قضايا عن الاسلام والاسلامويين

 

بين خطبة الجمعة وختام الصلاة في الكنائس المسيحية

 

تيري بطرس

في خطبة جمعة انتشرت حينها واعتقد انه تم ازالتها من اليوتيوب، يشاهد الشيخ محمد حسان وهو خطيب وداعية اسلامي مشهور يدعى الى منابر ومنتديات اسلامية كثيرة، اقول يشاهد وهو يعتلي المنبر ويصرخ طالبا من الله انزال لعناته كلها على الشيعة والنصارى واليهود، واصفا اياهم باسواء العبارات، طالبا بقطع نسلهم وبالموت لهم. حقيقة كان في حينها فديو مؤثر ومثير للاشمئزاز والاستنكار لانه اي الفديو والشيخ تجاوزا كل الحدود في معاداة الاخر، مع ما كان يحمله من الصراخ والبكاء على مصير السنة . بعد سماعي هذه الخطبة والتي بثت من احدى المحطات التلفزيونية ، اردت الكتابة عنها وتحليها ولكن مشاغل الحياة والاهتمامات اليومية تفرض ذاتها عى الانسان وتجعله يختار امور اخرى ويمنحها الاولية. ولكن قبل ايام قرات للكاتبة والاديبة فاطمة ناعوت تعليقا عن ما يقال في الكنائس عن السلام والمحبة، محبة الكل، خطر على بالي ان اكتب هذه المقارنة البسيطة بين ما يقوله الكثير من الائمة والشيوخ ممن يؤمون المؤمنين ويعتلون المنابر في الجوامع والمساجد ويخطبون فيهم  . وخصوصا ان المسألة لم تنحصر في هذا الشيخ بل بشيوخ يعتلون المنابر في جوامع ومساجد كثيرة مشهور، فهاهو امام الحرم المكي يدعوا على الشيعة ويعلن صراحة انها حرب سنة وشيعة، وهاهو الكلباني امام الحرم  السابق وهو يدعوا لنصرة المجاهدين في العراق ويدعوا لنصرهم على اليهود والشيعة والنصارى. اردت الاتيان بامثلة قليلة ولكن يمكن للباحث ان يجد مئات الاشرطة الفديوية المنشور وفيها خطب لا ئمة الجمعة وهم يلعنون ويكفرون ويدعون بالموت وبقطع الذرية عن من يعتقدونهم اعداءهم. هذا عدا عن خطب ودروس وبرامج كثيرة جدا، يقوم فيها المتصدي للشرح والتدريس او الذي تتم المقابلة معه، بتكفير الاخر والدعوة عليه بالموت واللعنة وانقطاع النسل ووصفه كالحيوانات او بارذل الكلام. 

سيأتي من يقول لي انهم لا يمثلون الاسلام، وانا اقرهم بهذا، لان الاسلام اكبر واوسع واكثر تنوعا، من ان يمثله هؤلاء، ولكن المشكلة هي في من يمثل الاسلام، هل هو مفتي مصر في حواره في فعالية شبابية يقارن وجود الاسلام بالدفاع عن نبي الاسلام امام اي تهجم عليه، وان كان من يدافع عن النبي لا يصوم ولا يصلي، فالمهم الدفاع عن النبي، هذا النبي الذي اختاره الله لكي يوصل رسالته، بحاجة للبشر لكي يدافعوا عنه. وهل هو الازهر وما ينشره الازهر بين ملايين الطلبة ينمي امثال هؤلاء الخطباء المشار اليهم اعلاه، سواء في منشوراته او في كتبه الدراسية.

 

سيتهمني البعض بانني كنسي، ولاعترف انني لا اعلم ما هو نوع التهمة وماذا يقصدون بالكنسي، ولكن المعلوم ان الكنيسة هي مكان للعبادة شأنها شان المسجد والكنيست والمندي واي معبد للعبادة لاي ديانة، من الطبيعي ان اي انسان يرى ان دينه صحيح والا لما بقى عليه، ولكن نحن لا نناقس صحة الدين من عدمه، بل صحة الممارسات التي يتم ممارستها باسم الدين والتي يتم التغطية عليها من خلال كتب وايات ومواقف من الدين. وادرك ان البعض سياتيني بامثلة من اوربا كحرق الساحرات او مسألة المورسكيين او حتى ما يدعي بالحرب الصليبية والهنود الحمر، متناسين ان معالجة هذه الامر والفضائع التي حدثت باسم الكنيسة وباسم الايمان فيها، تم ادانتها من قبل ابناء الكنيسة والكنيسة والمؤمنون بعد ذلك، قبل ان تصل الى قراء العربية بكثير، هذا اذا نحن حكمنا على كل ما يقال انه حقيقي في هذا المجال. ولكن الخطاء والاجرام يجب ان لا يبرران باخطاء الاخرين، والا لكان كل المجرمين خارج السجون.

في الكنائس المسيحية، هناك ايضا خطبة او ختام او كلمة الشكر تقال، فالكاهن في كلمته يتكلم عن امور الرعية ويطلب لهم الصحة والسلام ويوجههم لتلافي الاخطاء والخطايا، ولكن الكاهن ملزم بقراءة الختام وهي تختلف من يوم الى اخر ومن قداس الى اخر، ولكنها على العموم تتميز بالطلب من الباري مطالب فردية او عامة وهي مطالب تتعلق بطلب الغفران من الخطايا ولكي لا نطول عليكم اتيناكم بهذه القطعة الصغيرة والتي تقال في ختام صلاة الصباحية في كنيسة المشرق الاشورية، ترجمها من اللغة الادبية لي الاخ الارشمندت عمانوئيل بيتو يوخنا مشكورا 

((ختام صلاة الصبح بحسب طقوس كنيسة المشرق الرسولية

 اهد (او ابعث بمعنى الاهداء المجاني) يا سيدنا والهنا بنعمتك في هذا الصباح: الخلاص للمظلومين، الافراج (بمعنى فك الاسر) للماسورين، الفرج للمتعذبين، الشفاء للمرضى، القرب للمبعدين، الحماية للمقربين، الغفران للخطاة، القبول للتائبين، السمو للصديقين، القوت للمساكين، العثور على المفقودين، العودة للمطرودين، التذكار الصالح والمقبول للمنتقلين (اي: المتوفين)، الرحمة والحنان لكل الخليقة. واصنع معنا ومع الجميع ما يعيننا نحن الضعفاء والمذنبين وما يليق بجلالك، بنعمتك ومراحمك، الان وفي كل اوان الى ابد الآبدين، آمين.)) 

وكما تلاحظون هي عامة وتخص الكل وليست مختصة باتباع دين معين لان الكل ممكن ان تمرض وان تمر بظروف عصيبة. اذا المطلوب هو الوعي بقدسية الانسان، فالانسان حسب المفهوم الايماني للديانات اليهودية والمسيحية والاسلامية، مخلوق من الله، وهو من نسل ادم وحواء، وبالتالي فنحن بني البشر بهذا المفهوم اخوة من بنوة ادم وحواء، والالاهالذي خلقنا كلي القدرة، لا بل ان كلمة منه كن فيكون، تصنع كل ما يريده، فهل هذا الله يمكن ان يخطاء ويطلب من البشر ان يقوموا بتنفيذ ما لا يرضاه. هل حقا ان القتل واللعن والكره والحقد وتشبيه الناس بانهم اولاد القردة والخنازير، هي من صفاة الله الذي من المفترض ان يدرك انهم من نسل ادم وهو الذي نفخ فيه من روحه. باعتقادي ان الله ليس بحاجة لمن يدافع عنه ولا الانبياء وهم على كل يعودون للكل البشرية ومن حق كل من ان يؤمن بهم او لا، ومن حقهم (الله والانبياء) ان يحاسبونا بعد الموت كما قالوا وليس هناك مانع في ذلك، ولكن المانع هو في سرقة هذه الصلاحية التي هي لهم من قبل بعض البشر والقيام بالقتل عوضا عنهم، وكانهم عاجزين عن القيام بواجبهم.

امام انبلاج يوم جديد في تقويمنا السنوي، نتمنى ان نرى السلام يعم العالم، يعم هذه الكرة السابحة في الفضاء والتي حجمها بقدر حجم راس الدبوس في مجرتنا، فكيف سيكون حجمها مقارنة بالكون، وكم سيكون حجم الانسان اذا؟ فلننقذ الانسانية من مرض الكره والحقد، ولنعبر الى صف صانعي السلام والمحبة، المحبة ليست كلمة انثوية او جنسية او تتعلق بالعشق، المحبة هي ذلك الفضاء الواسع الرحب الذي يتسع للجميع

 

 

هل تصح هذه المقارنة؟

 

قبل فترة كنت استمع الى تقرير عن احوال الاقباط في مصر، وضمن التقرير كانت هناك فقرة هي عبارة عن مقابلة مع رئيس تحرير احدى الصحف المصرية الذي اورد ما يلي (لقد نقلت وكالة الانباء الفرنسية عن احد رجال الدين المسيحيين المصريين قوله انهم يمتلكون في منطقته فقط عدد كبير من الكنائس اعتقد ان عددها كان سبع عشر) ومن هنا قال رئيس التحرير هذا (هل يمكن ان تقولوا لي عن منطقة او ولاية امريكية تحتوي على هذا العدد الكبير من المساجد او الجوامع؟)، طبعا قال ليدلل على ان المسيحيين الاقباط غير مضطهدين بل انهم يتمتعون بكامل حقوقهم ان لم يكن اكثر.

بعد كل حدث يكون فيه المسيحيون ضحايا لاعتدات عنصرية ولاسباب دينية، ينبري لنا البعض لتذكيرنا بما عاناه ويعانيه المسلمون في الغرب او ابان الحرب الصليبية او في الاندلس.

والسؤال الذي يؤرقني فعلا لماذا يتم دائما مقارنة مسيحيي الشرق بمسلمي الغرب، وياترى هل تصح مثل هذه المقارنة؟

المسيحيون في الشرق هم سكان أصليين لبلدانهم، وبالأخص في العراق وسوريا ولبنان والاردن ومصر، لا بل كان يوجد مسيحيون في منطقة الخليج والجزيرة العربية (السعودية) واليمن، في هذه المناطق وفي ليبيا والجزائر والمغرب تم التخلص من المسيحيين حيث لم يبق من سكانها الاصليين باقين على ديانتهم المسيحيية الا ما ندر، اما من العراق الى مصر فلا يزال هناك تواجد مسيحي من السكان الاصليين، وهذا لا يعني تجريد المسلمين من اصالة وجودهم في هذه البقعة، الا انهم بلا شك اعتنقوا الاسلام بعد الاستعمار العربي الاسلامي لبلدانهم، وبعد ان أرهقوا بالجزية والقوانيين المهينة.

ان المسيحيين ليسوا طارئين على هذه الديار، فان رجعنا الى التاريخ لوجدنا ليس هذا العدد القليل من الكنائس والاديرة، بل لاكتشفنا الالاف منها وقد اندثرت او تم تدميرها او تحولت الى جوامع ومساجد.

اذا ان عدد كنائس المسيحيين هو في حالة الانحسار لا بل حتى اعدادهم في حالة انحسار، وهذا الانحسار ليس لعدم الايمان بل بسبب قيود وقوانيين تمييزية ضدهم.

نحن مسيحيي هذه البلدان لم ندخلها لا جئين أو مهاجرين أو مستعمرين، بل نمتلك فيها أراضي وتراث وتاريخ مجيد، ولن نتجاوز الحق لو قلنا ان ما عرف بالحضارة الاسلامية ابان الفترة الاموية والعباسية، تم على يد المسيحيين من سكان البلاد الاصليين، فهم من وضع قوانيين الادارة التي لم يكن للمسلمين دراية بها، فدراية المسلمين البدو كانت في الغزو فقط، فهذا هو منصور بن سركون (يوحنا الدمشقي) اول وزير لبيت المال في خلافة معاوية، ولن يكون لنا مجالا لنذكر كل من ساهم في الطب والترجمة والرياضيات والفلسفة من المسيحيين. ولقد عاش المسلمين والمسيحيين كل هذا التاريخ سوية بكل مأسيه وويلاته، وتعرض المسيحيين في هذه الفترة لابشع اذلال واقترفت بحقهم المجازر المتعددة.

اما مسلموا الغرب فهم في اكثرهم مهاجرون حديثوا العهد في هذه البلدان، وبالتالي لا يمتلكون ارثا تاريخيا فيه، كما ان اعدادهم قليلة نسبة الى السكان، الا انهم يتمتعون بكامل حقوقهم الدينية والممنوع عليهم ممنوع على الاخرين دون محاباة، فالقانون حيادي من هذه الناحية، فاذا اراد شخص او مجموع بناء مسجد او كنيسة او معبد فما عليهم الا الالتزام بالقوانيين المعمول بها، كما ان حق التبشير بديانتهم مضمونة وليس هناك اي تضييق من هذه الناحية، بل ان الكثيرين من المشاهير قد اعتنقوا الدين الاسلامي، وهم يعيشون في بلدانهم ولم ينتقص هذا الاعتناق من حقوقهم شيئا، في حين ان اعتناق المسيحية من قبل اي مسلم في شرقنا السعيد، قد يعرضه للقتل تطبيقا لقول النبي العربي (من بدل دينه فاقتلوه) ولا تطبق الاية (لا اكراه في الدين) او (ان ربكم خلقكم شعوبا وقبائل لتتعارفوا الى اخر الاية) علما ان الايات كلام الله حسب الاعتقاد الاسلامي.

في اي محاولة لتصحيح واقع المسيحيين وبقية الاقليات الدينية، نتهم فورا باننا ناكري الجميل لاننا لا نرى كيف ان الاسبان قد قضوا على المسلمين واليهود، فيما المسلمون قد ابقوا عليهم والدليل تواجد المسيحيين في هذه البلدان لحد الان.

بالطبع انه لا يمكن تبرئة المسيحيين في اسبانيا من طرد المسلمين بعد أن استعمروها لاكثر من اربعمائة سنة، وليس بمقدورنا ان نمنح للمسيحيين جميعا صك البراءة لانه غير ممكن، ولكن أليس من حقنا ان نشير الى اخلاء الجزيرة العربية من المسيحيين واليهود، اخلاء منطقة الخليج واليمن وليبيا والجزائر والمغرب، علما ان كل هذه الدول كانت عامرة بالمسيحيين.

اذا المسألة ليست كذالك فنحن لسنا مسؤولين عمَّا اقترفه المسيحيين في اسبانيا او حتى في الحروب الصليبية، فقاعدة ان المسلمين كلهم اخوة، والتي يحاول المسلمون تطبيقهات عكسيا اي ان المسيحيين اخوة ولذا يمكن اخذ مسيحي المشرق بجريرة مسيحيي الغرب، هذا اذا كانت هناك جريرة اصلا، لا تصح ابدا.

نحن مواطنو هذه البلدان، ونتفق مع مواطنينا المسلمين بالكثير من الخصال الطيبة والسيئة، ولكننا نختلف في انتماءنا الديني، من حقنا ان نفتخر بهذا الانتماء، من حقنا ان نرسخ هذا الانتماء وان نطوره، من حقنا ان نطالب بحصتنا من الموارد ومن حق ديننا ان يتمتع بالمساواة مع اي دين في اوطاننا، ومن حقنا ان نعامل كمواطنين لا تنقص من مواطنيتهم شيئا لانهم من دين مغاير.

المطلوب اليوم هو تطوير النظرة الى الانسان وحقوقه، ويجب على المسلمين الكف عن النظر الى مواطنيهم كأهل الذمة، والكف عن النظر اليهم وكأنهم امتداد للأجنبي المتفق معهم دينيا والمغاير قوميا ووطنيا وحضاريا، ان بقاؤنا واستمرارنا في الحياة ليس منة بل هو بجهد ونضال وتضحيات كبيرة، فكفى المقارنة الظالمة والتي قد يخدع بها السذج ولكنها لن تنطلي على من يريد ان يبنى اوطانا رحبة واسعة مفتوحة الذراعين لكل المواطنين.

2 تشرين الثاني 2005

حقوقنا في ظل الشريعة الإسلامية

 

لا نزال نحن الآشوريين في كل مناقشاتنا وكتاباتنا نولي الاهتمام كله للوضع الاشوري الداخلي، اقصد إن اغلب هذه المناقشات محصورة في حل إشكالية تعدد التسميات وتعدد الطوائف والأحزاب والمؤسسات.

لا أنكر أهمية ذلك، حيث إن وحدة الشعب وإزالة كل المعوقات التي تجابه هذه الوحدة مطلب قومي، من واجبنا العمل الجاد لتحقيقه، ولكن هذا الامر يكاد يجعلنا لا نلاحظ ما يحدث حولنا، حتى ليعتقد المرء بان اشغال شعبنا بالمشاكل الداخلية أمر مقصود ومخطط، وما يحدث حولنا له التأثير الكبير في مسارنا القومي بما لا يترك المجال لناكر لينكره، فدراسة التطورات الجارية في منطقتنا، ومعرفة إلي أين تتجه الأمور، ودراسة علاقتنا بجيراننا من العرب والأكراد ماضيا وحاضرا ووضع تصور لها مستقبلا يساعد في توضيح الرؤية أمام أبناء شعبنا، لا بل سيفتح أبواب الأمل للعمل القومي عندما تتوضح صورة المستقبل اكثر وتزول من الصورة المستقبلية الغموض الحالي.

نحاول من خلال هذه المقالة دراسة ظاهرة أخذت خلال السنوات الأخيرة تتوسع، لا بل لها من يدعمها، واقصد بها ظاهرة الإسلام السياسي. فهذه الظاهرة وان كانت قد بدأت في الثلاثينيات من القرن الماضي من خلال الأخوان المسلمين، هذه الجماعة التي أسسها (حسن البنا) فان تأثيرها كان محدودا ومحصورا، ولكن منذ بداية السبعينيات من القرن الماضي، نلاحظ اتساع نطاقها حيث تأسست تنظيمات وأحزاب هدفها إقامة الدولة الإسلامية وتطبيق الشريعة الإسلامية، مدعومة من قبل دول وقاعدة في حالة اتساع، تمارس الحكم في بعض البلدان وتشارك فيه في بلدان أخرى أو تعمل كأحزاب معارضة علنية أو تعمل لتقويض الحكم في بلدان أخرى، رافعة شعار (الإسلام هو الحل)، والهدف أسلمة الحياة، فالحكومة يجب أن تكون إسلامية والقوانين والعلوم والأرض والحقوق كلها يجب أن تكون إسلامية، وأين؟.. في بلادنا، التي هي جزء مما يسمى بالبلدان الإسلامية، وماذا سيكون مصيرنا نحن الآشوريون، كون غالبيتنا مسيحيين؟ وما سيكون مصير اليزيدية أو الصابئة المندائيون أو غير المؤمنين بالإسلام دينا لو طبقت الشريعة الإسلامية؟

لا أود استباق الأمور وإعطاء إجابة قاطعة، ولكن لنلاحظ ما يقوله الإسلام عن غير معتنقيه من أهل الكتاب (المسيحيون واليهود) ومن غير أهل الكتاب. كما يجب أن ندرك بأن ما سوف يطبق أحكام إلهية غير خاضعة للمناقشة ناهيك عن المعارضة، بحسب اعتقاد المسلمين، والمعارض كافر وعقوبته القتل (قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخرة ولا يحرمون ما حرمه الله ورسوله ولا يدينون دين الحق من الذين أوتوا الكتاب حتى يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون). ولتأكيد وجوب تطبيق الشريعة الإسلامية، وان الإسلام دين ودولة، أي إن الشريعة واجبة التطبيق (يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم، فان تنازعتم في شئ فردوه إلى الله والرسول إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخرة ذلك خير واحسن تأويلا).

لقد درسنا كلنا في الكتب المدرسية عن سماحة الإسلام والمسلمون تجاه أهل الذمة، وقرأ الكثيرون منكم الآية (لتجدن اشد الناس عداوة للذين آمنوا اليهود والذين أشركوا ولتجدن أقربهم مودة للذين آمنوا الذين قالوا انا نصارى ذلك بان منهم قسيسين ورهبانا وانهم لا يستكبرون) سورة المائدة 82.

إن من حق المسلمين ممارسة إيمانهم بالصورة التي يروها مناسبة لهم، ونحن نحترم هذا الحق، ولكن المرفوض هو فرض القيم ومفاهيم الدين الإسلامي على غير المسلمين على إنها قوانين إلهية واجبة التنفيذ وغير قابلة للنقاش. والفرض حصل في التاريخ من خلال قوة السلاح (الجهاد) أو بإلغاء تكافؤ الفرص الاقتصادية من خلال فرض ضرائب على الذميين (الجزية) أو بقوة القوانين (تطبيق الشريعة الإسلامية)، التي تفرق ما بين معتنقي الإسلام وغير معتنقيه، لا بل تدعو صراحة إلى قتل المشركين.

أهل الذمة…

ما المقصود بأهل الذمة التي ترد في كتب الفقهاء والمشرعين الإسلاميين..

يقصد بهذا المصطلح اليهود والمسيحيين والصابئة المندائيين من أبناء البلدان الواقعة تحت الاحتلال الإسلامي، وحسب هذا التعبير هم (أي اليهود والمسيحيين والصابئة) ذمة بيد المسلمين من الله، وإذا كان مانح الذمة شخص معنوي وغير مرئي ولا يظهر قوته في حماية ذمته أو المطالبة بها في هذه الحياة، فان بإمكانك التصرف بالذمة بالطريقة التي ترتئيها، وخصوصا إذا تم تأييد التصرف بآيات من القران الكريم، فالقران في موقفه من أهل الذمة (أهل الكتاب) يتأرجح ما بين القبول التام، والعداء الشديد، حسب التاريخ الزمني لنزول الآية القرآنية، وقوة الإسلام العسكرية والاقتصادية، فنلاحظ التركيز في الآيات التي نزلت في مكة التودد لأهل الكتاب، أما الآيات التي نزلت في المدينة فتبدأ التشكيك في اليهود أولا بعد السيطرة على يثرب (المدينة)، وكلما استقوى مركز الإسلام السياسي اشتد الهجوم وشيئا فشيئا شمل المسيحيين.

(إن الذين آمنوا والذين هادوا والصابئة والنصارى من آمن بالله واليوم الآخرة وعمل صالحا فلا خوف عليهم ولا هم يحزنون)، الذي يقرأ هذه الآية يأخذه العجب من المساواة، ولكن هذا شئ والآيات التي تليها زمنيا شئ آخر.

قبل أن نذكر الآيات التي تناقض ما سبق أود الإشارة إلى حالة أخرى وهي الناسخ والمنسوخ، ويقصد بها في الفكر الإسلامي، إن وجد تناقض بين أية آيتين، فان الآية اللاحقة زمنيا تلغي ما سبقها، وإذا علمنا بان اغلب الآيات التي تدين المسيحية تقارنها بالشرك نزلت متأخرة، أدركنا مدى إمكانية سهولة الانتقال ما بين المواقف المتسامحة وبين التي تطالب بالإبادة التامة، حسب الظروف السياسية للمسلمين، ويمكن بسهولة تبرير الاضطهاد استنادا على الآيات التالية:

(وقالت اليهود عزير ابن الله، وقالت النصارى المسيح ابن الله ذلك قولهم بأفواههم يضاهون قول الذين كفروا من قبلهم قاتلهم الله أنى يؤفكون) التوبة 30

(اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أربابا من دون الله والمسيح ابن مريم وما أمروا إلا ليعبدوا إلها واحدا إلا هو سبحانه عما يشركون) التوبة 31

(والمسيح ابن مريم إلا رسول قد خلت من قبله الرسل وأمه صديقة، كانا يأكلان الطعام انظر كيف نبين لهم الآيات ثم انظر أنى يؤكفون. قل أتعبدون من دون الله ما لا يملك لكم ضررا ولا نفعا والله هو السميع المجيب) المائدة 74 و75

وهذه الآيات توقع المسيحيين في الشرك، انظر ما يقوله القران الكريم في المشركين:

(فإذا انسلخ الأشهر الحرم فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم وأحضروهم واقعدوا لهم كل مرصد، فإذا تابوا وآتوا الصلاة وآتوا الزكاة فخلوا سبيلهم إن الله غفور رحيم) التوبة 5

وهكذا فالخلاص يكون باعتناق الإسلام، وإلا فالقتل.

