السيدة بثينة شعبان والتعسف في التحليل والاستنتاج
نقلت صحيفة الشرق الاوسط اللندنية في عددها ليوم السبت 27 تشرين الثاني 2004، عن السيدة بثينة شعبان وزيرة المغتربين السورية (ان مقتل المخرج الهولندي اقام الدنيا ولم يقعدها لان قاتله من اصل عربي ومسلم في حين قتل أن ليند، وزيرة خارجية السويد، التي كانت تمثل ضمير الانسانية من طرف متطرف مسيحي صربي لم تقع ضجة كبيرة ضده او ضد بلاده وانتمائه الديني) وقالت الصحيفة ان هذا يثير في نظر الوزيرة شعبان الانتباه الى التضييق المجحف على جالياتنا العربية في المهجر.
السيدة بثينة شعبان تتبوأ منصبا كبيرا في الدولة السورية، وهذا يعني انها ليست (اي كان). وبحكم مسؤليتها الكبيرة نعتقد انه يجب عليها ان تزن ما تقوله، او ربما استرسلت اكثر من اللازم (لانها كانت تتحدث في ندوة اقيمت في المغرب)، فالمفروض فيها تصحيح الامر، وبحسب علمنا، انها لم تفعل، اي لم تصحح او تكذب الخبر او ما نقل على لسانها.
الكل يتذكر ان مقتل السيدة ان ليند اثار استنكارا وحزنا وتساؤلات كثيرة، استكارا، لان السيدة ان ليند لم يعرف عنها تشجيعا للعنف او مساندة التطرف اي كان نوعه او اتجاهه، وحزنا لان السيدة ان ليند كانت انسانة يستوعب قلبها محبة الانسانية بكل تلاوينها، ولانها ام تركت اطفالا وزوجا حزانى. وتساؤلات عن الدوافع، التي دفعت القاتل لارتكاب جريمته النكراء، ولقد كان خبر مقتلها الخبر الرئيسي لكل الوسائل الاخبارية. الا ان الخبر توارى الان، ببساطة لان وسائل الاعلام تنقل الجديد والمثير، وببساطة لان الناس تسمع وتقراء وتشاهد الوسائل الاعلامية، ليس لسماع اخبار سمعوها قبلا، بل رغبة في كل جديد.
الامر الذي استرسلت فيه السيدة شعبان، هو اتهامها لقاتل السيدة ان ليند (السيد ميخائيل ميخايلوفيتش) بأنه متطرف مسيحي صربي. فلو كنت مكان القاتل لاقمت الدعوة على السيدة شعبان، لهذه الاتهامات المجانية، والتي لا تتفق مع قرار المحكمة السويدية، حيث حكمت المحكمة عليه بأنه مصاب بمرض عقلي ويحتاج الى علاج وليس الى السجن (انظر صحيفة الوطن الكويتية عدد يوم 9 تموز 2004).
بودنا ان نسأل السيدة شعبان، هل عرفت دوافع القاتلين؟ أعني قاتل المخرج الهولندي ووزيرة خارجية السويد، أليس من واجبها كوزيرة او كمسؤولة حكومية، ان تهداء الامور؟ أليس تصريحها هذا يصب في خانة التأزيم واثارة مشاعر العداء بين مكونات المجتمعات التي تعيش في الغرب، وخصوصا بين الغربيين والجاليات المسلمة؟ حيث ان من حق كل مسلم يتعرض لاي مسألة قانونية ان يعزي الامر الى كونه مسلما، وليس لانه اخطاء. فاذا كان المسؤولون يقولون هذا فما بالكم بالناس العاديين والمساكين امثالي. فبدلا من التخفيف من الامر، وبحث حيثيات المسألة والوعد بمساعدة قاتل المخرج الهولندي، ان كان بريئا، أو الوعد بالعمل على ازالة او الحد من كل ما يدفع الانسان لارتكاب جريمة بحق انسان اخر، لاي سبب كان، ان ظهر ان قاتل السيد كوخ كانت تدفعه دوافع ايديولوجية، حين اقترافه لجريمته. بدلا من كل هذا، تقول السيدة شعبان، لأبناء الجاليات المسلمة وبالفم الملآن، ان كل ما يصيبكم في الغرب هو جراء انتمائكم الديني.
ان يكون هنالك تطرف في الغرب، فهذا ما لا يمكننا نفيه. فالغربيون اناس وبشر مثلنا، فيهم الطيب والخبيث، الجيد والسيء، الانساني والمتطرف، وهلم جر. الا ان الحكومات الغربية تحاول ان تضع عقوبة رادعة لكل فعل يعتبر مسيئا للاخرين، بغض النظر عن ماهية الاخرين. واعتقد ان من يعيشون في الغرب يدركون انهم وفدوا الى هذه البلدان طلبا لملجأ، تم منحه لهم، ليس هذا بل وفرت لهم كل اسباب العيش الكريم، من المأكل والملبس والطبابة، دون اي شرط، غير الالتزام بالقانون العام، وحتى في حالة الخروج على القانون، وهذا القانون لا يفرق بين أي شخص لأي سبب كان، فان الخارج على القانون يعامل معاملة كريمة، لا يطرد او يهان، بل لكل حالة عقوبتها المنصوص عليها.
والواضح ان قاتل السيدة ان ليند، شخص مريض عقليا، والدليل قرار المحكمة، والذي جاء بعد دراسة، مستفيضة، حيث ان القرار الاولي كان يقول ان القاتل يتحمل ما اقترفته يداه بمعنى انه كان، هنالك قرار بانه مريض عقلي، الا ان المحكمة الاولية اقرت معاقبته، ولكن في المحاكمة الثانية، تم الاقرار بأن القاتل يحتاج الى علاج، وهذا القرار لم يعترض عليه اقرب الاشخاص الى الضحية، اعني زوجها واطفالها. وهذا يعني انهم يحترمون القرار، ولكن الاعتراض بعدم عدالة القضاء السويدي جاء من السيدة الوزيرة، بشكل ان المتهم متعصب مسيحي صربي، وهذا يعني عدم القبول بقرار المحكمة او الشك بعدالتها.
اما الحالة الثانية والتي اتهم فيها شخص من اصول مغربية ومن اتباع الديانة الاسلامية. فقد اثير لغط كبير، وتحليلات كثيرة، وهذا يحدث بعد كل جريمة تقع، وخصوصا عندما تطال المشاهير، كما حدث بعد اغتيال السيدة ان ليند، الا ان المحكمة الهولندية لم تعط رأيها في الامر بعد، وبالتالي لا يمكن الحكم عليه.
وعقب عملية القتل تعرض بعض الممتلكات التي تعود للجالية الاسلامية لمحاولات التخريب والتدمير. الا ان هذه الممارسات لم تكن بأوامر حكومية ويتعرض مقترفيها للعقوبات المنصوص عليها في القانون وما حدث هو مدان اخلاقيا، لانه لا يمكن اخذ الكل بجريرة شخص واحد.
الا انه بعد الجريمة طال التحليل الاسباب المفترضة لعملية القتل، وهي الدوافع الدينية للقاتل، وقيام المخرج بانتقاد الممارسات الاسلامية تجاه النساء، وعدم تقبل المسلمين لاي نقد يوجه الى ممارساتهم الدينية، او عقائدهم، واعتبار ذلك كفرا، يستحق مقترفه القتل، ويحق لكل مسلم ان يعاقب مقترف ذلك الذنب، دون الرجوع الى القضاء، الذي يكفل لكل انسان حقه.
باعتبار المجتمع والدولة في الغرب (اغلبها) علمانية وديمقراطية، فليس هنالك من مقدسات فوق النقد، المقدس هو الانسان وحقوقه. فالنقد يوجه للوزراء ورؤساء الوزراء والقادة الروحيين والاديان واحداث التاريخ والشخصيات التي تعتبر عند اغلب المواطنين من المقدسات او فوق الشبهات، فهذه المجتمعات لها تقاليدها الديمقراطية والليبرالية، وهذه التقاليد هي التي مكنتها من القدرة على التعايش مع مختلف الثقافات، بحيث صارت وبحق مجتمعات متعددة الثقافات.
أليس مطلوبا من السيدة شعبان وحكومتها، ان ترسخ قيم التعايش والقبول بالاخر، وتقبل الرأي المغاير، وان تلغي كل ما يشجع على الكره والحقد، وكل ما يدفع الى ارتكاب الجرائم بأسم العروبة والدين والشرف، وكل ما يشجع على امتهان كرامة البشر؟ اليس هذا هو واجب الحكومات، ام ان واجبهم اطلاق الكلام والاحكام التبسيطية والتي يهلل لها البسطاء والجهلة؟
2 كانون الاول 2004
الى متى الاستمرار في التضليل؟
في مسعاها لتبرير فشلها في تحقيق سياساتها المعلنة، اتهمت الدول العربية حكومات ووسائل الاعلام وحتى المعارضة، مجلس الامن الدولي بالانحياز لاعداءها. وهذا المسعى التضليلي مستمر وينطلي على الجميع منذ عام 1948، اي منذ طرح قضية فلسطين على الامم المتحدة لتقول كلمتها فيها.
قلنا ان المسعى كان تضليليا، بسبب ان المنطق والعقل واساس بناء الامم المتحدة واجهزتها، كان على اساس موازين القوى والواقع السياسي المنبثق عن نتائج الحرب العالمية الثانية. من انكفاء الدول الكبرى السابقة مثل بريطانيا وفرنسا، وتقدمت الصفوف دول جديدة وفتية هما الولايات المتحدة الامريكية والاتحاد السوفياتي. وبالطبع ان الدول المستقلة تباعا بعد تأسيس الامم المتحدة، وبضمنها الدول العربية. كانت تدرك واقع الامم المتحدة ة ومؤسساتها. بمعنى انها كانت تدرك ان الامم المتحدة ليست محكمة لتحقيق العدالة الانسانية، بل هي هيئة سياسية تخضع في قراراتها لمصالح الدول المختلفة والمتصارعة في ما بينها، واي قرار يصدر عن اقوى مصدر للقرار في الامم المتحدة، ونعني به مجلس الامن الدولي، يكون نتيجة لواقع ميزان القوى في لحظة صدوره. ولان الامم المتحدة هيئة سياسية بالدرجة الاولى، فاغلب الدول قبلت قراراتها كأمر واقع، لان القرار لم يكن يعرب عن العدالة المطلقة، بل عن الواقعية في اخذ مصالح كل الاطراف بحسب قوتها (قوة الدولة ليست متمثلة بقواتها العسكرية، بل تشمل القوى الاقتصادية والتحالفات الدولية وموقعها الجغرافي واستقرارها السياسي).
فهنالك قوانين واعراف دولية، يمكن الاستعانة بها لاتخاذ مواقف معينة او لاستكشاف القرار الممكن اتخاذه. فغزو العراق للكويت، كان قرار غبيا من قيادة غبية. اولا لانه غزا دولة عضوا في الامم المتحدة والمنظمات الدولية والاقليمية عديدة كما ان العراق معترف بالكويت رسميا ومنذ عام 1963. والامر الاخر ان الكويت لم تشكل في يوما ما اي تهديدا للعراق ، ولذا كان من الممكن قرأة مواقف الدول او اغلبها من من هذه المغامرة الطائشة لو فكر اركان النظام السابق قليلا. رغم الوضوح هذا نرى ان بعض الدول وخصوصا العربية اتخذت من مصلحتها دليلا لاتخاذ موقف من هذا الغزو الذي طال دولة شقيقة كما يقولون. لا بل ان البعض حاول ان يسوق استقلال الكويت مقابل الانسحاب الاسرائيلي من الاراضي الفلسطينية. وبالتالي ان هؤلاء العرب كانوا مستعدين بل داعمين لضرب الحق والقانون والعرف بعرض الحائط، مقابل انقاذ ماء وجه صدام. اي انهم كانوا يسوقون لتحقيق مراميهم وحسب اعتقادهم بالطبع، استنادا الى ميزان القوة الذي كان قائما حينذاك او الامر الواقع. الا ان رد المجتمع الدولي كان قاسيا، وذلك لان جريمة العراق كانت واضحة المعالم، كما ان سجل النظام العراقي كان من أسوأ السجلات لأي حاكم حينذاك. ولانه لم يجد في الكويت من ادعى التأييد لما جرى، فصدرت القرارات تحت بند الباب السابع، مما يعني انها ان لم تنفذ فسيتم تنفيذها بالقوة.
وفي تجربة عراقية اخرى وهي الحرب العراقية الايرانية، من الواضح ان صدام كانت له مرامي بعيدة الامد، من الحرب ضد ايران. الا ان حكومة الثورة الايرانية لم تكن ايضا بريئة من الاخطاء ومما كانت تنادي به من تصدير ثورتها الى البلدان المجاورة. وباالتالي انها منحت للاخرين الحق في ابداء مخاوفهم من التدخل في شؤونهم الداخلية. وبالرغم من ان زعيما اكبر قوتين في العالم حينذاك قد ذكرا بعبثية هذه الحرب، وبأنها سوف تنتهي بلا غالب ولا مغلوب، وهذا في السنة الاولى لاندلاعها. الا ان الدولتين اصرتا، في الاستمرار بحربهما، فتارة جاء الاصرار من العراق وتارة احرى من ايران، وطبعا حسب موازين القوى الذي كان سائدا اثناء ذلك. نرى هنا ان القوى العظمى اصدرت قرارا موزونا، ممكن تأويله، لان الدولتين المتحاربتين كانت من الدول غير المرغوب في انظمتها، وان التدخل الدولي كان بالاساس لدوافع انسانية، بعد الخسائر الكبيرة لدى الجانبين، فالقرار اعادة الوضع لما كان عليه قبل الحرب، وحجمت كل دولة من طموحات الاخرى بهذه الحرب المدمرة.
اما عن المسألة الفلسطينية، فهنالك قرار للامم المتحدة بفرض التقسيم، وقد قبل به اليهود، ورفضه العرب، وتم شن الحرب لازالة اثر القرار الدولي، ولكن العرب فشلوا في تحقيق ما ارادوه. فهل كان العرب يتوقعون من الدول الكبرى ان تلحس قرارها؟ والغريب ان هذه الدول استمرت في مواقفها الشاذة وغير المنطقية، على الرغم من خسائرها المتتالية. ففي حرب عام 1967، كان من الواضح ان العرب هم من بدأوا الحرب، بالرغم من ادعاتهم، ان اسرائيل هي التي جرت العرب الى الحرب. وحتى لو افترضنا ان الامر كان كذالك، فلماذا انجروا لها دون التفكير بالعواقب؟ ورغم كل هذا صدر القرار 242 الشهير وقبلت به اسرائيل ورفضه العرب، ولم يقبلوا به الا بعد سنوات، وصدر القرار بالاجماع، بمعنى ان الدول الكبرى مستعدة لتطبيقه، الا انه لم يصدر ضمن الباب السابع بمعنى ان تطبيقه خاضع للتفاوض، بين الاطراف المعنية والمجتمع الدولي يمكن ان يساهم بالمساعدة.
وهنا علينا التساؤل، اذا كانت الدول الغربية منحازة لاسرائيل، فماذا كان دور صديق العرب وخصوصا صديق المطالبين بالحرب في الحد من انحياز الغرب، او في افشال القرار المذكور ان لم يكن في صالح حلفاءه، وما كان يكلفه ذلك غير فيتو واحد؟ الم تكن المصالح هي التي توجه الاتحاد السوفياتي ياترى؟
ان ما يثير التساؤلات هو هذه القدرة المستمرة لخداع الذات قبل الاخرين والاستمرار فيها ودفع تكاليفها الباهضة! ان العرب مطالبون اليوم بالعودة الى الوعي، والاندراج في المنظمومة الدولية وبحسب قوانينها السائدة وليس استنادا الى امال واوهام العظمة الفارغة.
الحذار الحذار، فكوندي قادمة
كوندي العزيزة، ذات الابتسامة النيرة والدائمة، الانسة كوندي التي حصلت على شهادتها العليا وهي لم تتجاوز الخامسة والعشرين من عمرها، والتي لها خبرات في السياسة الخارجية، اكتسبتها من اطروحتها للشهادة الكبيرة، ومن خبرتها العملية عندما عملت في مجلس الامن القومي الامريكي، في عهد بوش الاب.
الانسة كوندي، برغم من جمالها وحلاوتها وقوامها الممشوق، بحيث يحكى ان السيد ارئييل شارون اخذته صفنة عندما كان يستمع اليها في اول مقابلته لهما، ولما نبهه احد مساعديه الى انه في واد اخر، رد السيد شارون ولكن لها سيقان جميلة ورائعة، طبعا بالعبرية، هذا ما يحكى و العتب على من نقل الخبر.
الانسة كوندي ستحتل موقع السيد كولن باول ذو اللطافة والدماثة، والمعروف لدينا بانه من المعتدلين، فهو لطيف ودمث على الدوام، ليكاد يشعر المرء معه بأنه مع اعز اصدقائه، بكلامها الهاديء والبشوش، ووجه لا يحمل علامات الصرامة والتعنت. وبالاختصار، ان الرجل عندما يطلب لا يظهر كانه يأمر، بل يترجى، ولذا كان مرغوبا ومحبوبا من اقرانه العرب، برغم انه كان يصل للنتائج المرجوة، وان مع بعض التأخير، لحفظ ماء الوجه.
اما الآنسة ذات الصون والجمال والقد الفتان والابتسامة الخلابة، فأمرها امر، انها وباختصار ايضا لها مطالبها ولكن كاوامر، وقولها صارم، وما تريده، لا يتطلب تخريجات دبلوماسية، وكلمات منمقة، بل كلام صريح ومحدد ومعروف النتائج وليس هنالك اهتمام لدى كوندي لا بماء الوجه ولا سخامه، فاما او فالويل والثبور.
فالآنسة كوندي معروف عنها، انها من الكواسر المتشددة، وليست بما يوحي جنسها او جمالها، فاذا كانت الليدي ماركريت تاتشر عجوز شمطاء، ومارلين اولبرايت، بالحية الرقطاء، فما اللقب الذي سنمنحه لهذه الآنسة التي اخذت المجد من كل جوانبه، لكي نلهي جمهورنا ونقنعه بانه يمكننا الانتقام، باطلاق تسمية تشبع نرجسيتنا.
فالانسة كوندي ستستعمل كل الاسلحة مع فحول وزرات الخارجية لدى عالم العروبة، فاضافة الى الذكاء اللامع والقدرات الفذة، فماذا سيعمل وزراء الخارجية، لو وضعت الساق على الساق، كما هي عادتها في الجلوس وبان اللحم الطري من تحت الفستان، فاذا كان شارون العجوز قد تاه بخياله، امام جمال كوندي الرائع، فماذا سيفعل وزراء العرب، وهم من الفحول الاقحاح، هل سيتمكنون من الحوار ام سيرضون بالانبطاح والدوار؟
الرؤساء الأمريكيون و القضية الفلسطينية
من المعلوم انه في كل اربع سنوات تجري انتخابات لاختيار رئيسا للولايات المتحدة الامريكية، ويرافق هذه الانتخابات ما يصح تسميته بهرجة اعلامية، لا تقتصر على الولايات المتحدة الامريكية فقط، بل تشمل العالم كافة. وبالرغم من ان الوسائل الاعلامية في العالم الغربي تهتم اولا بالاخبار الداخلية. الا في حالات حدوث امر ملفت، الا ان الانتخابات الامريكية تحتل موقع الصدارة دائما قياسا بالاخبار الخارجية الاخرى. ان الاهتمام بهذه الانتخابات مرده الى اهمية البلد الحاصلة فيه الانتخابات. وشعور كل دولة ان نتيجة الانتخابات ستؤثر فيها سلبا او ايجابا، حسب برامج كل مرشح، ولذا تحاول كل دولة ان تؤثر في هذه الانتخابات.
