع الحركة واعضاءها، وكان املي كبيرا بتقريب التنظيمين، ولكن التصلب والعناد التي هي صفات لدى اغلبنا، لم تترك لنا مجالا للوصول الى حلول مرضية، والامر المهم ان عملية اتهام الاخرين ونعتهم وبغضهم تدريجيا تنتقل الى داخل البيت، انها دائرة مغلقة من الكره الذي لاينتهي حتى باستسلام المقابل واعلانه التخلي ان ارائه الشخصية واتباعه القادة.
وصل نيسان وتعرفت عليه ولم اكون اي انطباع معين، لانني في الايام الماضية كنت قد سمعت الكثير، اجتمعنا في مقر التجمع المهجور، وتم اناطة مسؤولية الاعلام لي. وظهرت في اول اجتماع ان نيسان منزعج جدا لحد انه كان يريد الانتقام من كوركيس خوشابا وعزيز، ولانني كنت حديثا ولكن كان هناك امال معقودة على بانني يمكن ان اسحب ناس بعدي، كان صوتي مسموعا، فاقترحت تشكيل لجنة لمعرفة اسباب الخلاف. فنيسان صور الامور ان كوركيس اراد التخلص منه بسحبه للذهاب الى كرماوا والتي كانت تحت سلطة الحكومة، وكوركيس كان متواعدا مع شخص لكي ياتي ويلتقي به، وكان قد وضع امال كبيرة على هذا اللقاء لتوسيع التجمع. والحقيقة ان كوركيس كان صادقا، فقد كان من المفترض ان يقوم الاخ نمرود بيتو بالسفر الى هناك والالتقاء به، ولكن لم يتحقق الامر، وهذه المعلومة عرفتها لاحقا، ولكنني كنت اشعر بان الامور لا تتطلب الانتقام اوي اي قررات حدية ولذا فالقرار الذي خرجنا به كان التجميد لفترة محددة. اعتقد ان القرار لم يعجب نيسان ولكنه تقبله، لانه لم يكن امامه خيار اخر بعد اعلن ثقته بي. كانت التحضيرات لسفر نيسان الى اميركا قائمة فالحديث كان كله حول الامر، ولذا فانه خلال ايام سافر الى ايران ومنها الى اميركا. وبالمطالبة المتكررة من قبلي تمكنا من الذهاب الى المقرات والعمل من اجل بناء مقر جديد لنا يتالف من غرفة القيادة، وغرفة للمقاتلين وغرفة المؤنة، لم نعمل لنا سجن.كما فعلت بقية الاحزاب. قام الاخ سامي (خاي ) بجهد مميز في العمل من خلال صب القوالب الطينية واقامة التنور، وعلمنا العجن والخبز الامرين الذين اجدتهما خلال فترة قصيرة. كنا نعمل على جبهات عدة، فامامنا العمل اليومي لبنا المقر وعلينا اصدار العدد الثالث من جردة خيروتا المظلومة والتي لا ياتي احد على ذكرها في صحف شعبنا، رغم انها اول من نادت بخطوات ومطالب مميزة لشعبنا. وكان على العمل من اجل تليين المواقف بين الحركة والتجمع، ولذا فقد نصحت المقاتلين بالتعامل الجيد مع الاخوة في الحركة، ولكن المشكلة لم تكن بين المقاتلين،بل المشكلة كانت في القيادة، ففي اول لقاء بيني وبين سكرتير الحركة السيد نينوس عدنا الى حوارنا القديم، الكفاح المسلح وضرورته ونيسان وخلافاتهم ونظراتهم تجاه. خرجت من اول لقاء مصدوما، مصدوما عندما شاهدت يوخنا اومتا وهو شبه اعمي وسجين بلا سبب مقنع. فرغم مواقفنا تجاهه وخصوصا في الداخل، حيث كان على اتصال مع كل الاطراف، دون ان تدري من اي طرف هو، الا انه كان يقول انه من حركة التحرير زوعا دخورارا، ذهب الى لبنان واختلف هناك وتعرض للضرب، وعاد الى العراق والتحق بالحركة واعترف لهم بان الامن هو من ارسله لكي يتجسس عليهم، ان الاعتراف يعني النية الصافية وخصوصا ان اعترافه اتى من قبله ولم يكن نتيجة للضغط او اي شئ اخر. اذا لم يكن هناك داع لسجنه وتعذيبة وعندما قلت لنينوس عنه اتهمه بتهم اخرى. خرجت من اللقاء باننا على طرفي نقيض.
ونحن نعد لاصدار العدد الثالث من خيروتا والتي حاولنا ان تتزامن مع يوم الشهيد الاشوري في 7 اب، تواردت الاخبار عن حملة اعتقالات في صفوف شعبنا، وعلمت بانها طالت على الاغلب تنظيمات الحركة الديمقراطية الاشورية. ولذا فقد اعدت خبرا متوازنا وهو ان النظام قام بحملة اعتقالات واسعة بين ابناء شعبنا من الرافضين لسياستة . كان هذا هو المطلوب في تلك الفترة لان اي شكل اخر كان يعني مساعدة الحكومة لتثبيت التهمة عليهم.
في منتصف اب تقريبا ونحن قد انهينا العدد الثالث من خيروتا، وانتهينا من بناء المقر، اقترحت زيارة مقر فرع الحزب الاشتراكي الكوردستاني، وكان مسؤول الفرع كه كه قادر، ذهبنا انا وشموئيل ونحن جالسون نتحاور دخل علينا السيدان يونادم كنا ونينوس (كوركيس رشو)، وبعد السلام وبعض الكلام سالت يونادم ان كان سليحقه اخرين بالالتحاق بنا، وهنا لم اكن بعد على علم من هم الاشخاص الذين تم القاء القبض عليهم، فقال بالنسبة لجماعتنا، نعم، اما بالنسبة لجماعتكم فلا اعلم. اخذت معي بعض الاخوة من المقاتلين، وبدأنا في جولتي الاولى. مررنا فيها بقرى كوردية وقرى ابناء شعبنا بيبيدي كانت اول محطة لنا ومن ثم مناطق الزومي لاهل نهلة ومن هناك الى اطوش حيث تعرفت هناك الاخ نمرود من الحزب الديمقراطي الكوردستاني وكان هناك شخص هو ركيزة الحزب الديمقراطي الكوردستاني في القوش واستفسرت منه عن امكانيات دخول الموصل او الوصول الى الضابط عبد الكريم الجحيشي ومن اطوش انتلقنا الى ميزي ومن هناك وعبر كلي نزلنا مرة اخرى الى منطقة صبنا قرب سكريني وداويدية وكوندي كوسا، ومن ثم عدنا الى دهي وكاني بلاف، استمرت جولتنا بحدود الاسبوعين. كان خلاف التجمع والحركة من اوليات الناس، من الطرائف التي عشتها وسمعتها ان مفرزة للحزب الشيوعي كانت تقوم بندوة في المحل الصيفي لاقامة اهل نهلة (قوبرانا)، المحاضر استرسل في ما سيقومون به لو اتوا الى السلطة، مستشفيات ومدارس واعمال وشوارع، وفجا’ دخلت امرة هي توطوط كصوت بوق السيارة، الناس تسألت ماذاحدث لك قالت قوموا سيارة الشيوعيين وصلت. وفي ليلة قضيتها ايضا هناك كانت صاحبة البيت ترحب بنا ترحيب شديد وانها ستوفر لنا كل الراحة والنوم المريح، والحقيقة ان الدواشك كانت نظيفة ودافئة في برودة جبل كارا، الا انني لما وضعت اللحاف على راسي كان طرفه مبلللا وبدلت الى الطرف الاخر وهو كذلك، والظاهر ان ابنة ربة البيت قد بالت على اللحاف فكان من نصيبي ان انام بلحاف مبلل.
الكفاح المسلح 2_ انجازان للسيد كنا!
(ملاحظة اننا بذكرنا لهذا التاريخ، فهو تاريخنا ويجب ان يعرف، ويرجي الاطلاع على مقدمة الجزء الاول،والامر الاخر، انه ليست غايتنا جلد احد، وفي الوقت نفسه ليست غايتنا مديح وتلميع احد)
عند وصولنا الى كاني بلاف، وصل المرحوم والدي، واخبرني بان الاخوة يقولون،ان علي ابلاغ الحركة ان السيد فريديك اوراها، صرح لروميل موشي بان الامن كلفه العمل عل اعادة يونادم يوسف وعليه تم اطلاق سراحه ليقوم بهذه المهمة، المعلومة كانت مهمة وخلال اربعة عشر يوما تقريبا من الجولة لم يكن لدي اخبار عن المقر، فحاولت الاتصال بركيزة الحركة في كاني بلاف بنو ولكن لم ينفعني واكددت عليه في حالة مرور اي قيادي من الحركة عليه ابلاغي، وصل الدكتور هرمز (نورا القس زيا) وابلغت ما علمته، فرد ببرود انهم يعلمون بذلك، المهم اديت واجبي، وكان السيد يونادم واعتقد فريدريك قد سافرا الى ايران. حيث تسنم السيد يونادم منصب مسؤول العلاقات الخارجية.
تابعت مسألة الاخ يوسف من قريتنا والذي شاهدته ملقي القبض عليه من قبل الحزب الشيوعي العراق، وكان سبب القاء القبض كما رواها لي، وقد سهل علي ابن خالتي خيري (عوديشو انويا) امور اللقاء . ان الحزب الشيوعي اقام مفرزة في القرية والقى القبض على ضابط مجند ارمني، وعندما حاولوا اخذه مانع واعترض وحاول الهروب، فقتلوه في القرية، وهنا كمختار كان لا بد ان يبلغ لان هذا واجبه وخصوصا ان القرية في النهار والى العصر كانت تحت سيطرة الحكومة. اخذ الحزب هذا التبليغ كتعامل مع الحكومة بمعنى العمالة. الا ان يوسف لم يبقى فتم اطلاق سراحه بعد فترة ايضا. طبعا من المفترض اننا نعمل لاجل الشعب، وعلينا ان ندرك ضروفه ولانعرضه لقسوة النظام، واصلا لم يكن من الواجب اقامة السيطرة في القرية لان ذلك يعرضها لانتقام الحكومة.
كان اول عمل قام به السيد يونادم كنا في ايران والذي اصابنا كلنا بالصدمة والذهول، هو الاقرار الرسمي بان المقبوض عليهم هم من تنظيمات الحركة، من خلال رسالة الى سكرتير العام للامم المتحدة خافير ديكويلار والمعلوم للجميع ان وثائق الامم المتحدة كلها علنية، يعني حتمية اطلاع الحكومة العراقية عليها، والمثير ايضا ان نسخة من الرسالة ارسلت الى اذاعة الحزب الديمقراطي الكوردستاني، التي اذاعتها بنصها. الاحزاب الاخرى تقوم في مثل هذه الاحوال بنشر اسماء المعتقلين وتقول، اعتقلوا لمعارضتهم الحكومة او لاسباب مجهولة ولاتقر بانتماءهم لها، لانهم قد ينكرون للتخلص من العقوبات وهو امر مسموح. وكان ذلك خطاء كبيرا ولكنه سوق انجازا،وكل ذلك قبل ان يتعرضوا للمحاكمة ،ونتيجة لذلك كان شعبنا في المهجرومؤسساته في حالة غليان مطالبا الحكومة العراقية باطلاق اعضاء الحركة. ولانه ليس في يدي دليل مقنع، الا انني لا استبعد قيام الحكومة العراقية استعمال تلك الادلة لاثبات التهم ضد المقبوض عليهم، ولرفع الضغوط عنها من الخارج.
لم يحدث تطور في العلاقة بين التجمع والحركة، ولكن الحركة بالقبض على كوادرها صارت اكثر شهرة، وقد تسرب من جلسة في مقر الحركة ان السيد نينوس بثيو اجاب على استفسار من احد المقاتلين عن مصير المقبوض عليهم، فقال انه قد يتم قتل اثنين او ثلاثة وهذا سيساعد في نشر صيت الحركة، هذه التسريب نشره الاعضاء الذين بدات الشكوك تراودهم او ممن كانوا قد خرجوا من الحركة ولكن بقت لهم صداقات فيها.
في شهر تشرين الاول قمت بجولة اخرى وايضا في المسار السابق، ولكن هذه المرة نزلنا الى قرى نهلة واتذكر انني التقيت فيها بكوادر الحركة وكان هناك خلاف مع شخص من اهل هيزاني (شاب) والخلاف كان بين شخص يحمل اسم ناصر من مقاتلي الحركة وبين هذا الشخص من هيزاني، ولذا فالحركة القت القبض عليه وحاولت اخذه بالقوة، وهنا تدخلت ونصحت المسؤول بترك الشاب لان الناس غاضبين من هذا التصرف، وانهم قد يشكونهم الى الحزب الديمقراطي الكوردستاني، فاصر مسؤول الحركة على رايه، فاضطر والد الشاب الى الشكوى الى شمال زبير اغا مسؤول محلية عقرة، فارسل هذا احد المراسلين في المقر، واخذ الشاب من بين ايدي اعضاء الحركة دون اي اعتراض. لقد كان تصرف غير سليم وفي بيئة عشائرية، لها صلات مختلفة ولها تقاليد وممارسات يجب احترامها. كما انه اظهر ضعف الحركة امام القوى الكوردية واستقواءها على ابناء شعبها.
في عملية القاء القبض على رفاقهم وتعذيبهم واهانتهم بتهم مثل اليسارية الاشتراكية او الرغبة في الذهاب الى اوربا او اي خلاف، كان هؤلاء الرفاق مجردين من اي سند او دعم لان اغلبهم كان من المدن، لا بل يمكنني القول ان الرفاق الذين قبض عليهم وعذبوا وغطسوا رؤسهم في الماء للاعتراف بتهم مجهولة، تقبلوا الامر ولم يشتكوا لانهم كانوا يعون ان سيشتكون على ابناء شعبهم وكما نقول (ܪܘܩܬܐ ܕܒܪܝܠܝ ܝܠܗ)، ففظلوا السكوت عن التشهير بالحركة. في طريقنا الى المقرات التقينا باحد الاخوة ممن كان يود الالتحاق بالحركة، وطلب منا ان ناخذه معنا، فاوصلناه الى مقر الحركة كما اراد. وفي تلك الفترة او قبلها ايضا وصل شخص كان قد اتى الى العراق من اميركا ولم يكن يحمل الا كرين كارد، وعلمنا انه مرسل من قبل بطرس جبرائيل وقد قالها بنفسه ولانه ظهر من خلال اجوبته انه شخص يود الوصول الى اميركا، ولا علم له بما نسب الى بطرس جبرائيل ، فهو مرسل لكي يتمكن من الهرب والوصول الى اهله في اميركا، لان بقاءه يعني سوقه للحرب، وليس مرسلا للتجسس. شخص بسيط، فسألناه ماذا اتى به، فقال انه يريد الالتحاق بحركة مام نيسن، فقال له احد الاخوة هناك حركة وهناك تجمع، فخيروه الاخوة ان يختار ما بين مام نيسن والتجمع او الحركة، في النهاية قال انه يريد الالتحاق بالحركة، كان في ضيافتنا ليومين، فقام اعضاء التجمع بايصاله الى مقر الحركة.
خلال هذه الفترة اي خريف 1984 وشتاء 1984_1985 لم تحدث امور مميزة، فالخلافات بين الحركة والتجمع انتقلت الى ايران، من خلال مؤيدي الطرفين هناك ومناصريهم . في خريف التحق الاخ كلدو (الياس بيت شموئيل) بالتجمع في الوقت الذي كنت فيه في جولة ميدانية، لم يتمكن من التأقلم مع اجواء التجمع، فذهب الى الحركة والتحق بهم، علما انه كان معروفا لديهم ايضا وزامل الشهيد يوسف والسيد كنا في جامعة السليمانية، في الحركة تعرض لاستواجاب وشكوك بسبب علاقة الصداقة التي كان له مع اعضاء الحزب الوطني، قمت بزيارته في مقر الحركة ورحبت به، وشئ واحد كنت اقوله لمقاتلي الحركة ممن كانوا يتركونها، ثقوا ان كان التجمع والحركة على خطاء فالامة في مشوارها محقة وهذا ايضا قلته للالياس لازيل اي التباس لديه انني قد اكون غير راضي عن موقفه. وفي وقت ابعد التحق الاخ اشور سمسون (جورج) وقبل دخوله الاراضي المحررة طلب من مفرزة للحركة ان يتحرك معهم، فرفضوا وقالو له ان التحقت بالحركة نعم، ولكن ان نوصل لكي تلتحق بالتجمع فلا، مما اضطرى للاستعانة بمفرزة للحزب الديمقراطي الكوردستاني. طبعا مثل هذه التصرفات لم تكن مقبولة، فالجميع يساهم في ايصال الملتحقين ولاي حزب انتموا وحتى الهاربين من الجيش او ظلم النظام. طبعا مثل هذه الممارسات قد تحدث نتيجة تفسيرات من اشخاص ليس لهم موقع تجربة او خبرة. ولكن ما كان يجب ان تحدث بيننا، لانه اساسا التجمع لم يقم باي عمل عدائي ضد الحركة وما كان يمكن ان يقوم بذلك في وجودنا الاخ جورج وانا.
المهم ان وصول اشور فتح لي نافذة اخرى للتواصل مع الحركة، فبسبب نقاشاتي السابقة، كان هناك نوع من البرود في هذه العلاقة وان لم تكن ابدا عدوانية، ولذا اتفقت مع الاخ جورج على استمرار علاقته مع الحركة بصورة طبيعية ودعمها بنشاطات مشتركة مثل الرياضة. فخلال قدوم العيد الميلاد استغلينا المناسبة وقمنا انا وجورج بزيارة المقر وتقديم التهاني ولكن لم نستقبل من قبل القيادة، مما اثار الانتقاد لهم من قبل المقاتلين، ومن الامثلة التي كان يسوقها مقاتلي الحركة، ان نرسي رغم كونه عضو قيادي يشارك في الحراسات والاعمال اليومية من الطبخ والعجن والخبز وجلب الخشب. وليس كما اورد احد الملثمين بان مقاتلين اعترضوا على عدم مشاركتنا في الحراسات.
في شباط 1985 تم اعدام كوكبة الشهداء يوسف ويوبرت ويوخنا، وكانت ضربة قاصمة لاننا خسرنا شباب من الصعب ان نجد من يحل محلهم. اعتقدت شخصيا ان اعدام الابطال الثلاثة قد يدفع المئات ان لم يكن الاف لكي تلتحق بالكفاح المسلح، ولكن اعتقادي خاب. فلم يلتحق الا عائلة القس زيا دوباتو التي وصلت قبل ذلك بفترة وعائلة الخال توما والد الشهيد يوسف.
اعدام هذه الكوكبة من الشهداء جعل صيت الحركة يمتد في كل انحاء العالم فالدم الاشوري المراق دفع الكثيرين للتعاطف وتعضيد، التنظيم الذي انتسبوا له، ولكن في الداخل او في المنطقة المحرر، بدأت تثار اسئلة وشكوك ومخاوف. المهم ان التجمع خرج من حالة الصراع بفعل التبريد وعدم منح فرص لزيادة حالة الصراع. ولكن الصراع زاد بين الخارجين من الحركة والاعضاء المتبقين في الحركة.
والحركة لم تعدم وسائل لنقدها وللتهجم عليها، مثلا مسأئلة تهديد القس سركون بالقاء القبض عليه، التي اثارت الكثيرين، لانه كان من الصعب على اي حزب ان يقوم بهذه الخطوة لكونه رجل دين. والمشكلة الكبرى انهم لم يحاولوا القاء القبض على احد من المناطق الخاضعة للحكومة، بل كانوا يقومون بذلك ممن كان ياتي الى المنطقة لكي يقدم بعض الخدمات الدينية كمثالنا هنا، ومسألة الشماس من اهل بشمياي، فكان المشاع ان سجنائهم اكثر من مقاتليهم تندار.
كما تم خلال هذه الفترة اعتقال مسؤول الحركة في نهلة من قبل الحزب الديمقراطي الكوردستاني بحجة الاتصال بالاجهزة الامنية،حيث كان يتم ارسال رسائل بيد فتاة اسمها فوزية وهي لا تعرف مضمونها، وبعد خروجه واجراء التحقيقات معه من قبل قيادة الحركة، قال بانه فعل ذلك نتيجة التعليمات من قبل السيد نينوس والسيد الدكتور هرمز، وعندما سئلا عن ذلك قالا انهما كان غير جادين فقط للتسلية. وهكذا عاني شخص من الاعتقال واسائة السمعة لانه خضع وعمل بالاوامر التي ظهر انها كانت للتسلية.
كان العمل الاخر الذي اقدم عليه السيد كنا ولم اعرف به وبنتائجة الا في التسعينيات من القرن الماضي، ان بعض ممن تعاطف مع الحركة ممن كانوا ضمن تنظيمات الحزب، قام بتسريب رسالةالاخ نمرود بيتو سكرتيرالحزب الوطني الاشوري السابق الى عمه وهو كان سكرتير الاتحاد الاشوري العالمي، فاتصل السيد كنا ببعض معارفه ودفعهم لنقد والضغط على السيد اسحق يوانس سكرتير الاتحاد الاشوري العالمي لتقديم استقالته باعتبراه افشى سرا، علما كما ستلاحظون ان المقترحات جيدة وتلائم ظروف ذلك الزمان، ومن الطبيعي انه ما كان يمكنه ان ينشرها باسم الحزب فاتخذ من تواجدنا في منطقة الكفاح المسلح غطاء لارسال الرسالة تحت تسمية الشباب الاشوري المقاتل في شمال الوطن العزيزضد العنصرية والتخلف / تشرين الثاني / 1985، . ونتيجة لما قام به السيد كنة من التحريض وتشويه صورة المرسل، وضغوط من امن بذلك، قدم السيد اسحق يوانس استقالته وتبعت نتائج ذلك انقسامات في الاتحاد. باعتبار ان من ارسل الرسالة عميل بعثي، ولم يتمكن الاتحاد من عقد مؤتمرا سنويا الا بعد اكثر من عشر سنوات، وتدور الدوائر ويسقط البعث وتظهر فقط اسماء معينة معروفة كعملاء. لقد عملت بعض الاطراف في الحركة وعلى الدوام من اجل الاستيلاء على مؤسساتنا وتوجيهها بما يضمن مصالحها، وان فشلت فانها تعمل من اجل تقسيمها بين مؤيد لها ومعارض وهذا تحقق لها بعد استشهاد الشهداء الخالدين، لان الكثيرين لم يعد لديهم اي شك في تصرفات وممارسات الحركة، وهل يمكن الشك في من قدم اغلى شئ من اجل الامة؟
المرفق 1
افتتاحية العدد الرابع من صحيفة خيروتا ردا لممارسة البعض العنف مع ابناء شعبنا
لقد عانى شعبنا الاشوري وخلال عهود طويلة من مختلف صنوف الاضطهاد، سواء ما كان منها ديني او قومي وجراء هذه الاضطهادات تحف في شعبنا بعض مظاهر السلبية كالانعزال عن المشاركة في الحياة السياسية من خلال احزاب تمثل طموحاته، ان الاضطهاد الديني والقومي الذي مارسه الحكام في مختلف العهود تجاه شعبنا ترك مظاهر جلية وواضحة في ابنائه فنراهم يميلون الى السكينة والقناعة وعدم اتخاذ أي موقف واضح من السلطة والهروب من مواجهة المشاكل التي تواجههم على الصعيد القومي. واليوم اذ نعلن كاشوريين مشاركتنا مع كافة الاحزاب والقوى الوطنية والقومية التقدمية في النضال من اجل ازالة الكابوس الذي يخيم على انفاس ابناء شعبنا العراقي والمتمثل بنظام صدام الدموي وحربه القذرة التي شنها على الجارة ايران والتي ادت الى مقفل مئات الالاف من ابناء شعبنا وتدمير اقتصاده وارتهان سيادته الوطنية لصالح الرجعية المحلية وعقد تحالفات مشبوهة مع الانظمة الرأسمالية والرجعية، فأننا مطالبون ببناء شخصية الفرد الاشوري على اساس الثقة الكاملة بالنفس وعلى اساس ربط مصيره بمصير الارض والوطن ومن خلال الممارسات السليمة تجاه هذا الانسان واعطاه الصورة السليمة للنضال وهي ان نضالنا جاء لتخليصه من كل انواع الظلم والاضطهاد وليس مطلوبا منا اليوم ان نكون البديل الجديد للظلم مهما كان الشعار الذي نرفعه فالانسان المظلوم لايفرق بين ظلم واخر سواء كان اشوريا او غيره . ان الجماهير الاشورية تتطلع الينا بحذر وهدوء لما لم نكسب ثقتها ونثبت لها بأننا المدافعون حقا عن طموحاتها الشرعية، لن تمنحنا ثقتها والجماهير بوعيها واحساسها الصادق والنابع من تجربتها التاريخية، لا يمكن ان تخطئ في التمييز مابين من يعمل من اجلها ومن يعمل من اجل مصالح انية وذاتية.
والمسؤلية التاريخية الملقاة على عاتقنا كممثلين لشعبنا الابي تجعلنا نتعامل مع كل حالة على انفراد وان نحللها التحليل السليم وبالتالي سيكون حكمنا صائبا وملائما مع واقع امتنا الاشورية. منذ بداية القرن الحالي انفض الكثير من الروابط وتحلل التماسك الذي كان يعرف به شعبنا ولم يعد هناك حلال وحرام في الممارسة اليومية للفرد الاشوري واصبح كل فرد يقدس رأيه الشخصي واصبح ينظر الى مصلحة الامة من خلال مصلحته الخاصة، فالفرد المتمثل بهذه الصورة والذي تربى عليها لا يمكن ان يكون نصيرا لنا من خلال استعمال القوة معه وانما من خلال افهامه الخطاء والصواب واين يكمن الخطاء والصواب في نظرته وماذا نمثل تحت ولمن نعمل.
على درب الحرية
افتتاحية جريدة خيروتا تشرين الثاني 1984
العدد الرابع
المرفق
رسالة الاخ نمرود بيتو سكرتيرالحزب الوطني الاشوري الى مؤتمر الاتحاد الاشوري العالمي عام 1985
ايها المجتمعون الكرام
نستمحيكم عذرا ان كنا قد تطفلنا على مؤتمركم هذا واعذرونا ايضا ان لم نذكركم جميعا بأسماء احزابكم وتنظيماتكم لانها في الحقيقة باتت كثيرة بحيث بدأنا نفكر فيها وكأنها لعبة جديدة استهوتكم في بلادكم بلاد الديمقراطية وكأن انشاء حزب جديد او تنظيم جديد بات من السهل كأن تنظم حفلة او سفرة عائلية واصبحت اكثر تسلية للبعض بأن استطاع ان يحقق ما كان يحلم به في بلد العنصرية وحتى في الحلم به مع نفسه فقط كان يخافه لأن فيه اذية وفيه تضحية وهو بغنى عنها ولكن في بلد العم سام فكل شيء مسموح وان خسر فأنه سوف لا يخسر شيئا سوى القليل من الثرثرة ولكن في الاخر سيرجع الى زوجته واطفاله فاذن حتى المفاهيم المقدسة باتت عندكم تسلية ولكن من حيث ما نحن فيه من ازمة قومية نناديكم وبضمير قومي حي لا يعرف المساومة على الحق مهما طال الزمان بان ما انتم فيه. مآساة لنا جميعا ومن هذا المنطلق بمجرد ان طرأت سمعنا انباء مؤتمركم هذا قررنا المساهمة فيه بتقريرنا المرفق هذا مبينين فيه وجهة نظرنا تجاه الوضع بصورة عامة ونرسله اليكم من مقرنا في ايران بواسطة احد اشخاصكم في استراليا كان عنوانه متوفر لدينا، ونرجو ان لا يفرق هذا عندكم فالمهم عندنا ان تطلعوا في استراليا على ما نحن فيه باية وسيلة كانت، ونعتذر منكم ايضا بأننا كتبنا التقرير باللغة العربية لأننا نؤمن بالمبدأ القائل الغاية تبرر الوسيلة فالمهم عندنا ان تفهموا قصدنا باية لغة كانت واخيرا نرجو ان تعذروا لنا لهجتنا تجاهكم لأن من يتألم لا بد ان يشتكي وشكوانا هي ما انتم فيه اليوم ودمتم ذخرا وقربانا لأمتنا العريقة والموفقية والديمومة لكل مخلص شريف والموت لكل جبان ولئيم.
التقرير
ليس هناك من شك بأن الحق التاريخي للآشوريين متمثل منذ القدم في ارض ما بين النهرين بما لها من صفة كون النشوء القومي الآشوري الأول بدأ من هناك وترعرع عبر كل شبر فيها حتى يومنا هذا وبما تتركه ذكراها من معزة في نفوس ابناءها فهذه الحقيقة الأصلية لا تخضع لأي جدل بين اي اثنين من الآشوريين في أي بقعة من العالم ويعتبر التشكك فيها كفرا وخروجا عن القدسية القومية، فأن هذه هي الحقيقة لهو لزاما على كل اشوري اين ان وجد ان يعمل من اجل اليوم الذي تستطيع قوميتنا ان تقرر مصيرها بنفسها وعلى ارضها وبدون اية وصاية غريبة عليها.
لألقاء نظرة تحليلية على واقع الاشوريين في العالم واين هم من الحقيقة المقدسة اليوم كان لزاما علينا النظر اليهم من منظورين كي يكون بمقدورنا اعطاء كل منظور ما عليه من واجبات وحقوق، ولكن في المحصلة النهائية فالآشوريون امة واحدة لا تتجزأ بمجرد تواجدها الجغرافي والمبدأ واحد مهما تعددت قنوات الجهد المبذول، فضمن تحليلنا نعتبر اشوريي العراق اي ما معناه الذين لا يزالون يقيمون في العراق منظورا والاشوريون في المنفى بما فيها جميع الاقطار منظورا اخر.
اشوريو العراق يمكن اعتبارهم اساس قضيتنا القومية كونهم يعيشوا على ارض الصراع التاريخية اولا. وثانيا احتكاكهم الدائم مع عناصر صراعنا من العرب المتمثلين في السلطة والتي تتعارض مطالبنا القومية مع مبادئهم القومية ومع مطامحهم السلطوية، والاكراد الذين تتداخل حقوقنا القومية مع مطامحهم المتمثلة في الحدود القومية لهم، فاذن صراعنا القومي في العراق مزدوج تتفاعل فيه المطامح والمتغيرات السياسية الاقليمية والدولية، فمن مجرد النظر الى هذه الصراعات يمكن التكهن الى عمق المآساة القومية التي يعيشها ابناء امتنا، ولكن ليس فقط بالنظر الى عمق الصراعات وقوة عناصر الصراع تتولد عندنا الردود التخاذلية بان ما نطمحه مستحيلا ولكن ليكن شعارنا بان ما نطمحه حق تاريخي وليس حقا خلقته ظروف آنية او مزايدات سياسية، علينا التخلي عنه متى ما زالت مسبباته، فحقنا تاريخي والالتزام والتضحية من اجله واجب مقدس وان لم نحققه اليوم فلسنا بعجلة من امرنا فليكن بعد عقد من السنين.
كان الصراع القومي الآشوري في العراق الى نهاية الستينات صراعا داخليا اي لم يكن قد تعدى حدود قوميتنا فكان صراعا بين جيلين، جيل تعاظمت عنده روح الاستسلام والرضوخ للواقع المفروض نتيجة لطبيعة الحياة والظروف اللاقومية التي عاشوها، وجيل شاب بدأ يعي حقيقة الامور ويرفض كل ما هو غريب على اصالة وجودنا وفي خضم هذه الصراعات كانت هناك منافذ عديدة تعددت من خلالها تيارات سياسية بعيدة كل البعد عن طموحاتنا القومية ومن هذه المنافذ تعددت مخططات سلطوية لعينة خلقت الانشقاقات المذهبية والعشائرية، وما ان جاءت السلطة البعثية الى الحكم في نهاية الستينات حتى بدأت افعالها العنصرية اكثر عنفا لتغيير واقعنا القومي الى اشكال وهياكل مهزوزة يمكن توجيهها خدمة لمخططاتهم، وبالتالي تجزأة الكل الى اجزاء متناثرة يمكن السيطرة عليها بسهولة فكانت عى سبيل المثال لا الحصر هجرة الاشوريين وبأعداد كبيرة جدا بعيدا عن الارض الام نتيجة رد فعل غير مدروس من الاشوريين اكبر انتصارا للمخطط البعثي العنصري.
ولكن نقولها بثقة عاليه بان من بقي من الاشوريين في العراق كان كافيا لردع مثل هذه المخططات العنصرية الخبيثة فبدأت طلائع قومية تبرز في قطاعات واسعة من الاشوريين وبالأخص الطلبة الذي يعتبرون بحق محور الصراع، فبرزت قيم قومية ذات طابع سياسي مبطن بالتوجه نحو نبذ كل فكرة بالانتماء الى اي جهة سياسية معينة مهما كانت المبررات والاحتفاظ بالاستقلال السياسي شعارا قوميا فنشطت الفعاليات الطلابية وبدأت تمتد الى خارج الحدود الطلابية فوصلت الى الكنائس وجميع التواجدات الاشورية مستغلة اي ثغرة لتنفذ من خلالها لتكرس واقعا مختلفا عما كان عليه سابقا، فازدهرت على اثرها لغتنا الاشورية والتي هي احدى دعائم الانبعاث القومي الأصيل وكثر عدد الاشوريين الذي حصلوا على شهادات علمية واخذت فكرة القولبة السياسية لجميع الفعاليات الاجتماعية طابعا تصاعديا، وعبر كل هذا الصراع المحتدم لم تكن السلطة غائبة اما بشكلها المباشر او عن طريق عملائها، ولكن كانت دائما تفكر مليا قبل ان تفعل اي فعل حازم فكانت تلجأ الى التهديد تارة والى الفعل المباشر تارة اخرى، الى ان وصلت ابعاد الصراع مرحلة لا يمكن السكوت عنها من قبل السلطة فتدخلت بشكل مباشر وسافر فقضت على جميع النشاطات الطلابية والكنسية والاجتماعية الاخرى وبدأت ممارستها العنصرية اكثر وضوحا كأن حاولت في التعداد العام لسكان العراق في 1977 وبشكل علني الضغط على الاشوريين بأن يكتبوا عربا، بعد ان نجحت مع اخواننا الكلدان ولكنها اصدطمت بالحقيقة الدامغة عندما رفض معظم الاشوريين الموافقة على هذا الفعل المشين وكم من حوادث اصطدام حدثت في هذا اليوم اللعين، وبعدها جاءت محاولة السلطة بفرض دراسة القرآن في المدارس الاعدادية للطلبة الآشوريون ولكنها اصطدمت بجدار صلب بعيدة كل البعد عن حسابات السلطة، بعد ان حاول الكثير من الطلبة تمزيق القرآن امام اعين الطلبة والاساتذة وبدأت التجمعات الطلابية تتواجد في الكنائس لتأخذ ردا سياسيا مناسبا ولكن سرعان ما احست القيادة العنصرية بالخطر فسحبت القرار موجهة اللوم في تطبيقه الى اجهزتها التنفيذية في وزارة التربية، ولكن مثل هذه التبريرات لم تعد تمر على الشعب الاشوري بعد ان اختبر التوجهات العنصرية للسلطة، وبعدها جاءت اللعبة المشينة الاخرى الا وهي سحب نموذج من الدم من كل طالب اشوري فقط، في جميع المدارس وجوبهت بالرفض من الطلبة بكل شدة بعد ان وصل الوعي القومي عندهم الى درجة فكروا بأنه من المحتمل ان تكون هذه الابر مواد تسبب العقم وتمنع الانجاب مستقبلا، وهذه التي سردناها في تقريرنا هذا قسم ضئيل من الافعال العنصرية البربرية تجاه قوميتنا، وبالرغم من هذا كله لا زال الوعي القومي اساس حياتنا في العراق وطموحنا حلم لا ينتهي بانتهاء مآساة او فعل موجه وخاصة بعد ان اصبح كل بيت اشوري معقلا بوجه العنصرية بعد ان اندلعت الحرب الدموية اللعينة وبعد ان قدمت اغلب العوائل الاشورية قرابين دموية من اجل ان يبقى ارتباطنا التاريخي بأرضنا قائم بالرغم من اننا ندفع الى هاوية الموت بدون اي رغبة فهذه هي قمة المأساة وهذا هو الاستشهاد بأن تدفع الى فعل رغما عنك فأي اضطهاد اكثر من هذا.