استقبل أبناء شعبنا الاحتلال الإسلامي بالترحيب في البداية، ظنا منهم بأنهم سيتخلصون من الاضطهاد الروماني والساساني، إلا إن الأحداث كذبت توقعاتهم، فقد جاءهم مضطهد آخر لا يختلف عما سبقه إن لم يفقه، ففي البداية عقدت مواثيق ما بين السلطات الجديدة ورؤساءنا الدينين تضمن حقوق المسيحيين ولعل خير مثال كان عهد نجران الذي قدمه النبي محمد لمسيحيي اليمن، ولكن باستلام عمر بن الخطاب (الفاروق)، تغيرت الحال تدريجيا، فبدأت الضغوط في البداية على المسيحيين في الجزيرة (شبه الجزيرة العربية) للخروج من المنطقة أو اعتناق الإسلام، أعقبها في مناطق أخرى بعد حين قوانين تحد من حرية بناء الكنائس أو تجديد القديمة منها. ولعل ما نجده في قانون عمر المنسوب إلى عمر بن الخطاب، وان كنا نعتقد بان بدايته كانت في زمن عمر بن عبد العزيز ووصل إلى صياغته النهائية في زمن المتوكل الخليفة العباسي، وينص هذا القانون على: منع بناء الكنائس الجديدة حتى في حالة التدمير أو القدم، ومنع عرض الصلبان في الطرق التي يرتادها المسلمون، ومنع الاحتفاظ بالأسلحة في المنازل وعلى المسيحيين عدم معارضة دخول المسلم إلى الكنيسة، وعليهم أن يخلوا الصدارة للمسلمين، والوقوف باحترام أمام المسلمين، ومنع عليهم ركوب الخيل وان يتمنطقوا بأحزمة متميزة وان يكون لون ملابسهم ازرق أو رمادي، وعليهم تقديم المساعدة للجيوش الإسلامية كأولاد، وان يقوموا ببناء الجسور للجيوش الإسلامية على نفقتهم الخاصة، وعليهم أن يستضيفوا المسلمين لمدة ثلاثة أيام، وعليهم أن لا يقبلوا ارتداد المسلم عن دينه، وعليهم أن لا يمنعوا لا بل أن يحترموا اعتناق أحدهم الإسلام، ويحرم على الذمي (المسيحي أو اليهودي) الزواج من مسلمة ويعاقب بقسوة، القتل، في حالة عدم اعتناقه الإسلام، ويسمح للمسلم الزواج من الذمية شرط إسلام الأولاد، ويحرم عليهم الشهادة في المحاكم، هذا عدا عن وجوب دفعهم الجزية (ضريبة خاصة بأهل الذمة) والخراج. (ما زال العديد من هذه القوانين نافذا في الدول الاسلامية).

أمام هذا التمايز القانوني والاقتصادي المهين، ضعفت قدرة المقاومة عند أهل الذمة عموما والمسيحيين خصوصا بمرور الزمن. وإذا علمنا بان اغلبهم (المسيحيين) كان يمتهن الزراعة، لأدركنا صعوبة وثقل الضرائب المتوجب عليهم دفعها، كما وفي الغالب كانوا معرضين لهجمات جيرانهم المسلمين دون أن يجدوا من السلطات الحماية، وكان الخلاص باعتناق الإسلام. وهذه العملية (أي اعتناق الإسلام) كانت فردية في الغالب، أو بشكل قرى منعزلة عن المحيط المسيحي، واستمرت إلى بداية القرن العشرين. ولذا فان اعتناق الإسلام بهذه الصورة كان يصاحبه ترك التحدث باللغة السابقة والتماهي مع الإسلام سواء باتخاذ العربية أو الكردية لغة للحديث اليومي.

يقول مؤلفا (سياسة واقليات في الشرق الأدنى) لورانت واني شابري (ولعل اشد الممارسات الإسلامية المعادية لأهل الذمة كانت تصدر عن من كان يعتنق الإسلام حديثا، من الأقوام غير العربية، فممارسة الاضطهاد كان يمثل بالنسبة لهم في آن واحد، ممارسة للسلطة المرتبطة بالنظام الجديد الذي قلدهم إياها إيمانهم الجديد، وتعميق المسافة التي باتت تفصل هؤلاء المهتدين الجدد عن ماض كانوا يرغبون بنبذه).

هذا هو الماضي. ماذا عن المستقبل فيما لو نجح الإسلاميون في الوصول إلى الحكم؟

اعتقد إن الإطلاع على رأي بعض المفكرين والقيادات الإسلامية ومنتقديهم، يعطينا الفكرة الواضحة عن المستقبل الذي ينتظرنا في ظل مثل هذا الحكم. وهذه هي أحد غايات هذه المقالة، كشف المستقبل، لحث قيادات شعبنا لوضع تصور مستقبلي خاص بنا نعمل جميعا لوضع آلية لتحقيقه.

يقول رضوان السيد: (شهدت العقود الثلاثة الأخيرة انقساما ما بين رجالات الفكر الإسلامي على صورة تيارين: تيار الخلافة الإسلامية القوية التي تطبق الشريعة، وتحظي بسلطات غير محدودة باعتبارها سلطة الله على الأرض. وتيار الشوروية الإسلامية، التي تريد الوصول إلى مشاركة سياسية، عن طريق القول بوجوب الشورى). الحياة العدد 11372

إذن كلا التيارين لا يختلف في مسالة وجوب تطبيق الشريعة الإسلامية، التي هي أمر إلهي، ومن لم يحكم بها يوصم بالكفر (ومن لم يحكم بما انزل الله فأولئك هم الكافرون)، ولكن الاختلاف قد يكون في صيغة الحكم، خلافة أم وجوب الشورى، والذي يجب أن يستشار في اغلب طروحات الإسلاميين هو العالم المؤمن المتمكن من دينه.

تذكر منظمة حماس في أدبياتها حول الأرض (إن ارض فلسطين، ارض أوقاف، والشريعة تنص على إن أية ارض حصل عليها المسلمون بالقوة، تصبح وقفا إسلاميا ومن الحرام التنازل عنها، او عن أي جزء منها، فهذه الأوقاف تركة إسلامية أبدية). جريدة الحياة العدد 11003..

وهذا ينطبق ايضا على اراضينا!! هذا وبالرغم من خصوصية خطاب حماس، الذي قد يكون موجها ضد مفاوضات السلام الفلسطينية الإسرائيلية، إلا انه من الثابت انتشار مثل هذا الخطاب، فالأرض الاسلامية، والبلدان الاسلامية مصطلحان شائعان في الفكر الإسلامي القديم والحديث. ومن يطالب بحقوقه فيها من غير المسلمين يعتبر عدوا للمسلمين، ولا ننسى هنا أن نشير بان الأرض مقسمة في الفكر الإسلامي ما بين دار الاسلام (أي الأرض الخاضعة للحكم الإسلامي) ودار الحرب (التي تخضع لحكم غير المسلمين)، والتي يجوز إعلان الحرب عليها.

يقول الشيخ الغزالي، المعتبر معتدلا، في شهادته في قضية مقتل الكاتب العلماني المصري فرج فودة (الذي اغتاله الإسلاميون بحجة الكفر والردة)، إن حكم الله لا يلغيه أحد، ولو نفذه أحد الناس فانه يكون مفتئيا على السلطة. وعندما سئل عن عقوبة المفتئي في الشريعة الإسلامية، قال لا اذكر إن لها عقوبة. وبصريح العبارة انه يمكنك أن تقتل أي شخص بحجة تطبيق حكم الله، وان تتخلص من العقوبة. وعقوبة المرتد في الإسلام هي القتل، استنادا إلى قول النبي محمد (ومن بدل دينه فاقتلوه). والمرتد هو كل من كان قد اعتنق الإسلام دينا، أو ولد لأبوين مسلمين، (سلمان رشدي مثلا) أو كان أبوه مسلما، واعتنق دينا آخر، أو شكك في تعاليم الإسلام.

إن كل إنسان يدعي الإسلام والتدين به سيجد في آيات القران ما يؤيد مسلكه، ( قال الامام علي عليه السلام ان القرأن حمال اوجه) ويعتبر ما يقوله هو الدين نفسه.

يقول عمر عبد الرحمن إمام الجماعة الإسلامية في مصر (إذا ثبت إن هناك من لم يحترم نظام الإسلام فلا عهد له عندنا، وعندما نجد في المينا (مدينة مصرية) 55 فتاة غرر بهن من قبل الأقباط وانتهكت أعراضهن في حادثة معروفة، وكشف الإسلاميون مثل هذا، فيجب حينئذ أن يردوا ويحاسبوا المتجاوز) الحياة العدد 10993.

وهكذا فالمعتدل والأصولي يتفقان بأن من حق المسلم العادي ممارسة دور العدالة، بدون انتظار نتائج التحقيق -هذا إذا كان من حق أحد في أن يحقق في ممارسة أي شخص لحياته الشخصية، أو في اعتناق فكر معين. وكما رأينا فمن حق المسلمين قتل الأقباط أو الليبراليين، لان أحدهم اقنع فتاة مسلمة بالظهور في أفلام إباحية (وليس 55 فتاة كما قال الشيخ عبدالرحمن)، أو لان أحدهم دعا إلى فصل الدين عن الدولة، وقضية الدكتور أبو زيد معروفة، حيث قررت محكمة رسمية تفريقه عن زوجته بدون رضاها لانه اعتبر مرتدا، في قضية رفعها شخص غريب عن العائلة.

أما في حالة استباحة اعراض القبطيات فلا سلطة لقانون.

يقول الكاتب الإيراني حسن طاهري خرم ابادي (إن ولاية الفقيه هي كإمامة الإمام المعصوم، منصب يمنح للفقيه من قبل الله، وبتعبير آخر أمانة إلهية ومسؤولية يتعهدها الفقيه بأمر من الباري تعالى، وليس لرأي الناس أو انتخابهم أي دور في إثباتها مطلقا. والخلاصة هي إن تأييد الرأي العام ليس شرطا لإثبات الولاية، فإذا جعل الله شخصا ما وليا للأمر فله الولاية حتى وان رفض الشعب قيادته وزعامته).

هذه هي طروحات الإسلام السياسي، وفي ظل مثل هذه القوانين سيتم حكمنا إذا استلم الإسلاميون الحكم. إن ما سقناه لا يعني إن كل المسلمين من أنصار الحكم الإسلامي، وهناك الكثيرين الذين قدموا حياتهم رخيصة لمعارضتهم مثل هذه الأفكار الرجعية، ولكن الحقائق الموجودة على الأرض، تقول إن نسبة المسلمين من مجموع السكان في العراق 90 % وسورية تقدر بحوالي 85% أما في تركيا وإيران فتبلغ النسبة اكثر من 97%، ورغم أن سكان هذه الدول تتألف من شعوب متعددة (عرب، تركمان، فرس، أكراد، اشوريين، ارمن، بلوش، وغيرها) إلا إن غالبية السكان هم مسلمون دينا. والأحزاب الإسلامية لها مواقع قوية في هذه الشعوب، ونحن الآشوريون أقلية قومية ودينية في المنطقة التي تعيش مخاضا لإيجاد حلول لمشاكلها المزمنة والناتجة عن الحكم الدكتاتوري لحقب طويلة. والخوف اليوم أن يتمخض هذا المخاض عن وليد مشوه لعمليات تجميل لا تصل إلى استئصال أسباب عدم الاستقرار والتي نرى إن من أهمها اضطهاد الاقليات والدكتاتورية السياسية، ونقصد بالتجميل إضفاء صفة أو لمسة الديمقراطية على الحكومات القائمة، أو المجيء بحكومات تدعي الديمقراطية.

قد يقول قائل، لتأتى حكومة تدعي الديمقراطية فأنها بلا شك افضل بكثير مما هو قائم، نعم إنها افضل لأننا ذقنا من حكوماتنا الحالية كل ما يهين كرامة الإنسان، ولكن تصورنا للأمور هو أن أي حل يجب أن يأخذ بنظر الاعتبار العوامل المؤدية للاستقرار السياسي، وهذا الاستقرار لا يتأتى فقط برفع شعار الديمقراطية ولا حتى لو طبقت بالصيغة المطروحة ( تعددية سياسية وانتخابات حرة).

السؤال الذي يتبادر إلى الذهن، في ظل الواقع الديموغرافي المار الذكر، ما مصيرنا حتى لو طبقت الديمقراطية؟

حتى لو فازت أحزاب علمانية (حزب البعث العربي الاشتراكي حزب علماني بمقاييس البعض، اقر تدريس تفسير القران فرضا على جميع الطلبة بمختلف انتمأتهم الدينية و دون في الدستور العراقي إن دين الدولة الرسمي هو الإسلام، وقد أعاد العمل بقانون يوجب على الأبناء اعتناق الإسلام في حالة اعتناق أحد الوالدين الإسلام)، فلو فرضنا إن الأحزاب العلمانية والليبرالية استلمت الحكم، ماذا يضمن لنا حقوقنا، إذا لم نكن ممثلين في المجالس التشريعية والتنفيذية؟ ومن يضمن لنا بأنه يمكننا أن نعبر عن انتماءنا (كل الممارسات التي تعبر عن هذا الانتماء)؟ إن المطلوب ليس رفض الديمقراطية، ولكن تطويرها بما يزيل الغبن والخوف لدى الاقليات الأقل عددا. في العراق مثلا يمثل العرب اكثر من 80 % من السكان، هذه النسبة وتشتت القوميات الأخرى يساعد العرب على السيطرة على غالبية أي مجلس تشريعي ينتخب، وبالتالي من حقهم إصدار القوانين التي يرون إنها تحقق مصلحة البلد، حسب رؤياهم، ولكن أين ستكون رؤية الآخرين للوطن؟ أليس أبناء الوطن كلهم شركاء فيه؟

الشراكة تعني تقاسم الأرباح والخسائر بعدالة ما بين الشركاء، هل من ضمانة أن لا يكون نصيبنا غير تحمل الخسائر؟ المطلوب التمتع بضمانات لكي لا تسود قوانين الأكثرية على حساب الأقلية، ولنلاحظ هنا إن الأقلية والأكثرية هنا هم شعوب وقوميات، وليست ضمن شعب أو مذهب ديني واحد لكي تنطبق عليها مفاهيم الديمقراطية السياسية المعمول بها في الدول ذات التجانس القومي أو الديني. وإذا شعرت قومية ما بالغبن، ما الذي سوف يمنعها من المطالبة بإزالة هذا الغبن بكل الطرق المتاحة. على ضؤء ما ذكرناه فأننا لا نتوقع لبلدنا الاستقرار، في ظل الحلول المطروحة، والتي تركز على التعددية السياسية، دون اخذ عامل تعدد القوميات في الحسبان ومطالبتها (القوميات) بالمساواة.

اكتب هذا وأمام نظري العراق كمثال، فالعراق كبلد في مهب الريح، والحلول المطروحة لحل مشاكله المزمنة تعني تقسيمه ما بين الأقوياء، اعني العرب (الشيعة والسنة) والأكراد، كل حسب قوته، فأين حقوق الآشوريين والتركمان والأرمن من الناحية القومية، وإذا ذكرت في أدبيات بعض الأحزاب فأين الضمانات؟ هذا من الناحية القومية، أما دينيا فالعرب والأكراد مسلمون، فهل هناك ضمانات للمسيحيين واليزيدية والصابئة المندائيين والكاكائين، لكي لا يعاملوا كأهل الذمة في حالة سيطرة الإسلاميين على مقاليد السلطة ولو عبر صناديق الاقتراع؟ عندما نطالب بضمانات فأننا لا نريد سماعها شفاهة، وإنما مواد دستورية غير قابلة للتجاوز، ولكي نحفظ للعراق وحدته ولجميع أبنائه المساواة، فإننا نرى، أن يتم صياغة مشروع قابل التنفيذ للعراق المستقبلي ويضمن حقوق الشعوب كافة.

أوائل التسعينيات للقرن العشرين

 

انهم يفرضون اجندتهم على الكل

 

الكلمة التي تقال او تكتب يمكن لها ان تكون دواء ويمكنها ان تكون سيفا بتارا، والمسوؤلية هي مسوؤلية الكاتب..

والكاتب المثقف، ولكي يستحق تسميته بـ (الكاتب المثقف) عليه ان يزرع ما يطور الحياة ويبني السلام والمحبة، هذه المحبة التي هي ارقى مراحل الحس الانساني.. ولكن احيانا يصعب على المرء ان يكتب من منطلق العقل والمنطق، فيخرج الى رحاب المشاعر.. والطامة الكبرى تحدث عندما تكون هذه المشاعر كلها حقد وكراهية للاخر، حتى من دون معرفة حقيقته.

بقدر ما يتعلق الامر بي، احاول جاهدا ان اكون محايدا في ما اكتب. احاول ان افهم الاخر، وفي ذات الوقت انقل له مخاوفي. اني اخجل كثيرا من نفسي، عندما اقرأ واسمع واشاهد اخوتي المسلمين وهم يرفعون رايات الدفاع عنا نحن المسيحيين، فاقول في نفسي ربما اسأت فيما اكتب لهم احيانا عن الاسلام، حتى وان كان من دون قصد.

اقول يا ترى لو التقيت ببعضهم، الا يوجهون سهام نقدهم الي؟ اسئلة تراودني، ولكنني بما كتبت ابتغيت دوما نقد ممارسات واظهار المخاوف التي فشلنا في ايصالها الى الاخوة المسلمين.

ولكن في ظل حملة استمرار الاعتداءات على اخوتنا وبني قومنا، لا لسبب الا لكونهم مسيحيين، ياخذ العقل استراحة او يغيب. والذي يبقى مسيطرا هو المشاعر.

ونحن الشرقيين نمتلك عموما مشاعر نارية وبالاتجاهين المتناقضين، مشاعر نارية عندما نحب، ومثلها عندما نكره.

نعم خسرنا الكثير.. خسرنا الشهداء الذين استشهدوا ليس لجريمة او ذنب ارتكبوه، وليس لمجرد انهم تواجدوا لسوء الحظ في الزمان والمكان غير المناسب فاصابتهم قذيفة او شظايا انفجار، بل استشهدوا لانهم مسيحيون ليس الا. ثم خسرنا من بعدهم، ولذات السبب ايضا، الطمأنينة.

فعندما تعيش في بلد او مدينة او حتى قرية، يتشارك في سكنها مواطنون من مختلف الاديان، ويستل السيف للقتل على الهوية الدينية، فانك حتما لن تطمئن الى جارك من الدين المخالف حتى لو كنت قد عرفته وعاشرته انسانا ودودا. فما ادراك انه كان يبطن ما لا يخفي. فاحتمال ان تأتيك الضربات من كل ناحية هو احتمال وارد في كل حين ما دامت الطمانينة مفقودة. فكيف سيكون حالك اذا كنت من مجموعة سكانية قليلة العدد، قياسا بمن بأسمهم استل سيف القتل؟

هل نظل نستمر القول ان من يمارسون هذه الافعال ما هم الا مجموعة ضالة لا تمثل حقيقة الدين، بل انها تستغل الدين لمأربها، لا بل انها اسرت الدين لمصالحها الخاصة؟

ولكن ما جدوى تكرار هذه التاويلات للطرف الاخر، اقصد الضحية. فهل تكفي هذه التوضيحات المقتضبة ان تطمئن الضحية الى ذاتها ومستقبلها وتعايشها.

الا ترون معي ان الضحية قد تجد نوعا من التواطؤ بين القاتل وبين من يسوق التبريرات والذرائع لفعل القتل حتى وان جاءت بصيغة اتهام مرتكبيها (باسم الدين واياته) بانهم لا دين لهم؟ وستظل الاسئلة تتوالد في مخيلة من لا حول له ولا قوة، ولا من مجيب سوى كلمات التبرئة احيانا والتبرير احيانا اخرى وبين هذه وتلك يستمر السيف بتارا.

ان ننظر للمستقبل ونعمل له من اجل شعبنا وبلدنا، يجعلنا نعمل من اجل ترسيخ مفاهيم الوطنية والعدالة وسمو القانون وحقوق الانسان. فذلك هو واجبنا جميعا بعد الدمار الهائل الذي اصابنا، انسانا وقيما وبلدا، خلال اكثر من ثلاثة عقود من حكم الرأي الواحد والزي الواحد والشخص الواحد.

ولكن تبقي دائما اللحظة الراهنة مطلة برأسها وتفرض وجودها وثقلها.

ماذا عن الضحايا وعن الخوف والهلع؟

لا بل وماذا عن روح التحدي التي قد تظهر عند الضحية؟

اين ستوجهنا عواقب القتل على الهوية؟

من سيدفع الفدية والثمن؟ أليس هو الوطن؟ هل سيدفعها المسيحيون وحدهم، من دمائهم واموالهم، ام ان لهب النار ستحرق الاخضر واليابس؟

ان تطرح اسئلة لاستثارة ملكة العقل امرعقيم لمن لا عقل له.

فصدام لو كان يملك عقلا لما حاول فرض اجندته الشخصية على حزبه وشعبه ومن ثم على المنطقة، فدفعنا كلنا ثمن نزواته، نعم كل شعوب المنطقة، بلا اسثناء، انها مسيرة الدكتاتورية، تحاول ان تفرض اجندة ضيقة او خارج اطار الزمن، على الاخرين والنتيجة تكون حروب ودماء.

ان القائمين بهذه الافعال قد قرروا فرض اجندتهم بكل الطرق والوسائل. فهذا هو المهم بالنسبة لهم، وليذهب الوطن والشعب الى الجحيم ما لم يكونوا من المؤمنين بهذه الاجندة.

لا بل ان المتطرفين الدينيين يقترفون اعمالهم بأسم الله، ولذا فهم يعتقدون انهم سائرون الى جنة تجري من تحتها الانهار ومالكين اثنتان وسبعون من حور العين.

لقد قال الامام علي (ان القرآن حمال اوجه)، والدين هو اليسر وليس العسر، فما بال هذه الشراذم الا ان تحاول قتل البسمة من على شفاه الاطفال ومن على وجوه الناس، ما بالهم يريدون اضفاء التجهم والفقر والبؤس على البشر؟!

لو نجحت مخططات هذه الفئة الضالة ضد المسيحيين واليزيدية والصابئة (لا سمح الله)، فالدور سيكون للشيعة والقوميين الكرد ومن ثم ضد كل من لا يتفق مع غلوها وتطرفها من السنة. انها حقيقة من حقائق الحياة فمن لا يقبل بالغريب البعيد، لن يقبل بالمخالف القريب.

ان لم يتم القضاء على هذه الفئات فالدور سيأتي على الكل.

فاما ان تنصاع للقانون، قانون العدالة والمساواة، او ان تقلع من جذورها.

لا يمكن التفاهم والتوافق مع من يريد نفيك او الغاءك، ومع من يريد استغلال قانونك ليسلبك الحرية والكرامة الانسانية.

صحيح ان الحرب موجهة (في طورها الحالي) ضد المسيحيين واليزيدية والصابئة، ولكنها ليست حربهم وحدهم، انها حرب كل العراقيين ضد الارهاب والفكر المتزمت.

ان السكين التي توضع اليوم على رقاب المسيحيين ستطال الكل ان لم يتم العمل سريعا لأستصال شأفة هذا السرطان الجنوني.

فليعذرنا الاخوة المسلمين فنحن لسنا ضد ما يؤمنون، فهذا شأنهم ونحن نقدره، كما ان ايماننا شأننا الخاص.

ولكن الالم يعصرنا عندما نرى فرض القوانيين الهمجية بحجة الدفاع عن الاسلام وقيمه، ويتم تطبيقها بهذه الوسائل.

لا تلومونا لو مددنا يدنا لطلب المساعدة. فان لم تأتينا من اقرب الناس الينا، وهم انتم، لا تلومونا ان خرجت ردود فعل من بين ابناء شعبنا.

فعندما يستشري قانون الغاب ويطلب منا السكوت على القتل على الهوية، فليس باستطاعتنا ان نحدد ردود الفعل، فالفعل هو فعلكم اليوم لاستئصال هذه الفئة الباغية، ولنبني وطننا نكون جميعا ابنائه، لا فضل لاحد على اخر فيه الا بما يقدمه لخدمة وطنه.