في حالة الدول العربية ليس هنالك استثناء عن بقية دول العالم، فالاهتمام طاغي بهذه الانتخابات. والتعريف بالمرشحين و اسلوب الانتخابات وطريقة الوصول الى البيت الابيض ودور المنظمات الضاغطة (اللوبيات)، وكل التفاصيل الدقيقة، لتصل الى لون رباط العنق الذي يرتديه المرشح.
الا ان هنالك استثناء في الحالة العربية، الا وهو ان كل رئيس حال في السلطة هو مكروه عربيا، باعتباره الاكثر تأيدا لاسرائيل مما سبقه، والاكثر خضوعا للوبي الصهيوني، بحجة الرغبته في اعادة انتخابه، أو رغبته في احتفاض حزبه بالرئاسة. فلو اخذنا الدورة السابقة والتي تواجه فيها كل من الرئيس الحالي السيد جورج بوش الابن، والسيد ال غور النائب السابق للرئيس كلينتون. فأن اغلب الوسائل الاعلام العربية ان لم نقل الكل، كانت تتمنى فوز السيد جورج بوش بالمنصب، وللأسباب التالية:
1- ان الرئيس كلينتون كان الرئيس الامريكي الاكثر دعما لاسرائيل.
2- ان ادارة الرئيس كلينتون كانت الاكثر ضما لليهود في صفوفها.
3- الانحياز التقليدي للديمقراطيين الى اسرائيل، لان غالبية اليهود الامريكيين تصوت للديمقراطيين.
4- ان الديمقراطيين تقليديا اكثر ليبرالية وبالتالي غير متدينين مثل الجمهوريين وهذا عامل مهم في تأييد اسرائيل.
طبعا ان مثل هذه الاسباب سترونها مكررة او معادة ولكن ضد الرئيس بوش حاليا، الا السبب الرابع الذي يتحول الى ان الرئيس بوش متأثر بالمحافظين الجدد الذين يؤمنون بعودة السيد المسيح، وهم بدعمهم لاسرائيل يستعجلون هذه العودة.
المعروف ان الحملة الانتخابية وادارة الرئيس بوش لم تضم يهودا أكثر كما كان حال الادارة السابقة. الا انها توصف ايضا بانها الاكثر دعما لاسرائيل. فهل تسألت وسائل الاعلام عن السبب؟ اعتقد ان وسائل الاعلام ليست مستعدة لوجع الدماغ هذا، لانها تريد الوصول الى النتيجة السريعة والتي لا تتطلب جهدا. فتستسهل الامر برفع شعار خضوع الرئيس الامريكي للوبي الصهيوني، وكفى المؤمنون شر القتال او التفكير وهذا اهم. وبالرغم من ان هذا الاستسهال هو احد اسباب المؤدية الى نشوء الارهاب، بحجة ان اميركا لن تعدل سياسيتها تجاه اسرائيل الا بعد ان تدرك ان مصالحها وامنها مهددان.
الا تعتقدون معي ان الاسرائيليين اناس عمليون، يتفاعلون مع الاحداث والتطورات ايجابيا، بمعنى انهم يأخذون موقفا من الاحداث اي ان كان هذا الموقف. فيما العرب نائمون، كما يقول المثل العراقي (نايم ورجليه بالشمس) اي ان الاحداث تتسارع وهم يظلون على المواقف التي اتخذوها قبل اكثر من ثلاثين سنة، بحجة الثبات على المواقف. وعندما يريدون التحرك، تكون الاحداث قد سبقتهم كثيرا. ان هذا الامر واضح ويفهمه الاخرين، ويسوقه الاسرائيليون بنجاح، فهم يقولون انهم لا يستطيعون انتظار العرب لحين اتخاذهم المواقف. ولذا نرى ان العرب عند اتخاذهم اي موقف تكون الحقائق على الارض غير مساندة لمواقفهم، لا بل تنسف مواقفهم نسفا.
اما حجة قوة اللوبي اليهودي، فاعتقد انها، اي الحجة مطروحة منذ الستينيات من القرن المنصرم. فماذا فعل العرب لانشاء مثل هذا اللوبي، الجواب لا شئ، بالرغم من ان العرب كانوا في السبعينيات والثمانينيات القرن المنصرم من اغنى دول العالم. والسبب ان الدول العربية الغنية ارتأت ان اسهل وسيلة لتأييد قضاياها هي العمل بجد لتغيير الانتماء الديني للامريكيين والاوربيين. واحسبوا كم صرفت الدول العربية في هذا المجال، والذي اخذ مجالا في الاعلام كأحدى المنجزات الكبيرة للحكومات العربية. في الوقت الذي كان اليهود ومؤيدوهم ينشأون مراكز الدراسات الخاصة بالشرق الاوسط، لكي تزود صناع القرار في واشنطن بالمعلومة التي يحتاجها صانع القرار. كما ان جل عمل اللوبي الاسرائيلي يعتمد على اليهود الامريكيين ومؤيديهم. في الوقت الذي اهملت الدول العربية جالياتها في الغرب عموما واميركا خصوصا. ومن جهة اخرى ان الجاليات التي اتت من الشرق الاوسط، واستوطنت في الغرب واميركا. جأت هاربة من اوضاع مهددة لها، من النواحي القومية او الدينية او لارائها السياسية. وبذا لم تتمكن الدول العربية من الاستفادة من هذه الجاليات في خلق لوبي، بسسبب كون هذه الجاليات اساسا في حالة عداء مع حكومات هذه الدول، للاسباب المذكورة اعلاه، ولذا ان ارادت هذه الحكومات ان يكون لها تأثير خارجي اعتمادا على جالياتها في الخارج، فعليها اولا ان تحسن من حقوق الانسان في بلدانها. وان تتعامل مع ابناء الديانات غير الاسلامية باحترام وعلى اساس المواطنة المتساوية الحقوق والواجبات. فالمهم ان تتحول هذه الدول الى دول يكون القانون فيها فوق الجميع وان يسيرها دستور عصري بكل ما في الكلمة من معنى. عندها سيشعر المواطن الامريكي من الاصول الشرق الاوسط، ان الدول التي اتى منها هو او اجداده تستحق المساندة والدعم.
ان وجود اليهود في الولايات المتحدة الامريكية يقارب زمنيا وجود النازحين من الشرق الاوسط، او الدول العربية، وعددهم متقارب ايضا. الا ان تأثيرهما في الحياة العامة متفاوت جدا، واحد اسباب ذلك، ان غالبية اليهود هم من الغرب ايضا، اي اتوا من نفس البلدان التي اتى منها الامريكيون، وبالتالي فان ثقافتهم هي واحدة، والتفاهم بينهم سهل وسلسل ومباشر، بينما ابناء الجاليات العربية لهم ثقافة اخرى، لها ثقلها التاريخي عليهم، لا يقدرون على الخروج من اطرها، وتأثيرها يستمر لاجيال متعددة. وهنا يلعب عامل الدين تأثيرا كبيرا، فنرى ان ابناء الديانات غير الاسلامية، من المسيحيين والصابئة واليزيدية اكثرا قدرة على الاندماج في الحياة الغربية والمشاركة الفعالة فيها، طبعا مع وجود استثناءات. وعليه فاليهودي يشارك في الحياة الاجتماعية والثقافية والسياسية الامريكية بدون عقد. اما الذي يأتي من منطقتنا او الدول العربية، فأن الكثير من التابوهات تمنعه من ذلك،ولذا فاما عليه ان ينعزل او يصبح مبشرا بما هرب منه. اي محاولا ان يصنع العالم الذي هرب منه في الغرب، اميركا او اوربا لا فرق. ولذا نجد اليهودي الامريكي في كل مكان، هو في الهوليود، وفي وول ستريت، وفي واشنطن دي سي، وعملية تواجد اليهود ليست باعتقادنا عملية منظمة من هيئة ما، بقدر ما هي وجود طبيعي، يعبر عن الاهتمام العام للانسان المنفتح. ويجب ان لا ننسى ان غالبية اليهود هم من التيار الليبرالي في اميركا، وتتعاطف مع قضايا الاقليات، اي انه ليس هنالك موأمرة ولا هم يحزنون في الامر.
ان اسرائيل هي اول دولة تقام بقرار من الامم المتحدة، وكان خطاء العرب الكبير رفض القرار. اي قرار التقسيم، نتيجة اكاذيب اطلقوها هم وصدقوها. فاليهود كانوا موجودين في فلسطين منذ القدم، قد يكون عددهم قليلا الا انهم كانوا موجودين، وهم لم يكونوا بقادرين على التعايش مع العرب. وبالتالي كان يحق لهم اقامة دولتهم المستقلة، ولو كان العرب ارتضوا بقرار التقسيم، اعتقد لكانت فلسطين الان قائمة على اكثرية اراضي فلسطين التاريخية. ان رفض العرب للقرار، وتقسيمهم للاراضي الفلسطيمنية ما بين مصر والاردن، ازال احد اسباب المطالب المشروعة من يد العرب. كما ان احد اقصى الضربات التي وجهها العرب للقضية الفلسطينية، وساعد اسرائيل على الحصول على الدعم الدولي، هو تعريب الصراع ومن ثم اسلمته. اي ان جميع الدول الاسلامية دخلت على خط العداء مع اسرائيل. اي ان خمسة ملايين مواطناً اسرائيلياً، يواجهون عداء مليار مسلم. ليس المهم هل حقا ان جهود هذا المليار تصب في خانه دعم هذا العداء. الا ان الاعلام كان يقول ذلك ليل نهار، كما ان وضع اليهود والاقليات في الدول العربية، هذا الوضع المزري، كان سلاح في يد اسرائيل، ضد الدول العربية. في الوقت الذي يتمتع العرب في اسرائيل بحقوق تكاد تضاحي حقوق المواطن اليهودي نفسه.
نادرا ما تطال الفضائح اليهود كيهود في الغرب. أولا لأنهم غير مميزين بالاسماء والملبس، فاسمائهم وسحناتهم وملابسهم هي بالضبط مثل الغربيين. وان لطخت سمعة احدهم حادثة او فضيحة ما فيشار اليه ان السيد كروسمان مثلا، وجد كيت وكيت الى نهاية الفضيحة، ويأخذ جزائه في القضية. اما في الحالة العربية والتي ازكمت فضائحهم الانوف وخصوصا في ما بعد السبعينيات من القرن الماضي. فأن الامر مختلف، ففي الوقت الذي كان العرب يتبجحون نهارا بقيهم الدينية والانسانية وكرم اخلاقهم، كانوا ليلا يمارس الكثير منهم مختلف الموبقات التي كانت الجرائد الصفراء تتفنن في نشرها، بالصور والاسماء، وهي لعلمك مميزة وواضحة. ان هذه الممارسات انفرت الانسان الغربي من العرب وقضاياهم. كما ان الاسرائليين انتهجوا ممارسات زرعت في المجتمع الامريكي والاوربي مؤيدين لهم، من خلال دعوة الكثير من الشبان من الجنسين الى اسرائيل، للمشاركة في العمل في الكيبوتسات، اي المزارع الجماعية، وكان الامريكي يأتي الى اسرائيل ويخرج سفيرا لنموذج التعايش في اسرائيل.
ان الموضوع، اي دور اللوبي الاسرائيلي في انتخاب الرئيس الامريكي، لهو متشعب، ولكنه بالتأكيد ليس بالتبسيط الذي يحاول الاعلام العربي ان يمرره لنا. كما ان تأييد اميركا لاسرائيل، ليس بيد رئيس الجمهورية، بقدر ما هو نتيجة لعمل جدي، والاستغلال محسوب لميزات معينة، وهذا ليس مؤامرة بقدر ماهو عمل منظم.
28 ايار2004
العرب ظاهرة صوتية
في بداية السبعينيات من القرن الماضي، كان العراقيون يتمتعون بنوع من الحرية، سمحت بوجود احزاب متعددة، فالى جانب حزب البعث المقبور. كان هنالك الحزب الشيوعي والحزب الديمقراطي الكردستاني و الحزب الوطني الاشوري الذي كان يعمل بسرية وان كان اعضاءه نشطون آشوريا. في مثل هذا الجو كان هناك نشاط ثقافي دائم، الا ان ما كان يزعجني، ان الاخوة الشيوعيين، في اي محاضرة او ندوة كان يطلبون ان نقف دقيقة حداد على ارواح شهداء تشيلي. لم يكن لي موقف ضد شهداء تشيلي، ولا ضد المرحوم اليندي. بل موقفي كان ضد ان نصب جل اهتمامنا على الخارج. فكان لزاما ان نتضامن مع جنوب افريقيا، مع الفلسطينين، مع اثيوبيا بعد الانقلاب، مع الرفيق كيم ايل سونغ، وغيرهم. ومن ناحية اخرى كان اكثر النقاشات السياسية تنقل بسرعة الى ابداء الرأي في اوضاع الدول الاخرى، وخصوصا البعيدة. كان يجب ان تكون اما مع اوضد، ماكان ممكننا ان تكون محايدا، والا وصفت بالجبن. بالطبع كانت اغلب الاحزاب واغلب اعضائها يعملون بمثل هذه العقليات.
كان صوت الحزبيين من كل الانواع، عاليا صاخبا منددا بالامبريالية والصهيونية والرجعية العميلة. كانت الاحزاب تجر الجماهير خلفها في حروب وهمية. كتل من الجماهير تصرخ وتهدد وتتوعد، رافعة لاءات خرطوم الثلاثة. وكانت جبهات تقام وجبهات تتهدم، وحدات تبنى واخرى تزال، الذي كان يستمع الى الخطب النارية، كان يظن ان ربيبة الاستعمار والامبريالية الدويلة الصهيونية ستزال وتمحا في ليلة واحدة. وبعد ذلك سيتفرغ القادة الاشاوس لتحرير الاسكندرونة والاهواز والصومال الكيني والاثيوبي. حروب تجر حروب، والرفيق العزيز برجينيف مستعد لفتح خزائن اسلحته، عندما يرى بريق دولارات النفط.
سقت كل هذا لاطرح استفسار. ما سبب كل هذا العمل الصوتي الخطابي والذي لا علاقة بينه وبين الواقع والقدرات؟ وماهو ياترى السبب الرئيسي لهذا الاهتمام بكل بعيد؟ أهذه العادات اصيلة، ام انها دخلت مع دخول الاحزاب الثورجية ذات الانظمة الحديدية؟ حقيقة ان المسألة بحاجة للدراسة والايضاح، فاغلب الشعوب التي لها حظ من التقدم تراها تعمل بصمت، وبلا صراخ وتهديدات، كما انها اي هذه الشعوب لا ترمي مشاكلها على الاخرين، المؤسف حقا، ان العرب يخدعون انفسهم، انهم يخدعون النفس، ليس مرة واحدة، بل مثنى وثلاث ورباع .
ان بعض القادة العرب عندما لم يجد شرعية لحكمه، خلق شرعيته، بدعوة محاربة الاستعمار العالمي، والاخر كان اقل طموحا فقال انه يحارب الصهيونية، وممن لم يلتحق بهذين المثالين، فانه كان حامي الدين، من الكفرة ومستهدفيه، وهذا كله في ظل صراخ ملاء الدنيا ضجيجا، واقصد دنيانا نحن مواطني هذه المنطقة. اما العالم المتمدن، فانه شمر ساعديه للعمل، ففي الوقت الذي تراجع دخل الفرد في منطقتنا الى حوالي نصف ما كان عليه في السبعينيات من القرن الماضي. نجد دخل الفرد في الدول الكافرة والمنحلة وحتى في الدويلة اللقيطة يتضاعف مرة او اكثر، وفي الوقت الذي تراجعت مشاركة المنطقة في الانتاج الصناعي والزراعي والثقافي (نستثني فلتة نجيب محفوظ، والذي حاول ركاب قطار العائد الى ما قبل اربعة عشر قرنا ان يغتالوه). فأن دول لا تتمتع بعمق حضاري، ولا كانت في مقدم نشرات الاخبار العالمية، تتقدم لتحتل مواقع متقدمة في الاقتصاد العالمي، ليس هذا بل انها تتقدم في مجال تحقيق النظم الديمقراطية والحريات الفردية وحتى في مشاركتها في رفد الثقافة العالمية بكل ابداع جديد.
لماذ، تتقدم دول لا تمتلك مواد اولية مثل دول منطقتنا المنكوبة، ونحن لا؟ هل ان انساننا عقله اصغر من عقول ابناء هذه الدول؟ اعتقد ان العلم اثبت فشل وبطلان مثل هذه النظريات العنصرية. اذا لا بد ان يكون السبب او ان تكون العلة في مكان اخر!
وهذا المكان هو خوف الحكام، والخوف الذي نقله هؤلاء الحكام للمحكومين. بانهم مهددون، مهددون باغلى ما يمتلكون، الا وهو دينهم، لذا نرى هذه الممانعة العظيمة، والجبارة لاي تطور، والشك الكبير في كل اختراع او فكر او طرح سياسي، قد يكون الشك ضروريا في حالات معينة، ولكن عندما يتحول الى شك دائم في كل امر وكل شيء، فهو حالة مرضية ليس الا، وليس صحيحا ان هذه الحالة تطال الطبقة المستفيدة من حالة الجهل المستشري، بل ان حالة ممانعة كل جديد، وخصوصا في مجال الحريات الفردية، تشمل افراد الشعب، او الاغلبية منه، اي الفئة المستفيدة اقتصاديا واجتماعيا من كل تطور في مجال الحريات.
ان العالم المتقدم، يسير بنهج المصالح، اما عالمنا فأن ما يسيره هو الايدولوجية. او هذا ما يقال لعامة الناس، او يتم خداعهم به، فكلنا نسير بهدى المباديء المقدسة، ولا تنازل عن المقدسات، ومقدساتنا كثيرة، تبداء من الدين والارض والعرض الى الشوارب وما تحت الشوارب، الفاهم تكفيه الاشارة.
نجد في الدول الغربية والآسيوية النشاط الديني مسألة فردية، وليس لاحد الحق في مسألة الفرد عن الدين الذي يعتنقه. ما لم يؤد الى اقتراف الجرائم، مثل بعض الحركات التي تقدم المنتمين اليها كقرابين. اما في بلداننا المبتلية بالمقدسات التي تبداء ولا تنتهي، فالدين هو الاساس، وكل السواعد والقدرات للدفاع عن المقدسات، وهذا كله بصراخ ليس مثيله صراخ، اما في الواقع فالتراجعات تجر الاخرى، فما لم نقبله عام النكبة خسرناه في عام النكسة، وما لم نقبله في قرار 242، نخسره حاليا، في القضية المركزية، اما في القضايا الفرعية فحدث ولا حرج.