فعندما نقول بأن الاشوريين في العراق هم عزم امتنا في التحرر فأننا ننطلق من النقطة الصحيحة، فكان بمقدور اغلبهم ايضا ان يلجأوا الى اي بلد اخر لينعموا بالملذات وما اكثرها وليرفعوا من الشعارات القومية الجوفاء ما يحلوا لهم ولا عندهم عندئذ من سائل او مضطهد ولكنهم لم يفعلوا هذه وفضلوا ان يموتوا يوما وهم اسودا من ان يعيشوا عمرا بكامله ثعالب.
نعم ونقولها نعم بأصرار لقد وصل الوعي القومي عند اشوريي العراق مرحلة ان بدأ يعلن كعمل سياسي له مبادئه وله التزاماته وما اعدام شبابنا الثلاثة وسجن الاخرين الا بداية المطاف ولكن بالرغم من هذا كله فأنهم سائرون بالدرب الصحيح مستعدون لأي فرصة سياسية لاستغلالها واثبات وجودنا القومي الاشوري وما على الباقين من الاشوريين الا ان يفعلوا ما يوازي هذه التضحيات والتخلي عن جزء يسير من المنافع من اجل مصلحة الأمة وابعاثها.
اما المنظور الثاني وفق تحليلنا فهم اشوريو المنفى واسمحوا لنا ان نسرد الحقيقة كما نراها وان قولها صراحة من المرارة ما تغضب البعض ولكن لا بد من قولها لكي يكون بعلمكم بأن ما من حقيقة تخفي ونحن نعرف جيدا ما يجري عندكم وما خلقته الحرب الزائفة من اوهام وخلافات لان ما من فرد اشوري له من مفهوم الحرية الاصيل سهما، لان اغلبكم هجر ارض الام مناديا الحرية، وموقعه من الحرية اليوم كموقع العبد عندما تكون له الحرية في اختيار اسياده ولكنه في الاخر فهو عبدا، فهذا وضعنا ايضا اليوم فالحرية التي نبغيها هي ان نكون اسياد انفسنا لا ان تختار من بين الاسياد احدا.
فأغلب الاشوريين في المنفى اليوم، ان صح القول، هم ضحية الاضطهاد في العراق وان كنا قد ذكرنا في بداية التقرير هذا بأن معالجة الاضطهاد بالنزوح والخروج من ساحة الصراع خطأ فادح وخسائره لا تحصى على مستوى مصير الامة ووجودها على الخارطة السياسية لعناصر الصراع، ولكن لنقبل اليوم بهذا الوضع جدلا ونقول اين هم اشوريوا المنفى من هذا الاضطهاد؟ ما الذي يخططون له لازالة آثار الاضطهاد؟ اين شعاراتهم القومية من ارض الواقع؟ اين هم من حقيقة انفسهم كآشوريي اليوم؟.. وكثيرا كثيرا من التساؤلات نطرحها اليوم امامكم مع علمنا المسبق بواقعكم والذي بدأت حشرة الارضة تدب فيه من كل صوب لتتركه واقعا منحلا تتعاظم فيه الصرعات النفوذية والمناصب الكرسوية والخلافات المذهبية العشائرية، كأن عندكم ايضا سلطة عنصرية تفعل فيكم كل هذا وكأنكم لستم في بلاد كل محرم عندنا مباح لكم، فاذن مشكلتكم هي مع نفسكم.. ما انتهيتم من ظلم الاضطهاد حتى بدأتم تضطهدون نفسكم بنفسكم وهذا اسوأ الاضطهادات.
ولا نحب ان نطيل في العتاب عليكم لأننا في اخر الامر امة اصيلة لا يمكن ان تخذلها الصعاب وتثنيها عن عزمها، وغايتنا من هذا التقرير والذي تطفلنا فيه اساسا على اجتماعكم هذا، ولكن الحقيقة هي ان غيرتنا القومية دفعتنا الى الكتابة اليكم آملين ان تكون فاعلة خير، كوننا اساسا خارج نطاق صراعاتكم ولا يهمنا غير ان نراكم موحدين ثابري العزم لوضع اساس لعمل قومي عالمي مستغلين فيه كل منفذ وكل وسيلة كانت لارساء مفاهيم عمل نضالية جديدة من اجل مستقبل امتنا الاشورية، ونود ان تكون مساهمتنا المتواضعة هذه بطرح مقترحاتنا لعمل قومي عالمي ان تنال رضاكم وموافقتكم، ولا نبغي من وراء هذا كله ان نكون ذوي فضل عليكم لأنه واجب لزام علينا قبل ان يكون جهدا من وراءه منافع خاصة.
ومقترحاتنا نلخصها بقدر ما يمكن لانكم اعلم بظروفكم منا ونحن بظروفنا منكم:
1ـ بالنسبة لأي عمل سياسي اشوري في العراق نفضل ان يكون مستقلا في عمله الان نتيجة الظروف السياسية الدموية التي يعيشها القطر حاليا وهذا اسوأ الايمان على الاقل في الوقت الحاضر لان لا مخافة الان على انحراف اشوريي العراق في مخططات تصفوية ضد الامة الاشورية لان حقيقة السلطة واضطهادها بات واضحا جدا.
2ـ اما بالنسبة لآشوريي المنفى فان التعدد المفرط في عدد الاحزاب والتكتلات السياسية بات امر يقلقنا جدا، وان لم نكن يوما ضد الحريات السياسية، ولذا نقترح ان تحاولوا الخروج من اجتماعكم هذا على الاقل بالحد الادنى من الاتفاق وان كان ممكنا الوصول الى اتفاق بأعلان وحدة الاحزاب الاشورية العاملة في المنفى تحت لواء واسم واحد وليكن (الحركة الاشوريه العالمية) على ان تحتفظ جميع الاحزاب ضمن الحركة باساليبها الخاصة في العمل واسماءها الخاصة وتشكل قيادة موحدة من جميع الاحزاب لتدير نشاط الحركة بعد ان يتفق على منهاج عمل سياسي للحركه ولا نريد الخوض في تفاصيل هيكل ونشاط الحركة وان لدينا تصور واضح عما يجب ان يكون عليه الهيكل ولكن هذا نتركه لكم لانكم ادرى ونحن متأكدون بظروفكم.
3ـ ان تحدد الحركة هدفا سياسيا واضحا لعملها المستقبلي وان تلتزم به جميع الاحزاب المنتمية للحركة و ان اختلفت في اساليب عملها و لذا نقترح ان يكون الهدف السياسي للحركة هو (حق الشعب الاشوري في تحقيق مصيره بنفسه و على ارضه) ونحن اساسا متفقين عليه ونعمل من خلاله لانه في حقيقة الامر طرحا مقبولا لدى الرأي العام العالمي اولا وكونه مرن سياسيا ثانيا بالنسبة لنا كآشوريين لان من خلاله نستطيع ان نتدرج تصاعديا في مطالبنا بعد ان نكون قد حققنا الخطوة الأولى، ولكن طرحها وبهذا الشكل الارتجالي يثير التشنج عند العديد من الفعاليات السياسية في قطرنا كالأكراد والاحزاب المعارضة الاخرى والتي من الممكن ان يكون التحالف التكتيكي معها الان لمصلحتنا، ولا نريد الخوض في تفاصيل هذه الطروحات لانه يتطلب منا مجلدات.
4ـ تشكيل صندوق نقدي اشوري عالمي تتولى ادارته هيئة تشكلها الحركة الاشورية العالمية المزمع الوصول اليها في مؤتمركم هذا ويمول هذا الصندوق وفق حصص تثبت وتعتبر اجبارية بالنسبة لجميع الاحزاب المتحدة في هذه الحركة.
5ـ استغلال مبالغ من هذا الصندوق في دعم النشاطات السياسية للحركة ومحاولة استثمار مبالغ في مشاريع اشورية يديرها ويعمل فيها اشوريي المنفى بدلا من ان يعاني معظمهم من البطالة في اغلب الاحيان.
6ـ المحاولة في التغلغل في الاعلام العالمي لنشر حقيقة الاضطهاد القومي الذي نعيشه ومحاولة تشجيع التأليف والكتابات الاشورية بجميع اللغات ومحاولة نشرها بكل الوسائل.
7ـ محاولة تأسيس جامعة اشورية عالمية في اي بلد مناسب تراه الحركة يديرها اناس مشهود لهم بالكفاءة وليس هناك مانع من ان تكون متخصصة في اكثر من مجال كالدراسات الاكادمية والدراسات العلمية تخصص فيها مقاعد مجانية الاشوريين اما بالنسبة لغير الاشوريين فوضعها كأي جامعة اعتيادية اخرى.
8ـ اما بالنسبة للأحزاب في عملها فيمكن توجيهها بصورة تدريجية بالكف عن اسلوب العمل البرجوازي البيروقراطي المتبع حاليا في عملها واتباع اسلوب الاتصال المباشر عن طريق هياكل تدرجية مخطط لها لكل حزب حسب ظروف عمله لأن الاسلوب الحالي وهو الاتصال الجماعي والمنقطع، الا في المناسبات، فقد اثبت عقمه منذ زمن.
9ـ محاولة طرح القضية الاشورية بصورة واضحة ودقيقة بعيدة عن الاقنعة المذهبية والكنسية وان كانت كنيستنا في جوهرها جزء لا يتجزأ من القضية القومية وقصدنا هنا ان يتركوا رجال الدين في اختصاصهم الا من رغب في ان يكرس عمله كرجل دين كعمل وواجب قومي بشرط ان لا يحاول رجال الدين ايضا تشويه معالمنا القومية بحجة اختصاصهم لأن عهد قيادة الكنيسة للأمة قد بدأ فعلا بالانكماش.
10ـ القيام بافعال مضادة ذات قيمة معنوية مؤثرة لدى الرأي العام موازية لقوة اي فعل اضطهادي تجاه شعبنا في العراق لخلق موزانة سياسية معنوية بالنسبة لنا، اما عدم القيام بحجة الخوف علينا من الاضطهاد فأننا وليكن بمعلومكم قد تجاوزنا مرحلة الخوف لان قسوة الفعل خلقت منا اناس مختلفين ولم يعد يهمنا من الحياة شيئا الا انتصار قضيتنا.
11ـ محاولة الضغط على حكومات بلدانكم لمنع الهجرة الاشورية مستقبلا لان في هذه الهجرة هدرا لقوة شعبنا وخاصة بعد ان تضع الحرب اوزارها وتنتهي.
12ـ محاولة بناء علاقات وطيدة مع الحركة الكردية في شمال العراق بعيدا عن النعرات الدينية والطروحات العنصرية كأن يطرح البعض منكم اليوم بأن الأكراد اشوريون مسلمون فهذه نظريات طوبائية عقيمة لا تنفع ولو بقدر خردلة في دفع قضيتنا بل العكس تضرها لأن الاكراد عنصر اساسي في حساباتنا وعليكم افهامهم ولو على الاقل في الوقت الحاضر بأننا لسنا منافسين لهم بل العكس بان قضيتنا مشتركة ضد عدونا الاساسي ومضطهدنا.
13ـ اما ان كان هناك منكم من يؤمن بأننا سوف ننال حقنا بالأساليب السلمية فأنه يبني قصورا في الهواء فالخيار العسكري لا بد منه بعد ان تكتمل جوانبه الفكرية والسياسية والاقتصادية لكونه النتيجة النهائية لاي فعل سياسي اشوري فان كانت هذه الحقيقة فالتحضير لها لا بد منه من اليوم فلذا نقترح الاتصال بالدول او الحركات التي تتفهم وتستوعب قضيتنا ايمانا او مصلحة مثلا لبنان القسم المسيحي لافساح المجال لفتح معسكرات تدريبية مستمرة لشبابنا المؤمن وان كان ممكنا يكون دخول هذه المعسكرات اجباريا لكل اشوري منتمي الى احزاب الحركة.
14ـ وهذه النقطة الاخيرة نعتبرها من الاهمية بحيث اذا استطعنا تحقيقها فأننا نقترب من هدفنا بسرعة وهي محاولة اقناع تركيا باثارة مشكلة الموصل كونها نقطة البداية لقضيتنا ومحاولة افهام تركيا وخاصة بعد المشاكل التي تعانيها من تواجد القوات الكردية على الحدود معها ومطامح الاكراد التوسعية داخل تركيا بأننا أامن شعب يمكن الاعتماد عليه في تشكيل حزام امني لتركيا لان مطامعنا التاريخية تنحصر داخل الاراضي العراقية وفي الاخر فانها منفعة متبادلة لكلا الطرفين، وان كان ممكنا ان تثير تركيا المشكلة من حيث وجهة النظر التي اعطيت فيها الموصل للعراق على اساسها وهذا ما يقلق الحكومة العراقية جدا وخاصة اذا اثيرت الان في زمن الحرب.
وفي الختام نأمل بان تكون مقترحاتنا هذه واقعية وان كان بودنا الخوض في التفاصيل اكثر ضروريا لتفسير وجهة نظرنا للأمور ولكن باعتقادنا ليست هذه الامور بخافية عليكم وان كانت صراعاتكم قد اخذت مساحة شاسعة من اهتمامكم ولكن صراعاتكم هذه فيما بينكم تزيد من الامنا اضعافا لاننا نأمل فيكم قوة لا يستهان بها تستطيع ان تعمل الكثير ان ارادت ذلك وبامكانكم ان تحذو حذونا ونحن في بلد الظلم والعنصرية قد تجاوزنا كل الصعاب المذهبية والعشائرية ضمن امكاناتنا المحدودة جدا نسبة اليكم وبدأنا بمقارعة العنصرية بالسلاح في شمال قطرنا الحبيب ولا يهمنا الان شيء سوى ان تستطيعوا ان ترصوا وتوحدوا صفوفكم بوجه الحمى العنصرية الشرسة وتأخذوا من التضحية الفريدة من نوعها في تاريخنا الحديث باعدام شبابنا الثلاثة درسا يعلمنا معنى الحياة ومعنى الايمان الصلب بالقومية وقدسيتها ولتجهدوا انفسكم قليلا وتسألوا الى اي مذهب وعشيرة مختلفة كانوا هؤلاء المناضلين الثلاثة ينتمون..
لتعلموا كم صغيرة هي هذه الاشياء التي زرعها وغرسها في ادمغتنا اعداء القومية الاشورية اذا كان الايمان والاخلاص والتفاني اساس المبدأ وليكن الدم الزكي لهؤلاء الشهداء قربانا نجدد من خلاله العهد على المضي قدما في سبيل تحقيق اهدافنا وماءا مقدسا نعمد انفسنا من جديد كآشوريين بعد ان نسينا اشوريتنا وشغلتنا عنها خلافات باهتة سخيفة.. وليكن الله في عونكم في ان تجدوا حلا قوميا لما انتم فيه يرضي ضمير الامة الحي ويرضيكم والله يوفقكم.
ودمتم للنضال
الشباب الاشوري المقاتل في شمال الوطن العزيز ضد العنصرية والتخلف / تشرين الثاني / 1985
الكفاح المسلح3….سفرة ايران المؤلمة
في ربيع 1985 التحق الاخ عمانوئيل يوخنا الاخ الغير الشقيق لنيسان يوخنا، كنت امل منه الكثير فهو قريب لنيسان وقريب لنا من ناحية الاخرى من النواحي التنظيمية وعلى الاقل بعض الافكار القومية، لانه اساسا كان عضوا في الحزب الوطني الاشوري، لا بل انا وهو كنا في فترة ضمن خلية واحدة.
وفي تلك الفترة فاتحني السيد كوركيس خوشابا، بانه يمكن ان يقود انشقاق في الحركة ، اذا ضمن اننا سنتحد مع المنشقين، كان وضع التجمع غير سليم، ولم نكن نعلم قابليته على الاستمرار، ولكن كون مثل هذا الطرح يطرح، يعني ان الحركة ايضا قابلة للخرق بسهولة، وليس بمقدوري الرفض مقدما، لان علي ان احفظ خط رجعة، فقد يكون مثل هذا الطرح مطروح للاخرين ايضا، وبعد التشاور مع الاخ اشور (جورج) اتفقنا على رفض الطرح لان نتائجه لا تخدم العمل القومي، وخصوصا ان وصع التجمع غير سليم، ، ولذا فقد طلبت اجتماعا للقيادة وكان هناك كل من شموئيل،وتيدي وطرحت ما طرحه السيد كوركيس خوشابا، ولكنني اعقبت بانني اعتقد ان مثل هذا الطرح غير سليم ولا يخدم لاعتبارات عديدة اولها ان وضع التجمع ومستقبله في ظل غياب نيسان غير مضمون، فعلينا ان لا نعمل لتفتيت الحركة ايضا، وهكذا اتفق الجميع معي وابلغت السيد كوركيس بقرارانا.
فجاءة في شهر ايار وصلتنا برقية من ايران، تقول بان على التالية اسماءهم الحضور الى ايران لعقد لقاءات مشتركة، وكان الاسماء هي انا، وعمانوئيل يوخنا، وبيوس عوديشو (ابو دقلت)، وكوركيس خوشابا العضو المجمد في قيادة التجمع، وعزيز (شموئيل يونان) وكلدو (الياس بيت شموئيل)، لا اعرف كيف تم تنسيق هذه الاسماء، وخصوصا بالنسبة لعزيز وكلدو، فعزيز لم يكن في التجمع وكذلك كلدو، ولكن الظاهر ان نيسان يعتبر كل من سار معه فترة او ناقش او حضر ندوة يعتبره عضوا، مما اوقعنا وخصوصا انا في مطبات مرارا، اما بالنسبة للاخ كلدو (الياس بيت شموئيل) فقد علمت ان المطرب المعروف شليمون بيت شموئيل، اخ كلدو قد اخبر نيسان بالتحاق اخيه بالتجمع، اي انه لم يعلم التطورات اللاحقة، ولذا فنيسان اعتبره ضمن التجمع. كان الاخ الشهيد ايشو بودغ قد التحق وقد اوصاه الاخ نمرود بيتو بالالتحاق بنا، الا انه في تواجده في موسكا تم تغيير قناعته، باعتبار انه سيخدم قضية الوحدة اكثر. وهكذا التحق بالحركة، وعندما علمت استدعيته وسألته فقال انني اعتقد انني سافيدكم وسافيد الوحدة هناك اكثر. لم اعترض على خياره لانني اعتبرته خيار شخصي.
المهم واجهتنا في البداية صعوبة اقناع السيد كوركيس خوشابا، للسفر معنا الى ايران، فشخصيا كنت، ارغب في تنويع القيادة وعدم تركها بيد اشخاص ليس واضحا ميولهم ودوافعهم، وبالاخص ما سمعته خلال هذه الاشهر من بقائي في التجمع. فبناء التجمع الهيكلي حسب النظام الداخلي يسمح بتعدد التنظيمات ، كما يسمح بانتماء الافراد، ولكن الحقيقة ليس هناك تنظيم معلن مرتبط بالتجمع، فانا وجورج رغم انتماءنا الى الحزب الوطني الا ان التحاقنا اعتبرناه فرديا. المهم تمكنت من اقناع السيد كوركيس بالذهاب معنا بعد ان وعدته ان اي محاولة لمسه ستكون مقابل استقالتي، حقيقة انه كان غير واثق من نيسان ومن تصرفاته، وكان يعتقد ان الدعوة هي نوع من كمين له، وخصوصا ان له سوابق من نيسان ومحاولة نيسان العمل لمعاقبته، باي وسيلة.
استقر الوضع على ان نسافر كلنا سوية وهكذا سافرنا انا وعمانوئيل يوخنا وكوركيس خوشابا وعزيز و بيوس عوديشو ومعنا مرافقان اثنان وهما فيليب ابن اخت نيسان وجوني. بعد مسيرة عدة ايام وصلنا الى ايران، تركاور ومركاور امامنا واول سهل التقيناه، هذا التاريخ الذي اطلعنا عليه امام الاعين نلمسه، ودخلنا الى زيوا في ايران. كان وضع التجمع المالي سئ جدا، فخلال السنة الماضية تمكنا من تسيير امور التجمع من خلال حوالي الف دولار مرسلة من قبل نيسان من تبرعات اشوري ايران، وبعض التبرعات التي تقدم بها بعض ضيوفنا طوعا، في الذهاب الى ايران. كان كل منا معتمد على نفسه، وكان لا يزال لدي مبلغا من المال وهو الذي استعملته في ايران لكافة مصروفاتي وخصوصا بعد تركنا زيوا، واذكر ان نيسان قام بدفع مبلغا ماليا لابن اخته المقاتل معنا، فعز علي ترك المقاتل الاخر فدفعت له، فجاء نيسان وحاسبني باي حق تدفع للمقاتل مبلغا دون ابلاغنا، فسألته عن ما دفعه لابن اخته، فقال انه من جيبه فاجبته وانا ايضا من جيبي دفعت له. وخلال الفترة الطويلة التي قضيناها في ايران والتي تجاوزت الثلاثة اشهر، تمكنا من تدبير امورنا من خلال قضاء الكثير من احتياجتنا بنزولنا ضيوفا على بيوت بعض اعضاء التجمع مثل بيت المرحوم عم زيا واخوته اوالاخ جنان في اورمي وغيرهم.
كان الوضع في ايران مشابه لما وجدته حين التحقت بالتجمع، فخلافات التجمع والحركة على كل لسان، لا بل هي محور الحديث، بين العوائل الاشورية. كان الوضع غير سليم وغير قابل للهظم، فما كان يجري من الحوارات داخل التنظيمين تجده في اليوم نفسه على السنة الناس. ولاننا كنا وفدا ولانه كان من الواضح اننا سنبقى مدة غير قليلة ، كان علينا ان نؤمن ارازاقنا ومنامنا، فالايام الاولى قضيناها ضيوفا لدى من سبقنا من عوائل الاخوة هناك، وفي يوم المخصص لاستلام الارزاق الذي وعدنا به الحزب الديمقراطي الكوردستاني، حدث قصف وحشي على المنطقة التي كنا فيها، اتذكر انني واحد المقاتلين كنا في مركز الحزب الديمقراطي الكوردستاني، على الشارع العام في زيوة ،حينما بداء هجوم الطائرات العراقية، والواضح ان المقاومات الايرانية التي كانت على التلال المحيطة لم تفعل اي شئ، فالطائرات كانت تقصف بكل راحتها، وقام المقاتل الذي كان معي بسحب اقسام بندقيته الكلاشنكوف لكي يرمي بها الطائرة فمنعته، لان الامر كان يعني انتحارا مؤكدا، بعد انتهاء القصف خرجنا فاذا القصف اودى بحيات العشرات من الاطفال الذين كانوا في المدرسةالقريبة منا، وكانت الاشلاء تجمع بالايدي لكي يقومون بدفنها. كانت عملية اجرامية تضاف لجرائم النظام الصدامي المتتالية، واظهرت العملية مدى حرية سلاح الجو العراقي في الاجواء الايرانية، كما اظهرت مدى ضعف المقاومة الايرانية، وضعف الباسدران الذي كلف بحماية هذه المناطق (كان الاخ جوني وهو مقاتل في التجمع يقول انه لن يحتاج الا لعصا (سريوقي) لكي يكنسها). بعد القصف هاجر الكثيرين زيوا، وبقينا نحن عدة ايام الا ان وجودنا لم يعد ينفع. في تلك الفترة التقينا السيد مسعود البارازاني لتقديم التعازي، لم يحدث اي حوار ذي معنى، لان الوضع حقا كان محزنا واليما. وقام التجمع باصدرا بيان بهذه المناسبة، وكان البيان سبب التعارف بيني وبين المرحوم فرنسو الحريري وسبب الخلاف بيننا ايضا، حيث اعترض على بعض الفقرات التي فيه، ودافعت انا عن نص البيان، باعتباره صادر عن جهة اشورية. مع تقدير الكبير لشخص المرحوم فرنسوا الحريري، والدعايات الكثيرة التي احيطت حول دعمه للتجمع، شخصيا لم التمس اي دعم ملموس منه للتجمع. بعكس الدعم المقدم من الاستاذ سركيس اغاجان للحركة الذي شمل الدعم السياسي والمادي.
لم تحدث محادثات مباشرة بين التجمع الديمقراطي الاشوري والحركة الديمقراطية الاشورية، فاول لقاء لي مع السيد كنا في ايران، كان لقاء تضمن عتابا مريرا عندما قلت له، ان العمل القومي السياسي الذي امنا به، من خلال عملكم هنا جعلتم نفسي تلعب منه، فرد لست انا المسؤل انهم اصدقائك، ولكن من الواضح انهم لم يكونوا اصدقائي، فقد عاني من تصرفات الحركة واتهاماتها الكثيرين ولم نكن الوحيدين في ذلك، اي يمكن ان نقول انها صارت عادة مستأصلة في الحركة اتهام الاخرين كل الاخرين بالعمالة والخيانة. وعندما قلت كيف تقبل بنشر اسماء اعضاء الحركة في الاذاعة قبل محاكمتهم،قال انه لم يفعل لقد قاموا بذلك من ذاتهم. الحقيقة لم تكن في الحالتين كذلك بالطبع.
بعد فترة لم تطل ولعدم قدرتنا على تجاوز الخلافات في التجمع، انسحب عائدا كل من الاخوة عزيز وكوركيس خوشابا وعمانوئيل وبيوس وبمعيتهم المقاتلان المرافقان لنا، حيث قاموا بجلب عوائلهم تباعا الى ايران، بقيت انا من اجل لعل وعسى، حاول نيسان استمالتي من خلال وعدي بان اكون ممثلا للتجمع في ايران او سوريا. وكنت اقول له دائما ان هذه الامور تحسم في المقر، الخلافات بيني وبين نيسان تراكمت لتتحول الى نوع من النفور النفسي، فحقيقة لم اكن احمل اي كره شخصي لشخصه، فهو ككل ابناء شعبنا طيب ولكنه مصر على تجاوز القرارات والتكلم اينما كان. من الامور التي جعلت الشك يتعالى وياخذ مكانه بيني وبين نيسان قوله لاحد المقاتلين انه يعمل من اجل الوحدة مع الحركة لكي يستولي عليها، هذا بالاظافة الى انه صار من الثابت لي انه ليس لنيسان اي اتصال بتنظيمات شعبنا في المهجر، فقد كان له لقاء معها حين قدومه اول الامر، فاعتقد ان هذا يعني دعما له. ولبساطته فان كل ما كان يدور من نقاش وحوار واقتراحات في الاجتماعات التي عقدناها كان يتحدث بها مما اوقعنا في مواقف محرجة. وكانت اغلب دعوات الاجتماعات تاتي عبر نيسان والتي كان يبلغنا بها في فترة قصيرة ودون ان نعرف مضمونها، ومنها دعوة اتتنا من اطلاعات الايرانية (المخابرات او الامن الايراني) فقال لي لدينا اجتماع ولم اعرف مضمون ذلك، ولكن هناك عرفت بانه علي ان اتكلم، وكان المترجم بيننا وبين الاطلاعات احدى العاملات في اذاعة اورمي الاشورية. وانحصرت الاسئلة عن التجمع والعلاقة مع الحركة. واذكر انه تم طرح مقترح علينا لتحويل التجمع الى حزب مسيحي فرفضت رفضا مطلقا، وقلت لن نتمكن من العمل في محيط اسلامي تحت مسمي مسيحي، نحن نفتخر بمسيحيتنا ولكن عملنا هو قومي، وسؤال عن امكانية الوحدة مع الحركة، قلت اننا منفتحين على الامر ونعمل من اجله، وسؤال عن في حالة بقاء ايران في اراض عراقية، قلت له وبصراحة اننا لن نوافق على ذلك وسنعمل بكل قوة بل سنحارب من اجل اخراج اي قوة تحتل جزء من اراضينا، وحول مطالبنا، لم نطلب الكثير لانه حقيقة كان الامر مفاجاة لي فركزت على المعالجة الطبية، والقدرة على السفر من خلال ايران وامور لوجستيكية، فوعدونا خيرا ولحد الان نحن ننتظر الوعد.
كنا انا والاخ كوركيس يلدا ذاهبين الى كنيسة مريم العذراء في اورمي لحضور القداس، حينما سمعت ان الحركة تقيم قداس لاحد شهداءها، وعندما ذهبت علمت ان الشهيد هو الاخ الشهيد ايشو بوداغ الذي استشهد وهو يعبر نهر الحياة، عندما انزلق واصطدم راسه بالصخرة. بعد عودتي بفترة وفي كاني بلافي حضرت والدته وسألتني عن الحادثة فرويت لها ما حدث كما سمعته، وكانت قد سمعت اقاويل عن قتله مع سبق الاصرار والترصد، فنفيت علمي واساسا استنكرت مثل ذلك.
من الامور التي اعجبتني واسعدتني جدا، كان حضورنا للمهرجان الصيفي الذي يقيمه الاشوريين في اورمي وكل مرة في قرية، ويتميز بالمنافسات الرياضية، ولكن الاكثر اثارة لي كان مشاهدة العلم القومي لشعبنا وهو يرفرفر حرا في المهرجان، ولا يزال المهرجان يقام كل سنة.
اول لقاء من اللقاءات الرامية الى توحيد العمل، كان بدعوة من ممثل شعبنا في المجلس الشوري الاسلامي الايراني السيد اتور خنانيشو، ولكن اللقاء الذي تضمن كل النوايا الحسنة، لم يخرج باي نتيجة، وتبعه بعد ذلك لقاء بدعوة من اللجنة المركزية للحزب الديمقراطي الكوردستاني ولكن ايضا خرج بدون نتيجة، واذكر انه في هذا اللقاء طرحت عليهم مسألة ضرورة قبولنا في الجبهة الوطنية الديمقراطية وحينما تعللوا بوحدتنا،قلت اننا في التجمع ليس لنا اي اعتراض لقبول الحركة في الجبهة، حينما لا نجد مخرج لوحدتنا. واللقاء الاخر كان بدعوة شخصية من شعبنا وهو الشهيد سوران، حينما دعانا الى غذاء وكنا انا والسيدكنا والمرحوم نيسان وهو، وايضا كان الاجتماع عبارة عن مجاملات ليس اكثر، الشهيد سوران كان كادرا متقدم في الاتحاد الوطني الكوردستاني تم قتله بعملية غادرة وخيانية وهو من اهل عنكاوا.
في واقعة اخرى، رميت نفسي بنفسي الى السجن دون ان ادرك او بالاحرى دون ان اتخذ احتياطياتي، ففي احد الايام وانا في بيت الاخ جنان، ترك لي يوسف اوشانا من اهالي بليجاني رسالة وهو يقول بانه ذاهب الى المحافظة، ومن خلال الرسالة شعرت بانه خائف، ولذا فلم اترك الامر فذهبت راسا الى المحافظة، ودخلت على احد الموظفين الكبار والمدعو الماصي وبالفارسية والانكليزية شرحت انني ابحث عن قريبي وذكرت اسمه وانه اتى الى هنا، فطلب الموظف مستمسكاتي فلم يكن لي اي مستمسكات، ورغم لقاءاتي ومنها اللقاء مع اطلاعات ايران، فانه امر في الحال لالقاء القبض علي باعتباري متجاوزا غير شرعي للحدود، وبقيت في سجن ثلاثة ليالي وفي اول يوم اتوني بمترجم فشرحت له الوضع وبمن اتصلنا من الحكومة الايرانية، وطلبت منه على الاقل نقلي من هذا المكان الى سجن اخر لحين معرفة الحقيقة ، فتم نقلي الى سجن للسياسيين وكان زميلي فيه احد الاكراد من جريكي فيدائي، وبعد يومين من ذلك اطلق سراحي مع منحي اجازة لمدة عشرة ايام وتوصية ان اردت اكثر فعلي الحضور لتمديدها. طبعا غيابي كان سيثير المشاكل والاقاويل، ولذا فخرجت ودرت على اغلب البيوتات التي اعرفها وشرحت لهم الامر، وعلمت ايضا ان الاخ يوسف اوشانا قد نقل الى اوردكاه خوي (مركز اللاجئين في خوي).
وفي 5 ايلول 1985 تمت دعوتنا كتجمع وحركة من قبل المرحوم رسول مامند سكرتير الحزب الاشتراكي الكوردستاني للقاء يعقد في فندق حافظ، وعليه ذهبت انا ونيسان ممن جانب التجمع وكان هناك على ما اتذكر السيد كنا و اعتقد الدكتور ان لم تخني الذاكرة ووقعنا على اتفاقية تنص على اقامة لجنة مشتركة للعمل على توحيد التنظمين.
بعد توقيع اتفاقية اورمي لم يعد من حاجة للبقاء اكثر ولذا عزمنا على العودة باسرع ما يمكن، ولكن قبل سفرنا بعدة ايام، اتاني نيسان وقال ان دكسن وادسن سياتون معنا، وان ادسن سيكون ممثل التجمع في ايران لان له اقامة ويعرف الفارسية ومتعلم، عارضت عودة المرحوم دكسن لانني كنت قد ابعدته عن التجمع لعدم التزامه بالاوامر ولكنه اصر وان علي ان اسامحة ولن يكرر افعاله كما ان علي ان انسى ذلك، في النهاية وافقت على طلبه، وحتى لو لم اوافق فان اتى من سيعترض؟ وخصوصا اننا ملزمون كمفرزة ان نقبل اي شخص يرمي العودة الى الوطن. ولكن قبل يوم من سفرنا طلب المرحوم زيا نيسان وهو من اقرباء نيسان ووالد عضو قيادة التجمع خزقيا (انكيدو) حضوري عندهم في قزل عاشق، وعندما ذهبت لاودعهم واستفسر عن ما يرغب اطلاعي عليه، اخذني جانبا وقال لي انصحك بعدم الذهاب، انني خائف عليك لانهم ينون بك الشر، قلت له ليس بمقدور ان ابقى،لان خياري الاخر في حالة البقاء كان التسليم للحكومة الايرانية والتسجيل كلاجي، ولذا قلت علي الذهاب وليكن ما يكن.
وهكذا انطلقنا حاملين كنزنا الثمين اتفاقية اورمي الى ارض الوطن. في الطريق كانت المفرزة صامتة فلا حديث ولا ضحك ولا قفشات كما يحدث في مثل هذه الرحلات لكي ينسى الواحد تعب الطريق، كان من الواضح ان نيسان ودكسن وادسن يؤلفون مجموعة واحدة، ونحن الاخرين مجموعة، تم اختيار اخيقر ابن نرسي وهو من اهالي كاني بلافي كدليل للمفرزة، ولا ادري على اي اساس، ولكن المفترض ان يكون هناك من يعرف الطريق افضل من الاخرين، في نهاية نزولنا جبل المسمي كجلا اي الاجرد، لانه كذلك لشدة البرودة فيه، توجد قرية اخذنا من هناك اكلنا والذي كان عبارة قطه من خبز، ولكنني وانا اكل الخبز وجدت ان نيسان قد دبر له ايضا بصل اخضر،كنت اعتقد في تلك اللحظة انه يتمتع بها وحسدته عليها، وتمنيت لو كان لي ايضا بصيلات لكي اكلها مع الخبز، انه لم يكن الا بصلا ولكن كانت له قيمة عندما لا تمتلكه . كانت الطريق قد تغيير نوعا ما، وخصوصا بعد عبور دشتي برازكري وفي المنطقة الفاصلة بين حياة ونهر رويشين. كان علينا ان نعبر الى داخل الحدود التركية لكي نبتعد قدر الامكان عن المواقع العراقية، وهذا كله ليلا، في منطقة ما تاه الدليل، واخطاء الطريق، فبدات التعليقات المسيئة والمثيرة للاعصاب من قبل دكسن عن اخيقر، فقلت عليكم التزام الهدوء وانتظروا لكي نجد الطريق الصحيح، هنا ثارت ثائرة دكسن ورفع البندقية في وجهي وقال من انت لكي تؤمرنا، وبسرعة سحبت الاقسام ورفعت بندقيتي في وجهه وقلت ان كنت رجلا حاول ان تسحب الاقسام، وفي تلك اللحظة ظهر لي معين وهو اكرم سنخيرو اسخريا من قريا عين نوني، ورفع بندقيته وقال من يحاول ان يؤذي نرسي فسارميه، وهنا تدخل نيسان محاولا تهدية الامور، وبعدها سرنا الى المقر، في رحلة دامت 39 ساعة من المسير دون توقف. هنا تذكرت تحذير العم زيا لي، فعرفت انه على الاقل ان دكسن تباهي او هدد بانه سينتقم مني لطردي اياه من التجمع. وان نيسان كعادته لم يهتم للامر فكاد الامر يقع ولكن سرعة ردي وموقف الاخ اكرم حسما القضية بسرعة لكي يدرك الاخرين انهم حتما سيخرجون خاسرين في اي مغامرة. وصلنا في وقت متأخر الى المقرات، فقلت للاخ جورج اين تنام فدلني على مكان نومه ورميت نفسي على الاسفنجة ولم اصحوا الاصباحا اليوم التالي.