 

لقد حدثت الجريمة.. ولكن ماذا بعد ذلك؟

 

هل يحق لي كمسيحي ان اعلق على جريمة تفجيرات الكنائس؟ بالطبع انا انسان قبل ان اكون مسيحيا، ولي حق ككل انسان في التعليق والتوضيح والشرح، الا ان السؤال جاء بعد التعليقات والاستنكارات التي عمت الصحف والمواقع الالكترونية، من قبل الاخوة المسلمين قبل المسيحيين، نعم والله اثلجتم صدرنا، اثبتم ايها الاخوة ان الخير لا يزال يشع بيننا، ان موقف الكثير من الكتاب والادباء ورجال دين والتنظيمات الاسلامية، كان بلسما لمداواة هذا الجرح، ولكننا ندرك اننا لن نزول ونمحى من جرح، اصابنا وبايادي الحقد والكراهية والغلو، اننا نعي بأن النزيف المستمر هو المؤدي الى الضياع والزوال والموت.

ونزيفنا، هو الهجرة المستمرة ليس لاسباب اقتصادية، لان من يهاجر لسبب اقتصادي، يترك اواصر التواصل مع وطنه، بل بسبب الخوف، نعم ايها السادة الخوف الذي يلبسنا ونعيش معه، ليس اليوم ولكن منذ سنيين طويلة، انه الخوف من هذا المجهود الذي يبذل لاذابتنا وصهرنا، لوكانت المسألة خيارا فرديا، اي ان يقر انسان ما بحقه في تغيير معتقده، او انتمائه القومي، او لغته، فهذه من ابسط حقوقه كفرد، ولكن عملية الصهر والاذابه مستمرة وتبذل من خلال القوانيين التي تسن، من خلال الكتب الدراسية التي تطبع، من خلال فرض قيم علينا بحجة انها قيم الاغلبية، ان هنالك عملية قانونية واقتصادية وتعليمية لتهميشنا، ان هنالك عملية محسوسة لاشعارنا بالغربة عن وطننا، لا بل سلبنا من الشعور بالمواطنة، الشعور بحب الوطن.

انكم ايها الاخوة المسلمين بموقفكم المستنكر لهذه الممارسات البشعة، قد اشعرتمونا بان الهم الانساني لا يزال هما مشتركا، ولكن هل علينا ان نقف عند هذا الحد؟ اليس مطلوبا ان نكشف اسباب هذه الممارسات التي لا تطال المسيحيين فقط، بل ابناء الاقليات الاخرى، بل المسلميين اللذين يعتنقون الافكار النيرة والداعية للتسامح والتعايش والحريات الفردية.

هل شعر احدكم بالغربة في وطنه؟ انه شعور فضيع، شعور يجمع بين الدونية والضياع والخوف، نعم ايها السادة والاخوة الافاضل، اننا بكل مساهماتنا في المشاركة لبناء اوطاننا، كنا نشعر بالدونية، او كان يتم اشعارنا بذلك، بمختلف الاساليب والممارسات، من منعنا وبفعل القانون من تبواء مناصب معينة الى غبننا في الترقيات الوظيفية، الى فرض قوانيين تشعرنا بان معتنقي الاسلام هم المفضلون قانونيا، والا بماذا نفسر فقرة في القانون المدني العراقي، والتي تقول، في حالة اعتناق احد والدي الابناء الدين الاسلامي، فأن على الابناء اتباع دين المسلم من الوالدين، نعرف ايضا ان التبشير بالدين الاسلامي سائر على قدم وساق من قبل المسلمين تجاه ابناء الديانات الاخرى، وهذا في بلداننا الشرق اوسطية، وتستغل كل الاماكن لهذه الممارسات دون اي حظر قانوني، والتبشير بالدين الاسلامي يمارس في الدول الغربية وعلنا، ولكن التبشير بالديانات الاخرى، ممنوع قانونا، ويعاقب على من يمارسه بعقوبات تصل لحد الاعدام، وهذه كأمثلة، بالله عليكم انسان يعيش في ظل هذه القوانيين ماذا سيشعر؟ الن يشعر بالغبن والدونية؟

ماذا يعني لي ان تقوم الدولة بالصرف بسخاء من اجل بناء الجوامع والمساجد وطبع الكتب الدينية الاسلامية، لا بل التبرع بسخاء لبناء مساجد في الدول الاخرى، ولاجل جاليات تعيش في دول غربية، ولكن لو اردت بنا كنيسة كل عشرة او عشرين سنة، علي ان اجري معاملات ادارية تتطلب سنين عديدة من الزمن، ( لست من المتلهفين لاكثار كنائس، قد لا يدخلها بعد سنين احد) أليس هذا تمييزا؟ وبالطبع فأن من يبني كنيسة او اي معبد اخر سيتكلف هو وابناء طائفته بكلفة البناء، ويجب ان يكون على بعد معين من المسجد او الجامع، وهلم جر من المعيقات التي توضع في هذا السبيل، لو نستمر في شرح معاناتنا والنقاط والمأخذ التي لنا على البنية القانونية والدستورية لبلداننا، والبنية هذه هي السبب في خلق كل هذا الكم الهائل من الكراهية والحقد ضد الاخر المختلف، اقول لو اطلنا، لما كفتنا المجلدات.

ايها الاحبة من المسلمين رجال دين وتنظيمات، لا يكفينا اليوم ان تقولوا لنا، التسامح الاسلامي، لا يكفي ان تقولوا هذه الممارسات ليست من قيم الاسلام، لا يكفي ان تقولوا اننا عشنا قرون بمحبة وسلام، وهذه مداهنة نرفضها، فنحن لم نعش قرونا من محبة وسلام، بل عشنا قرونا طويلة، تحت نير الجزية والمذابح والاعتداءات والسلب والخطف، ان الماضي لا يمكننا اعادته، والسؤال أليس من واجبنا ان نصنع المستقبل؟ ولكن اي مستقبل؟

وعلى نوعية الاجابة على هذا السؤال ستشعرنا حقا ان هنالك قدرة لامكانية التعايش، وامكانية صناعة هذا المستقبل.

 

نحن خائفون خائفون لا بل مصابون بالرعب

 

ابان اقتراف مذبحة سميل ( مذبحة اقترفها الجيش العراقي وقتل فيها حوالي خمسة الاف من النساء والاطفال والشيوخ الاشوريين)، زار العم جونا مختار قرية كاني بلافي جاره الكردي من قرية شيخو وسأله عن الاخبار وما يسمع فرد الكردي يجب ان تخافوا (بترسن) فرد العم جونا ولكننا خائفون، فاجابه جاره باش بترسن اي خافوا جدا، فرد العم جونا ولكننا متنا من الخوف، هذه ملخص لحكاية رعبنا وخوفنا الدائم.

نقلت وسائل الاعلام عن مقتل ثلاثة اشخاص في مظاهرة في مدينة الاسكندرية المصرية، كانوا ينون مهاجمة كنيسة قبطية بحجة انها تعرض مسرحية مسيئة للاسلام، وبعد نقل الخبر قامت ايلاف بالكشف ان المسرحية المزعومة كانت قد عرضت قبل سنتين وليس الان، فما كان من وسائل الاعلام الا ان تغيير النغمة من عرض المسرحية الى القول نشرها علي قرص ال، CD اي ان كل هذه الدماء سالت ثلاثة قتلى واكثر من عشرين جريحا لاجل نشر مسرحية على قرص CD
، وقد قدر عدد المتظاهرين بحوالي خمسة الالاف شخص، خرجوا يتصايحون ويستنكرون ويكبرون، ولو طالت اياديهم لدمروا الكنيسة او قتلوا من فيها، كما حدث عندما اقدم شخص على طعن راهبة واصابة اخر، او كما حدث عندما هوجمت محلات وبيوت اقباط، خمسة الاف يتم حشدهم لكي بقوموا بما قاموا به لاجل شئ اساسا هو حق من حقوق الانسان، خمسة الاف شخص يخرجون ليستنكروا وليحرقوا وليقتلوا باشاعة كاذبة، علما انهم جميعا كانوا من البالغيين، هل سأل احدهم عن صحة ما سمع هل استفسر احدهم عن شرعية ما يقومون به، الا يمكن تشبيه من خرج في هذه المظاهرة بانهم قطيع، يسير من قبل الاخرين، وهل يمكن ان يأتمن الانسان على حياته مع قطيع فالت عقاله، لا تدري متى يتهيج ويقوم بالتهتامك او قتلك.

هذا المسار التصاعدي في كره الاخر والحقد عليه لحد الرغبة في قتله، من اين يستمد قوته؟ اليس من حقنا ان نقول ان الحكومات العربية ضالعة فيه، انها توجه القطيع ليلتهم المغاير لكي ينسى واقعه او انها توجهه لكي يقتل المغاير لكي تقول للغرب اننا نحمي الاخر ولولانا لتم ابادة كل المغايرين.

الا يعقل ان لا يكون بين كل هؤلاء الخمسة الالاف شخص فكر او منح لعقله فسحة للتفكير، لكي يقول ماذا نحن فاعلون؟

من يضمن لنا انه لن يقوم غدا شخص اي شخص بالافتاء في مثل هؤلاء بشرعية قتل الفئة الفلانية او اتباع المذهب الفلاني مثلما يعمل الزرقاوي وامثاله في تكفير المسيحيين والمندائيين والازيديين لا بل حتى الشيعة، فيما يقوم الصدر وانصاره بتكفير المسيحيين والمندائيين ويفرضون عليهم اتباع التقاليد واللباس الاسلامي ويقومون بتحريم اعمال او فرض قوانينهم خارج ارادة الدولة ان كان للدولة ارادة، ويقوم البعض علنا بتهديد السكان لترك منازل والا فلن يلوموا الا انفسهم مثل حي الاشوريين في الدورة، كما يقوم انصار التكفيريين بفرض قيمهم بقوة السلاح والترهيب في جامعة الموصل وكل احياءها، وهكذا تدور الاحداث، فان اصاب المسلمين حادث في اندونيسيا او اميركا الجنوبية فعلى اهل العراق
او مصر او اي بلد مما سمي بالبلدان الاسلامية من المسيحيين او من الاقليات ان يدفع ثمن ما اصاب المسلمين، ولما لا فالمسلمين اخوة ومصابهم واحد، فاذا مصاب المسلم من قبل مسيحي فليدفع المسيحي العراقي او المصري ثمن ذلك.

نحن خائفون حقا ان تقولوا بعد سنوات، كان يعيش بينا ناس كانوا مسيحيين، هذا اذ بقى فيكم من يذكر ذلك، فنحن بقدر خوفنا على انفسنا، نخاف عليكم، فغدا ستوجهون غضبكم وحقدكم على المختلف فيكم من دينكم، او المختلف فيكم منم مذهبكم، فانتم تريدون لون الحياة واحد لا غير لونا اسودا مثل لون الغراب، انتم تتهايئون لحروب اهلية لا تبقي حتى على حجر، لانكم تكرهون الحياة،

هل ابالغ، لا بكل تأكيد، فهل يمكن لانسان عاقل ان يصدق ما يسمع وما يرى وما يقراء، ان تصبح الحياة بهذا الرخص، ان يكون الانسان مجرد شئ اي شئ يمكن لمن يعتبر نفسه او يفرض نفسه انه يمتلك الحقيقة، ان يمحيه من الوجود بمجرد كلمة تخرج من فمه، فسيهب الالاف لاداء الواجب المقدس بقتل او ازالة هذا الشئ.

اربعون الف مسيحي والكثير من المندائيين الصابئة تركوا منازلهم واعمالهم واخذوا ابنائهم معهم الى دول الجوار العراقي، هربا من تهديدات الاسلامويين، والتي نفذوا البعض منها بتفجيرات الكنائس او باختطاف الناس او بمجرد قتلهم بدم بارد لا لشئ الا لكونهم مسيحيين او مندائيين، اربعون الف هذا رقم من الارقام التي ظمتها اخر موجة من الهجرات المتتالية من الهروب المستمر من النزيف اللانهائي لهذه الاقليات، يتم المناداة علنا من منابر بعض الجوامع بعدم شراء املاك المسيحيين الكفرة، لانهم سيتركونها وسيتم الاستيلاء عليها مجانا، فاين الامان وكيف لانسان ان يعيش هذا الهلع الدائمي.

ان يسير الدين جهلة، ويصعد على منابره قتله ويفتي فيه مشعوذون دجالون لا يهمهم امر انسان ولا يقدرون للحياة معنى، فهذا امر اكثر مما يمكن التعايش معه بدون هلع وخوف دائمي، فالمنابر الاذاعية والتلفزيونية مفتوحة لمن يكفر الكل، لمن يحرم كل جميل في الحياة، وهذا بعلم السلطات الحاكمة، في مصلحة متابدلة، فالحاكم مستعد ان يحكم ولو على الجماجم، ورجال الدين يريدون اناس جهلة لكي يسيرون خلفهم بدون تساؤل عن الطريق والى ما يوصل، والذي يدفع الان كل الضرائب هم ابناء الاقليات الدينية، يدفعوها من حياتهم ومن الخوف الذي يعيشون فيه بسبب هويتهم.

24 تشرين الأول 2005 ايلاف

عودة تصفية المسيحيين في العراق!

 

يوم الاحد بالنسبة للكثير من المسيحيين له مذاق خاص، فرغم ان الكثير من الكنائس بدات باقامة القداديس يوم الجمعة ايضا لانه يوم عطلة في الكثير من البلدان الاسلامية، الا انه يبقى للاحد ذالك المذاق المرتبط بالنهوض باكرا وبارتداء افضل الملابس وتلك البسمة المرافقة للوجه الذاهبة لسماع كرازة الاحد من الانجيل او لتناول القربان المقدس، مشاركة بالام السيد المسيح وامتثالا لما قاله وبشر به تلامذته. الذهاب الى الكنيسة في الموصل او في القرى المجاورة لها لم يكن وليد اليوم بل هو مستمر منذ ان وطأت المسيحية قدميها على هذه التربة في نهاية القرن الميلادي الاول، ولكن الكنيسة ستكون فارغة هذا الاحد، فالناس في حالة رعب من اظهار او التنبيه لما يعتقدون، ان كنائس موصل فارغة ايها السادة واهلها هاربون ومنازلهم اما فجرت او تحولت ماوى لقطط خائفة او كلاب سائبة.

من الاسابيع الصعبة التي مرت على مسيحيي العراق، كان هذا الاسبوع احداها، فخلال اقل من اسبوع تم اغتيال اربعة عشر مسيحيا في مدينة موصل عاصمة محافظة نينوى، وكان من ضمن القتلى طفلان وشخص معوق اعاقة جسدية قتل في محل عمله. وخلال نفس الفترة تركت الموصل ما يقارب الالف وماتني عائلة حسب اخر احصائية نشرها المجلس الشعبي الكلداني السرياني الاشوري قبل فترة من الان الى بلدات وقرى منطقة سهل الموصل ودهوك وقرى اخرى، علما ان الفارين من مختلف احياء الموصل، بما يعزز الانطباع ان هناك حملة لاخلاء الموصل من سكانها الاصليين، لان المسيحيين هم اقدم مكونات الموصل.

برغم وضوح ان الحملة هي تكرار لحملات سابقة غايتها تصفية مسيحي العراق، الا انه يبقى لنا امل كبير في حكوتنا الرشيدة التي تلقي اللوم على الارهاب وتكتفي من الغنيمة بالمراقبة لعل الارهاب القاعدي يتمكن من تخليص العراق من فئة ما لكي يتخلص من ايجاد حلول لمشاكلها، فالحكومة صارت تدرك ان مشاكل العراق كثيرة ولا حل الا بتخليصه من بعض الاطراف التي لها مطالب ومنهم المسيحيين والشبك والازيدين والمنائيين وبهذا فالمشاكل ستقل كثيرا، وغدا لن تجد الحكومة في حل مشاكل الاكراد الا بالتخلصل منهم، وبعده قد يتمكن السنة من التخلص من الشيعة او بالعكس، وبهذا ستقل المشاكل كثيرا وسيكون العراق مثالا للبلدان المستقرة الهادئة والتي لا يذكر اسمها في الاخبار العالمية الا ما ندر، لانه لن يكون فيها ما يهم الاخبار العالمية التي يثيرها اخبار القتل والتفجير والحرق والسلب والاغتصاب.

نعم ايها السادة منذ اكثر من اسبوع بدات الدلائل تظهر على ان هناك حملة لاستهداف المسيحيين والكل ساكت، فالحكومة تعرف ان حملتها لاستباب الامن في الموصل قد فشلت وبعض اطراف الحكومة القى اللوم على عدم تعاون اهل الموصل، بدلا من تحمل المسؤولية كما يفترض برجال الحكم، فلا احد يطلب تعاونا من من وضع المسدس على صدغه، فاغلب اهل الموصل رهينة للارهابيين يريدون تخليصهم منهم فهل نطلب من الرهينة التعاون ام نعمل على فك اسره؟

المسيحيين والمكونات الاخرى التي لا تمتلك مليشيات مسلحة تتعرض اكثر من غيرها نسبة الى اعدادها لحملات القتل والتشريد والابتزاز، وهم اقل الفئات العراقية تاثيرا على السياسة اليومية للبلد او على مستقبله، فحتى لو افترضنا انهم مؤيدين للتحالف او الاحتلال بمصطلح التكفيريين ام المقاومة او اي شئ ترغبون، فان هذا التأيد لن يفيد احد لانهم ديموغرافيا مشتتون وهم مكونات قليلة العدد بما يجعلهم يدركون انهم سيكونون مستهدفين من قبل الكل. ان التجربة علمتهم ان السكوت هوافضل الحلول لحين مرور العاصفة، ولكن السؤال الى متى السكوت، فالاضظهاد لا يطالب فقط الجزية والاموال والتمثل بالسائد واحترام الشخص الاكثري وعدم استفزازه في صومه وصلاته وذهابه وايابه، بل هم تعلمو ا الوقوف احتراما وتكرار سيدي مرارا ولكن الان يطلب منهم ارواحهم، لانهم يريدون الاستيلا على كل شئ وباسرع ما يمكن.

في هذا الوضع المزري والمتكرر منذ سنوات، فالنظام السابق دمر قراهم وهدم كنائسهم والحالي او اطراف منه شاركت في تصفيتهم سواء في الجنوب او الغرب او في الشمال وبالاخص في الموصل، تبقى الشكوى لغير الله مذلة، وتبقى مسؤولية الاحزاب والمؤسسات النابعة من المجتمع وهي الاحزاب الكلدانية السريانية الاشورية مطالبة بخطوات جدية اكثر في اتجاه ترسيخ وجودهم وتقويته وزالة الوهم السائد من ان المسيحي باقل خوف يترك كل شئ ويهرب، فالوقت صار وقت العمل، ولن نقول الوحدة فالوحدة اقل ما هو مطلوب اليوم، لانه امر لا يقبل المناقشة، بل ترسيخ المطالب السياسية والعمل على ترجمتها على الارض، والعمل على تقوية المجتمع بتقوية اواصر التلاقي بين كل مكوناته وترسيخ مفهوم الامن الجماعي للكل، فالتهديد يطال الكل، فتجربة سميل لعام 1933 يجب ان تكون واضحة، عندما خدع البعض بان من يمنح ولائه للحكومة فهو امن، وكانت مجزرة ذهب ضخيتها الكل ولم يفرق المجرمون بين موالي ومعارض، واليوم فالارهاب ومن يدعم هذه العمليات لا يفرق بين هذا وذاك، فالكل عندهم مسيحيين يجوز قتلهم. اليوم يجب ان يكون شعبنا محصنا امنيا، فلا يجوز ان يتمكن الارهابي وافكارهم وتهديداتهم من المرور داخل المجتمع، على الجميع ان يدركوا ان السكين التي يقتل بها اخاه اليوم ستكون يوم غد على رقبته.

ان التغني بالديمقراطية ودولة القانون لم يعد يسرنا ويجب ان لا يسرنا، فالديمقراطية هي ان نطعم من ثمراتها ايضا، وان نشاهد ونرى حقوقنا متجسدة في قوانين ودساتير البلد، فالديمقراطية والحرية تعني لي ان اتمكن من العيش انا ايضا بحرية وان اتمتع بمنافع الحكم المستند الى الاليات الديمقراطية، وان يتم الاعتراف بتمايزي وبحقي في اظهار هذا التمايز وهذا الاختلاف. فالغناء ومدح الحديقة العراقية المليئة بازهار مختلفة الالوان والعطور، لم يعد يفيدنا ولم يعد يفعل فعله فينا، فاللون الوحيد الذي بتنا نراه هو اللون الاحمر، لون دماء شهدانا، ولون اكفهرار الاوجه الحاملة لسنينها وشقاء السنين على ظهرها هاربة من القتل المتربص بهم في كل دقيقة وفي كل زاوية.

حلموا يا ابناء اشور ونبوخذنصر وشليطا ومار بنيامين الشهيد، حلموا الى العمل من اجل صون حقوقكم وخذوها باليد وبالفاس وبكل ما يطال اليد، فكفانا عبودية خوف كل فتوة تاتي من جاهل او حاقد، وتحمل نتائجها، اليوم مطلوب منا ان نعمل من اجل ان لا تكون بعد الان ردود افعالنا هي الهروب والخوب، بل ان يحسب الاخرين لها الف حساب وعندها فلن يقدم اي احد على قيام ولو بتهدي اجوف ضدنا

12 تشرين الأول 2008 ايلاف

القس تيري جونز ورسالته الغبية

يزمع القس تيري جونز التابع لكنيسة دوف وورلد اوتريش سنتر الصغيرة، كما أشاع على إحراق نسخ من المصاحف ، في يوم الحادي عشر من أيلول (سبتمبر) الحالي والمصادف للذكرى التاسعة لعملية تدمير برجي نيويورك او لاعتداءات 11 ايلول 2001.
لنتساءل ماذا يريد أن يقول هذا الرجل بعمله المشين هذا، أليس كما قال إنه في ذكرى هجمات الحادي عشر من أيلول، أي أن عملية الحرق تاتي ردا أو انتقاما لما فعله بعض أتباع التيار الإسلامي المتطرف، وبهذا المحاولة فإن هذا القس يناقض ما بشر به الإنجيل ورسالة السيد المسيح، حينما طالبنا بان نسامح من يعتدي علينا وأن نغفر للاعنينا.
نحن نعتقد أن ما قامت به منظمة القاعدة في الحادي عشر من أيلول، لم يكن في إي صورة من الصور، عملا  يمكن أن يتم تفهمه أو اعتباره ردا لسياسة قد يرونها خاطئة، أو لأنه كان ردا لظلم لحق بهم أو بالأمة الإسلامية، أو حتى انتقاما للقضية الفلسطينية التي صارت كقميص عثمان ترفع متى شاء البعض القيام باحتلال بلد عربي (الكويت) أو تدمير بلد عربي (لبنان) أو حتى الانتقام في الواق واق. كانت عملية الحادي عشر من أيلول نتيجة لثقافة الكره والحقد والذل والتراجع العام في الواقع العربي الإسلامي، جراء انغلاق الدول الإسلامية عن الأخذ بأسباب التطورات على المستوى الحريات الفردية أو الاندماج في العالم المتعدد الثقافات.
إن الرد الحاسم على ما فعلته وتفعله التنظيمات الإسلاموية المتطرفة، وبالأخص استهداف الأقليات الدينية ومحاولة فرض نمط معين من الإسلام هو الأشد تطرفا، لن يكون باتباع أساليبها أو الامتثال لضغوطها، وبردات فعل تكون نتائجها في غير صالح الإسلام المتصالح والمتعايش مع العالم والتي بدأت بوادر تقدمه في السنوات الأخيرة. فنحن بتنا نشاهد ونسمع المزيد من علماء المسلمون وهم ينتقدون الممارسات الهمجية لتنظيمات مثل القاعدة. ليس هذا فحسب وإنما إعادة تفسير الكثير من الموروث الديني بما يتوافق مع العصر وروحيته. إن محاولة القس جونز ترمي بلا شك إلى وقف هذا المد المرحب به عالميا، ودعم التيار المتشدد، كرد فعل لما قام به مثل هذا القس.

