سورما خانم بطلة من شعبي
اثار مقطع كتبه السيد نينوس بثيو في رده على رسالة ابناء النهرين الكثير من ردود الفعل والمقطع هو ((الا أذا كانت المبررات شخصية وشخصنة الامور , لا بل عند البعض منهم الاسباب تعود الى تراكمات متخلفة متوارثة من زمن حكاري وتفاعلت في احداث سميل عام 1933 ويبدو ان البعض لا يزال يحتفظ بها رغم سنوات قضوها في مدرسة زوعا ولكن يبدو انهم لم يستوعبوا درسا أوليا من فكر ومبادئ زوعا.)) متهما بعض من خرج من الحركة واسس فيما بعد حزب ابناء النهرين، بان دوافعهم عشائرية وانتقامية لما حدث في حكاري ومن ثم ابان احداث سميل. وبدلا من نقد هذه العودة الغير الحميدة للماضي، واتهام رفاق الدرب بان ما يسيرهم هو الفكر العشائري وانهم لم يستوعبوا حقا فكر الحركة، كل فترة انتسابهم اليها، وهو اتهام يجب ان يوجه الى قيادات الحركة ان كان الامر صحيحأ، فكيف بهذه القيادات المتمرسة، تسمح بصعود اناس عشائريون ليتبوؤوا مناصب قيادية، دون ان ينتموا حقا الى الفكر القومي العابر للعشائرية. وهناك سؤال يطرح ذاته وهو الم يكن دفع بعض القيادات للامام لاسباب انتخابية ولتحقيق مكاسب محددة، متجاوزين المبادئ والقيم التي ينادون بها؟
لو كان تاريخنا قد سار باتجاه ما خططت له قيادته، لكنا اليوم نمدح تلك القيادات ونعمل لها تماثيل واحتفالات التمجيد. ولكن الامر كان مخالف لذلك، فقد كان نصيب شعبنا في النتيجة النهائية الهزيمة، التي انجب انقسام اخر وهو هجرة الكثير من ابناء شعبنا الى سوريا. وانقسام القيادة المتبقية او انكفأها وصمتها.
حسب ما تم تداوله من قبل بعض الشخصيات، في منتصف الاربعينيات من القرن الماضي، تم تأسيس مجموعة للانتقام لضحايا سميل، وكان احد اعضاء المجموعة هو المرحوم جورج (والد الشهيدة ماركريت)، الذي افشى السر، لانه كان مكلفا باغتيال مار يوالاها اسقف برواري بالا. والظاهر ان الخطة كانت تقتضي قتل مار يوسف ومار سركيس ومالك خوشابا على اساس انهم كانوا سببا مباشرا في ما لحق بشعبنا. نحن هنا نسرد ما سمعنا، طبعا الخطة كما قلت فشلت وتم القاء القبض على المجموعة واطلق سراحها بعد ذلك، لان المسألة اساسا لم تنفذ. هل كانت هذه المجموعة مستقلة ام انه كان لها ارتباط بحزب خيت خيت الب، هذا ايضا لا يزال في المجهول. ولكن هذه المجموعة كانت من الشباب المندفع واعتقد وبحسب تفكيرنا اليوم، كانت نتائج اعمالها لو تحقق ما خططت له، ستجلب اضرار اكبر لشعبنا ولما حققت شيئا ملموسا. بل كان يمكن ان يستشري فعل الانتقام بين مختلف اطرافه المتصارعة او المختلفة. اسرد هذه القصة لكي فقط انوه ان الكثيرين ورغم الم سميل وما تلاه، لم يحمل العائلة البطريركية نتائج هذا الحدث. اي نعم كان يمكن ان يتم التقليل او التغيير او اتخاذ اتجاه اخر لما حدث في سميل، ولكن الاكثرية كانت في طرف معين. وبالتالي كانت الشرعية متوفرة، حسب القواعد التي كانت سارية حينذاك. ما يتم سرده في الغالب عن اقوال اشخاص، وتقييماتهم والتي حتما تأثرت بنتائج سميل وتأثرت بالانتماءات وتأثرت بمواقف شخصية. يعتبر استسهالا في الحكم على الاحداث. مثلا مسألة هروب ابناء شعبنا من اورمي، وتحميل سورما خانم نتائجها، استنتاج خاطئ، مبني على اخبار كاذبة، وعلى عدم الدراية بالواقع، فمن هرب لم يكن الاشوريين فقط، بل الارمن ايضا، اي كل المسيحيين، والسبب ان اسلحة وذخيرة المدافعين عن اورمي بدأت تقل تدريجيا، وبعثة اغا بطرس لم يأتي منها خبر ما، والقوات التركية والعشائر الكوردية كانت تقترب تدريجيا، فخيار الخروج والالتحاق باغا بطرس وقواته صار امر واقع، والا كان الناس يشعرون بدونوا اجلهم. ولم يكن خيارا اتخذ براحة بال او بمؤامرة ما.
سرما خانم ونتيجة انها كانت متعلمة وكانت امرأة وتعمل في وسط ذكوري تسوده الافكار العشائرية، فحتما كان هناك تاثير لهذا الامر على بعض القيادات، ولان القيادات كانت عشائرية، فكريا وواقعا، فالمسألة الاهم التي افتقدوها، بعد خلافاتهم هو عدم التواصل، واصرار كل طرف على ما يعتقده. ولكن وبحسب المتعارف عليه، فان البيت البطريركي لم يتخذ قرارات انفرادية، الا في حالات الضرورة القصوى، وعدم القدرة على التواصل، جراء الظروف التي كانت سائدة، سواء من الناحية الامنية او حتى التسهيلات المتوفرة مثل البرقيات او التلفونات.
في منتصف الستينات من القرن الماضي وعند حدوث قضية الانشقاق الكنسي، كتب شخص ما من طرف اتباع التقويم القديم، مقالة نشرت في جريدة الجمهورية، وفي المقالة اتهام مباشر لاتباع المار شمعون وللعائلة البطريركية بانهم كانوا عملاء للانكليز، في مسايرة مفضوحة للفكر القومي العربي السائد حينذاك. ولكن لم يتسأل اي احد ولماذا كانت الوزارات العراقية تسير بمشورة الانكليز، ولماذا كان الملك والجيش يسيرون بمشروة الانكليز، علما ان الانكليز وبحكم انتدابهم على العراق، كانت لهم علاقات مع كل القوى العراقية وخصوصا العشائر العربية والكوردية. وبالتالي كان من الطبيعي ان يكون لهم تلك العلاقة مع القيادات الاشورية. ولكن ما اود الاشارة اليه، ان الرهان الذي كان معادي العائلة البطريركية، يدعون به وهو العراق وطننا وعلينا ان نعمل بما تقرر حكوماته، وان سار في سنوات معينه وكانه الرهان المنتصر، ولكن بالنهاية اثبت ان الدولة العراقية لم تكن ابدا، دولة مواطنيها، ولعل ما حدث منذ بداية الحرب الكوردية في 11 ايلول عام 1961 ولحد الان يثبت ان هذه الدولة لم تحترم مواطنيها ابدا، ولا الت تطلعاتهم اي اهمية. فاغلب قرانا تم حرقها من قبل انصار الحكومة وتحت انظار قواتها، وهكذا تركنا قرانا واموالنا وممتلكاتنا لقمة سائغة لمن بقى على الارض. ولعل ما حدث بعد سقوط النظام الصدامي وما عاناه شعبنا، وبمختلف طوائفة حتى تلك الطوائف التي عرف عنها السلم والخضوع والعمل بحسب ما تقره الدولة والاكثرية العربية، لم تنجو من الفكر الذي اقترف مذابح سفر بلك او سيفو. انه الرهان الخاسر نفسه.
سورما خانم لم يكن لها اي دور، ابان ترك عشائر شعبنا مناطقهم والانتقال الى اورمية، فالقائد كان مار بنيامين شمعون، وكان الدافع ايضا قلة الاسلحة، والمذابح التي كانت قد بدأت بحق ابناء شعبنا في المناطق التي تقع شمال وغرب منطقة العشائر، وكذلك الارمن، وكان فرمان مفتي الديار العثمانية قد خرج بالقضاء على الكفار منذ خريف عام 1914، وحاول شعبنا وقيادته بمختلف السبل عدم الوصول الى نقطة اللاعودة مع السلطات العثمانية، ولكن ما كان يحدث لم يترك اي مجال لخيارات. فكان خيار الانتقال الى اورمية خيار البطريرك والقيادة العشائرية المجتمعة معه.