وحتى الدين الذي صار الشماعة التي تعلق عليها، كل المعيقات التي تضع في طريق التقدم، ليس مهددا من احد، وان كان مهددا حقا، فهو من ابناءه الذين لا يعملون بسنن الحياة، القائلة بالتطور والتقدم، واختلاف المفاهيم حسب الزمان والمكان. ان من يهدد الدين هم المعارضون لكل اجتهاد يحاول ان يوفق الدين مع العصر. او ان يعطي للدين المساحة التي له، اي ان لا يتجاوز الدين ويحتل مجمل مساحة حياتنا بكل تنوعاتها، اما التهديدات الخارجية، فلا تعمل شيئا، الم يقل الله انه الحافظ لدينه، (اليوم اكملت لكم دينكم وانا له لحافظون).
3 ايار 2004
ويحدثوك عن المقاومة
وكأن كلمة المقاومة كلمة مقدسة لا يمكن لاحد النطق بها الا بعد اداء آيات الخشوع والقيام بالوضوء لكي لا تتنجس هذه الكلمة المضللة والتي يتم بأسمها اقتراف مئات الجرائم يوميا يذهب ضحيتها عراقيون ابرياء لا ذنب لهم الا تواجدهم في الزمن الخطاء وفي المكان الخطاء.
في الزمن الأغبر زمن الموت سكوتا ورعبا، زمن المقابر الجماعية واستلاب انسانية الانسان، ليس فقط حقه في قول ما يريده، زمن كان الشعب يعامل كعبيد لبعض الافراد كل ميزتها انها من عائلة الحاكم، كانت المقاومة حقا لانه لم يتم منحها اي فرصة للتعبير عن نفسها بالكلمة، كان اما السكوت او القبر، فخرج العراقيون بمئات الالاف، ناهيك الذين تم اخراجهم لانهم اعتبروا اجانب، واجداد اجدادهم كانوا من مواليد العرق، خرجوا في رحلة البحث عن الذات، عن انسانيتهم التي حاول الحاكم التحكم بها لا بل تجريدهم منها، لم يكن امامهم الا درب واحد ليسلكوه، وهو درب المقاومة ليعودوا ويعيشوا في كنف وطنهم.
طلبوا العون من الاشقاء والاصدقاء، بعد ان فاقت جرائم الحاكم كل وصف، فلم يأتهم الا الاتهام بالعمالة لهذه الجهة او تلك، فدنيا العرب لا تعرف للحاكم معارضة، وبرغم وضوح كل الجرائم فقد حظي الحاكم بكل الدعم من ضحاياه قبل اصدقاءه، وكلنا نتذكر مؤتمر بيروت للقمة العربية، عندم احتضن ممثل النظام بالاحضان واستقبل بالقبلات ولم يكن ينقصه الا الهلهولة المصرية الشهيرة.
امام كل ذلك لم يجد معارضوا النظام، الا الاتكال على مساعدة القوى الدولية، التي التقت مصالحها مع مصالح غالبية التيارات السياسية العراقية، في عملية جراحية لازمة لاستأصال كل ما يمثله هذا النظام وكانت عملية تحرير العراق التي تكللت بالنجاح يوم التاسع من نيسان المبارك، فهرب طغاة العراق واختفوا في جحورهم ولم يقاوموا، بل خططوا لتنفيذ شعارهم المعلن من انهم سيتركون العراق خرابا، وها هم اليوم يزرعون هذا الخراب والدمار في كل مكان، لقد بدأوا الخراب عندما امروا كل المؤسسات بالانحلال وبتدمير كل السجلات وبسرقة كل الممتلكات، بدوا عندما استسلمت المناطق التي كان يتكل عليها النظام بدون اي مقاومة، لكي يحفظوا امكانيتهم لمعاقبة الشعب العراقي على عدم الدفاع عنهم.
الجيش والامن والشرطة انحلت من تلقاء نفسها، تركت مقراتها وواجباتها، لان اغلب هذه الاجهزة لم يخاف المحتل كما تعتقدون بل خاف غضبة الشعب، واستمد فعلته من الاوامر المسبقة للنظام بتفكيك كل مفاصل الدولة، لكي لا تقوم لها قائمة بعد، ولكي يترحم العراقيون على ايام النظام، على الاقل لانه موفر لهم الامان.
وتنطلي اللعبة حتى على اغلب التنظيمات السياسية العراقية، عندما تقول مقاومة شريفة، عندما تعلن في العلن تأيدها لقتل الامريكان لانهم محتلون، وهكذا يتشاركون مع الحاقدين ومن فقدوا سلطاتهم ومن يريد اعادة عقارب الساعة الى الوراء، في تأييد مقتل من سفك دمه لاجل تحريرنا، والكل يدرك كم نحن بحاجة اليهم على الاقل لحين كشف كل مخابئ اسلحتهم، على الاقل لحين استكمال اعادة تأسيس جيشنا وقوانا الامنية الملتزمة بالقانون فقط، ان كل من يؤيد ما يسمى بالمقاومة ولو لفظا يشارك في جريمة الدعوة لقتل جنود التحالف، الدعوة لعض اليد التي مدت لنا ساعة كنا على وشك الغرق، انه نكران جميل انه جحود واي جحود.
علنا يقولون شاركونا في السلطة ولكن ان تعملوا ما نريده نحن، اي ان يتم اعادة كل عتاة المجرمين والبعثيين الفاشيين وان يترك لهم الحبل على الغارب لكي يعبثوا في الوطن فسادا ودمارا، الحكم الجديد له مساويء وأخطاء وخطايا، ولكنه ممكن المعالجة لانه لم يكمم الافواه، حتى افواه من يعارضه وبشدة، من يختلف معه جذريا، ومع كل الحريات لمعارضة الحكم والمجال لكسب الانصار، والدعم العروبي الاسلاموي الفضائي، يلجاؤون الى القتل والتدمير لتحقيق مكاسب سياسية، لا بل لفرض رؤيتهم واجندتهم بكل السبل غير المشروعة والتي تتنافي مع النظام الديمقراطي والياته، هذا النظام الذي ارتضاه العراقيون نظاما لتسيير دفة الحكم بعد مأسي الانظمة الدكتاتورية.
عراقيا مطلوب اليوم ان يتم فحص المصطلحات، فالمقاومة هي التي تقوم ضد نظام غير شرعي مثل النظام المقبور، والنظام الحالي جاء نتيجة لانتخابات وان شابتها اخطاء، الا انه نظام اكثر شرعية من اي النظم المجاورة باسثناء تركيا، انه نظام يعبر عن ما حملته صناديق الاقتراع، وهذا النظام من حقه ان يعقد اتفاقا مع اي جهة دولية لتساعده في حماية الوطن، وهذا الاتفاق يكون لمصلحة الطرفين، الا ان للسياسة ظروفها، ومن حق من يعارض هكذا اتفاق ان يعبر عن رأيه وهذا متاح واكثر من اللازم، وصناديق الاقتراع تنتظر المتنافسين في 15 كانون الاول وبعدها بعد كل اربع سنوات، اي ان الافق للتغير موجود وحده الاعلى اربع سنوات، اذا لماذا اللجوء الى السلاح والقتل والتدمير؟ أليس من اجل فرض اجندة معينة تخالف كل المعايير الديمقراطية؟ اليس من اجل فرض النفس بالقوة وايصال البلد الى الوضع السابق، والافق المغلق الا امام احتمال واحد وهو ان يرضى العراقيون بحكامهم السابقين ابد الدهر؟
اذا استعمال كلمة المقاومة لهذه العمليات وحتى لاستهداف جنود التحالف، هو في ابسط الامور مشاركة في جريمة تستهدف مستقبل الوطن والمواطنيين بكل تلاوينهم القومية والدينية، ان مساندة قتل العراقيين وتدمير منشأتهم واقتصادهم وسد الباب امام اي مجال للتطور هو جريمة حتى لو كانت هذه المشاركة بالدعم بالكلمة او اي صورة اخرى
28 ايلول 2005
جبالنا لا تهزها الزلازل
وصف اسقاط نظام البعث الفاشي في العراق بانه زلزال اصاب منطقة الشرق الاوسط كلها وان تاثير هذا الاسقاط سيعم المنطقة بكاملها، تغييرا وتبديلا واصلاحا، الا ان المتتبع للامور يجد ان مدى الزلزال او قوته بمقياس رختر لم تكن قوية بما فيه الكفاية لكي تهز ولو انملة شعرة من اصنامنا في الانظمة العربية. فهذه الانظمة التي لم تخجل من مد يد الانقاذ للنظام العراقي المهتريء في مؤتمر بيروت، برغم كل ما اقترفه ضد الشعب العراقي، من المقابر الجماعية الى الحروب الخارجية والداخلية المتتالية. هذه الانظمة التي اعتقدت انه لا بد للمتطلبات المطلوب منها اضفاءها على نفسها لكي تكون مقبول دوليا،يجب ان ياخذ مدا زمنيا قد يكون بعشرات السنين، لان المنطقة بحسب حسابات الانظمة المعتمدة على اليات زمن الحرب الباردة، لا يمكنها ان تهظم تغييرات سريعة ومتتالية.
ولذا فقد اكتفت هذه الانظمة باستعمال نفس لغتها السقيمة المكونة من عبارات السيادة الوطنية والحق العربي والمبادئ والثوابت، التي لم يعد احد يعيرها اي اهتمام، كما اعتمدت على اثارة غرائز كره الاخر لخداع شعوبها بمؤامرات دولية تستهدف الثوابت والقيم.
كل المؤشرات دلت على وجوب التغيير الشامل فشعوب المنطقة لم تعد تنطلي عليها الاكاذيب والخدع والشعارات الجامدة. فهذه الشعوب باتت تواقة للاختلاط مع العالم والمشاركة معه في كل تطلعاته. وباتت تواقة الى حريتها المسلوبة بحجج لم تعد تنفع الانسان الجائع والعريان والمتطلع الى عدالة تنصفه من غول الاجهزة الامنية المتعددة والتي هي وال الرئيس واقربائه فوق القانون، او ممن يستقوى بهذه الاجهزة لكي يهضموا حق من مواطن بسيط وقد يكون هذا الحق الاستيلاء على نصيب طالب في الانتماء الى كلية يستحقها.
ان نظمنا السياسية هي من الثوابت الرواسخ والتي لا يهزها الزلزال وزوالها قد يكون من علامات الساعة. ولذا فان الشعوب ورغم ايمانها الذي لا غبار عليه، فأنها لا ترغب في حلول الساعة وعليه تراها ملتزمة انظمتها الفاسدة.
يشخص تقرير السيد قاضي التحقيق الالماني ديتليف ميليس حول جريمة اغتيال رفيق الحريري، الحالة التي كان الوضع فيها لبنان، عند اقتراف جريمة قتل رئيس الوزراء اللبناني السابق رفيق الحريري، ويلخص كيف ان الاشقاء الذين ادعوا مساعدة لبنان وتخليصه من حروبه الداخلية كانوا هم اساسا يديرون البلد من كل النواحي. والمطلع يدرك ان مسؤولي الاجهزة والضباط كانوا على اتم استعداد للبقاء دهراً آخر في لبنان لتعظيم مكاسبهم ومدخراتهم. فالبلد لم يكن يحكمه قانون بل اوامر عليا تأتي من اللواء رستم غزالة رئيس الاستخبارات السورية في لبنان او من من هو اعلى منه رتبة ومرتبة، اما الجنود السوريين الذين جلبوا الى لبنان بحجة انقاذ عروبته وتخليصه من براثن الصهيونية ولحماية خاصرة سوريا الغربية، يدركون انها كلها اكاذيب لتغليف ممارسات اقل ما يقال فيها انها لصوصية ولكن هذه المرة لصوصية شقيقة.
فالاشقاء ولانهم كذلك فقد اخذوا راحتهم في بيت شقيقهم طولا وعرضا.
وهاهو زلزال اخر يعلنه السيد ميليس، متهما اجهزة سورية واشخاص سوريين بان لها يدا في عملية اغتيال المرحوم الحريري. ولكن الاعلام عندنا وحتى المعارض لسوريا يقول ان سوريا متهمة. والحقيقة ليست كذلك فالمتهم النظام وبعض الاجهزة وبعض الاشخاص. ولكن النظام السوري يستمرئ عملية تماهيه مع سوريا بل يشجع ذلك لكي يقول ان سوريا متهمة، ولكي يحتمي بالشعب والوطن السوري كما فعل صنوه النظام العراقي. انهم يجعلون شعوبهم وبلدانهم رهائن، لكي يحتموا بها من غضب المجتمع الدولي، هذا المجتمع الذي يحاول ممثل سوريا في الامم المتحدة التقليل من قيمته، باعتبار ان الصين والهند وبعض البلدان الاخرى الى جانب سوريا كما يدعي. انها نفس النغمة ونفس السيناريو الفاشل الذي اتبعه النظام العراقي البائد، انهم لا يريدون ان يدركوا ان المجتمع الدولي اليوم يعني مجلس الامن وقرارته، وحين تحين اللحظة المناسبة نرى المجتمع الدولي يصطف متوحداً بعد ان يأخذ الكل حصته.
تشرين الاول 23 2005
هل تجاوزنا حاجز الخوف؟
المتابع للتاريخ في منطقتنا، منطقة الشرق الاوسط. يلاحظ بوضوح ان المنطقة، والافكار والمجتمع، هي في حالة تراجع، فبعكس العالم، حيث يتم رويدا رويدا، تحطيم القيود وكسر التابوهات والمحرمات، وتنطلق الاسئلة مثيرة زوابع واعاصير لا تهداء. نرى ان هذه المنطقة والتي كانت في الثلاثينيات من القرن المنصرم تبشر بالخير، جراء انتشار افكار التنوير فيها تتراجع، لان الاتفتاح الذي رافق انتشار الافكار التنويرية، رافقه ايضا انفتاح لنشر الكثير من الافكار الشوفينية والعنصرية والثورية التي كانت ترغب في تغيير العالم بين ليلة وضحاها.
ان الافكار العنصرية التي شاعت في اوربا في تلك الفترة، كانت الافكار النازية والفاشية، واستندت الى العنصر وتمجيده وكذلك تمجيد التاريخ القومي، وتم نقل كل ذلك الى المنطقة. و لا أعني بالنقل انها كانت مؤامرة، بل هو التأثير المتبادل الذي احدثه، الاحتكاك بالدول المتقدمة. ان القول بانه تم نقل هذه الافكار يمثل جزء من الحقيقة، والجزء الاخر هو ان المنطقة، التي عاشت لقرون في ظل نظام تسلطي يفرق بين مواطنيه على اساس الدين، والذي لم يتمكن من ان يشفى من هذه الافة الخطرة. اذا المجتمع كانت فيه بذور لمن يريد العودة الى الماضي، ولكن بادوات جديدة، لا بل بخطاب جديد اكثر تقبلا وجاذبية.
وكان الخطاب الشوفيني العروبي المغلف بجرعة فائقة من التدين. وهذا الخطاب تحول تدريجيا الى التدين الخالص، وبالاخص الموجه للجماهير المغلوبة على امرها. ومع استعمال الوسائل العصرية في شحذ ونشر والتكرار، صار للخطاب موضع قدم قوية وراسخة. وبوجود نظرية المؤامرة التي تفسر كل شئ، وحماية الاسلام التي من اجلها يجب التضحية بالغالي والرخيص، تم تكبيل المجتمع وافراده في قبو مظلم لا يسمع الا صدى صوته، او صوت الخوف والهواجس الليلية والحروب القادمة لاجل محو وجوده كيانا وثقافة.
لقد تمكنت هذ الثقافة من وضع قدمها على التراب الاوربي، الا انه تم هزيمتها، وكانت الهزيمة تامة ماحقة، وحتى من يفكر بمثل الافكار التي بشر بها عتاد النازية والفاشية، تلاحظ انهم ينكرون الكثير من افكارها وممارساتها، ويتم تغليف هذه الافكار حاليا بالمخاوف من تغييرات سلبية في المجتمع، مثل السلوك او الرفاهية او العلمانية وغيرها من الاسباب التي قد تقنع البعض.
ان قدرة المجتمع الاوربي لدحر هذه الافة وغيرها من الآفات، التي الحقت العار بالانسانية، لم يتم بصراع فردي، مارسه البعض، بل بدخول المجتمع كله، في جبهة موحدة ضد هذه الافكار. فبعد الانتصار العظيم، والذي تم بمساعدة امريكية بحتة، تم ترسيخ مفاهيم جديدة في اوربا، فتم لأول مرة في تاريخ الدول الغاء مفهوم معاقبة الشعوب، وتم اخذ هذه الشعوب كحالة تحتاج الى رعاية، بعكس ما مارسته معاهدة فرساي لعام 1919 التي ارادت الانتقام من المانيا فعرضت اوربا لموجة حرب اعتى من سابقتها، ان من دخل هذه الحرب للقضاء على النازية والفاشية، كان مجتمعا احس بالعار، فشاركت الاحزاب السياسية والكنائس وكل منظمات المجتمع المدني وكل المثقفين والفنانين، بعمل من اجل ازالة العار الذي لحق بشعوبها، وكان اولى مراحله الاعتراف بالعار الاعتراف التام بما جرى، دون تبريرات منمقة، يراد منها الالتفاف عن الاعتراف الصحيح والتام.
هاهي شعوب الشرق الاوسط، تعيش في حالة مزرية، من التخلف الفكري والاقتصادي والاجتماعي، هاهي قوانين دولها تزداد تسلطا ووحشية، وحكامها يزدادون قوة على شعوبهم، وحكرا للسلطة، وحجزا للحريات، ها هي شعوبنا يكاد ان يكون دخل الفرد فيها اقل مما كان قبل ثلاثين عاماً بالضعف، والدخل القومي اسواء، والديون التي تكبل نموها تقدر بارقام فلكية، كل هذه جراء استحكام ايديولجية مظلمة، ايديولوجية ترى نفسها في حرب دائمة مع العالم، لانه مغاير لها، ايديولجية تمنح الحكام حصانة ابدية ما داموا يقولون بأنهم مدافعين عن حياض الوطن والدين، ألم يفتوا بعدم جواز الخروج عن طاعة الحكام وان جاروا، فهذا هو الشائع وبهذه التربية تم تعليم اجيال واجيال، بتربية ان كل شئ يهون من اجل الدين والوطن، وكان البشر مادة للطاحونة التي كانت تطحن، بحجة الدفاع عن ما سمى بالوطن، عن السجن الكبير.