مرفق 1 افتتاحية العدد الخامس من جريدة خيروتا
على درب الحرية ( افتتاحية جريدة خيروتا العدد الخامس اوائل شباط 1985 )
منذ ان قامت الدولة العراقية في اعقاب ثورة 1920 الوطنية، والعراق مر بمراحل حكم مختلفة، من الحكم الملكي المسنود من قبل الاستعمار البريطاني والامبريالية الامريكية الى النظام الجمهوري بعد ثورة 14 تموز 1958 التي وان قامت بانجازات هامة على صعيد السياسة الداخلية والخارجية وخصوصا الغاء اتفاق الامن المتبادل مع الولايات المتحدة الامريكية والخروج من حلف بغداد وكتلة الاسترليني وتمتين العلاقة مع الاتحاد السوفياتي والبلدان الاشتراكية واصدارها للقانون رقم 80 لعام 1960 ، الا ان ثورة 14 تموز تعرضت للانتكاسة بسبب معاداتها للديمقراطية ودخلت مرحلة من الردة وخصوصا بعد انقلاب شباط 1963 الفاشي والمسنود من الامبريالية والرجعية المحلية واعقبه في عام 1968 انقلاب استلم على اثره السلطة وبشكل كامل حزب البعث الذي وان رفع في البداية شعارات تقدمية ومعادية للامبريالية الا انه في النهاية قد كشف عن وجهه القبيح بضربه كافة القوى الوطنية واقام دكتاتورية شوفينية. وقد عانى ابناء شعبنا الاشوري جراء هذه السياسة الشوفينية التي اتبعتها النظم المختلفة افضع انواع الاضطهاد، فقد حرم عليه النشر بلغته والتعبير عن ارادته والمشاركة في صياغة سياسة البلد وحرم على الكثيرين التمتع بحق المواطنة وطعنوا بأسمى مشاعر الانسان تجاه وطنه، وتم تشويه تاريخهم ومورست بحقهم سياسة غايتها وضعهم في مفترق الطريق مابين القبول بالتعريب القسري والهرب خارج الوطن، وتدخلت الحكومات في امور دينهم واستغلت ضروف ثورة ايلول من قبل الحكومات وعملاءها لحرق العشرات من القرى الاشورية. ومنذ اعلان قيام الجبهة الوطنية الديمقراطية ( جود) والتي شخصت احد اهم اسباب اسباب عدم الاستقرار في تاريخ العراق الحديث من خلال سيادة الانظمة الدكتاتورية والشوفينية المعادية لتطلعات الطبقات الكادحة وتطلعات القوميات المتعايشة فيه، فرفعت عاليا شعار البديل الديمقراطي، كان لا بد لشعبنا ان يعلن مساندته للجبهة الوطنية الديمقراطية (جود) من خلال طليعته الثورية التجمع الديمقراطي الاشوري، ان اعلان اقامة البديل الديمقراطي يعني حق كافة ابناء الشعب العراقي بمختلف فئاته وقومياته في بناء عراق المستقبل بمؤسساته التشريعية والتنفيذية وسواء على صعيد السياسة الخارجية او الداخلية ومن خلال ممثلي هذه الفئات و القوميات الحقيقين.
واليوم اذ تخطو الجبهة الوطنية الديمقراطية (جود) خطوات واسعة بضمها فصائل ثورية تقدمية جديدة معادية للنظام الدكتاتوري اليها، وتوسيع قاعدتها الجماهيرية، فاننا نتطلع الى اليوم الذي سوف يكتمل ذلك بدخول الممثلين الشرعيين لشعبنا الاشوري الجبهة الوطنية الديمقراطية (جود)، وكشف عملاء السلطة الذين يدعون تمثيل شعبنا الاشوري من اجل مصالحهم الذاتية
مرفق 2 افتتاحية العدد السادس من خيروتا
يصدر هذا العدد من جريدتك اخي الاشوري، جريدة خيروتا، المعبر عن تطلعاتك القومية، مع اطلالة العام الاشوري الجديد، عام 6735 ، فلا يسعنا هنا الا ان تقدم لشعبنا الاشوري ازكى التهاني متمنين لشعبنا الوحدة والتضامن لاجل التخلص من ربقة النظام الفاشي الحاكم في بغداد، وانهاء حربه القذرة ، قادسية العار، والعمل الجاد من اجل اقامة ائتلاف وطني يضم اوسع قطاعات الشعب العراقي وتحقيق هدفنا القومي المشروع في احقاق الحقوق القومية المشروعة لسعبنا الاشوري، وبهذه المناسبة الجليلة لا يسعنا الا ان نؤكد بعض المنطلقات الاساسية للتجمع الديمقراطي الاشوري، لقد قام بقيادة النضال القومي الاشوري في البداية رؤوساء دينيين ورؤوساء العشائر، وبرغم التقدير الذي يكنه شعبنا لبعض من هولاء الرؤساء امثال الشهيد البطل مار بنيامين. الا ان نضالنا القومي تعرض الى الانتكاسة وذلك لكونه ارتبط بمدى بقاء هذا الشخص او ذاك على الوفاق، وفشلت هذه المرحلة مع استشهاد مار بنيامين وتشتت الشعب الاشوري وتضارب مصالح رؤساء العشائر . وكان جراء هذا الانقسام فشل ثورة 1933 التي قام بها شعبنا ضد بريطانيا وعملاوها، ولكون نضال الامة الاشورية، هو نضال قومي انساني تحرري، وهذا ماتقره اكثر الاحزاب والمنظمات الاشورية ولكون الكثير من الاشوريين المهجرين الى خارج العراق واللذين تحدهم رغبة شديدة في العودة الى الوطن، قد اقاموا منظماتهم السياسية لتحقيق ذلك كانت هناك قناعة واسعة بين ابناء شعبنا الاشوري بأن الوصول الى تحقيق اهدافنا القومية المشروعة يتلخص في ما يلي:
1 ـ تشكيل قيادة جماعية لشعبنا وان تكون هذه القيادة ممثلة لاكبر عدد من الاحزاب والمنظمات الاشورية والتي تدعوا صراحة الى نبذ الطائفية والعشائرية.
2 ـ ان تكون هذه القيادة نابعة من الشعب الاشوري وان لا تعمل الا بما يحقق هدفه المشروع، وان تكون مستقلة الارادة والقرار.
3 ـ ان تحقيق الحقوق القومية المشروعة يتطلب النضال من اجل اقامة حكومة ديمقراطية في العراق، منتخبة من الشعب وان يكون الاشوريين ممثلين في كافة المجالس التشريعية والتنفيذية.
4 ـ ان احد اسباب انتكاسة نضالنا القومي هو السياسة البريطانية الاستعمارية المعادية لطموحاته، وعليه فان شعبنا يعادي كل شكل من اشكال الاستعمار
وجراء هذا كله فقد انبثق التجمع الديمقراطي الاشوري وكان انبثاقه في سياق التطور التاريخي للامة الاشورية، وقد جاء قيام الجبهة الوطنية الديمقراطية( جود) عامل محفزا على ذلك، وقد اكد التجمع الديمقراطي الاشوري على المبادئ الاساسة التالية:
1 ـ ان يضم اكبر عدد من الاحزاب والمنظمات الاشورية التقدمية.
2 ـ ان يناضل من اجل احقاق الحقوق القومية المشروعة لشعبنا الاشوري.
3 ـ العمل من اجل وحدة الشعب الاشوري ونبذ الطائفية والعشائرية.
4 ـ التجمع الديمقراطي الاشوري هو المعبر الحقيقي عن طموحات الشعب الاشوري، يرفض اية وصاية ويرفض ان يكون صدى لاي ان كان.
5 ـ العمل على فسح المجال لكل اشوري هاجر خارج الوطن جراء السياسات العنصرية التي اتبعتها ضدهم الحكومات السابقة للعودة الى الوطن
.
6 ـ العمل على اعادة الاشوريين الذين هجروا من قراهم قسرا .
على درب الحرية، افتتاحية جريدة خيروتا العدد السادس نيسان 1985
المرفق 3
افتتاحية العدد السابع من خيروتا
خيروتا العدد السابع حزيران 1985
على درب الحرية
ان شعبنا الاشوري ليس طارئا على هذه الارض، ليس دخيلا كما يكتب وينشر بعض الكتاب العنصريون، ان شعبنا سكن هذه البقعة منذ الاف السنين واقام امبراطوريات ودول استمرت مئات السنين وشارك في بناء الحضارة الانسانية، وبقي شعبنا متواجدا في ارضه وقدم لاجل استمرار بقائه الملايين من الشهداء، ورغم المذابح والتنكيل والمحاربة التي عومل بها شعبنا، فأنه ضل وفيا لمبادئه ولقيمه وتقاليده. ان هذا لا يعني عدم تأثره او تأثيره ببقية الاقوام، ان بقاء شعبنا في هذه البقعة وبرغم المذابح المتكررة لحمله على تغيير عقيدته او لغته لم يكن الا لارتباطه بالارض ولوعيه ان تاريخه ومستقبله مرتبط بهذه الارض. ولكن وبرغم دخولنا القرن العشرين واستقبالنا لسنواته الاخيرة، فلا زالت المحاولات جارية لطمس هوية شعبنا وبشكل صريح.
ان افضع ضربة وجهت الى شعبنا في السنوات الاخيرة هي تهجيره من قراه التي عاش فيها مئات السنين الى المدن التي شعروا فيها بغربة والاهانة والمذلة، مما افقدهم ارتياطهم الصميمي بالارض، فهاجر الالاف وطنهم الاصلي رغما عنهم تاركين اراضيهم وماضيهم لاعنين يوم مولدهم فلا السلام سائد ولا الكرامة مصانة، وكل يوم تخرج السلطات الحاكمة باسلوب جديد لاذلالهم واحباط همتهم، فما فائدة وطن لست فيه مكرم وحر، فهاجر شعبنا وراء وهم الحرية والكرامة. اننا نعي ان لا كرامة لانسان الا في وطنه ولكن اين هي بالنسبة للاشوري؟ ان حبنا لوطننا ليس تصنعا وليس شعارا في ساحة الشعارات وانما حبنا له وليد حبنا لهذه الارض التاريخية المقدسة, ففي كل شبر اقام اجدادنا مدينة او مدرسة او دير او كنيسة وتركوا ذكرى انتصار او مذبحة اقترفت بحقهم، اننا نحب وطننا لأننا ابناء شرعيين لهذه الارض ولكن حبنا لوطننا يجب ان يكون مرتبطا بمدى توفر الكرامة لنا، فلسنا مستعدين ان نستمر في تقديم التضحيات وواجبات المواطنة دون ان يكون لنا فيه أي حق، وحقوق شعبنا واضحة وجلية، فلسنا نطالب بما هو ليس لنا، ولسنا نطالب الا بما هو اقل ما يحق لنا كأمة.
اننا نناضل من اجل التمتع بحقوقنا القومية والمساواة مع بقية افراد الشعب العراقي، ونناضل من اجل الديمقراطية السياسية ومن اجل ان لا تلعب الدولة دور الحامي لفئة او طائفة على حساب القوميات والطوائف الاخرى، فكما نحن مطالبون باداء واجباتنا تجاه الوطن فأنه يحق لنا المشاركة في صياغة سيايته التشريعية والتنفيذية. اننا نعمل من اجل ان نكتب وننشر ونعلم ونتعلم لغتنا القومية، واننا في نضالنا القومي الانساني هذا نرفض أي خيارات مسبقة تفرض علينا وفي أي اتجاه كانت. فلنا حقنا وواقعنا ومبادؤنا وعلى ضوئهم نحدد خيارنا، وهو بلا شك خيار وطني قومي تقدمي انساني، ولا بد ان يكون كذالك.
الكفاح المسلح 4….جريمتا قتل في التجمع
عند وصولنا الى المقرات في العراق، اطلعت اعضاء القيادة على الامور التي جرت في ايران خلال فترة بقاؤنا هناك ، وبعد ان لا حظنا ان نيسان كان في كل موقع يطرح شيئا مخالفا لما وقعنا عليه في اتفاقية اورمي، مثل الادعاء بان الحركة اخيرا اتت الى طريق الصواب، واننا سنتحد لكي نصير حزبا واحدا، صحيح ان الهدف كان كذلك ولكنه كان يجب ان يمر بمراحل وليس كما كان يريد نيسان ان يفهم الناس، كما ان الحركة ماطلت في اللقاء لتطبيق بنود الاتفاق، لذا قمنا انا والاخ جورج بالعمل من اجل اصدار العدد الثامن من جريدة خيروتا للنشر . كانت قيادة الحركة في حالة انقسام حول الاتفاق، وسبب ذلك حسب ما عرفت فيما بعد شعور قيادة الحركة ان ياقو (يونادم كنا) وقع الاتفاق دون مشاركتهم، وبعد نشر العدد الثامن من خيروتا، اضطر الجانبان لتحديد الموعد وتشكيل الوفد المفاوض، ومن جانب التجمع تكون الوفد من شموئيل و جورج وانا، اما من جانب الحركة فقد تألف الوفد من كل من سركون واشور ويوخنا اعضاء قيادة الحركة،حيث كانوا قد جمدوا السكرتير نينوس، اتفقت انا و جورج على عدم معارضة طروحات الحركة، وحتى البيان الصادر بالمناسبة صاغه اعضاء الحركة دون تدخل منا الا في الشكليات، وسبب ذلك اصرار نيسان على الوحدة الفورية، وهذا كنا نؤمن ان الحركة سترفضه، وخصوصا، اذا علمنا اوضاع التجمع المادية، حيث ان نيسان كان قد حسب على التجمع ما يبلغ واحد وعشرون الف دولار امريكي كديون، بالاضافة الى تصريح نيسان الى احد المقاتلين، بأنه يقوم بالاتحاد مع الحركة لتخريبها من الداخل، والذي كنا نؤمن بأنه سيفعله. امر ايجابي حدث او شعرت بانه قائم ان العلاقة الشحصية بيننا انا وجورج وممثلي الحركة كان جيدا وسليما وكان افضل بكثير مما كان بيينا وبين شموئيل العضو الاخر في لجنة الحوار من التجمع والذي كان وكانه في عالم اخر غير عالم النقاشات والحوارات القومية. وبعد صدور البيان المشترك بين التنظيمين، بدأت المماطلات مرة اخرى، وفي هذه الفترة قام نيسان بالاعتداء بالضرب على احد اعضاء اللجنة التحضيرية للتجمع وهو السيد تيدي توما، وسيق الى مقر التجمع كسجين، دون ذنب يذكر، وعندها لم اتمالك الا ان اقدم انا وبعض الرفاق الاستقالة الجماعية، ولشكنا في رد فعل نيسان، قمنا بطبع عدة نسخ من الاستقالة، معنونة الى احزاب اشورية ووطنية، دون ان نوزعها، كحماية لاي رد فعل طائش، وقد طلب نيسان راي الحزب الديمقراطي الكوردستاني لالقاء القبض علينا، الا ان الديمقراطي رفض ذلك ونصحه بالحوار معنا، مما اضطر نيسان الى التصريح بانه لا يسمح له ان يعاقب المسيئين، واضطر للحوار و التسأول عن مطاليبنا، فحددناها في ان يكون الهدف هو الموافقة على اقامة جبهة مع الحركة وليس الاتحاد الفوري، وتوسيع القيادة وعودة المجمدين الى العمل، وعدم المساس باي فرد في التجمع دون قرار من اللجنة التحضيرية، لا بل قلت له حتى ابن اخيك او ابن اختك ليس لك الحق في معاقبته دون العودة الينا في حالة مخالفته لامر ما. واضطر نيسان للقبول بذلك، الا ان الصدف تلعب الدور في الكثير من الامور وبدلا من التباحث حول الوحدة ومتطلباتها وتشكيلاتها مع قيادة الحركة، تأزم الوضع داخل الحركة بحيث كان لابد من ان يسافر وفد قيادي الى ايران للقاء ياقو، وهنا استلمها نيسان فرصة، للدعوة الى سفر وفد من التجمع ايضا الى ايران، ورفضت انا الفكرة، لاننا يمكن ان ننتظر عودة وفد الحركة والاهم ان نقوم بالمفاوضات بوجود القيادتين اي بعد عودة قيادة الحركة كلها مع قيادة التجمع، الا ان نيسان وبعض الموالين له اصروا على رايهم مما ولد مرة اخرى حالة الانقسام في اللجنة التحضيرية، واضطررنا للموافقة على سفر الوفد، لكي لا نتهم بعرقلة العمل الوحدوي، وحدد الموعد بعد العيد. وفي تلك الفترة حضر ادسون الشخص المكلف بتمثيل التجمع في ايران دون سابق معرفة او دعوة لحضوره، وعندما استفسرت منه عن سبب مجيئة قال انه لم يسمع منا اي شئ ولذا فقد حضرة لمعرفة ما يجري. وللتحضير للعيد رغب نيسان الذهاب الى كاني بالاف واسطحب معه ابن اخته وادسن واخ ادسن دكسن، وكانوا قد خططوا للقيام بصيد ومن ثم الذهاب الى كاني بلافي، ولكن بدلا من صيد الخنازير حدثت جريمة قتل جراء الاستعجال والتعب والارهاق. صباح اليوم التالي حضر نيسان الى المقر واتي جورج وايقضني وقال ان نيسان هنا وهو مضطرب جدا، قمت وشاهدت نيسان جالسا في مكان الطبخ وعندما سألته عن ما حدث ولماذا عاد، قال ان فيليب ابن اخته قتل دكسن، اسرعت واخذت معي بعض المقاتلين وذهبت الى موقع الجريمة كما وصفه نيسان، ووجدت القاتل والقتيل واخيه وعندما اجريت تحقيقا اوليا، ادركت ان الامور تسير نحو الطيش والتعب والارهاق، فالقتيل ما كان من المفروض ان يمر من امام المكان الذي جلس فيه القاتل، بل كان يجب ان يقوم باحداث الجلبة لكي يجعل الخنازير تفر وتمر من امام القاتل، وهو سيقوم بالرمي عليها، ولكن الذي حدث عن دكسن القتيل مر من هناك محدثا جلبة وصوت كما يحدث حينما نمر في احراش، ولان الوقت كان في الصباح الباكر حين يتحول الليل تدريجيا الى النهار، ولان القاتل كان مرهقا ونعسانا، فقد رمى ولكنه بعد ان رمى ادرك انه قتل دكسن، عندما صرخ دكسن اي في الوقت الضائع، ولخوفه فانه بقى في مكانه لحين حضور البقية والاستفسار عن ما حدث، فارشدهم الى مكان الرمي وعندما ذهبوا هناك وجدوا جثة دكسن. كان نيسان قد اوصاني باخذ الجثة الى قارو(قرية اشورية في النروة) ودفنها هناك، ولكنني رغبت ان ادفنها في مكان يمكن لاهله ان ارادوا ان يزوروها، كما ان ابقاء اخيه هناك فترة قد يجعله ينسي المه، ولذا اخذتها الى هيس حيث واريناها التراب.
نقلنا الجثة واخ القتيل انا وبعض الاخوة الى قرية هيس، مؤملا بان زيارة الاهل قد تمنح لاخ القتيل الراحة النفسية، لانه كان يتهم نيسان صراحة بأنه وراء القتل، وبعد مواراة الجثة التراب، تركت اخ القتيل في القرية بمعية الاخ جورج طالبا عدم حضوره الى المقر لحين مجئ اهله، وارسلت الى جميع القياديين للحضور الى مقر التجمع، وفي اليوم الرابع تجمعوا وبمعيتهم اخ القتيل، وعند استفساري عن سبب اتيانهم به قالوا انه اصر على ذلك وفي الحال طلبت اجتماع رسمي طالبا وضع القاتل في سجن الحركة ( لانه لم يكن لدينا سجن) ورفض طلبي بل تم الاستهزاء به من قبل البعض، ولكنني اصريت على نزع الاسلحة الا الضروري منها وشكلنا لجنة تحقيقية مولفة من شموئيل وجورج وكيوركيس وانا، وبعد التحقيقات في الحقيقة لم نجد أي قرينة لاتهام نيسان وبالاخص ان القاتل والقتيل محسوبان على نيسان، ولكن اخ القتيل اصر على اتهام نيسان، مما اضطرني الى ان اقول له انك تعرف انا ضد نيسان واساليبه وممارساته، فقط قل لي لماذ تتهمه وما هي الاسباب، فلم يذكر شيئا وقبل غلق التحقيق، ونحن في فترة غذاء، استل اخ القتيل البندقية الوحيدة التي كان مسموحا بها في المقر، بعد سحب الاسلحة، كان احد الاخوة قد تركها جانبا ، وقام بالرمي العشوائي فينا فقتل الاخ عمانوئيل اثنئيل من اهالي قرية دوري والعضو الجديد في التجمع، لقد كان الاخ عمانوئيل ورغم الفترة القصيرة لوجوده، دور في خلق اجواء من الضحك والسرور من خلال نكاته وتعليقاته الجميلة، كنا جالسين انا وهو ونيسان في موقع واحد حينما مرت الطلقة بيني وبين نيسان واصابت هذه الانسان البرئ . واصيب نيسان اصابة طفيفة حينما التف القاتل علينا من الطرف الاخر، وادرك نيسان الامر فقام مسرعا ورمى نفسه على القاتل وهنا اصابته طلقة بشكل طفيف، ولان موقعنا كان على حافة تل فتدحرج ادسن (القاتل) والتم عليه بعض الاخوة المتواجدين ، وحاول اقرباء نيسان ضرب الرامي ولكنني صرخت فيهم طالبا عدم ايذاءه. وفي هذه المعمة من الصراخ قامت مفرزة من الحزب الديمقراطي الكوردستاني باحتلال مقر التجمع، معتقدين ان الخلافات السابقة بين اعضاء التجمع سبب الاطلاقات، وقفت الى جانب الاخ عمانوئيل الذي كان يلفظ انفاسه الاخيرة ، وحين توضحت الامر لاعضاء الحزب الديمقراطي الكوردستاني وارسلنا معهم ادسن كمقبوض عليه تركوا المقر. وحين بدأنا الحوار من سيقوم بنقل الجثة، لم اجد لا نيسان ولا غيره ليأخذ الموقف الشجاع وينقل القتيل الى القرية التي يقيم فيها اخوته، لكي يتم مواراته التراب، وبرغم الجرح الذي كان في قدمي من رحلتي السابقة، اخذت معي الرفيق جورج وكيوركيس خوشابا الذي كان يقيم في نفس القرية التي يسكنها الشهيد عمانوئيل، ولان للقتيل اخوة في الحزب الشيوعي فقد قمنا باعلام الحزب الشيوعي لياخذ الاحتياطات اللازمة. كما ارسلت الى الحركة بالخبر طالبا المساعدة، فلم يخيبوا ضني بل سارعوا للمساعدة، فجاء عضوين قياديين وهما كل من الاخوة سركون ويوخنا ورفيقين اخرين معنا وهما الشهيد بيرس واعتقد الاخ اخيقر ان لم تخني الذاكرة، وفي طريقنا الى القرية وقبل الوصول، طلبت من كيوركيس ان يسبقنا اليها لمعرفة وتهيئة الاجواء مع الشيوعين لكي لا تحدث مذبحة رغم اعلامنا للمقر في زيوا، الا انني وبعد مسيرة مدة معينة وجدته بانتظارنا قرب القرية دون ان يقوم بالمهمة، مما اضطرني لتقدم المسيرة ونقل الجثة الى الكنيسة، وكان الشيوعين قد عرفوا بالقضية من خلال برقية من مقراتهم، فحضروا وطلبوا منا ترك القرية لاتهم قد لا يقدروا على السيطرة على الموقف وبعد الاخذ والرد بيني وبينهم وكان من طرف الشيوعين الصديق زيا (ابو ميسون)، اضطررت لترك القرية الى قرية اخرى،مع كل الذين معي من اعضاء التجمع اي جورج وكوركيس.وبعد فترة التقيت باهل واخوة القتيل ووعدتهم ببذل قصارى جهدي لكشف الحقيقة، لقد المني حقا فقدان الاخ عمانوئيل، فهو ليس فقط قريب لي، ولكنه كان خلال تلك الفترة قد تمكن ان يدخل قلب كل واحد منا.
وعدت الى مقر التجمع وهنا طلبت نقل القضية الى الاحزاب الوطنية لان التجمع فقد مصداقيته في حل المشكلة، وشكلت لجنة تحقيقية بناء لطلب التجمع من التجمع والحزب الديمقراطي الكوردستاني والحزب الشيوعي حيث كان المحقق من جانبهم الرفيق ابوشهاب المرحوم(حكمت حكيم)، ورفض طلبي لادخال الحركة في اللجنة التحقيقية مرة اخرى. وبعد جلسات عدة سلم المحقق الديمقراطي نفسه للسلطات العراقية ونقل المحقق الشيوعي الى منطقة اخرى ولم نخرج بنتائج، وهنا وجدها نيسان فرصة لطرح فكرة السفر الى ايران مرة اخرى، وبعد فشلنا انا وجورج في ثنيه عن الاقدام على هذه الخطوة، اشترطنا ان يسافر لمدة شهر واحد وان لم يعود مع الوفد خلال هذه المدة فأننا سنعتبر مستقيلين، وبعد شهر او اكثر تيقنا من عدم عودة نيسان تركنا المقر انا والاخ جورج، وهذا كان في الشهر السادس من عام 1986 وفي اب عاد احد الاخ وهو بيوس عوديشو من ايران وبعث لي رسالة للحضور ومناقشة الامور والمستجدات وعدت الى المقر ولم أري مستجد جديد غير الوعود الفارغة، وهنا علمت من ياقو ان الحركة تعاني مشاكل داخلية وكان بعض قيادي الحركة قد نقلوا الى الاخ بيوس انهم يودون الانشقاق، وهم كل من اعضاء قيادة الحركة ( سركون واشور ويوخنا) وعندما عرفت ذالك كانوا قد انتقلوا الى مقر الحزب الشيوعي العراقي، واصدروا بيانهم الذي يتنصلون فيه من بيان الحركة الخاص بالاجتماع السنوي. وهنا دخلنا انا والاخ بيوس عوديشو مفاوضات مع الطرفين ومع الحزب الشيوعي العراقي وبالاخص المرحوم توما توماس لحل الاشكال الا ان المنشقين اصروا على انشقاقهم، لعدم ثقتهم بياقو، وبعد جهد اقنعنا المنشقين وياقو ونينوس، بأن يعمل المنشقين بأسم الحركة مع تذيل الاسم بصفة ما واقنعت ياقو باستقدام المنشقين الى مقر التجمع الذي صار بجانب الحركة، وكانت الصفة هي الاتجاه الوطني، اي الحركة الديمقراطية الاشورية _الاتجاه الوطني، لكي تبقي الخلافات الاشورية في البيت الاشوري، وعندما حضروا الى مقر التجمع حاولت اقناعهم بأنني مستقيل من التجمع فعليا وان لم يكن رسميا، وانا ادعوهم لتسلم التجمع وخصوصا بأن المتبقين من قيادي وهم كل من ابو فينوس (كوركيس خوشابا) وابو دقلت (بيوس عوديشو) باعتبار ان نيسان ذهب ولن يعود وشموئيل بحكم المنتهي دون اي تقديم للاستقالة من التجمع، يقاربونهم فكريا حسب الملاحظ، الا انهم رفظوا ذلك. في نهاية ايلول 1986 تركت مقر التجمع نهائيا..
استقر الاخ جورج في هيس وفي تلك الفترة التحقت زوجته الأخت شميران والتي كانت أيضا عضوة في الحزب الوطني الاشورية، بمعية ابنا ايسن وابنتها لارسأ. وانا بقيت اتردد بين هيس وكاني بلافي وان كنت اقضي اغلب الاوقات في كاني بلافي. دائما يظهر معدن الانسان في حالة حرجة، وليس في حالة ان يكون محاط باقرباءه وناسه. ولهذا فان بعض الناس حينما رأوا باننا لم نعد مرتبطين باي اتجاه سياسي او تنظيمي في المنطقة استغلوا غيابنا واستولوا على بعض ممتلكاتنا وحينما عدنا وطالبناهم بذلك رفضوا، صحيح ان هذه الممتلكات لم تكن ذا قيمة عالية الا ان الموقف هو الذي يظهر كم ان بعض الناس قيمتهم ضحلة جدا.
في جولة قام بها اعضاء الحركة وكان يقودهم الدكتور هرمز، وفي قرية موسكا، قام الدكتور او اعضاء المفرزة بالاعتداء على الاخ ادد من المنشقين واخذ بندقيته منه، وهذا كان خارج التفاهمات التي قمنا بها، اي ان يحتفظ كل فريق بما لديه من الاسلحة وان يدع كل فريق الاخر ليعمل بحرية. وكان هذا من المواقف الغير المنطقية، بل يمكن القول خطاء لا يغتفر، لانه اوقع الحركة في حرج كبير وانتقاص من المكانة، فمن الطبيعي والحال هذا ان يلجاء المعتدى عليه الى سلطة ما لكي ياخذ حقه، ولذا لجاء الاخوة الى الحزب الديمقراطي الكوردستاني شارحين الموقف، فما كان من الحزب الديمقراطي الا ان ارسل مقاتلا واحدا الى مقر الحركة واخذ البندقية منهم واعادها الى الاخ ادد. انها نتيجة يمكن ان يعلم بها اي شخص، لا اعرف كيف مارستها الحركة وعندما التقيت نينوس انتقدته بشدة على هذه الممارسة وقلت له كم كلفكم كل ذلك، من موقف ومكانة. في حين ان الاخوة المنشقين حينما كان الموقف بيدهم وحكوا لي انهم قد جردوا نينوس من صلاحياتهم، طلبت منهم عدم ايقاع اي اذي به، فوعدوني بذلك ووفوا بوعودهم ولم يتعرض اي شخص من مخالفيهم لاي اعتداء حينما كانوا مسيطرين على المقر.
وفي صيف 1987 اختمرت فكرة قيام الاتحاد الاشوري الديمقراطي بين التجمع والحركة الديمقراطية الاشورية ـ الاتجاه الوطني ولقد عرض علينا ( الاخ جورج وانا ) الدخول الى الاتحاد كطرف ثالث ولكننا رفضنا، لاننا رأينا ان مؤسسي الاتحاد يجمعهم خيط واحد فقط وهو عدائهم لياقو والذي امنا انه ليس جامع صالح للعمل القومي، كما رأينا ان الاتحاد والحركة قد يقعون في خلافات ونحن كمستقلين اقدر على حل خلافاتهم، بالاظافة الى ان الاوضاع العامة كانت تتجه نحو السؤ يوما بعد الاخر.
كنت في قرية هيس عند الاخ جورج عندما دخلت خلتي خاوا وحفيدها نيسان عندنا (وهي امراءة عشت عندها فترة وكان بيتها مفتوحا للكثير من الهاربين من الحكومة ووالدة المرحوم ملكو والاخ عوديشو) ، تعجبت من هذا الدخول الغير المنتظر، فمعلوم لدي ان خلتي خاوا والتي كانت تناديني باسم اخي دائما، انها تنزل الى بغداد لزيارة ابناءها او للمعالجة ولكن ان تأتي الى هيس فامر غريب حقا، وعندما سألتها عن سبب قدومها، ذكرت ان الحزب الديمقراطي الكوردستاني_ لجنة محلية العمادية قد انذرتها بالاستيلاء على بيتها، وفي الصباح اليوم التالي تحركت معهم الى المقرات وعند وصولنا طلبت مقابلة مسؤول الفرع وكان حينذاك السيد نجيرفان (ليس نجيرفان البارازاني) ونحن هناك فاذا المرحوم توما توماس يخرج من عندهم وعندما استفسر مني عن سبب حضورنا ذكرت له سبب حضورنا فقال لا اعتقد انكم ستنالون ما تريدون. المهم دخلنا على مسؤول الفرع وعند استفساره عن حاجتنا، قلت له انني هنا لكي اطلب ان تخصصوا بيتا لخالتي خاوا، وعند استفساره عن السبب وهي تمتلك بيتها الخاص، قلت لقد استولت لجنة العمادية على بيتها، بحجة ان ابناءها في بغداد، والحقيقة ان الرجل وفي الحال كتب كتابا الى اللجنة المحلية امرا بعدم المس ببيتها واعادته لها. لقد كان بيت خلتي خاوا مفتوحا للكل ليس للهاربين بل ايضا للمفارز الكوردية والشيوعية والاشورية دون اي تفرقة، لقد كانت المرحومة خلتي خاوا تعشق ارضها وتقول دائما لقد ترك لي زوجي هذه الارض لكي اتركها لاولادي ولذا كانت تحارب بكل قدرتها للحفاظ على ارضها.
كنت اعتقد ان سنة 1987 مرت علي على الاقل بسلام رغم كل الاحداث التي صادفتها، ومنها ابتداء القصف الحكومي العشوائي على القرى وقيام المروحيات العراقية باصطياد الناس المتنقلون في المنطقة وخصوصا المناطق القريبة من الخط الفاصل بين المناطق المحررة ومناطق التي تحت سيطرة الحكومة. او هكذا منيت النفس، رغم اشارات لم افهمها في ذلك الحين، وهي تساؤل الكثيرين عن قدوم اهلي لزيارتي او قول المرحومة بفرو (قتلت هي وابناءها في الانفال) بانها زارت اهلي، وهي لم تعتاد ان تفعل. ولكن في الشتاء القارص لعام 1988 قدمت والدتي لزيارتي من خلال الذهاب الى قرية جديدي وعبو النهر الى باز حيث تعرضت للسقوط في النهر، وعندما وصلت الى دار المرحوم كليانا والاخت الس في كاني بلافي، صعقت او بالاحرى اصابني نوع من الشلل او الانفصال من الواقع، فاول مرة اشاهد والدتي مكللة بالسواد، علما ان عادتنا في البيت اننا لم نكن نلبس السواد حتى في اقسى حالات الحزن، في الذهول الذي اصابني حاولت ان اخمن ماذا حدث، لم اتمكن، لقد اشار احدهم لي عن ماذا حدث فقد اشرت الى والدتي التي اتتني بالاسودـ فبررت في البداية بمقتل احد اقرباءنا في الحرب، ولكنها رويدا رويدا كشفت عن الضربة التي تلقيتها، وهي ان والدي قد فارق الحياة، وهم لا يدرون اي سبب ، فقد اوتي به الى الكنيسة ولم يشاهده الا عمي وكان الدم يغطيه. كل الناس تموت، ادرك ذلك، ولكنني شعرت بالحزن والمهانة والاذلال العميق، فهذا الوالد الذي يمتلئ قلبه بالحنان والمحبة والطيبة، وهذا يشهد به كل من عرفه، والذي كنت اعتمد عليه واعتبره سندي الابدي في تحقيق احلامي، رحل وانا بعيد عنه، صحيح انه ما كان بمقدوري مساعدته، ولكن على الاقل كان بمقدوري ان اتلقى عزاءه كاي ابن. لقد ترك رحيل والدي في قلبي جرحا لا اعتقد انه سيندمل، لا بل لقد طبع حياتي بحزن ابدي يتخلل في ثنايا روحي.