برز دور سورما خانم بعد مقتل اخيها مار بنيامين شمعون. فلا اعلم لماذ تحمل وزر امور لم يكن لها يد فيها. انه الفكر العشائري مرة اخرى، الذي يريد تصفية حسابات ضيقة ولا يبالي بحقائق الامور وتسلسلها الزمني.
لا اعلم عن اي املاك او اموال للعائلة البطريركية، فكل ما نعرفه، انه تم اسكانها في قرية بيبدي ومن ثم نقلت الى الموصل، وكانت تعيش كفافا، مع الادراك ان البيت البطريركي كان يعتبر بيت الكل، اي كان وبرغم الظروف يعج بالضيوف من مختلف القرى والعشائر. ولو اطلعنا على ظروفهم في قبرص، لاعتصر قلبنا الما لمعاناتهم، وللضغوط الانكليزية عليهم من خلال تقليص المعونات التي كانت تصلهم. وفي كل الظروف كانت سورما خانم تدير شؤون العائلة بحكم كونها الاخت والعمة الاكبر والمتعلمة والمنفتحة على ما يحدث في العالم. والان كلنا بتنا نعلم ما عانته في سفرتها الى لندن وكيف تم تاجيل مرة تلوة المرة انتقالها الى جنيف، بحكم مصالح بريطانيا الخاصة. والتي لم تكن هي على الاطلاع عليها. او لم تحسب حسابها. ان سورما خانم ابنة لشعبنا وابنة بارة، وهذا لا يعني انها لم تقع في حسابات خاطئة نتيجة لاستماعها لاستشارات معينة، اعتقدتها سليمة. وفي الوقت الذي نطالبها بانه كان من المفترض ان تكون بدرجة القديسة وبفهم وادراك الاهي، اي نظيفة وتدرك كل الامور الخفية، وكانها لم تكن ابنة زمان ووضع معين. ولم ترى خلال سنوات ثلاثة اخوة لها يموتون باسم القضية وهم على التوالي هرمز الذي اعدم في الموصل، وقداسة مار بنيامين الذي استشهد بفعلة وجريمة سمكو الشكاك، واخيها الاخر مار بولص شمعون. هذا من ناحية ومن ناحية وضع الامة والعشائر المزري والذي لم تكن تملك لوحدها مفاتيح حل مشاكله.
لقد خرج مالك خوشابا واغا بطرس للعودة الى الديار وكان خروجهم في الخريف، الم يكن خطاء كبير ذلك، وهما يدركان ان الثلوح تكسوا منطقة حكاري من منتصف شهر تشرين الاول، وان لا احد لهم هناك لكي يدعمهم ولو بالمؤن، ولكن انقسموا قبل ان يصلوا. ولذا عادوا خالي الوفاض مع انتحار القائد البريطاني الذي ايدهم. انهما كانا مع جيشهما وكانا قائدين فذين ولهم صوتهم المسموع، لما لم يتمكنا من التوصل الى حل لمعضلة اي اتجاه ياخذون، اورمي ام حكاري؟ الم يكن الموقف مفصليا وتبعته نتائج اخرى؟
اليوم مطلوب ان ندرس ماضينا وان نعطي كل شخص حقه، ونقيم حقيقة موقفه من خلال الحقائق التي نمتلكها، وقد تظهر حقائق اخر تغير فهمنا للامور، ولكن التراشق والاتهامات المتبادلة والتي لم تبنى على حقائق الامور، باعتقادي لن يخدم اي شئ ولا حتى الحقيقة التي يتحارب الجميع تحت رايتها. يحكي على الوردي هذه القصة، وهي عن عراقيين كان في اميركا احدهم كان شيعيا والاخر سنيا، وكانا يصرخان ويتجادلان وكانهم على وشك القتل، فسأل احد الامريكان عن سبب الصراخ والجدال، فقال له على الوردي انهما يتجادلان عن ايهما كان على حق على ام عمر، فقال الامريكي فلناتي بعلي وعمر ونسألهم ونعرف الحقيقة، فقيل له ولكنهما ماتا قبل الف وثلثمائة سنة، فرد الامريكي وهل هما مجنونا لكي يتعاركا على امر حدث قبل هذه المدة ولن يغيره اي منهما. جدالنا يشبه احيانا هذا الجدال، انه ليس من اجل الحقيقة، بل من اجل العشيرة، العشيرة التي لم تعد موجودة، لان مبررات قيامها ووجودها زالت بعد ان بتنا نمتلك بيوتا واراض زراعية ونعمل في مصانع او شركات، ونخصع لقوانين مدنية ونمارس عادات اخرى. سورما خانم ابنة متميزة من بنات شعبنا.
21/08/2018
بين اپرم الذي رحل عنا
صباح يوم الجمعة الموافق 29 اذار الحالي، تلقيت اتصالا من الأخ البرت كيسو، يخبرني بالخبر الغير المنتظر والذي صعقني حقا، عن رحيل الصديق ورفيق الدرب الأخ بنيامين اپرم حنا، احد مؤسسي وقيادي الحزب الوطني الأشوري لفترة طويلة.
تعود معرفتي بالأخ بين كما كان شائعا مناداته، إلى عام 1973 حيث انتميت إلى الحزب الوطني الأشوري، في شهر آب من ذلك العام أو لنقل بعد التأسيس بفترة اقل من شهر. وبعد الخامس من آب من سنة 1974 ترسخت المعرفة اكثر، ففي هذا التاريخ، تم إبعاد السيد وليم شاؤول من قيادة الحزب، وتم الإعلان عن حل الحزب. ولكن الحقيقة ان الإعلان تم لبعض المنتمين ممن شككت القيادة الجديدة بتوجهاتهم. وكنت من الأشخاص المؤيدين لإبعاد السيد وليم شاؤول. حيث كنت قد طرحت شكوكي بمسؤوليته وبما يحكى ويقال عنه في شهر أيار من نفس العام، في اجتماع حزبي منفرد مع الأخ كوركيس ياقو. بعد إبعاد السيد وليم شاؤول عن القيادة، تسنم القيادة الجديدة للحزب من ثلاثة اخوة والتي تألفت من كل من المرحوم بنيامين ابرم حنا(بين) وكوركيس ياقو (جورج باكوس) ونمرود بيتو. زادت الصلات والاتصالات والتواصل مع الأخ بين وبالا خص انه صار يقود خلايا تهتم بالشأن الثقافي. وكانت احداها الخلية المؤلفة من الأخ شموئيل بيتو وسركون ريحانة وانا. وفي تلك السنة، وبعد إبعاد وليم شاؤول من القيادة، أقرت القيادة التوجه إلى النادي الثقافي الاثوري في بغداد لدعم نشاطه والاستفادة من النشاطات والمحاضرات التي تقام فيه. ومقاطعة نادي سنحاريب الذي قام السيد وليم بتأسيسه. ومن خلال النادي والنشاط الطلابي، زاد الاحتكاك بالأخ بين ابرم، فكان بالإضافة إلى كونه ناطقا غير معلن بتوجهات مجموعة كبيرة عرفت بالمستقلين أو الطلبة الجامعيين في النشاطات التي كانت تقام في النادي الثقافي. كان احد المسؤولين الأساسين للطلبة الاشوريين الجامعيين، والتي كان في كل كلية أو معهد هناك مسؤول منتخب لهم. وغالبا كان هذا المسؤول من أعضاء الحزب الوطني الأشوري أو من أصدقاءه. ولذا فان النشاط الطلابي الجامعي الأشوري في بغداد في تلك السنوات وبالأخص من عام 1973_1976 كان بتوجيه من قيادة الحزب الوطني الأشوري.