إن شيوع ثقافة التحكم العاطفي بممارسات الغالبية في منطقتنا يقودنا إلى هذه النتيجة بلا شك، فالناس تحكم على المظاهر في الكثير من الأحيان، وليس إلى التحليل المنطقي، لمعرفة أبعاد القضية أو الفعل الممارس. هنا بلا شك يمكننا الاستعانة بمثال يمكن أن يساعدنا كثيرا في فهم آليات عمل الطرفين القس جونز وكنيسته والمتشددين الإسلامويين، أنهم يتغذون أحدهما من تشدد الطرف الآخر. كما هو حاصل في بين الفلسطينيين والاسرائيليين حينما تساعد عمليات حماس على كبح جماح المعتدلين الاسرائيليين وترتفع شعبية اليمين المتطرف، وبالمقابل أن ممارسات اليمين الإسرائيلي تساعد منظمة حماس على البقاء والاندفاع وحصد شعبية لم تحلم بها. إن عملية عيش المتطرفين المتعاديين على ممارسات أعداءهم في الطرف الآخر وزملاءهم في التطرف، هي نتيجة تخطيط مسبق ورغبة، وليس عملية متروكة للمصادفة. ومن هنا نرى أن ما يرمي إلى فعله هذا القس، إنما هو عملية مخططة من قبل مجموعة متطرفة، لا يهمها مصير الشعوب، ولا حتى مصير أبناء شعبهم من الأمريكان، بل المهم لديهم هو العمل لتهيئة الظروف لتطبيق أيدولوجيات معينة أو لتحقيق نبوآت يعتقدون أنها لا محال متحققة وما عليهم إلا العمل للإسراع في ذلك.

إن العالم الإسلامي اليوم هو بحاجة لرسالة أخرى، وهي أن التعايش والتفاهم والانفتاح على قيم العصر، هو الطريق الوحيد لكي يمكن للعالم أن يتقبل العالم الإسلامي كجزء من منظومة الدول القائمة. وهذا لن يتأتى من خلال ممارسات استعراضية، كما ينوي القس جونز فعله. بل من خلال سياسية قوية، تقول إن العالم يرحب بالعالم الإسلامي المنفتح والمتقبل للآخر والذي لا يخلط بين المصالح وبين المعتقدات. سياسة تقول إن الدول الإسلامية بغالبيتها هي دول فاشلة، وتنخرها الانقسامات والحروب الأهلية، وهذه لن تحل بمحاولة فرض الإرادة، بل بمنح الحقوق الفردية والجماعية للأقليات الدينية. والمساح لهذه الأقليات بإبراز ثقافتها والفخر والاعتزاز بها، ومشاركة الدولة في مساعدة مواطنيها من الأقليات على الارتقاء بأنفسهم من كل النواحي.

أغلب الدول الإسلامية موقعة على ميثاق حقوق الإنسان والمواثيق المماثلة، والتي هي نتيجة لفكر الإنسان وحاجاته، اليوم صار مطلوبا أن يقترن هذا التوقيع بالتطبيق الفعلي. بمثل هذه الرسائل يمكن الرد على الحادي عشر من أيلول، لأن هذه الرسائل ستجد دعما ومؤازرة من المسلمين أو الغالبية منهم، لأنه فيها تتحقق مصالحهم وتصان كرامتهم، ويمكن أن ينعتقوا من الخطاب البليد والذي يرمي كل مصائبهم على القوى الأخرى، وبالأخص الغربية منها.

11 أيلول 2010 ايلاف

والاسلام منهم براء

عنوان هذه المقالة عبارة نقراءها، بعد كل عملية ارهابية يكون وراءها الاسلاميون، ويليها ان الاسلام دين محبة ورحمة، لا جدال ان ايات القرأن الكريم تضم ايات تدعوا الى الرحمة والمحبة، ولكن تضم ايضا ايات تدعو الى القتل وفرض القيم والجزية ايضا، والمشكلة ان الايات التي تدعو الى القتل جأت بعد ايات التي تدعو الى التسامح، فاستنسختها، فلا معنى اليوم لابراز ايات المحبة والتسامح، مادامت مستنسخة، اي بحكم الباطلة، من هذا نستنتج ان القتال والحرب والفرض من صلب الاسلام، اما عن برائة الاسلام ممن يقترفون الاعمال الهمجية، نرى ان المسألة لا زالت غير متحققة، فجميع مقترفي هذه الاعمال الوحشية يستندون في ممارساتهم الى ايات من القرأن، ومن تفسيرات لأئمة ما زالوا يحظون بالتقدير والاحترام.

وفي نظرة سريعة على مساحة العالم نرى ان اغلب من يمارس هذه الاعمال المقرفة هم من المسلمين، وبالطبع ان التحجج بقضية فلسطين والشيشان والكشمير لا يقنع اي انسان، فمهما كانت القضية عادلة فيجب اتباع اساليب من النضال تزيد من مؤيدي القضية العادلة، كما ان هذه القضايا هي قضايا وطنية لها اناسها، ان تحويلها الى قضية دينية وتعني كل مسلم، يعني بالضرورة ان الاسلام يود مواجهة العالم، ان المسلمين يتناسون ان ما يسمى بالاراضي الاسلامية، هي اراض كانت تعود لشعوب اخرى، وتم استعمارها من قبل المسلمين، فقضايا التي يدعي المسلمون انها قضاياهم العادلة، ليست بالتبسيط الذي يروجون له.

لو ان كل صاحب قضية، مهما كانت عادلة، قام بما يقوم به المسلمون، لوجدنا كل عام مئات الالاف من الاطفال تزهق ارواحهم، كما فعل مسلمو الشيشان في بيلسان، من يقدر على فرض اجندته بقوة السلاح وقوة العدد مثل الصين؟، التي تمتلك الاسلحة بكل انواعها، وتملك العدد الوافر من السكان، انها ايضا تمتلك قضية عادلة، ومن المعروف ان الولايات المتحدة الامريكية تحمي تايوان، فهل لجأت الصين لسلاح الارهاب في تصفية الحسابات، هل لجأ الافارقة السود الى الارهاب في نضالهم من اجل التحرر من النظام التفرقة العنصرية، اننا لو نبشنا في الملفات القضايا العادلة سنجد هنالك الالاف منها دون حل، فلماذا لا يلجأ اصحابها الى الارهاب لحلها، اذا المسألة ليست الاسلام منهم براء، بل المسألة في صلب تعاليم الاسلام، اي ان هنالك في الاسلام وتفسيراته تشجع على كره الاخر، تدعوا الى تدمير المختلف، اننا لا ننكر عدم قيام اتباع الديانات الاخرى بعمليات ارهابية، بل هنالك من المسيحيين والبوذيين وغيرهم، من قام بذلك، ولكن الذي قام بهذه الاعمال قام بها بصفته الشخصية ولم يكن مؤيدا بايات ورجال دين يبررون فعلته، كما هو الحال في العمليات التي يقترفها المسلمون، فحتى استنكار بعض العمليات الارهابية يترافق مع ولكن التبريرية.

كما ان العمليات التي يقوم بها المسلمون مسلسلات من العمليات، واصبح فيها تفنن، فيتم تصوير الذبح، بكل برودة دم، ان كان لمن قام بالذبح دم اصلا، ان مجرد تصوير مثل هذه المشاهد، يعتبر ارهابا، فكيف بالذبح الاسلامي هذا، اما تبرير الارهاب بالفقر ودكتاتورية الانظمة، فهو ايضا مردود، فلو كان الفقر سببا مشروعا للارهاب، لوجدنا في جنوب شرق اسيا والهند وافريقا جنوب الصحراء واميركا الجنوبية الملايين من الارهابيين القتلة، ان الارهاب يستند الى فكر، وهذا الفكر وهذه العقيدة موجودة في نصوص القرأن الكريم اتفسيرات بعض الائمة، ولوضع حد للارهاب علينا ان نضع حد او نمنع كل من يكفر الناس ويفتي بقتلهم، برغم ادراكي ان هذا قد يشمل ثلاثة ارباع رجال الدين المسلمين، ان يتم اعادة تفسير الاسلام بما يتوافق مع العصر ومعطياته، ان يعود الاسلام دين كبقية الاديان، ان لا يكون محميا بقوانين وشرطة وسجون، على الدين ان يحمي نفسه بما يقدمه من قييم روحية تشبع حاجات الانسان، فليس معقولا ان اغلب الدول المسمات الاسلامية، تعاقب من يتخلي عن الاسلام بالموت، (استنادا الى قول النبي من بدل دينه فاقتلوه) وليس الى الاية التي تقول (لا اكراه في الدين) فمتى صار الحديث اقوى من الايات القرأنية، الا اذا كانت الاية ايضا منسوخة، ولا يزال الفكر الاسلامي يقسم العالم الى دار الاسلام ودار الحرب، اي ان المناطق غير الخاضعة للمسلمين يمكن محاربتها، ليس لشيء، بل لكونها غير اسلامية ويجب اخضاعها للاسلام، الا ترون انه من هنا يبداء فكر الغاء الاخر؟، ان احد اهم اسباب هذه الممارسات هي الخوف المرضي على الاسلام، والرغبة الدفينة في فرض الاسلام على الاخرين، ولذا نؤكد ان حل مشكلة الارهاب الاسلامي يجب ان تبداء مع الفكر الاسلامي بكل انواعه، لانه اساسا لا يقبل الاخر.

 

الغرب لا يعرف الاسلام

 

في الاستفتاءات الاخيرة والتي نشر في وسائل اعلامية عديدة يظهر ازدياد ملحوظ في الشك والريبة بالجاليات المسلمة وبمواقفها تجاه الارهاب او حتى نياتها المستقبلية تجاه الاوطان التي كانت ملاذهم ابان تعرض اغلبهم للاظطهادات في اوطانهم الاصلية.

وكالعادة الدارجة والتي صارت سمجة وغير مقبولة البتة يحاول محللونا الفطاحل ارجاع ظاهرة الزيادة في المواقف المشككة بالاسلام والمسلمين الى جهل الغربيين بالاسلام، وبالتأكيد ليس الى جهل المحللين بالغرب والغربيين والذي يجب ان يكون في واجهة الامور التي على الجميع تداركها وحلها ونصح الناس بمعرفة الغرب على حقيقته وليس الى ما نود معرفته فقط.

كان سركون العراقي الاشوري يعمل في احد مصانع كاليفورنيا عندما سأله زميلة الامريكي قائلا سركون ماهو البيت الابيض الذي يتكلمون عنه هذه الايام في الراديو، قال سركون لسأله الامريكي الا تعرف ما هو البيت الابيض، اجاب الامريكي كلا وبدون ان يقسم بكل الكتب المقدسة او بيمين الطلاق، فالمسألة حقيقية ان الامريكي لا يعرف ما هو البيت الابيض، وليس هذا عجبا في الغرب، فقد تمر ثمان سنوات على رئيس اميركا او اي رئيس غربي  وستجد هناك من لا يعرفه، اذا الغرب ليس فقط جاهلا بالاسلام بل لا يعرف سياسي بلده ورؤساءه، لانه بكل بساطة لا يعرف ما لا يثير اهتمامه او ما لا يدخل في عمله، فالغربي قد يتقن كل ما هو متعلق بعمله ولذا فيجيد العمل الذي يقوم به بشكل متكامل، الا ان نفس الشخص قد لا يعرف شيئا عن السيد يسوع المسيح لانه لا يثير اهتمامه، وقد لا يثير الدين اي دين اهتمامه، ولكن نفس الشخص الذي اجاد عمله بصورة كاملة يمكن ان يحدثك ساعات عن الخنفساء، او عن بتهوفن والموسيقى الكلاسيكية، او حتى عن الاسلام ان كان من هوايته الاطلاع على الاديان، اذا الغرب ليس بغرب واحد فهو بعدد سكانه، ومعرفته يستقيها لامور مهمة واولها لكي تساعده في الحياة اي ان تجلب له عملا جيدا او ان تجعله يمضي وقتا سعيدا باكتشافات جديدة سواء في المجال الفكري او الفني او الفلسفي، فالغربي المشغول على الدوام بالقراءة او النسبة الكبيرة منهم، ليس من المفترض ان يكونوا قد تعلموا شيئا عن الاسلام الا ما تعلموه في كتبهم المدرسية والتي تعلم الشيء الايجابي عن كل الاديان في العالم.

اذا ما هو مبرر هذه اللازمة الغرب لا يعرف الاسلام على حقيقته، فكيف لغربي ان يعرف الاسلام على حقيقته، وهو يسمع يوميا من الاذاعات ومن التلفزيونات عن الاعمال الارهابية المرتبطة بجهات تتبنى الاسلام او ترفعه شعارا لها، هل سأل احدهم هذا السؤال، لماذا لا يكون موقف الغربي هذا تجاه اديان اخرى مثل الهندوسية والزارادشتية والبوذية والمسيحية واليهودية، انه تسأل مشروع من حقنا ان نطرحه على الجميع، وخصوصا مرددي هذه اللازمة مرة تلو الاخرى، وكأن على كل الغربيين ان يطلعوا باسهاب على القران الكريم وتفسيراته العديدة، وعلى السنة النبوية واقوال الرسول الصحيحة والمشكوك فيها، وعلى المذاهب السنية الاربعة ومذهب الامامية الاثنى عشرية وعلى بقية المذاهب مثل الزيدية والعلوية والاسماعلية والاحمدية القادرية لكي يمكنه ان يحكم على الاسلام، يا محللونا الكرام هذا استطلاع للرأي للانسان العادي، الذي يأخذ كتاب الجيب صباحا وهو في طريقه الى العمل وفي العودة ايضا، وهو مرهق من العمل لمدة ثمان ساعات بالتمام والكمال لا تتخللها الا ساعة استراحة للاكل، اي انه لا يتمكن من التهرب من العمل عدة مرات بحجة الصلاة، وعدة مرات بحجة السيكارة، وعدة مرات بحجة التواليت، وعدة مرات بحجة السلام على المدير وعلى فراش المدير، فكيف للانساني الغربي ان يكون مطلعا على كل شئ لكي يعرف الاسلام.

نحن نسمع يوميا بالتقريب تكفير المسيحيين واليهود ونسمع الدعاء عليهم ونسمع عن الاعتداءات التي يتعرضون لها من قبل بعض المنظمات الاسلامية فهل قال احد لهم انهم لا يفقهون شيئا عن المسيحية، وهل تطالبون حكوماتكم ومؤسساتكم الثقافية والدينية بابراز وجها مغايرا للمسيحية ولنقولها وجه المسيحية الحقيقي والذي يدعو بالاساس الى المحبة والرأفة والسلام، اذا لماذا لا يتم تعريف المسلمين بالمسيحية كما تدعو كتبها المقدسة لا كما يعلمها الفقهاء والمفسرون ومن يوصمها الشرك، الا يعتبر ذلك جهلا بحقيقة المسيحية وجهلا بحقيقة اليهودية والبوذية والهندوسية والازيدية والمندائية، الا يعيش اغلب المسلمين في غيتو فكري لا يمكنهم الخروج منه لا بل يتم منعهم من الاطلاع على الاديان الاخرى خوفا عليهم من الانجذاب نحوها؟

في نفس الغرب الذي لا يعرف الاسلام يسألونك  ان كنت في المستشفى او السجن او الملجاء ان كنت تأكل او لا تأكل اكلات معينة، في نفس الغرب الذي لا يعرف الاسلام كان اول اسم تعلمه ابني في مدرسة اسم علي لانه مكتوب في كتبهم المدرسية للصف الاول، الغرب الذي لا يعرف الاسلام لا يحتقر دينا بشكل رسمي او على الاقل لا يعلمه لطلبته كاحتقار واقولها حاليا وليس قبل خمسين سنة التي لا اعرف كيف كان التعليم فيها، اذا الغرب ولو انه لم يضم جاليات مسلمة الا في السنوات الخمسين الماضية الا انه في تعليمه للأديان ومنها الاسلام عمل على ابراز الجيد فيها.

بات مطلبا ملحا الاعتراف بالاخطاء، واخذ الخطوة الصحيحة والقول ان ما تعكسه استطلاعات الرأي العام الغربي هو انعكاس لما يقول المسملون انه الاسلام، ويجب ان يدرك الجميع ان اردنا ان نبرز الوجه الجميل لاي شئ علينا العمل من اجل ذلك، وليس الاكتفاء بالقول ان الناس لا ترك مقدار جماله، فاصوات القنابل ولون الدم اصدق انباء من الكتب والاقلام التي لا يقراءها الغربي لانه اصلا لا يدرك بوجودها هذا ان كانت موجودة. والواضح بشكل جلي هو جهل المسلمين بالاخرين وباديانهم فهم يستقون معلوماتهم عن هذه الاديان وخصوصا المسيحية (التي يسمونها النصرانية) واليهودية من القران والسنة ومما كتبه علمائهم عن هذه الاديان، ومن الصعوبة ان يجد المرء اناس لهم اطلاع على هذه الاديان من احد مصادرها، باعتبارها ايضا منقسمة على مذاهب وشيع عديدة. اذا عقدة عدم معرفة الغرب للاسلام ولها هنا ايضا دلالة كبيرة، وتعني آه لو كان الغرب عرف الاسلام على حقيقته لاشهر الجميع اسلامهم، ان هذه العقدة وهذه الدلالة تدل على نرجسية مفرطة، انها نرجسية موجه لكل ما نملك او نؤمن فنعتقد انه الافضل، ولكن في نفس هذه النفاق الذاتي والذي لا يستقيم مع الواقع ستجد ان المسلم لا يزال يلقي اسباب تخلفه على الغرب وعلى الاستعمار، ولن يقول لنا احد عن اي استعمار يتحدث، فالاستعمار الحديث وفد منذ اواسط القرن التاسع عشر، فما كان حالهم قبل ذلك؟ هل كانوا في افضل الاحوال؟

المقدسات

 

تدنيس مقدساتنا والاعتداء عليها، وكذلك الاقتراب منها هو خط احمر، وهكذا، نسمع عن المقدسات، والتهديدات، والدماء التي ستسال من اجل ولاجل عيون المقدسات.

ومقدساتنا في عالم العرب، تمتد من الكتب الدينية ودور العبادة والمقابر الى ما تحت صرة النساء، ولكن الانسان يبقى غير مقدس، يبقى رخيصا، سهل التضحية به من اجل مقدساتنا التي من كثرتها، استهان بها القريب قبل الغريب، فكلنا نذكر عبارة حسين كامل، نسيب وابن عم صدام، عندما واجه مرقد الامام الحسين عليه السلام، قائلا(انا حسين وانت حسين، سنرى من ينتصر؟)

اننا بهذه التهديدات كل ما نعمله هو التوكيد على عدم الفعل، فلو كنا نحترم المقدسات، لما سمحنا لانفسنا باستباحتها، أجل، الا يعتبر استباحة لدور العبادة، عندما نجعلها مركزا لتجمع المقاتلين، او مركزا لاخفاء الاسلحة، وموقعا مثاليا لنصب المدافع ومضادات الطائرات، الا نستبيح مقدساتنا، عندما يخرج من يدعي انه عالم دين جليل، ويرأس مؤسسات دينية او يكون عضوا فيها، ويكذب صراحة وعلنا، الا نستبيح مقدساتنا عندما ينشر علماء الدين دعايات كاذبة وغير قابلة للتصديق، يدعون فيها ان الامريكان باستعمالهم للنظارات، فانهم يرون ما تحت ملابس نساءنا، وهلم جرى من الادعاءات والاكاذيب، التي قد تنطلي على السذج فترة، الا انها لا بد ان تنكشف.

نقول ان دور العبادة هي بيوت الله، ولانها بيوت الله، ألا يجب ان تكون مفتوحة لكل انسان، مهما كان انتمائه الديني او المذهبي، فقولوا لي بحق الله كيف يمكن لانسان ان يدنس بيت الله؟، وهو القائل ان الانسان خليفة الله على الارض، ومن اجل هذا الادعاء، نحن لا نعفي شارون من القصدية في زيارة المسجد الاقصى، ولكن الم نخلق حرب شبه دينية من زيارة عادية لبيت الله؟ وكم قدّم  الشعب الفلسطيني من الدماء والدموع منذ ذاك؟ ألا ننجر خلف صيحات الإنتقام والقتل والدمار بحجة الدفاع عن المقدسات؟ الا ترون اننا نتشابه والقبائل البدائية التي كانت تقبل تقديم التضحيات البشرية لالهتها؟ ولكن بصورة اخرى.

لقد احترم الامريكان طلب الشيعة بعدم الدخول الى المدينتين المقدستين، النجف والكربلاء، هذا عند تحريرهم العراق من قبضة صدام وزبانيته، برغم انه لا توجد في ثقافتهم مثل هذه المفاهيم، اي ان تكون هنالك مدن كاملة مقدسة، وبرغم علمهم الاكيد ان صدام استباح المدينتين، ولم يحترم قدسية المدينتين او مقتدى الصدر وجيشه من ايتام فدائي صدام، واعوان المخابرات والاستخبارات العراقية، فأين كانت القدسية، ألم يدخلها مقتدى الصدر بكامل سلاحه وجيشه؟ وهو لابس عمامة وبالمناسبة سوداء، دلالة لانحداره من صلب علي عليه السلام، الا يعتبر السلاح اكبر عامل تدنيس لدور العبادة؟

لانه اداة قتل، الا يشار باستغراب قتل الامام علي في المسجد؟ اي ان القتل كان من الممكن تقبله، ولكن ان يحدث في المسجد فهو من الكبائر، الا يدعوا مقتدى الصدر الى القتل في دور العبادة حين يدخلها وجيشه بكامل اسلحته؟

وبغباء تام، حتى المدن التي لم تتأثر بالحرب، عملنا على ان تحترق وتدمر، ومثالكم الفلوجة، فما كانت هذه المدينة قد ذاقت ضربات الطائرات والمدفعية والدبابات، الا ان المجاهدين الاشاوس عملوا كل ما بوسعهم لتدميرها، وهذا دمار البنيان، وانتظروا ثمرات المجاهدين في المزيد من تدمير الانسان، لا بل المتوقع ان تحدث وبهمة المجاهدين الابطال حروب اهلية صغيرة داخل كل مدينة يدخلوها.

فبأسم المقدسات التي لم نعد ندرى ما هي ومداها، كل شئ في العراق مباح، كما هو في الاراضي الفلسطينية، الم تسمعوا ماذا يحدث في غزة؟ والم تسمعوا ما حدث في لبنان ابان حرب تحرير فلسطين مرورا بجونية.

ان السيد عرفات الذي صار يتغني ليل نهار بالمقدسات المسيحية والاسلامية، وبشعب الجبارين، ويطالب بالدعم العربي والاسلامي والاوربي، من اجل انقاذ المقدسات، ليس مستعدا ان يتنازل عن بعض الصلاحيات، وعمل كل جهده من اجل افشال مهمة ابو مازن (محمود عباس)، وهو كان متأكدا مسبقا كما هو الان، انه لا بد ان يقدم تنازلات معينة لكي يحافط على المقدسات، والانكى من كل ذلك انه سيقدم تنازلات اكثر مما طالبه بها السيد باراك، وكل هذا بعد ان قتل من الفلسطينين الكثير ودمر اقتصادهم، فمن يدفع فاتورة هذه الخسائر؟

وهذا الذي ترونه في العراق، فرجال الدين من السنة والشيعة، ينادون ليل نهار بالدفاع عن المقدسات، في الوقت الذي تدعو هيئة علماء المسلمين (الاطار التنظيمي لعلماء السنة) الى استمرار العمليات الارهابية بتسمية المقاومة، انهم اي علماء المسلمين هؤلاء سكتوا عن كل ممارسات النظام المقبور، وهم مستعدين لتبريرها، لانه كان يعمل لمصالحهم وكانت امورهم في ظل حكمه ماشية وعال العال، وفي الوقت الذي يسكت علماء الشيعة عن تصرفات صبيان مقتدى الصدر، والذي يدفع فاتورة هذه الدعوات وهذا السكوت هو الشعب العراقي، الذي كان بحاجة الى مرحلة من الهدوء لاكثر من سنتين بعد اسقاط االنظام البعث الفاشي.