هل يمكننا القول انها الصحوة الكبرى في الشرق، وبمساعدة الامريكي ما نشاهده على شاشات التلفاز، هل يمكننا ان ننمي النفس بأننا اخيرا سنعيش في دول تحترم افرادها، كمواطنيين لهم كرامتهم وحقوقهم، قبل ان تسأل عن الواجبات، هل يمكن ان نقول ان الصفعة التي وجهها الشعب العراقي، الى الارهاب والارهابيين، الى كل من ظل يحاول بكل السبل جر شعبنا للخلف، بنفس الحجج الواهية السابقة، وبنفس النغمات النشاز، هل يمكننا ان نقول ان تجاوز الشعب العراقي لحاجز الخوف، قد انتقل الى الشعب اللبناني والمصري، والحبل على الجرار، اميل الى القول، كما شاهدنا زوال الاتحاد السوفياتي، وكنا قد شاهدنا انتصار اوربا الشرقية، وتحرير الكويت وسقوط الطاغية صدام، سنكون شهودا، لخلق شرق اوسط جديد، يفكر بالمصالح وبالحوار وان السلام هو طريق الرخاء. قولوا امين.22 شباط 2005
الغضب الساطع آت
قامت قوات الاحتلال الاسرائيلي، باجتياح مناطق الحكم الذاتي، في الضفة الغربية، وكانت نتائج هذه العملية انسانيا وعمرانيا، وخيمة. فقد تم قتل عدد غير محدد لحد الآن من القتلى، كما تم تدمير البنية التحتية، التي بنيت بالمساعدات الدولية، و تم محاصرة الزعيم الفلسطيني، ياسر عرفات بين اربعة جدران ولمدة شهر كامل، ولقد قاوم الفلسطينيون هذا الاجتياح الا ان موازين القوى، كانت بوضوح الى الجانب الاسرائيلي، اما على الطرف العربي، الذي عول عليه الفلسطينيون كثيرا، فقد اثلج الصدر والحق يقال. فقد خرجت الجماهير الغاضبة من بغداد الى تطوان، عن بكرة ابيها منددة ومستنكرة وبشدة هذا العمل البشع والجبان ، وكانت الجماهير من الشجاعة والبسالة، انها استعملت ابشع الصفات والشتائم ضد رئيس وزراء الاسرائيلي اريئيل شارون. وتفيد تقارير الاخبار ان شارون استشاط غضبا من ذلك، وفقد اكثر من نصف وزنه فاصبح مثل العربة بعد ان كان بحق تراكتورا. كما علمنا من مصادر مأذونة، ان شارون اصيب بقرحة في معدته، نتيجة لموقف بلين وساريد والمظاهرات اليومية التي يقودها انصار السلام من الاسرائيلين ومساندي الشعب الفلسطيني من الاوربيين. والتي تقام امام مقر رئاسة الوزراء. وعلى مستوى القيادات العربية، فأن المواقف البطولية ازالت النوم من عيون شارون وموفاز وبنيامين (فؤاد) لعازر، فقائد عربي صنديد كان قد تبرع بالف مليون يورو من اموال لا يملكها وتبرع بخمسة وعشرون الف يورو لكل عائلة من عوائل الانتحاريين، وعشرون الف دولار لكل منزل هدمه البرابرة الاسرائيلين في جنين، على ان لا تكون من اموال النفط المباع في السوق السوداء، وقائد همام اعتكف في قريته، مقسما انه لن يعود الى البناء (التخريب) الا بعد التحرير، ولكنه امام الحاح واصرار اخوته القادة وخطورة الاوضاع، عاد ليتحمل مسؤولياته، وليستفيد اخوته النشامى من خبرته في الحرب الاهلية، وطالب بفتح الحدود والكف عن لطم الخدود، قائد همشري اخر لم يجد مجال للبطولات غير من منع عرفات من مخاطبة قمة العرب تلفزيونيا لكي لا يحول اهتمام القادة الى قضية كان قد اكد ان التحرير يجب ان يكون من البحر الى النهر، كما ان ابا عمار غير ملم بجدول الاجتماع، فهو سجين الاعداء، ورمز عروبي ملهم الوحدات من المغرب والتشاد، الى امة العرب وافريقيا، قاد التظاهرات في بلده ضد الامريكان، وكان في الماضي القريب طرد العمالة الفلسطينية من بلده، لان ابا عمار وقع على اتفاق اوسلو، كل هذه التحركات جعلت اسرائيل ترتعد خوفا، وتعمل ليل نهار، لاقناع روسيا والصين من اجل وقف اطلاق النار، ولو الى حين.
هذه مقدمة كاريكاتيرية لوضع مأساوي حقا، انه ليس مأساويا للفلسطينين، بل لكل ابناء هذه المنطقة التي تعيش نرجسية لا فكاك منها، برغم كل مظاهر التخلف. منطقة يعيش ابناؤها تحت ارهاب ورهاب من كل جديد، ومن كل قول حر. منطقة عملت حكوماتها على كم افواه المواطنين، الذين اصبحوا مشلولي الارادة والخيال، لا يمتلكون عقلا نقديا ولا عقلا يربط النتائج بالاسباب، غير الخوف من ترك ميراث الاجداد والرجوع عن المقدس. ان المظاهرات العارمة التي اجتاحت المدن العربية، واحراق اعلام امريكا واسرائيل، يعرف القاصي والداني انها لم تخرج عفوية، ولا تعبر عن مشاعر ورأي مجتمع مدني حر، يمكن ان يفرض او يؤثر في قرارات السلطة شيئا، انها، اي المظاهرات رسالة غبية من السلطات العربية الى من يهمه الامر، مفادها ان لم تتركونا نحكم كما نشاء، فأن، الاتي سيكون هؤلاء، اي الذين يحرقون اعلامكم ويسبونكم، انها رسالة غبية كما قلنا، وكأن العالم لا يدري ما يحدث في دنيا العرب، من تغييب لأية ارادة حرة او لأي رأي مخالف. فالحرية والرأي الحر يرتبطان بقاعدة تحتية ايضا، لا يمكن ان تتواجد دون ان تكون هذه القاعدة متوفرة، من دولة القانون الى وجود طبقة وسطى واسعة القاعدة، الى تواجد مؤسسات المجتمع المدني الفعالة، اي ليس التي تتبع الحزب القائد، وقائد الضرورة.
وما نجده في الفضائيات العربية، ليس ببعيد عن هذه الرسالة، مع اعطاء مجال للتنفيس عن المشاعر المكبوتة، بقدر اكبر، فلا بأس بنقد الحكومات العربية لعجزها، ولكن بالعموم وبلا تحديد.
ومن يعنهيم الامر، لديهم اجندتهم الخاصة والمعلنة، انها فتح الحدود، ليس لتصدير النفط، واستيراد منتجات الحديد، بل للتواصل الحضاري وتبادل الافكار وحماية كرامة الانسان، قد تؤجل، ولكن بعد ان دانت روسيا ومشت في المسيرة فرنسا التي كانت تتناطح من اجل الحفاظ على الثقافة الفرنسية ضد العولمة، وبدأت الصين والهند في فتح خطوط الاتصال مع منظمة التجارة الدولية، وفتح الاسواق، امام السلع والافكار، وارتضت المحافظة على الملكية الفكرية، بعد ان كانت اشد معاريضها، فالى متى الصدود عن تطبيق العهود الموقعة، فاذا كنتم تعتقدون ان العالم قد يتناسى فانه يمهل ولا يهمل، ولن يفيد دعم الارهاب بحجة حماية الهوية، انها مأساة انسانية، واليست كذلك، عندما تقول منظمة هيومان رايت ووتش، ان افضل سجل ديمقراطي في الدول الاسلامية هو في (مالي) هذا البلد الصحراوي، الذي لا يمتلك الا النذر اليسير من الموارد، والذي يعتمد على المساعدات الدولية في تمشية اموره.
انها مأساة ان تستمر قضية فلسطين اكثر من نصف قرن، نتيجة تعنت العرب وعدم محاولتهم قرأة الوضع الدولي على حقيقته، انه نصف قرن من ضياع البناء، وضياع اي تقدم في مجال حقوق الانسان، بحجة التفرغ للمعركة، ولا صوت يعلى على صوت المعركة، انه نصف قرن من عدم القبول باي حل، وكل حل قبله العرب كان الزمن قد تجاوزه، اي انهم جاؤوا متأخرين دوما، بعد ان فرضت حقائق جديدة نفسها على الواقع، فهذا ما حدث عام 1948، 1955 ، مبادرة جونسون 1965، مبادرة بورقيبة 1965 ، قرار مجلس الامن 242عام 1967 وهلم جر.
ان سبب كل هذه المأسي هو فقدان هذه الانظمة لاي شرعية شعبية، فتعلقت بشرعية استمدتها من المخاوف التي بثتها في شعوبها، فمرة ان الامة مهددة، واخرى الدين مهدد، ولم يذكر مرة ان الانسان كقيمة مهدد، انها شرعية استمدت مشروعيتها، من صرخة (وا معتصماه) او اخلاقية الفرسان التي كتب عنها الكاتب الفرنسي الكسندر دوما الاب، في زمن لا يمكن فعل ذلك وعرب فلسطين ينادون وا معتصماه، فماذا تلقوا؟ المزيد من الضياع والضحايا والتشررد، لكي يبقى رؤوساء العرب يتاجرون بالقضية، ويظلون يؤجلون التغييرات الديمقراطية، ويحكمون شعوبهم بالحديد والنار، ولا يعرفون شعوبهم الا بعد ان تهتز من تحتهم العروش، فيلجاؤون الى اثارة احط غرائز الانتقام والتشبث بالماضي، والترهيب من الاخر وثقافته وسوء نيته ومؤامراته. اما شارون فلا يزال يسمع في بلده، وهو يتمتع بنسبة تأييد تقارب 70% من يقول له، بالفم الملآن انك قاتل شرير، لا تملك برنامج سياسي، تريد تدمير اسرائيل، دون ان يطال القائل البطش والسجن او حتى تهديد، انهم يصنعون السياسة في الجامعات، واحزاب لها لجان مختصة بكل قضية، وعبر حوار طويل ودائم، وحكامنا يصنعونها في الشوارع، وهذا عندما نحتاجها، وهو النادر، لانهم يؤمنون ان العصا لمن عصى، وليتني اعرف ما يدور في غرف اللقاءات بين زعمائنا وزعماء العالم، وكل انتفاضة وشعب فلسطين بخير.
11 ايار 2004
عرفات محير العالم
لا يزال السيد عرفات، برغم مرضه يتربع على كل العروش الفلسطينية، من فتح ومنظمة التحرير الفلسطينية الى رئاسة السلطة، الكثيرين يقولون فيه شاغل العالم، اما انا فاقول محير العالم، شخص الفرص الضائعة، شخص لم يفكر في مصلحة الفلسطينيين بقدر تفكيره، بتنفيس احقاده، على من كرههم. السيد عرفات المتربي في احضان الاخوان المسلمين، والذي حاول ان يساير المد اليساري والقومي العروبي، ترأس منظمة التحرير الفلسطينية بعد ابعاد الشقيري، وكانت فاتحة لبروزه معركة الكرامة التي طبل وزمر لها الاعلام العروبي، حيث تم نفخ السيد عرفات الى درجة انه صار يقيس نفسه على وزن الملوك والرؤوساء، وبدلا من استغلال ذلك لخدمة قضيته الوطنية، حاول مع بعض المنظمات الاخرى وبدفع من القوميين اليساريين الطفوليين، اسقاط الملك حسين حاضن القضية الفلسطينية وحامي اكثرية اللاجئيين الفلسطينيين، ولكنه لم يدر انه يناطح صخرة شماء، يصبر ولكنه عندما يقول يفعل، فقال كلمته، لا للممارسات الصبيانية لعرفات ورجاله، ان للاردن ملك واحد وحكومة واحدة، واخرج عرفات الى حضن الاخ الاضعف عروبيا، الى لبنان، لقد تم رمي حمل القضية الفلسطينية على اللبنانيين، اكثر البلدان العربية دفاعا عن القضية، ولكن بدون جعجة
وصياح الاذاعات العروبية، وبدلا من ان يتعلم عرفات من التجربة الاردنية، استغل ضعف السلطة اللبنانية، وحاول اعادة فرض نفوذه على الشارع اللبناني، مستغلا انقسام اللبنانيين الى طوائف متعددة، وعندما حاولت الدولة وقفه عند حده، وجد المساندة وبكل اسف من اليساريين والطوائف المسلمة، وكانت الحرب اللبنانية، التي ما افادت الفلسطينيين ودمرت لبنان، كان عرفات يقول ان تحرير القدس يمر بجونية، فخسر جونية ولم يربح القدس.
عرفات العروبي الاسلامي، اتته اغلب الضربات واقواها له ولانصاره ولشعبه، من العروبيين والاسلامويين، ففي كل حروبهم مع اسرائيل، لم يفقد الفلسطينيين قتلى بقدر ما فقدوه، بقتالهم مع الاخوة الاعداء، من الاردن مروا بالحرب اللبنانية وتبدلاتها، وحرب المخيمات وحرب طرابلس وحصار المخيمات من قبل امل الشيعية التي اضطرت الفلسطينيين لاكل الجيفة.
السيد عرفات الذي حاول بعد يأس من الكفاح المسلح، ان يضمن لنفسه موقعا في التاريخ، من خلال اتفاقية اوسلو. الا ان الطبع تغلب فيه على التطبع، فحاول ان يلعب الدورين، دور المفاوض، ودور المقاتل، ان يقاتل اسرائيل من خلال منظمات مثل حماس والجهاد، ناسيا انه يتكلم بأسم منظمة، تعتبر في نظر العالم ممثلة للشعب الفلسطيني، فالتمثيل لا يكون في القتال والكلام، ولكن في ضبط الوضع، وتأكيد سيادة القانون، اي ان تكون هنالك جهة وحيدة لتنفيذ القانون، اي ان لا يعلن انه يريد السلام ويترك انصار الجهاد والحماس يتحركون بحرية تامة، لتنفيذ مأربهم في زرع القتل في كل مكان.
السيد عرفات حاول ان يلعب مع اسرئيل التي لا تعرف اللعب مع امنها، فهي اساسا قائمة كملاذ امن لشعب ذاق القتل والحرق بسبب هويته، ان يلعب مع دولة للقانون فيها كلمته، ان يكون بوجوه متعددة، مع دولة تقول له بكل صراحة واحيانا وقاحة ما تنتظر منه.
السيد عرفات من اجل ان يكون اسمه مترددا في الاعلام، كبطل للعروبيين والاسلامويين، لا زال منذ ايلول 2000 يقدم الضحايا من قبل الشعب الفلسطيني لهذه الغاية، ودمر الاقتصاد الفلسطيني، وسيقبل هو ان كتب له النجاة، او خلفائه بأقل مما عرض عليه حينذاك، او اللقاء الأخير مع السيد كلنتون في طابا.
السيد عرفات رجل السلام، ام رجل القتال، رجل المفاوضات السلمية ام رجل المؤامرات الخفية، الرجل الذاهب الى حتفه ام الرجل المتعافي، انه عرفات المحير للعالم، فلا نعرف له كلمة او موقف او قرار.
فوبيا الاصلاح
عندما توفي غير المأسوف علية كيم ايل سينغ، دكتاتور كوريا الشمالية والذي قطع صلته بالعالم، بكَّته جماهير غفيرة بحرقة يحسده عليها مارتن لوثر كنغ وغيره من الشخصيات التي عملت من اجل الانسان وحريته. فكيف تستقيم هذه المعادلة، ان يبكي شعب نيرونه ودكتاتوره وظالمه، ان المسألة ببساطة، ان السيد كيم ايل سنغ استمر في الحكم لاكثر من خمسين عاما، وكان شخصا معمرا على حساب الشعب، الذي لانعتقد ان معدل عمره تجاوز الستين، ولذا فاغلب الكوريين الشماليين لم يتعرفوا على حاكم سواه، وفي ظل ثقافة موجهة والاعلام الاحادي وقمع بشع، فان الكوريين صدقوا ما كان يقوله لهم هذا الاعلام من ان كل الخيرات (برغم من ندرتها) هي من هبات القائد الفذ، فعندما بكوه بكوا الاب الذي كان يفكر عنهم والذي كان يطعمهم، ولم يبكوه قائدا، انهم شعروا انهم تيتموا من بعده فقد مات الاب، وانهم متجهون الى المجهول فمن سيطعمهم ويحميهم من عاديات الزمن وخصوصا من الاعداء الامبرياليين الاشرار وعملاءهم الكوريين الجنوبيين الشياطين. المهم ان ما خطر في ذهنهم ان عالما تعودوا عليه قد تهدم وزال وانهم مقبلون على المجهول.
علة هذه المقدمة هو هذا الخوف والهلع الذي يشيع في منطقة الشرق الاوسط من كل جديد، هذا الخوف من التغيير، علما ان التغيير والتطوير هما من سنن الحياة السوية، هذا الخوف الذي يمنح الجرأة للبعض للتصريح بمعارضتهم للاصلاح، معنونيه بالاصلاح الامريكي، فهم لا يرتضون الاصلاح بانفسهم ولا يقبلون بالاصلاح حينما يتم مطالبتهم به، متخندقين بالدفاع عن الدين وتراث الاجداد، وبهذا الاسلوب يسحبون خلفهم الجماهير المخدوعة من استهداف الدين بالاصلاح، عاملين من هذه الجماهير ورفضهم للاصلاح دليل حكمتهم ودرايتهم باوضاع وطباع شعوبهم.
ان الجماهير صاحبة المصلحة الفعلية من الاصلاح وتغيير الاوضاع وتغيير الحكام الديناصوريين في المنطقة، يتم خداعهم واستغلال عدم درايتهم بالاوضاع الدولية وحقوق المواطنين في الدول الاخرى، لا بل يقوم الاعلام الرسمي بتشويه هذه الحقوق وتصويرها كانحلال خلقي وتخويف الناس من وصول هذا الانحلال الى الدول السعيدة بنومها الابدي كنوم اهل الكهف.
ان ثقافة الجمود والخوف والهلع التي يتم الترويج لها، لأجل محاربة الاصلاح في الشرق الاوسط، لا تقابل الا بمحاربة من قبل بعض الاعلاميين والكتاب الشرفاء المحسوبين على التيار الليبرالي وحدهم، بينما يبقى غالبية الكتاب مؤيدين للتوجه السلطوي في التعمية على الشعوب، بمحاربة او كشف عيوب الاخرين وتضخيمها لكي يقولوا لشعوبهم ها انكم اسعد حالا من الاخرين.
فالمتطيرون من الاصلاح يروجون لبقاء الاوضاع على ما هي عليه، ولهم حجج دائمة، والمثال العراقي يتم الترويج له كحقيقة مطلقة ( نقصد العمليات الارهابية)، اي ان هنالك دوائر تصنع الخبر وتضخمه وتعيد تسويقه كحقيقة، ان هذه الدوائر برغم من تعدديتها وخلافاتها الا انها تبقى عاملة من اجل بقاء الاوضاع كما هي، لانها تدرك ان اي تغيير سيزيلها من التاثير على مجريات الامور وبالتالي ليس تفقد مصالحها ان لم تفقد رؤوسها، بسبب ما اقترفته بحق شعوبها من الجرائم.