بين ابرم لم يكن قائدا طلابيا وحزبيا فقط، بل قائدا متفوها ومثقفا ، وكان يتمتع بحضور متميز بالجرأة ولباقة وسرعة بديهية، تجعله يكون حاضرا في كل المواقف. ولهذه الصفات وخصوصا الجرأة والقدرة على التحدي دون الوقوع في المحضورات التي بدأت تكثر وخصوصا بعد عام 1974.كان البعض يضن الضنون به. أما لعدم قدرتهم على مجاراته في الجرأة واقتحام بعض المواقع وتحديها أو جراء بعض التعليمات الموجهة من أطراف كانت لها ارتباطاتها، وأرادت ان تخفيها باتهام الأحرين.
ففي النشاط الطلابي، وكان ممثلا للطلبة الاشوريين في كليه العلوم بغداد وعاونه في ذلك كل من الأخوة عامر شمشون والاخ روميل موشي، كان قائدا حقيقيا، في إثبات الوجود الطلابي الأشوري في الكلية وكان مدافعا شرسا عن حقوق الطلبة الاشوريين وحقهم في تبيان وجودهم في النشاط الطلابي، كحالة خاصة بيهم.
وفي النادي الثقافي الاثوري، وبعد تحول النشاط إلى ضرورة تطوير النادي وترسيخ التوجهات القومية، كان وبمعية الأخوة نمرود بيتو وكوركيس ياقو، القادة الفعليين لدعم المستقلين وخصوصا التيارات القومية الأخري. وبالأخص التيار المتمثل بالأخوة خوشابا سولاقا وابرم شبيرا ونوئيل داود لتغيير قيادة النادي والاتيان بقيادة جديدة اكثر حدية وقدرة على مواجهة التحديات. وكذلك حينما انفصل الحزب وجماهيره عن المجموعة اعلاه واضطر ولاسباب مختلفة لقيادة التوجه لوحده وبدعم جماهيره. مما دعاه لاستلام قيادة النادي. كانت مثل هذه النشاطات تترافق بنشاطات ثقافية وندوات وجدالات مختلفة. وكان الأخ بين ابرم، راس الحربة في اغلبها. مما كان يجعل أي جدال يحسم لصالح توجهات الحزب وخياراته. في كل ذلك مستعملا قدرته الثقافية وميزاته الشخصية التي ذكرناه اعلاه.
وفي بداية الثمانينات ونتيجة لمتغيرات ومتطلبات العمل الحزبي، تم إضافة كل من الأخوة ديفس سركيس واشور سمسون وتيري كنو بطرس إلى قيادة الحزب، والتي حاولت تنشيط الحزب اكثر. فتم ولأول مرة اقرار جمع الاشتراكات الحزبية والتي كانت محضورة زيادة في الحيطة والحذر. ومواجهة قضية المشاركة في الكفاح المسلح، ضد الحكم القائم. حيث نوقشت القضية مرارا، وانقسمت القيادة تقريبا، إلى طرفين. ضم الطرف الأول الأخ بين وكوركيس ياقو وديفس سركيس واشور سمسون والطرف الاخر الأخ نمرود بيتو وانا. الطرف الأول له شكوكه المعقولة والحقيقية والطرف الاخر كان يود الاشتراك رغم تواجد بعض الشكوك، لكسب التجربة والدخول في الحالة الوطنية.
في تلك الفترة تم سوقي مرة اخري إلى خدمة الاحتياط. وطرحت مسألة المشاركة مرة اخري ولكن بحله جديدة، وهي انه هناك حضور للاتحاد الأشوري العالمي من خلال التجمع الديمقراطي الأشوري. حسب ما وصلنا، ولان حزبنا كان بالأساس فكرة الاتحاد الأشوري العالمي، ولأنة يحقق بعض شروط الأخوة المعترضين، ومنها التواصل مع أبناء شعبنا في المهجر. فقد تم بحث الأمر مرة اخرى، وخصوصا انه تم عرض اسمي من قبل البعض لكي التحق. وهكذا قررت القيادة الموافقة على التحاقي بالكفاح المسلح، على ان أزودهم بالتقييم الأولي في اسرع ما يمكن. في أيار 1984 التحقت بالكفاح المسلح من خلال التجمع الديمقراطي الأشوري، وفي آب من تلك السنة أرسلت التقييم الأولي والذي كان سلبيا جدا. التحاقي بالكفاح المسلح ورغم التحاق الأخ أشور وزوجته الأخت شميران التي كانت ايضا عضوة حزبية، جعلنا ننقطع تقريبا عن الحياة الحزبية الفعلية. لحين بداية التسعينيات من القرن المنصرم أي تقريبا عشر سنوات، وهي كثيرة لحدوث متغيرات وبالأخص ان الأخوة في الحركة الديمقراطية الأشورية الفصيل الاخر، قدم مساجين وشهداء، أثرت كثيرا في توجهات الرأي العام لشعبنا.
ولكن بين الذي كان يمكن ان يكون له مستقبلا كبيرا وزاهرا في بلد يتوجه إلى بناء الأليات الديمقراطية، ولقيادة البلد نحو بر الأمان، كان ايضا ضحية من ضحايا. ما فرضه النظام البائد، من حروب وتكبيل الأيادي وتكميم الأفواه، والأكثر تأثيرا، الحروب المتتالية، التي جمدت النشاط الحزب تقريبا. لكون اغلب المنتمين من الجيل الشاب، ممن شملهم السوق إلى الخدمة العسكرية. وما رافق ذلك من البعد وعدم التنسيق في الحضور واللقاء. بين الحامل لصفات الجراءة واللباقة وسرعة البديهية، كان عاطفيا، يهتز لأفل مصاب يصاب به صديق أو قريب. وكانت الدموع تجد طريقها سريعا على خدوده، حينما يسمع بان احد الأصدقاء أو الأخوة قد فارق الحياة.
الحرب لمن لم يعايشها حقا، لا يعلم إنها طاحونة تطحن في كل الاتجاهات. فليس مهما ان تقتل أو تموت بالجسد. بل في كثير من الآحيان تقتل، الروح الوثابة والمبدعة والقادرة على الأتيان بالبديل. وكأن العراقيين أصابهم العقم، من الأتيان بالبديل الاخر، وكانه محكوم عليهم، تناسخ القائم ليس إلا. في ظل مثل هذه الحالات وكونك من أبناء الأقليات، سيتم اختصار دورك إلى الغير المرئي.
وهكذا خلال التسعينيات وبرغم من ان الحزب الوطني الأشوري كان منفتحا لكل الخيارات في التعامل مع القوى القائمة في المنطقة الأمنة. وابدي استعداده لذلك ولكن بخطوات مدروسة. إلا انه تعرض لحملة شعواء طالت قيادته وتاريخه، متهمة إياه بانه عميل البعث. وبعد ذلك عميل أطراف اخزي. رغم ان أي من قياداته ولا حتى كوادره لم يظهر اسمه في قوائم العمالة أبدا. ولكن الحملة أثرت نفسيا على الكثيرين، وخصوصا إنها أتت من أطراف كان الكثير منها يعتبر من الأصدقاء. أو سكتت أطراف عنها، رغم كونها تعلم الحقيقة، ولكنها سكتت لضمان مستقبلها الشخصي. وهذا الأمر اثر سلبا في الكثيرين، لأنة اظهر المعدن الحقيقي والرخيص لهم.
رحل الأخ بين اپرم، تاركا لنا سؤال ما العمل، في خضم الواقع المرير الذي وصلنا اليه. وخصوصا ان شعبنا باتت تتجاذبه التوجهات المختلفة، وتحاول اطرف فيه ركوب الموجة لقيادته نحو المجهول. عكس تطلعاته في مشاركته كشعب ذو خصوصة حضارية في قيادة البلد. رحل الأخ والصديق بين تاركا إرثا من العمل الصادق والمخلص والمبني على قيم تتميز بنكران الذات.
الف رحمة عليك وتعازينا الحارة لكل الاخوة ممن مروا بالحزب الوطني الأشوري وممن كانوا له اصدقاء وهم كثر وتعازينا الحارة للاحت مريم خنينيا رفيقته وزوجته ولكل افراد العائلة. ورحيلك خسارة لنا جميعا أخي بين.
توما هرمز ايشو في ذمة الخلود
تلقيت بالامس نبأ وفاة السيد توما هرمز، بالرغم من أن الموت حق، وهو سيطرق كل الابواب، وليس هناك من هو باقي خالد على هذه الارض، إلا ان بعض الناس مهما اختلفنا معهم فكريا، لا يمكننا إلا ان نقدر دورهم ومكانتهم.