بدأت السنة حزينة ولكنها لم تبقى كذلك فقط بل حولت المنطقة الى اتون من النار المستمرة، ففي الربيع سمعنا كلنا عن ضرب حلبجة بالكيمياوي، وصار مؤكد ان دورنا اتي بلا شك، تمكنت قوات المعارضة من تحرير عين نوني (كاني ماسي) ولكن سرعان ما اعادتها القوات الحكومية، وليبداء القصف العشوائي اليومي لكل القرى وخصوصا بالمدفع المسمي النمساوي، لقد كانوا يقصفون المقرات احيانا ولكن القصف الان صار يومي وفي القرى، وصارت الناس تخرج من بيوتها مع انبلاج خيوط الفجر وتذهب الى الجبال، قمنا انا والاخ جورج في هيس بترتيب مكان كنا نسميه وكر الدببه لكي نقيم فيه من الصباح الى العصر حين نعود الى قرية هيس في بيت الاخ صبري الذي كان الاخ جورج ينزل فيه، لقد كانت الأخت شميران زوجة الأخ جورج تقوم بتحضير كل احتياجاتنا من الماكل لليوم التالي حيث كنا نحملها مع الأطفال لنصل الى المكان الذي قمنا بترتيبه لكي يحمينا من القصف.
كنت لا ازال متنقلا بين كاني بلافي وهيس، وحينما التقيت السيد يونادم كنا في كاني بلاف، قال لي في حديث جانبي ان اتى نمرود (نمرود بيتو) الان فاننا سنقبل ان يكون عضو قيادة الحركة وانك ستكون عضوا قياديا مرشحا، فقلت له لو اتى نمرود الان الا تعتقد باننا سنجعله يكون ضمن قائمة الهاربين الى ايران كما نحن مرشحين لذلك؟، كان ذلك ونحن واقفان نتحدث بيننا بجانب دار المرحوم الشماس سادة في كاني بلاف.
بعد استعادة القوات العراقية للفاو في منتصف نيسان 1988 صار واضحا ان دورنا اتي بلا شك، لا بل ان التهديدات الحكومية ونوعية القصف المركز والتمكن من استعادة مناطق من المعارضة، كانت تنبئ بذلك، وصار الناس تتحدث عن مصيرها ومصير عوائلها. بتنا نعرف بان النهاية معلومة، اردت البقاء لاخر لحظة، كنت اعتقد بانني ساتمكن من الهرب في اي لحظة، ولكن اصرار الاخ جورج وزوجته شميران اضطرني لمرافقتهم في رحلة ايران الثانية. وهكذا اتفقنا مع الاخوة سركون ويوخنا واشور على ان نغادر سوية الى ايران، وكانت غايتي ان اذهب واعود. وفي منتصف شهر تموز تحركنا نحو ايران في الطريق المعتاد، ولكن بعد عبورنا نهر الروشين حصرنا نحن ومجموعة كبيرة من الهاربين ومنهم قيادات احزاب اخرى وكان معنا هناك بعض الاخوة من قيادات الحركة كالسيد يونادم كنا، ومسؤول حزب زحمت كيشان الاستاذ قادر وهكذا بقينا حوالي خمسة عشر يوما في وضع محرج فتركيا لم تسمح لنا بالعبور عبر اراضيها والقوات العراقية قاطعة الطريق امامنا. وكان معيننا في ذلك ان الحكومة الايرانية من خلال الباسداران قامت بتوفير الخبز للجميع حتى تمكن الحزب الديمقراطي الكوردستاني من اقناع الحكوة التركية لفسح المجال لنا للذهاب الى ايران من خلال اراضيها، تم فتح الطريق، بشرط تسليم اسلحتنا الفردية، وهكذا كان والتي اعيدت لنا حين دخولنا مرة اخرى الاراضي الايرانية .
في نهاية تموز حاولت كل العوائل الهرب باي اتجاه، واغلب ابناء شعبنا وعوائله اتجهوا نحو تركيا، لانها كانت الاقرب، وبعضها صدق الوعود الحكومية وسلم نفسه، وكانت نتيجته معروفة وهي قائمة من القتلى والمفقودين لحد الان سموا بضحايا الانفال.
ملحق 1
خيروتا العدد الثامن تشرين الثاني
1985
على درب الحريـــــــــــــة
مع بداية القرن العشرين، كان النشاط القومي متبلورا من خلال النشاط الثقافي او من خلال فعاليات القيادة الاشورية التي كانت متمثلة حينذاك برؤساء العشائر ورئيس الكنيسة الشرقية الاشورية، وبرغم من قصور هذه القيادة عن استيعاب كافة ابناء شعبنا الاشوري والمرتبطون بمذاهب دينية اخرى على وجه الخصوص، الا انه كان هناك شبه اجماع فيها وكانت بقيادة شهيد الامة الاشورية مار بنيامين شمعون، وقد تمكنت هذه القيادة من اتخاذ مواقف قومية واضحة من خلال وقوفها ضد السلطة العثمانية الرجعية، وقد كان موقفها هذا بناء على الوعود التي اعطيت للشعوب المستعمرة من قبل السلطات العثمانية، كالاكراد والعرب والارمن والاشوريين، الا ان خيانة بريطانياوالدول الكبرى واشتراك بريطانيا في تدبير مقتل مار بنيامين شمعون، كانت الضربة القاصمة لطموحات شعبنا الاشوري وقد تمكنت بريطانيا من خلق انقسامات في القيادة الاشورية بواسطة التهديد والترغيب.ان هذا الانقسام كان احد اسباب انتكاسة ثورة الشعب الاشوري في عام 1933 ، وجراء هذه الانتكاسة ارتفع شعار الوحدة الاشورية وقد كان في حينها موجها لرؤساء العشائر الاشورية والكنائس الاشورية، ومع ازدياد الوعي القومي الاشوري جراء التجارب التي مر بها نضال امتنا وظهور تيارات سياسية تنادي بالعمل القومي الموحد على اساس فكر قومي يلغي العشائرية والطائفية، فقد ظهرت احزاب اشورية قومية في المهجر، كما تطور الوعي القومي الاشوري في العراق وارتبط هذا الوعي بالعمل الوطني، وكان وليد هذا الوعي تكون التجمع الديمقراطي الاشوري والحركة الديمقراطية الاشورية على ساحة الكفاح المسلح رافعة شعارا وطنيا هو اسقاط النظام الحاكم، والديمقراطية للعراق. واذا كان شعار الوحدة الاشورية لازال قائما، فأنما يعني وحدة التنظيمات الاشورية سواء منها الموجودة في الساحة النضالية في العراق او في المهجر، ولوعينا بضرورة الوحدة والمطالبة الجماهيرية بها، فقد انعقدت اجتمعاعات بين التجمع والحركة تمخض عنها اتفاقا موقعا بين الطرفين في 5 \ 9 \ 1985 وبموجبه يعمل الطرفان على توحيد نضالهما بعمل قومي موحد وبنظام داخلي واحد، واننا اذ نخطو هذه الخطوة القومية، انما نعبر عن وعينا لاهمية العمل الموحد في اضافة زخما نضاليا اخر للحركة الوطنية، كما ان الوحدة سوف تقرب العمل القومي الاشوري من تحقيق اهدافنا القومية المشروعة. واننا بهذه المناسبة ندعوا كافة الاحزاب الاشورية الى توحيد صفوفها وامكاناتها للعمل من اجل تحقيق اهدافنا وفضح النظام الشوفيني القائم في بغدادودعم نضالنا الوطني، كما اننا ندعوا ابناء شعبنا الاشوري لحسم موقفهم المتردد وضم جهودهم الخيرة الى جهود كافة الخيرين من ابناء وطننا من اجل الاسراع في اسقاط النظام الفاشي العفلقي .
الكفاح المسلح 5 ….دروس وعبر
لو بقينا في اطار اللي يجيب نقش عوافي، وهو قول عراقي دارج، فاننا لسنا بحاجة لسرد التاريخ ولا لكتابته ولا لتحليله او الاتعاض به. ولان القول اعلاه يشجع اللصوصية وكل ماهو مخالف للقانون ويمنحه شرعية اجتماعية، فان انتظار تقدم اجتماعي وسياسي وحقوقي يعتبر امر محالا.
قد يسمع البعض عن الكفاح المسلح، ويقوم بوضع تصورات ويسير به الخيال نحو وضع سنياريو مفعم بالبطولات ومحاولات اقتحام حصن العدو الصدامي، او عمليات بطولية في عمق القوات الحكومية او انتشار ما خلف خطوط هذا العدو. بالطبع البعض متعمدا يحاول وضع صور رومانسية عن ما كان يحدث في ما اسميناه الكفاح المسلح. والذي يعتبر البعض ان من شارك فيه هو البطل لا بل ان البعض يعتبر كل من لم يدعوا من البدء اليه يعتبر خائن وان شارك فيه بعد شهر او سنة. واخرين يعتبرون الكفاح المسلح ماركة مسجلة باسم طرف واحد فقط، دون ان يقدموا تبريرا اخلاقيا او مقنعا لذلك. ففي الكفاح المسلح الذي لم يحدث، بل حينما تم اقتراح القيام بالعمليات العسكرية رفضته قيادة الحركة الديمقراطية الاشورية المؤقتة، يتم اليوم بيع تلك المرحلة وكانها انجازات وبطولات وتضحيات، واذا كنا لا ننكر تضحية الناس من خلال قبولها العيش في اوضاع اقل ما يقال انها كانت بائسة من كل النواحي، الا ان البطولات تبقى عملية تسويق اكاذيب ليس الا.
نعم لقد عشنا اياما واشهر دون ان نعرف طعم اللحم او السكر او احيانا الشاي، بل ان ملابسنا كنا نغسلها وننتظر لكي تنشف ونعود للبسها، نعم عانينا الفقر والعوز وكل ذلك لاجل تحقيق شئ ما لاجل امتنا، ولكننا بالتاكيد كلنا كنا في خندق واحد. واذا كان البعض يتهم الاخرين بانهم كانوا او اتوا من اجل عرقلة عملهم، فليقدموا ولو دليل ان هذا الامر حدث، وان كان البعض قد يمتلك مثل هذه النية، ليس بسبب قوة عملهم واتساعه، بل جراء المنافسة الطبيعية ليس الا. واذا لم يتمكنوا من ايجاد ولو موقف واحد ادى الى عرقلة عملهم، فهل بامكانهم اعلامنا عن سبب عدم تطور هذه العمل وانحصاره في اطار ما بين عشرون وثلاثون شخصا؟ رغم الالاف من الهاربين من اتون الحرب ورغم القاء القبض على عدد من الاعضاء واعدمام البعض الاخر؟ نعم كنا كلنا في خندق الحالمين ولم نكن في خندق الفاعلين، فاليس الكذب على الشعب طريق الخاسرين او الطريق المؤدي الى الخسارة والضياع؟
والمؤسف ان من يتغني بالكفاح المسلح لم يقدم انجازا واحدا، ليس عسكريا بل فكريا، وهذا المجال كان متاح بحكم حرية الراي والنشر بغير قيود تقريبا وخصوصا لجهة تطوير المطالب القومية واخراجها من العمومية الشعارتية الى خطط وبرامج واوليات. واذا كانت خيروتا قد خطت خطوات في هذا المجال فان بهرا بقت اسيرة الشعارات ليس الا. والتطور الحقيقي التالي لم يحدث الا مع طرح شعار الحكم الذاتي من قبل السيد سركيس اغاجان، والذي حالو البعض وبكل قوتهم اجهاضه.
قد يتسأل البعض وما تريد من هذه السلسة اليست عملية هدم لانستفاد منها؟، والجواب هو في واقعنا العراقي قبل الاشوري، يا ترى لو كان نضال شعبنا من خلال احزابه اتسم بالمصادقية، وقول الحقيقة ونقد الخطاب الايديولجي المانح لصفات الوطنية والقومية وحتى الايمانية لفئة ونزعها عن الفئات الاخرى، هل كان سيكون واقعنا بالمأساوية التي نعيشها؟ اذا الخطاب النقدي ليس للهدم كما بين وقال البعض، بل هو عملية تفكيك، للمروج والمزور لوضع الحقائق والبناء عليها. فاذا كنا مثلا لم نشارك في الكفاح المسلح بصورته الحقيقية وبما يتطلبه من المشاركة الفعالية في كل ما يحرر الارض او يؤذي العدو، فما هي الغاية اذا من ترويج خطاب كاذب عن هذه المشاركة وبشكل يدغدغ خيالات الفئة البسيطة والمسحوقة والواقعة تحت الضغوط، اليس اقناعها بقبول واقعها وانتظار الفرج من من لم يقدم حلا لمشكلة يوما ما؟
بين ان تخاطب الفكر والانسان الثقف والذي يحلل الامور لكي يصل الى استنتاجات صحيحة ويدعم الخطوات الحقيقة القابلة للتحقيق ولخدمة تطلعه الانساني المشروع، وبين الخطاب المروج لكسب الانتخابات في شرقنا بون شاسع. وفي الغالب كان الرابح فيه هو السياسي الشعبوي الذي يدغدغ مشاعر واحاسيس الناس وان كان لا يقدم على خطوات حقيقية لحل مشاكلهم وبناء مستقبلهم. ان هدم الهوة بين المثقفين والعامة ليس بنزول المثقفين وخطابهم الى مستوى ترويج الاكاذيب بل العمل من اجل الارتقاء بالوعي العام نحو ادراك الفرق بين الخطاب الشعبوي الكاذب وبين الحقائق التي تساهم في ترسيخ المطالب الواقعية والمتدرجة والقابلة للتنفيذ.
قد يتم تبرير الهجرة الواسعة من الوطن برغم من مشاركة احزابنا في السلطة والمعارضة والنشاط السياسي لابل والمساهمة في اعادة بناء بنية تحتية مقبولة، بانه اتجاه عام جراء المخاوف وعدم الامان والازمة الاقتصادية، ولكن اليست هذه الامور من صميم العمل السياسي، اي اليس حل مثل هذه الاسباب هو من صيمم العمل السياسي؟ ففي الوقت الذي يبرز الخطاب الشعبوي البطولات المزيفة وينشر الاكاذيب عن البطولات الكاذبة، فانه يبرر التقاعس وعدم المقدرة لتحقيق التغييرات المطلوبة لكونه اقلية وهو وحده لا يمكنه تحقيق المطلوبّ!! اليس تناقضا فاضحا ذلك، ولكن الانسان العادي لا يمكنه برغم حسه من ان يلاحظ هذه المفارقة او يحولها لسؤال عن الادعاءات بالقوة والقدرةوالشجاعة الممتلكة. هنا ايضا مفارقة اخرى وهي تحويل الصراع السياسي الى صراع عسكري ولو في مخيلة الانسان العادي، الذي يمكنه ان يحسب ان الواحد لا يمكنه ان يفوز على اثنين فكيف اذا كان الواحد مقابل الخمسة والتسعين؟ ولكن المثقف يدرك انه ليس هناك صراع قوى عسكرية بل صراع قوى سياسية وصحة التحالفات وانشاء مراكز قوة داعمة للخطاب السياسي العقلاني، هذه الامور التي تدعم المطالب السياسية.
لقد شارك الكثير من المحسوبين على مثقفي شعبنا في ترويج ظاهرة البطولة والشجاعة والانجازات على الشعب، ورغم ان الواقع يكذب كل ذلك، فاخطر ما اصابنا هو المزيد من الهجرة مقابل المزيد من الحرية، اليس تناقضا فضا هذا؟ والمزيد من الهجرة مقابل المزيد من بني تحتية تهئ الامان للناس، هذه البني التحتية التي حوربت وتم التشهير بها لانها لم تكن انجازا لمن يبيع البطولات الوهمية. فبدلا من نقد القوى السياسية العاملة في الوطن والمهجر لعدم دعمها ترسيخ الوجود الانساني والكثافة البشرية بكل السبل والتي وفرتها عملية اعادة بناء القرى، نرى ان المثقفين او المحسوبين على طرف البائع للاوهام القومية يتهجمون عليها ويشككون في نواياها ولا يحاولون الاستفادة منها، لتحقيق الترسيخ القومي على الارض التاريخية لشعبنا!!
هل شعبنا فاقد للذاكرة حقا؟ ام ان ادوات النقد والتحليل ليس بملكه، ولذا يتم تمرير كل الهزائم والانتكاسات عليه، على انها انتصارت؟ ان هذا السؤال ينطبق على العراقيين كلهم، والدليل عمق التجارب المرة التي مر عليها ولكنه يعود ويمنح ثقته لنفس الجهات التي جعلته يعاني كل ما يعانيه اليوم، من خلال خلق اعداءوهميين له، مرة اعداء الدين واخرى القومية وثالثهما الوطن المهدد والطائفة المستباحة ولايزال شعبنا العراقي ضحية هذه اللعبة الخبيثة عليه. ام ان الدور الحقيقي للفئة المثقفة مفتقد، بل تنازلت عنه وصارت تشتهي ان تلعب ايضا دور الضحية والبريئة لكي تبرئ نفسها من دورها في تنوير الناس؟. لقد تمكنت الفئات المثقفة من قيادة معارك كادت ان تنجح بها، ومنها حقوق المراءة والانفتاح الاجتماعي والتذوق الفني واشاعة روح المدنية بين الناس، الا ان نفاق هذه الفئة للطغم الانقلابية الحاكمة واستسلامها لخطابها الديماغوجي، اعاد عقارب الساعة الى الوراء، فنرى اليوم هذه المثقف يبرر التطاحن الطائفي وسلب حرية المراءة باسم الشرف والانغلاق الفكري بحجة حماية الموروث، هذ الحالة الموصوفة اعلاه هي حالة كل العراقيين وشعوب المنطقة وسار خلفها او اتبعها بعض من ابناء شعبنا. فهم باعتقادهم ان تمجيدهم لفئة ما يعني ان شعبنا صار يمتلك قوة تنافس قوى الاخرين في المنافسة السياسة والعسكرية، ولم يكن يدرك انه يساهم في ترسيخ الوهم وترسيخ سيطرة الدجل على شعبنا مقابل وضع ودعم تصور عقلاني مبني على حقائق الواقع وطموحات المستقبل.
ارجو ان اكون قد ساهمت بقول الحقيقة ولو من وجهة نظري لكي نضع جميعا تصور للعمل المبني على الحقائق وليس الاوهام ولكي نساهم في دفع مجتمعنا للمشاركة في دعم ما يخدمه ويخدم تطوره وليس في ما يخدم احلام يقضة يحطمها الواقع ويؤدي الى استنزاف المزيد من ابناء شعبنا من ارضه ووطنه.
عائلة اشورية في مهب الريح
كم نحن ضعفاء، اي ريح تاخذنا وترمينا الى المجهول، نشعر باننامعلقون بين الارض والسماء، فلا السماء تنجدنا ولا الارض تحمينا، نحن كرة يتم التقاذف بها في لعبة طويلة ومؤلمة ولا نهاية لها. ننتظر من اهل السماء العون، يعملون فينا سكاكينهم تقسيما وتحريما ونطلب من اهل الارض الغوث فلا سامع ولا معين. لذا فالعنوان يمكن ان يكون شعبنا الكلداني السرياني الاشوري في مهب الريح.
في قرية اشورية فلاحية تضم حوالي اربعين بيتا تقع غرب العمادية، وفي بيت من الطين والحجارة مكون من غرفتين ويحوي الجد والجدة والاب والام وثلاثة من الاعمام وزجة العم واربعة من الاخوات، عاش الطفل، الاب والعم يعملان في مشروع سد دربنديخان، والجد شرطي متقاعد، مما سمح للعائلة ببناء دار واسعة وكبيرة وصار لكل من الاب وعائلتة والعم وعائلته والعمان الباقيان غرف خاصة وغرفة للجد والجدة وصالة كبيرة وطويلة مفتوحة صيفا على بستان التفاح. انتقلت العائلة الى القصر هكذا سموه وكان كانه قلعة كبيرة، مبنيا بالسمنت والحجارة الكبيرة. ينتقل الطفل الى دربنديخان ليبداء دراسته في الصف الاول، ولكن يكمل الصف في قريته بعد منتصف السنة. يسمع الطفل اسماء كثيرة ولكنها مثيرة للنقاش، الملك، عبد الكريم قاسم، جمال عبد الناصر، المهداوي، ويقسم الطفل العالم، عالمه الصغير على هؤلاء الكبار، فاكيد ان الملك هو ملك العالم وهو في بغداد، وعبد الكريم يحكم في الموصل وعبد الناصر في ديانا لانه سمع عن ديانه لكون عمته تسكن هناك. وقبل ان يبداء سنته الثانية تندلع حرب بين الاكراد والحكومة، طائرات الجيتس تقصف كل المناطق، وفي القرية لم يكن من مسلح الا ان الطائرات الجيتس كانت تقصف وتمشط بالرشاشات عشوايا فقط لزرع الرعب في قلوب السكان. وكادت ان تقتل زوجة العم وهي ترضع طفلها، عندما مرت شضية عبر زجاج النافذة. وبعد ان بدء نزوح بعض اهل القرية، تقرر الاسرة الرحيل الى سرسنك، لانهم سمعوا ان جتة او فرسان زبير اغا تبعث الخراب في كل المنطقة، وفي الليل تجتمع الاسرة في سيارة العم وترحل الى سرسنك، تاركة كل شئ من الاملاك والممتلكات، فبالكاد تكفيهم السيارة وتركت ايضا الحيوانات والمنتجات الزراعية. ولكن بعد ايام صارت سرسنك ايضا مهددة، فالقرية التي رحلوا عنا اخبارها مرعبة فقد احرقت وتم حبس الكثير من شباب القرية ممن لم يهرب في حوش وهددوا باحراقهم مالم يعطوا كل ما يمتلكون، ولم ينقذهم من المصير المحتوم الا شخص من جتة الديوالي، فتم القرار الرحيل الى دهوك، وفي دهوك يخسر الطفل سنته الدراسية الثانة لانه لم يكن يمتلك شهادة النقل المدرسية، وفي السنة الثانية يعبر الى السنة الثالثة من دراسته. في صيف تلك السنة وبعد استلام البعث السلطة عام 1963 تقرر الاسرة العودة الى القرية، لظهور بوادر وقف اطلاق النار، ولان الاب لم يتمكن من الحصول على العمل، لانه كان مكتوبا في دفتر خدمته العسكرية المهنة فلاح، ولكي يغيرها احتاج الى مصاريف وواسطات كثيرة، ولذا فكان قرار العودة الى القرية للتخلص من معاناة العيش على الراتب التقاعدي للجد. في صيف 1963 ترجع الاسرة الى القرية، ولكن بعد احد عشر يوما تاتي الاخبار باندلاع المعارك بين الحكومة والاكراد مرة اخرى، ومرة اخرى ياتي اسم الجتة المرعب والذي لا يرحم. فتقرر الاسرة الرحيل الى القرية الكوردية حتى تتبين الامور، ولكن الاخبار تسؤ ويقال بحتمية وصول الجتة الى القرية الكوردية، وبالتأكيد لو عرفوا بان الاسرة من الاشوريين (فله) فلن يرحموهم، وهكذا انتقلت الاسرة الى قمة الجبل في راس عمادية (ريشا داميديا) وهناك افترشت الاسرة الارض مزاحمة الحشرات والحيوانات الصغيرة على ظل شجرة، بقت الاسرة تعيش في العراء فترة تعرضت الام فيها الى لسعة العقرب، وتعالجت بالصبر الى ان شفيت، ولكن الاخت اصيبت بدمل كاد ان ينخر ساقها، لو لم تقم الجدة بنقلها الى قرية دوري حيث تمكنت الخالة اجي من معالجتها شعبيا من مرض كاد يؤدي الى عوقها. وبعد الشعور بان الامر سيطول قررت الاسرة الانتقال الى قرية ايات حيث ابنة عم الجد هناك. ولكن الامن يؤدي الى التفكير بالجوع، ولذا فان الاسرة وجدت ان عدم استلام الجد الراتب التقاعدي لعدة اشهر قد انهك الاسرة وكادت كل المدخرات تنفذ، فليس للاسرة من مورد، والمساعدة لا يمكن ان تأتي من احد، حيث المنطقة محاصرة. فبعض الامور الترفيهية تم نسيانها ومنها الشاي مثلا لعدم القدرة. كان رجال الاسرة العاطلين يرحبون باي دعوة للمساعدة في العمل في القرية لانه يساعد في توفير لقمة العيش اقلا لهم ويقلل من مصروفهم في البيت. يتذكر الطفل طعم البرغل المطبوخ بامعاء خروف كم كان طيبا، حين اكله في حملة عمل جماعي (زبارا)، لانه كان قد نسى طعم اللحم. قبل نهاية الصيف تقرر الاسرة الاقتراب من قريتها مرة اخرى، ولذا فمن ايات تنتقل الى قرية كوماني بمسيرة استغرت ساعات النهار الطويلة، وفي قرية كومان الواقعة على الجهة الشرقية من عمادية، تجد الاسرة ملاذها في غرفة من غرف مدرسة القرية وشغل الغرفة الاخرى البشمركة الكوردية.
في غرفة شبه مظلمة وباردة جداوخصوصا في الليل، خارت قوى الاسرة، فقررت الرحيل ولتقترب اكثر من قريتها، ولذا قررت الرحيل الى روبار اميديا، وهكذا تحركت الاسرة من كوماني نحو قرية مرستك ومن هناك الى جنوب عمادية للالتفاف والاتجاه غرب عمادية، وهناك تم رمي الاسرة بالمدفعية وتفرق افراد الاسرة كل فرد احتمى تحت صخرة وانتظرت الاسرة طويلا، لقد كان ذلك اليوم 18 تشرين الثاني عام 1963، يوم انقلب عبدالسلام على رفاقه من البعثيين والحرس قوميين الشوفيين، وصلت الاسرة ليلاي الى روبار اميديا، وطلب الجد من حجي حسن ان يمنحه موضعا للمبيت لحين التمكن من التنقل الى قريتهم، وقد لبى الرجل الطلب ومنحهم ما نسميه صوبيثا، وهو مبنى في الغلب مبني من اغصان الاشجار المحاكة على شكل قطع كبيرة نسميها رابيثا وجمعها رابياثا (الباء تلفظ كp)، وهي تحمي الانسان من الهواء البارد و الحار وخصوصا حينما تكون لبخت بالطين مما يمنحها سمكا ويخطي ثقوب الرابيثا و تحمي من الحيوانات الكبيرة مثل الذئاب والدببة وغيرها ولكن يبقى فيها من الثقوب الكثيرة التي تسمح بدخول الهواء البارد. وعاشت الاسرة فيها كل الشتاء مترقبة الربيع او الصيف. ويقوم الاب بالمخاطرة ويسافر الى القرية ومنها ينطلق الى بغداد، لعل وعسى، وهناك يجد عملا في الكوت براتب ثلاثون دينارا شهريأ ويقرر ورغم ضألة المبلغ نقل الاسرة او على الاقل البعض منهم الى بغداد، وهكذا تم نقل الام والابن والثلاثة من الاخوات والعم الصغير الى بغداد. ثلاثون دينارا كان الاب يصرف منها عشرون حق المبيت والاكل في الفنادق في الكوت، وعشرة دنانير للعائلة تدفع نصفها ايجار الغرفة. ولكن الاب والام يناضلون ويعملون ويكدون من اجل سد رمق اطفالهم، ليس هذا بل يدفعونهم للدراسة. في بغداد سنة وبعد اخر تزداد امكانيات الاسرة وتتوسع مساحة وعدد الغرف المستأجرة وخصوصا ان العائلة زادت بالولادة اثنان ونقصت واحدة بالوفاة بالفشل الكلوي. في منتصف الستينات كان الابن في العاشرة حينما عاد الى المدرسة بعد ان خسر عامان من الدراسة، وهو يعود من المدرسة الى البيت استوقفه اطفال الدربونة سائليه بالعراقي اشلون تجي من المدرسة بالسيارة لو مشي فيكون جوابه اجي برجلي لانه وجد صعوبة في فهم كلمة مشي. في مثل هذه الحالة اغلب الاباء مشغولين لسد رمق اسرهم، واغلب الامهات اميات، لا بل ان بعض الاسر كانت تشغل اكثر من فرد لكي تعيل افرادها وباشغال مختلفة من الخدمة في البيوت او المطاعم او الاعمال الصغيرة، لان الواقع كان بأسا حقا. ولم يكن واقعا يبشر بولادة حركة فكرية قومية
من خلال قراءة هذه المسيرة المستعجلة لهذه العائلة الاشورية او سمها الكلدانية او السريانية، لا فرق، ماهي الاستنتاجات التي يمكن ان نخرج بها.
اولا_ ان ابناء شعبنا ليس في بداية الستينيات من القرن الماضي فقط، بل تقريبا كل عشرة او خمسة عشرة سنة من المائة وخمسون العام الماضية اضطروا الى البدء من الصفر من لا شئ، اي انه خلال اكثر من قرن ونصف من معرفتنا وملاحقتنا لما كتب ندرك انه لم يكون هناك تراكم للثروة المادية المجلبة للقيم وللثقافة وللصحة ، اي ان الاباء لم يتركوا لابناءهم شيئا لكي يبنوا عليه ويطوره. فكل ما كانوا يبنوه ويتقاسموا البعض منه مع جيرانهم كرشوة لاستمرار البقاء، كان الجيران في الغالب وفي كل حالة هيجان او اضطراب يقومون بالاستيلاء عليه مع قتل وسبي بعض من افراده، قتل الرجال وسبي النساء.
ثانيا_ كل الخسائر التي لحقت بمجتمعنا واسره وافراده، تحملها هو اي انه لم يعوض عنها منذ زمن بعيد، وبالتالي لا يمكن القول بانه كان هناك دولة حقيقية حتى في السنوات التسعين الماضية، بل ان الدولة كان تاخذ موقفا عدائيا وجماعيا سواء على اساس جغرافي او قومي من السكان، ونلاحظ ذلك من القصف العشوائي الذي طال مناطق واسعة من الشمال العراقي منذ اربعينيات القرن الماضي ولحد جرائم الانفال، ولو توسعنا اكثر لظهر ان الدولة وباجهزتها قد شاركت في العمل من اجل ابادة مجموعات سكانية بعينها (المسيحيين والازيديين، كمثال).
ثالثا_ رغم ترك ابناء شعبنا لحالهم وعدم مساعدتهم حكوميا، لا بل الوقوف في طريقهم لكي يساعدوا انفسهم، (عملية فرض شرط تغيير المهنة لتشغيل الاب كمثال)، والعمل على خلق انقسامات داخلية كعملية تشجيع انقسام الكنيسة والدخول طرفا داعما لهذا الطرف اوذاك عام 1963_1970. الا انه يمكن القول ان شعبنا تمكن ان يقف على رجليه او غالبيته مع بداية السبعينيات وتمكن من ايصال بعض ابناء الى الجامعات مما كان يعني احداث نهضة حقيقية والعمل من اجل الحصول على الثروة من الدولة او نصيب من الثروة. وكذلك بدء بروز نخبة مثقفة حاولت التفكير في الهم الجماعي والواقع المأساوي لشعبنا، والذي ساعد في ذلك وجود اعداد لا باس بها من ابناء شعبنا سكنت الحبانية وكركوك وبغداد والبصرة طورت مؤسسات ونشاطات شبه قومية (الاندية الاثورية، جمعيات المساعدة الاثورية وعلى اساس قومي عابر للعشائرية).
رابعا_ ان خضوع شعبنا لدول تسيرها مصالح شعوب اخرى، مثل العراق وسوريا وتركيا وايران، وجعله يدفع الكثير لتحقيق اجندة هذه الاكثريات، وجعلت شعبنا يقدم الكثير من الضرائب والخسائر التي ما كان يجب ان تدفع اصلا، لو كان له مشاركة حقيقية في رسم سياسة الدولة، لا بل يمكن القول ان الدولة بهذه الصورة ما هي الا لصوصية لصالح الاكبروالاكثر عددا وليس مؤسسة تدير الوطن وتديرمصالح شعبه.
خامسا_ ان شعبنا وكونه في الغالب قرويا، لم يكن شعبا متجانسا ولا يزال ينقصه هذا التجانس القومي، ليس ابناء التسميات المختلفة فقط، بل حتى بين الابناء المنتمون الى تسمية واحدة. ومما زاد في عدم التجانس بروز الدور السلبي لبعض الكنائس من التجانس والاختلاط والتعاون، ووقوع احداث مثل مذبحة سميل، كما ان العشائرية لاتزال تؤثر في سلوكنا وفي نظرتنا لامور كثيرة في حياتنا العصرية، رغم ان الظروف المهيئة للعشائرية قد زالت منذ ومن بعيد. ورغم تركنا للكثير من الممارسات العشائرية الا ان الخلافات على اساسها او المدعومة منها يمكن ان تندلع في اي لحظة. ولذا نرى ان الروابط القرابية هي الاقوى وليس الفكرية على مستوى المجتمع عموما. وقروية وعشائرية شعبنا نراها في القيم العليا التي يتم حسابها كحسابات بيت او سيارة او حتى نادي، يمكن تغييرها بسهولة ويمكن المطالبة بذلك كحق، في حين ان القيم العليا مثل القوانين المنظمة للجمتع او المسيرة للحركة القومية واسسها في حالتنا هي نتاج تاريخ طويل من النضال والعمل الدؤوب، وفي النهاية ان هذه القيم لا تؤثر سلبا في حقوق الافراد، وبالاخص اذا نظرت الى الناس بسواسية وبغير تحيز.
سادسا _ علينا ان ندرك ان العمل القومي هو الاطار الذي تمكن شعبنا بكل قواه من ايجاده لوحدة هذه المجموعات العشائرية والقروية والطائفية المتنافرة، وهو اطار ايجابي، لا بل الافضل كحل، لانه ينظر للجميع نظرة واحدة، ولا يمكنه تحيرم او الانتقاص من اي طرف فيه، الاهم الا اذا نظر البعض الى الاطار القومي كحالة عشائرية عليا. كما ان الاطار او الحركة القومية تطالب بحقوق يهتم وتهم الكل ضمن هذه الحركة او المجتمع كله، مثل الاهتمام باللغة وتطويرها، الاهتمام بالثقافة عموما وترسيخها، والاهتمام بالانسان ومتطلباته المادية و الصحية وتوفيرها وعدم غبن اي شخص. وان يعيش الفرد في اطار قوانين نابعة من تراثه وتخدم مصالحه.
سابعا _ تاثرت حركتنا القومية وبالاخص المجموعات التي نبعت بعد السبعينيات من القرن الماضي بالخطاب الايديولوجي اليساري والعروبي، علما ان العروبي مستورد في غالبيته من اليسار وفيه توجهات شوفينية وممارساتيه ماخوذة من الحركات الفاشية الاوربية مثل حركة فرانكو والفاشيين الايطاليين والنازيين الالمان. وعليه فان البناء الفكر ي للحركة القومية شابه الكثير من النواقص والمحاذير التي كانت تعانيها الحركات اليسارية والعروبية، وبالاخص عدم الاعتراف بالاخر والنظر بقدسية الى المبادئ والاهداف ومحاولة قولبة المجتمع بالقوة.
نحن حنا نحاول التوصيف وطرح بعض الاستنتاجات، لادراكنا ان الحركة القومية لشعبنا قد اصيبت مرة اخرى بانتكاسة كبيرة، وعلينا ان نحدد اسباب ذلك، في ايجابية ما وهي ان من شاركوا في دفع العمل القومي لا زال الكثير منهم على قيد الحياة، اي انهم لم ينتهوا كما انتهت المجموعات السابقة دون ان تترك اي تجربة موثقة، ولذا فان المطلوب هو التوثيق من ناحية، ومن ناحية اخرى بدء وضع الاصبع على مكامن الخلل، ولا اعتقد ان هناك من يعتقد انه لم يكن في حركتنا القومية خلل ما، ونحن نشاهد المأساة الحقيقية لواقع شعبنا ومستقبله.
للتاريخ طعم، ولكن اي طعم؟
اولا اود تقديم اعتذاري للاستاذين الكبيرين سعيد شامايا واخيقر يوخنا، ونتمنى ان لا يعتبرا مقالتنا سجالا واتهاما ولكنه باعتقادي توضيحات تاريخية يمكن ان يساهم في معرفة ما مر بنا من احداث، وكل ما كتبته في الاونة الاخيرة كان ضمن هذه الفكرة، ولانني اعتبرت ان البعض اخطاء في قراءة الماضي. صحيح اننا نطالب بان لانعيش الماضي، ولكن معرفة الماضي من واجبنا لعل وعسى نتمكن من معالجة الحاضر.