ورافضي الاصلاح والتغيير، برغم كل ضجيجهم في هذا المجال، الا ان الملاحظ، ان اي تهديد مبطن من اميركا او غيرها، يجعلهم حملان وديعة، فيروجون لما طلب منهم، ولكنهم يروجون انهم كانوا مخططين لما قاموا به، وان تزامن مطالبة
القوى العظمى واجراء الخطوات الاصلاحية ما هو الا صدفة، فهكذا رأينا في مسألة تصحيح وتعديل المناهج المدرسية برغم ان هذا التعديل ليس بالقدر الكافي، وهذا رأيناه في التنازلات التي قدمها النظام العراقي لبقاءه في الحكم، وهذا رأيناه في مسألة الانسحاب السوري من لبنان، ولا تزال ديناصورات العروبة تخرج لسانها فرحا وشماتة عندما تعتقد انها تمكنت من خداع الدول الكبرى ولم تحقق كل مطالبها في اجراء اصلاح جذري، وهنا تحذرني نكتة كنا نسمعها قبل حرب 1967 ومضمونها ان جندي عربي ألقي القبض على اسرائيلي وزوجته، فطلب الجندي من الاسرائيلي البقاء في دائرة رسمها له على الارض، واخذ الزوجة الجميلة معه، وبعد فترة أعاد الجندي وأعاد الزوجة، وعندما لامت الزوجة زوجها على الموقف المتخاذل رد الزوج قائلا، يا غبية انني في فترة غيابكم اخرجت قدمي عشرة مرات خارج الدائرة (النكتة تنطبق عكسيا).
وهكذا حكامنا بعدم اجراء الاصلاح وكأنهم يعتقدون انهم يثيرون غيض الغرب، لا بل ان بعض الحكام لم يخجل من الاعلان انه لا اصلاح مادام شارون لم ينسحب من الضفة الغربية، وموت يا حمار لما يجيك الربيع ( والحمار هو شعوب المنطقة والربيع الاصلاح).
15 نيسان 2005 ايلاف
خنجر اسرائيل
خنجر اسرائيل، عنوان لكتاب اصدره عام 1957 الكاتب الهندي ر.ك. كرانجيا، واعيد نشره قبل سنوات مرة اخرى. يزعم مؤلف الكتاب وجود خطة اسرائيلية لتقسيم العراق الى عدة دول. وشخصيا قرأت في مقابلة مع وزير خارجية النظام البعثي حينها السيد طارق عزيز مع مجلة اليقضة الكويتية، انه قال مبررا الحرب ضد ايران ان هناك مخطط لتقسيم العراق الى دولة شيعية وسنية وكوردية واثورية (اشورية). وطبعا لو عملنا بحث حول المؤامرات المزعومة او لنقل الحقيقية لتقسيم العراق وسوريا والمنطقة كلها، سنجد الالاف من المقالات التي تدعي وجود مخطط بريطاني قديم، او امريكي، او صهيوني او مشترك، لتحقيق التقسيم، واغلب هذه المخططات يتم تنفيذها لحماية اسرائيل، حسب الادعاء طبعا. وهذه المخططات مكشوفة للجميع بدليل ان حولها كتب وابحاث ومقالات صحفية.
عندما تعلن الدولة س او عدد من الدول معاداتها للدولة ص، فان ص وبغض النظر عن الشرعية او اي امر اخر، بل من باب الشعور بالمسؤولية والواجب، تتخذ احتياطياتها المختلفة. كان تشتري او تنتج الاسلحة اللازمة للتصدي لهذا العداء المعلن. او ان تعمل جاهدة لتكون جزء من حلف اقتصادي سياسي عسكري يحميها من مغبات الاعتداء من قبل الاعداء المعلنين. او ان تعمل من اجل جمع معلومات استخباراتية وسرية حول وضع س او الدول المعادية، يمكن بواسطتها تغيير المعادلة في هذه الدول، او العمل من اجل خلخلة الوضع فيها بحيث لا تستطيع القيام باي شئ ضد ص. هذه وغيرها من الخطوات من بديهيات العمل السياسي المسؤول، وباعتقادي ان الجميع يعرفه. ولكن علام صراخ الدول العربية عن مؤامرات صهيونية لعرقلة التنمية والتقدم، وعرقلة الوحدة العربية والاسلامية، واذ هم يدركون انهم مستهدفون من الدولة الصهيونية بدليل اعلانهم العداء المطلق لها. دون القيام باي عمل يمكن ان يشم منه وقف مؤامرات الصهيونية العالمية.
اليوم تنتشر الدعايات والاجتهادات التي تقول ان العراق وسورية ومصر والعربية السعودية وليبيا ستنقسم، مرة يعزون الامر الى الصهيونية او الى برنارد لويس او الى جون بايدن نائب الرئيس الامريكي اوباما وهلم جر من سلسلة المتهمين بهذه الجريمة الكبرى!!! ولتحقيق غاياتهم الاجرايمة يقومون ((المخططون)) باشعال نيران الفتن الطائفية والصراعات القومية. ومن هنا فان الكثير من المحللين السياسين العرب او المفكرون القوميون والاسلاميون، يشيرون الى الحركات المطالبة بالمساواة والعدل والانصاف بان هذه الحركات تريد تنفيذ المخططات الصهيونية. وعلى سبيل المثال المقاومة اللبنانية التي اندلعت ضد تصرفات وتجاوزات منظمة التحرير الفلسطينية والتي قادها حينها حزبا الكتائب والاحرار، نظر اليها على انها حركات ترمي لفصل لبنان عن جسده العربي والمحيط الاسلامي. لان من قاد هذه المعارضة كان يرمي الى وضع الامورفي نصابها والاحتكام الى قانون الدولة اللبنانية والاهم انه كان مسيحيا. بدليل انه لم ينظر الى ما قام به الملك حسين في شهر ايلول عام 1970 من القضاء وطرد كل التنظيمات الفلسطينية من الاردن مع ما رافق ذلك من قتل وسجن الكثير منهم، كتحرك معادي للوجود العربي الاسلامي، بل خلاف سياسي قابل للحل. ويمكن ادراج امثلة اخرى فحصار المخيمات وما رافق ذلك من قتل وتجويع الفلسطينيين من قبل منظمة امل الشيعية الاسلامية، وما رافق حصار حافظ الاسد للمخيمات الفلسطينية والمجازر التي اقترفت حينها لم يتم مماثلتها مع ما تم اقترافه في مخيمي صبرا وشاتيلا والذي اتهمت به القوات اللبنانية مع اعتبار ان النتائج كانت واحدة وهي القضاء على اناس اغلبهم ابرياء لا ذنب لهم.لا بل كانت حدود الدول العربية ذات التوجهات القومية والمتاجرة بالقضية الفلسطينية مثل مصر وسوريا والاردن حدود امنة لاسرائيل على رغم غنى وقوة جيوش والعدد الكبير لسكان هذه الدول قياسا الى لبنان، الا ان الاستقواء كان على لبنان لانه كان دولة متعددة في تكوينها وكان يراعي هذا التعدد حتى في سياسيته الداخلية والخارجية، والاهم انه كدولة رسميا لم يتاجر بالشعارات القومية، وان كانت خدمات البلد للشعوب في الدول الشرق اوسطية اكبر من اي دولة اخرى.
في الوقت الذي يمكن ملاحظة وبوضوح تام التعامل المزدوج في الفعل ذاته كما اوضحت اعلاه، وحسب دين او احيانا قومية او مذهبية الفاعل. فان الصراخ يعم ما يسمى العالم العربي بالتعامل المزدوج من قبل الاخرين؟ ففي الوقت الذي تم وصم لبنان بانه بلد الطوائف وليس وطنا لكل ابناءه وقد يكون في ذلك بعض الحقيقة، من حيث ان الطوائف القوية تستحوذ على اغلب المناصب والمصالح في البلد، وهو امر معلن وهناك اتفاق وطني عليه. في ذلك الوقت كانت اغلب الدول العربية تتغني بانها دول لكل ابناء الشعب وانها ترمي لتحقيق الطموحات القومية للامة العربية وبعضها كان يرمي لتحقيق عوة الاسلام،ولكنها في حقيقة الامر كانت دول طائفية بامتياز ولكن بشعارات قومية او دينية. ليس اليوم بل منذ ان بدات مرحلة الثورات والانقلابات. ففي الوقت الذي تمكنت وبقرار فوقية من سلخ اعداد من مواطنيها لكونهم يهود، فانها تدريجيا همشت ابناء الاديان والمكونات القليلة العدل من المشاركة في القرار الوطني، ويلاحظ انه بعد مرحلة الانقلابات تم تهميش المسيحيين في العراق وسورية ومصر، كما م تهميش الكورد في العراق وسوريا.
وكما اشرت فان اي مطالب ذات نبرة قومية او دينية اعتبر من قبل هذه الدول عاملا لاضعاف الدولة ووحدتها وتوجهها العروبي، والاهم عاملا في اضعافها تجاه القضية العربية المركزية. وفي ظل مثل هذه المفاهيم الشمولية والتي ارادت صهر الناس بالقوة في اطار قومي واحد، وارتقى لاحقا في العراق وسوريا الى حزبي وحيد. تعمقت مشاكل المكونات الاخرى في هذه الدول، وازدات المعاناة اليومية، فمن تسفير مئات الالاف من الشيعة العرب والكورد ومن الاشوريين والارمن في العراق في بداية السبعينيات من القرن الماضي، بحجة اصولهم الايرانية، الى فرض العروبة بشكل قانوني في العراق وسوريا على البلد ككل، بحجة انها قومية الاكثرية. وفي العراق واثناء تاميم النفط تم بشتى الطرق تعريب شركة النفط العراقية IPC، ليس اداريا، بل من خلال دفع الموظفين الغير العرب لتقديم استقالاتهم مقابل بدل نقدي بسيط. وتم تبعيث الجيش والاجهزة الامنية وحتى الكثير من الكليات كالتربية والتعليم والكلية العسكرية. ويمكن على هذا المنوال عد الكثير من الممارسات التي اقترفت بحق المكونات الاخرى مثل الانفال وتدمير الالاف من القرى الكودرية والاشورية وحصر سكانها في مجمعات خاضعة للرقابة والاذلال اليومي. ان ما تمارسه منظمة مثل داعش اليوم مورس قبلا ولكن في ظل تكتكم اعلامي وصمت دولي تام.
اي ان هذه الدول وبدلا من احباط المؤامرات المزعومة من قبل الصهيونية، من خلال منح الحريات والاقرار بالحقوق القومية والمساواة بين الافراد بغض النظر عن الدين والقومية واللغة. رسخت وجعلت من مطالب المكونات المختلفة محقة اكثر، ودفعتهم للالتجاء لكل الطرق لحماية الذات المستلبة.انه بالحقيقة ليس خنجر احد، انه خنجر الانظمة التي ابتلت بها المنطقة، انه خنجر دقع الامور وبالقوة في اتجاه معين وقسر الناس عليه دون رغبتهم. ان ما يحدث للمنطقة هو نتاج الشعارات العروبية والاسلاموية ليس اكثر، انه الخنجر الذاتي والذي ضرب بعمق في خاصرة الاوطان التي يدعون الدفاع عنها.
22 اذار 2015 ايلاف
وثيقة هنري كامبل بانرمان… والخداع الذاتي
هنري كامبل-بنرمان Sir H.Compbell Bannerman ،هو رئيس الوزراء البريطاني من حزب الاحرار للاعوام 1905-1908، قدم استقالته من منصبه بسبب المرض، وهو اول من لقب برئيس الوزراء.
كنت اقلب قنوات التلفاز، واذا بقناة كوردية تنقل مؤتمرا بالعربية عن النكبة (ذكرى تقسيم فلسطين) وشخص فلسطيني يحاضر عن مؤتمر عقد عام 1907، ومصادفة بعدها بيوم اطلعت على فديو لشخص خليجي وهو يتحدث عن مؤتمر كامبل بانرمان المنعقد حسب زعمهم عام1907 ويقول مرات عدة لا تنسوا عام 1907. الفلم شوهد منذ نهاية نيسان الماضي اكثر من سبعمائة وخمسون الف مرة، وتم مشاركته اكثر من تسعة واربعون الف مشاركة وهناك عليه وفي مختلف المشاركات مئات الالاف من التعليقات التي تؤيد وتؤكد على مضمون الفلم.
وبدأت عملية البحث فوجدت امور كثيرة ومنها ان السير هنري كامبل بانرمان حسب المنشور دعا سبع دول اوربية ليس من بينها المانيا وهي ايطاليا وفرنسا والبرتغال واسبانيا وبلجيكا وهولندا بالاضافة الى بريطانيا الى مؤتمر مهم. وقد اطلع السيد كامبل بانرمان المؤتمرين بان الحضارة الغربية في طريقها الى الانحدار! فهل يرضيهم ذلك، وابدى الجميع عدم رضاهم، وهنا طرح عليهم ان المنطقة التي ستقود الحضارة هي المنطقة الممتدة من الخليج الفارسي الى المحيط الاطلسي، حسب دراسات جامعات اوربية عديدة، لانها تضم شعب يتكلم لغة واحدة يعتنقون دينا واحد بغالبيتهم، وان كانوا اليوم فقراء يتقاتلون على قطرة ماء. ولذا فقد اقترح عليهم مجموعة من خطوات لوقف اي تقدم لهذه المنطقة ولتبقى قيادة الحضارة العالمية بيد الدول ذات التراث المسيحي. ومنها الحد من تزويد المنطقة بالعلوم والعمل على بقائها متاخرة ومنقسمة وتتصارع على خلافات حدودية والاهم اقامة حاجز بين شقها الافريقي والاسيوي لكي لا يمكنها ان تتوحد، وان يكون هذا الحاجز مرتبطا بالغرب محتاجا له بشكل دائم ويكون بؤرة لخلق المشاكل الدائمة للمنطقة.
في عام 1907 كانت الدولة العثمانية لا تزال قائمة، وكانت هنالك على الاقل اربعة دول في المنطقة قائمة ولها قياداتها وان كانت متحالفة او واقعة تحت سلطة الانتداب، وهي المغرب وتونس ومصر وسلطنة عمان. اي واقعيا كانت المنطقة منقسمة لا بل ان التاريخ لا يذكر ان المنطقة كانت موحدة تحت ظل دولة واحدة، فحتى في عز الدولة الاموية وبدايات الدولة العباسية، كان الولاة المعينون يتمتعون باستقلالية واسعة جدا ولم تستمر هذه المرحلة طويلا، فنشأت دويلات مستقلة عن المركز في بغداد. قامت الامبراطورية العثمانية بالاستيلاء على غالبية مناطق البقعة. ووحدتها ولكنها وحدتها ايضا مع مناطق في شرق اوربا وتركيا الحالية. اي ان وحدتها في المرحلة العثمانية لم تكن دليل على ان المنطقة موحدة في ظل حاكم شرعي من ابناء المنطقة ويعبر عن تطلعاتها. ومن هنا فان اتهام الاستعمار بمحاولة تقسيم المنطقة لتحقيق مصالحه الخاصة، مسألة تقع في مجال خداع الذات اكثر مما هي حقيقة. رغم ان كل طرف يعمل من اجل تحقيق مصالحه لانه مدفوع غريزيا بذلك، الا بعض المثقفين العرب ممن يدعون العمل لمصلحة البشرية من خلال زرع كراهية الاخر والانتقاص منه. الامر الذي يخفيه البعض ممن يروجون لمقولة الوطن العربي والامة العربية، هو ان في هذه المنطقة شعوب قبل العرب وهذه البلدان والمناطق تعود لها تاريخيا والعرب ما هم الا مستعمرين في الغالب ولكن مستعمر عمل بكل جهد على اجراء تغييرات في عقيدة وانتماء وثقافة المجتمع الاصلي.ففي شمال افريقيا المنطقة كانت مكتضة بالامازيغ وفي الشرق من العراق وسوريا ولبنان هناك الاشوريون. وعلى سبيل المثال يقال ان الخليفة العباسي المامؤن حينما كان يتجول حول بغداد كان يصطحب مترجما لكي يترجم له من السريانية او النبطية الى العربية. لان المنطقة كانت مسكونة باهلها. في حين ان الاستعمار الحديث لم يحاول ان يغيير في عقيدة الناس باي وسيلة الا التبشير وهو متاح لديهم ايضا، ولم يحاول ان يبيد الناس ممن عارضوه، بل تفاوض معهم واقر بمطالبهم سريعا.
من جملة ما ينسب الى التقرير انه اقر بضرورة الحد من تزويد المنطقة بالمعارف والمعلومات والعلوم لكي لا تتطور، ولكي لا تكون البديل للحضارة الغربية. في هذا القول مغالطات عديدة، فبزعم الكثيرين ان مصدر العلوم والاكتشافات والاختراعات هو القران وبعضهم يضيف نهج البلاغة، فان مصدر العلوم هو العرب ولكن الغرب تمكن من ان يستلها من هذه الكتب، اي بمعنى ان الغرب فهم الاسلام افضل من ابناءه. والمغالطة الاخرى ان الدراسة والتعلم في الغرب مفتوحة وتمنح للجميع، بدليل ان هذه المعرفة تمكن البعض ان ياخذها ويطورها وينافس الغرب فيها وفي ما نتج عنها من اختراعات واكتشافات.
والتركيز على زرع جسم في الجسد العربي لكي لا يتوحد، كذبة اخرى تشهد الاحداث التي تمر بالمنطقة، فخلال ما يقارب القرن لم تتمكن الدول القائمة بعد رحيل الاستعمار من توحيد شعبها، بل كل ما فعلته هو زرع المزيد من الاحقاد والانقسامات بين مكونات الشعب الواحد، وخلال كل هذه الفترة لم تتمكن دولتان مجاورتان من التوحد، مثل سوريا والعراق، او مصر وليبيا او غيرها، فهل منعتهم من ذلك اسرائيل ايضا؟
من الواضح ان مثل هذه المخططات والوثائق التي يتم الادعاء بها هي اكاذيب يختلقها البعض وخصوصا القوميون والاسلاميون لكي يبرروا تخلفهم، ويبرروا حقدهم على الاخر. فرغم الابحاث والجهد التي بذلها مفكر قومي معروف كانيس صايغ، فانه لم يقع على مؤتمر او وثيقة خارجة عنه بهذا المضمون.
فقط اريد من القراء الكرام تخيل احوال المنطقة قبل قدوم الاستعمار، ولنتسائل كم كلية او جامعة كانت قائمة في المنطقة الممتدة من المغرب الى الخليج، الم تكن هناك فقط الجامعات والكليات التي كانت تدار من قبل الدول المستعمرة او التي ارادت نشر نور العلم في المنطقة؟ كم كان طول الطرق المرصوفة والسكك الحديد الممدودة في هذا البقعة، كم عدد الاسرة والمستشفيات القائمة؟ كيف كان يدار القضاء وكيف كان يولي الحكم في الكثير من ولايات العثمانية؟ وليقارنوا ذلك فقط بعد ثلاثين سنة من قدوم الاستعمار، اي ليقارنوا الحال بحال المنطقة في الثلاثينيات من القرن الماضي. فانهم سيجدون البدء بتعبيد طرق المواصلات واستخراج الثروات التي لم يكن يعرف بها اهلها ولا بفوائدها، وتعدد المستشفيات والكليات والجامعات وانتشار التعليم، وبدا خروج النساء الى الحياة العامة، وبدء ترسيخ قيم وقوانين تقود الدولة وتنصف الافراد وهذا كله بفضل هذا الاستعمار، ونحن هنا لا ننكر انه عمل لاجل مصالحه، ولكنها كانت مصلحة مشتركة، وبدليل ان الدول بعد ان تحررت حسب زعمها من الاستعمار وتمكنت من امتلاك القرار المستقل، الشئ الذي عملته هو تدمير كل البنى التحيتة وبنية وحدة الشعب وتدمير الثروة الوطنية من خلال التسلح، السلاح الذي تم استعماله ضد ابناء البلد ممن تجراء ونادى وطالب بحقوقه كانسان وكمكون.