تربطني بتوما هرمز علاقة قرابة، إلا أن ما شدني الى الرجل ليس هذه العلاقة، بقدر ما كانت ادواره التي لعبها، وخصوصا في توجيهي، رغم اللقاءت المتباعدة التي التقيناها.
في عام1969 زارنا في دارنا في منطقة كمب السارة ببغداد، ودار حديث بين المرحوم توما هرمز ووالدي عني وعن دراستي فشكا له والدي من انني اقرأ الكثير من المجلات، وكنت حينها اقرأ مجلات كثيرة وخصوصا التي كانت تخص الاطفال واليافعين، فطلبني لكي احضر عنده. وعندما حضرت ومعي بعض المجلات التي كنت اقراها كانت مفاجأة والدي انه نصحني بقرأة كتب اكثر اهمية وتخص شعبنا. وكانت نقطة تغيير في حياتي، فانا اليافع البالغ خمسة عشرسنة من عمري مطالب بأن اتجاوز عمري واقرأ كالبالغين. اعتقد ان المرحوم توما او الخال توما كما كنت أناديه أاراد لنا انا وأقراني البلوغ السريع. ان نتجاوز عمرنا لانه كان يريدنا ان نقوم بمهمات أكثر أهمية، انه كان يرى خطرا محدقا بشعبنا علينا ان نكون مستعدين لمواجهته، ان نكون رجال كاملي القوة العقلية.
في خريف عام 1972 جاء الى زيارتنا الخال توما ومعه ابنه الشهيد يوسف وفاتحني بالانتماء الى حزب اشوري، اسمه كان الاخاء الاثوري، او الب الب، ووافقت على ذلك الا ان المسؤول الذي انيطت مهمة تثقيفنا به لم يؤدَّ ي الواجب. بالرغم من انتظاري الطويل لكي يتصل بنا. ولكن في نشاط اخر التحقت بالحزب الوطني الاشوري في 11 اب 1973.
لا يمكننا ان نوفي الخال توما حقه، فالرجل ضحى من اجل مبادئه، أيّما تضحية ولم يطلب من احد عرفانا ولا مقابل، فإبنه هو احد الشهداء الخالدين ( الشهيد يوسف)، وعائلته تلقت الكثير من المآسي والأحوال الصعبة والخطرة. أما التضحيات المادية التي ضحى بها لتنظيمه والذي اصبح بعدئذ اسمه الحركة الديمقراطية الاشورية (بعد اتحاد حزب الاخاء الاثوري، مع الاتحاد التقدمي الاشوري (جماعة كوركيس خوشابا المعروف بأبي فينوس ومستقلين اخرين) رفض الحزب الوطني الاشوري الانضمام الى هذا الاتحاد. كما ان المرحوم الخال توما كان يمتلك املاك واسعة في دهوك تم الاستيلاء عليها ولم يستلم اي تعويض عنها.
الخال توما برز في الحقل القومي صاحب آراء قومية متشددة تصل احيانا لحد التطرف. وهذا ليس خيارا، فالمعاناة تجبر الانسان على الخيار، ومعاناة شعبنا كبيرة، وكانت خيارات الخال توما حدية وقطعية. فبرغم النصائح الكثيرة التي قيلت له بترك المناطق الخاضعة للنظام البائد، الا أنه أصر على البقاء في قريته بليجاني، لحين القاء القبض عليه عام 1988. في سنواته الاخيرة، بعد اطلاق سراحه، عاش مع ابنته الكبرى مريم وزوجها. الى ان جاء اجله المكتوب يوم الاربعاء الخامس والعشرون من ايار الحالي عن عمر يناهز 81 سنة فهو من مواليد عام 1924 ميلادية.
في شعبنا نحتفل ونقدر ونثمن من نتفق معه. ولكن من نتفق معه لن يمنحنا تجربة اضافية، بل يعيد تجاربنا الخاصة باسم اخر، ولكن ان نثمن شخص نختلف معه فهنا التجربة التي تمتلك طعما ولذة.
فأنا والخال توما تغيرت خياراتنا، فهو كان زوعاويا، وأنا مع الاترنايي، وملتحق بالتجمع الديمقراطي الاشوري. إذ أنه في نهاية عام 1984 او بداية عام 1985 زار مقر الحركة الديمقراطية الاشورية، متخفيا بلباس الكهنة، وصدفة مر في الطريق التي كنت اسلكها، كان برفقة اشخاص اعرفهم، لم يتجرؤوا على السلام عليَّ. إلا أنه وبرغم تنكره قال لي كيف حالك، لم اعرفه أول الأمر ولكنني جاوبته شكرا انا بخير وانت ولم اسمع شيئا. وهذا كان اخر لقاء، اللقاء قبل الاخير كان عام 1983 في كركوك في دارهم، فكلما تواجدت في كركوك كنت ازورهم. حيث نصحني بالالتحاق بالحركة، إلا أن خياراتنا في الحزب كانت غير ذلك. واعتقد انه كان يعرف ذلك بوضوح وكان الامر يؤلمه. وهذا من حقه لانه كان يعتبرني قريبا له وخياراتنا السياسية في الشرق تتأثر بمعيار القرابة. إلا انني حقا كنت أكن له وداً صادقا، ليس له بل للعائلة كلها، لمعرفتي بصدق نواياها في الالتزام القومي، ولكنني ايضا كنت صادقا في انتمائي السياسي وخيار فصيلي السياسي.
قد لا يعرف الكثيرون الخال توما، لأنه أحبَّ على الدوام ان يكون الجندي المجهول. أن يعمل من خلف الكواليس، ان يقدم ما يقدر عليه، لا بل اكثر مما يقدر عليه غالبا. فهذا الشخص الذي اجاد لغة الام باتقان بعد ان غزت الشعرات البيض رأسه، لم يكن مبشرا قوميا عاديا، بل شخص متميز، فمبشورنا القوميين حينذاك كانوا على الاغلب في العشرينات من عمرهم الا عدد ضئيل من أمثال الخال توما. وتبشيره القومي ربطه بعمل سياسي نشط، وخصوصا من خلال حزب الاخاء الاثوري وذراعه حينذاك النادي الثقافي الاثوري فرع سليمانية. فاذكر إنَّ جلّ الطلبة في السليمانية كانوا من أنصار الاخاء الاثوري في حين ان العكس كان حينذاك في بغداد حيث غالبية الطلبة من انصار الحزب الوطني الآشوري.
للخال توما حسب علمي مؤلفات بالسورث لم يتم نشرها، اطلعت على احداها في فترة الثمانينات، لا أتفق مع أغلب ما طرحه في هذا المؤلف، إلا أنه يبقى نشاطا فكريا قابلا للقبول والرفض وقابلا للتمجيد والنقد.
اليوم نودع شخصا انتمى واحب شعبه وجسد هذا الحب والانتماء بفعل فكري وتنظيمي وتضحيات حقيقية. ان الخال توما فكرا وممارسة يجب ان يدرس وان يدرس (بضم الياء) لانه شخص من شعبنا، هذا الذي فعل الكثير الكثير، سواء كنت معه ام لا.
في النهاية لا يسعني الا ان اوجه تعازي الى ابناءه وخصوصا الاخ فوزي وبناته وخصوصا الاخت أميرة الناشطة في مجال الفكر والاعلام. والف رحمة على روحه.
هرمز ابونا مؤرخ فذ.. ولكن لا للتوظيف السياسي
كنت ولا ازال من المواضبين على قراة كتابات الاستاذ هرمز ابونا سواء كانت كتب تصدر او مقالات اطلعت عليها. ولان الاستاذ ابونا مؤرخ اتعب نفسه بمتابعة تاريخنا الوسيط والحديث، فانا ارى انه ممكن الاتكال عليه في معرفة هذا التاريخ. وقد تختلف معه في التفسيرات التي تعطي لمسار التاريخ واسباب ذلك. وهنا لا غبار عليه، لان حدث واحد في التاريخ مثل معركة واترلو مثلا يمكن ان يصدر عنها مئات الكتب وكل كاتب يفسر ما حدث فيها حسب قراته الخاصة، فكيف بتاريخ شعب لم يكتب ابنائه تاريخهم، او ندرة من كتبه منهم. وهنا علينا حقا ان نشيد بجهود الاستاذ المؤرخ هرمز ابونا لطرقه مجال البحث عن اسباب الاحداث وليس مجرد سرد لها كما حدث مع مؤرخين اخرين سبقوه من ابناء شعبنا.