للتاريخ طعم، نعم ان للتاريخ طعما ويكون لذيذا تذكره، ويكون الذ حينما نمنحه صفات معينة ودرجة كبيرة من القداسة والنزاهة، تشعرنا بنشوة الانتصار. انها لحقيقة ان غالبية الاشخاص لهم نيات صافية، ولذا فانه حينما يخطؤن يكون الخطاء في الغالب نتيجة لعدم دقة الحسابات، ولكن تبقى ان الاخطاء قد يتحملها الكثيرون دون ان يكون لهم يد في هذا الخطأ. ان تغنينا بتاريخنا الشخصي يجب ان لا يكون مبررا لنسيان اخطاءنا واخطاء الاخرين والا لن نستفاد من هذا التاريخ الا كقصة تروي. لا اقول بعدم ذكر الاحداث التاريخية وكتابة ما حدث فانا معه ، ولكن تمجيد تاريخ، لم ينتج الا الفشل، فانه امر مؤلم، كان تغني في مأتم. حقيقة اننا لسنا من صنع جل تاريخنا، لان قدرة الصنع لدينا كانت ضئيلة في الغالب، بل ان تاريخنا صنعه الاخرين وحسبما يشاؤن، الا ان ذلك لا يبرر سكوتنا عن الاخطاء ووضع النقاط على الاحرف. كما ان تغليف تاريخنا بمصطلحات معينة، لن يصنع منه تاريخا ذو انجازات قومية، اللهم، الا اذا اردنا الادعاء انه بسبب حمل الفترة او المرحلة او الحركة صفة معنية كان سببا لتجمع الاعداء لخنقها منذ المهد! ان واقعنا المؤلم حاليا يشي باننا لم نقم بعمل جيد، هذا اذا كنا قد اقمنا بعمل ما حقا؟ فالنجاح يعني التطور والترسيخ والتقدم، ولنقس موقعنا اليوم بما كنا عليه قبل اربعون عاما، بماذا سنخرج؟ ولعل اهم مقياس لنجاحنا ولفشلنا، هو مدى خوفنا اليوم وقبل اربعين عاما من انصهارنا وزوالنا؟
لايزال الغموض يكتنف مسيرة العمل السياسي الاشوري وبالاخص ما بعد مرحلة مذبحة سميل. هذه المرحلة التي اتسمت بالخوف وباللايقين، ولذا فاننا نرى الاستاذ خوشابا سولاقا في مقالته على موقع عنكاوا كوم يقول ((وسأذكر لضرورة الأمانة التاريخية إرضاءً للتاريخ والضمير بأنه لم يكن هناك أي تنظيم سياسي حزبي أو حركة سياسية قومية على هيئة حزب منظم موجودة ومعروفة وعاملة في النادي الثقافي الآثوري ولا حتى خارجه في المجتمع على حد علمي إلا من كان له إرتباط باجهزة النظام الفاشي لنهاية عام 1976 وهي السنة التي بنهايتها غادرتُ النادي بعد أن تيقنتُ من عدم إمكانية إستمراره على ما كان عليه سابقاً مستقلاً بقراره الى حدٍ كبير ، ومن يدعي العكس فاليأتي ببرهانه المادي ووثائقه ويدحض ما قلته ويؤكد على العكس من ذلك وسأكون له شاكراً ومعتذراً في نفس الوقت))، طبعا هناك لغم في مثل هذا القول وهو القول على هيئة حزب منظم فمهما قلت فانه سيكون من السهل التشكيك برايك، وذلك لاسباب ان حركتنا السياسية لم تترك شيئا معلنا ولم يتم تدوين سجل تاريخها كما هي وليس كما يريد البعض، لان حركاتنا السياسية كلها كانت سرية وتعيش حالة الخوف والرعب من سميلي ثانية. الحقيقة ان اول ما يرد الينا من حركات سياسية بعد سميل هو تحرك مجموعة من ابناء شعبنا وبشكل منظم لتحقيق هدف واحد، وهو الانتقام من مذبحة سميل ليس من الانكليز والعرب ولكن من بعض رجال الدين ممن تم الاعتقاد بانهم كانوا سببا او تراخوا في العمل ضد القيام بمذبحة سميل، وهذه المجموعة يعرف منهم المرحوم جورج والد الشهيدة ماركريت، والتي قررت (المجموعة) اغتيال كل من المطران مار يوسف خنانيشو والاسقفان مار سركيس ومار يوالاها، وكان المرحوم جورج مكلفا لاغتيال مار يوالاها، الا انه افشى السر وتم القاء القبض على الاشخاص المعنين ولم ينفذ المخطط. هنا من الواضح انه كان هناك تحرك سياسي ما ومنظم ولكنه لم يستمر لانه ركز على هدف معين الانتقام. اما التحرك الثاني فيأتي في نهاية الاربعينيات ايضا، ولا ندري مدى قربه من التحرك الاول، الا انه كان موجودا . يقول الاستاذ داود دبيت پاگه Bet Paga دمار بيشوع في كتابة اشوري من بيت نهرين _ تاريخ سفر حياة خاص والمطبوع في شيكاغو عام 1984 بالسورث انه انظم الى حزب خيت خيت خيت الب (خوبا خويادا خيروتا اتوريتا) وهنا ثلاثة خيت وليس اثنان وكان مؤسسه وقائدة الاسطى موشي ومن اعضاءه يذكر ساوا هسامو والاستاذ زرو والاستاذ روئيل وشمشون وردا وقد شارك الحزب في انتفاضة تشرين لعام 1952 مع الحزب الديمقراطي الوطني، كامل الجادرجي وحزب التقدمي الاشتراكي محمد حديد والحزب الشيوعي العراقي حيدر افندي وحسن علي وحزب خبات الكوردي وبالطبع حزب خيت خيت خيت الب اسطة موشي. والكاتب اي الاستاذ داود ينتهي به المطاف في الحزب الديمقراطي الكوردستاني منذ عام 1961 الى عام 1974 ويمثل مع مجموعة شعبنا في مقر الفرع الخامس في بغداد للحزب المذكور ويقول اننا كنا في الفرع الخامس كل من (زياالبرواري من عين نوني، وعمانوئيل من ارادن، وبيجن زومايا، وشمشون داود، وشموئيل اربيلي المعروف ب ش ه والشماس كوركيس برواري، ودنسا هريري ويذكر بانه والمرحوم شموئيل الاربيلي كانا يقوما بالاطلاع والموافقة على كل ما يكتب في الصفحة الاشورية.
واعتقد انه هناك اختلاط على السيد خوشابا سولاقا عندما ذكر ان السيد ايشو دنخا يقيرا والسيد يوسف نمرود كانون كانا من اعضاء خيت خيت الب، هذا اذا كان يقصد خيت خيت خيت الب، ولكن على ما اذكر ان المرحوم توما توماس ذكر في احدى مقابلاته انه كانت هنالك مجموعة باسم اللجنة (صيعتا) كانت تضم شبابا من بغداد وكانت قد نظمت نفسها لدعم تحرك الشهيد هرمز مالك جكو، وهو الاقرب باعتقادي لرابي يوسف نمرود كانون والاستاذ ايشو دنخا يقيرا وتاريخ اعتقالهما. وعلى كل ان رابي يوسف والاستاذ ايشو دنخا يقيرا يمكنهم ان يفيدونا في هذا الامر ويضيئا المخفي من هذه المرحلة. اما الحزب الاخر الذي نشاء خارج النادي فقد كان الحزب الذي حاول كل من القس حاليا شليمون ايشو وكوركيس خوشابا وغيرهم انشاءه ولكنه انكشف وتم القاء القبض عليهم وانتهى الحزب. اما الحزب الاخر الذي تاسس في بداية السبعينيات فقد كان حزب الاخاء الاثوري وقد اسسه المرحوم توما هرمز ايشو و انا شخصيا علمت به ودعوت للانتماء اليه في خريف عام 1972، وقد حل الحزب كما شعرنا في عام 1976 . وهاك حزب كان يظم مرة اخرى كوركيس خوشابا والنقيب بطرس وغيرهم وهو من فكر وعمل من اجل الكفاح المسلح وتألف مع مجموعة الشهيد يوسف توما والسيد يونادم كنا وكونا الحركة الديمقرطية الاشورية، بالاظافة الى طوكاسا اتورايا مشخلبا زوننايا وكان يظم كل من المرحوم حنا يوخانيس نيسان ؛ الأستاذ طيماثيوس حنا ؛ الأستاذ عبد المسيح ، عوديشو بوداغ ؛ وشمشون كليانا ؛ ومختار قرية تلسقف حنا حنوش ، والكسندر برشم ، أدور يوآرش ، شمائيل ننو ، رابي شمعون ميخائيل ، والدكتور زيا اسحق لاجين ، والمهندس خوشابا سولاقا وآخرين غيرهم.
اما عن الحزب الوطني الاشوري، فانه لم يخفي تاريخه، ولم يخفي ان وليم شاؤول كان عضو في قيادته ومن مؤسسيه، لانه تاريح وليس هناك ما يعيب ان يخرج احد ما مهما كان هذا الاحد عن خط ما، ويخالفه او تدفعه مصالحهه او مخاوفه اوقناعاته نحو اتجاه يخالف الاغلبية. ولذا فليس هناك من عيب في القول ان وليم شاوؤل كان عضوا قياديا في الحزب من تاريخ تاسيسه في 14 تموز 1973 الى 5 اب 1974 حيث تم تشكيل قيادة لا تضمه وتم اعلان حل الحزب لكل من كان يشك في ولائهم وحتى لوليم شاؤول نفسه. وتفرق الجميع كما تم الاعلان عنه للبعض، الا ان البعض الاخر استمر وبسرية اكثر في العمل الحزبي. الحزب عرف نفسه في السنوات الاولى بتسمية الحزب فقط ( اي كبا وكان التعليل ان التسمية ليست ضرورية بل هي قد تساهم في متابعة وكشف الحزب). طبعا يكرر الاستاذ خوشاب مقولة ان عمالة وليم شاؤول كانت معروفة للجميع، لا ادري لماذا هذا التعميم وهذا الاستسهال في الاتهام، فحتى لو مثلا اتفقنا ان وليم كان عميلا، فكيف لنمرود بيتو مثلا ان يعرف ذلك وهو القادم من دهوك الى بغداد ومجتمع بغداد غريب عنه. وكيف لكوركيس يعقوب ان يعرف او نحن وكان الاكبر عمرا في هؤلاء الشباب لا يتجاوز الثانية والعشرون من عمره، اي بدون تجربة سياسية مسبقة، ناهيك ان مجتمعنا في بداية السبعينيات لم يكن منفتحا على بعضه البعض وخصوصا ممن عاش في مناطق لم تكن معروفة بتواجد ابناء شعبنا فيه بكثرة مثل الدورة والصناعة والبتاويين والنعيرية. انه لفخر للحزب الوطني وقيادته حينذاك ان تتمكن من ان تزيح السيد وليم شاؤول وان تبقي العمل وان تطوره وخصوصا في المجالات المهنية مثل الطلبة الجامعيين ولجان الشبيبية. وبقية الامور وكيف تم التضييق علي نشاطاتنا معروف لمن يريد ان يعرف وخصوصا ان احزابا تاريخية مثل الحزب الشيوعي العراقي والحزب الديمقراطي الكوردستاني لم تتمكن ان تصمد امام تغول السلطة البعثية، فكيف بمؤسسات شعبنا المستهدفة من كل الاطراف. واذا كان الاستاذ خوشاب يعلم منذ عام 1976 بما سيحدث، فاننا تأخرنا في معرفة الاستنتاج الى عام 1978، بعد ان شاهدنا مؤسساتنا واحدة تلو الاخر تحاصر وتضع امامها العراقيل المختلفة.
في الوقت الذي يذكر فيه الاستاذ ابرم شبيرا انه كان هناك تحالف انتخابي مع الطلبة الجامعيين اوممثليهم نمرود بيتو وبنيامين ابرم وكوركيس يعقوب، فان الاستاذ خوشابا سولاقا يمر على الامر مرور الكرام ويجعل الفوز في هذه الانتخاب كانه امر من صنع طرف واحد، وهذا يخالف الحقيقة، فالحقيقة رغم انه يضع الجميع في سلة تيار الشباب القومي التقدمي المستقل، الا اننا اغلبنا يتذكر كلمة الاستاذ ايشو دنخا يقيرا بعد اعلان النتائج والتي قدم فيها وبشكل علني وهو الامر الذي لم نكن نريده اصلا، شكره للطلبة الجامعيين للدعم الذي قدموه. هل سال احد من كان هؤلاء الطلبة الجامعيين ومن نظمهم وكيف؟ ولماذا كان هناك ثلاثة اشخاص يتكلمون باسمهم؟، ولماذا كانوا يعقدون اجتماعات وينتخبون ممثلين وقد ذكرت بعض منهم سابقا؟، وقلت انهم كانوا في الحزب الوطني الاشوري وهم احياء الله يطول في اعمارهم يمكن الرجوع اليهم وخصوصا البعض ممن صار يدعم احزاب اخرى لزيادة في المصداقية. اذا الحزب كان موجودا وقد تاسس منذ الاعلان عنه،وعدم معرفة الاستاذ خوشابا بالامر ليس معناه عدم وجود شئ، بل يكون السبب ان الاستاذ خوشابا لم يطلع على الامر لكونه سريأ، وقد كان احد اعضاء الحزب ومن سنته الاولى جار الاستاذ خوشابا الاستاذ وليم تمو المقيم حاليا في كندا. اما عن براهين كتابية فلا اعتقد ان نشر وثائق وهي نشرت او على الاقل البعض منها يمكن ان يقنع الاستاذ خوشابا بها لانه يمكن بسهولة القول ومن يقول انها كتبت حينذاك؟ ولكن بالتاكيد الالتقاء بمن اوردت اسماءهم عدة مرات يمكن ان يقنع الاستذا خوشابا بالامر. ولكن الاغرب حين يقول الاستاذ خوشابا انه لم يسمع بالحزب الا بعد عام 2003، لان الحزب كان معلنا في اقيم كوردستان منذ عام 1997 وقبل الاعلان سبق تشكيل نخبة من المثقفين الاشوريين التي كانت تتكلم باسم الحزب وذلك منذ عام1993 ، واصدرت كراس من الوطن كمطبوع يمثل توجهها.
الامر الاهم من كل ما مررنا به، هو استخلاص الدروس ومعرفة الظروف الموضوعية التي تكون دائما في اوليات قائمة اتهامنا لها للتراجع القومي وكذلك والاكثراهمية معرفة الظروف الذاتية، التي ادت الى هذا التراجع. ان معرفة حقيقة ما مر به شعبنا والارهاصات التي عاشها، وعدم محاكمة الاوضاع بمنظار اليوم، بل بدراسة الواقع كما كان ومن ثم استخلاص التجربة منه لكي يمكن ان نصلح ما يمكننا اصلاحه، ان امكن
31 ايار 2012
هل كان يسوع المسيح اشوريا؟
المتتبع لما كتبته منذ زمن طويل يدرك الاهمية التي اوليتها للغة في تحديد الانتماء القومي، ولكن ان يتعلم الاخر لغتنا وان نقول بعد ذلك انننا اخذناها منه، فهذا هو الامر الغريب والعجيب.
يدرك الجميع ان اليوناني اليوم لن يفهم اي شئ لو تكلمنا معه باللغة التي كانت متداولة زمن ارسطو وافلاطون والاسكندر الكبير، ويدرك الجميع ان الطليان لو تكلمنا معهم باللغة اللاتينية لما فهموا شيئا لو لم يكونوا قد درسوها، ويدرك الجميع ليس هذا فقط بل ان الانكليزي قد يجد صعوبة كبيرة في فهم اللغة التي كانت متداولة ايام شكسبير، وطبعا انا لست بعالم لغة، ولا حامل شهادات عليا في اي اختصاص، ولكن هذه حقائق يجب ان نقر بها لانها هكذا ببساطة.
شخصيا لا اؤمن ولا اعتقد ان المنطق ممكن ان يقبل ان شعبا ترك لغته وغيرها بلغة اخرى، قد تترك خط الكتابة كما فعلت تركيا في زمن الاتاتورك، وحالة الجزائر وبعض الجزر المنعزلة والتي اتخذت لغة المستعمر كلغة لها، هي حالات استثنائئية تثبت القاعدة ليس الا، بل يمكن القول ان اللغة المحكية في الجزائر بقت هي هي خليطا من العربية والامازيغية ودخلت عليها المصطلحات الفرنسية الحديثة، وعند التحدث في الامور الثقافة والسياسية والمسائل العلمية يتحول الحديث في الغالب الى الفرنسية. ولكن يجب ان لا ننسى انها لغة المستعمر التي فرضت بقانون وعلمت بقانون، وكان المستعمر يمتلك القدرة للوصول الى اغلب مناطق التي استعمرها، وكان يدرك مفهوم الدولة والحدود لانه اساسا من واضعيها وكان شرطا للتوظيف والارتقاء تعلم اللغة الفرنسية.
في حالة شعبنا الكلداني السرياني الاشوري، كان تواجد هذا الشعب في منطقة بيت نهرين وهي تمتد من بحيرة اورميا شرقا الى مناطق الفرات في الغرب ومن منابع الفرات ودجلة وبحيرة وان شمالا الى اغلب العراق الحالي جنوبا. هذا الشعب كان يمتلك لغة واحدة وسميت باللغة الاكدية ،و سادت بعد زوال الممالك السومرية. وهي نفس اللغة التي تكلمها الاشوريين والبابلين مع فارق اللهجة التي تفرضها الظروف الجغرافية والجوار والابتكارات الحديثة، طبعا لم يزل السومرين بلحظة وضاعوا، بل اندمجو في الشعب الواحد وتركوا اثرهم بالتاكيد في اللغة والعادات والتقاليد الشعب النهريني . هذا الشعب النهريني او الاشوري الكلداني السرياني لم يكن يعيش في مدن فقط يمكن السيطرة عليها، بل كان يعيش في قرى متباعدة وكان هذا الشعب يمارس حياته اليومية من خلال مزاولة الزراعة والتي كانت هي مهنة الغالبية، وكان الشعب بالتاكيد في غالبيته اميا، ينقل تجارب السلف الى الخلف. ولم يكن يعلم بما يجري في المدن واعمال الملوك، الا حين جباية الضرائب او المطالبة بالمشاركة في الحملات العسكرية. هذا ليس عيبا بل حالة كانت اغلب الشعوب والامم تعيشها. بل عاشتها الغالبية من الامم حتى العصر الاخيرة، كمثال حالة الامبراطورية العثمانية، التي اتت بعد اكثر من الفين من السنين من سقوط الامبراطورية الاشورية او البابلية الثانية (الكلدانية). اذا السؤال هو كيف تاتي لمثل هذا الشعب الممتد من اورميا ومرورا بالجبال المنيعة الى مناطق طورعابدين، وجنوبا الى مناطق جنوب العراق، ان يغير لغته، خلال فترة قصيرة وهو لم يكن خاضعا لفعل قسري، كما في الحالة الجزائرية مثلا؟ الجواب ان اللغة اصلا في الامبراطورية الاشورية وهي اللغة الاكدية، اما انها كانت قريبة جدا من لغة القبائل الارامية لان الاثنين من منبع واحد، ولم يحدث فيها تغييرات كبيرة بل اظافات تطلبتها البيئة والابتكار الحديث، او الاشوريين والبابليون استلهموا الخط ذو الاحرف الاثنين والعشرون وبقوا على لغتهم. ولكن لغتهم تلك قبل اكثر من الفين من السنين ومع الحروب والدمار الذي لحق بالمنطقة مرارا وتكرارا ومع تعدد المحتلين والدخلاء، كما ان اتخاذ لهجة اورهي كلغة رسمية للكنيسة والنشر وممارسة الطقوس الدينية بها اثر في اللغة المحكية . لم تبقي لغتنا كما كانت فهي ككائن حي تطورت كما تطورت بقية اللغات وتفاعلت مع الجوار، علما ان اغلب اللغات الاخرى كان لها فعل استمرار من خلال بقاء مراكزها السياسية ثابتة وغير مدمرة. كروما مثلا التي استوعبت كل ما انتجته روما واثينا واسبرطة. نعم ان اللغة التي نتكلم بها هي لغتنا، وهي ليست لغة اليهود الذين تم جلبهم كاسرى وكعبيد الى مناطقنا. فالحر لا ياخذ لغة العبيد بل العكس يحدث على الدوام. ومن هنا يمكن القول ان الاشوريين اللذين تم نقلهم الى منطقة الجليل في فلسطين، وكونهم اسيادا من قبل المحتل، فالمفروض انهم فرضوا لغتهم على الاخرين؟ ليس هذا فقط بل ان بعض المؤرخين يقولون بنقل جل او كل اهل الجليل وبهذا فانه يبدو منطقيا ان نستنج ان الاشوريين الذين تم جلبهم الى هذه المنطقة لم يكونوا مضطرين لتبديل لغتهم لانهم يعيشون في مناطق خاصة بهم. ولو علمنا ان الشعوب حينها ما كانت بحاجة كبيرة الى تبادل السلع، لان كل قرية كانت على الاغلب مكتفية ذاتيا في كل شئء والا فكل منطقة كانت حتما مكتفية ذاتيا، لادركنا امور حقيقة انها مثير، وهي ان اهل الجليل في فلسطين كانوا اشوريين حين ولد السيد المسيح، وبالتالي فان نسبه الوارد في انجيل متي قد لا يكون حقيقيا بل رمزيا، وان يوسف ومريم الاب والام المفترضان ليسوع المسيح هم من اصل اشوري. وبالتالي ان يسوع المسيح سيكون اشوريا.
يؤمن البعض ان الاشوريين قاموا بنقل ما لا يقل عن اربعمائة الف يهودي الى دولتهم، ولنكن منصفين ونقول انهم نقلوا على دفعتين او ثلاثة، فهل معنى ذلك ان الجيش الاشوري كان يمتلك تلك القوة والقدرة على نقل مائتنا الف شخص بين رجل وامراة وطفل لمسافة تتجاوز اكثر من الف كيلومتر، وسيرا على الاقدام، لان الجيش بالكاد كان يمتلك احصنة وعربات لمنتسبيه، لا بل ان غالبية الجنود كانت تسير مشيا. فما هي القوة التي امتلكها هؤلاء ليتمكنوا من نقل كل هذا العدد ولهذه المسافة، وفي زمن كانت الاوبئة تفتك بالناس وخصوصا في التجمعات الكبرى، علما ان انتقالهم من الجليل في فلسطين الى الاراضي الاشورية في الجبال كان يستغرق اسابيع عدة ان لم نقل اشهرا. والامر الاخر لماذا سبا الاشوريين والكلدان بعدهم اليهود فقط؟، انه سؤال منطقي من المفترض الاجابة عليه، وخصوصا ان الاشوريين والكلدان احتلوا بلدان اخرى، مثل مصر ومناطق الساحل الشرقي للبحر الابيض المتوسط ومناطق في ارمينيا وقلب الاناضول ومادي وغيرها، فلماذا كان الاصرار على نقل اليهود الى مناطقهم دون الشعوب الاخرى؟، الا نرى في القصة امرا غريبا وتضخيما كبيرا او محاولة رمزية لتفسير التشتت اليهودي. والسؤال الذي لايسأله احد كيف زال الشعب الذي جلب هؤلاء الاسرى، وبالتاكيد كانت له قدرة البقاء اكبر ممن اسرهم لانه كان صاحب الارض وصاحب الثروات. وبقت الاسر المجلوبة كاسرى اليس كل ذلك افتراض مثير للغرابة؟ من هذه الاسباب واسباب اخرى ارى ان نظرية غرانت والتي تبناها سوسة غير صالحة وغير منطقية. اي اخضاع الاحداث للمناقشة المنطقية والعقلية، وليس لانني مختص في التاريخ وهذا امر لم ادعيه ابدا. والان لناتي ببعض الامثلة مما كتبه الدكتور احمد سوسة، ونناقش ذلك ايضا من خلال المنطق والعقل، ولنرى الى ماذا سيقودنا نقاشنا.
يقول الدكتور سوسة في مقدمة الكتاب مايلي (( ان التاريخ القديم ليهود العراق يكون صفحة مظلمة من تاريخ الحضارة البشرية جمعاء افلح اليهود من طمسها لاكثر من الفين وخمسمائة عام، اذا دونوا في الاسر في بابل تاريخا زائفا لاصل اليهود ونسبهم وعلاقتهم بالاقوام الاخرى وبالعالم القديم وفق اهوائهم ورغباتهم الدنيوية ونزعاتهم الدينية، وقد قبل العالم كله هذا الزيف وظل الباحثون والكتاب يرددونه وكانه حقائق تاريخية، حتى ظهرت الاكتشافات الاثارية الحديثة فكشفت لنا زيف الادعاءات اليهودية، كحقهم في ارض العرب وما الى ذلك من الادعاءات الوهمية.)) اولا لماذا تاريخ اليهود في العراق يكون صفحة مظلمة في تاريخ الحضارة البشرية، هذا الامر لم يقله لنا الدكتور سوسة، بل قرره واصدر حكمه على هذا التاريخ دون اي نقاش، ثانيا من قال ان الارض التي يقول اليهود بانها ارضهم التاريخية هي ارض عربية؟ ولماذا علينا ان نصدق كل ما قاله المؤرخين العرب من ذوي النزعات القومية العربية؟ وما هي الادعاءات الوهمية الاخرى؟ اليس من الطبيعي ان يتاثر اليهود المجلوبين اسرى بتاريخ وملاحم واساطير البابلين وهم اي البابلين اكثر تقدما ورسوخا في الحضارة والمدنية من اليهود الذين اتوا بابل، وهل التاثر ونقل التاثير وهو يحدث غالبا بشكل غير مباشر وقد لا يشعر الانسان به، بل يعتقد ان ما ينقله هو ايمانه الخاص، يعتبر خدعة ام انه مشاركة وجدانية وطبيعية؟ واذا كان التوراة قد دون في بابل اليس من المعقول ان نقول ان ما ورد عن تهجير الاشوريين لليهود كتب ايضا في بابل حسب الدكتور سوسة، وانه كتب فقط لتفسير وجود اليهود في منطقة اشور وحدياب. ويقول في المقدمة ايضا (( ولم يكتف الصهاينة بالادعاء ان فلسطين وطنهم منحها لهم ربهم يهوه والادعاء بان العراق موطنهم الثاني، بل راحوا يدعون ان شبه جزيرة العرب وطن اليهود ايضا ومنها ذهبوا الى فلسطين ففتحوها (كذا). وهذا الفتح كان سببا في نشر الثقافة والحضارة في فلسطين (كذا).)) من الواضح ان الدكتورسوسة يحاول بكل السبل ان يسخف الدعوات اليهودية في الارض الموعودة، والكتاب اساسا وضع لهذه الغاية ووضعه كلمة (كذا) وهي حرف استهجان، اذا اليس من المعقول ان نستنتج ايضا ان الدكتور سوسة يحاول بكل الطرق ان يجعل منا نحن على اننا كنا يهود ومن اتى الى فلسطين لا علاقة لهم بها؟ انظروا الصقحة 15 من الكتاب يقول فيها (( ان اقدم وجود لليهود في العراق يرجع الى عهد الامبراطورية الاشورية العراقية الاخيرة الذي دام ثلاثة قرون من عام 911 _ 612 ق م وذلك حين حرر الاشوريون فلسطين من اليهود في عدة حملات قاموا بها على فلسطين ونقلوهم اسرى الى شمال العراق في اماكن جبلية نائية واحلوا محلهم اقوام من مختلف مناطق الامبراطورية الاشورية)) انظروا الى مصطلح حرر الاشوريون فلسطين، ماهوالعقل السياسي والتاريخي الذي يسمح لنفسه بمنح الاحتلال الاشوري لفسلطين صفة التحرير، غير العقل العروبي الذي يبرر لنفسه كل شئ وينكر للاخر نفس ما يبرره لنفسه؟ وهل كانت فلسطين جزء من اشور لكي يحررها الاشوريون؟ انه العقل الذي يقول ان الاشوريون هم عرب وبالتالي فانهم كانوا يحررون ارضا عربية، وبهذا يمنح الدكتور سوسة للعروبة بعدا تاريخيا ليس لا تستحقه بل تغمط حق بقية الشعوب في تاريخها ووجودها. بل هو يقرر ان هذه الارض كانت عربية قبل قدوم العرب، وان اليهود المتواجدين في فلسطين قبل اكثر من ثلاثة الاف من السنين كانوا محتلين لها، وهذا هو المفهوم الاخر لكلمة تحريرها من قبل الاشوريين، فهل حقا ان ما كتبه السيد سوسة هو الحقيقة ام انه ايدولوجية تبريرية ونوع من النفاق للفكر العروبي الشمولي والتماهي من دعوات الاسلام في الارض الاسلامية. انظروا الى ما يقوله في الصفحة 19 (وتنسب التوراة التي دونها الاحبار اليهود في وقت لاحق الى موسى زورا ان الاله ((يهوه)) اله اليهود امره بان يحتل فلسطين الارض الموعودة بعد ابادة سكانها، شيوخا ونشاء واطفالا ليحل اليهود محلهم فيها)) دون سند من التوراة انه يمرر المعلومة وكانها حقيقة مطلقة، والامور الاخرى تنسيب كتابة التوراة الى الاحبار اليهود، وليىس الى كلمة الله. والمثير انه يفصل بين اله اليهود يهوه واله الاخرين او الله بالعربية، وهي امور لا يقرها حتى الاسلام الوسطي المتعايش مع الاخرين. والله كما نعلم وجه موسى الى فلسطين لينقذ شعبه من الفرعون، وكان فيها الكنعانيين وليس العرب. ومن الصفحة 27 لناخذ هذه الفقر(( وهذا ان دل على شئ فانما يدل على ان ما سمته التوراة بمملكة اسرائيل لم يكن اكثر من قبيلة لم ترتفع الى مستوى المملكة او الدولة، واستعمال هذا المصطلح للدلالة على القبيلة كان ولا يزال شائعا عند العرب منذ القديم كبيت داود مثلا عند اليهود)) فهو هنا ينكر ان يكون لليهود دولة باسم دولة اسرائيل ليزيل عن اسرائيل الحالية الصفة التاريخية، من ناحية اخرى يريد ان يقنعنا ان الاشوريين قد سبوا من القبائل اليهودية ما يربوا على اربعمائة الف نسمة ومن جهة ثالثة يظيف تسمية العرب على اليهود وعلى الاشوريين من خلال تاكيده ان استعمال مصطلح بيت متبوعا باسم ما هو استعمال عربي في حين انه استعمال عم المنطقة التي تكلم اصحابها بمختلف اللهجات السريانية. وفي الصفحة 28 يورد الدكتور سوسة عن سرجون الثاني ما يلي (( وفي السنة الاولى من حكمي حاصرت السامرة واستوليت عليها. ونقلت الاسرى من تلك المنطقة ما يبلغ عددهم 27,290 نسمة وقد عثر الخبير الاثاري بوتا سنة 1843 بين اطلال مدينة سمأل (زنجرلي) عاصمة الاراميين في شمال غربي سورية على مسلة سرجون الثاني نقش عليها باللغة الاشورية وبالخط المسماري تفاصيل الحملة الاشورية على اسرائيل التي انتهت بالقضاء عليها وحمل اليهود الى الاسر في اشور.)) من هذا المقطع نفهم ان المؤلف يعترف بانه كان وجود لاسرائيل التي حاول تفنيد وجودها في ما سبق الاشارة اليه، وان ما نقله سركون هو اسرى وليس سبا يهود بالجملة، والاسرى كانت تستعمل للمحاربين، وان عددهم حوالي 27,290 اسير لكن لا يقال كم وصل منهم الى ارض اشور، واين تم توزيعهم، وبالتاكيد ان الاسير كان اما يباع كعبيد او يجعل منه عاملا في الاراضي التابعة للملوك والمعابد. وهنا لا اشارة الى عملية تبادل للسكان، كما ان الشكوك كبيرة بعدد الاسرى وهذا لانه من الناحية المنطقية اذا كان هذا عد الاسرى فكم كان عدد الجيش الاصلي، ومن ناحية كم كان عدد السكان، ونحن نتحدث عن اكثر من الفين وسبعمائة سنة من الان.
اما في الصفحة 31 فينقل عن الملك سنحاريب الذي يصف انتصاراته على يهوذا مايلي ((اما حزقيال اليهودي فلم يرضخ لسلطتي فحاصرت 46 مدينة من مدنه الحصينة عدى القرى المجاورة التي لا يحصى عددها واستوليت عليها كلها باستخدام انواع الالات الحربية والمنجنيقات مما ساعدنا على الاقتراب من الاسوار واختراقها. وقد اخذنا منهم (يضع المؤلف كلمة اليهود بين قوسين للتاكيد عليها) 200,150 نسمة رجالا ونساء، اطفالا وشيوخا، مع حيواناتهم من الخيول والبغال والحمير والجمال، كبير وصغير، لا تحصى، هذه كلها غنائم استولينا عليها. هو شخصه (حزقيال) جعلته حبيسا في اورشليم في قصره كالطير في القفص واحطته باكوام من التراب للتضييق على كل من يحاول الخروج من المدينة. سلمت مدنه التي استوليت عليها الى ((ميتيني)) ملك اشدود و((بادي)) ملك عقرون و((سيلبيل)) ملك غزة)) ((وفي عهد اسرحدون اسر الحيش البابليين منسي ملك يهوذا وارسلوه الى بابل مكبلا بالقيود راسغا بالسلاسل سنة 672 ق م وبعد مدة رفق به اسرحدون وارجعه الى اورشليم فبقى خاضعا له))
هنا ايضا مفارقات قد لا تصمد امام المناقشة، فمثلا المعروف عن الملوك الاشوريين جلبهم للقادة والملوك الذين هزموهم الى بلدانهم لكي يبقوا في الاسر ولا يحاولوا التمرد مرة ثانية، ولكن هنا نرى الامر بشكل مغاير، فحزقيال يبقى في قصره وفي مدينته، ويؤتمن عليه من قبل جيرانه. وبالنسبة للعدد المفترض للاسرى وقد ناقشناه سابقا فاننا نراه كبيرا جدا حتى ضمن امكانيات اليوم كما ان عدد مدن يهوذا هو عدد مرتفع جدا وخصوصا انه يستثني القرى كما قراتم،طبعا يفهم ان هذه المدن تقع في منطقة يهوذا فقط اي جزء من الضفة الغربية، فهل يوجد في كل فلسطين بضمنها غزة حاليا 46 مدينة ليكون في حزء منها هذا العدد . وفي فقرة اخرى نرى جيش بابل في زمن اسرحدون ياسر منسي ملك يهودا ولكن اسرحدون يراف به ويطلق سراحه، الا ترون في كل هذا نوع من تركيب جمل لا علاقة لها بالحقيقة. فمن هو جيش بابل، ولماذا يكون تحت امرة اسرحدون ملك نينوى، اليس من المفترض ان يكون الجيش واحدا في ظل قيادة ملك واحد؟
في الصفحة 32 يذكر احمد سوسة الاماكن التي تم نقل اليهود المسبيين اليها لنقراء الفقرة (( اما الاماكن التي نقل الاشوريين اليهود المسبيين اليها وهي تقع ضمن حدود شمالي العراق وضمن تركيا وايران الحالية، وتعمد الاشوريون توزيعهم على هذه المناطق للحيلولة دون تجمعهم وتكتلهم في مكان واحد ومحاولة رجوعهم الى فلسطين كما اشرنا الى ذلك)). ولان الفقرة طويلة فاننا ننصح بالرجوع اليها في الصفحة 32 والصفحة 33 .حيث يذكر المؤلف مناطق نقل اليهود منسوبة الى التوراة وهي حلح وخابور نهر جزان وهارا ومدن مادي ويقول ان المناطق الثلاثة تقع في حوضي نهر الخابور والبليخ وهذ المناطق تقع كلها في مناطق شمال شرق سورية وهي تبعد عن مناطق تواجد النساطرة في مناطق سهل نينوى وجبال حكارى. وهارا هي حران التركية. اما مدن مادي فهي تقع قرب همدان او نهاوند وهذه المناطق تبعد مئات الكيلومترات عن المناطق الطبيعية لتواجد ابناء شعبنا سواء في منطقة السهل او مناطق الجنوب وحتى عن منطقة اورمية. وبعد ذلك ينتقل وكان ماقاله حقائق مترابطة في نفس الصفحة يقول ((وقد كون اليهود المسبيون الى جبال شمالي العراق لهم قرى بين السكان الاكراد في المنطقة، وبقوا منعزلين عن يهود فلسطين واليهود في البلاد الاخرى، فقلدوا الاكراد في نمط معيشتهم حيث صاروا يمارسون الاعمال الحقلية الزراعية وتربية المواشي تحت حماية رؤساء القبائل الكردية))
فمن سكنهم قرب نهرب الخابور في سوريا وليس خابور العراق علما ان الدكتور يقول ان هناك خابور اخر قرب بابل لم نقع على ذكر له، والمناطق المجاورة وحران التركية وهمدان الايرانية وهي مناطق متباعدة وبعيد ايضا عن مناطق سكن الاشوريين الى كون لهم اليهود قرى بين سكان الاكراد، طبعا هنا اما ان الدكتور يطفر عصورا عديدة، اي منذ القرن السابع قبل الميلاد الى القرن الثامن عشر او التاسع عشر الميلادي، دون توضيح لهذه الطفرة الزمانية، ودون توضيح لمصير السكان الاصليين الذين تحولوا بقدرة قادر الى اكراد. فاليهود في فلسطين لم يكونوا فلاحين، ولا حتى خلال كل الفترة الممتدة من سبيهم الى ظهور الاكراد في القرن السادس عشر والسابع عشر، حيث تعلم منهم اليهود الزراعة وطريقة الملبس. مرة اخرى لماذا بقى اليهود وزال السكان الاصليين، هذا السؤال الذي لم يجب عليه احد، ولماذ تحول اليهود الى المسيحية وبقى بعضهم على دينهم، وتجاور الطرفين في المسكن وتشاركوا في الملبس وطرق المعيشة. وللعلم فان الاشوريين في القرون الاخيرة انقسموا حالهم كحال بقية شعوب المنطقة، الى العشائر، التي لم تكن تمتهن الزراعة بل فقط الرعي، والفلاحين، العشار تمتلك القوة العسكرية والرعية هي التي تعمل في القرى وكانت غالبية القرى تقع في مناطق الاغوات الكورد، والقليل منها يقع في مناطق العشائر الاشورية. اما اليهود فقد كانت لهم قريتان معروفتان هي صندور قرب دهوك، وقرية بيت تنوري في برواري بالا كان يقال لها ايضا بي هوذاي او بيت اليهود، وقد توزع بقية اليهود في مناطق سكن الاكراد والاشوريين، وخصوصا في المدن، حيث مارسوا التجارة على الاغلب. وان طبيعة المنطقة وطبيعة ان الصناع هم من مصدر واحد فرضت تشابه القماش ونوع الملبس على الجميع.