السؤال الذي يتبادر الى الذهن دائما، لماذا انساق الناس والشعوب والحكام الى هذه المخططات وهم يعلمون بها اذا؟ الجواب بالتاكيد سيكون انه ليس هناك مخطط واحد، الا في خيال الناس التي لم تجد اي سبب لتخلفها الا خلق عدو مختلق يعمل ليل نهار ضدهم، اما بسبب دينهم او قوميتهم او ثروتهم او عقولهم الفذة.
27 أيار 2015 ايلاف
التباكي على عروبة العراق
اعاد وزير خارجية الاردن، التأكيد على التصريحات النارية لجلالة ملك الاردن الملك عبدالله الثاني، في وجود مخطط ايراني لاقامة مثلث شيعي يضم ايران وسورية ولبنان بالاضافة الى العراق.
ان تخطط ايران لمثل هذا الامر، فليس بالامر المستبعد، ولكن ان يتم اتهام شيعة العراق او غالبية شيعة العراق بالدخول في هذا المخطط، وهذا ما يستشف من تصريحات المسؤولين الاردنيين، فنعتقد انه مبالغة ومخاوف في غير محلها، وذلك لان شيعة العراق توحدهم شيعيتهم وعراقيتهم، ولكن تقسمهم ميولوهم السياسية التي تمتد ما بين اقصى اليسار الى اقصى اليمين مرورا بالوسط اليبرالي. فكل هذه التلاوين السياسية لا يمكن ان تدخل ضمن المخطط المزعوم. الا اذا يراد من خلال هذه التصريحات التي يستشف منها الرائحة الطائفية، هو دفع الشيعة الى الاختيار بين الاستسلام للارهابيين الطائفيين، او الارتماء في احضان ايران التي احتضنت الكثير من قياداتهم عندما تعرضوا للابادة، عندما تناسى العربيون عروبة الشيعة، وكان العروبة ممثلة في سنة العراق.
نود ان نقول لجلالة الملك ووزير خارجيته، لو كنتم حقا تخافون على العراق والعراقيين. لعملتم على ضبط الارهابيين الطائفيين الذين يبيعونكم شعارات بالية، انتم اول من عان منها. يجب ان تدرك ايران وسورية والاردن وكل دول الجوار، ان هنالك عراق في طور تأسيس، يحاول ابنائه ان يكون عراق العراقيين، بكل تلاوينهم وميولهم، فواجب هذه الدول مساعدة العراق، وليس اشعال المزيد من النيران فيه.
ان مصالح هذه الدول في العراق لن تحفظ الا عندما يقفون مع العراقيين المتطلعين الى بناء دولة عصرية تقدم لهم مختلف الخدمات التي هم بأمس الحاجة اليها.
ان للعراقيين أولياتهم، وهذه الأوليات لا تتنافي أو تتناقض مع مصالح دول الجوار، الا اذا كانت دول الجوار تهتم بتصدير ايدويولوجيات عفى عليها الزمن وثبت فشلها الضريع بدلا من بناء دول ديمقراطية وتوفير المستلزمات الضرورية لرفاه مواطنيها.
ان سلخ العراق من محيطه سيكون نتيجة للسياسات التي اتبعها ويتبعهاهذا المحيط تجاهه، هذه السياسية المبنية بشكل قصدي على تفضيل طائفة دينينة معينة، واتخاذ موقف مسبق من طائفة اخرى رغم انها الاكثرية.
ان العراق الذي نريده ويريده غالبية ابناءه هو العراق الذي لا تحدد الايديولوجيا مصالحه، بل التنمية والتطور وتراكم ثروات ابناءه.
ان مثل هذه التصريحات تخلق فجوة واسعة بين العراقيين ودول الجوار من الصعب ردمها، فالتواصل هو طريق ذو اتجاهين، ليس المطلوب من العراقيين اثبات حسن جوارهم، بل المطلوب من الجوار اثبات حسن نياتهم، لانهم طول فترة معاناة العراقيين وقفوا متفرجين، وشامتين ومستفادين من هذه المعاناة، ان العراق سينسلخ من المحيط العربي، اذا كان هذا المحيط يعني مساندة عودة الدكتاتورية، ويعني ان تكون غالبية العراقيين مواطنين من الدرجة الثانية. لقد حان الوقت الذي يجب على المحيط العربي ان يعيد حساباته، ويقف الى جانب الشعب العراقي في تطلعاته لبناء الوطن وازالة الغبن والمساواة والسلام مع الذات والمحيط.
24 كانون الاول 2004
بضاعتكم تعود اليكم
اللهم لا شماتة، فنحن نكن للاردنيين كل التقدير والمحبة، وبالاخص للعائلة المالكة. الا اننا نقول لمن احتفل واقام الولائم بموت ابنائهم جراء العمليات الارهابية التي قاموا بها والتي اودت بمئات لا بل الالاف من العراقيين الابرياء، هل ستحتفلون بهذه العمليات ايضا؟
ما راي الاخوة الاردنيين لوخرج العراقيون وصحفهم توصف ما جرى في عمان ليلة امس بانه من عمل المقاومة الاسلامية البطلة أو صولة جهادية، ما رايكم لو سمي في الاعلام العراقي بأنهم شهداء، الن يؤلمكم كل ذلك، الن يكون حقا امرا مقرفا وخارج كل اطر وقيم الانسانية؟
وهكذا رد انصار ابو مصعب الزرقاوي، ونفذوا تهديدهم بتصعيد المقاومة وحرق الارض تحت اقدام الامريكيين بالضرب في عمان. اليست العائلة المالكة حليفة اسرائيل واميركا، اذ يحق لهم ضرب عمان واهل عمان، لانهم ينصاعون لقيادتهم السياسية ولا يقومون بتغييرها بقيادة اسلامية تعلن الثورة على العالم، وهكذا فعمان هي فيلادلفيا اذا يحق الضرب والتدمير فيها وقتل سكانها لانهم يسمحون للامريكان والاسرائيلين بالاقامة في فنادقها، لانهم يتشبهون باهل الكفر ويقيمون حفلات الزفاف في فنادقها بحضور الراقصات والفرق الموسيقية المحرمة شرعا، اليس هذا هو منطق ابو مصعب الزرقاوي؟، انه زرقاوي وليس مصلاوي ولا بصراوي.
بالأمس تم اقتراف جريمة في عمان تنضاف الى جرائم الاسلامويين، ونحن نستنكرها لا بل ندينها ونعتبرها جريمة من ابشع الجرائم، يجب ان يعاقب مقترفها وفكر وعقيدة مقترفهالان هذه العقيدة ادت الى تبرير وتسهيل اقتراف هذه الجرائم. وسؤالنا ألم يحن الوقت لكي يخرج الاردنيون شيبهم وشبابهم رجالهم ونسائهم لا لأستنكار الجريمة فقط بل لاستنكار والمطالبة بتحريم مثل هذه العقائد التي تسترخص دماء البشر. اي ان كان هذا الانسان من بني البشر، اي ان كان دينه ولونه وجنسه، ان يخرج الاردنيون ليستنكروا ويدينوا كل من يبرر هذه الجرائم بايات من القران او بالصهيونية والامبريالية، فالقتل هو القتل وهو عمل همجي غير انساني ويخالف شرع الله والطبيعة، فاذا كنا نؤمن بان الله هو من خلق الانسان، كيف نمنح حق قتله للانسان، واذا كنا نؤمن ان الطبيعة بتطورها انجبت الانسان فلنترك للطبيعة لكي تأخذ مجراها.
هل يمكن للاردنيين، جيراننا الاقربين ان يحسوا بمعاناة وبالألم الذي يعصر العراقيين، ليس لقتل ابنائهم من قبل من يسمونهم مقاومة بل من تبريركم لهذه العلمليات بانها استشهادية، انها ضد المحتل، هذا المحتل الذي قبلنا به اغلبنا كمساعدة دولية لنا للتخلص من طاغية مجرم، هذا الذي تسمونه محتل له قواعد واتفاقيات مع اغلبكم ويقدم للكثير منكم المساعدات، هذا المحتل الذي يتعامل مع حكومة اقل ما يقال فيها انها تعبر عن الاغلبية، مهما كان رأينا فيها الا انها جأت نتيجة لتحالفات سياسية،ولم تأت بانقلاب عسكري، هذه الحكومة التي تتخذ الخطوات لكي تجري انتخابات ديمقراطية قد تزيحها من السلطة.
ايها الاخوة العرب، ان كنتم حقا اخوة، فليس من شيم الاخوة ان تفرحوا بمصاب اخيكم، بل من شيمها ان تقفوا الى جانبه وتواسوه لا ان تفتحوا الابواب لمن يقتل ابنائه.
كل يخرج في الاعلام العروبي، من يشيد بقتلة العراقيين مسمينهم بالمقاومة لا بل يقولون عنهم وبكل فخر المقاومة البطلة، هذه المقاومة التي تدمر انابيب النفط، وتدمر مولدات الكهرباء وانابيب الماء وتقتل الاطفال والنساء وتأخذ الرهائن وتطالب بالفدية من الفقراء. اما اليوم وغدا حيث سيطغى الحدث الاردني على الاعلام سيخرج من وصف ما يحدث في العراق بانه مقاومة بطلة، مدينا ما حدث في عمان، والعمل في الحالتين واحد، ولكن الضحية مختلفة، فهل تدرون لماذا؟ لان التخلف والحقد الطائفي، يجعل المطبلين لقتل العراقيين يعتقدون ان كل القتلى هم اما من الشعية او الكرد، فهذه هي ثقافة الدهماء التي تعتقد ان الشعب لا زال على دين حكامه، انها تعتقد ان صدام كان حقا يمثل العروبة والسنة، ولذا نراهم يرقصون فرحا عند اي عملية ارهابية في العراق، فالقتيل بنظرهم اما رافضي او كردي او اشوري او تركماني، ولكنه بالتأكيد ليس عربي سني.
تفجيرات تتلو الاخرى وردود الفعل تبقى هي نفسها، فتفجيرات الاردن والرياض وشرم الشيخ وطابا ودمشق تقابل بالاستنكار والادانة من الاعلام السلطوي العروبي، اما التفجيرات في العراق فتمنح شهادة المقاومة الباسلة، وليس هناك من يتقدم وبجراءة ليقول لنحرم هذا الفكر الذي ينتج ويبرر ويحث على هذه الا فعال
10 تشرين الثاني 2005
سؤال ايلاف
“هل تعتقد أن الغرب يستغل حقوق الإنسان سياسياً ضد العرب؟” اتهام لمن؟
سؤال طرحته ايلاف في استفتاءها لهذا الأسبوع، وقد يعتقد او يؤمن القارئ انه اتهام للغرب بانه يستغل حقوق الانسان لتحقيق غايات سياسية، هي ابعد ما تكون عن حقيقة ما يدعيه. وقد يكون المطلوب حقا هو هذا، ولكن لنناقش الامر، لنرى من الاستغلالي حقا.
صحيح ان الإعلان العالمي لحقوق الانسان، حديث العهد بالتشريع، قياسا لقوانين أخرى، الا ان نقد العبودبة والقهر والظلم، كان حسا إنسانيا تطور مع تطور الثقافة والعلوم وانتشار التعليم واتساع رقعة الاختلاط والتواصل الإنساني. فمنذ عصر الانوار في اوربا كان هناك نقد للدكتاتورية والمظالم وتواصلا معها كانت الحركات المعادية للعبودية وللحروب ومساعدة الجرحى والمرضى والفقراء ونشر التعليم وغيرها من الحركات التي اتخذت طابعا شعبيا، فرضت على المؤسسات العالمية اتخاذ الخطوات المناسبة لتشريع هذا الميثاق في 10 كانون الأول من عام 1948والكثير من البلدان العربية تفتخر ان احد المشاركين في وضع هذا الميثاق هو الدبلوماسي اللبناني شارل مالك. ولكن حسب علمنا ان بعض الدول العربية لم تزل بعد غير موقعه على الإعلان العالمي لحقوق الانسان، بحجة تعارضه مع الدين.
لنفترض، فرضا ان الغرب يحاول استغلال حقوق الانسان سياسيا ضد العرب، اذا لماذا نمنحة هذه الحجة، وهذه الورقة الرابحة لكي يستغلها؟ لماذا لا يكون تطبيق حقوق الانسان كاولية لدى الدول العربية، واليست غاية الدولة هي اسعاد شعبها، ام ان لها غايات أخرى غير معروفة؟
والامر الاخر، لماذا تعتقد الدول او الشعوب العربية انه يتم استغلال حقوق الانسان سياسيا ضد العرب؟ علمان ان التنبيهات من انتهاك حقوق الانسان تطال غالبية دول العالم ولكن بالطبع بمستويات مختلفة، وحسب الدول وتجاوزاتها للمعايير المتفق عليها في تطبيق حقوق الانسان. فمثلا السويد قد لا تطالها اي انتقادات ولكن الولايات المتحدة الامريكية يمكن ولكن بالتأكيد ليس بمستوى كوريا الشمالية وهكذا. ولكن فقط الدول العربية لديها حساسية خاصة تجاه اي نقد يوجه لها. وتحاول الدول العربية ومع الأسف ايضا الشعوب العربية، تأويل هذا النقد لاسباب غير صحيحة، كان يكون لاسباب دينية بدعوة تمسكها بدينها او بسبب الصهيونية ومخالبها المنتشرة في كل انحاء العالم، او لسبب خوف العالم من الاسلام، او رغبة من الدول الغربية في السيطرة على ثروات البلدان او لتقسيمها.
ان تغييب حقوق الانسان من الحياة اليومية للشعوب في الدول العربية، يتم التغاضي عنه في اكثر الحالات، من خلا امثال هذه الادعاءات الكاذبة، ولستر عورة الدول العربية يتم اللجؤ في الغالب الى التراث والاتيان بقصص لا يعرف حقيقتها من كذبها للاستدلال على ان حقوق الانسان صناعة اسلامية عربية. وان لا احد له الحق في نقد من اسس لمعيار حقوق الانسان، في طرح يجمل الذات ولو بصور مشكوك في مصداقيتها من الماضي السحيق.
في كل يوم وفي كل طرح تكاد الدول العربية تقول انها ضد العالم وضد قييم العالمية. وينطبق عليها القول يكاد المريب يقول خذوني، فهي حاولت ان تسن لنفسها تعريف خاص للارهاب خارج الاتفاق العالمي، لانقاذ بعض منظماتها حينها. ولكنها حتى في هذا لم تنجح، لانها انقلبت او اغلبها على من كانت تحاول اسثناءهم من تهمة الارهاب. وهي حاولت الاعتراض على فقرات خاصة من حقوق الانسان وحقوق المراءة وغيرها بحجة عدم اتفاقها مع تعاليم الإسلام ولذا حاولت وضع معيارها الخاص بخقوق الانسان المسلم وفي هذا أيضا لم تنجح في جعله معيارا متفقا عليه. ولعل احد اهم الفقرات التي اعترضت عليها هي حق اعتناق الدين وتغييره وممارسة شعائره. وهذا لا يمس حقوق من هو غير مسلم، بل المسلم الحالي والذي يريد تغيير دينه، لانه يجعله اسير حالة لا يرغب فيها، يجعله يشعر بان سجين في سجن مفروض عليه، ونتائج ذلك تكون وخيمة العاقبة على الفرد والمجتمع. تصوروا شخصا مضطرا للصلاة وبالقوة او للصوم فكيف سيكون تمثيله لما يفرض عليه. وهكذا دواليك الى حالات اخرى يجبر الفرد على السير عليها ليس قناعة، بل اضطرارا بفعل الضغوط الاجتماعية او السياسية او حتى القانونية المشرعة من قبل الدول.
لا ولا كبيرة ان الدول الغربية تستغل حقوق الانسان لاسباب سياسية، بل الدول العربية تمنح كل يوم الكثير من الاسباب للعالم لكي يستغل نقاط ضعفها وتعنتها وعنجهيتها. وهذه هي السياسية. اما تتوافق مع العالم وتشارك في بناءه وتسييره وفق معايير انسانية او ان الانسانية تدينك. وبما ان العرب اقصوا انفسهم من المشاركة في التطلعات الانسانية وصناعة المستقبل الانساني، فلا احد يعيب على العالم، حينما يؤشر عليهم وعلنا انكم تجاوزتم كل الخطوط الحمر في تعاملك مع ابناء شعوبكم.