للاستاذ هرمز ابونا رؤية ايدويولوجية. ففي الوقت الذي نؤيده في الكثير مما يذهب اليه كاحداث ومسبباتها، الا انه من السذاجة التامة اليوم الحكم على واقع بما حدث في فترة بعينها. او تجريم الحفيد لما اقترفه الجد. فاشاعة مثل هذه المفاهيم يعتبر امر ليس خطرا بل جريمة اخرى تقترف بحق الامة ودق اسفين البغض بين ابنائها ودائما استنادا الى احداث التاريخ.
قد لا يكون الاستاذ ابونا راغبا في الوصول الى ذلك. ومن حق الرجل ان نحكم عليه بالنيات الحسنة ولكن التوظيف السياسي الذي يحصل لدى الكثيرين هو الخطر وعلى الاستاذ ابونا ملاحظة ذلك والتاكيد على عدم صحته وشرعيته.
تاريخنا يجب ان يتم قرأته من وجهات نظر مختلفة لاننا سنستفيد من ذلك بلا شك، وسنخرج بعبر ودروس قد تفيدنا في حاضرنا. ومن النقاط المهمة التي يجب التركيز عليها بنظري هي. اذ نقول ان كنيسة المشرق كانت تضم الملايين من الاتباع والمؤمنين، فالسؤال الذي يطرج نفسه، اذا لماذا لم يتم توظيف ذلك سياسيا؟ اي لاقامة نظام سياسي وخصوصا ان الاسلحة التي كانت تستعمل في ذلك الوقت كانت من انتاج الحداد الذي كان ينتج المحراث. يجب البحث عن اسباب ذلك وعدم ايجاد التبريرات فقط. وهذا لا ينتقص من دور كنيسة المشرق اليوم ولكن من حقنا معرفة ذلك لكي نستفيد. فكيف لكنيسة تضم هذا الكم الهائل من المؤمنين ان ترخي الرأس امام ذابحها بكل وداعة ودعة؟ وهل كان موقفها حينذاك موقفا صحيحا واستنادا الى معطيات واحوال ذالك العصر؟ ان التاريخ يذكر لنا ان الملايين من ابناء شعبنا تم ذبحهم في مذابح تيمورلنك، لماذ تمكن من ذلك؟
لماذا تحول بعض دعاة الوحدة مع كرسي روما الى مساندي لمضظهدي شعبهم بكل سهولة؟ هل لمجرد دفعهم للالتحاق بهم، ام مرة اخرى تماثلا مع معتقدهم الجديد ونكرانا لكل قيم الاخوة القومية المعبر عنها باللغة الواحدة والعادات والدين المسيحي الواحد. لكي يحصلوا على الثقة التامة بهم على حساب بني جلدتهم. ان الاسئلة التي يمكن ان تثار في هذا الاطار كثيرة وجدية. ولكن للاجابة عليها يجب ان تمنح فرص متساوبة لوجهات نظر مختلفة، ليس مرة اخرى للتوظيف السياسي، بل لمعرفة التاريخ على حقيقته.
ان بعض المروجين لاراء وكتابات الاستاذ هرمز ابونا لا يهمهم ضرورة صيانة وحدة الامة، بقدر اهتمامهم اعتبار الاخر من بني جلدتهم غريما يجب ان يضرب بضربة قاضية. ومرة اخرى تحقيقا لحقد تاريخي او لحقد نتيجة احداث التاريخ لا يمكن تغييرها ولا يمكن تبديل نتائجها. وهنا نرى ان الاستاذ ابونا يحمل روح وحدوية صادقة ونحن لا نعتقد ان يرمي الى ما يرمي اليه الاخرين.
صار من المؤكد ان شعبنا بات يحمل تعددية في الكنائس التي ينتمي اليها. وكانت هذه حقيقته منذ القرن الخامس الميلادي، تاريخ اول انقسام في كنيسة الرب. الا انها لم تكن محسوسة جدا في الاطار القومي لان الحس القومي اساسا او البناء على الاساس القومي هو فكر اوربي وليد ما بعد القرن السابع عشر وتبنيناه نحن في منتصف القرن التاسع عشر. اذا التعايش مع تعددية كنائسنا صار امرا ضروريا. والتعايش الذي نعنيه ان نكف على استقدام التاريخ واحداثه في كل خلافاتنا. كحالة الحماة والكنة، فيجب ان ندرك اننا شعب حي والخلافات تحدث بين الاحياء وليس الاموات. وهذه الخلافات يجب ان تحل، بما يحقق مصالح كل الاطراف المختلفة وليس، بما يقتل او يبيد المختلف. ونحن اذ كنا في ساحة البناء كما ندعي فعلينا ادراك ان لكل طرف من المختلفين مصالح مشروعة يجب ان تراعي. اي نحن لسنا في حروب القرون الوسطى وما قبلها، حيث ما كان يرضى المحارب، الا بابادة الغريم ابادة تامة او الاستسلام الغير المشروط.
ان واقعنا اليوم ومهما كان سلبيا، علينا التعايش معه وادراك أبعاده والعوامل المؤثرة فيه سلبا وايجابا. فأعادة التاريخ الى الواجهة بالشكل الذي يتم، لن يغير من الواقع شيئا. بل قد يزيد من الاحتقان ويعمل من اجل عدم الاتقاق حتى على صغائر الامور. ومرة اخرى على احداث ما بقدرتنا تغييرها او التاثير فيها. ومن هنا باعتقادي المتواضع ان نعمل على عقلنة العمل السياسي واعتماد معيار المصلحة العليا لشعبنا الذي تتفق الاغلبية العقلانية على انه شعب واحد، وبالتالي يمتلك اهداف موحدة ومن الضرورة ان يمتلك صوت موحد يتكون من الاصوات الفاعلة فيه.
لا نعتقد واعتقد ان القراء قد يجارونني في هذا الاعتقاد، ان التاريخ يمكن ان يمنح لاي طرف منا صك البراءة. فالبحث فيه مفيد فقط لمعرفة الحقيقة والاستفادة منها، وليس للقول اننا على حق وان الاخر على باطل. فالحق والباطل ليست مسألة او قضية جنائية لكي يحكم عليها حاكم استنادا الى قانون. بل الحق والباطل هنا مسائل ايمانية تتداخل فيها مؤثرات كثيرة ومنها الغيبيات والعادات وغيرها. وبالتالي الحق والباطل هنا تتعلق بهوية ما وبمصلحة ما. وهنا يصبحان جزء من الشحصية الفردية غير الممكن فصلها عنه، الا بارتقاء الانسان فكريا والنظر الى مجريات التاريخ خاج اطار الاحقاد والقرارات الانية.
ويمكننا هنا ان نقول، ان عدم الاقرار بمسألة تعدديتنا الكنسية، واعتبار حق الفرد في الانتماء الى اي منهما،مسألة تمس بكيان كل المؤمنين. سببا في رفض الكثير من المنتمين للكنيسة الكلدانية للحقائق والاستنتاجات التي يخرج بها علينا الاستاذ هرمز ابونا. فابونا يعتبر في نظر الكثيرين مارقا لانه يعتبر بنظرهم خائنا لكنيسته الكلدانية التي ولد في حضنها. اي ليس دحضا لما يكتبه بالاساس. وعلى نفس النسق يمكن اعتبار ترويج بعض اتباع كنيسة المشرق لما يكتبه باعتباره طعنا بمصداقية الكنيسة الكلدانية وشرعيتها. وهنا نقول يا حبذا لو كان جهد الاستاذ ابونا موجها بالاساس لمن لا يقر بوحدة شعبنا او بتسميته التاريخية، وليس من باب الطعن او الانتقام التي قد يشعر بها ابناء الكنيسة الكلدانية بل من باب حقائق التاريخ والواقع والمصالح. 17 اب 2006
الموت ….. من وحي وفاة المرحوم نورالدين القس زيا بوبو
هذه ليست سيرة ذاتية للمرحوم نورالدين القس زيا بوبو، فهناك بالتاكيد من هم افضل مني لكتابة مثل ذلك لانهم كانوا اقرب اليه مني، ولكنها حوار مع الذات ومع الموت ومع الخلاف والاختلاف.