وفي نفس الصفحة يقول الكاتب ((ومن المهم ذكره في هذا الصدد ان هذه الجماعات من اليهود المسبيين الى شمالي العراق، على الرغم من مرور حوالي 2800 سنة على دخولهم العراق، كانوا قبل هجرتهم الى فلسطين يتكلمون بلغتهم الارامية عند سبيهم الى المناطوق الكردية وهي نفس اللهجة الارامية التي يتكلمها المسيح، وكانت تعرف بالترجوم ويقصد بها الفرع الغربي من اللغة الارامية التي كان يستعمل في منطقة فلسطين واليها ويقول الدكتور هنري فيلد في كتابه انثروبولوجية العراق ان شيوخ قرية صندور اليهودية الكردية في شمالي العراق يؤكدون ما تناقلوه عن اجدادهم من ان اصلهم من يهود فلسطين الذين نفاهم الاشوريين في زمن سنحاريب ملك الاشوريين وهم ساكنون في قريتهم ولم يتركوها الا في مناسبتين حين اجبرتهم بعض القبائل الكردية على مغاردتها بصورة وقتية)) الغريب انه يراد لنا ان نصدق بان اليهود قبل السبي وبعده باكثر من 2800 سنة ظلوا يتكلمون لغتهم التي جلبوها معهم من فلسطين، كما يراد منا ان نقتنع ان السيد المسيح تكلم لغة هؤلاء اليهود رغم مرور حوالي ثمنمائة سنة على انفصالهم عن ارضهم وكان اللغة بقت ثابته رغم ان متعلميها كانوا قلة نادرة في ذلك الزمان. علما ان لغتنا التي نتكلم بها والتي تكلم بها اجدادنا في زمن غرانت والتي نطلق عليها سورث او ( سورث سواديتا) هي نفس اللغة لانه في زمن غرانت بداء تدوينها والكتابة بها ومن ثم تم وضع القواعد اللغوية لها. وبالتالي لا تغيرات تذكر فيها غير تغيير بعض الكلمات الدخيلة. ولغتنا لها ارتباط بالسريانية الشرقية التي هي جزء من الارامية الشرقية وليس الغربية. وللغتنا ارتباط بارث بيت نهرين الثقافي واللغوي، فتصاريفها وبناءها القواعدي يختلف عن اللغة السريانية الشرقية المستعملة في الكنيسة اي التي نطلق عليها اللغة الادبية ( سورث سبريتا). وللعلم ان اليهود في العراق تكلموا بها ايضا ولم يتكلموا الارامية الغربية او الفلسطينية كما يدعي المؤلف، لا بل لا يزال البعض يتكلمها في اسرائيل وخصوصا من كبار السن. (( وفي الصفحة 56 يقول الكاتب والدليل على ان اكثرية اليهود الذين سباهم الاشوريون الى منطقة شمالي العراق والى جبال تركيا وايران اصبحوا بحكم المفقودين نتيجة تنصرهم، ان اليهود الذين تمركزوا في بابل من سبي الكلدانيين فيما بعد لم يشيروا في كتاباتهم الى وجودهم في جبال كردستان، وسبب ذلك انهم كانوا يعتقدون انهم اندمجوا بمحيطهم الوثني واخذوا بالوثنية ديانة اهل المنطقة التي حلوا بها وقد سبقت الاشارة الى ذلك))
لا حظ ان الكاتب يقول بنقل اليهود المسبيين الى شمالي العراق وجبال تركيا وايران، في حين انه كان قد قال سابقا بنقلهم الى خابور الواقع في سوريا وحواليه بالاظافة الى تركيا وايران وانهم اصبحوا شبه مفقودين نتيجة تنصرهم. ولكن المفارقة الكبيرة التي يقع فيها اعترافه بان اليهود المسبيين الى بابل لم يتصلوا باقرانهم لاعتقادهم انهم اندمجوا في محيطهم الوثني، فاي من الرايين يجب ان نصدق، فاليهود الذين تحولوا الى الوثنية لم يعودوا يهودا بالمعنى الديني، اما المعنى القومي فقد ضيعه لانه اندمج بالمحيط الوثني اندماجا وليس لانه اتخذ من الديانات الوثنية دينا له فقط وتعلق بلغته، علما ان المفهوم القومي لم يكن معروفا حينذاك ولم يؤخذ به كاساس لوحدة الناس. فاذا الوثني وان كان من اصول يهودية فحال اعتناقه المسيحية لن يقال له انه كان يهوديا وصبا الى المسيحية بل يقال صبا من الوثنية الى المسيحية.
ولتبرير قلة عدد اليهود المتبقين في العراق والذين سافروا بغالبيتهم الى فلسطين ب 13000 ثلاثة عشر الف، يعتقد ان سبب ذلك لانهم تحولوا الى المسيحية انظر ص 57 ، ولكن مرة اخرى لا يوجد من يسال ولكن اين السكان الاصليين، الذين جلبوا هؤلاء الاسرى؟ لا احد، الدكتور غرانت وخلفه الدكتور سوسة سائرين الهوينا لتثبيت نظريتهم دون ان يقولوا شيئا عن مصير السكان الاصليين لا بل على حسابهم!!
في صفحة 58 و59 يناقش احمد سوسة تحول المسيحيين الى مذهب المعروف بالنسطوري في المحافل المعادية لمذهب كنيسة المشرق، والذي يقول بطبيعتين في المسيح دون اندماج، بمعنى الطبيعة الالاهية والطبيعة الانسانية اللاهوت والناسوت. ويقول انهم عرفوا بالنساطرة،وهي تسمية لم تقل بها كنيسة المشرق ولم تعترف بها، رغم انهم لم يحرموا نسطورس، ولكي اكون اكثر صدقا بعض الكنائس التي اقيمت في بغداد والموصل كتبت على واجهاتها الكنيسة النسطورية ولكنها بقت محدودة ولم تكن رسمية لان التسمية الرسمية للكنيسة كان الكنيسة المقدسة الرسولية الشرقية، ويطرح انهم عرفوا بالتيارية، وهذا ايضا مخالف للحقيقة فاتباع الكنيسة التي كانت تضم غالبية مسيحي العرق الحالي وتركيا الحالية وكل مسيحي من ابناء شعبنا في ايران لم يكونوا يعرفون بهذه التسمية، فالتيارية هم عشيرتين كبيرتين من مجموع العشائر الاشورية، ولكن كان هناك اتباع لهذا المذهب تحولوا الى الكثلكة والارثوذكسية في القرنين الاخيرن واتباع بقوا على كنيستهم ولكنهم ليسوا تيارية. واحد المفارقات التي ياتينا بها الدكتور سوسة انه يقول ان الاثوريين او الاشوررين هي تحريف لكلمة السريان، ولكن غالبية كتاب شعبنا ولغويه يقولون بعكس ذلك، اي ان السريان هي تحريف من الاشورية ويمكن العودة الى القواميس اللغوية لتوضيح ذلك. والدكتور سوسة يعود الى النغمة المحببة للمؤرخين العراقيين من امثال الحسيني والدرة، من ان اطلاق التسمية الاشورية او الاثورية كان مؤامرة لتحقيق غايات استعمارية انكليزية، هذه النغمة التي كذبتها الايام ونضال شعبنا في كل المجالات وكذبتها حقيقة المطالب المتواضعة لقيادات شعبنا، وفضحتها الممارسات اليومية للحكومات العراقية المتعاقبة، حيث لم ترحم تلك الحكوما الانسان العراقي الذي ادعت انها تدافع عنه وعن قيمه، فكيف بها مع المغاير من امثال الاشوريين والكورد والتركمان. ويدخل الدكتور سوسة في شرح الانقسامات اللاهوتية المسيحية ولا يجد كما يقول افضل من منيف الرزاز القيادي البعثي ليعتمد عليه في شرح هذه الانقسامات التي يشرحها منيف الرزاز معتمدا على ايديولوجيته العروبية ليس الا، انظر الصفحة 89.
في الصفحة 91 وفي شرحه لتطور الكنيسة الشرقية يقول ان برصوما (يكتبه بار صوما) والذي يمنحه لقثب زعيم النسطوريين توجه الى فارس ليحموه من الروم، والغريب ان الدكتور سوسة يقول ان الملك الفارسي فيروز جعل النسطورية دينا لكل المسيحيين في بلاد فارس. فاخذ مؤيدوا نسطورس بقيادة برصوما يجبرون الاثوريين (هكذا ذكر اي ان الاثوريين كانوا موجودين في القرن الخامس الميلادي) بالحديد والنار، على تقبل تعاليم نسطورس. شخصيا كنت قد كتبت مقالة في مجلة المثقف الاثوري في عام 1977 تحت عنوان ((برصوما بين الحقيقة والافتراء)) لنفي هذه التهمة عن برصوما التي لم تثبت عليه حقا.
في الصفحة 107 يقول الدكتور سوسة ((وتعرف اليوم اللهجة الارامية الغربية ب (السورث) ما يزال بعض المسيحيين ((والصحيح وبعض المسلمين ايضا)) في القرى الواقعة شمال شرق دمشق يتكلمون بها وقد خالطتها اللغة العامية الدارجة فتاثرت الى حد بعيد في الفاظها باللغات التي سادت تلك المنطقة ولم تزل هذه الارامية مستعملة في اربع قرى واقعة في الشمال الشرقي من دمشق وهي معلولا ونجعة وجب عبدين وصيدنايا ومع ان هذه اللهجة وليدة الاحتكاك بين اللهجتين الغربية والشرقية فانها تعتبر من اللهجات الشرقية الا انها تعد بقية حية من الارامية. والى وقت قريب كان اليهود القاطنون في شمالي العراق يتكلمون بالارامية)) هنا يخلط الدكتور سوسة الحابل بالنابل فمرة يقول ان لغة القرى قرب دمش تعرف بالسورث وهي ليست كذلك فالسورث هي اللغة التي يتكلم بها ابناء شعبنا في العراق وتركيا وايران وشمال شرقي سورية وحتى لهجة طور عابدين يمكن ان تنظاف اليها لقربها من السورث ويقال لها سوريويو، الا ان لغة القرى القريبة من دمشق هي لغة ارامية قديمة وهي الاقرب للغة السيد المسيح، كما ان يهود العراق تكلمو السورث التي تعلموها من ابناء العراق الاصليين وليس لغة قرى دمشق.
في الصفحة 121 يقول الدكتور سوسة ((ترجع المرحلة الثانية لوجود اليهود في العراق في تاريخ العراق القديم الى ما قبل حوالي 2500 سنة (اوائل القرن السادس قبل الميلاد)، وذلك حين جاء بهم الكلدانيون اسرى الى بابل في حنوبي العراق)) ولا اعتراض لنا على هذاولكن وضعناه هنا للعلم، ولكن الدكتور سوسة في الصفحة 125 ينقل التالي ان (( نبوخذنصر شن حملة على يهوياقيم لانه تمرد عليه، ولكن يهوياقم توفي وخلفه ابنه يهوياكين الذي استسلم لنبوخذنصر، فسبى نبوخذنصر كل يهود اورشليم وكل الرؤساء وجميع جبابرة الباس عشرة الاف صبي وجميع الصناع والاقيان، لم يبقى احد الا مساكين الشعب الارض، كما سبى يوهوياكين وامه ونساءه ورجاله من اورشليم الى بابل. اما السبسي الثاني فقد كان بسبب خيانة صدقيا الملك المعين من قبل نبوخذ نصر وعم يهوياكين، وفيها شن نبوخذ نصر حملة كبيرة ادت الى تدمير اورشليم وسلب كل مافيها وجلب حوالي 50.00- اسير وهؤلاء كما الذين سباهم الاشوريون كانوا يتلكمون اللهجة الارامية الخاصة بهم -الترجوم))
وفي الصفحة 126 يقول المؤلف مايلي ((والمهم ان نلاحظ ان الكلدانيين خلافا لما قام به الاشوريين من تشتيت الاسرى وابعادهم الى مناطق جبلية المنعزلة نائية، جاوا بسباياهم من الاسرى اليهود الى مركز الدولة (بابل) واسكنوهم في جوار مدنهم وقراهم مما مكنهم من التجمع في المنفى والاستمرار في ممارسة تقاليدهم وطقوسهم الدينية وتكوين مجتمعهم الخاص بهم. وقد اكتسبوا لغة الكلدان ثم اللغة العربية التي حلت محل اللغة الارامية التي كانوا يتكلمون بها.)) اما في الصفحة 129 فيقول الدكتور سوسة (( ويعتبر اليهود بابل وطنهم الثاني. الا ان شروط المواطنة الاساسية وهي الوطن الواحد والتاريخ الواحد والتراث المشترك غير متوفر فهم اسرى رهن العبودية لدى الكلدانيين))
في الوقت الذي نرى في السرد العام للكتاب ان الاشوريين قد شتتوا اسراهم وسباياهم الى مناطق متفرق ومتباعدة وهي ليست نفس مناطق تواجد من بقى من شعبنا، نرى ان الاسرى والسبايا يتمكنون من البقاء والاستمرار لا بل فرض لغتهم على السكان الاصليين حسب الدكتور احمد سوسة. ولكن اليهود المتجمعين في مناطق قريبة في بابل يتعلمون لغة الكلدان ومن ثم العربية ويصبحون بمرور الزمن مستعربين، رغم انهم متجمعين وحافظوا على معتقداتهم. انه منطق معوج ومتناقض، فالكلدان والاشوريين كانوا يتكلمون لغة واحدة وان تعددت اللهجات بين مدينة واخرى، وهم كانوا في واقع حضاري وثقافي واحد، فكيف لاحد الطرفين ان ينصهر في سباياه واسراه في حين انصهر الاسرى والسبايا في الطرف الثاني، على الاقل من الناحية اللغوية؟
يقول الدكتور سوسة في الصفحة 139 (( اما عدد الذين عادوا برعاية زربابل، فقد جاء في سفري عزرا ونحميا ان عددهم كان 42360 نسمة وهذا عدا عبيدهم وامائهم الذين بلغوا 7337 نسمة وحيواناتهم من خيول وبغال وجمال وحمير. ولكن الراي الحديث لا يميل الى الاخذ بهذه الاعداد لاتسامها بالمبالغة. ويرجح المؤرخين ان الذين رجعوا انحصر في اولئك الذين لم يفلحوا كثيرا في الارض الجديدة والمتعصبون لاعادة بناء الهيكل )) اذا الاسرى والسبايا صار لهم ثروات واماء ولكن الدكتور يقلل من اعداد العائدين، ويحصر في من لم يندمج في الحياة الجديدة التي من المفترض ان تكون قد مر عليها سنوات طوال والمتعصبين، ولكن كيف لمن لمن يفلح ويندمج ان يمتلك اماء وبغال واحصنة؟ وان الدكتور يحاول تقليل عدد العائدين ويتهمهم بالكسل والتعصب، لكي يرضي نفسه ليس الا في ان لا حق ليهود في ارض فلسطين، ولكن في صفحة اخرى انظر صفحة 143 يقر الدكتور سوسة بعودة الاف اخرى من اليهود الى فلسطين بقيادة عزرا.
في الصفحة 140 في وصف ثراء اليهود وتقدمهم في بابل يقول الدكتور سوسة ((وقد ذكر في صفائح العقود ، اي العقود التجارية، تاريخ اليوم والشهر والسنة التي فيها العقد. وبلغ هذا المعهد قمة عزه في الغنى والنفوذ في عهد الملك نبوخذنصر (605_562 ق. م.) ويبدو ان مؤسس هذا المعهد عاش في عهد الملك سنحاريب سنة 658 قبل الميلاد اي نحو قرن.)) ففي الوقت الذي يقول الدكتور سوسة ان وجود اليهود في بابل يرقى الى عهد السبي البابلي في زمن نبوخذ نصر، نرى هنا انه يقول ان مؤسس المعهد المالي الراقي قد كان في زمن الملك سنحاريب.
مع اقرارنا باهمية الاسماء في الدلالة على الهوية القومية، فاننا يجب ان ندرك ان الوعي بالانتماء القومي هو الذي يفرض الاسماء، فمن عاش محيطا دينيا وغلبت عليه الامية ولم يكن له من منبع للاسماء الا اسماء الاقران والاباء والاجداد او ما يكرم به كاهن القرية، لا يمكنه ان يستنبط الاسماء من واقعه ومن لغته لانه اساسا لا يعرفها، وان عرفها تكلما فان المحيط يفرض الاسماء لاسباب دينية وللذكرى وللشعور باعادة احياء شخص حبيب على القلب. من نا حيتي كتجربة في هذا المضمار، سميت ابني باسم كنو وهو اسم والدي ويعني يوخنا ولكنه معدل ومحور بحسب لغتنا ونطقنا لاغلب الاسماء، ابني الثاني سميته كشيرا، ويعني المجتهد وهو اسم معنى، ولكن اختي خابرتني من بغداد قبل عماده، انها شاهدت العم كوركيس في حلمها وتعتقد انه مار كوركيس وطلبت ان اسميه كوركيس وهكذا رضوخا سميته في العماد كوركيس، اما ابنتي فسميتها كنارا. المتتبع للتطور الوعي القومي في ابناء شعبنا، سيجد ان الاسماء كانت بغالبيتها وخصوصا اسماء الذكور من الكتاب المقدس بعهديه، ولكن التطور في الوعي القومي بداء يفرض اسماء قومية فعادت اسماء سركون ونينوس واشور وشميران وغيرها، ولكن نافستها في ما قبل منتصف القرن العشرين الاسماء الاجنبية لاننا بدانا نختلط بهم، فشاهدنا اسماء جورج واليزابيت وهي الصيغة الاوربية لتسمية ايلشوا عندنا، واسماء الممثلون الاجانب، وبعد هجرتنا الى المدن نجد اسماء سمير وعادل وسميرة، عودة الوعي القومي واستقواءه في سبعينيات القرن الماضي اعادت الاسماء القومية وخصوصا اسماء الملوك الاشوريين، ولكن صاحبها تطور بترويج الاسماء المعتمدة على المعنى، مثل اتا، كنارا، دومارا، كشيرا، اترا، اترن الخ،. واذكر اننا كنا في شبابانا عندما كنا نعمل لجان الشبيبة الكنسية والتي كنا نسميها لجنة الشباب الاثوري مرفقا باسم الكنيسة، كنا نعمل جهدنا لتوعية الاباء والامهات باهمية التسمية ونقترح عليهم تسميات من تراثنا القومي او من اللغة. لو لاحظنا جيراننا الكورد، فاننا سنجد اغلب اسماءهم قبل خمسين سنة وما يزيد، من الاسماء الاسلامية ، ولكن لان نجد شورش، وافين، ودلبر. وهكذا بالنسبة للاسماء الفارسية والتركية فهل معنى ذلك ان الكورد والترك والفرس لم يكونا قوميات قبل استعمالالتسميات القومية ومن ثم صاروا قوميات بعد ذاك؟. اذا مسالة الاسماء مرتبطة بالوعي القومي، والمحيط المعاش والتجارب التي تحيط بالانسان. اما بالنسبة لاسماء البطاركة فانني اقر انني بنيت كلامي عن اسماء البابوات عل بعض الاسماء التي هي مشتقة من الكتبا المقدس مثل جون ويوهان وبول، والتي هي المرادفات لاسماء مثل بولص ويوحنا. ولكن بالنسبة لبطاركة كنيسة المشرق والتي لم تكن قومية بل عالمية، فقد كانت الاسماء بغالبيتها معتمدة على اسماء قديس واباء الكنيسة والاسماء الاولى كانت في الغالب من الكتاب المقدس بعهديه، والخلف كرر اسم سلفه في الغالب.
اما عن اللغة ودورها فلا احد ينكرها، ولو لم نعي اهمية اللغة لما رفعنا منذ زمن طويل شعار لغتك وجودك يجب ان تحافظ عليها (ܠܫܢܘܟ̣ ܝܠܗ ܐܝܬܘܬܘܟ̣ ܘܠܐ ܕܢܛܪܬܠܗ)̤ وهو الوعي الذي جعلنا في شبابنا نفني الكثير من وقتنا في تدريس اللغة ونشرها بين اطفال ابناء شعبنا في بغداد والمهاجر وهو الوعي الذي جعلنا نكتب عدة مرات ونصرخ طالبين عدم اهمالها وخصوصا في الكنيسة الكلدانية والسريانية الكاثوليكية التي صارت اغلب قداديسها بالعربية، ويمكنكم العودة الى ما كتبناه في هذا الصدد.
يعيب على الدكتور ليون برخو انني لا افرق بين اليهودية كدين واليهودية كقومية، لا ادري كيف استنتج هذا؟ علما انني ذكرت في بداية مقالتي السابقة التالي ((في نهاية السبعينيات صدر كتاب ملامح من تاريخ يهود العراق للباحث العراقي احمد سوسة، وقد تم سحبه من الاسواق بعد صدوره لانه في بعض الفقرات منه يؤيد ولو ضمنيا ادعاء اليهود بالانتماء القومي)). علما ان اليهودية بالاساس هي دين، والقومية مرتبطة باللغة العبرية والتراث العبري والتاريخ اليهودي، شئ مهم هنا ان اليهودية مندمجة تقريبا، فلا يهودي خارج اطار الامة والقومية الواحدة، فاساس القومية هنا الدين المشترك والشعور بالانتماء الى الشئء الموحد، فالامريكي اليهودي والروسي اليهودي والاسرائيلي اليهودي يشعرون بالانتماء ليس الى الدين اليهودي المشترك فقط، بل الى المصير المشترك، برغم ان اللغة الواحدة قد لا تربط بعضهم الى بعض.
والظاهر ان الدكتور ليون برخو قد اعتقد انني بذكري الحركة القومية الاشورية واتخاذ هذه التسمية كتسمية للعمل القومي المشترك المافوق العشائري والمذهبي، اختلطت عليه الامور، فاعتقد انني اناقش التسميات، لا انني كنت اناقش ما طرحة غرانت وسوسة، من محاولتهما اثبات ما لا يمكن اثباته. وهو ان اصل ابناء شعبنا من ابناء كنيسة المشرق بكل اجزاءها هو من سلالة الاسباط العشرة. والامر الاخر الذي اختلط على الدكتور ليون برخو، هو اعتقاده انني اعني الحركة الديمقراطية الاشورية، حينما ذكرت الحركة القومية تحت التسمية الاشورية، فشتان ما بين الامرين. الحركة الديمقراطية الاشورية هو فصيل سياسي حاله كحال حزب الديمقراطي الكلداني و حزب بيت نهرين الديمقراطي والحزب الوطني الاشوري والمجلس القومي الكلداني والمنبر الديمقراطي الكلداني والاتحاد الاشوري العالمي والمنظمة الديمقراطية الاشورية وتجمع السريان المستقل وانا لست معنيا بالدفاع عن وجة نظر اي منها مطلقا، وكل من ذكرتهم يؤلفون روافد في الحركة القومية لشعبنا ونحن نسميها الحركة القومية الاشورية، والتي تبتداء منذ منتصف القرن التاسع عشر والى الان، وتظم بالاضافة الى الفصائل السياسية حركة ادبية وثقافية واجتماعية ظمت اسماء لامعة في هذه المجالات رسخت الوعي القومي والمطلب السياسي المرتبط بها.
لا ادري هل يمتلك الدكتور ليون برخو ادراكا حقيقا بالحركات القومية وبمراحل تطورها، لكي يطالبنا باثبات حضور التسمية في تراثنا اللغوي. اولا ان التسمية ترد كتسمية لمنطقة نينوى وكابرشية كنسية حاضرة في اغلب الاوقات، ثانيا ترد التسمية حين ذكر بعض الشخصيات من هذه المنطقة، ثالثا ترد التسمية في بعض الاشعار والميامر الكنسية. ولكن هذا ليس الاساس، الاساس هو دائما الشعور والوعي القومي، فعندما قلت انه لو تم اختيار التسمية الكلدانية او السريانية للحركة القومية لما اختلف المضمون، اي لبقى جوهرالمطلب والاهتمام القومي واحدا، فانا كنت اقول ان التسمية ليس هو الامر الجوهري.
قبل مائتي سنة ماكان احد يعتبر المانيا شئ ما، ولكن الحركة القومية التي ولدت ادباء ومثقفين وسياسين، ادخلت اسم المانيا وفرضته كاسم للامة التي تم توحيدها. والوعي القومي مرتبط اساسا بمراحل في تطور المجتمع. فمتى وصل هذا التطور مرحلة ما ستتغير المطالب بما يفرض تغيير الوسائل تحقيقها. وحركة شعبنا القومية تاثرت كمثيلتها الكوردية والعربية والتركية بالحركات القومية الاوربية والنجاحات التي حققتها. وهي حركة ترمي توحيد الصف والارتقاء بالانسان الى الشعور الواحد المشترك المبني على التراث واللغة والتاريخ المشترك. وعبور المرحلة العشائرية التي تنمي الانقسام وتضارب المصالح على الاساس العشائري.
الدكتور ليون برخو يريد منا ان نكون مثل الطليان واليونان وغيرهم في ذكرهم واهتمامهم ومعرفتهم بتراثهم ورموزهم القومية، دون ان يدرك ان خلف كل هؤلاء تقف دول تمتلك موارد مالية ضخمة والاهم تمتلك حق تشريع وفرض القوانين، الامور التي لا نمتلكها والتي تحاول الحركة القومية لشعبنا الحصول عليها، وهذا كان احد الاسباب المهمة لتايدي لمطلب الحكم الذاتي. وثالث الامور اهمية تمتلك هذه الدول استقرارا مؤساستيا مسترم في العطاء وتقديم الخدمات المعرفية لابناء الشعب، اما نحن فلم نملك حتى استقرارا اجتماعيا، بمعنى اننا كنا كل بضعة سنوات نحمل اغراضنا ونولي وجهنا هاربين من مذبحة او حرب او اضطهاد ما، فهل هناك مقارنة بيننا وبين الطليان واليونان.
15 اذار 2012
بين سوسة واخيقر يوخنا وليون برخو
في نهاية السبعينيات صدر كتاب ملامح من تاريخ يهود العراق للباحث العراقي احمد سوسة، وقد تم سحبه من الاسواق بعد صدوره لانه في بعض الفقرات منه يؤيد ولو ضمنيا ادعاء اليهود بالانتماء القومي. واذكر انني كنت امتلك نسخة منه، الا ان تنقلي الدائم ضيع علي كتب كثيرة، لانني تركتها حيث جمعتها في بغداد. ولكن اتذكر انني قمت بالرد على كتاب احمد سوسة حينها وعلى صفحة النشرة الجدارية للنادي الثقافي الاثوري لاننا كنا نعتقد انه لن يسمح لنا بنشرها على صفحات مجلة المثقف الاثوري، وكان الرد على حلقتين وجاء تحت عنوان ((نشر الغسيل للتاريخ البديل)).
نشر الاستاذ اخيقر يوخنا مقالة عن جزء من كتاب الدكتور احمد سوسة ستجدون على الرابط الاول وقام الاستاذ الدكتور ليون برخو بالرد والتنويه عليه ستجدونه على الرابط الثاني، واقوم بتوضيح وتفنيد بعض ما قاله الدكتور احمد سوسة والطبيب المبشر غرانت.
اولا اود التاكيد ان الدكتور احمد سوسة كان يحمل شهادة الدكتوراه في الهندسة المدنية وليس بالابحاث التاريخية. وهو مهندس مشهود له بالكفاة ولكن الدخول الى البحث التاريخي يتطلب امور كثيرة واولها بالتاكيد ليس الانتقام من الماضي، وهذا ما اعتقده في الدكتور احمد سوسة فهو ينتقم من ماضيه اليهودي ليس الا من خلال اغلب كتبه التي تتعلق باليهود، وقد تكون هذه عقدة من يترك دينه ويعتنق دينا اخر، فهو يحاول بكل الطرق ان يثبت انه اعتنق دينه الجديد عن قناعة وايمان خالص ويحاول التماهي مع دينه بكل الطرق واحدها ابراز كرهه لمعتقده ولابناء معتقده القديم. وقد اعتمد الدكتور احمد سوسة في كتابه على نظرية غرانت وهو مبشر وطبيب امريكي جاء ليبحث عن مصير الاسباط اليهود العشرة. اي انه مهمة غرانت كانت محددة بالبحث عن اسبط اليهود، وكان ان وجد ابناء شعبنا في الجبال العصية من منطقة حكاري. واعتقد ان عوامل الاشتراك اللغوي، وكون يهود المنطقة في غالبيتهم يتكلمون السورث وهي نفس لغة ابناء شعبنا، وافتخار ابناء شعبنا المتديين بانبياء التوراة قد الهمت غرانت الى استنتاج ان ابناء شعبنا هم من الاسباط اليهودية الضائعة.
نظرية سوسة والتي استمدها من غرانت وشان غرانت هو شان ويكرام فكليهما مبشر. وغرانت يضع اسبابا عدة لاعتقاده بان الاشوريين من اهل الجبال واهل السهول في منطقة الموصل هم من بقايا هذه الاسباط. ولكن قبل البحث عن الاسباب التي يستند اليها الدكتور غرانت، علينا ان نمر على ما يعتقده الدكتور احمد سوسة في كتابه المنوه عنه اعلاه والذي يمكن الاطلاع عليه بطبعته الجديدة والتي نشرتهخ ابنته السيدة عالية على الرابط الثالث ادناه.
لمن يقرا كتاب احمد سوسة سيجد انه مدفوعا باسلامه وعروبته، يحاول ان يجد مبررا ويمنح مصداقية لكل ما تقوله العرب ويؤمن به الاسلام او يضع تصورا ناصعا للاسلام، ومثال ذلك تهجير اهل الجزيرة من الذين فظلوا البقاء على دينهم المسيحي واليهودي. كما سنجد انه في الوقت الذي يعمل على محاولة جعل كل ما يؤمن به اليهود مثل ارض الميعاد وبيت المقدس والتاريخ اليهودي في ارض فلسطين او من خروج ابراهيم من اورد ورحلته عبر حران نحو فلسطين وتسخيفها وجعلها اكاذيب تاريخية، فانه يدافع بكل صلابة عن كل ما تؤمن به الايدولوجية العروبية والاسلاموية بما يبرر له ايمانه الجديد وتحوله عن ايمانه القديم. ولذا فاننا سنرى الاتهامات الدراجة عن الصهيونية ومشاريعها في ارض العرب. لا بل انه يعرب (يجعلها عربية) كل الاقوام التي سكنت المنطقة قبل قدوم العرب بما يتوافق مع نظرية البعث الفاشي للتاريخ دون الاهتمام بمشاعر ابناء المنطقة من غير العرب. فاذا ان المطلع على مضمون الكتاب وهو البحث عن تاريخ يهود العراق، وفيه فصول عن تاريخ المسيحية فيها معلومات صحيحة واخرى خاطئة، سيجد كما هائلا من التوجه الايديولوجي المناقض للبحث العلمي الصحيح.
امر اود التاكيد عليه انني من المؤمنين ان الحركة القومية الاشورية، منذ انطلاقتها مع منتصف القرن التاسع عشر، وبتزامن مع الحركات القومية للعرب والكورد والارمن والتركمان، لم تؤكد على العنصر في وجودها وتطورها، بل اكدت على الدوام ان الانتماء القومي هو شعور الانسان معتمدا على اللغة والتراث والعادات والتقاليد والتاريخ المشترك. وبهذا فاننا نقر ونؤمن انه حدث تداخل بين ابناء القوميات والاديان المتعايشة على هذه البقعة، ولعلنا لن نغالي ان قلنا بان ابناء شعبنا فقدوا العدد الكبير منهم نتيجة اضطرارهم لاعتناق اديان اخرى مما سهل اندامجهم القومي في الكورد والعرب والتركمان. ليس ذنب الحركة القومية الاشورية، ان المنطقة كانت تعيش حالة من فرض شرط الدين على اي تحرك سياسي فهذا كان نتيجة لواقع سياسي معاش اكبر منها. وهو ان الدول التي كانت تتحكم بمصير شعبنا كانت تضع الدين كاولية لها، وتقسم الناس حسب اديانهم وطوائفهم اي الامبراطورية العثمانية والامبراطورية الفارسية، الاولى سنية والاخيرة شيعية. لقد دفعت شخصيا ثمنا غاليا لايماني ان الحركة القومية الاشورية لا تؤمن بنقاء العنصر والمحتد، بل تؤمن بالروابط الثقافية والحضارية الاخرى التي مر ذكرها كاساس للانتماء القومي. من خلال التهجمات التي لقيتها من بعض الجهلة وراكبي الموجة القومية الاشورية بالذات. واعتبار الارادة كاحد اسس الانتماء القومي لا يعني ابدا تقسيم الامة والقومية والشعب الواحد الى عدة اقسام بحجة الرغبة، فلا وجود لشئيين متماثلين في الحياة ولكن لهما تسميتان مختلفتان. ولعل من المفيد القول ان المصلحة العليا لكل ابناء شعبنا من مختلف التسميات هي الوحدة والاصرار عليها، لانه بهذه الوحدة سنتمكن من ان نضمن حقوق كل الاطراف، لا بل ان المستقبل سيثبت ان الوحدة ستنجب شعبا لا يمكنه ان يفصل بين مكوناته حسب التسميات الدارجة حاليا، لان الوحدة ستخلق الاندماج وكسر السدود والحدود المصطنعة. بين الاطراف المختلفة لشعبنا. ان المفاهيم الاجتماعية كالتي تتعلق بتطور المجتمعات والسياسية والقانون تقبل تاويلات كثيرة، وبالاخص ان كان دافع البعض مصالح انية ضيقة، ولكن ارادة الشعب الواحد هي التي ستفرض نفسها في الاخر. ويحضرني هنا سؤال وجهته مجلة العربي الكويتية في تحقيق اجرته عن كوردستان العراق في بداية السبعينيات من القرن الماضي الى الزعيم الكوردي مصطفى البارازاني فسالت المجلة السؤال التالي، يقال ان اصل الكورد من الشيطان، فرد الزعيم الكوردي بما معناه مهما كان هذا الاصل فالكورد موجودين. المهم ان نثبت اننا كشعب متواجدين ولنا مصالحنا ورؤيتنا التي يجب ان تؤخذ في الحسبان.