فإلامَ تدفع شعوب المنطقة هذه الفواتير الضخمة بأسم المقدسات التي لا نقدسها نحن؟

25 ايار 2004

 

اتقوا الله في ما تقولون وما تفعلون

 

لا خلاف ان من اهم سمات الانظمة الديمقراطية، هي الاقرار بالحريات الفردية، ومن اهمها حرية الرأي، ان هذه الحرية ان استعملت لقول ما نؤمن به، وما نعتقده صحيحا، لخلقت جوا من الحوار البناء، حوار يؤدي الى الارتقاء بالانسان ومتطلباته (وليس كحرية الاسماء المستعارة التي تمكننا من التنفيس عن كل امراضنا، بدل النقد الهاديء والبناء). ان حرية الرأي تعتبر بحق عامل اساسي في تقدم الشعوب والاوطان، ولكن بين حرية الرأي والدعوة الى التخريب والتدمير والقتل بون شاسع، يجب ان يكون واضحا للجميع، وخصوصا لمن يرتقي المنابر ويخطب في الجموع، بأسم الايمان والقيم الروحية، لا بل ان لمن يتصدي لهذه المهمة، اي الخطابة في الجموع المؤمنة، ان يكون من دعاة المحبة والحفظ على النظام والعمل بالتي هي احسن، ان من يتصدي لمهمة توجيه المؤمنين، مفترض فيه ان يقف في صف العدالة والحرية والقيم النبيلة، لكي يرتقي بفكر المؤمنين الى مصاف ادراك عجائب الخالق ومدى محبته لبني البشر.

من حق ائمة المساجد والجوامع والكهنة في الكنائس وكهنة معابد اليزيدية والصابئة المندائية والكاكائية، ان يبدوا ارائهم وان ينتقدوا ممارسات يعتقدون انها، تضر بالعباد، وان يدعوا الى اصلاح الامور، ولكن أن يقوم أحدهم بالدعوة الى العصيان والتمرد، فهذا من شيمة العصاة والمتمردين والقتلة، وبالاخص، ان الحكومة القائمة لا تكبل الأفواه والأيادي، بل تدعو صراحة الى ابداء الاراء.

تنقل الفضائيات اقوال ودعوات مشبوهة، للعصيان بأسم مقاومة ما يسمى بالاحتلال الامريكي، انها برأينا دعوات لسفك المزيد من دماء العراقيين الابرياء، الذين لا ذنب لهم الا التواجد في مكان معين وزمان معين هو وقت حدوث التفجير او سقوط قنبلة او اطلالق وابل من الرصاص، فهل هذه هي شيمة من يقاوم؟ وهل المقاومة المسلحة تكون مشروعة عندما تكون كل الحريات في معارضة اي شئ مباحة، في اطار القانون؟ ان مقاومة امور لا نؤمن بها امر شرعي، ولكن اسلوب المقاومة امر اخر، فالاسلوب القانوني في الدعوة وحشد المؤيدين، واجراء تغييرات سياسية عبر الوسائل السلمية، للوصول الى المبتغى، امر سليم ويتماشى مع القانون والحالة الديمقراطية التي نعيشها، ولكن التفجير والقتل على الهوية واطلاق زخات من رشاش كيفما كان ولقتل اكبر عدد من الناس، لمجرد زرع الخوف والرعب في قلوب العراقيين، هو الارهاب بعينه. انه عملية فرض الرأي الواحد وبالاسلوب المتعارف عليه، تريد ارنب خذ ارنب، تريد غزالة خذ ارنب، اي لا بديل عن الرضى بما يريدون، انها تكرار لما عمله فأر العروبة عندما كان يخير العراقيين، بين صدام وبين الموت.

حتى المعارضة تمنح الفرصة، لمن يدير دفة الحكم، لكي تختبره، وتعرف نياته، ولكن ممارسي ما يسمى بالمعارضة العراقية، لم يمنحوا لا للحكم ولا لمن سمى بالمحتل، هذه الفرصة لكي نعرف الخيط الابيض من الاسود، ان ما يمارس اليوم هو نتيجة لتخطيط مسبق، في حرب صدام ضد تحرير الشعب من ظلمه، فالاسلحة كان قد تم تهريبها وخزنت مسبقا في اماكن متفق عليها، والادوار وزعت مسبقا ايضا، والضرب بدون رحمة مسألة كان الاتفاق قد تم بشأنها، وتدمير المؤسسات وحل الجيش والاجهزة الامنية كان موقفا مسبقا (وان قرار بريمر بهذا الشأن كان الاقرار بأمر هو واقع)، ان النظام كان يدرك انه لن يتمكن من حشد الشعب للدفاع عنه، فلذا عمل من اجل تحقيق مقولته السابقة بأنه لن يسلم العراق الا أرض جرداء، والعراق اليوم وغداً ليس عراق جرذ العروبة بل هو ويجب ان يكون عراق العراقيين، يبنى لاجلهم ومن اجلهم، يجب ان يزول الوهم بعودة العراق مزرعة لشخص او لعائلة واحدة، ولاجل ذلك يجب ان يدرك كل المخدوعين بشعارات الاسلمة والعروبة، ان العراق الديمقراطي التعددي، هو الذي سينبثق وهو الذي سيبقى، وان الديمقراطية والحرية ليست الفوضى ابدا، بل ان للديمقراطية انياب يجب ان تستعمل، لان حياة العراقيين هي المهددة، وعمليات الارهاب تطال هذه الحياة، وعليه يجب ان يتم القضاء على الارهاب في المهد، والمهد هو ايقاف عمليات التحريض المستمرة، بأسم الديمقراطية، فالديمقراطية لا تبيح مدح القتلة من سياديي صدام، والديمقراطية، لا تبيح اسكات الكل ليس نتيجة للنقاش الحر، بل خوفا من القتل والخطف وانتهاك كرامة الانسان، الديمقراطية هي عملية ادارة الحكم اساسها الحرية، التي تعني حريتي تنتهي عند حدود حريتك، والجاري الان هو منح الارهابين ومن يساندونهم من كل المنابر، انفسهم حرية ابادة العراقيين وتحويلهم الى عبيد لغرائزهم المريضة، من خلال العنف والعنف العاري فقط.

ان هؤلاء القتلة ان تمكنوا لا سمح الله في السيطرة على مقدرات البلد، فأن الضحيا لن يكون فقط، المسيحيين والصابئة والازيدية، بل سيشمل الشيعة بأسم الرافضة، وسيتم تكفير كل من يقف في طريقهم، وان عدم الاستقرار الذي سيخلقونه في العراق، سيطال البلدان المجاورة، فالعراق وامكانياته المادية، ليس افغانستان، فمن سيستلم العراق لن يكون بحاجة الى زرع الخشخاش لانتاج الافيون، فالثروة موجود وهنالك الف من يريد ان يشتري، فهل تتعض البلدان التي تشجع الارهاب والارهابيين؟ ان ادراك هؤلاء الارهابيين انهم اقلية واقلية جدا من الشعب، لا بل من الطائفة التي يحاولن فرض نفسهم المتكلمين بأسمها، هو الدافع لجعلهم يلجأون للقوة في فرض مطالبهم، ولكن لو تحقق لهم ذلك فهذا يعني استمرار الحروب في الشرق الاوسط لمدى لا يعلمه الا الله، فأتقوه في ما تقولن وما تفعلون.

17 ايلول 2004

اسلم تسلم

وردتنا اخبار مؤكدة من بغداد ان جماعات مسلحة قامت بتهديد عوائل مسيحية في مناطق عديدة من حي الدورة. خاصة في حي المعلمين وقد انذرت هذه الجماعات المسلحة العوائل المسيحية بترك المسيحية و اعتناق الاسلام وخلال 24 ساعة فقط او مغادرة المنطقة والا تعرضوا للذبح… وقد اضافت مصادرنا في بغداد ان هذه الجماعات منعت عوائلنا المسيحية من الاحتفاظ باي من مقتنياتها اثناء المغادرة. كما اصدرت فتاوي بمصادرة جميع ممتلكات هذه العوائل.

وعلمنا ايضا من نفس المصدر بان اغلبية تلك العوائل المهددة قد هربت من منازلها تاركين كل شيء في بيوتهم الى مناطق اكثر آمنة في العراق.

الخبر اعلاه نشر على مواقع عديدة وهو خبر طازج، اي نتاج اليوم، انني اتوجه به الى الى كل مسلم ليقراءه ولكن رجاءاً بتأني وتفكير.

نحن في بداية القرن الواحد والعشرين، ولدينا كل وسائل التواصل والاطلاع، كل ما يحدث في العالم ينقل بسرعة البرق الى كل اصقاع العالم، فكلنا نعرف باي خبر يحدث في مناطق سكنى الاسكيمو او في ادغال اندونيسيا أو هضاب منغوليا أو حول الأمازون، ولكن سؤالي هل سمعتم مثل هذه الاخبار فرض اعتناق دين بالقوة والارهاب؟

هل يمكن لاعداء الاسلام من ان يقترفوا شيئا مشينا بحق الاسلام اكثرمن مثل الخبر اعلاه؟

اعتناق الاسلام تحت نصل الحراب ماذا يعني؟ ألا يعني ان الاسلام اذا كان في القرن الواحد والعشرين ينتشر بهذه الوسائل فكيف انتشر قبل ذلك؟

ماذا يستفاد الاسلام من انسان اعتنقه بالقوة، والى اين سيذهب هذا الانسان الذي اعتنق الاسلام تحت تهديد؟،سيكون مأواه الجنة ام الجحيم؟

المسيحيون العراقيون لا يمتلكون ميليشيات مسلحة، وهم يعتبرون انفسهم ابناء البلد الاصليين، ولم يخونوا وطنهم لا بل ارتضوا الظلم والاضطهاد والتنكيل من اجل ان لا يتركوا وطنهم، ولكن الى متى؟

بالله عليكم لا تقولوا لي ان من اصدر هذه الفتوى ليس مسلما ولا يمثل الاسلام، فنحن في وضع مرعب، ولن يفيدني اي تبرئة للذات وللاسلام، فما اراه وما اسمعه وما يفرض علي بقوة السلاح اصدق من كل تبريرات المبررين، انه الم وعجز لحد العي لحد الشلل، الشلل الفكري والشلل عن الاتيان بالجديد، فما ذنب انسان كذ وشقى لكي يكون له دارا ومسكنا له ولاطفاله وفجاءة يخير بين ان يترك كل شئ، او ان يغير عقيدته، وحتى لو ارتضى بتغيير عقيدته، فعلى اي مذهب، فمن الواضح ان تغيير الدين ليس بكافيا، فغد كل قوي سيفرض تغيير الناس لمذاهبها، كما عملت الدولة العثمانية والصفوية في العراق.

هل الحل في ان يتحول المسيحيون الى قنابل موقتة يفجرون انفسهم في تجمعات المسلمين؟ الا يخطر ببال احد ان توجيه مثل هذه الاهانة اي فرض اعتناق دين معين يجعل الاخر في الزاوية الضيقة وليس امامه خيار فيا قاتل او مقتول، نعم اخوتنا في الوطن تفرضون علنيات الخيار الدامي والمؤلم والقاتل، واليد التي تحت الحجر تؤلم ان بقت وتؤلم ان سحبت كما يقول المثل الاشوري، فالوطن غال والحياة غالية ايهما نختار، انه الخيار الصعب!

هل من نشر مثل هذه الفتوى سني او شيعي، انا اعتقد الاثنان لاننا راينا الاضطهاد من كليهما، لقد راينا فرض العقيدة وقوانين الشريعة والملبس الاسلامي واللحية الاسلامية في الموصل وفي بغداد وفي البصرة، اننا كنا ننظر الى ابناء العراق كلهم كأخوة، ولا زلنا في المغتربات نفرح ونسر عندما نلتقي بعراقي ومهما كان دينه ومذهبه، ولكن بعد اليوم وانتم تفرضون ما تريدون علينا من حقنا ان ننظر اليكم كاعداء، كل واحد مشروع اضطهاد لنا، والا إلام هذا الفلتان والتقاتل والمذابح والقنابل الراجلة والمنتشرة في كل مكان، إلام بالله عليكم؟

اليوم فتحت التلفاز واذا بخبر تفجيرات كربلاء تهز كياني وتعصرني الما وتملاني غما، ولكن لم تمض سويعات الاوخبر الفتوى المفروضة على مسيحي الدورة ينزل على راسي كالصاعقة، انه خبر من الاخبار التي يجعل الانسان يفقد توازنه، قد يقول اي شيء، ولكن قول أي شيء هل يوازي هذا التهديد هل يوازي التهديد بقتل بتصفية انسان؟.
اذا كنتم لا تريدون العالم فهذا شأنكم، ولكننا نشعر باننا جزء من العالم، نحب ارضنا ونخاف عليها، فالله وهبها لبني البشر اليس هذا ايضا من تعليماتكم من كتبكم المقدسة؟

ليس بيدي اي اجابة، ولست مستعدا لترف التحليل والمناقشة، فهاهي البندقية مصوبة على رأسي، اسلم تسلم، وما اغلى الحياة، وما ارخص الاسلام والاسلمة.

15/04/2007

 

مروة الشربيني تقتل في المانيا ونحن ندفع الثمن في العراق

كان يوم الاحد المصادف 12 تموز الجاري احدا داميا اخر لمسيحي العراق، ذكرهم باحاد اخرى، مرت ومررنا عليها مرور الكرام، تم استهداف سبعة كنائس بالتفجيرات وقتل فيها عدد من الابرياء ممن لا ذنب لهم، هذا اذا اعتبرنا ان وجود الكنيسة هو ذنب بحد ذاته يجب العمل على ازالته.

قتلت السيدة مروة الشربيني من قبل متهم الماني من اصل روسي، في حادث جنائي، فقد المتهم اعصابه لانه اعتبر انه خاسر للقضية المرفوعة ضده، والخاصة باهانته المراءة بسبب ارتداءها الحجاب، فارتداء الحجاب الذي يعتبر ممارسة شخصية ويتعلق بحرية الانسان ذاته، لم تكن وقفا على السيدة الشربيني، بل ان مئات الالاف من النساء ذات الاصول المسلمة او حتى الالمانيات المعتنقات للاسلام يمارسنها وبكل حرية ويمكن مشاهدة لابسات الحجاب في كل شوارع المدن الالمانية لا بل حتى في شوارع القرى الصغيرة، وليس هناك من تضييق علي ذلك سوى في مدارس بعض الولايات التي تعتبر الحجاب رمزا دينيا، وهي تمنع الرموز الدينية في كل مدارسها بما فيها الصليب او القلنسوة اليهودية. الشاب الذي قتل السيدة الشربيني قد يكون مهوسا او عنصريا او من المهمشيين ولكنه بالتأيكد لا يمثل المجتمع الالماني، وبالرغم من ان القضية لم تأخذ ابعادا كبيرة في الاعلام الالماني، ليس بسبب كون القضية تجعل المسلم هو الضحية كما يردد البعض، بل لان القضية اعتبرت هياج متهم يعرف انه خاسر لقضيته، فما كان منه الا ان طعن الشاكية وهو امر يحدث وان كان باساليب اخرى او بحوادث قليلة، والامر مفهوم من الاعلام لانه لا يجذب القراء لانه امر عادي. ان القضية لم تؤخذ كقضية عنصرية، اي لم تؤخذ باسبابها الاصلية لان المحكمة كانت اخذت بها. بالطبع ان تعرض حياة انسان للهدر امر مرفوض ومدان، ولكنه امر يحدث كل يوم بسبب عدم قدرتنا على التكهن بردود فعل كل الناس وفي كل الاوقات.
الا انه من الواضح ان مسيحي الشرق الاوسط باتوا يدفعون ثمن كل ما يحدث من ممارسات ضد المسلمين في اوربا سواء كانت محقة ام لا. والمسلمون مهما فعل احدهم بالاخر من القتل والتدمير، ينظرون للاخر على انه يستهدفهم كدين، وان لم يكن كلك، والا بالله قولوا لي ما الذي يدفع الرئيس الايراني لكي يستدعي السفير الالماني في ايران ويبدي استهاجنه لمقتل السيدة الشربيني، وهل يفعل كل ذلك مع مقتل اي مواطن لبلد في بلد اخر؟

سبعة كنائس تتعرض للاستهداف ويقتل فيها عدد من الابرياء سواء من المسيحيين ام غيرهم، السؤال لماذا؟ الجواب واضح هو استهدف المسيحيين لانهم كذلك، وليس لانهم يمثلون تهديدا لاي كان، والامر الاخر المهم هو اننا نعتقد انه كان ردا لما حدث في المانيا، فالتاريخ والاحداث تعلمنا ذلك، الم يستهدفوننا يوم نشر الصور الكاريكاترية لنبي الاسلام، والم نستهدف يوم صرح البابا اواستشهد بما دون في كتاب نشر قبل قرون والم نستهف لما حدث في الشيشان؟. وكل ذلك يحدث وليس هناك خصومة شخصية بين مسلم ما ومسيحي ما بل يحدث بتخطيط مسبق؟

صار من الواضح انه لا يمكننا ان نقوم كل مرة بترديد فعل الايمان الوطني، ففعل ايماننا الوطني واضح بانجازات هذه الاوطان التي لم تاتي الا على ايدي ابناء اقلياتها، هذه الاقليات التي تعيش حالة رعب دائمي من اي انة قد تفسر على خطاء، هذه الاقليات التي لا تخضع لقانون ما وكل من هب ودب يمكن ان يمارس قانونه الخاص عليها ويستشهد باية او بقول وياما اكثرها. اليوم مطلوب ان يواجه مسيحي العراق وغالبيتهم من ابناء الشعب الكلداني السرياني الاشوري، بموقف سياسي واضح يكون الحد بين سهولة استهدافهم وضرورة بتر مثل هذا الامر الى الابد، وهذا الموقف يجب ان لا يكون بكلمات تطمينية من رئيس الوزراء او رئيس الجمهورية او اي شخص اخر، الموقف المطلوب هو ان يتم الاقرار القانوني بحق هذا الشعب في ان يتمكن من ادارة ذاته في مناطقه التاريخية وان يبني مستقبله ضمن المستقبل العراقي، وان يحمي امنه بقوات امنية من ابناءه وان يحدد خياراته الثقافية والقانونية ذاتيا. ان تمتع الشعب الكلداني السرياني الاشوري بالحكم الذاتي هو احد الردود العملية للاستهداف السهل والمتكرر عليهم من كل من هب ودب. النقلة الثانية في ايقاف كل ما تتعرض له الاقليات الدينية بالاخص ومنهم الازيدية والصابئة المندائيين، هو بكبت الخطاب الديني المسيطر على الاجواء في العراق، من خلال معاقبة كل من يعمل على اعتبار ابناء الديانات الاخرى وبما فيها ابناء الديانة اليهودية كفارا او حتى اهل ذمة، بل يجب ان يتم التعامل معهم كمواطنيين كاملي المواطنية. والعمل على نشر تثقافة التسامح وتقبل الاخر، والانفتاح على الثقافات الاخرى وتطوير مناهج التعليم بما يتوافق مع التعددية الحضارية والسياسية والنظام الديمقراطي. رفض مقولة العراق بلد اسلامي وهذا ينطبق على كل البلدان الاسلامية، فالبلد هو لكل ابناءه وكل مواطن يراه بما يؤمن ويجب عدم فرض قيم دينية باي شكل من الاشكال على الجميع مثل ما يمارس في شهر رمضان من مظاهر جعل الجميع يدعون الصوم وعدم الاكل والشرب في المطاعم (الافطار العلني) وغيرها من المظاهر الاسلامية المفروضة بالقوة على جميع مواطني الدولة بغض النظر عن دينهم. تشديد العقوبات لكل من يعمل من اجل اقرار امر يعتقده امرا ملزما دينيا، والعمل من اجل ازالة كل المظاهر التي تدعي ان الاسلام مستهدف من قبل الاخرين، اي جعل كل العالم عدوا للاسلام.

من خلال ردود فعل بعض الشخصيات المسيحية نرى انه لا تزال هذ الشخصيات لم ترتقي الى مستوى التحديات التي تواجهنا، فالسيد كنا يعتبر استهدافنا هو استهداف للحكومة لانها فاشلة، وكاننا في جيب الحكومة ونمثل الثقل الاساسي فيها، وهو فهم قاصر ومحاولة ابعاد الانظار عن الفاعليين الحقيقيين، كما يدور في نفس الفلك غبطة البطريرك عمانوئيل دلي عندما يحاول تعميم الامر وكانه مصاب للجميع، صحيح ان الجميع مصابين وضحايا للارهاب الا ان المسيحيين ليسوا مشاركين في اعمال ارهابية ضد اي طرف، واعتقد ان الوحيد الذي اقترب من الحقيقة كان نيافة الاسقف لويس ساكو عندما حدد هدف الارهابيين بانه اخلاء العراق من المسيحيين وارهاب من يفكر بالعودة لكي لا يعود. امام الحقيقة الماثلة اعلاه، نود القول اننا ضحايا وكنا ضحايا لعصور طويلة لحملنا هوية دينية مغايرة، اليوم مطلوبان نصون ذاتنا ونحمي مميزاتنا بالتطلع للمشاركة في صنع عراق مغاير وليس عراق الاسلاميين، بل كل العراقيين، عراق يمكننا فيه ان نحمي هويتنا ونطورها بكل حرية، عراق ليس مطلوبا منا فيه كل يوم ممارسة فعل المداهنة لاثبات وطنينتنا، بل الاقرار القانوني والفعلي بمواطنيتنا وبكل حقوقنا، وان كانت الدولة غير قادرة على حمايتنا فنحن بقادرين على ذلك، ولكن ضمن اطار قانوني شرعي يمد الدولة بالقوة ولا ينتقص من قوتها، انه مرة حل سياسي قانوني اداري، انه الحكم الذاتي.

14 تموز 2009 ايلاف

ولا زلنا متخوفين

 الفرق بين واقعنا كاقليات دينية او قومية او طائفية في هذه المنطقة في زمن الدكتاتوريات وزمن ما بعد التحرر والثورات والربيع، هو اننا في زمن الدكتاتوريات كنا نلعق جراحنا ونصمت على الامنا ونداري دموعنا لكي لا يلاحظها احد، ويشك فينا ويعتبرنا معارضة محتملة. اليوم بتنا نتمكن من ان نتكلم عن وجعنا والامنا ونصرخ ليس لانه مسموح به لنا، بل لان الالم والوجع تخطى كل حدودهما وما عاد بمقدور احد الصمت.

ينقل الاستاذ خضر دوملي عن الاجتماع الثالث لتحالف الاقليات والمنعقد في دهوك ((الفقر والارهاب، اعمال العنف والهجرة، التهميش والتميز في التعامل ومنح الوظائف، القتل على الهوية، الفشل الحكومي في التعاطي مع حقوقهم، والتفكير بأن ما يفعلونه من اجل هذا البلد لايقابله الا الاهمال، هذه هي مخاوف الاقليات، ورغم ذلك متمسكون بوطنهم، و يصرون على اصلاح القوانين والتشريعات حتى تتلائم وتطلعات مستقبل افضل لجميع ابناءه.))

اذا كان هناك فرد مسيحي قد اخطاء في نظر القانون، فان المسيحيين كلهم، قد عقبوا نتيجة هذا الخطاء. فاذا كان منير روفا قد هرب بطائرته الميك 21 الى اسرائيل، فان المسيحي صار ممنوعا عليه ان يكون طيارا. هذا المثال سقته لكي يدرك البعض ان ابناء شعبنا ومعهم كل المسيحيين الاخرين نالوا جزاءهم جراء ما اقترفه شخص واحد ولا يزالون اي انهم عقبوا جماعيا لجريمة فردية هذا اذا اعتبرنا الامر جريمة. واذا كان هناك يهودي متعاطف مع الافكار الصهيونية، فان اليهود كلهم قد اجرموا جراء ذلك، وتم سلخهم من وطنهم وهويته ورميهم خارجه ليس لشئ، الا لكونهم يهود وهذا كان حال الاشوريين المضطرين للهرب من مذبحة سميل، ولا اعتقد ان حال الازيدية والمندائية بافضل منا.

لو قلت لاي عربي او مسلم ان هؤلاء الارهابيين هم مسلمين لقال لك اللازمة المعروفة انهم لا يمثلون الاسلام، وقد يكون في قوله صحة، ولكن الخطاب الطاغي هو خطابهم فما العمل، هل على العالم ان يرمي المسلمين خارج المنظومة الانسانية او خارج الكرة الارضية؟ نحن وكل العالم باعتقادي لا يريد ولا يمكنه ضميريا ان يحاكم كل المسلمين بجريرة ما قامت به مجموعات اسلامية متطرفة. ولكن هل المسلمون والعرب منهم يتعاملون بنفس الطريقة مع الاخرين؟ واذا قيل لك ان الارهاب يطال المسلمين ايضا، فالمسألة هنا لا تهم الضحايا الغير المسلمين، لان واجب القضاء على الارهاب واقع على عاتق المسلم، الذي يرضى بالتفسير المتزمت والقابل للتاؤيل والتهوين من الاعمال الارهابية ومنحها صفة الجهاد المقدس.