تعرفت على المرحوم حوالي عام 1974 او 1975، حينما كنا نعمل في لجنة الشباب الاشوري في كنيسة مار عوديشو في منطقة كراج الامانة او الصناعة في بغداد. حيث علمنا من خلال الاخ شموئيل بيتو ان بعض الشباب في الموصل قد اسسوا لجنة للشباب ايضا. لذا فعند سفرنا الى الموصل برحلة مكلفين بها من قبل لجنة الطلبلة الجامعيين الاشوريين في بغداد، للالتقاء بالطلبة الجامعيين في جامعة الموصل ودعوتهم لاحدى نشاطاتنا. استغلينا المناسبة للتعرف على اعضاء لجنة الشباب وباسم لجنة شباب مار عوديشو. التقيت هناك بالمرحوم والسادة ميخائيل ججو واشمائيل وبعض الوجوه الاخرى. هذه كانت فاتحة تعارفنا ولقاءاتنا الذي استمر متقطعا رغم اشتراكنا في مرحلة الكفاح المسلح. لان الخلافات السياسية والتنظيمية كانت حاجزا للالتقاء بين الاصدقاء الذين ربطهم الكفاح لاجل تحقيق اهداف الامة.
اليوم رحل نورا كما كنا نناديه او الدكتور هرمز كما بات يعرف في الكفاح المسلح. رحل وحمل معه كل الالام وكل الذكريات بمرها وحلوها. كما رحل الكثيرون وكما بات منتظرا لنا، اننا الى هذا الدرب سائرون. ولكن السؤال الذي سيبقى يتردد في ذهني، ماذا عن خلافاتنا؟ هل كانت تستحق ان نتقاطع، ان ننتقد بحدة؟ في نفس الفترة 1973_1975 تعرفت وعرفت وعرفني اغلب العاملين في المجال القومي اليوم. في تلك الفترة كانوا وكنا في نظر بعضنا البعض عضد وساعد ورفيق الدرب وان لم نكن في تنظيم موحد. كان يكفي ان نرفع شعارات العمل من اجل الامة، وان نتغنى بمجدها وتاريخها التليد لكي نكون جزء من الجوقة الصداحة في هذا الحقل الملئ بالالغام والمخاوف.
لم نختلف نحن من كنا في تنظيمات مختلفة. والتي لم تتاسس وتتنوع على الاساس الايديولوجي، فكلها كانت قومية وكفى. لم تكن هنالك طرق مختلفة، لانها كانت تبشير اكثر مما هي طرق وممارسة وطقوس وشعارت. الامة، حقوق الامة، بعث الامة. كنا شباب ماخوذين بالخوف من المدينة على الاكثر خوف البسانه لمن ولد فيها. لانه جعلنا في محيط اخر محيط يختلف عنا كليا (دينيا وقوميا). بعد ان كان عالمنا القرية واهتماماتها او العابها. كبرنا على الخوف والرعب والفقر، بعد ان تركنا قرانا التي احرقت وخسرنا كل ما كنا نملك لانه لا يمكن ان تنقل الحقل والبيدر وحتى الماشية تركت لمن كان الاقوى. اذا سرعان ما دب الخلاف وبتنا نسمع نغمات اخرى هذا عميل وذاك خائن، وهذا مساوم وذاك بائع. وصرنا نتفادي احدنا الاخر. لان اللقاء معناه المزيد من الغضب والمزيد من الاتهامات والمزيد من التباعد. المنتمون لمسيرة الامة الواحدة ياكلهم الانقسام والتشرذم، ولم يقف عند هذا الحد، لقد تجاوز التشرذم وشق رفاق الامس من مختلف الاتجاهات، وخلط الاوراق، وبقينا نخسر…. نخسر جهدا ونخسر قوة ونخسر الامال امل تلو الامل… ووصلت الخسارة الى كياننا ذاته، فهاهم الاصدقاء والاخوة والرفاق يتركون اوراقهم وخلافاتهم وجدالاتهم ويرحلون تاركين للفراغ لكي يملاء المساحة.
ذات يوم قلت لصديقي… اعتقد باننا سنرضى يوما بصفة المسيحي… لست ناكرا لمسيحيتي ولكن كان فخري واعتزازي اشوريتي كلدانيتي سريانيتي… شخصيا كنت اعشق قراءة تاريخ كنيسة المشرق، لانني كنت اراه نتاج شعبنا. وكنت اراه دورا ثانيا تلعبه امتنا في المسار البشري. ولكن هذا العشق كان اشوريا بامتياز ولم يكن مسيحيا كليا. رغم ان مسحيتنا تلونت بمعتقدات لاهوتية نابعة من ارض النهرين، من حضارة بابل ونينوى. ولذا فالمسيحية ا كانت عندي تنازل عن البعد الحضاري لقضيتنا القومية وحصرها في البعد الديني، اي ممارسة طقوس. ولن تهتم بالعلم واللغة والمشاركة السياسية والقانون. لقد كان قولي هذا انكسارا وهزيمة لما مارسته وامنت به، وها نحن ننهزم من الحياة. واحد تلو الاخر، نحمل كل ما نعتقده ونؤمن به ونرحل ونترك خلفنا الصمت….
معاركنا خلافاتنا … هل كانت قدرا محتوما؟ لكي يتمكن الزمن من ان يرسم بريشته خطوطه البيضاء في شعرنا ويظلل تجاعيد وجهنا، لكي نكسب حكمة لم نتعلمها من الكتب التي كنا نتبادلها، بلهفة واحيانا بسرية؟ ام انه طيش شباب لم نخرج منه الا نازفي الجرح وخاسري العمر. هاهي موصل مرتع نورا تستباح ولا يسمح له بان يواري فيها، وهاهي بغداد التي كنت ازرعها شعارات بعرق الجبين لكي تنبت،وانا عنها ببعيد، كلانا سافر وارتحل ولم يحقق شيئا بل خسر الكثير واولهم العمر….
ماهي التجربة التي سننقلها للاخرين، في مجادلة على صفحات الويب قلت لاحدهم ان للقضية الاشورية ملفات دولية يجب ان لا نفرط بها، لاننا كسبناها بدماء ودموع وجهد ابناء شعبنا. فقال بما معناه اللعنة على قضيتك وملفاتك الاشورية، هل هذا ما سوف ناخذه معنا اللعنة؟ نم صديقي في راحة ابدية فانت خرجت من دائرة اللوم والعتب الذي لايزال يهطل علينا، نم قرير العين في انتظار رحمة السماء.
5 تشرين الأول 2014 عنكاوا
يوخنا امتا…. ارتحل عنا، وبقت التساؤلات
عرف بهذا الاسم، يوخنا امتا (الامة)، والحقيقة لا اعرف له اسم اخر غيره. شخص ضعيف البنية، يتكلم بعشق عن الامة والتضحية، ولكنه مثير للتساؤل ايضا. واليوم كل يرحل ويحمل معه جزء من الذاكرة، المسجلة والغير المسجلة، منها ما سيصبح تاريخا ومنها سيطويه النسيان.