ان افتخار الحركة القومية الاشورية بالتاريخ والرموز التاريخية في المرحلة الاشورية وما قبلها في زمن الاكديين والبابليين ومن ثم المرحلة البابلية الجديدة، ليس تقديسا، بل هو افتخار بالجذور وبمنح النفس امتدادا عميقا في هذا التاريخ، كما يفتخر اليونان بتاريخهم وكما يفعل الطليان به.فنحن لا نقدس الثور المجح ولا اسد بابل ولكننا نرفعهما كرموز لشعبنا مثل بقية الرموز. ولا كن لا يمكن النكران على وجود من يحاول تشويه ذلك من خلال اضافة حالة من القدسية لا بل حتى تنسيب الاله الينا، ولكنها حالة شاذة ليست واقعية ان لم نقل انها حلا مخدرا لواقع باس نعيشه، هذا الحل يحاول جعل الناس تعيش واقعا غير واقعهم وبالتالي الهاءهم عن مهمة الدفاع عن هويتهم والحفاظ عليها وتطوريها، باعتبارهم ابناء الالهة ولن يصيبهم اي مكروه.
ان الحركة القومية الاشورية، كان يمكن ان تاخذ اي تسمية اخرى دون ان يتبدل مضمونها كالكلدانية او السريانية بمعنى السورايي، لان هذه التسميات لها مدلول واحد، وان كان الاخير اقرب الى السورث. ولكن من اختار وروج للتسمية الاشورية لم يكن ويكرام كما يشيع بعض المضادين ان لم نقل كارهي التسمية الاشورية، كانت مجموعة من ابناء امتنا نشرته وعممته في نضالها السياسي والادبي والثقافي، كما فعل جيراننا الاخرين وقدمت لاجل ترسيخ التسمية القومية المافوق المذهبية والعشائرية الكثير من التضحيات. واعتقد ان المهم في هذا هو مضمون الحركة القومية، الا ان العودة الى الصفر ومحاولة تاسيس جديد سيدمر حركتنا القومية ان لم نقل انه سيساهم في تبديد كل شئ وهو الامر الذي يبتغيه البعض ممن عاش وترعرع في وكر الايدولوجيات القومية للشعوب الاخرى. ولذا فان المحاولات السياسية الجارية حاليا، وهي الحفاظ على وحدة الشعب في الوثائق القانونية والعمل على ترسيخها في الواقع المعاش من خلال انجازات سياسية وثقافية موحدة، هي خطوات مناسبة لتحقيق حضورا قوميا موحدا لشعبنا، وان كان المطلوب اكثر وخصوصا من ناحية ترسيخ البقاء وتشجيع العودة. ولعل من الواجب التذكير ان حالتنا هذه مر بها العرب والكورد، حيث ان التسميتان الكوردية كتسمية قومية حديثة وكذلك العربية، هذان التسميتان لم تجدا القبول في البداية بل جابهت الرفض والاستهزاء ولكن بهمة ابناءها ترسخت ووحدت الشعوب وحققت نتائج لهذه الشعوب، فهل سيكون ابناء شعبنا بهذه الهمة ايضا؟
ولكن على ماذا يستند الدكتور كرانتاو بالاصح غرانت وهو بالمناسبة دكتور بمعنى الطبيب
1 اللغة المشتركة التي يتكلمها النساطرة ومن تكثلك منهم ايضا واليهود في المنطقة. بعد اكثر من خمسة وعشرون قرنا من التعايش في منطقة واحدة، هل كان يفترض ان يبقى اليهود على لغتهم التي جلبوها معهم من فلسطين؟ وهل كان على الاشوريين ان يبقوا على لغتهم التي كانوا يتكلمون بها ايام نينوى، انه امر عجيب ان نستنج مثل ذلك ونحن ندرك ان اليهود في اي منطقة عاشوا فيها تكلموا لغة تلك الشعوب، ومثالنا على ذلك ان الكثير من يهود مناطق سوران كانوا يتكلمون الكوردية ولا يزالون وهم في اسرائيل يتكلمونها ويتغنون بها، كما كان حال يهود بغداد والبصرة حيث انهم كانوا يتكلمون العربية حتى في بيوتهم وهم لا يزالون يحنون اليها. فهل معنى ذلك ان العرب والكورد قد يكونون من الاسباط العشرة ايضا؟ واذا كان الجواب لا فعلى اي اساس يجب ان نقول ان اهالي جبال حكاري مرورا الى سهل نينوى هم من اصل الاسباط العشرة؟ ان المنبع اللغوي المشترك بين الاشوريين واليهود (اللغة العبرية) والعرب هو معروف ويمكن معرفة اسسه وتفاصيله، ولكن هذا المنبع لا يسمح لكي نقول انهم من كانوا حتى في الازمنة القديمة يتكلمون لغة واحدة، وهو ما يوحي به غرانت، بل كانوا يتكلمون لغة اقرب الى بعضها البعض لانها كانت اقرب الى الاصل وهو الامر الذي ينطبق على العربية ايضا.
2 يقول غرانت ان انعزال النساطرة في المنطقة الجبلية، يدعم استنتاجه في انهم من الاسباط العشرة، لانه هذه كانت حالة اليهود والاسباط العشرة، وهو استنتاج خاطي لان كل مجموعة دينية في المنطقة انعزلت عن الاخرى وكانت تمتلك قراها الخاصة، الا في المدن التي اشترك فيها الجميع ولكن لكل طائفة كان هناك حي خاص بكل طائفة دينية. وكل طائفة دينية كانت تعتقد في الاخر انه كافر ونجس ولذا فان الاختلاط بين الاقوام والاديان كان شبه منعدم في تلك الفترة. هذا ناهيك عن ما كان يدركه ابناء شعبنا من انهم ان لم يتاكتفوا ويتقابوا ويتحصنوا فانهم سيكونون اهداف سهلة لهجمات الاخرين.
3 يستشهد غرانت بان اسماء البطاركة واسماء اغلب النساطرة (هو يعني النساطرة الذين كانوا حينها وكذلك الذين تحولا الى العقيدة الكاثوليكية في منطقة الموص وتركيا) هي اسماء يهودية. وهذا صحيح لان اغلب الاسماء اتت من الكتاب المقدس المنبع الوحيد لايمانهم، وهم كانوا يعتبرون الاسماء في التوارة والانجيل هي اسماء مقدسة، ولكن لو قارنا الاسماء الاوربية فاننا سنجد ان اغلبها مستمد من هذه الكتاب المقدس نفسه ولكن بتحريف تتطلبه اللغة، وكذلك اغلب اسماء الباباوات تتوافق مع اسماء المذكورة في الكتاب المقدس، فهل هذا يعني ان اصلهم يهودي وخصوصا انهم واليهود يتكلمون اللغة الواحدة، سواء في المانيا او بولونيا او روسيا وهلم جر. كما ان الاسماء التي يوردها كبطارقة لكنيسة المشرق تتوافق مع التقليد الحذيابي ولا تتوافق مع تقليبد ساليق وطيسفون.
4 يقول غرانت بالتشابه البيلوجي بين النساطرة واليهود، طبعا هذا التشابه موجود ايضا مع الكورد والعرب في المنطقة، لان السحنة والمظهر تاتي نتيجة البيئة نوع الماكل وغيرها من الامور التي تفرض البيئة ان تكون متشابهة. وخصوصا لو ادركنا ان جميع الاقوام كانت تلبس لبسا متشابها، لانه كان يخرج من منبع واحد وعلى الاغلب كان صناع النسيج اما من ابناء شعبنا كالكيرسنايي او من اليهود.
5 يقول اليهود انهم والنساطرة من اصل واحد، يجب ان لا ننسى ان المسيحيين عموما في المنطقة وخصوصا في منطقتنا كانوا يعتقدون بابوة ابراهيم لهم، وهي ابوة ايمانية وليس من النسل، وهنا يذكرني القس جولو الذي خطب مرة في كنيسة مريم العذراء التابعة لكنيسة المشرق في السبعينيات في خضم الشحن الايدولوجي ضد الحركة الصهيونية، خطب وقال ليسوا اليهود اسرائيليين بل نحن الاسرائليين، وتم طلبه الى الامن ومسألته عن ما قال، فذكر وقال لان اليهود لم يتبعوا حقا يعقوب اي اسرائيل بل نحن من تبعناه عندما امنا بيسوع المسيح. اما قول اليهود انهم والنساطرة من اصل واحد فهو قد يكون صحيحا لو علمنا ان الكثير من ابناء شعبنا في منطقة حذياب قد تهودوا، ولو علمنا ان الكثير من اهل حذياب قد فر الى الجبال الحصينة في منطقة حكار بعد قدوم هولاكو والامارات التركمانية المتصارعة.
6 اتصال الحواريين باخوتهم من يهود المنطقة، وهو الامر الطبيعي، فالحواريين الذين بشروا المنطقة بيسوع المسيح كانوا من اليهود، وكانوا يعتقدون ان اول من يستحق نعمة الرب يجب ان يكون اليهود ومن ثمة الاخرين، ناهيك عن عامل اللغة والمعرفة المسبقة بايمان الاخر وكتبه وهو الامر الذي فعله مار بولس ومار بطرس في تبشريهم فانهم كانوا يبتداون التبشير في اول الامر في الجاليات اليهودية في المدن التي مروا منها وكذلك في روما. ولذلك فكنيسة المشرق لا تنكر ان اول من امن واعتنق، لا بل وادار الكنيسة في المنطقة كانوا من اصول يهودية، اي من يهود المنطقة، سواء كانوا من من جلبهم الاشوريين او ممن اعتنقوا اليهودية بعد ذلك مثل امراء امارة حذياب. ولكن الشعب اعتنق بعد ذلك المسيحية وصار غالبيته من اتباعها وكان في كنيسة المشرق اقوام عديدة من ابناء شعبنا واليهود سابقا والعرب والكورد والفرس والتركمان والتتر والهنود والصينيون وغيرهم من شعوب اسيا.
7 مركز البطريرك هو كمركز الربيين من ان سلطته مستمدة من الرب، وكل بطريرك او راس كنيسة يعتاقد ان سلطته مستمدة من الرب، لانها تمنح له بمراسيم دينية وباتفاق في مجلس محدد. وعند قدوم غرانت كانت الظروف العشائرية في المنطقة قد فرضت على بطريرك كنيسة المشرق ان يكون زعيم العشائر لكي لا يكون هناك صراع فيما بينهم، وبالاخص ان السلطنة العثمانية كانت تعترف به زعيم الملة كبقية البطاركة. كما يجب ان لا ننسى ان الكهنوت في المسيحية لم يكن وراثيا ولا حتى في كنيسة المشرق الا بعد منتصف القرن السادس عشر.
8 يقول غرانت ان العادات الاجتماعية من الحرفة والثار والضيافة والزينة والزواج هي واحدة كما كانت لدى اسباط العشرة، طبعا لا يمكن ان ننكر انه قد يكون هناك تاثر بما جلبه اليهود معهم عندما تم سبيهم ودخل في الحياة اليومية للاشوريين ، فهذه مسألة طبيعية ان تتاثر الشعوب بما يجاورها لغة وملبسا وماكلا وحتى زينة، فكيف بمن يعيش بين ظهرانيها. ولو ادركنا انه في تلك الازمنة كانت الحرف محدودة وبالتالي ان كل الشعوب مارست نفس الحرف الضورية لحياتها، مثل الزراعة (التي لم تمارسها العشائر الاشورية باعتبارها مهن وضيعة) والرعي والحياكة (عرف بامتهانها الكيرسنايي) والحدادة والبناء(التي امتحنها البزنايي). لا بل ان العشار الكوردية والعربية تتشابه مع العشار الاشورية في الكثير من القيم كما قلنا في رفضها امتهان الزراعة والاعتماد على الرعي والسلب والثار والانتقام.
5 اذار 2012
البحث منقول
أشوريّو منطقة وان أثناء حكم الأتراك العثمانيّين
أشوريّو منطقة وان
أثناء حكم الأتراك العثمانيّين
المصدر موقع بيث نهرين
http://www.betnahrain.net/Arabic/Books/wmbooks/william3.htm
أشوريّو منطقة وان ، أثناء حكم الأتراك العثمانيّين ،م.ي.ا . ليليان ،ترجمه الاستاذ فرانسا بابيلا ،ترجمه الى العربية وليم ميخايل
طبع بالجمعية الثّقافيّة للشباب الأشوريّ ،
طهران، ، 1968
المحتويات ،المقدّمة ،تقديم ،الأرض ،الطّرق ،عدد الأشوريّين ،اللّغة الأشوريّة ،الدّين ،النظام الاجتماعيّ والسياسيّ ،العادات ،الصّناعة ،
تاريخ الماليك ،ماليك الـ زارا ،ماليك تياري العلياّ ،تياري السّفلىّ ،ماليك الـ تخومي ،ماليك الـ باز ،ماليك الـ طال
العائلة الأشوريّة ،الملابس ،الزّواج ،الطّلاق ،العروسة ،مقابلة العروسة ،بركة الخاتم ،المهر ،العرس ،حياة العائلة
الميلاد والتعميد ،التّعميد ،دفن الموتى .
المقدّمة
أهدي هذا الكتاب إلى شعبي الحبيب، يتضمّن معلومات عن حياة وعادات الأشوريّين في منطقة وان، تركيا، قبل الحرب العالميّة الأولى. الكتاب يصف بالتّفصيل كيف مجتمعنا، متّحد تحت القيادة الأعلى، عاشوا ايامهم يحمون حرّيّتهم في جزء من أرض أجدادهم الخصبة، جبال هكاري
هذا الكتاب يكتسب قيمته الثمينة من كونه طُْبَع بالجمعيّة الجغرافيّة الملكيّة الرّوسيّة، مكتوب من قبل عالم روسيّ زار القرى الأشوريّة في هكاري في عام 1909.
ولكن ما حدث عندما جاء غرباء من بلدان بعيدة، يرتدون جلود الغنم لكن في داخلهم ذئاب مفترسة. وجاؤا الى قرانا يبشرونا بالمسيحية، نحن الذين كنا مسيحيين قبلهم بألف سنة. وسببوا خلافات دينية قسمت امتنا بعد ذلك وقادتها الى حالة محزن لنا. حيث شعبنا اليوم مشتت في جميع انحاء العالم.
نأمل بقراءة هذا الكتاب، ان شعبنا سيستيقظ ويتعلّم ما حدث لآبائه الذين سببوا له الوضع المحزن الحالي. سيجاهدون لأتخاذ الخطوات الضّروريّة نحو وحدة متماسكة وسوف سيجتمعون تحت قيادة واحدة. ونأمل في يوم ما سيكون لشعبنا مكان مناسب في هذا العالم للعيش كأنداد للدّول الأخرى.
أدناه قائمة بعدد الأشوريّين كما هو مقدّر من قبل إم . ليليان المؤلّف أثناء زيارته لقرى الأشوريّين في عام 1909. لا تتضمّن القائمة الأشوريّين في بيث نهرين (العراق). بترجمة مقال إم . ليليان حاولنا التّرجمة الحرفية من اللّغة الرّوسيّة، لكنّ هناك بعض الكلمات الّتي ليس لها شبيه في لغتنا والتي ورد ذكرها كما هي في الأصل. النادي الثّقافيّ للشباب الأشوريّ ممتنّ للقس ويليام يونان لمساعدته في التّرجمة، ونحن نأمل في طبع هذا الكتاب أن يكون إضافة إلى تطور لغتنا الأشوريّة.
الاستاذ فرنسو بابيلا
تقديم
حيث ليس هناك معلومات عن الأعمال العلميّة الرّوسيّة عن الأشوريّين المقيمين في تركيا، فرع الجمعيّة الجغرافيّة القوقازيّة للدولة الروسية رحّب بالاقتراح من قبل السّيّد ليليان لنشر بحثه عن الأشوريّين في منطقة وان التركية. من أجل هذا البحث، سافر السيّد ليليان إلى منطقة وان حيث يعيش الأشوريّون. إنّها أوّل مرّة يقدم معلومات عن تاريخ الماليك الأشوريين لمنطقة وان ويتعلم القارئ عن الظروف الاجتماعيّة والسياسية للأشوريّين وعن سلالتهم، الاشوريون هم مصدر قيّم يزيد معرفتنا عن القبائل الّتي تعيش في ذلك الجزء من تركيا، في منطقة القوقاز.
بحث السّيّد ليليان نُشِرَ أوّلاً في صحيفة أزجاجراكان هونداس، المجلد.24 الصّفحات 180-232. نُشرت التّرجمة إلى الرّوسيية من قبل السّيّد ليليان نفسه كإصدار جديد في المجلد 4، رقم 28 .
المحرّر، الجمعيّة الجغرافيّة للدولة الروسية، الفرع القوقازيّ.
الأرض
أغلبيّة أشوريّي منطقة وان تعيش في شمال غرب اقليم هكاري بطول نهر الزاب الكبير.
يعيش البعض منهم في بيت الشباب شامدينان، كاور، تيمار، ارشييواس. في تفصيل أكثر، قرى الأشوريّين مدونة في الفصل الطّوبوغرافيّ لمنطقة وان. هنا سنكتب عن تلك المنطقة حيث كان الأشوريّون قادرين أن يبقوا أحرارًا وكان لهذا أثر كبير على عاداتهم وأسلوب الحياة والأنشطة. منطقة الأشوريّين حيث كانت تقيم القبائل، القبائل هي تياري، باز، جيلو، ديز. إنّها منطقة جبليّة جدًّا. لهذه الجبال فروع مختلفة، ومدى الجبال معروف كجيلو الّذي يلتقي في نقطة معيّنة تشكّل وادي ضيّق وصغير يصّعب المرور خلاله.
الجبال هنا عارية وصخريّة. وفي أماكن كثيرة تكون عالية جدًّا. أعلى قمّة هي دوريتش بعلوّ 1300 قدم. في منطقة صغيرة، تُغَطَّى بعض الجبال بالأحراش الشّائكة، وفيها ينابيع صغيرة، تجري متّدفّقة من قاع الجبال لتصب في الزاب الكبير. ينساب نهر الزاب وسط سلسلة الجبال.
البلد فقير جدًّا بالزراعة حيث يكون معظمه صخريًّا. لكنّ القرى زُرِعَتْ بعناية فائقة. لا توجد أيّ بقعة أرض غير مزروعة.
الطّرق لا تربط القرى مباشرة. تمر الطّرق بين القرى بمحاذاة قاعدة الجبال. قد بنوا دكة او شرفة على منحدرات الجبال تقريبًا بعرض متر. كلّ الدك (جمع دكة – المترجم) تُغْرَس بالقمح. التّربة غير خصبة ويعتقدون أنّ زراعة التّبغ، الرز، الفول والقطن تقدم محصولا اكثر. هم يغرسون ايضا أشجار الفاكهة.
تُبْنَى البيوت على منحدرات الجبال، الواحد فوق الآخر. سقف البيت الاسفل يصبح ساحة للبيت الذي فوقه. أحيانًا، يكون الوادي ضيّقا جدًّا والبيوت لا تُبْنَى الواحد فوق الآخر لكنّ تمتدّ الى جانب بعضها البعض على شاطئ النّهر. على سبيل المثال، في قرية أشيتا 500 بيت تمتدّ حوالي 10 كيلومترات على شاطئ النّهر. أمام كلّ بيت هناك حديقة خضروات.
الخريف لطيف جدًّا هنا خصوصًا منتصف الخريف. الشّتاء بارد جدًّا. في مرّات كثيرة تهطل الثلوج بعلو متران تقريبًا. في قرى تخومي، تياري وباز تنحدر الأرض بدرجة 35-40، يتوقف السفر بين القرى لمدّة ثلاثة إلى أربعة أشهر بسبب الثّلوج. أثناء الأشهر بين كانون الاول (ديسمبر) الى مارس، تُسَدّ الطرق بالثّلج الى حد أنّ الجيران على بعد 100 إلى 150 قدم لا يمكن أن يزوروا بعضهم البعض. في وقت مبكر من نيسان (إبريل) تبدأ الأمطار ويلطف الجوّ أثناء ايار (مايو). يبدأ الصّيف من حزيران (يونيو). أثناء هذا الشّهر، الحشرات والحمّى تجعل الحياة صعبة جدًّا وغير مريحة. أثناء هذه الفترة، ينتقل النّاس الى الجبال للهروب من الحشرات والعيش في أكواخ الخوص.
الطّرق
يفهم الأشوريّون أن الحرّيّة الّتي يتمتّعون بها هي بسبب الافتقار للطّرق المناسبة المؤدية إلى قراهم. من الجدير بالذّكر أن الصّخرة الّتي تفصل قرى تياري وتخومي تُسَمَّى صخرة محصّلي الضّرائب. يقولون أنّ محصّل ضرائب تركيّ واحد فقط يمكن أن يأتي إلى تلك الصّخرة. لعبور الصّخرة على محصّل الضّرائب يجب أن يمر خلال طريق ضيق بعمق متر ونصف. عندما لا يتمكن محصّل الضّرائب عبور تلك الصّخرة، يصبح السّكّان على الجانب الآخر للصخرة احرار من دفع الضّرائب. ليس لدى الحكومة التّركيّة أيّ وسيلة لبناء الطّرق في هذه المنطقة الجبليّة، والأشوريّون لا رغبة لديهم لبناء الطّرق، هم يعتقدون أنّ الحكومة التّركيّة سترسل القوّات والضّبّاط الّذين سيبتزّون الضّرائب الثّقيلة وسيتدخّلون في حكمهم الذّاتي.
تتقاطع سلاسل الجبال لتشكّل هنا وهناك أودية صغيرة كثيرة. في كلّ وادي هناك قرية واحدة أو قريتان. للانتقال من قرية لأخرى، على الشخص أن يتسلّق جبل وينزل الجانب الآخر للوادي لزيارة قرية. معظم الجبال صخريّة والبعض بصخور كبيرة جدًّا. لا أحد ابدا حاول بناء الطّرق في هذه التّضاريس الجبليّة. الاراضي المزروعة غنيّة جدًّا. الطرق الضّيّقة تمر بطول القاعدة الصّخريّة للجبل القريب من شاطئ الأنهار المنسابة. في وادي نهر الزاب الكبير تبرز صخور تعلو في السماء. إذا سار رجل في طريق ضيّق ولم يكن متبها جدا يكون في خطر كبير، قد يسقط في النهر. الطّرق هنا صخريّة وملساء. قد صنع الأشوريّون لأنفسهم نوع من الاحذية يسمونها راشججي. وفي الشتاء يصنعون زحافات من اوراق نوع معين من الشجر تمكنهم من السير على ثلوج بسمك مترين.
البغال فقط يمكنها ان تعمل في هذه التّضاريس الجبليّة حيث يتعلم الحيوان الطّرق مبكّرًا منذ ولادته. كلّ سنة يحضرون بغال من الموصل أو يريفان ويدرّبوها على المشي في الطّرق الجبليّة. لا يستطيع الشخص الا الاعجّاب بمهارة هذه البغال حيث تمشي على هذه الطّرق الوعرة. الشّخص الذي يركب بغلاً يصاب بدوار. لا يمكن أن يركب الشخص بغلاً على هذه الطّرق لأكثر من مترين في السّاعة. لكنّ عندما يصل الشخص إلى أعلى الجبل ترى عيونه منظرًا جميلاً جدًّا للجبال وينسى الطّريق الوعر.
عدد الأشوريّين
ليس هناك سجلّ تعداد سكّانيّ رسميّ للسّكّان في تركيا. لذلك من الصعب معرفة عدد الأشوريّين بالضبط الذين يعيشون في منطقة وان. سكّان منطقة جولامارك قد أعدّوا إحصاءً للسكّان بعدد البيوت وليس بعدد الأفراد. انا ايضا قد اعتمدت على عدد الأشوريّين على تقارير “بيكين”. “ميوسكي” لكنّ أكثر على تقرير شيلكاوانيكو. (كتّاب روسي). تعيش أغلبيّة الأشوريّين في تركيا، إيران، روسيا و الهند، الصّين و أرمينيا . أعداد صّغيرة تُوجَد في البلاد الأخرى. فيما يلي عدد الأشوريّين :
تركيا الاسيوية 863,000
ايران 76,000
روسيا 2,000
الاحصاء حسب الكنائس:
النساطرة 135,000
الكاثوليك 23,000
اليعاقبة 15,000
اللبنانيون الكاثوليك (الموارنة) 525,000
الروس الكاثوليك 100,000
اللوثريون والبروتستانت 1,000
الارثوذكس 32,000
غالبية الاشوريين في مقاطعة وان هم من النساطرة
جولامرك، منطقة هكاري 41,000
كاور 15,000
البق 12,000
اورمار 7,000
شاتاح 2,000
خوشوب 2,000
المجموع 79,000
انا حسبت عدد الأشوريّين في جلامارك كادا (منطقة). كان هناك 4،855 بيت و41،000 شخص. هذا العدد هو 59 بالمئة من كلّ سكّان منطقة جلامارك، 37 بالمئة من منطقة هكاري و 17 بالمئة من منطقة وان. هناك حوالي 60،000 يعقوبيّ في الهند.
اللّغة الأشوريّة
يتحدّث الأشوريّون اللغة نيو-أسيرايان. إنّها لهجة من اللغة الأشوريّة القديمة. قد تغيرت بصورة كبيرة نحويًّا وتتضمّن كثير من الكلمات الفارسيّة والعربيّة. هذه اللّغة عضو الفصيلة اللّغويّة الآراميّة. لدى الفرع السّاميّ تشابه كبير مع اللّغة العبريّة القديمة. طقوس الكنيسة هي كلّها باللغة الأشوريّة القديمة. كلّ الكتب الدّينيّة باللّغة القديمة. لا يفهم النّاس اللّغة القديمة والقساوسة يُجْبَرُونَ أن يرشدوا المصلّين باللّغة المحكيّة أو نيو-أسيرايان .
يتحدّث الأشوريّون في مقاطعة هكاري لغة الأم ويفهمون بعضهم البعض. الكثير منهم أيضًا يتكلّم الكرديّة لكنّ القليل يعرف التّركيّة وهؤلاء هم الّذين يسافرون إلى جلامارك، باشقالا.
في تياري، تخوما وباز يعرفون اللغة الاشورية ومعظمهم لا تعرف الكرديّة أو التركيّة.
الألفباء الأشوريّة مكوّنة من 22 حرفا. أربعة من الحروف هي ساكنة الصوت والأشوريّون استخدموا الاشارات في العصور المبكّرة لتغيير صوت الحروف. كلّ الكتب مكتوبة باليد. بعض الكتب قد طُبِعَتْ في نيويورك وأورمي. في منطقة وان ليس هناك مطبعة أشوريّة. الأشوريّون في وان غير معتادون على الطّباعة مثل الأرمن في وان. الاشوريون نشروا جريدة في أورمي بمساعدة المبشرين وأنشئوا مطبعة كانت أيضًا تطبع الكتب ينسبة 1% فقط مما يقرأ ويكتب الأشوريّون. بين النّساء، سورما خانوم، أخت مار شمعون، تعلمت أن تقرأ وتكتب بمساعدة المبشرين الإنجليز. قد تلقّت التّعليم الجيّد وتتحدّث الإنجليزيّة. عملت كسكرتيرة لمار شمعون.
الماليك أمّيّون. حديثًا بدأ المبشرون بفتح المدارس للأشوريّين. من الجدير بالذّكر أن هؤلاء الّذين يستطيعون القراءة يُسَمَّوْنَ شاماشا (شمامسة). أي شخص يتمكن من القراءة يشارك في طقوس الكنيسة، والشماس محترم بدرجة كبيرة.
ماليك جيلو، الّذي كان يعرف القراءة والكتابة، شارك في صلوات المساء والصّباح كشاماشا. كتب لي شاماشا جبرايل لقب ماليك جيلو وعندما قرأته بدون ذكر شاماشا قال أننيّ ينبغي أن أذكر شاماشا لأنه ليس مثل باقي الماليك الاخرين، لأنه يستطيع أن يقرأ.
الفولكلور الأشوريّ تَأَثَّرَ كثيرًا بالأكراد. لديهم أغاني قليلة. لديهم عادة غناء الأغاني الكرديّة ورواية القصص الكرديّة.
الدّين
أغلبيّة أشوريّي وان اتباع الكنيسة القوميّة الّتي يسمّوها كنيسة المشرق. عدد صّغير من الكاثوليك والبروتستانت. الأجانب يسمون كنيسة المشّرق بالنسطورية. طبقًا لموروثهم فالأشوريّون تلقّوا المسيحيّة من تلاميذ بطرس الرسول، مار أداي ومار ماري. كان بطرس الرسول بطريركًا لأنطيوخ الّذي كان يبشر بالمسيحية في سوريا. كان مشهورًا جدًّا بين الأشوريّين لحد الآن وان بطاركتهم معروفون كمار شمعون وتعني القدّيس شمعون (أو بيتر). في القرن الخامس، تقبل الأشوريّون نسطورس بطريرك القسطنطينية ولهذا السّبب يُسَمَّوْنَهم نساطرة.
في هذه الكنيسة أيضًا كان هناك انشقّاق لاسباب لاهوتيّة بقيادة يعقوب البرادعي وبأسمه عُرفت الكنيسة باليعقوبيّة. قام بالتبشير في سوريا ولبنان بالتّوحيد (المونوفوزية). اتباعه معروفون باليعاقبة.
لمدّة أربعة قرون حاولت الكنيسة الكاثوليكيّة تحويل الأشوريّين إلى الكاثوليكيّة. في 1445 أنضم المارونيون إلى كنيسة الرّوم الكاثوليك وتقبلوا العقيدة الرّئيسيّة للكاثوليكيّة لكنهم احتفظوا بلغتهم الأشوريّة وطقوس كنيستهم. في 1636 أثناء عهد البابا كليمنت الثّاني عشر، تحولوا إلى كاثوليك لبنان. بهذا النّجاح بدأ الكاثوليك في العمل بين الأشوريّين في تركيا العثمانيّة وأثناء القرن السّادس عشر، عدد من النساطرة شكلوا كنيسة الكلدان الكاثوليكيّة. حتّى القرن 19 لم يتمكن الكاثوليك من تقسيم الكنيسة اليعقوبيّة. في السنة 30 من القرن التّاسع عشر تأسست الكنيسة الكاثوليكيّة لسوريا. في القرن 19 بدأ البروتستانت في الانتشار بين اليعاقبة والنساطرة. انضم بعض النساطرة في إيران إلى الكنيسة الأرثوذكسيّة . الجدير بالذكر ان الاشوريين من الطوائف الدينية المختلفة وبسبب تخلفهم الثقافي، غير متحدين كشعب واحد بل يكرهون بعضهم البعض، معتقدين ان الاخرين اجانب غرباء!
النظام الاجتماعيّ والسياسيّ
أشوريّو منطقة وان يُقَسَّمُونَ إلى فرعين رئيسيّين: قبائل و “رايت” (مواطنون تحت سلطة الدولة). تعيش القبائل في المنطقة الجبليّة هكاري لكنّ “رايت” في نفس المنطقة لكنّ في السّهول. دافعت القبائل الأشورية عن حريتها وقد احتفظوا بعاداتهم القوميّة القديمة وتقاليدهم، لكنّ “الرايت” فقدوا حرّيّتهم وظلمهم بكوات الكرد أو رؤساء العشائر وكانوا تحت سلطة الحكومة التّركيّة.
أشوريّو قبائل الجبل مُوَحَّدُونَ سياسيًّا ودينيا تحت إدارة مار شمعون الّذي هو تحت سلطة الحكومة التّركيّة. هذا المجتمع متّحد تحت الحكم الذّاتيّ. أشوريّو الجبال مقَسَّمُونَ إلى قبائل تُحْكَم من قبل الزّعماء القبليّين يسمّون مليك. القبائل مُقَسَّمْة أيضًا إلى عشائر مكوّنة من بعض العائلات. للعشيرة زعيم عادة يكون الأكثر ثقافة أو الاكير سنة. مركز الإدارة لكلّ القبائل الأشوريةّ في بلدة قوتشانيس. هو مقرّ الإدارة لقبائل تياري العليا والسفلى، تخوما، باز، جيلو وإيشتاز. حوالي خمسة بالمئة من السّكّان بالقرب من قوتشانيس هم أكراد. يتحدّث هؤلاء الأكراد الأشوريّة وهم تحت حكم الزعماء القبليّين الأشوريّين، الماليك.
لم يدافع أشوريّو الجبل عن أراضيهم فقط لكنّ أيضًا أحتفظوا بلغتهم وتقاليدهم وتراثهم. البطريرك مار شمعون، معروف كمار شمعون زعيمهم الدّينيّ والسّياسيّ يحكم في كلّ المسائل الدّينيّة، إدارة الكنيسة، يحلّ المشاكل، يعيّن وينصب الأساقفة، يقرر رتب الرّجال العاملين في شئون الكنيسة ويجمع الضّرائب للحكومة التّركيّة. البطريرك أيضًا ينظّم الدّفاع القومي ويقود معارك من أجل الدّفاع عن النّفس كأثناء عهد بدر خان بك، الزعيم القبليّ الكرديّ، قاد الأشوريّين، أعدّ للمعركة، تكلّم مع العدو لاقامة السّلام. يوافق البطريرك على انتخاب الزّعيم القبليّ، الماليك، ويمكن أن يسحب موافقته. هو أيضًا ينظر في حالات الأشخاص المتهمين بالقتل.
كان أول مار شمعون اسمه مار ماري. بعد هو جاء مار أبريس، أبراهيم، ياقو وآخرون بالانتخاب. فيما بعد كان منصب مار شمعون من عائلة موما حتى 1889. ثمّ اُنْتُخِبَ مار شمعون من عائلة هرمز الّتي كانت من عائلة موما. بعد 1889 عندما انتهت عائلة موما. البطاركة المار شمعونيون اُنْتُخِبَوا من عائلة شاهمر. طبقًا للتقاليد بعد موت البطريرك يتم انتخاب مار شمعون جديد من الأبناء الأكثر تأهّلاً لإخوة مار شمعون الّراحل.
السدة الأوّلى لمار شمعون تأسست في قطسيفون، شمال بغداد على شواطئ نهر دجلة. فيما بعد اُنْتُقِلت إلى القوش بالقرب من الموصل. في وسط القرن 17 اُنْتُقِلت إلى فوتشانيس.
يلي البطريرك هو المطران الّذي يعيش في دير بالقرب من نوتشييا في منطقة كاوار. المطارنة يُنْتَخَبون من عائلة مار خنانيشو ومن أبناء إخوة المطران. يتولّى المطران واجبات البطريرك عندما يكون مريضًا لفترة طويلة، أو بعيدًا في رحلة طويلة بعيدة عن المجتمع.
للمطران مسئوليّة كبيرة أثناء انتخاب البطريرك خاصّة أثناء التّنصيب. يضع البطريرك المنتخب على كرسيّ مار شمعون، يباركه عندما يسلّم إليه معاوني البطريرك، يبارك نيابة عن الكنيسة. بهذه الطّريقة يعمل المطران مثلما عمل يوحنا المعمدان إلى يسوع.
للمطران سلطة على الأساقفة، القساوسة والشّمامسة. هؤلاء الكهنة يُنْتَخَبُونَ أيضًا من العائلات وفي مرّات كثيرة يورِثون الكهنوتية. في كلّ تركيا هناك أربعة أساقفة أشوريّون فقط. لدى الأسقف سلطة على القساوسة الّذين يمكن أن يتزوّجوا. القساوسة يُنتخبُون بالمجتمع ويعيِنُوا من قبل الأسقف.
لإدارة ودعم القسس والكنيسة، الذّكور تتبرّع بقران واحد (عملة معدنيّة فارسيّة) والإناث نصف قران. يعطون أيضًا إلى القسس والكنيسة جزء من حصادهم. يُجْمَع المال كلّ سنة للقساوسة وإدارة الكنيسة.
أشوريّو الجبل مستقلّون ويُقَسَّمُونَ إلى قبائل تسمى أشيرت. هم تياري العليا، تياري السّفليّ، تخومي، طل، باز، جيلو، زاران، زيير و ديسين. لدى كلّ قبيلة مكان معيّن أو أرض. المنطقة تُسمى على اسم القبيلة ومكوّنة من عدد من القرى. لديهم جميعًا نصيب في الحقول. لكلّ قرية مكان ينتقلوت اليه شّتاءا. الغابة والحقول لا تُمْسَك بشكل مشترك. لكلّ شخص بقعة أرض للزراعة.