9 نيسان 2016 ايلاف
برنار هنري ليفي داعم التغييرات ام مفتت البلدان |
||
|
||
عندما نسمع بعض ما ينشر وينتشر في دنيا الاعلام والسياسة العربية، نشعر وكاننا نعيش في عالم، لا علاقة له بالواقع ابدا. فها هنا تنتشر اشاعات عن مقدرات اشخاص، لا يمكن تصديقها عقليا او حتى لا يمكن اثباتها علميا، فهناك من له قوة أربعين رجل في النكاح وهناك البطل الهمام الذي بنى الأوطان ونشر العدل والبس شعبه بعد ان كان حافيا ويقتله القمل والجوع، وهناك الذي ارعب الامريكان ودول الاستعمار. والمثير ان الكثير من هذه الدعايات مبني على أكاذيب ولكن يعاد نشرها وتاكيدها مرة تلو الأخرى. لكي تنزرع في اذهان الناس ويعتقدها حقائق ثابته، الم يقل وزير اعلام هتلر غوبلنز اكذب واكذب حتى يصدق الناس. ولكن هنا تم تحويل ذلك الى اكذب ثم اكذب حتى تصدق اكاذيبك. كان اخر الابطال او المتأمرين على العرب والإسلام، والذي ذاع صيته وقدراته الغير المحدودة. الصحفي والكاتب والفيلسوف الجزائري المولد الفرنسي الجنسية اليهودي الديانة برنان هنري ليفي، الذي شاعت عنه مقولة يقولها بنفسه ( اكثر شيء اضحكني من الثوار في ليبيا هو انهم كانوا يصرخون ويلعنون القذافي ويصفونه باليهودي، بينما كنت انا اليهودي الحقيقي بينهم وهم يحرسونني ). تنتشر هذه المقولة، ليس لتبيان مدى جهل الناس بالاخرين فقط وليس لتبيان مدى كره الناس لليهود من خلال وصفهم عدوهم باليهودي. بل لمحاولة القاء تهمة كل ما يجري في المنطقة على اليهود والصهيونية. يقول احد الأفلام الدعائية عن برنار ليفي ((أينما مر هذا الرجل الذي عرف برجل الميدان تكرس التقسيم والطائفية وتفجرت الحروب الاهلية ونفذت ابشع المجازر، أفغانستان، داروفور كوردستان، مصر وليبيا، سوريا )). يمرر هذا الفلم أسماء المناطق والدول وكانه هو سبب مصائبها وويلاتها. ويتناسي ما حدث فيها من الجرائم تصل لحد وصفها بحق جرائم الإبادة. في ما يصفه تعليق ما بانه الشيطان الذي اشعل وقود القتل في بلاد المسلمين!!! هذه كلها عن رجل واحد رجل يقوم بكل المهام والمؤامرات وينجح فيها ايما نجاح (رامبو او سوبر مان). ولا احد يتسأل اذا اين كان القواد والرؤوساء العرب والمسلمين الاشداء ممن ارعبوا الأعداء وبنوا الأوطان وحرروا الشعوب ونشروا العدل ؟ اين كان علماء العرب والمسلمين؟ اين كان رجال الدين ممن يوصفون بكل اوصفاف التقدير والفخر؟ شخص امن بقضايا مهما كان رأينا فيها، الا ان الرجل كان واضحا، انه يقرن الايمان بالافعال، فتواجد في كل المناطق مساندا هذا ضد ذاك، ولم يخفي ما يعتقده وما يؤمن به. لقد ظهر في الصورة وهو واضح النوايا والاتجاهات، وكل ما قيل وما يحدث كان مثار نقاشات وتقارير صحفية وكتب منشورة، ومع ذلك يأتي البعض وليدلل على المؤامرة الصهيونية واليهودية والغربية، بوجود برنار ليفي. انه غباء بذاته. وككل المرات تمر الاحداث وتمر التجارب والبعض بدلا من ان يدرس لكي يستمحص ويخرج بنتائج وبدروس لكي لا يقع في الأخطاء المتتالية. يخرجون بالتهمة الجاهزة انها مؤامرة والدليل برنار هنري ليفي. اعتقد ان الصحفي والفيلسوف برنار هنري ليفي يقول في نفسه الان، اكثر ما اضحكني من العرب والمسلمين انهم رأوا اعمال زعماءهم في تهديم أسس بلدانهم ودور ايديولوجياتهم الكارهة لكل الاخرين في عدم التعلم من تجاربهم الفاشلة ومن تجارب الأمم التي سبقتهم في مضمار العلم والتمدن، وعدم التفكير في الانحراط في المسار الإنساني وبالتالي البدء من الداخل بإقامة مجتمع متحرر، وها هم يضعون اللوم على الغريب في ما يصيبهم من الحروب الداخلية والتخلف الاقتصادي والاجتماعي والعلمي في اعلان واضح من انهم لن يتغييروا. يا ترى هل تسأل احد ما عن سبب هشاشة المجتمعات لهذه الدرجة التي بها يتمكن شخص واحد، معلن الأهداف، من ان يقسمها ويجعلها تتحارب وتدمر الانسان والعمران. هل تسأل احد عن سبب قدرة داعش والقاعدة والكثيرين ممن يتصيدون للافتاء والخطابة الدينية من جعل الناس تتبعهم وتأتمر بما يقولوه، رغم غرابته ومخالفته للفطرة الإنسانية. هل تسأل احد ماعن سبب تحول قطعات واسعة من الناس الى مبرري القتل المجاني والاغتصاب. ان عدم اثارة هذه الأسئلة وبشكل علني ونقدي ومحاولة اسكات من اثاره ، يعني لدى الكثيرين، الموافقة على القتل والاغتصاب والتدمير وخصوصا عندما يكون من غير الطائفة او الدين. يا ترى هل تسأل احد عن أسباب قيام القذافي بصرف مئات الملايين من الدولات في دعم جبهة مورو الإسلامية في الفليبين، وماهي الفوائد الوطنية لليبيا من ذلك؟ هل تسأل احد عن سبب صرف مئات الملايين لدعم الجيش السري الايرلندي، واذا كان الانفصال على أسس دينية محق ويدعم في الفلبين او ايرلندا الشمالية ولو نكاية بالاستعمار البريطاني، فاذا اليهود محقون في إقامة الدولة على أساس ديني، على الأقل من وجهة نظر المسلمين والعرب، اليس كذلك؟ وهل تسأل احدعن دعم الإرهاب والقيام بعمليات مثل لوكربي والهجود على تشاد ودعم الأطراف المختلفة في السودان والمنظمات الفلسطينية، والأطراف اللبنانية التي نعتت بالتقدمية. الم يكن الشعب الليبي أولى بهذه الأموال، لكي تصرف على التعليم والتدريب المهني وبناء البنية التحتية. الم يحول بعض العرب والمسلمين القذافي الى القائد الملهم وزعيم الامة وصانع مجدها؟ هل كان الأسد عادلا مع شعبه ومكونات سوريا؟ هل كانت قضية فلسطين قضية وطنية ام تحولت البندقية الفلسطينية الى بندقية للايجار للقادة العرب؟، هل كان صدام عادلا مع شعبه ومع مكونات العراق؟، هل راعي حكام الشمال الافريقي المكون الأصيل لهذه البلدان؟ كم من الأموال صرفها القادة العرب في التامر احدهم على الاخر؟ هل الدكتاتورية وتهميش الأقليات وتدمير البنية التحتية التي بنيت بكد الأجيال، ساعدت على بناء شعب موحد؟ هل الأيديولوجية القومية وفرض العروبة على كل المكونات ساعد على وحدة البلدان والشعوب؟ أسئلة كثيرة والاجابة عليها واضحة. ان البحث عن شماعة او سبب خارجي لكي نلقي عليه تهمة ما نحن فيه، هو اعلان افلاس. فالدول القوية والتي تحترم كرامة وحرية مواطنيها لا يمكن لاي مغامر او لاي دولة معادية ان تخترقها بهذه الصور التي نجدها في المنطقة من تمزق البلد في كل الاتجاهات. أي نعم قد نجد من يكون عميلا مقابل مال ولكنه يقدم خدمات مكتومة وغير معلنة، وما يحدث هو التدمير الذاتي والعودة الى زمن القحط التام. وباستخدام الأيديولوجية الدينية النابعة من المنطقة والتي يؤمن بها غالبية ابناءها. ان التفتت حدث حينما لم نراعي حقوق الاخر، المختلف قوميا او دينيا، ومع ذلك وفي كل محاولة من هذا الاخر للمطالبة بحقوقه اتهمناه بالخيانة والعمالة، وان لم تصدقوني اسألوا الاشوريين والكورد والامازيغ واهل جنوب السودان ويهود العراق وسوريا ومصر. ان التفتت حدث عندما حاولنا اعلان شأن احد ما لاسباب دينية وليس لما قدمه، حينما تعاطفنا مع الاخر ودعمناه لاسباب دينية وليس لمصالح بلداننا. يقول المثل الاشوري (الجوز يفسد من داخله) والمجتمعات هذه فسدت من داخلها وكانت مهيئة للوصول الى هذه الحالة ولم تكن بحاجة الا الى فعلة مثل ما فعله بوعزيزي في تونس هذه الفعلة التي اشعلت النار والغضب المكبوت. الذي استغل الاكثرياتا وركب على ظهورها وباسمها السلطة، لم يضظهد الأقليات او المكونات الأخرى، لا ، بل وصل اضطهاده الى الأكثرية لانه سرق وبدد ودمر باسمها، ولكنه لم يمنحها شيء حقيقي لحين انفجرت. المطلوب من هذه المجتمعات ان تحتفي ببرنار هنري ليفي، وتقيم له التماثيل، لانه كشف هشاشة هذه المجتمعات والدول، كشف كم هي دول فاشلة لم تقم أي اعتبار لمواطنيها، بل دفعت بهم للهجرة والتهجير وطلب المعونة من الاخرين. المصدر – إيلاف |
الأمن القومي العربي.. لافتة مهترئة
من المصطلحات السياسية او الامنية الشائعة هو الامن القومي وما يتبعها من توضيح، كأن نقول الامن القومي العراقي او العربي او الاميركي، ولكي لا نغبن اميركا واوربا وغيرها من الدول الكبرى، ونقارن امنها القومي بلافتة الامن القومي العربي. فعلينا ان نفكك ماذا يعني هذا المصطلح ومدى تطابقه مع واقع الحال. قد يمكن تعريف الامن القومي بضمان الاستقرار والسلام في بلد ما، وفي ضل هذا المفهوم يمكن ادراج عدد كبير من الخطوات التي يجب ان يتم اتخاذها وكذلك توفير الكثير من المستلزمات لتحقيق ذلك. ومنها على سبيل التذكير الامن الغذائي، حيث ان قلة الغذاء او شحته سيخلق بلبلة في البلد ويوفر ساحة خصبة لاي كان لكي يتدخل في شؤونه ومن ثم فرض شروطه لتحقيق مصالحه، وهكذا بالنسبة للامن المائي، وامن المواصلات وامن التطور العلمي والبناء والتنمية، والقدرة على الدفاع عن البلد ضد الاعتدات الخارجية يعتبر اوضح مثال عن الامن القومي.
منذ الحرب العالمية الثانية، لم يتم الكشف عن قدرات الامن القومي لاغلب الدول الكبرى بشكل عملي، لانها وببساطة تمكنت من ان تدفع المشاكل او اغلبها عن محيطها المباشر وليس عن الداخل فقط، ولكن هذا الابعاد بلا شك، يعتبر بحد ذاته نجاحا فذا في الامن القومي لهذه الدول من جهة ولكن يوسع مفهوم الامن بالنسبة لها ليشمل مديات اوسع من الناحية الجغرافية على الاقل. في حين ان واقع بعض المناطق او الدول او المنظومات القومية يعتبر وبلا ادنى شك فشلا ذريعا في تحقيق مقولة الامن القومي، لانها اتخذت من شعار الامن القومي يافطة دون مضمون. فلو لاحظنا عملية تكديس الاسلحة في منطقة الشرق الاوسط، والتي غالبيتها العظمى مستورد، لوجدنا ان مصير الدول المستوردة مرهون بارادة مصدر الاسلحة، واذا قلنا ان المستورد يمكن ان يهدد بتغيير جهة الاستيراد، كرد فعل لاي تهديد علني او مبطن، فان هذه التهديد لا معنى له في عالم السياسة لانه يعني تغيير جهة الارتهان، هذا فضلا ان تكاليف تغيير نوعية التسليح تتضاعف عدة مرات في هذه الحالة. ليس هذا ولكن من تجربة السنوات الخمسة والعشرون الماضية، نرى ان الكثير من الدول التي كانت تعج بالاسلحة المختلفة، والتي كانت تستغل هذه الاسلحة لتهديد الاخرين وخارج اطار الدور المرسوم لها، فرض عليها ونتيجة هذا اللعب الغير المدروس، ان تقوم بتدمير ترسانتها من الاسلحة المستوردة من السوق السوداء وبتكاليف مضاعفة، وان تدفع تكاليف التدمير ايضا.
نعم الكثير من الدول اتخذت من التسلح، رغم كونه مستورد، الاساس الوحيد، لتحقيق الامن القومي لبلدها، واهملت اهم الجوانب الاخرى، مثل التعددية السياسية، والمساواة، وضمان وحماية المكونات المختلفة، وترسيح اسس الوحدة الوطنية (اي الاستقرار السياسي)، ووضع برنامج للتنمية الاقتصادية، يلاحظ، تنمية مختلف جوانب الاخرى مثل ضمان الامن المائي وطرق المواصلات، وحماية الزراعة وتنويعها وضمان الامن الغذائي (الامن الاقتصادي)، وجيش ينتمي للوطن وليس لطائفة او لايدولوجية معينة، خاضع لقيادة سياسية عقلانية لا ترميه في حروب لا طائل منها وليست دفاعا عن الوطن او عن تحالف اساسي يحمي الوطن (الامن العسكري).
في نظرة فاحصة لواقع البلدان العربية، كوحدات او كمجموع، نرى ان الامن القومي هو يافطة مهترئة، وليس له في ارض الواقع اي وجود، بل هو مصطلح يستعمل على الاكثر لافهام المتلقي ان المتكلم يفهم في امور لا يمكن للمتلقي ان يعيها، او هي اعلى من ادراك عقله الواعي. ففي هذه البلدان ليس الصراع الداخلي صراعا سياسيا، حول البرامج او حتى حول سؤ الادارة، بل ان الصراع في الغالب هو صراع وجود، كل طرف يصارع الطرف الاخر بحثا عن وجود مستقل وظاهر له، ويريد ان يفرض ارادته على المقابل، اما لانه يعتقد نفسه الاكثر احقية بالوجود والزعامة، او لانه يعتقد نفسه ضحية لاضطهاد مستمر. هناك صراع قومي، نتيجة قيام الاكثريات العربية في فرض قيمها وتطلعاتها ونظرتها على الحياة السياسية على هذه البلدان، في ابعاد شبه تام للاخرين عن هذه السياسية ليس تطبيقا، بل حتى في القول والنصح واظهار رؤية مغايرة. فقد تم استغلال موراد الكثير من بلدان الدول (العربية) في حروب داخلية لضرب حركات تطالب بالانصاف، وتم قتل واعتقال الكثير من ابناء الوطن بحجة انهم مناصرين للانقساميين او الشعوبيين او الطائفيين. مما خلق فجوات وحالة الكره والرغبة في الانتقام كل طرف من الطرف الاخر. ليس هذا فقط، بل تم في اغلب الدول العربية سلخ شريحة من ابناء الوطن بحجة كونهم من ديانة معينة، (اليهود مثالا) وطردهم والاستيلاء على ممتلكاتهم، وفي العراق الذي كان سباقا في هذا الامر منذ عام 1933 حينما تم تخيير الالاف من الاشوريين بين الرضوخ لما تخطط له الحكومة او الخروج من الوطن، وتم نفي عائلة بطريرك كنيسة المشرق حينها، وتم اسقاط الجنسية العراقية عنهم، وتلتها عملية اخراج اليهود وما تبعها وتلتها الحرب الطويلة والتي امتدت اغلب سنوات القرن العشرين مع الكورد والمتحالفين معهم. وهذه الامثلة يمكن ان تطبق بسهولة على اغلب الدول العربية، والعجيب انها دول تتغنيى ليل نهار بتاريخها الحضاري الطويل، ولكنها لم تتمكن من استيعاب ابناء الحضارات المتعددة التي ابثقت على نفس الارض، بل حاولت صهرها بالقوة.
في ظل مثل هذه الاوضاع هل يمكن حقا الحديث عن الامن القومي؟
2 نيسان 2015 ايلاف
ماذا تفعل روسيا في سوريا؟
لو قارنا الوضع في منطقة الشرق الأوسط وبالتحديد الوضع في الدول من ايران الى المغرب، فاننا لن نجد وضعا افضل للمقارنة، مما كان سائدا قبل الحرب العالمية الأولى مع اخذ المتغييرات بنظر الاعتبار. ففي ذلك الوقت كانت الفكرة الأساسية هي حق تحقيق المصير للشعوب الخاضعة للسلطنة العثمانية، كونها غير راضية عن حكم السلطنة والذي امتد لما يقارب من اربعمائة سنة من القهر والسلب والقتل والحروب الداخلية والخارجية التي لا تنتهي. ان فكرة منح الشعوب حق تقرير المصير حينذاك أصابها الكثير من التشويه، وذلك لكون بعض الدول والشعوب تم اصطناعها، من دون روابط حقيقية تربط بعضها بالبعض. وبعض الشعوب تم سحقها وتناسي مطالبها المشروعة مثل شعبنا الاشوري والكوردي والارمني.
هل نحن في وضع إعادة تصحيح الأخطاء؟ قد يكون الاستنتاج الاولي بهذه الصورة، وكل دولة من دول المنطقة تحاول ان تحمي رأسها، من مقص المخطط. ولكن اليس من المعقول والمنطقي انها عملية ممتدة، وكما خطط لها جورج بوش واعلنها، حينما قال ان الحرب على الإرهاب طويلة وتتطلب سنوات عديدة. لان هناك ادراك واسع ان الإرهاب ليس لاسباب سياسية، فلو كان كذلك لوجدنا اكبر الشعوب تنتج ارهابين من الاشوريين والكورد. بل كان واضحا ان للارهاب دوافع دينية أيديولوجية والارهابي لا يدفعه الفقر نحو الأفعال الارهابية، لانه لو كان كذلك لانتجت الهند ودول افريقيا جنوب الصحراء اكبر عدد من الإرهابيين. ان الإرهاب نتيجة تربية متزمتة ترى في دين وعقيدة معينة فقط الحقيقة ولابناء هذا الدين او العقيدة فقط الحق في الحياة. اما الاخرين فما هم الا كفرة يحق قتلهم ومحوهم من الوجود.
باعتقادي ان روسيا شمت رائحة تغييرات ستطال المنطقة، تغييرات جوسياسية، ودفعها ما شممته من مسارعة بريطانيا وفرنسا الإعلان عن المشاركة في تنفيذ ضربات جوية ضد داعش. فروسيا اليوم تقول للجميع انا أيضا هنا ولي مصالح يجب ان يتم حمايتها. ولكن هل من مصالح روسيا بقاء السيد بشار الأسد؟ قطعا روسيا لا تنظر للامور بهذه السذاجة، فمصالح روسيا التي يجب ان توضع على المائدة، تمتد من الشرق الأوسط والذي يقع على مرمي حجر منها، الى القرم المعلن ضمها وشرق أوكرانيا. ان بوادر انسحاب روسيا من شرق أوكرانيا وتحت ضغط العقوبات الاوربية والأمريكية، تم من ناحية تغطيته بالضربات في سوريا، وعلى امل التعويض في ما سوف يحدث جراء انهيار دول قائمة وظهور دول جديدة. فالصراخ الروسي يتبعه في الغالب تنازلات مهمة لسياسة سيدة العالم الولايات المتحدة الامريكية، وهذا حدث مرات عديدة منذ اعلان سقوط الحرب الباردة وسياسة حافة الهاوية.
ان المهللين للدور الروسي والذين يحاولون تصورير السيد بوتين وكانه سوبرمان عصره، يخطاؤن القياس، انهم يقيسون على مقاييس المنطقة وليس على مقاييس العالم الأول. حيث للمصالح القومية الكلمة الأعلى وليس للانتصارات اللفظية. التي ولعنا بها منذ أيام جمال عبد الناصر ولحد الان، لحد انها صارت جزء من ثقافتنا اليومية. فالسيد بوتين والذي رأى الاقتصاد الروسي وهو يتراجع بواتائر سريعة، فيما تمكن الاقتصاد الغربي من هضم قضية العقوبات على روسيا، ولم يتاثر بفعل عوامل متعددة ومنها انهيار أسعار النفط، يريد التراجع عن ما يحدث في أوكرانيا مقابل حفظ ماء الوجه ومنحه دور ما في المنطقة يغطي على تراجعه. وبالناكيد ان روسيا ليست أي دولة أخرى انها تبقى تلك الدولة النووية والقادرة والواسعة والتي لشعبها تاثيير حضاري، فمنح الفرصة مع تعرضه للنقد المستمر أي لسعات ضرورية يمكن تقبلها. اذا كل ما أعلنته روسيا من الدفاع عن النظام السوري ومحاربة الإرهاب شيء قابل للنسيان والانخراط في لعبة المصالح، ولان قدرة روسيا على المطاوعة والاستمرار في تقديم خسائر، ضعيفة، فانها بلا شك ستعود الى بيت الطاعة الأوربي في أوكرانيا سريعا.