في الخامس والعشرون من كانون الثاني عام 1974 توفي مالك ياقو مالك اسماعيل. والذي كان قد وصل العراق على راس وفد من الاتحاد الاشوري العالمي. وكنا نحن الشباب اعضاء الحزب الذي عرفناه لاحقا باسم الحزب الوطني الاشوري. من قام بالمهام التنظيمية لمراسيم الدفن التي جرت في كنيسة مار زيا في كرادة المريم. وبالتالي كنا مسؤولي السيارات التي قامت بنقل الناس لحضور مراسيم الدفن والتي حضرها الالاف من ابناء شعبنا. طبعا لم يكن كل المشاركين في تنظيم المراسيم من اعضاء الحزب. الا ان اعضاء الحزب هم من كانوا يديرون الامر. وقد استعنا بكل لجان الشباب واعضاءها في الكناس حينذاك. وكان من نصيبي ايضا ان اكون مسؤولا على احدى السيارات. وكان من المفترض ان يقوم مسؤول السيارة (من سيارات النقل الكبيرة والتي كانت تستوعب حوال اربعين شخصا او اكثر) بالكلام عن المرحوم مالك ياقو ودوره في العمل القومي، واستغلال الامر للتبشير القومي. بعد ان قمنا بالواجب واعدنا الناس الى مناطقهم، ناداني شخص لم اكن اعرف، وابدى اعجابه بما تكلمت به في السيارة، وطلب مني ان نلتقي مستقبلا. اثار شكوكي هذا الاندفاع من شخص لا تعرفه، وقمت بابلاغ احد الاصدقاء في لجنة الشباب الاشوري في كنيسة مار عوديشو وكان في الان نفسه عضوا في الحزب وهو الاخ المفقود في حرب العراقية الايرانية الشماس دانيال بنيامين، بشكوكي حول الشخص وعلينا ان نكون حذرين منه. وهذا كان يوخنا امتا الذي عرفته بهذا الاسم منذ ذلك اليوم.
لا اعلم ارتباطات يوخنا امتا القومية، كان يكتب شعرا قوميا ولكن انتماءه السياسي بقى لغزا. رغم انه كان من الموصل وكان في الموصل مجموعة من الشبيبة القومية، وكان الكثير منهم يعملون في لجنة الشباب الاشوري في كنيسة ماركوركيس في الموصل او هم من الطلبة الجامعيين وطلبة الاعداديات. ولكن علاقته يمجموعات الموصل كانت سيئة. وكان الاعتقاد انه يميل الى مجموعة السليمانية. ولا اعرف هل كان لقرابته مع السيد يونادم كنا دور في ذلك ام لا ام انه كان ادعاء منه ليس الا.
اعلم انه ترك العراق لفترة ما، وكان في لبنان وهناك الظاهر كان البعض يعاديه، وعاد الى العراق. والعراق في بداية الحرب العراقية الايرانية. والتقيت به مرة اخرة، وادعى انه مع حركة تحرير اشور. وكانت حديثة الانبثاق في شيكاغو من عدد محدود ممن خرج عن احزاب اخرى او عن الاتحاد الاشوري العالمي. وابدى رغبته للالتحاق بالحركة الديمقراطية الاشورية. ومرة اخرى يفاجأنا يوخنا امتا. فما كنا نتكلم عنه همسا، ها هو يقوله وبكل صراحة وبدون خوف او وجل، وتزداد الاسئلة.
في عام 1984 التحقت بالكفاح المسلح وفي شهر تموز كنت في زيارة الى مقر الحركة الديمقراطية الاشورية، على الزاب، ونحن واقفان انا والسيد نينوس بثيو (سكرتير الحركة) خرج يوخنا امتا لعمل ما وما شاهدته صعقني حقا. لقد كنت قد سمعت بعض تفاصيل عن ما ال اليه مصيره، في سجن الحركة، ولكن ما رايته، جعلني اقول لنينوس اذا كان مذنبا لماذا لم تقتلوه، وتركتموه بهذه الصورة؟ لقد كان شبه اعمى، عينيه غائرتان في محجريهما، فقال وهو يمر بنا هل ترى اخ تيري ، نعم رايت وتألمت ان يكون مصير انسان بهذه الصورة، ولكي يبرر نينوس القسوة والوضع، الصق به تهم اخرى، غير تهمة العمالة للنظام.
وما علمته من قصة يوخنا امتا انه التحق بالحركة وكان قد اعلن لهم ان النظام جنده لكي ياتي ويلتحق بهم (لكي ينقل اخبارهم او يقوم بالتخريب لم اعرف بالحقيقة المهمة الموكل بها) ولكنه كان قد اعترف مسبقا. وبالتالي كان الخيار اما قبوله كعضو موثوق او الطلب منه البقاء بعيدا عنهم. ولكنهم وبالتفاف غير نزيه القوا القبض عليه. وتم سجنه وتعذيبه وتكليفه بمهمات شاقة هو وغيره من المساجين الاخرين. المؤسف ان من انقلب عليه كانوا اصدقاءه او معارفه من الموصل. والبعض يقول انه تم اعتقاله باوامر اتت من الداخل. وفي تطور دراماتيكي، تمكن يوخنا امتا وغيره من السجناء من اقناع حرسهم والهرب والالتحاق بالنظام مرة اخرى.
ويوخنا امتا رغم دوره الهامشي كما هو واضح لدى الاطلاع على هذه القطعة. الا انه كانت له علاقات ومعرفة ليس سطحية ولكنها في احيان عميقة بالنشطاء القوميين. ورغم ذلك فان نزوله وتسليم نفسه للسلطات لم يؤثر على سجانيه ومن عذبه ومن اهانه.
في منتصف التسعينيات ارسل لي من شيكاغو قصة مقتل شقيقته، والتي اتهم فيها فصيل اشوري بالتسبب بها. طالبا مني نشرها، ولكنني لم افعل. والقصة التي كتبها بخط يده لا تزال في محفوظاتي، قد ياتي يوما لنزيح عنها غبار الزمن.
ليرحمك الله يوخنا، وليحاسبك على حسانتك وسيئاتك، فانه نعم المحاسب. ولتعذرني في عليائك لانني قد لم اتمكن من مد يد العون لك. ولكن هل سنستفاد من دروس الماضي،
دروسنا ودروس الاخرين؟ فرغم كل الالم وكل ما لحق به لم يشي باحد، وهذا واضح للكل.
11 نيسان 2015 عنكاوا
وترجل قاطيني عن جواده، في وداع خونكو اشمائيل ننو
من يكفكف الدمع يا اشمائيل، البعد حارق والسنوات تبعد اكثر. والشعارات تتحارب وتتناحر بدل ان تتعانق. لما حل كل ذلك، الم نشرب الكأس بحب الصداقة،؟ الم نقضي الليالي في التسامر حول التاريخ والعمل؟ الم نوصل المناشير من تحت الطاولات؟ ولكن لما وهذه ال لما تكاد تخنقني. لما اصطفينا كل على جانب؟ الم ننادي البعض بخونكو (1)؟ وهي دلالة المحبة والود الفائق، لما لم تتلاقي الاذرع في العمل، كما تلاقت الافكار والامال… اسئلة تبقى تحيرني وتجعلني ادور في دائرة فارغة من المتاهة الغير المفهومة.
لما لم نتمكن من ان نعيش خلافاتنا كما عشنا لقاءنا على حب واحد؟ لقد عشقنا القضية وكانت تدخل في تفاصيل كل دقائق حياتنا، وكان حبا وولها. عشقا كانه عشق لا نرتوي منه من كثرة ما تحدثنا عنه. الا ان طرق الحب الصوفي قد ابعدتنا، ابتعدت طرق بعضنا عن البعض وابعدتنا المسافات حينما اضطر البعض لترك الساحة هناك. حيث القلب والمرتع والامل.
اخر لقاء، قبل سنوات كان في اربيل، حينما سلمت وابتعدت. كنت اعتقد اننا سنتحاسب او نتناقش او نتعاتب. ولكنك اسرعت بالابتعاد، ياه ياله من زمن! ما يفعل بالانسان، يتغيير كل منا باتجاه! تغيير الشكل والملمح، وتتغير الافكار والطرق، ولكن الانسان يبقى يحن للماضي، ويبقى هذا الماضي ناصعا، لم يتلوث بالمصالح وانا وانت. كان بودي ان نتعاتب وان نكتفي لكي نجلس ونعيد الماضي الذي لن يعود. برحيلك لن يعود، الم تخن املي على الاقل، فرحلت قبل ان نحاول؟
الى كم قاطيني (2) كبارا، نحن بحاجة؟ الم تفكر ولو لحظة، قبل الرحيل، كم نحن بحاجة الى كل يد وكل ساعد وكل تجربة. يكثر الان الكثير من خلكو (3)، اين ما التفت ستجد خلكو ما، مدعي بالبطولات والانجازات، ولكن عندما تنظر الى الساحة يا خونكو، ستجد الهباء…
ستجد قوافل المشردين والهاربين تتلاحق. وانا منهم خونكو، وانا منهم، ولكن ما تصورت انك ايضا سترحل؟ فمن يحل محلك، صحيح قلناها مرارا، ان من يرحل سيجد الكثير ممن يتسابق لكي ياخذ مكانه. كم اتمنى ان يكون هذا اللي قلناه وصدقناه صحيحا، كم اتمنى ذلك.