كل قبيلة تتمتع بالادارة الذاتية في كلّ الشّئون المحلّية. المسئول هو سركاردا، مليك (رئيس القبيلة). لكل قبيلة كنيستها وقساوستها. تعرف كلّ قبيلة قبر الرّئيس الرّاحل وتعتبره مكانًا مقدّسًا. للقبيلة مقابرها. أعضاء القبيلة الذين يموتون بعيدًا عن القرية يُُحْضِرُون ويُدُفِنُوا في مقابر القرية.
مليك كلّ قبيلة يُنْتَخَب من عائلة بارزة. لكنّ بصراحة هذه الانتخابات شكلية. عندما يموت مليك القبيلة يجتمعون وينتخبون مليك، عادة ابن أو أخ المليك الرّاحل. عندما يُنْتَخَب مالك، يُؤْخَذ مع هديّة إلى مار شمعون الّذي يعطيه روب مناسب لمنصب مليك. يدافع مليك عن استقرار وأمن القبيلة. هو المتطوّع البارز للدفاع عن قبيلته ضد أعمال العنف الني تقوم بها الفصائل الكردية. يقود رجاله لمهاجمة الأكراد. يجمع سنويّا تبرعات لمار شمعون وأيضًا يقوم بدوؤ القاضي في حل المشاكل الاجتماعيّة لكنّ في قضايا القتل يأخذ القضيّة إلى مار شمعون.
تُقسم القبائل إلى عشائر. تياري العليا مكوّنة من خمسة عشائر. هم بني ماتا، لاكينا، رومتا، قيلياتا وبيلاتا. تياري السّفليّ مكوّن من ستّة عشائر. هم بني ماتا، ليزين، أشيتا، سلاباج، بي رول، مينيانيش، زاويتا. القرى تُذْكَر على اسم العشيرة.
يعتبر كلّ أشوريي تياري أنفسهم أحفادًا من أبٍ واحد. لديه ملكيّة جزء من الأرض، يشارك من قبره في شئون المجتمع، المدارٍ بالتّنظيمات الاجتماعيّة أو من قبل رعاة الكنيسة تحت قيادة مليك. طبقًا لعادة، رئيس العشيرة يُنْتَخَب من عائلة مشهورة وعالية. الرئيس يُرْسَل من قبل مليك القبيلة لجمع الإيراد لمليك. ينتخب الرئيس المتطوّعين للفتال عندما يحصل هجوم ويخبر المليك. يعمل كقاضي أيضًا في القضايا الصّغيرة لكنّ القضايا الكبيرة تُحول إلى المليك.
العادات
قد ورث الأشوريّون روح الفنون الحربيّة من آبائهم. المنطقة الجبليّة من ناحية، وفي منطقتهم قبائل كرديّة عدائيّة مختلفة، أدى الى تحسّن هذه الرّوح الحربية. رغبة كلّ فتى أشوريّ هي أن يكون مقاتل جيّد. أفضل لعبة عنده هي القوس والسّهام الّتي بها يصطاد الطّيور. لدى كلّ طفل صغير خنجر منحني في ظهره انغرز في حزامه. أحدث موديل البنادق يمكن أن تُوجَد تقريبًا في كلّ بيت.
تقريبًا كلّ الأشوريّين أمّيّين خصوصًا قبيلة تخومي. ليس لديهم أيّ مدرسة. حديثًا قد فتح المبشرون الإنجليز بعض المدارس لكنّ حتّى الآن هذه المدارس لم تؤدي الى نتيجة. الماليك أيضًا أمّيون. بخلاف لغتهم لا يعرفون اللّغات الأخرى ليس حتّى التّركية. هناك قساوسة قليلون يفهمون الإنجيل الّذي يقرءوه.
روح الدين بين الاشوريين نشيطة جدًّا. بسبب دخول المبشرين، حديثًا الالتزام الديني قد تدهور. أصبح الدّين للبعض شيء للبيع أو الشراء. يتلقّى رجال كثيرون المال كهدايا ويتحوّلون إلى الكاثوليك. بعد توقّف المال يعودون ثانية إلى كنيستهم السّابقة أو يتبعون كنيسة أخرى. لشرح هذا السّلوك سأخبرك هذه القصّة.
مليك الجيلو مع حميه القس، دعاني لبيته. اخبرني القس بحزن أن الأسقف الكاثوليكيّ في وان، عندما جاء إلى جيلو، حُول 40 شابًّا إلى الكثلكة و وسم 40 رجلاً كقسس. قرر الأسقف علاوةً شهريّةً عشرة ماناتي (المال) لنشر الكاثوليكيّة. هذا خلق إزعاجًا كبيرًا بين العائلات. طرد آباء كثيرون أبناءهم الّذين تحوّلوا إلى الكاثوليكية من اجل المال. فيما بعد، هؤلاء القسس لم يتلقّوا المال الموعود إليهم لأنهم عادوا ثانية إلى الكنيسة النسطورية والبعض الآخر أصبحوا بروتستانت. الأسقف الكاثوليكيّ الّذي بدا مثقفا جدًا وتحدّث اللّغة الفرنسيّة بطّلاقة، كان سعيدًا جدا أن الكاثوليكيّة تنتشر بين الأشوريّين.
كمثال أشار إلى مليك جيلو وحميه، شخصان كانا مرحبا بهما إلى الكاثوليكيّة. سألت، وانا مندهش، لماذا أصبحوا كاثوليك. أجابوا أنّهم محتارين. المليك الراحل وحماه جاءا إليّ وأخبراني أنهم كانا يتظاهران بكونهم كاثوليكًا وإذا لم يتلقوا المال الموعود فريبا، سيعودون إلى الكنيسة النسطورية. أضافوا أنهم كانوا بحاجة للمال. لا يمكن أن تغذّينا الكنيسة الخبز أضافوا.
قصّة أخرى، مألوف في قرية جيلو هذا السّلوك الدّيني. يتجوّل عدد قليل من أشوريّي جيلو الماهرين في روسيا والبعض في البلاد الأوربّيّة يتظاهرون بكونهم أعضاء إخوية القدس أو أخوّية أخرى. يجمعون المال لأنفسهم. يتحدّث هؤلاء الأشوريّون لغات كثيرة. قد قابلت أحدهم الّذي تكلّم فرنسيّ، إيطاليّ وأسبانيّ بطلاقة. قد قضوا وقتا طويلا في هذه البلاد كأعضاء أخوّة كاثوليك القدس. في قرية مار ساوا، عندما اسنضافني قس القرية بارك وجبة الطعام باللّغة الرّوسيّة وأخبرني أنه سافر الى روسيا لفترة طويلة كعضو جمعيّة القدس.
الصّناعة
أشوريّو جلامارج مشغولون بشكل رئيسيّ يعملون في المزارع والبساتين. يخمّرون الخمر، يجمعون العسل ويربّون المواشي. من الأشجار الشّجرة الرّئيسيّة هي الجوز. الأشجار الأخرى هي تفّاحة، التّوت، الخوخ، الكمّثرى والرّمّان. صنع الخمر ليس كثيرًا. ما خُمِّرَ أُرْسِلَ. بعض الخمر يستهلكونه بانفسهم. العسل حلو جدًّا ونقيّ، بخاصّة عسل قوتشانيس.
التّكاثر والاحتفاظ بالغنم هو الصّناعة الرّئيسيّة. يربّون جديانًا قليلةً. سترى اثنان أو ثلاثة ثيرانًا. ليس هناك أحصنة والحمير قليلة. البغال كثيرة لأنّ هذه الحيوانات مناسبة للتّضاريس الجبليّة. لا يحتفظون بالدّجاج لأنّ الدّجاج يدمّر حدائق الخضر المغروسة قرب بيوتهم. يزرعون بشكل رئيسي الحبوب، التّبغ، الأرز، القنّب وبعض القمح، الدخن، البطاطس. التّربة خصبة والمحصول عالي جدًّا.
قبل أن يبدأ الشّتاء كلّ عمل الحقل يكون قد اُكمل، يذهب الرّجال إلى الموصل، حلب أو روسيا لكسب بعض المال. في بداية نيسان يعودون إلى بيوتهم لبدء العمل في مزارعهم. في الموصل يصنعون سلات من شجرة الصّفصاف الّتي تنمو في أرضهم. هم أيضًا ينقلون البضائع بعربات يفودها الحصان. وظيفة الأشوريّين الرّئيسيّة في كاور هي زراعة القمح والقنّب.
تاريخ الماليك
طبقًا لأسطورة أشوريّة، رجل من عائلة نبوخذ نصر، اسمه ماندو، خرج من مدينة آشور. إنّه غير واضح من اية مدينة. سافر بصحبة أربعة إخوة، بارت، يوسيب، باكوس و إسي. قد وعد ماندو أنه سيستقرّ في مكان حيث يمكن أن يغذّوه رأس وساق الغنم. بعد رحلة طويلة وصل ماندو وإخوته إلى مركز يسمّى باتشو. غذّاهم رجل فقير رأس وساق الغنم. رأى ماندو أنه قد وصل إلى وجهته وقرّر البقاء هناك ليكون رئيس البلدة. اختار مكانًا جيّدًا مقابل البلدة والمعروف الان بـ زارايش. بنى بيتًا لنفسه.
في يوم من الأيّام بينما كان ماندو يمشي في الغابة، رأى أربعة طيورًا لم يعرف من أين جاءوا. هو أيضًا رأى حجرًا أسود بالقرب من كنيسة بابها مغلقًا. في حلمه مساء نفس اليوم رأى المفتاح إلى باب الكنيسة والشّمعدان دفن تحت الحجر الأسود. صباح اليوم التّالي ذهب والتقط المفتاح من تحت الحجر الأسود. فتح الكنيسة ودخل فيها وصلّى. من ذلك اليوم اصبحت تلك الكنيسة كانت مكانًا للعبادة لكلّ سكّان البلدة.
في يوم من الأيّام بينما كان ماندو يمشي طبقًا لعادته، رأى كهفًا كبيرًا امتلأ بعظام الرّجال. سأل وأُخْبِرَ أن الرّجال هربوا من الإيرانيّين وقد أخفوا أنفسهم في هذا الكهف. وجد الإيرانيّون الكهف وأشعلوا نارا امام مدخل الكهف حيث قُتل الرّجال فيه.
حول البلدة اعتاد العيش بعض الوثنيّين الذين حولهم ماندو إلى المسيحيّة. قتل هؤلاء الّذين رفضوا قبول المسيحيّة. لم يقتل ماندو العائلات المعروفة وأمرهم أن يذهبوا ويعيشوا في بلدة مجاورة. ذهبوا كما أمرهم. أحفادهم مازالوا باقون لكنّ لم يزيدوا. كلّ واحد بقي عائلةً واحدةً فقط. أصبح أحفاد مليك ماندو ماليك الّذين أيضًا أخذوا اسم ماندو.
أثناء عهد إحد الماليك، هرب مار شمعون من آشور. جاء الإيرانيّون وأحتلوا المكان. أخذوا مار شمعون إلى إيران وسمحوا له أن يعيش في بلدة شينو. عندما استقرّ مار شمعون هناك، بنى كنيسةً كبيرةً. بعد وقت طويل أنقذ مليك ماندو مار شعمون من الإيرانيّين وأخذه إلى بلدة زارنيش. من ذلك الوقت عاش المار شمعونيون لمدّة 60 سنة في بلدة زارنيش. قبر أحدهم في مقابر البلدة. إنّه غير واضح لماذا ترك مار شمعون زارنيش واستقرّ في بلدة تيرجونيا وفيما بعد في قوتشانيش التي أُعْطِيت إليه كهديّة من قبل مليك ماندو. لم يبق مار شيمون طويلاً في قوتشانيس لأنّ البلدة كانت بالقرب من جلامارج وكانت تحت حكم المير الكردي. لذلك كان مرغما أن ينتقل إلى بلدة ديزين.
كان مليك ماندو غير مسرورًا أن مار شمعون قد ترك قوتشانيس. تشاور مع مير الكرد في جلامارج عن كيفية أعأدة مار شمعون إلى قوتشانيس. ذهب إلى ديزين وأحرق بيت مار شمعون. فيما بعد جمعوا المال وبنوا بيتًا له ودعوه لقوتشانيس. بهذه الطريقة اُجبر مار شمعون لقبول الدّعوة للذّهاب والاستقرار في قوتشانيس.
كرسيّ مليك ماندو وُرِثَ من قبل مليك آرون. هاجم قلعة خيروات الكرديّة، أحتلها ودمّرها. كان نصرًا كبيرًا. خلف مليك آرون شخص آخر اسمه ماندو. هو أيضًا مثل الماليك السّابق كان رجل حرب. عندما حدث خلاف قام مليك خبيار لقبيلة باز وهاجم البلدة وقتل سكّانها.
مليك ماندو خلفه مليك سليمان وأثناء عهده اعتقدت الحكومة العثمانيّة أنه كان ضرورياً أن تعين رجال الحكومة في هذه الأماكن. عيّنت الحكومة ريس محلّيّ (رئيس) في كلّ من جلاميرج، كاور، شامدينين (شامسدين). هؤلاء الرؤساء كانوا يحاولون من جميع النّواحي منع القتال بين القبائل الأشوريّة. لذلك مليك سليمان ومليك شليمون الّذي تبعه، كلاهما قد أبقيا السّلام بين القبائل.
مليك شليمون تعبهَ مليك وردة. يقولون أنه رُشِيَ من قبل أورمار، رئيس القبيلة الكرديّة لعدم مساعدة القبائل الأشوريّة عندما هاجمتهم الفصائل الكرديّة. الأكراد هاجموا، سلبوا وقتلوا وسرقوا المواشي. لم يتدخّل مليك وردة للدّفاع عن القبائل الأشوريّة الّتي هُوجِمَتْ من قبل الأكراد.
هاجم مليك إيشو الّذي تبع مليك وردة القبائل الأشوريّة في تخوما وسلب 2000 رأس من الأغنام. في هذا الوقت هاجمت قبائل ديز تخوما واحتلت بلاد كيرسو ووضعت المواشي في حقولهم المزروعة. هاجم مليك إيشو قبائل الديزيين وأخذ مواشيهم. تحكّم في حقولهم وجمع محصولهم الزراعي لنفسه.
مليك إشو تُبِعَ من قبل مليك ميرزا. لا شيئ معروف عن هذا المليك. أثناء وقت مليك خليل الّذي تبع مليك ميرزا، هاجمت الفصائل الكرديّة لقبائل جيلو وأخذت 2000 رأس من الأغنام. شكا مليك خليل للحكومة التّركيّة. فيما بعد أخذ 400 رجلاً قويًّا من قبيلته و 40 جنديّ تركيّ وهاجم أورمار الكرديّ وأجبره أن يدفع إلى مليك خليل 400 ليرة و 682 غنمًا، 7 بغال، 4 بقر، بعض السّجّاد والأشياء الأخرى. في 1909 سافر مليك خليل إلى أوروبّا لجمع المال. كان مرتديًا ملابسه المحلية وتم تقدِيمه الى حضرة البابا.
شرح للبابا أنه كان مليك من جيلو وأضاف أنه ليس هناك تعليم في بلده وطلب إذن البابا أن يجمع المال لفتح المدارس. أعطى البابا إذنه وفي وقت قصير أحضر 18،000 ماناتي وعاد الى بيته حيث بدأ في بناء مبنى المدرسة. رجع ثانية إلى أوروبّا لجمع المال. بدا أنه كان ينتحل شخصيّة راهب كاثوليكيّ في أسفاره في النّمسا. كما علمت من القنصل النّمساوي، الحكومة النّمساويّة قد قبضت على مليك خليل عندما شكّوا أنه كان يجمع المال باسم الكنيسة لكنّ لنفسه وقد طالب القنصل أن يقدّمه شخصيًّا إلى الحكومة النّمساوية.
الطّلاق الطّلاق نادر وفقط عندما يُثْبِتَتْ ان الزّوجة خائنةً. لدى مار شمعون سلطة لمنح الطّلاق. إذا كانت الزّوجة عاقرا والرّجل على علاقة بامرأة أخرى، المجتمع لا يعتبر هذا العمل يجب أن يُحْكَم . لكنّ، الكنيسة تعترض على هذا السّلوك ولا تعطي القربان المقدس للرّجل والمرأة وعندما يموتون لا تقدم الكنيسة لهم خدمة الدفن الدينية. الأطفال المواليد خارج نطاق الزواج يعمِّدُوا. العروسة الولد أو البنت لا يُسْأَلانِ إذا كانوا يرغبون في الزواج. لكن الوالدان يقرران. إذا رفضت بنت، هي تفرّ للزّواج مع عشيقها وتهرب بعيدًا. يسعى الآباء إلى الزّوج والزوجة وإذا وجدوهم يقتِلُوهم. إذا لم يجدوهم يعتبرونهم منبوذين وتُقطع كلّ العلاقات معهم. لكنّ، بعد فترة يعودون إلى قريتهم ويتصالحون مع عائلاتهم لكنّ البنت لا ترث من والديها. مقابلة العروسة تتمتّع البنات الأشوريّات بالحرّيّة الكاملة، يقابلون الأولاد وعائلاتهم، عند العمل في الحقول أو في الجبال. لكنّ إذا أراد ولد رؤية عروسة لنفسه، المرأة الخاطبة تذهب إلى بيت الفتاة وتتفحصها بدقة أمام عائلتها. تعرف العائلة لماذا جاءت وتتظاهر بأنها لا تعرف. إذا كانت الخاطبة مسرورةً من البنت تتبنّاها بشكل غير رسميّ كزوجة الابن. إذا لم تكون، تغادر فقط . من ناحية أخرى إذا وافقت العائلة على إعطاء ابنتهم للولد يعاملون الخاطية بالاحترام لكنّ إذا لم يوافقوا ينظرون بجفاء اليها. مباركة الخاتم بعد أن توافق العروسة على زواج الولد، عائلة الولد ترسل رجلاً لسؤال العائلة إذا كانت توافق على إعطاء ابنتها للزّواج من ابنهم رسميا. إذا كانت الإجابة نعم، يقومون بدعوة قسا، اشبينا وبعض أقارب من الدّرجة الأولى ويذهبون الى بيت عائلة الفتاة ويطلبون رسميًّا يد ابنتهم لابنهم. القس يكون قد سأل الولد إذا كان راغبًا أن يطلبوا يد الفتاة لتكون زوجته. إذا أشار إلى استعداده، الأب والأقارب، لكنّ ليس الفتى، يذهبون إلى بيت الفتاة. معظم الوقت عائلة الولد ترسل الخمر المعتق، اللّحم وأنواع الطّعام الأخرى إلى عائلة الفتاة لتُعَدّ لعشاء الضّيوف المتوقّعين. بعد أن يأكلوا يتجه القس نحو أبٍ البنت يشكره على المساء اللّطيف ويسأل، “لماذا لا تسألنا لماذا جئنا؟” يجيب الأب قائلا أنّه يرحب بهم جميعا. “نحن جيران وأصدقاء. ينبغي أن نزور بعضنا البعض دائمًا”. يقول متظاهرا أنه لا يعرف شيئا عن غرض زيارتهم. القس يقول أنهم قد جاءوا لطلب يد ابنته لابنهم. يجيب الأبٌ أنه لا يقرر للبنت لكنّ أمّها.”فهي التي ربتها. اسألها”، عندما يسألون الأمّ الّتي تقولها، انا لا أفرر للبنات لكنّ أخو زوجها .هو أيضًا يمرّها إلى قريب آخر وآخر، أخيرًا يعودون إلى الأب. يقولون أن أباها لم يقرر بعد إعطاءها أو لا. قد جئنا هنا للأكل والشّرب وقضاء وقتًا ممتعًا. يعرف إلى من يتمنّى إعطاء ابنته، الأقارب يقولون . يعبّر الأبٌ عن موافقته للقس. طبقًا لقانون الكنيسة ينادي القس البنت ويسألها إذا كانت توافق على زواج الشاب. إذا قالت نعم، يبارك القس الخاتم أو يعطيها هديّة أخرى. المهر أيّام قليلة أو أسابيع بعد مباركة الخاتم، أب العريس مع بعض الأقارب يذهبون إلى بيت العروسة حيث بالفعل قد تجمّع بعض من أقاربها. بعد الغداء أب الشاب وأب البنت يبدءان في التّكلّم عن المهر. تستمرّ هذه المحادثة وقتا طويلا الّذي فيه يشارك أقارب كلا الجانبين . أخيرًا يقرِرون أن أب الفتى ينبغي أن يعطي كمهر ثلاثة أغنام، ثور واحد، ليرة ذهبيّة وأشياء أخرى، و250 قرشًا إلى الأمّ كدفعة للحليب الذي غذّت ابنتها. العرس من يوم خطبة الفتاة حتى يوم الزّفاف، ليس للعريس أيّ حقّ لزيارة العروس. فقط يمكن أن يراها سرًّا. أثناء الأيّام المقدّسة عائلة الشاب ترسل الهدايا المختلفة، غالبًا الطّعام، الزّينة والثّياب للعروس. أيّام قليلة قبل العرس عائلة العريس تأخذ المهر المتّفق عليه إلى عائلة العروس. العريس والعروس يُؤْخَذَانِ من قبل أصدقائهم إلى الحمّام يتقدمهم الموسيقيّون، زورنا، دولا، موسيقى المزمار والطّبلة. قبل أن يدخل العريس الحمّام يقوم الحلاق بقص شعره ويحلق لحيته. الحلّاق لا يقبض كما يعمل الأرمن. ثمّ هم يختارون الّذي سيقود الحفلات الرّاقصة للعرس. كلّ رجل مدعوّ إلى العرس يحضر هديّةً. ذلك الّذي هديّته هي الأكبر يُعْطِيَ الحقّ لقيادة حفلة الرّقص. الهدايا المحضّرة من قبل الضّيوف تُعْطَى إلى زعيم الحفل الرّاقص الّذي تباعًا، من وقت إلى آخر، بينما الحضور يرقصون، يعطي هديّة لكل شخص أحضر هديّة للعروس والعريس. الهدايا عادة هي دجاج، غنم، قمح، إلخ مثل الأرمن والأكراد، يقدم الأشوريّون الهدايا في مناسبات أخرى مثلا عندما يسافر أحدهم بعيدًا عن القرية. الهدايا عادة هي القمح، الغنم، الثّيران وهم يتوقّعون أن تُُسَدَّد أقارب وأصدقاء العروس لليوم التّالي يتجمّعون في بيت أبيها. عائلة وأصدقاء العريس مصحوبة بالموسيقى، زورنا و دولا، تحمل الثّياب المعدّة من قبل عائلة العريس لمراسم الزّواج. يلبسها أصدقاء العروس بصحبة الموسيقى والأغاني. أحد أقارب العريس يعطي هديّة للعروس يلفّه حولها. ثمّ يُكشف وجه العروس وتُؤْخَذ إلى الكنيسة. يبارك القس المنديل ويضعه على رئيسها يغطّي وجهها. أصدقاء العريس مصحوبون بالموسيقى وإطلاق مسدّسات، يأخذونه إلى الكنيسة. يتركونه مع الاشبين ويتبعون مجموعة العروس. زوجة الاشبين تأخذ السّاعد الأيمن للعروس وأخوات العريس يدها اليسرى. يمشون معها ثلاثة مرّات حول نار ويقفون بها إلى يمين العريس. يقف الاشبين الى جانبه الأيسر. بعد نهاية الرقص تقف العروس الى يسار العريس لأنّ اللّه عمل المرأةً من الضّلع الأيسر لآدم لتكون زوجته. يبارك القس التّاج (كليلا) ويضعه على رأس العروس. يربطهم على هيئة صليب بمعنى أنّ العريس وعروسته رُبِطا بإحكام. يأخذ القس الشّريط الّذي ربطهم والصّليب، يغمسهم ثانية في اناء مملؤ بالخمر ويقدمهما الى العريس والعروس. يأخذ الصليب من الاناء ويعطيه للعريس ويضع الخاتم في الاصبع الصغير من اليد اليمنى. بعد مراسم الزواج. يغادر الزوج والزوجه الكنيسة. يرشونهم بالزبيب، وبالقطع المعدنية الصغيرة، اطلاق النار من البنادق والغناء والرقص. ثم يتجهون الى بيت العريس. عندما يمر العريس والعروس امام احد منازل الاقارب، يرشونهم من السقف بالزبيب والجوز. عندما يدخلان المنزل يقدمون لهم القهوه او عصير الفواكه. يحمل الاشبين جوملانا. وهي عصي على شكل صليب. عليها فواكه وتفاح. عندما يصلون إلى باب البيت، يبدأ العريس بالرقص. هو والاشبين يطلعان على السقف يتبعهم الأصدقاء. العريس مسلّح. عندما تصل العروس إلى الباب تتوقف وكأنها لا تريد دخول البيت، يأخذ العريس تفاحة من الجملانا ويلقيها من السّقف للعروسة. في هذا الوقت تخرج أمّ العريس من البيت وتقدم هديّة للعروس. تقبّلها وتقودها في البيت. بينما يلقي العريس التّفّاح يحاول الشباب إمساكها كأن التفاح بُورِكَ واُعْتُبِرَ مقدّسا. يأتون طبقًا مملوءًا بالزّيت. تغمس العروسة إصبعها في الزّيت وتمسح الزّيت على باب البيت. هذه إشارة الى أن دّخول البيت قد يجلب البركة. بينما يدخلون بيت العروسة تجلس على كرسي ويُحضر طفل ويُوُضِعَ في حضنها. هذا يعني التمني أن الطّفل الأوّل يكون ولد. الغناء والرّقص يستمر لثلاثة أيّام. تقريبًا كلّ الضّيوف يحضرون الطّعام في الصّباح والمساء والكلّ يأكل معًا. العريس واصدقاؤه يبدأون بالقاء النكات لترفيه الضيوف. رجل يقود فتى الى الملك (العريس) ويتهمه بالسرقه. الملك يعاقب اللص بفرض غرامه عليه توضع على الطاوله امام العريس. الغرامه يجوز ان تكون نبيذ أو دجاج أو غذاء. في اليوم الاخير من الحفلة، احيانا فى اليوم الرابع او حتى في اليوم السابع، يقدم الضيوف الى بيت العريس نوع من المعجنات يسمى “كادي” مصنوع خصيصا بيد الاشوريين. توضع الكادي فوق بعضها على طبق كبير وتُشعل حولها الشموع. شاب يأخذ الطبق ويذهب الى والد العروس ويقدم الكادي له. في اليوم الاخير تُقدم وجبة غداء خاص جيدة جدا ويوزع الكادي على الضيوف. بعد ان يأكلون جوملانا تُُطرح في المزاد. الاشبين او رجل آخر يعلن ان ‘الملك’ تم اسقاطه من العرش لذا حديقته (جوملانا) تباع. من يريد الشراء يمكنه ذلك. تبدأ العروض. رجل يعرض مجيد واحد (ايراني)، وآخر اثنان. تستمر العروض وتُباع اخيرا لمن يدفع أعلى سعر. المال والهدايا تُقدم إلى العريس. الرجل الذي يحصل على جوملانا ينتفي كل التفاح ويعطيها للضيوف. بيع الجوملانا والهدايا أحيانا تغطي كل نفقات الزواج. في يوم بيع الجوملانا يدخل العريس والعروس غرفة النوم. بعض النساء تجلس في غرفة الجلوس تاكل وتشرب. تنتظر لمعرفة ما اذا كانت العروس عذراء. الحياة العائليه الاسرة في تياري وتخومي مؤلفة من اربعين عضوا : الاباء والامهات والابناء وزوجاتهم وأولادهم وأحفادهم. تنظيم هذه الأسرة الكبيرة يبدو مماثلا لذلك في الارمن. رب الاسرة هو الأب الأكبر. وهو الذي يقرر توزيع هدايا العروس عندما تصل الى منزل الاسرة. عند وفاة الاب فأن شقيقه الاصغر او ابنه البكر يأخذ مكانه على رأس الأسرة. ادارة الحياة في المنزل هي من مسؤولية زوجه رب الاسرة. هي المسئوله عن كل شيء في المنزل. وتُقسم العمل على بناتها وكناتها. الكنات مثل الارمن ليس لهن حق التحدث الى الحمو، الحماة او اخو الزوج. النساء لا تأكل مع الرجال بل لوحدهن عندما يفرغ الرجال عن الطعام. المرأة الاشورية صاحبة اخلاق عالية جدا وعملت على ابقاء اسرتها ممتازة. عندما يكون الزوج خارج القرية تقوم الزوجه بكل اعمال البيت والحقل. وهي تجلب على ظهرها الحشيش من الحقول والحطب والماء من الينابيع. كذلك تقوم بالطبخ وتخبز. زوجات رؤساء القبائل (الماليك) تفعل نفس الشئ. تعليم الاطفال هو القتال فقط عندما يبلغون 9 أو 10 أعوام. يُعطون القوس والسهام ويُرسلون الى صيد الطيور. عندما يبلغ الولد يُمنح الخنجر الذي يبقى معه دائما. لا يوجد آشوري دون مسدس. عندما ينمون ويصبحون فتيانا يذهبون الى الكنيسة مع البندقيه على الكتف والتي تبين مهارتهم في الرمايه. لا يوجد في منطقة جولامارج ركوب الخيل، أولا لأنه ليس هناك خيل وثانيا لا توجد طرق. البغال هي الحيوانات الوحيدة المستخدمة لنقل الاحمال. الولادة والتعميد النساء الحوامل يقدمن النذر (وعد) اذا ولدت صبيا سينذرونه لخدمة الكنيسة. لكن اذا كانت لها ابنة فأنها ستتبرع بمبالغ مالية او عينية للكنيسة كهدية. عندما يولد الطفل يُغسل فورا في ماء البارد مرشوش بالملح ويُلف بقطعة قماش. هم تعلموا ما كتبه النبي حزقيال : “في اليوم الذي وُلدت فيه لم ينقطع تعاقبكم الديني، انت لم تُغسلي بالماء ولم تكوني ملفوفه في ملابس.” الابن يجلب السعاده للعائلة اكثر من البنت. مثل الارمن عندما يولد طفل يذهب الأولاد بسرعة الى اقارب الطفل المولود حديثا، لبباركوه ويقدموا هداياهم. العماد طبقا للعرف يُعمد الطفل في اليوم السابع من ولادته. يوم واحد قبل التعميد، يُبلغ العراب وفي الصباح يذهب إلى والدة الطفل ومعه خروف إذا كان غنيا. يأخذ الطفل ويعطيه لزوجته ومعا يذهبان الى الكنيسة. اذا كان العراب جيدا يحسن القيام بعمله فأنه يطلب من القس اجراء الطقوس الدينية وقسا آخر لتعميد الطفل. بعد التعميد، العراب والاشبينة، بدون الكاهن يأخذون الطفل يشعلون الشموع ويسلمونه الى والدته. تأخذ الطفل وتضعه الى جانبها او في المهد. لاحقا، يُقدم طعام العشاء لجميع اعضاء الأسرة. يبقي الطفل في النهار في ملابس العماد. في اليوم الثامن من الولادة، تأتي الاشبينة وتمسح الطفل بزيت باركه الكاهن. الماء الذي يُغسل فيه الطفل يلقونه في النهر او في اي مكان نظيف. بعد هذا يغسلون الطفل مرة اخرى يلبسونه الملابس الجديدة. الأم التي انجبت ابنا تبقى في الفراش لمدة 40 يوما والتي تنجب ابنة 60 يوما. كل هذا الوقت تكون منفصلة عن زوجها. انها لا تغادر البيت، وانها تنناول طعامها لوحدها، لا تعمل لانها تعتبر غير نظيفة. بعد 40 أو 60 يوما تستحم وتغسل طفلها وتذهب الى الكنيسة وتأخذ هدية للكاهن. الهدية قد تكون قطعة من القماش او البخور او الزيت والمال. الكاهن يصلى عليها وعلى طفلها. عندما يأخذ الابن اول خطوة الاسرة يرشون عليه الزبيب، الفستق المحمص ويتجمع الأطفال في هذه المناسبه لجمع الحلوى. دفن الموتى عندما يموت رجل، بعض الرّجال يجيئون، يغلقون عيونه، يضعوا أيديه على صدره ويمدون أقدامه. إذا بقيت عيون الشّخص الميّت مفتوحةً يقولون أنه ينتظر عودة القريب. يضعون الجثّة شرقا وتحت أقدامه يحرقون البخور في طبق فخّاريّ. يجيء الأقارب ويحضرون قسا. القس بعد قراءة من الإنجيل يعمل صليب خشب ويضعه في إبريق مملوء بالماء النّظيف ويطلب تسخين الماء. ساعورا الكنيسة او رجل آخر، اذا كان المتوفى ذكرا، يغسله. اما اذا كانت انثى، فتقوم امرأة بغسلها. وأول شئ يغسله هو الاصبع الثاني في اليد اليمنى بالماء المبارك ويرسم على رأسه علامة الصليب. ثم يغسل الجانب الأيمن له بالماء والصابون. بعد ذلك يُغسل الجانب الايسر والذراع اليسرى بالماء المبارك على يد الكاهن. يوضع بقية الماء في الحوض والباقي يلقى خارجا. ثم يُخرج الصليب من القدر وتوضع في الحوض. الى جانب القدر شمعة مضاءة والقدر موضوع عليها بحبث تبقى لمدة ثلاثة ايام تحترق. والمتوفى توضع عليه ملابس مكونة من فميص وسروال مصنوعه من اللباد. قدميه وظهره وذراعيه مربوطة باللباد لكن وجهه يبقى مكشوفا بل يُغطى بمنديل. ويربطون خشبتين كالنقالة ويضعوا عليها جثة المتوفى وتُغطي بكفن. الرجال الاغنياء احيانا يصنعون الاكفان لافراد الاسر الذين توفوا. ثم يتجمع الكاهن والذكور والاناث من افراد الاسرة. تُحرك النقاله صعودا وهبوطا ثلاث مرات، وبعد ذلك تؤخذ الى المقبرة. الكاهن والشماس يقودان المسيره وخلفهما النقاله على أكتاف أربعة رجال. يضع الرجال الاغنياء امام النقالة حصان على ظهره سرج مباشر ليس مثل الأرمن موضوع بالعكس. الآشوريون يضعون على ظهر الحصان قطعة قماش ملون، البعض يقود النقاله الى المقبرة وهم يحملون السيف او السلاح ولكن في الاتجاه العكسي. عندما يصلون الى نقطة معينة يضعون النقاله على الارض. تلتف النسوة حول النقالة وهن يبكين. ويسمح للنساء بالبكاء والدموع حيث يقال ان الدموع تبلل الارض التي دفن فيها الموتي وهم لا يرتاحون في مكان جديد. في منتصف الطريق الى المقبرة تعود النساء الى منزل المتوفى. يرفع الرجال وينزلون النقاله ثلاث مرات ويتقدمون نحو المقبرة. عندما ينزلون الجثه الى القبر، يأخذ الكاهن حفنة تراب من الأرض، وجميع الرجال تحذو حذوه. تنزل الجثه في القبر، والكاهن يبارك التراب في يده ويلقي بها الى القبر. يتم اخراج الجثه من الكفن وانزالها الى القبر. يؤخذ الكفن ويغسل ليكون جاهزا للاستعمال مستفبلا. وبعد دفن المتوفى يقدم الرجال تعازيهم لاسرة المتوفي والعودة الى نهر او رافد قريب من النهر. الكاهن يقرأ من الانجيل على مياه النهر أو الرافد. لكن ان لم يكن هناك نهر او رافد. يطلب الكاهن المياه من المنزل. بعد الخدمات الدينية يقوم الرجال بغسل ايديهم ووجوههم والذهاب إلى الكنيسة. إذا كان المتوفّي غنيًّا يؤدّي القس الشّعائر الدّينيّة كاملة. إذا لم يكن، ينتقل إلى بيت العائلة حيث يُقَدَّم غداء إلى جميع الّذين حضروا مراسم الدّفن المعدّة من قبل أقارب المتوفّي. بعد الغداء تُقدم التعازي إلى أعضاء العائلة ويعودون إلى بيوتهم. |