ابان المناقشات التي جرت اثر طرح مشروع الحكم الذاتي، تبارى الكثيرين مبرزين عراقيتهم وخوفهم على العراق الموحد، في ذات الوقت الذي كانوا يتوددون لاقليم كوردستان وقيادته والاحزاب الحاكمة فيه. لقد حسب البعض الحساب الخاطئ (اذا كنا حسني الضن بهم) وهو انهم في تقديم شعبهم وحقوقه هدية للاخرين للحفاظ او بدعوة الحفاظ على وحدة العراق، فان العراقيين ومنهم الارهابيين سيدعونهم يعيشون براحة بال ولن يضطهدوهم او قد يقدمونهم كنماذج للعراقي الاصيل، فما حصل لا هذا ولا ذاك. وعندما تقدم اصحاب الاردية المشهد طارحين رغبتهم بقاء شعبهم بدون اي حقوق الا ما تكرم به قريحة حاكم بغداد، لم يعر احد الامر اهتماما باعتبار ان اصحاب الاردية السوداء او القرمزية او احيانا البيضاء اساتذة في تقديم التنازلات تلو التنازلات للحكام على حساب ابناء الشعب.

هل لبسنا دور الضحية بحيث لا يمكن الفراق منه؟ باعتقادي انه كان لازما ومنذ زمن طويل الخروج من التاريخ ومعاناتنا فيه، الخروج من بوتقة اهل الذمة، وانتم ضيوف، واننا سنعمل على حمايتكم، كان علينا الخروج منها والتقدم للعمل من اجل مطالبنا التي تجعلنا حماة انفسنا. مستندين لقوانين تدعمنا وتدعم كل من يقال له الاقليات في الحفاظ على الذات. يجب ان يدرك الجميع ان مقتل واحد منا ليس كمقتل واحد من العرب او الكورد، ممن يمتلكون بدائل، لقد قتل منا المئات الالاف في الازمنة القريبة لحد تحولنا الى طلب الحماية من الانقراض، والا قولوا بربكم هل ان مقتل بقرة يماثل مقتل دب من دببة الباندا في حسابات كل العالم، والمعذرة من التشبيه ولكنه للتقريب.

منذ سنوات ونحن نصرخ وبح صوتنا من الصراخ يا ناس يا عالم نحن نتعرض للانقراض ولا مفر لنا الا ان نؤسس لذاتنا في وطننا، ولم يسمع احد الا من كان مثلنا ضعيف القدرات ولم يتمكن من ان يخدع الناس بالشعارات.

لقد ارعبوا شعبنا ان الارهاب يستهدفنا لاننا نطالب بحقوقنا، انهم من لا يزالوان يعيشون في دولة الخلافة، ويعتقدون ان الناس اثنان مؤمن وكافر، ونحن اهل الذمة من الفئة الثانية غالبا ومعطوف علينا حينما نحتاج لتقديم الزكاة. لقد كان الارهاب في صلب الفكر وصلب الشعارات والممارسات على الدوام، وزاده الاعلا م وحشية وتاثيرا، ولكن سبايا ومغتصبات وقتلى السنوات الطوال لم يسمع عنهم احد، لانه لم تكن هناك كامرة تصور كل حدث، لم يكن هناك هذا الجوع الاعلامي، لكي يضطر لابراز معاناتنا، وسكوتنا وتقبلنا وقولنا نحن في حماهم، وحتى بعد ان اصطنعت الاوطان الجديدة بقى الفكر ضمن اطار نحن في حماهم ولم يتطور مع مفهوم الوطن الجديد ومفهومه في اطار المجتمع الدولي.

وينقل الخبر عن الاستاذ ميخائيل (( يقول ميخائيل بنيامين عضو التحالف عن مركز نينوى للبحث والتطوير بأنه: لاتزال للتشريعات اثر كبير على واقع الاقليات وشعورهم بأن هناك تهميش بحقهم، وابرز الامثلة على ذلك هو موضوع اسلمة القاصرين فهذه تحتاج الى وقفة تشريعية جادة.ويضيف ميخائيل “موضوع التشريعات موضوع مهم وهي واحدة من الامور المهمة التي تساعد على ضمانة حقوق الاقليات وفق التشريعات الدولية التي تخصهم والتي تشمل حماية ثقافتهم ولغتهم ووجودهم، لذلك في الكثير من الاحيان عندما تكون هذه الاجراءات ضعيفة تكون سببا للهجرة والاهمال”.))

ولكن السؤال من سيقوم بتغيير التشريعات اذا كان ممثلي الاسلمة السياسية والايديولوجية والذين ينظرون للاخر من خلال منظار المؤمن والكافر، والذين يعتقدون ان تعاون الدول الكبرى معهم هو ان الله سخرهم لخدمة اجندتهم من حيث لا يدرون، هل سيقبلون بتغيير التشريعات مالم يدرك حقا ان مصالحه ستتضرر ان لم يرعى مصالح الاخرين؟

لقد اثبت المنتمين لليتارات الاسلامية انهم الاكثر براغماتية من كل التيارات الساسية، لقدرتهم على تأويل مئات الالاف من الاحاديث النبوية الصحيحة او الغير الصحيحة لمصالحهم الذاتية، ولرغبتهم الشديدة في التشبث بالسلطة والمال والجاه، ولذا فانها وبحكم هذه التوجهات التي تحكمها من غير ان تعلن عنها، فانها مستعدة لتقديم التنازلات وتقديم المخارج اللازمة من الايات والاحاديث وتجارب السلف. وعليه فبدلا المهادنة والمسكنة التي اظهرها بعض سياسينا ورجال ديننا المسيحي بالاخص، كان من المفروض زيادة الضغط ونشر القضية على اوسع نطاق ممكن لكسب الحلفاء ودفع الامم المتحدة لاظهار موقفها تجاه معاناة الاقليات.

انه من الثابت ان التجارة بالعراق الموحد والوحدة الوطنية لا تقي المعوز كما لم تقيه تجارة فلسطين والوحدة العربية، والمعوز هو نحن الذي وصلنا الى شفير الانقراض التام، ولذا بات علينا ان نعلن ان وحدة العراق والعراقيين لن تمر على جثتنا، وحقنا يجب ان يصان كما نريده وبلا نقصان، واقران القول بالفعل من خلال وحدة قوية بين الاقليات، تلغي التدخل المذهبي والذي حاول سحب بعض الاطراف بحجة الانتماء المذهبي المشترك لتقوم بالاستيلاء على ممتلكات اقليات اخرى. بات واضحا ان ارتماء بعض الشبك في الحضن الشيعي واستغلال ذلك للاستيلاء على ممتلكات الكلدان السريان الاشوريين، لن يقي الشبك من مصير الاقتتال السني الشيعي الذي سيقسمهم الى طرفين متناحرين في اسواء الاحوال او تعرض طرف منهم لانتقام الارهاب بحجة مساندتهم للطرف المناوئ في احسن الاحوال.

ان المشاركة الفعالة في المطالبة بالحكم الذاتي الخاص بالاقليات وخصوصا الكلدان السريان الاشوريين والازيدية والشبك في المنطقة المشتركة، لن يكون فقط صمام امان لهم بل سيكون صمام امان لاقليات يمكن ان تحتمي بهذه المنطقة. امام المستقبل القاتم الذي ينتظر الاقليات العراقية، عليهم ان يضعوا الجميع امام الحقيقة المرة وهي ان كل الخيارات مفتوحة امامهم، فلا معنى لوطن دون وجودهم معززين مكرمين كمواطنيين يتمتعوا بكامل حقوق المواطن، ومنها حق الاحتكام لتشريعات نابعة من عاداتهم وتقالديهم وتطلعاتهم. ان غلبة المكون الكلداني السرياني الاشوري والازيدي على المنطقة سيضمن تطبيق شرائع علمانية وحريات واسعة مما يسمح للشبك بالعيش في حرية والاحتفاظ بكامل حقوقهم ومشاركتهم الكاملة في الادارة.

انه اخر الحلول لمشكلة الاقليات العراقية او غالبيتها، وهذا بالطبع لا يتنافي مع النضال المستمر لكي تتحكم القوانين المدنية والمواطنة مسار الحياة اليومية للعراق لان الامر سيضمن حقوق الجميع وليس كما يقال ان الاكثرية هي لهذا المكون، وعليه فان الدولة ستسير بحسب هذه الاكثرية، الام الامر في العراق، هو استيلاء مجموعة من السياسين لقرار الاكثرية المذهبية دون ان يكون لهذه الاكثرية قرارها المستقل والحقيقي.

24 تشرين الثاني 2013 ايلاف

التبشير

تعني كلمة الانجيل بالغة اليونانية البشارة، والانجيل باجزائة المختلفة، ونعني به العهد الجديد، هو بشارة لبني الانسان، تعني منحهم عهد امان، وتخليصهم من الخطيئة الاولى التي لازمتهم منذ ادم ابو البشر.

والتبشير، الكلمة عندما نسمعها تذهب مداركنا رأسا صوب التبشير برسالة السيد المسيح له المجد، ولا تذهب الى اي مدلول اخر، برغم من التبشير حالة يومية نمارسها، اعتقادا والتزاما او تقليدا.

فالتبشير هو الدعوة الى شئ اخر الى دين او حزب او فلسفة او ممارسة اخرى تخالف ما تعودنا عليه، وفي هذه الحالة ان الانظمة الدكتاتورية، او الشمولية والتي رأت ان البشر يجب ان يكونوا متساويين، فبدأت بالتأميم وتوحيد الزي والترويج لنوع معين من الفن كالغناء والموسيقى والادب، كانت هذه الانظمة تبشر بشئ جديد، وهنا نحن لسنا في مجال نجاحها او فشلها، ففرض الصرامة واللون الغامق وربط الرجولة به، وكل ما يميل الى الالوان الزاهية والرقة ربطة بالانوثة بمعناه السلبي هذا ايضا كان نوع من التبشير وان كان بقوة القانون المفروض من سلطة دكتاتورية.

والكثير منا ربما كان قد ارتدى التي شيرتات التي كان مكتوبا عليها دعوات الى المحبة والسلام ونبذ الحرب والعنف، التي ظهرت قبل انتهاء حرب فيتنام، ان هذه التي شيرتات كانت تحاول التبشير بفكرة جديدة لا بل تؤسس لفلسفة جديدة هي فلسفة السلام. اذا برغم ارتباط التبشير بمفهوم الدعوة الى المسيحية الا انه يمكن ان نمارسه للدعوة الى امور اخرى بعيدة كل البعد عن المسيحية، ولكن ارتباط التبشير بمفهوم الدعوة الى المسيحية شئ ايجابي بمعنى انها دعوة للفرح والسرور والحياة الجديدة التي ليس فيها موت، بمعنى موت الروح.

علة هذه المقدمة هو محاولة احد سياسينا الاشاوس تفسير وربط الاعتدأت التي اقترفت ضد المسيحيين وكنائسهم بقيام البعض بمهام تبشيرية، غامزا من طرف بعض الكنائس الحديثة، لا بل ان بعض رجال الدين ينفي القيام بالتبشير، وكأن المسألة اتهام يجب التخلص منه ونفيه، لا بل كان هنالك اقتناع حقا ان التبشير عمل غير قانوني.

في عام 1976 كنت جنديا في معسكر تدريب الحبانية، وكنا جميع افراد الدورة التدريبية من خريجي الكليات والمعاهد، وكان هنالك نشاط اسلامي واضح لمن يتبع ما يجري في المعسكر، فطلبت من احد الزملاء المسلمين ان يعرفني الى بعض النشطاء، وعندما استفسر مني عن السبب، وخصوصا هو كان يعرف انني مسيحي وكنت نشط في الدفاع عن الكثير من التشويهات التي كان بعض الاستاذة يرددونها بشأن المسيحيين، قلت له لكي اعرف اتجاه تفكيرهم والى ما يرمون، فعرفني الى شاب من معهد التكنولجيا، وفي نقاشنا الاول احسست انه يريد كسبي لاعتناق الاسلام، وان غرضه الوحيد هو هذا، فيما كان غرضي الاطلاع على فكرهم السياسي والى ما يرمون مستقبلا، طبعا وانا في الخارج تعرضت الى محاولات الاغراء لاعنتاق اديان مثل شهود يهوه والديانة الهندية مثل تأليه راما وكرشنا، غرضي من هذه التجارب ان كل واحد يتعرض لمثل هذه المحاولات، وان التبشير بالدين مسألة حق طبيعي للانسان، فان كان مقتنعا بشئ، ليس فيه احتقارا لفئة ما او تنقيصا من الكرامة الانسانية او دعوة لابادة اوقتل فئة محددة، فان التبشير حق يكفله القانون، وتكفله اغلب الدساتير وكذالك ميثاق حقوق الانسان، المصدق من اغلب دول العالم.

 

بنيت كنيسة المسيح على التبشير، فعند نزول روح القدس على تلاميذ يسوع المسيح، امرهم بأن يخرجوا للعالم ويبشروا باسم الاب والابن والروح القدس، وكنيستنا المشرقية بعد الانقسام الكنسي في منتصف القرن الخامس، استمرت بالتبشير لحد انه كان لها ابرشيات في الهند والصين وسيبيريا ومنغوليا الى عمان والبحرين (دلمون) وقطر (بيت قطرايي) واليمن وحتى قبرص والاراضي المقدسة، كل هذا الامتداد حدث بفعل حملة تبشيرية فعالة وكان التبشير يجري بنشر كلمة يسوع المسيح بالكلام والحوار وفي كل هذه المحاولات لم يتم استعمال القوة ابدا.

ومع مقدم الاسلام واستيلائه على اراضينا واصدرا القوانين العمرية (نسبة الى عمر بن الخطاب) تم منع التبشير بالمسيحية، لا بل فرض على المسيحيين عدم ردع من ينتمي منهم الى الاسلام ويفرض عليهم احترام من يعتنق منهم الاسلام، برغم من ان هنالك دلائل بوجود مسلمين اعتنقوا الاسلام في زمن النبي محمد.

منذ ذالك الحين منعنا من التبشير بالمسيحية في الدول الاسلامية، فيما يسمح للمسلمين بالتبشير بالاسلام، لا بل ان موارد الدولة مسخرة في الكثير من الاحيان لهذا الغرض، واحد اكثر المعضلات قتامة ان من يتم فرض الاسلام عليه بأي وسيلة وان لم يكن برغبته، لا تسمح الدولة له بالعودة الى دينه، بحجة انه يمارس الارتداد، اي ان كل الاديان مسموح الاخذ منها وتغيرها الا الاسلام وهذا بفعل قوانيين الدولة اي ان الاسلام محصن بقوانين رغم ان القرأن يؤكد على ان لا اكراه في الدين.

واليوم من المنطقي ان نتسأل بأي حق يتم حرمان اناس من حق طبيعي منصوص عليه في كل القوانيين والمعاهدات الدولية وبالاخص الاعلان العالمي لحقوق الانسان؟، باي حق يتم اشعار انسان بان ما يؤمن به مخالف للقوانيين؟، ولذا لا يمكن توسيع رقعته، ولماذا هذا الامر غير منطبق على من يؤمن بدين اخر، اليست هذه دكتاتورية دينية؟، والا يخالف ذلك الاية (لا اكراه في الدين) الا يناقض ذلك المواثيق الدولية الموقعة من قبل اغلب هذه الدول؟، اليس من حق الدول الديمقراطية محاكمة هذه الدول؟، لانها لا تحترم تعهداتها.

بأي حق يتم صرف اموال لي نصيب فيها لدعم دين معين او مذهب معين انا لا اؤمن به؟، الا نقول ان ثروة البلد هي للشعب، فلماذا جزء من الشعب يتمتع بكل الامتيازات والجزء الاخر محروم منها، وبالتالي هناك تمييز صارخ بين المو اطنيين، وبالتالي هنالك محاباة للبعض على حساب الاخرين، وهذا يخالف اسس الدول الحديثة التي بنيت على اساس كل المواطنيين متساوون مهما كان انتمائهم الديني والقومي والجهوي او لونهم وجنسهم.

التبشير حالة صحية، لانها تخلق الحوار والاخذ والرد، التبشير حالة مطلوبة على الدوام لكي تتلاقي الافكار وتتطور، التبشير يسموا بالانسان الى مصاف المثل، ايمانا وممارسة، والمواطن الذي يأخذ على عاتقه مهمة التبشير بفكرة معينة، وان كانت التبشير باهمية الاقلاع عن التدخين، هو مواطن يشعر بالمسؤولية تجاه الاخرين، مواطن ايجابي يمكن ان يكون قائدا في شعبه، والشعوب تنجب دائما قادة قليلون. افتحوا شبابيبكم لكل النسمات التي تنعش الفكر، فالمرفوض يجب ان يكون الفرض، لانه ضد الطبيعة الانسانية، فالتبشير واجب وحق وممارسة للحرية بمسؤولية ووعي.

24 اذار 2005 ايلاف

لكي تكون مسيحيا صالحاً، يجب ان تكون مسيحيا ميتا!

يحاول بعض ابناء جلدتنا، من الاشوريين وبعض من يؤمن بما ندعي الايمان به، ان يبرر للمأسي والقتل والسبي والاستيلاء على الاموال والاملاك، التي مورست بحق الاشوريين وكل المسيحيين سواء اثناء الحرب العالمية الاولى او ما بعدها او ما قبلها. فهم يقولون مثلا عن اجتياح قرى خابور ان السبب هو دخول مسلحيين ومحاولة الهجوم على قوات داعش، كما قالوا ان سبب مقتل اكثر من نصف مليون اشوري وبما يقارب الثلاثة اربعا الميلون، كان سببه تعاطف او محاولة التحالف مع روسيا القيصرية! في حين ان الاشوريين من اتباع الكنيسة الكلدانية والسريانية ل يكن لهم اي فعل سياسي وكانوا مستكينين وخاضعين كل الخضوع لمصيرهم. لا بل ان اتباع كنيسة المشرق لم يتحركوا ويعلنوا العصيان الا بعد ان بدأت تباشير القتل تطال كل المسحيين من مختلف التوجهات وبلا تفرقة بين مسيحي ومسيحي. ان الذين يحاولون التبرير هم ورثة لواقع قانوني واجتماعي ساد البلدان الاسلامية، وهو ان المسيحيين اهل الذمة، اي ذمة بيد المسلمين منحها لهم الله ويحق لهم التصرف بها (وخصوصا ونحن ندرك ان الله كالضمير المستتر فقط له اشارة ولكن الوجود في الغالب لا، لدى اغلب المؤمنين). والذين يبررون ذلك يمنحون الشرعية لاستيلاء داعش او السلطنة العثمانية او الغزو من اي كان الحق في معاقبة الشعوب التواقة للحرية، لا بل انهم يبررون ان للمنتصر الحق في فعل كا ما يريد.

وانا اقراء رد فعل الفاتيكان على مقتل الاثيوبيين في ليبيا، شعرت ان ما يتم اقترافه، من هذه العصبة المجرمة (داعش) في الحالة العراقية والحالة على مستوى المنطقة. هو عمل لدفع العالم لخوض حرب ضروس قد تتحالف فيها اوربا مع ايران، وان كان اضطرارا، ليس حبا بالمسيحيين ولكن حفاظا على المصالح ولوقف مسيرة جيران الدم. فداعش والقاعدة ايضا وبعض التنظيمات الاسلامية السنية، تحاول وبكل صلافة الدفع بالاحقاد الى اقصى ما يمكن سواء مع المسيحيين او الشيعة. ومع الاسف العالم السني موقفه يكاد ان يكون داعما سواء بالاعلام او انواع اخرى من الدعم، لهذه الاطراف مما يعني جر السنة الى حروب لا طائل من ورأها. فرغم كل ما حدث في الموصل من قتل وسبي وتهجير وسرقة ممتلكات الشيعة والمسيحيين والازيدية والشبك، فرد فعل المسلمين السنة وقياداتها كان تبريريا وكان القول المكرر ان داعش لا تمثل الاسلام!! ولكن تجاوز او سرقة حدثت من قبل الحشد الشعبي او من قبل المندسين (مع رفضنا له)، نرى ان الاعلام المحسوب على السنة يثير المسألة ويضخمها ويعطيها ابعادا لا تتفق مع الحدث او مع ما حدث قبلها وبفترة قصيرة لاتتجاوز الاشهر. ولا يزال يفعل ذلك وهو اي الاعلام يرى ما يحدث في الانبار.

الاشوريون هذه الايام، وهم مسيحيو الديانة، يحتفلون مع اخوتهم الارمن واليونان بالذكرى المائة للمذابح الكبرى التي شهدتهامناطق تواجدهم في تركيا الحالية بالاخص، وخسروا الكثير ونسبة تكاد تقارب نصف عددهم في هذه المذابح، قتلا او سبيا او تغيير العقيدة تحت ظل التهديد بالقتل. ولان الاشوريين لم يستقروا ومنذ اواسط القرن التاسع عشر، فهم يخرجون من مذبحة ليدخلوا اخرى، حالهم كحال الازيدية، ولانهم وجدوا من برر ومن بينهم هذه المذابخ لانه كان لا يزال يعيش مفهوم اهل الذمة، فان صوتهم ظل خافتا ولحد الان لم يعترف بما تم اقترافه بحقهم الا من عدد قليل جدا من الدول.

ان البعض يعتقد ان المسيحي لكي يستمر في العيش في هذه البقعة والتي كانت له وهو يعيش فيها حتى قبل ان يولد السيد المسيح، الاشوريون والارمن واليونان، هم السكان الاصليون لهذه المناطق واقدم من كل الشعوب الاخرى. يجب عليه ان يكون شخصا بلا طعم وبلا رائحة وبلا لون، اي بالمختصر ان يكون قنوعا ويحمد الله ليل نهار على ماهو فيه، وعلى انه لم يأتي اسوأ مما هو فيه.

المسيحي المشرقي ليس اوربيا، ولا صلة له باوربا، وتطلعه للاوربا هو تطلع كل انسان يعيش حالة تخلف ويريد ان يتطور ويصل لما وصل اليه الانسان في تلك البقاع. وبالتالي معاملته او معاقبته على ما يدعي البعض على المرحلة الاستعمارية او على ما حدث في الاندلس او للاضظهاد الذي تعرض له الهنود الحمر احيانا، هو تحميله او تحميل كل المسيحيين المشرقيين وزر ما قام به غيرهم.

والمسيحييون وهم سكان هذه البقعة الاكثر قدما، وحتى التاريخ لا يذكر زمن قدومهم، يحاولون ان يكونوا جزء منها، من خلال مشاركتهم ليس في تقدم الخدمات في محلات شرب الكحول او المشروبات الروحية كما يقول العراقيين، او كخدم طيبين، مع احترامنا للعمال في المهنتين، بل كاناس متنوعي التوجهات والاختصاصات والخبرات. وهذا يعني ان يكون لهم راي في السياسية وسبل تمشية امور الدولة وحقوق المواطنين. والا فكيف تستقيم المواطنة مع طلب الصمت وشكر الله على الحال وعلى انه ليس اسواء مما هو الان. اننا نطالب بان نكون مسيحيين احياء وليس صخور صماء يمكن وضعها في معارض، يمكن التفاخر بها.

هذه الايام هي ايام الاحتفالات بالذكرى المائة للمذابح التي اقترفت بحق الارمن والاشوريين واليونان، فهل سيعي ابناء المنطقة المغزى من ذلك، هل يعون ان الناس لا يمكن لها ان تنسى الظلم والاضظهاد، قول ماثور متوارد لدى الاشوريون يقول وان قتلتمونا فان الصخور ستصرخ فيكم. وعليه يجب ان نخاف صراخ الصخور، وان نخاف استغلال الاخرين لهذا الصراخ، وان نخاف اكثر صراخ المظلومين، فان صراخهم لا يمكن ان يجعل المنطقة تشعر براحة الامان، فالاضطرابات ستخرج من بين شقوق الارض، لكي تعلن تمردها على ما حدث. وعلى الدماء التي لا تزال تسقي ارض المنطقة بدلا من الماء.