في كل صوب من حياتنا سنجد ليليثا، وان كانت ليليثا الجان سهلة ومعروفة. فالاصعب الليلياثا التي هي منا وتنبت بيننا وتتسمى باسمنا. وكل ليليثا بحاجة للبطل قاطيني، لكي يقضي عليها بالعلاج او الخلاص. فهل كان هذا موعد رحيلك خونكو؟
خونكو، لا زال العمل بحاجة الى الايادي والعقول، ولا زال بحاجة الى قاطيني، يقوم له بقوة وجرأة، لما استسلمت وترجلت وتركت الساحة خالية.
ادور والف والكلمات تخنقني … فلا قدرة لي بعد اعذرني خونكو
فما اقترفته بحقنا كان كبيرا كبيرا… رحلت والحقل والبيدر بحاجة اليك
تيري
1 خونكو هي تصغير لكلمة خونا الاخ والتصغير هنا دلالة المحبة
2 قاطيني بطل ملحمة شعبية اشورية
3 خلكو هو ابن خالة قاطيني وهويمثل الادعاء والتفاخر الكاذب وعدم المقدرة
خلتي خاوا
للنضال صور واشكال وطرق وهذه قصة لامراة مناضلة حقا بدون تجميل من كلمات ونصوص وفلسفة
من المواقف التي اتذكرها ايضا حينما فرضت عليها اللجنة المحلية العمادية للحزب الديمقراطي الكوردستاني اخلاء بيتها بحجة ان ابناء في بغداد ورغم كل ما قدمته عام 1987، كنت حينها في قرية هيس عند الاخ اشور والاخت شميران عندما تفاجأنا بقدومها هي وحفيدها نيسان اندريوس وحكت بحرقة قلب ماذا فعلوا بها، لقد طردوها من بيتها وقالت على جثتي سياخذون بيتي ساحاول مع الكل، واتفقت معها ان تستريح اليلة وسارافقهم في اليوم التالي، ومن الصباح تحركنا ووصلنا الى مقر الفرع الاول للبارتي، وكان حينها مسؤول الفرع السيد نجيرفان ليس نحيرفان البارزاني، وعندما طلبت مقابلته قيل لي انه لديه ضيف حالما يخرج ستدخلون، ونحن جالسون خرج الضيف وكان المرحوم توما توماس وعندما استفسر مني عن سبب حضورنا حكيت له قصة خلتي خاوا، هز راسه بعلامة الاسف واستنكاروقال حاولوا قد تنجحوا، ودخلنا الى مكتب مسؤول الفرع وبعد ان جلسنا استفسر مني ماذا اقدر ان اعمل لكم، قلت له اتيت الى هنا لكي اطلب منك ان تخصص بيت لخالتي خاوا، وهو كان يعرفها سابفا، قال ولكن ماذا عن بيتها، قلت له لقد استولت عليه اللجنة المحلية العمادية، قال كيف، قلت لخلتي خاوا احكي قصتك حكت قصتها استنكر الرجل العمل فقلت له رجاءا ان تكتب رسالة الى محلية العمادية لاعادة حقها، ففعل الرجل واعادت خلتي خاوا اخذ حقها. هكذا كانت تحارب ولم تكن تستسلم ابدا.
وهذه الرقعة التي نشرت في احد الاعداد الاولي لجريدة قويامن التي يصدرها الحزب الوطني الاشوري، تحكي عن خلتي خاوا، التي لم تناديني الا بكلمة اخي نرسي وعندما كانت تتكلم عني تقول اخي نرسي رغم فارق السن بيننا، وانا اقولها خلتي، يعني خالتي
امراءة بقامة متينا وصلابة صخوره
ام الهاربين
في حوار مع خلتي خاوة، قلت لها ما هو اول شئ تذكريه من طفولتك، قالت كنا صغارا لا اعرف كم كان عمري الا انني اذكر ان الاهل كانوا يمنعوننا من الخروج الى المروج والبساتين، بقولهم ان هناك فرمن د سورايي (مذبحة للمسيحيين)، وهكذا ان او قطوف الذاكرة هو الخوف، لم تكن خلتي خاوة من قارئات التاريخ فقد كانت امية، ولم تكن تحمل ايديولوجية تفسر لها ما حدث، انها ببساطة كانت تفهم الامور كما حدثت، كبرت خلتي خاوة في قرية دهي المستلقية في احضان متين، وتزوجت صغيرة من رجل ارمل، وانجبت ابناء وبنات تفتخر بهم كل ام وترملت باكرا، ولكن خلتي خاوة لم تستكين وترضى ان تعيش عالة على اي من اولادها، رغم امكانيتهم المادية، بل اصرت ان تعمل بيديها، قالت مرة انني يجب ان اصون وصية زوجي، الذي قال لي اياك ان تفرطي بالارض، املاك اولادي، امراءة هي خلتي خاوة وليس ككل النساء لم تكن تعرف التواريخ او تزوق الكلام بالجمل الطنانة، كل تواريخها مرتبطة بالارض والتعامل معها او بحيواناتها، انها تقول مثلا منذ ان بداءنا بزراعة اشجار التفاح او تركنا زراعة الرز، او عندما كلن لدينا اربعة بقرات وثورين، حياتها خالية من العقد والتنمق والتصنع، تخرج الى حقلها صباحا باكرا بعد ان تكون قد حلبت الابقار او المعزات وارسلتها الى الرعي، وتعود الى الدار عند الظهيرة، وترجع للحقل لحين دق ناقوس الكنيسة، ايذانا بنهاية يوم العمل، بيتها مفتوح على الدوام لكل طارق ومحتاج، فالهاربين من جحيم القادسية يا ما وجدوا المأوى لديها اياما واحيانا شهورا والمقاتلين ضد الحكم الدكتاتوري لم يخلوا منهم بيتها في يوم من الايام مهما كان انتمائهم السياسي او القومي، واستعدادها لتقديم الخدمة الطبية الشعبية التي كانت تجيدها لم يوقفه لون او مذهب او دين او موقف طالب الخدمة، ومع ذلك حاول البعض اسأة اليها عندما عملوا على طردها من دارها، ولكنها قالت بالحرف الواحد لن اخرج من بيتي الذي افنيت عمري فيه الا جثة هامدة وباصرارها وعزيمتها القوية لم يتمكن المكيدون من الاستيلاء على املاكها، في الوقت الذي كان الكثيرين يهربون من مواجهة ابسط التهديدات او التلميحات بالتهديد، خلتي خاوة التي كانت مجرد جلد وعظم كما يقول المثل الاشوري، كانت كتلة من الارادة القوية التي لا تخاف من ظالم او معتدي، ظلت خلتي خاوة في قريتها برغم كل الظروف وتقلبات الوضع الامني او السياسي، فالمهم لديها كان ارضها وممتلكاتها، وحافظت عليهم بكل قوة وعزيمة، وعندما هجمت القوات الحكومية على قريتها كاني بلاف في الهجوم المعروف بالانفال اسرت ووضعت في احد المجمعات، الا انها هربت من المجمع، واحتمت بأبنائها، وبعد تحرر المنطقة الشمالية من الحكم الدكتاتوري، كانت من اوائل العائدين الى ارضهم وممتلكاتهم.
اطلق عليها بعض الاخوة اسم ام الهاربين كناية لرعايتها الهاربين من قادسية صدام المشؤمة، والذين كان الغالبية منهم لا يعرفون لهم قريبا في المنطقة وحقا انها كنت ام لهم لانها رعتهم كأي ام حقيقية . فتحية لخلتي خاوة وللكثيرات من امثالها. خلتي خاوا هي ام المرحوم ملكو والاخ عوديشو في العرقا والاخوات نازي في نيوزلندا واسيت وايلشوا في دهوك وخاتون في استراليا
20.6. 1998