اللعبة اكبر من كل ما يظهر في الصورة، سحب صواريخ الباتريوت الأطلسية والأمريكية من الأراضي التركية، والاتفاق والتعاون الروسي الإسرائيلي لعدم وقوع المحضور أي للحد من الاخطار في حالة أي مواجهة او خطاء بين القوات الروسية والإسرائيلية، يعطي ابعاد جديدة للتدخل الروسي والظاهر بموافقة ضمنية من الأطلسي، وعلى الرغم من الانتقادات التي توجه لروسيا بعد قيام طائرات تابعة لها باختراق المجال الجوي التركي، الا انه من الواضح ان تركيا ومستقبلها ليسا ببعيدين عن المخطط المشار اليه أعلاه، وخصوصا ان تركيا لم تقدم أي حل لمشاكلها الداخلية وخصوصا مع الكورد. ان وجود روسيا على الحدود الجنوبية لتركيا سيمنح الدعم والدافع لكورد تركيا لاعلان التمرد والبدء بانتفاضة او حركة شعبية، ان لم ينتج عنها تقسيم الدولة، فانه وبلا شك سينجم عنها تغيير في هيكليتها.
اذا، مع وجود احتمالات كبيرة نحو احداث تغييرات جيوسياسية في المنطقة، فان المصالح والحفاظ عليها سيبقى الهم الأكبر للدول الكبرى بما فيها روسيا. ان المهللين لبطولة السيد بوتين سيجدونه شخصا اخر، شخصا حاله كحال السياسيين الغربيين همه مصالح بلده، وحسب قدراتها وامكانياتها، وليس الدون كيشوت الذي سيحارب العالم كله لاجل تحقيق أحلام المهللين.
7 تشرين الأول 2015 ايلاف
أين حقوق الانسان والعدالة يا أميركا؟
في حالات القتل والاضطهاد التي تواجهها شعوبنا لا فرق من قبل الحكومات القائمة او المنظمات المعارضة، ولا فرق ان كانت شعوبنا شيعة ام سنة، مسيحين اشوريين ام كورد متنوعون، عراقييون، سوريون، فلسطينييون، ليبيون وغيرهم. نسمع اللازمة اين حقوق الانسان، اين العدالة، اين امريكا؟ ولا احد منهم يقول اين الله، بالرغم من انهم يدعون ويؤكدون ويقسمون بانهم مؤمنون يكرهون الكفار والملاحدة والصهاينة والامبرياليين. ولكن لماذا لا ينادون الله في محنتهم هذه، يا ترى لماذا يطلبون دعم ومساندة وحضور الشيطان اميركا وليس غيرها، ولا يطلبون الله الذي عنه يدافعون وبه يؤمنون، هل لانهم يدركون انه بلا قوة او انهم يدركون انه قد اشاح بوجهه عنهم؟ سؤال باعتقادي لم يسأله احد، لماذ نطلب اميركا ونقول اين هي ونحن ننضال ونعمل ونقاتل ونقتل من اجل ازاحة اميركا من الوجود وليس من ارضنا وبيوتنا وفرش نومنا وحتى ملابسنا. من الخليج الثائر والى المحيط الهادر، لا صوت يرتفع اعلى من صوت العداء لاميركا وفي النهاية كل الضحايا يتعجبون من غياب اميركا وعدم مسارعتها لمساندتهم ودعمهم.
وليبينوا مدى تعرضهم للاذية وسؤ المعاملة ووحشيتها يقولون حتى شارون لم يفعل والبعض يقول لا يفعل هذا، طبعا شارون لم يفعل ولا يفعل بعد الان لانه صار تراب. دلالة على ان شارون ماكان يرتدع عن عمل اي شئ، ولكن لو راجعنا سجل الرجل باعتقادي انه ولاول مرة ستظهر جماهير شعوبنا المضطهدة بكل الوانها وتوجهاتها واديانها انها على حق، فشارون لم يفعل ما يفعله نظام الاسد بمعارضيه وعلى ارضه وفي مدنه، ولا ما يفعله المعارضون ايضا احدهم بالاخر او بانصار النظام او مدنهم وعلى اراضيهم، والامر ينطبق على ليبيا ومصر وتونس والجزائر والعراق واليمن وغزة والضفة، ولكنه بالتاكيد لا ينطبق على بلد شارون فلا يزال عندهم للعيب والحياء مكان. ففي كل مراقبتنا للصراع الاسرائيلي العربي لم نجد مما يحدث الان بين الاخوة الاعداء، من جز الرؤوس والقتل على الهوية وحرق وتدمير والتشفي والتمثيل بالجثث، وحتى ما اشيع عن مذابح نسبت الى الصهاينة اخذناها من وجهة نظر واحدة فقط، ولكن ما يفعله الاخوة الاعداء ببعضهم البعض، يقول انهم غير صادقيين في اتهامهم الاخرين.
ولكن لماذا نقول اين اميركا؟ ولا نقول اين روسيا اين الصين مثلا. وكلاهما من الدول الدائمة العضوية في مجلس الامن ويمثلان الثقل المقابل لاميركا. ان اعتبرنا بريطانيا وفرنسا حليفتي اميركا دائما. لماذ نستنجد باميركا التي في الاوقات العادية نتمنى زوالها ودمارها وحتى في الكثير من الخطب نطلب من الله ان يذيقها العذاب! سؤال باعتقادي يبين الشيزوفرينا التي نعيشها في حياتنا اليومية، نعم نحن نحب ان نعيش في راحة وسلام ولكننا نعشق القوة، اميركا هي السلام والراحة والرفاهية نحبها، ولكننا نعشق ايضا قوتها، ونتمناها لنا وحينما نريد زوالها لاننا نعتقد انها العائق امامنا لتحقيق غاياتنا في ان نسود العالم. هنا اتذكر النكته التي قيلت عن لسان اهل اليمن والتي تقول ان الاخوة اليمنيين اتفقوا على محاربة اميركا، ولكن بعد الاتفاق طرح احدهم السؤال الصعب وهو وماذا لو انتصرنا عليها، فمن يساعدنا حينها، سؤال وجيه اوقع الجميع في حيرة حقا، ان الانتصار وسيادة العالم لا يكفيان، ولكن من يشبع الناس هو اهم من السيادة، وحينها تخلى اليمنييون عن خططهم في الهجوم على امريكا.
في الوقت الذي لا نتفق ولا نعمل باغلب الحقوق المنصوص عليها في لائحة حقوق الانسان، نحن نقول اين حقوق الانسان مطالبين ان تشملنا تلك الحقوق، ومشتكين حالنا المزرية التي اوصلونا اليها الطرفين الحكام والمعارضة، اي نعم انه حق وواجب الانسانية والمنظمات الدولية ان تحقق ذلك للجميع، اي التمتع بالحقوق المنصوص عليها في لائحة حقوق الانسان، ولكن الغريب ان المطالبين بها يفصلونها على مقاسهم، فهم لا يؤمنون بالمساواة بين الرجل والمراة ولا بين المختلفين باللون ولا بين المختلفين بالدين ولا حتى بين المختلفين بالمذهب، وليس هذا فقط، بل ان الذين يعانون كل هذه المعاناة يطالبون بالانتقام وبقتل الاخر، ليس لجرم اقترفه، بل لان من يتبعهم قاموا قبل الف ونيف من الاعوام بعمل يعتبره المطالبون غبنا لهم او وقوفا سدا في انتصارهم.
وفي كل هذا اين الله؟ الذي باسمه تنتهك كل الحرمات ويتم القتل وتندلع الحروب، في مفارقة غريبة ومثيرة للضحك يقال ان ممثل النظام السوري انفعل وغضب وصرخ حينما طالب احد المعارضي في لقاء موسكو بان يستبدل اسم البلد من الجمهورية العربية السورية الى الجمهورية السورية، فصرخ وقال لا لا لا الا العروبة والاسلام!!! هنا هو التمثيل بمعناه المبتذل، وكان العروبة والاسلام حكرا عليه وعلى نظامه، ليس هذا فقط بل ان اغلب ممن تاجر بالعروبة تخلى عنها وراح يبحث عن سبل جديدة لتحقيق المصالح، اما الاسلام فمن الواضح ان اعتى التنظيمات الاسلامية والدول التي تدعي حمايته هي ضد نظام الاسد، فعن ماذا يدافع، انه يدافع في الحقيقة عن مخرج شخصي اكثر مما يدافع عن البلد والشعب ومستقبل مضمون للجميع. انه يلبس جبة الدفاع عن الله ودينه في واقع يقول ان الله قد غسل يديه مما يقترف باسمه.
نحن كلنا في هذا الشرق المبتلي نعبد الله وانبياءه ورسله وووو، ونفتخر بذلك متهمين الاخرين بالكفر والالحاد، ولقوة ايماننا نحن نتهم بعضنا البعض بالكفر، فالمسلم يكفر المسيحي والازيدي والمندائي والشيعي يكفر السني والسني يكفر الشيعي، ليس كرها بل نتيجة التعمق في الايمان والتدين!!! ورغم كل هذا فاننا ننشد مساعدة حقوق الانسان و الكفرة الملاحدة واميركا الامبريالية وننشد العدالة الارضية التي نرفضها في بلداننا مطالبين بتطبيق شرع الله.
لقد تم اشغال الناس والشعوب باساطير ومقدسات، لا يعيرها العالم اي اهمية، او ان العالم يعتبرها من اسس الحياة الطبيعية، ان يكون الناس مؤمنين او لا، لا تقوم وتقعد الدنيا لاعتناق شخص مسيحي سابق للاسلام او للبوذية او الهندوسية او حتى اعلان الحاده، وفي الحقيقة انه لا يعلن اي من هذه التحولات بشكل اعلامي ودعائي، لانه يعتبر المسألة مسألة شخصية بحته ولا تخص الاخرين، فهو يسير في مساره اليومي العادي، يلبس وياكل ويشرب. اما لدينا فتنقلب الدنيا ولا تقعد الا بكم هائل من الحبر المسال على صفحات الصحف وساعات طويلة من برامج وسائل اعلامنا تخصص لهذا الامر وكان امر جلل وقع وسيكون هو الذي يغيير ميزان القوى بين الاديان والشعوب. ان ابناء شعوبنا يعيشون حالة تهديد دائمي، فدينهم مهدد ومقدساتهم رغم كثرتها مهددة ويتم تدنيسها يوميا. والشعوب مطالبة بالثار وتقديم التضحيات والدماء والمهم الدماء فالكل لا يشبعهم الا جريان الدماء، للحفاظ على نقاء الدين والوطن والكل مطالب بالخروج والصراخ الموت لامريكا. وعند الحاجة اين امريكا ولا احد يسأل اين الله!!!18 شباط 2015 ايلاف
أميركا الخائنة
يقصد بالعنوان، الولايات المتحدة الامريكية، فمن مساوئ او من محاسن القدر، لا نعلم، ان امريكا الذي هو اسم لقارتين كبيرتين، يختصر ليعني الولايات المتحدة الامريكية. المهم في عالمنا، عالم اللامنطق، امريكا التي هزها اسم صدام وحافظ الاسد وجمال عبد الناصر، والتي لا تزال تموت يوميا مع ربيبتها اسرائيل في ايران الثورة. كانت سببا لمصائب القوم، من التخلف الاقتصادي والاجتماعي الى كونها العائق لبروز عظمة هذه الدول في الذبح من الوريد الى الوريد. والظاهر ان السيد اروغان، والذي شبهته بصدام وخصوصا في سنواته الاخيرة. انضم الى الجوقة التي تقول بان امريكا هي سبب مصائبه، سواء على مستوى الليرة المنهارة او المشاكل مع الجيران ومع المكونات في تركيا.
واخر اقواله في هذا الصدد، ان امريكا قد طعنته في الظهر، اي كما نقول خانته، وهذا معنى كبير، يعني ان امريكا كانت قد اتفقت معه على امور كثيرة ولكنها خانت الاتفاق وباعته لاخرين، قد يكونوا قدموا اكثر. طبعا السيد اردوغان لا يصرح بهذا، بل ان قول طعنته في الظهر يوحي بذلك. والظاهر ان أميركا دائما كانت تخون اصدقاءها، فهي قد خانت العرب في تسليم فلسطين لليهود، كما يحلو للقادة العرب او اتباع الأيديولوجية العروبية ان يقولوا او ينشروا. وهي خانت انتفاضة جنوب العراق عام 1991، في الوقت الذي كان المنتفضون يتنافسون مع ايران في رفع الشعارات الثورية الاسلامية الشيعية. الامر الذي ارعب دول المنطقة، لتقنع أميركا بالتراجع عن دعم هؤلاء الثوار من اصحاب الشعارات الكاسحة والماسحة. فكان ما كان والقصة معروفة.
لا اعتقد ان اميركا تتعامل مع اردوغان كشخص، وان اوحى غروره الشخصي ذلك. فامريكا تدرك ان تركيا، اتخذت اتجاها جديدا، منذ زمن توركت اوزال، اي الدوران ببطء نحو الشرق، الى محيطها الذي اعتبرته المحيط الطبيعي لها، ومجالها الحيوي، الدول التركمانية، وبالاخص بعد انهيار الاتحاد السوفيتي، وما قام به اردوغان ليس الا، توسيع المجال الحيوي نحو الدول العربية جنوبا، باعتبارها حديقته الخلفية، ودول اسلامية، كانت تابعة للسلطنة العثمانية. من هنا يمكن فهم الخطوات التي اقدمت عليها تركيا، من عدم فتح ممر لدخول القوات الامريكية ابان حرب تحرير العراق. وخطوات اخرى سياسية ودبلوماسية كثيرة اعتبرتها امريكا خطوات لا تنم على الصداقة وعلاقة الحلفاء القائمة، ولعل مسأل شراء تركيا لمنظومة الصواريخ الروسية اس 400، والتي قد يؤدي ادخالها الى اختراق منظومة الاسلحة في حلف شمال الاطلسي. اذا الطعنة في الظهر اتت من تركيا اولا.
لقد استساغ السيد ارودغان، خطاب زعماء العالم الثالث، ممن استهوتهم عملية التهجم على امريكا، لنيل شهادة الوطنية من شعوبهم، باعتبارها الشيطان الاكبر او راس الامبرايالية العالمية. وحاول ان يطبقه معتقدا، ان السيد ترامب هو كباقي الرؤساء الامريكيين ممن لا يهتمون لمثل هذه الممارسات او التصرفات، فالمهم لديهم كان الصافي الذي يدخل الى جيب امريكا. غير مدرك ان السيد ترامب، كانسان ذو ايديولوجية شعبوية، ينافس ارودغان في الاهتمام بالرموز والمكانة الوطنية، وان لم يتخلي عن الربح الصافي. من هنا الاصطدام القائم، بين امريكا وتركيا والذي حاولت تركيا ان تظهر بطولاتها في الصراخ والادعاء، لم يكن في مكانه. وكان للسيد اردوغان ان يتعض من تجربتة المماثلة والمؤلمة مع اسرائيل بهذا الخصوص ايضا ولكنه لم يفعل.
ما يمكن ان يحدث جراء التطورات القائمة، باعتقادي، هو تكرار مشهد الخمسينيات مع مصر. اي انتقال تركيا من تحالفها مع الغرب الى تحالف مع روسيا، ومع ما يجلبه هذا التحالف من تغييرات، في نوعية التسلح الذي يمكن ان تعتمد عليه تركيا. اي ان تركيا ستتحول الى رهينة لروسيا من خلال الاسلحة التي سيتم تزويدها بها، ومن خلال ربطها بالدول التركمانية، التي لها علاقات اكثر من ممتازة مع روسيا، باستثناء اذربيجان التي علاقتها مع امريكا على افضل ما يمكن.ورغم الرسالة التي حاول ارسالها اردوغان بالقيام باول زيارة له، بعد انتخابه الى اذربيجان، والتي تعني ان توجهنا هو تركي ونريد ان نتوسع وان نعمل معكم، الا ان الرسالة لم تفد اذربيجانيا على الاقل، رغن التقارب القومي القائم.
تركيا بالرغم من تحالفها مع العالم الاول، كل هذه السنوات، وبالرغم من تبنيها النظام العلماني اللاديني، رسميا، الا ان الدين بقى له اهمية كبيرة في الاوساط الريفية والاقطاعية. ورغم رغبتها المعلنة في دخول الاتحاد الاوربي، الا انها ونتيجة عدم قدرتها على تجاوز ثوابت اسلامية معينة، فانها لم تتمكن من ان تهيء نفسها لهذا الدخول، بل ارادت ان تفرض دخولها كحالة استثنائية، وهذا ما لم يرق لدول الاتحاد الاوربي المتفقة على امور كثيرة لكي يتمكنوا ان يبنوا سوقا موحدا، وسياسية موحدة.
سوقت تركيا الامر ليس على اساس التعامل مع مطالب يجب ان تتوفر، كمثال معايير كوبنهاغن، بل على اساس انها دولة اسلامية، واوربا تخاف الاسلام. في حين ان ملايين الاتراك يعملون في اوربا والكثير منهم باتوا يتمتعون بجنسيات هذه الدول.
اليوم تركيا امام مفترق الطرق، جراء السياسيات والطموحات القومية نحو الشرق والحنين الاسلامي نحو الجنوب. ولاجل ذلك حاولت ان تدعم ثورات الربيع العربي وتركب الموجة وتدفع القوى القريبة منها للسيطرة على الثورة، كالاخوان المسلمين في مصر وليبيا وسوريا. والظاهر بحسب مسار الاحداث ان تركيا لم تحصل من كل ذلك ، على شئ ملموس، بل ان هناك ابتعاد لدول كبيرة ومؤثرة في المنطقة عن تركيا، ومنها مصر والسعودية.
ان الاقتصاد التركي المبني على حرية التبادل التجاري، اصيب بنكسة كبيرة، جراء العلاقة السيئة، اي لاسباب سياسية في الظاهر، ولكن هناك مؤشرات الى الضن، بان النكسة كانت اتية، جراء الخطوات الكبيرة والتوسع الغير المنضبط في اقامة مشاريع ضخمة، تلائم طموحات اردوغان الشخصية، ولكنها لا تتوافق مع الحسابات الاقتصادية. ورغم قبضة اردوغان القوية وخصوصا بعد الانقلاب، الا ان هناك حدود لتمكنه من فرض حلول عالم ثالثية، اي ايجاد سوقين للعملة، سوق سوداء وسوق رسمية تسير بحسب توجهات السلطة السياسية. من هنا كان تحذير مستشارة المانيا انجيلا ميركل، من تدخل السلطة السياسية في عمل البنك المركزي، ومن هنا كان ايضا تطمين وزير مالية تركيا من ان تركيا، تؤمن باستقلالية البنك المركزي التركي.
السؤال المطروح ليس هل تخسر تركيا مواجهتها الحالية، بل مقدار الخسارة، ان كان ممكن تحديده.