من الرخص والسفاهة ان نبرر ان ما يحدث وهو يمتد على مساحة واسعة تشمل دول عدة، على انه احداث فردية، او غير مرتبطة بمنطومة فكرية تغذي التوجه الدموي الموجه ضد ابناء الاديان الاخرى، واحيانا ضد ابناء الطوائف الاخرى من نفس الدين. والا كيف يمكن مثلا تفسير تصريح للنائب رئيس الجمهورية العراقية، عندما كان رئيسا لمجلس النواب العراقي وهو يرد على سؤال حول رايه بمطالبة بعض المسيحيين بمنطقة الحكم الذاتي (المطالبة لم تكن في الحقيقة للمسيحيين وليست كذلك، بل للمنطقة الجغرافية المسماة سهل نينوى) فكان رده انتوا (انتم) المسيحيين يجب ان لا تروحوا (تذهبوا) زائد. وهو تصريح يعبر عن كم هائل من الحقد والعنصرية الدينية ليس من مواطن عادي لا يفقه في تخريجات الكلام، بل من قبل مسؤل يعتبر ثالث ارقى مسؤول في الدولة او وصف مكتب رئيس الوزراء العراقي حينها المسيحيين بالجالية المسيحيية.

المطالبة بالعدالة والحقوق والاعتراف بالتجاوز، هي سمة من سمات المواطنة، وليست حكرا على ابناء فئة معينة، والا ما معنى الحريات والديمقراطية والتعددية التي نتغنى بها. ولكي تشعر النفوس بالطمائنينة والسلام مع الذات والاخر، فيجب الاقرار بما حدث وليس طمسه وتبريره، ويجب اشعار الجميع ان الوطن للجميع ومن حقهم التقدم والنضال من اجل مطالبهم، وليس تعييرهم بانهم بافين على الحياة بفضل الاخرين، لانهم لم يبيدهم كلهم، او اعتبارهم جزء من ديكور لتجميله.

فهل سنجد انتفاضة في المنطقة كلها، تقول الوطن للجميع والاقرار بما حدث من ظلم وتجاوز،وترسيخ مفهوم المواطن وبدون تمييرز ديني او عرقي اوجنسي، وترسيخ مفهوم السلام والتسامح من خلال تدريس الاحداث التي جرت وتجري على اناس ابراياء لا ذنب لهم الا كونهم من اتباع دين او من قومية اخرى؟22  نيسان 2015 ايلاف

 

نيران داعش تصل الخابور

تسمية الخابور تطلق على نهرين صغيرين، احداها ينبع من الاراضي التركية ويمر بالاراض العراقية ويفصل منطقة برواري بالا عن منطقة كولاي وسندي ويصب في نهر دجلة قرب مدينة زاخو العراقية وعليه يمر الجسر المعروف اشوريا باسم جسر دلالاي وعراقيا باسم الجسر العباسي. والخابور الذي يعنينا هو نهر خابور الواقع في اقصى شمال شرق سورية والذي ينبع من راس العين وتسكن حواليه حوالي 35 قرية اشورية، هذه المنطقة الصحراوية القاحلة التي تحولت بسواعد الاشوريين الى منطقة خضراء تنتج مختلف المحاصيل الزراعية من القطن الى الحنطة والفاكهة والمنتوجات الحقلية الاخرى.

اشوريي خابور السوري، لهم قصة مأساوية، وهل هناك اشوري ليست له قصة مأساوية؟ في نهاية عام 1916 تعرضت مناطقهم في حكاري (منطقة تابعة لجولاميرك وهي تقع الان في اقصى جنوب شرقي تركيا) الى هجوم مشترك من القوات التركية والعشائر الكوردية المتحالفة معها، لتطبيق فتوى شيخ الاسلام في السلطنة العثمانية باعلان الجهاد ضد الكفار، وخلال هذا الهجوم ورحلة العذاب التي ساروا فيها مرورا باورميا في ايران والى منطقة بعقوبة في العراق الحالي فقدوا اكثر من نصف عددهم، قتلا وسبيا والموت جوعا. ولان القيادة الاشورية كانت تامل بان يتم تعويضهم من قبل الحلفاء، الذي اعلنوا انضمامهم اليهم،عن خسارتهم الكبيرة بوضع يمنح لهم الامن والاستقرار، لبناء مستقبل ينسيهم ماضيهم المؤلم. الا ان امالهم خابت حينما تم الاتفاق بين الحكومة العراقية المنصوبة، وبين حكومة الانتداب على الاعتراف باستقلال البلد دون ان يمنحوا الضمانات الكافية لمستقبل افضل، فكانت ردة فعلهم الاستقالات الجماعية من خدمة جيش الليفي الذي كان يقوم بمهمات حماية اغلب مناطق الحدودية العراقية وخصوصا الشمالية. وكانت نتيجة تحركاتهم واعتراضاتهم تعرض الاشوريين لمذبحة كبرى راح ضحيتها حوالي خمسة الاف شخص على يد الجيش العراق بقيادة بكر صدقي. فاضطر الالاف العبور الى المنطقة الخاضعة للانتداب الفرنسي (سوريا الحالية) وتم اسكانهم في خيم على ضفاف نهر الخابور في منطقة مليئة بالعقارب والافاعي ولم تكن صالحة لشئء، الا انهم وبسواعدهم وتضحياتهم حولوها الى منطقة يشار لها بالبنان نتيجة لما كانت تتمتع به من خيرات.

في صباح يوم الاثنين 23 شباط تعرضت القرى الواقعة على الضفى الجنوبية لنهر خابور الىى هجوم شرس من قوات داعش، امتد لحوالي اربعون كيلومتر من قرية (كمب) تل شميرام الى (كمب ) تل هرمز، هذه القرى التي لا يزال الاهالي يطلقون عليها تسمية الكمب والتي تعني ماوى او ملجاء لانهم كانوا يعتقدون ان سكنهم فيها سيكون مؤقت وسيعودون سريعا الى العراق. وخلال هذه الهجمة البربرية هناك حوالي 600 ستمائة عائلة مهجرة بين الحسكة والقامشلي، وهناك العشرات من العوائل لا تزال محاصرة في كنيسة تل هرمز وعوائل كثيرة لا خبر عنها ناهيك عن مقتل مقاتلين من حراس الخابور والمجلس السرياني العسكري السوتورو وقوات حزب الاتحاد الديمقراطي الكوردستاني، كما تم تجريد المساكن من ما كان فيها من الممتلكات والارزاق وغيرها.

ان قوات داعش ارادات ان تستعيد ثقتها بنفسها بعد الخسائر التي لحقت بها في منطقة كوباني والقرى المجاورة، فكانت هذه المنطقة الرخوة امنيا خير سبيل لذلك، فقوات الاتحاد الديمقراطي الكوردستاني كانت مشغولة بالمعارك في المناطق القريبة من كوباني وحراس خابور ذو الاسلحة التي لا تتعدى الكلاشنكوف وعدد قليل من قوات سوتورو (الدفاع بالسريانية)، لم تتمكن من المقاومة طويلا امام الزخم الكبير لقوات داعش التي كانت تمتلك اسلحة ثقيلة وعجلات سريعة مختلفة. والمعارك لا تزال قائمة لحد الان وقد تمكن بعض القوات من استعادة قرية وبعض المناطق منهم والهدف هو دفع قوات داعش بعيدان عن المناطق الاشورية، لان القضاء عليهم حاليا صعب بالامكانات المتاحة.

ان الاشوريين السريان باتوا في مرمى هذا التنظيم الارهابي ليس لانهم يقفون في طريق تحقيق اهدافه، بل لانهم يمتلكون هوية دينية وقومية مختلفة، فقبل حوالي شهر، هاجمت مجموعة منهم تل هرمز وقامت بانزال الصليب الموضوع على كنيسة تل هرمز، الا ان القوات المتحالفة في المنطقة تمكنت من استعادة القرية واعادة الصليب الى موقعه، وهذه الحركة الرمزية تدل بشكل واضح على الاهداف والغايات التي تحرك هذه المجموعة. انها اذا كانت مع المسحيين المسالمين والذين لم يخرجوا خارج مناطقهم تقوم بهذه الممارسة فكيف سيكون موقفها مع اطراف تحاول ان تكون لها ندا؟

منذ الامس لا تزال صرخات اهالي وابناء القريتين تدوي من اجل انقاذ الرهائن والسبايا والعمل من اجل اعادتهم الى قراهم، والطلب من قوات دولية لكي تحمي مناطقهم وتنقذهم من هذه المهانة التي يتعرضون لها، والغريب ان اقل الاصوات التي ترددت كانت اصوات ابناء وطنهم من العرب، التي لم تبال ولم تذكر مأساتهم في وسائل اعلامها او بياناتها. من الواضح ان تكوين المواطن العربي الفكري والنفسي يجعله ان يرى ان ما يتعرض له مسيحي سوري سواء كان اشوريا او عربيا، او مسيحي عراقي، عمل لا يستحق الادانه اما لاعتباره كافرا او لان الهوية الوطنية لديه ليست لها اهمية ما، بقدر ما للهوية الدينية. ومن هنا ان ما نراه من الموقف اللا ابالي الذي يتخذه المواطن العربي المسلم من مقتل مواطنيه من الديانات الاخرى، في حين انه يرى ان هذه التنظيمات تتجاوز الخطوط الحمر حينما تتجاوز في ممارساتها على المسلمين وخصوصا السنة. امام هذه اللا ابالية والموقف الغير الطبيعي، من حق الجميع ان يتسألوا عن اهمية الدولة الوطنية؟

26 شباط 2015 ايلاف

 

دين سماوي يستعين بقوانين أرضية لحمايته

على الرغم من كل الشواهد التي تدل على الفشل الذريع لنظم الإسلام السياسي في المنطقة، لا يزال البعض مصرا على القول بوجوب ان تكون الشريعة الإسلامية المصدر الأساسي للتشريع ان لم تكن هي القانون الساري فعلا. فمقارنة بسيطة بماضي دول المنطقة حينما كانت تقاد من خلال القوانين الوضعية والان بعد ان شاعت ظاهرة ان تكون القوانين مستمدة من الشريعة تظهر تباينا فعلا لصالح الماضي من كل جوانب الحياة. فكل العالم على وجه التقريب سار أشواط في طريق التقدم، الا دول منطقتنا التي سارت أشواط نحو التخلف والتراجع في كل مجالات الحياة. ناهيك عن استشراء الامراض الاجتماعية الناتجة عن حالة الانغلاق والانعزال التي يقوم بفرضها الاسلامويين بحجة ان يجب ان تشيع مظاهر الإسلام كل مناحي الحياة. ولعل من اخطر الامراض التي شاعت وانتشرت هي ظاهرة الظاهر والباطن، اي ان يكون لك ظاهر تدعي به، كالورع والايمان والتقوة، ولكن الباطن مغاير ومعاكس، فهناك تحليل للسرقة والقتل ووالاغتصاب والتعذيب، ولعل شيوع اللصوصية والسرقة بين انصار الأحزاب الإسلامية في العراق يدلل على ذلك.

في مقالة كتبتها قبل سنوات، قلت اننا نريد العيش مع الكورد لانهم اكثرعلمانية من غيرهم، ولكن الظاهر ان ما بات يتم سلقه سواء من خلال الاعلام او لجنة إعادة النظر في دستور إقليم كوردستان، يدعونا الى ان نخاف من ترسخ الإسلام السياسي ورغبته في فرض اجندته على الكل. ورغم ان النظام العلماني هو الأفضل لتسيير أمور الدولة، لانه سيحكم بانظمة وقوانين نابعة من المجتمع وتطلعاته وحقيقة مشاكله، ولأنه يمكن ان يتعرض للنقد والتصحيح والتطوير، بعكس القوانين المستندة الى الشريعة والتي يمكن بسهولة القول انها الاهية. الا ان التوجه الإسلامي يسير معصوب العينين نحو جر المنطقة كلها نحو هاوية الانغلاق والكبت ومن ثم الانفجار الاجتماعي الذي لن يبقى على اثر من المدنية في المنطقة.

في الأساس لا يوجد لا في الماضي ولا في الحاضر شيء اسمه الدولة الإسلامية، فالدولة مفهوم مؤسساتي وليس شخص واعي يمتلك عقلا ومشاعر لينتمي لدين ما. وجل ماكان موجودا هو خلافة، والخلافة ليست دولة، لانها كانت تعتمد على راي شخص واحد، وكان هو ليس مواطن بل كان ممثل الله على الأرض، ويمتلك الدولة بكل ما فيها. وكلنا ندرك ان بيت المال في الخلافة كان يعتبر ملكا شخصيا يتصرف به الخليفة حسب ما يشاء، وهذه الظاهرة استمرت لحد الان في الدول الإسلامية، من خلال اعتبار كل حق لمواطن، على انه مكرمة من القائد، او من خلال المكارم المالية التي يسبغ بها القادة العرب على مواطنيهم وكانها من جيبهم الخاص. ورغم ان الخليفة كان يعتبر خليفة لله ولرسوله على الأرض، الا ان اغلب الخلفاء ماتوا قتلا واغلبهم من اقرب اقرباءهم وخصوصا في الفترة العباسية.

الدولة بمفهومها العصري كانت بدايتها مع ماغناكارتا التي وقعها الملك جون في 15 حزيران 1215، والتي بموجبها صار شرعيا، مشاركة الحكم من خلال مجلس يضم اللوردات المتناحرين. وخلال مرحلة الثمنمائة عام الماضية تطور مفهوم المشاركة والمواطن والحاكم والمؤسسات، الى الصورة التي نعيشها الان في الدول المتحضرة وليس دولنا الفاشلة. ففي دولنا لم تكن هناك دولة بمفهوم المشاركة وتحمل المسؤولية والقانون فوق الجميع الا في فتراة قصيرة وفي العهود الملكية فقط. ونحن لم نعرف من الدولة الا العلم والحدود والطاعة. واخر ما سقط من الدول التي ادعت الإسلام كانت السلطنة العثمانية والتي لم تكن أيضا دولة بقدر ما كانت قوة عسكرية تفرض على من تصل اليهم الجزية او الخراج ولكنها لم تتحمل مسؤولية أي شيء، لا بل شاركت وبفعالية في اصدرا الفرمانات (قرارات) بذبح وقتل الكثير من رعاياها ممن كانوا يعيشون في مجال سلطتها او مجال وصول قوتها ومذابح الاشوريون والازيدية المتتالية خير شاهد على ذلك. والدول الحديثة تعتبر كل مواطن متساوي مع الاخرين بغض النظر عن دينه ولونه ولغته، بعكس الدولة المستمدة قوانينها من الشريعة الاسلامية التي ستعلي من شأن المسلم على حساب الاخر.

ولعل ايراد مثال يمكن ان يوضح ما قلته أعلاه، فمنذ اشتداد التوجه الإسلامي اتخذت اغلب الدول الإسلامية، قرارات بموجب احداها يكون أبناء احد الوالدين مسلمين حينما يعتقن احدهما الإسلام، وهو قرار جائر وظالم يفرض دينا على شخص لم يختاره، ويلغي حق المعتقد الذي تقول به كل الدساتير التي هي أوراق اكثر من قوانين مسيرة للدولة بكل أجهزتها ومواطنيها. ولا يزال المسحيين في العراق ومصر وكذلك الازيدية والمندائيون في العراق يعانون من هذا القانون الجائر.

ان ما يخطط له البعض لجعل الشريعة الإسلامية المصدر الأساس للتشريع في إقليم كوردستان، ورغم ان الامر يثير معارضة من اطراف ومنظمات مجتمع مدني كوردية، الا ان الخوف هو ان ترضخ القوى السياسية لما تخطط له القوى الإسلامية، لان القوى الإسلامية تستحوذ على الشارع او على الأقل الشارع الذي لا يهتم بالقانون والدولة والمؤسسات، بل يمكن ان يضحي بها لاجل الشعارات، او لمساوات سياسية اخرى.

كل الدول الحديثة او الأنظمة الحديثة تأخذ بتجارب الأطراف او الدول الناجحة، والتي تمكنت ان ترسخ القيم الإنسانية والقوانين التي تصون حق وكرامة الانسان، وترسخ التطور العلمي والاقتصادي وتبني مجتمعا قادرا على التطور في وضع يسوده الاستقرار. ان الإقليم بحاجة الى الاخذ بهذه التجارب وليس السير خلف الشعارات التي ثبت فشلها في كل الدول التي تبنتها. ومن واجبنا ان نذكر الجميع ان المساومة على الاليات الديمقراطية والقبول بشروط الإسلاميين سيجلب الويل لمن ساوم أيضا. ان الإسلام او أي دين ليس بحاجة الى قوانين أرضية وقيمة الدين أي دين ليس في فرض شروطه على المؤسسات والضغط عليها لتسير بما يعتقد انه يقر به. بل ان قيمة الدين ومكانته، ترتقي بايمان الافراد به واندفاعهم للتنفيذ توصياته وتعاليمه وشرائعه بشكل شخصي وفردي. فالدخول الى الجنة فردي وهناك مثل مشهور لدينا يقول كل شاة تعلق بساقها، فلا يمكن لاحد ان يصوم بدلا عن الاخر لكي يدخل الجنة.

ان النظام العلماني والمدني يسمح للمتدين بممارسة معتقداته وشعائره، ويسمح للملحد بإعلان الحاده ويسمح لكل انسان بان يؤمن بما يعتقده، ولكن النظام الإسلامي يشعل نار الخلافات ويحولها الى حرب وجود بينه وبين من يخرج عن طوعه. انه نظام يضع نفسه مقام الله يفتي ويقرر باسم الله، رغم ان الله لم يعلمنا بان هؤلاء هم حقا ممثليه على الأرض. ان نظام مستند على قوانين إسلامية سيعني خنق للحريات وللابداع الفكري والادبي، بما يؤدي الى خنق المجتمع وحعله مجتمعا خاملا من أي تطورات تضفي عليه الحيوية.

ان الإسلاميين بدلا من تطوير مناهجهم ((العلمية)) وجعلها تتماشى مع العصر، وإلغاء كل ما يشوب هذه المناهج من دعوات استباحة الدم والقتل والتخلف والنظرة المتخلفة للمراة والأديان الأخرى، يحاولون ان يجعلوا الدولة تسير بحسب ارادتهم بحجة انه لا يجوز تغيير ما سنه السلف الصالح. ان ما يدفعهم الى الاستقتال لاجل صبغ المجتمع بصبغة إسلامية هو الخوف، فاذا كان الإسلام يتراجع امام الحداثة، فما اسهل فرضه بالقوة، هذا هو ديدنهم، انهم يرون في الماضي الجمال والقوة والعدل، رغم ان كل الحقائق تكذبهم، لانه لم يحدث ان ارتقت الدول الى المستوى الذي بلغته الدول الغربية في أي زمان او مكان هذا اذا حسبنا الخلافة دولة او الامبراطوريات القديمة دول.

لا اعلم علام خوف المتاسلمين على الإسلام لحد الاستعانة بالقوانين الأرضية والتي يسنوها هم لكي يحموا الإسلام من علوم العصر ومعارفه وقيمه ومن الأديان الأخرى الا يقول (انا نحن نزلنا الذكر وانا له لحافظون)، هذا يعني عدم ثقتهم بالله وبقدرته. ام انه اثبات لمقولة ان الإسلام ينتشر بالقوة. واليس ممارسة العنف حينما تفرض على الانسان ملبسا معينا وان يصوم معك وان يحترم معتقداتك في حين انك تقوم بسب الاخرين ولعنهم ونعتهم باولاد القردة والخنازير، استعمالا للقوة.

ان أراد الكورد اقليما متطورا، وان أرادوا إضافة السياحة كمورد وكحالة لامتصاص البطالة، وان أرادوا ان يعود مجتمعهم الى الانفتاح والحريات الفردية، عليهم بعلمانية الإقليم ومدنيته، اما ان أرادوا اقليما تتمكن الدكتاتورية من نبش مخالبها في كل مفصل من مفاصل المجتمع فليرضخوا ويقبلوا بتطبيق الشريعة وقوانينها.

28 اب 2015 ايلاف

 

الإسلام السني والرعب من الاخر

قال وزير الأوقاف المصري الدكتور محمد مختار جمعة، ان مديرية اوقاف القاهرة، قررت غلق ضريح الامام حسين اعتبارا من الخميس وحتى يوم السبت منعا للاباطيل الشيعية التي تحدث يوم عاشوراء، وما يمكن ان يحدث من طقوس شيعية لا اصل لها في الإسلام.

لو سألنا أي مسؤول ديني إسلامي وخصوصا من رجال الدين السنة، عن التعايش مع الاخر والقبول به، لرد وايد هذا التعايش وربما لاتى باحاديث منسوبة لنبي الإسلام تؤكد عليه، ولو سألناه عن ممارسات المنظمات الإرهابية مثل داعش والقاعدة وما يحدث في باكستان من قتل الشيعة والاحمدية والمسيحيين، او ما يحدث في البلدان العربية مثل هذه الممارسات او جماعات بوكو حرام او ما مارسه الجهاديين في الجزائر ابان التسعينيات من القرن الماضي، لقال ان هذه لا تمثل الإسلام. والحقيقة ان الطيبة والبراءة التي يظهرها هذا المسؤول ستقودك الى الاقتناع بما يقوله، فربما اشتطت بعض التنظيمات نحو المغالاة في كل شيء، وهذا وارد.

وشخصيا انا أيضا انتقد بعض ممارسات الشيعة في التطيير والضرب بالقامات والسلاسل الحديدية واسالة الدماء من الجسد، او بعض المسيحيين في مناطق من اسيا حينما يقومون بصلب انفسهم ويسمرون ذاتهم على الصليب تمثلا بما عاناه السيد المسيح. ولكن النقد وابداء عدم الرضى عن شيء، وما يقوله هذا التصريح الخطير شيء اخر.

فالشيعة المصريين هم من بقايا الخلافة الفاطمية على الاغلب، حينما كان مسلمو مصر في غالبيتهم شيعة، وبالتالي هم مواطنيين يمارسون عقيدتهم التي ورثوها عن اباءهم وامهاتهم والتي تنص كل القوانين بحرية ممارساتها وخصوصا انهم لا يعتدون على احد في هذه الممارسة، بل يبدون حزنهم على فقدان امامهم وحفيد نبيهم. ولكن الفقرة التي (منعا للاباطيل الشيعية التي تحدث يوم عاشوراء، وما يمكن ان يحدث فيها من طقوس شيعية لا اصل لها في الإسلام) هنا هذا المسؤول، لا يبدي رايه ونقده، بل يفرض تفسيره الخاص للاسلام، معتمدا على القوة وعلى السلطة التي منحها له الحاكم، لا بل انه يشطبهم من الإسلام بكلمة واحدة حينما يقول ان لا اصل لها في الاسلام. واذا كان هذا المسؤول بهذه العقلية، ويتهم ممارسات الشيعة بالاباطيل ولا اصل لها في الإسلام أي التفسير الأحادي للاسلام، والشيعة يقاربون ربع مسلمي العالم والبالغ عددهم مليار ومائتي مليون نسمة، فماذا سيكون موقفه من الأديان الأخرى والغير المؤمنين مثلا؟ الن يكون موقفه وصمهم بالكفر وكلنا يعلم عقوبة الكافر في الإسلام!

كيف يسمح لنفسه مسؤول في الدولة ان يدلي بمثل هذا التصريح وهناك مواطنين من بلده يؤمنون بعكس ذلك، أي انهم يؤمنون انهم مسلمين صحيحي الايمان. وأين الدستور الذي تسلم هذا المسؤول منصبه على أساس احترامه، والذي يقول بان المواطنين متساوون في الحقوق والواجبات، وهل يمكن وصف بلد تمارس فيه مثل هذه الممارسات بانه بلد ديمقراطي والحريات مصانة فيه، ام ان الحرية هي لتفسير واحد للدين. وهنا يأتي تشكيكنا بصحة معارضة بعض المسؤولين وبالأخص بعض رجال الدين المذهب السني عن برائتهم او استنكارهم لمارسات التنظيمات المتطرفة. فبالمقارنة لافرق بين ما مارسه هذا المسؤول المصري وبين ما تمارسه التنظيمات الإسلامية الدموية ابدا. فهذا التصريح يقود حتما الى اعتبار الشيعة غير مسلمين على الأقل لممارستهم ممارسات لا اصل لها في الإسلام، وطبعا الموقف من الأديان الأخرى والملحدين وغيرهم سيكون اكثر سهول لانهم أصلا غير مسلمين.

من هنا فانه لا تفسير لنا، لمثل هذه المواقف الا ب اما انهم يخفون حقيقة توجهاتهم الرامية الى فرض رؤيتهم للاسلام وبالتالي فرض عقيدتهم على الجميع، او انهم باتوا يخافون أي اختلاف في العقيدة الواحدة، بما يؤدي الى الانعزال واعتبار العالم الاخر معقل الشر، يجب الحذر منه والقبول باستعمال العنف تجاهه. وكلا التفسيرين يقودان ان هذه التوجهات هي أساس نشؤ التنظيمات المتطرفة، وبالتالي انها جزء من الإسلام وليست خارجة عنه.

24 تشرين الأول 2015

 

هذه النار تاكل من هذا الحطب

من يتذكر اليوم تفجير الحلة، جنوب بغداد، الذي راح ضحيته مائة وخمسين قتيلا ومائتي جريح ممن كانوا متجمعين امام مركز طبي طلبا للعلاج او العمل، والذي قام به الانتحاري الاردني رائد منصور البنا من مواليد 1973 في 28 شباط 2005، من يتذكر اليوم ماذا فعلت عائلة الانتحاري المجرم في مدينة سلط الاردنية، انهم اقاموا له عرس شهيد حيث وقف والد الانتحاري المجرم يتقبل التهاني بكل فخر واعتزاز. من يتذكر اليوم تفجير فندق راديسون ساس والذي كانت ساجدة الريشاوي احدى المرشحات للتفجير نفسها فيه؟ لا احد، لماذا لان ذاكرة بعض الشعوب قصيرة ومبتلية بمرض التبرير. ومن يتذكر اليوم خروج اهل معان في 14 حزيران 2014 لدعم ومساندة ما يسمى الدولة الاسلامية؟

يا ترى هل ان كل الناس اصابها داء النسيان، ام انها تعيش الدعم والمساندة والاستنكار والرفض ولنفس الجهة في ان واحد. اننا احترنا فيكم ايها الاخوة من ابناء الاردن وغيره ممن يدعم الارهاب ولكنه يستنكره حينما يقترب منه؟ اين كان استنكاركم اذا ايام الذبح، وهل قامت اليابان بغزو بلادكم او استعمرتكم لكي تسكتوا وتصمتوا عن ذبحهم كما قلت في المذبوحين الامريكان والاوربيين؟ ولو كان الرد على الاستعمار الذي تدعون به او الاحتلال الذي تكذبون انفسكم به، بهذه الصورة، ماهو العدد الذي كان على الصين وكوريا وفليبين ان تذبحه من اليابانيين؟ لقد هللتم لتفجيرات الحلة لانها اصابت الشيعة، وبررتم ذلك بمحاربة الاحتلال! اي عمى بصر وبصيرة هذه التي تبررون بها افعالكم الدنيئة، وقد سكتم عن الذبح وبررتموه بانهم من الاجانب المحتلين او العاملين لمصالحه، ما رايكم لو قام العالم واعلن الحرب عليكم ولم يستثنى صغيرا ولا كبيرا، ماذا ستكون ردة فعلكم، هل ستقولون اين المجتمع الدولي؟ بالامس قال نبيل العربي الامين العام لجامعة الدول العربية، انه يستنكر موقف المجتمع الدولي الساكت عن الارهاب وقتل الطيار الاردني، ولكنه لم يقل هذا حينما ذبح قبله يابانيين وقبله غيرهم فرنسيين وبريطانيين وامريكيين، لماذا، ولم يقله حينما قتل وشرد الازيدية والمسيحيين في العراق؟ هل لان الطيار انسان والاخرين لا؟ ام ان المسألة الواضحة هي انه مسلم والاخرين لا، فاي استنجاد تستنجدوه بالمجتمع الدولي؟ نبيل العربي قائد وامين عام لمنظمة من منظمات المجتمع الدولي وتكون حوالي من 22 دولة اي ما يقارب 11 بالمائة من المجتمع الدولي، يستنجد بالمجتمع الدولي، حينما يحرق طيار اردني ويصمت ويسكت حينما يقول الازهر لا تكفير لمسلم مهما فعل، ولكن الازهر او بعضه يطالب بعد احراق الطيار الاردني بقطع ايادي الارهابيين اي تناقض هذا؟ انها رائحة كريه فاحت ولن يمكنكم ازالتها بعطور مزيفة مثل انه لا يمثل الاسلام. وهناك لمن يريد المشاهدة افلام وبصوت وصورة ائمة لهم باع طويل في الدعوة الى الدين، يبررون ما يفعله داعش ويؤكدون انها من الاسلام. نعم يستنجدون بالمجتمع الدولي وهم لا يقرون باغلب ما اقره المجتمع الدولي من القيم الانسانية المشتركة بحجة الخصوصية الاسلامية، وكان الصين واليابان وافريقيا وروسيا واميركا الجنوبية لا تمتلك خصوصيات حضارية.

لقد تغلغل الاخوان المسلمون الى كل مكان، ومن حطب الاخوان يتم اشعال نيران القاعدة وداعش وبوكوحرام، انها استمرارية واحدة، فالاخوان تمكنوا بفعل اموال اغدقت عليهم بغفلة من زمن، ان يرشوا الكثير من المثقفين ودسوا سمومهم في الحياة الثقافية والفنية وبعد ذلك استولوا على المجتمع لان قادة الدول القائمة كانوا مشغولين بالاحتفاظ بكراسيهم، فسلموهم المجتمع وسمحوا لهم بان يديروه حسب رغباتهم وتطلعاتهم، فشاهدنا الفتاوي تنهال في كل جانب، في زمن كان الناس كلهم يمارسون كل اعمالهم بصورة طبيعية ولا يحتاجون لاي فتوى الا في حالات قصوى، شاهدنا وفجاءة تغيير في عقارب الساعة وهي تتراجع ليس الساعة بل التقاويم السنوية ايضا، لنرى اناس جدد تحتاج الى فتاوي في كيفية دخول حمام او المراحيض كما يقال عراقيا. مجتمع انقلب على ذاته بمشاركة سلطة لم تتطلب الا ان تكون قائمة وليذهب الوطن والمجتمع الى الجحيم. وهكذا وبسهولة تامة تم تكفير المجتمع والكثير من اعمدة المجتمع، وصار كل من لا يقر بما تقره الاسلاموية الحديثة المدعومة من الاخوان، متهما.

اولى خطوات الاصلاح يجب ان تبدا بحضر جماعات الاخوان المسلمين حذرا تاما، او تحييد نشاطها وجعله نشاطا خيريا دعويا حصرا، ولا علاقة له بالحرام والحلال ولا بالسياسية والاحزاب. انها خطوة واجبة التنفيذ ان رغب في العودة الى الاستقرار والقضاء على كل هذه الجماعات العابثة بمستقبل الشعوب و الاوطان، ان الغاية ليس الحجز على الحريات، ولكن قتح الافق امام الناس لكي تعيش ولكي تجتهد ولكي تحدد اولياتها ولو على نطاقهم الشخصي، لان هذه الجماعات ادخلت كل القرارات في خانة الحلال و الحرام.

الذي استنكر مقتل الطيار الاردني لانه مسلم، لم يرتق الى مستوى الحدث، لا بل هو بؤرة ارهابية يجب الحذر منها، انه يفصل بين الناس حسب اديانهم، انه يقول ان الكل يستحقون القتل ذبحا وحرقا وباي شكل مادموا غير مسلمين، اليست هذه الرسالة، وهل في هذه الرسالة الا ارهاب كامل؟ وهل يمكن المطالبة بتدخل المجتمع الدولي والناس تحمل مثل هذه المفاهيم الخاطئة عن قيمة الحياة الانسانية؟ ومع ذلك المجتمع الدولي يحاول التغاضي عن كل الامور، ليس خوفا من تمدد داعش والقاعدة، لا بل خوفا من وصول الدماء القتلى في التصفيات الدينية بين المختلفين من نفس الدين الى درجة تنذر بحرب دينية تشمل كل ما يسمى العالم الاسلامي.

ان مجتمعاتنا باتت بحاجة ماسة الى ثورة فكرية تعيد المسار الى بداية الخمسينيات، الى ما قبل انقلاب جمال عبد الناصر، الى زمن وحقبة كانت تؤسس لمجتمع مدني، لمجمتمع تتم ادارته من قبل النخب التي تحسب حساب لكل شئ وتضع الاحتمالات المختلفة في الميزان،وليس الى ثوار يسلقون حلول، قد ترضى الناس انيا ولكنها تأتي بكوارث مستقبلية. نخب ليس همها التهييج وصنع العداوات والحروب من خلف المحيطات من قبل دولة تستورد من الابر للطيارة، بل البناء الاجتماعي السليم والعلمي المنتج والتربوي التنويري. ان مجتمعاتنا لن يتم انقاذها، الا حينما يكون دور الدين الدعوة الى القييم الصالحة وليس القتال، القيم التي تزرع المحبة والسلام والالتزام بالقانون، واحترام الانسان لانسانيته.

ان القيادات التي لا تزال تتمسك بان الاسلام برئ من كل ذنب او انه لا ضرورة لاعادة النظر فيه، او ان داعش والقاعدة وبوكو حرام وحماس والذين يقتلون الشيعة والمسيحيين في باكستان لا يمثلون تيارات في الاسلام، هم قيادات جبانة، يجب ان ترتقي الى مستوى اقوال الرئيس المصري السيسي على الاقل حينما طالب بتنظيف الاسلام من الموروث العجيب والغريب من الفتاوي التي لا تعقل، بل تخلق العدوات بين افراد المجتمع.

8 شباط 2015 ايلاف

اسلام فوبيا

فوبيا من كلمة فوبوس اليونانية التي تعني الرهاب او الخوف الغير المبرر، تلزم شخصا وفي حالتنا مجتمعا معينا من قضية او حالة او جهة، تؤدي به الى اتخاذ تدابير معينة غير مبررة ايضا. والاسلام فوبيا يعني الخوف من الاسلام بشكل غير مبرر مما يؤدي الى اتخاذ مواقف عدائية تجاه الاسلام والمسلمين دون مبرر حقيقي او واقعي. ولكن في الحقيقة من يخاف من الاخر، الاخرون يخافون من الاسلام والمسلمين ام ان العكس ان المسلمين يخافون الاخرين، دون مبرر منطقي.سنقتصر مناقشتنا على المسلمين العرب او في المنطقة الممتدة من العراق الى المغرب. يقول المسلمين العرب ان الغرب استعمر بلداننا واستغلها لصالحه. في لغة التاريخ ان العرب ايضا استعمروا كل المناطق التي استولوا عليها بالقوة العسكرية، واستغلوها لصالحهم ولغير صالح السكان الاصليين، الفرق هنا هو قيام المسلمين بفرض دينهم ولغتهم على غالبية السكان، من خلال الجزية واعتبار الاخر دون درجة او مكانة الملسم وبشكل قانوني، حتى وصل الامر الى تحديد لون الملبس والسير في الطرق وفرض قيامهم احتراما في حال جلوسهم حين مرور مسلم؟ بل لقد قام المسلمين بتغيير شامل في المنطقة، من عقيدة السكان الى امتلاك الثروة والعقار، وليس هناك دلائل معقولة وموثقة كما يقول العرب المسلمين ان الدخول الى الدين الاسلامي كان طواعية ونتيجة لسماحة الاسلام. وخصوصا لو علمنا ان هناك الكثير من حوادث التاريخ والمواقف الموثقة تثبت غير هذا وبالاخص في الحالة الجماعية او العامة، وخصوصا في حالات الهيجان وهي كثيرة وكانت دائما لا تحتاج الا لتهيج ديني واتهام الاخرين بالكفر والزندقة .اما على المستوى الفردي ،لا يمكن ان ننكر ان المسلمين كافراد فيهم الكثيرين وكان فيهم عبر التاريخ، ممن كان وبالارادة الفردية يتعامل مع الاخرين بشكل انساني وبطريقة مشرفة. ولكننا هنا امام ظاهرة جماعية او عامة، وهي ظاهرة الاسلام فوبيا او عكسها، الاخر فوبيا.

استعمل بعض المفكرون والاعلاميون الاوربيين مصطلح الاسلام فوبيا، نتيجة رد فعل مفكرون اخرون وفي الوسط الاوربي من الارتفاع الهائل في اسعار النفط ابان السبعينيات والحظر الذي فرضته بعض الدول العربية على تصدير النفط لبلدان معينة حيث شاع ان العرب يريدون خنق الحضارة. وشاع المصطلح اكثر، بعد هجمات 11 ايلول/سبتمبر 2001. ولم يكد يتلقفه المفكرون العرب حتى لاكوا هذا المصطلح في كل حديث وكل مقابلة وكل بحث او مقالة. حيث صوروا الامر وكان الغرب يعيش حالة رعب حقيقي من الاسلام، ويكن الغربيون عداء شديدا للاسلام والمسلمين، نتيجة حالة الرعب هذه. والتبرير لحالة الرعب تكمن في ان الاوربيين او الغربيين، يخافون من سيطرة المسلمين على مقدرات الاوربيين نتيجة لزيادة عدد المسلمين في اوربا من المهاجرين وابناءهم او من الاوربيين المعتنقين للاسلام، ولانهم يخافون من عدالة وسماحة الاسلام، بل ان اغوتهم الدنيا بمفاتنها.

يمتلئ الفضاء الافتراضي بمقالات وفيديوهات لعلماء الاسلام وهم يحددون شروط الحياة في ظل الشريعة، من دخول الحمام والعلاقة الجنسية والزواج والعلاقة مع الاخر سواء كان مسيحيا او يهوديا او من غيرها من الاديان الى الصوم والصلاة، وهؤلاء العلماء وان لم يمثلوا الاسلام كما بتنا نسمع في كل رد فعل من تصريح امام او شيخ او مفتي، الا انهم يعتبرون صناع راي عام او هكذا يتم النظر اليهم، ومن الحقائق التي باتت معروفة ان هناك رصد تام لكل ما يقال ويتم نشره وتعميمه الى المختصين والباحثين. وبالتالي فان رد الفعل الغربي ليست رهابا او خوفا من الاسلام كدين يمكن التعايش معه، كما يتعايشون مع المسيحية واليهودية والاديان الاسيوية التي باتت تنتشر ايضا بين الاوربيين، بل من ما يتم اغراق الاعلام به وبشكل يومي ومثير للشبه من الفتاوي الغريبة والكثير منها يعتبر عدائيا. يعلم الجميع انه بات تقريبا نصف المجتمع الاوربي غير مؤمن بدين معين، حتى ان المسيحية باتت تشكو من الاضهاد او التمييز ضدها في بعض الدول الاوربية. رغم ان الحضارة الاوربية بنت على قيم ضارة اليونان والروما والقيم المسيحية. ان الغربيين يدركون انهم في قمة الحضارة، والحياة في بلدانهم هي افضل بمسافات بعيدة عن اغلب دول العالم، ان من حقهم ان يخافوا على مستوى حياتهم ورفاهيتهم وحقوقهم وحريتهم من ما يتم الترويج له، سواء بتهديدهم بالطوفان الاسلامي القادم، او بالارهاب والحرب وفرض الشريعة عليهم.

عندما يمر بلد ما بازمة وخصوصا من الناحية الاقتصادية، من الطبيعي ان يكون رد الفعل موجها لمن يشارك في الاستهلاك ولا يشارك في الانتاج غالبا وبالاخص عندما يكون غريبا، وهنا هو موجه للمهاجرين ، والاغلب كما يعلم الجميع نقوم بالتوفير مما نحصل عليه ونرسله الى بلداننا، عندما اقول من الطبيعي يعني رد فعل الاولي والغير المدروس والمبني على العواطف والاعلام التشهيري الذي يتغذى على الفضائح وتضخيم المخاطر. ولكن نظرة حقيقية لواقع الدول الغربية وما توفره لمواطنيها وللمقيمين على اراضيها، من متطلبات الحياة الكريمة، ودون النظر الى الدين او اللون او الى ماهي اللغة او الجنس، يجب ان يجعل كل الاصوات تصمت، وبالاخص لو قارناها بما نشاهده ونعرفه من التمييز الذي يعاني منه مواطني بلداننا لانهم ليسوا من الدين السائد، او لانهم ليسوا من القومية السائدة او لانهم ولدوا لام مواطنة ولذا لا يحق لهم التمتع بشرف التجنس، لان هذا الشرف لا يمنح الا لمن كان ابن لاب مواطن. في حين ان للدول الغربية قوانين واضحة يمكن الحصول على جنسيتها بمجرد ان تتوفر في المتقدم الشروط التي تقرها القوانين، وهناك الملايين من المهاجرين تجنسوا وصاروا مواطنين للبلدان الغربية ويتنافسون على الرفص بمساواة تامة مع المواطنين الاصليين. هل يتم المقارنة بين المهاجرين والعمال الاجانب في الدول الغربية وبين مثلاءهم في الدول العربية؟ لا اعتقد ذلك لان العقل العربي عموما يعتبر انه حالة خاصة يحق له ما لا يحق لغيره. او ان من حقه ان يتمتع بجنسية بلد عمل فيه خمسة سنوات، ولكن لا يحق للهندي او البنغلادتشي ان يتمتع بالجنسية الامارتية او العراقية او المصرية او غيرها وان عمل فيها عشرون سنة.

يبرر المسلمين عداءهم للغرب بانه ناتج عن امرين مهمين، وهما الحرب الصليبية والاستعمار، من ناحية الحرب الصليبية، هناك تضخيم لدورها ولما فعلته، وقد لا يتجاوز ما فعلته هذه الحرب ربع ما فعلته حروب التتر والمغول، هذا من ناحية ومن ناحية اخرى، كانت الاراضي التي حاول الصليبين الاستيلاء عليها جزء من امبراطورية الرومانية حتى مجي الاسلام، اذا، اليس منطقيا ان يحاولوا استرجاع ما ضاع منهم ولو بعد ستمائة سنة، انه تبرير ككل التبريرات التي تقال ولكنه تبرير معقول، فمن منح هذه الاراضي والبلدان للمسلمين ليعتبروها ارثا مقدسا لهم؟ واذا كانوا هم مقتنعين بان الاراضي التي يستولون عليها هي من حقهم ولا يجوز بعد ذلك التنازل عنها. اذا من حق الاخرين ان لا يعتبرون هذا الاستيلاء شرعيا، بل يجب العمل على استرداد ما تم الاستيلاء عليه بكل اسلوب. ان الفكر الاسلامي الذي يعتبر ان الحق هو الى جانبه فقط، وان الاخرين يجب ان ينقادوا لما يقوله ولما يؤمن به، امر مثير للشفقة، لانه امر مرفوض وغير منطقي، لان الحق لا يقاس بمنظار واحد لا بل يجب ان ينظر الجميع اليه على انه كذلك.

ولو ناقشنا الاستعمار، فعلينا ان نناقش قبل ذلك، المرحلة ما قبل الاستعمار، كيف كان حالنا في المنطقة؟ وكيف كانت حالة بلداننا، الم تكن بلداننا مستعمرة من قبل الاستعمار التركي (العثماني) الم تكن الامراض تنخر في سكان المنطقة، الم يكن معدل العمر خمسة واربعون سنة، الم يكن الفقر سائدا والظلم شائعا، والسرقة والحروب القبلية والمذهبية مستمرة. لقد حرر الاستعمار المنطقة من ظلامها وظلامها، وكان من المفروض للشعوب ان تتذكر ذلك بكل خير، ولكنها سارعت وطلبت الاستقلال وهي لم تتهياء لادارة نفسها، ورغم قصر فترة الاستعمار، فانه تمكن ان يفتتح طرق المواصلات، يبنى المستشفيات الحديثة، يضع اسس للدولة، يوفر الحالة التي تسمح بنشوء صناعات خفيفة، ونحن حاولنا ان نقتل من حررنا، وعندما زال ورحل الاستعمار، ماذا فعلنا بدولنا، رغم الثروات التي اكتشفها الاستعمار لنا، لقد استولى البعض منا على الدولة، وحولها الى اقطاعية خاصة به وبعائلته، ولم يسمح لاحد ان يشارك فيها، الا بانقلاب يزيحة من الدولة والحياة، والاتي لم يكن افضل من الراحل، بل يمكننا القول ان الحكام الاقرب الى فترة الاستعمار كانوا اقل طغيانا، ممن اتوا بعدهم. فهل عملنا بالاية ((لئن شكرتم لازيدنكم)).

ولو قارنا الاستعمار الغربي بالاستعمار الاسلامي (الفتح الاسلامي) سنجد ان المسلمون عاشوا على ما انتجته الشعوب الاصيلة وما وفروه من ادوات للعلم وللانتاج، وحالما تحول المجتمع بفضل الحروب الدائمة وبفضل الحزية والتفرقة الى اكثرية اسلامية حتى دبت فيه اثار الانحطاط والتدهور الاجتماعي والثقافي والاقتصادي، حيث ان غالب السنوات الالف او الاكثر الاخيرة، تعتبر فترة مظلمة للجميع، فالمجتمع اما انه بقى يقتات على الماضي وما انتجه، بحيث لم يطور اي اداة جديدة، او انه عاش في السنوات الاخيرة عالة على الدول الاخرى. واذا كان البعض ينشر ويغذي الناس بوهم ان الغرب خلق لكي يوفر اسباب الرفاه للمسلمين، سخر لنا كما يقال، فانه واهم، بل ان ابناء المنطقة بكل مكوناتها صاروا عالة على العالم، ليس لفقرها ولشيوع الظلم فيها فقط، بل لانها صارت مرتعا للارهاب المصدر الى الاخرين.
اذا هل هناك خوف من الاسلام، حقا ام انه خوف طبيعي من حالة جالبة للدمار ليس للغرب فقط، بل للعالم كله. وفي الغالب يستعمل الاسلام او يستشهد به وبتعاليمه لتهديد الاخرين والاعتداء عليهم. فمن لا يخاف ولا يرهب كل ذلك؟ ان من لم يستعد وياخذ حذره مما ينتظره من ممارسات وافعال ودعوات بعض الاسلاميين والذين يهيجون الكثير من الشباب التاه في الازقة بلا عمل ولا امل، بانه سيحصلون على ثوابهم اما بما يتم سلبه(الثراء السهل والسريع) او ان مات فيموت شهيدا وسيلقى ربه وحور العين. وكان الله يتلذذ بالقتلى والدماء والدمار، او كانه صار مسوؤل ماخور للقتلة والقتلى.

تبقى ملاحظة اخيرة في هذه المناقشة، وهي ان الكثير من الساسة الغربيين يساندون مقولة الرهاب من الاسلام اوالخوف من الاسلام، لسببين وهي ان المسلمين سينشغلون بهذا الادعاء، وبان العالم كله ضدهم لانهم مسلمين، ولن يبالوا بتصحيح اوضاعهم وتنمية مجتمعاتهم وانسنة قواينيهم، والسبب الاخر هو استمرار تعلق المسلمين بالدين وبشكل مرضي حيث سيجعلهم ذلك يتحولون الى فرق متعصبة تفتك احداها بالاخرى، من ناحية ويشبع غرورهم بانهم الافضل لذلك يعاديهم الاخرين. يقول الكابت الياباني نوبواكي نوتوهارا (الناس في العالم العربي “يعيشون فقط” بسبب خيبة آمالهم وبسبب الاحساس باللاجدوى او اليأس الكامل، وعدم الايمان بفائدة اي عمل سياسي) ويستنتج بانهم متدينون جدا وفاسدون جدا. ولكن لا بدل من القول ان التدين هو مظهر من المظاهر المطلوبة اظهارها ولكن ليس المطلوب العمل بها.

14 كانون الثاني 2014 ايلاف

 

من هم اعداء الاسلام؟

اعداء الاسلام، عبارة نسمعها كثيرا تقال في وسائل الاعلام، سواء من خلال الحوار او يتم عنونة الكثير من المقالات بها. ولكنها عبارة ان لم تكن كاذبة حقيقة، فهي عبارة لا تتفق مع كون الاسلام رسالة، ويقول الكثير من المسلمين صادقين انها رسالة تسامح وسمو ومساواة وعدل وغيرها من الصفاة الايجابية. لا بل انني سمعت احد الدعاة يصف الاسلام بانه دين شفاف. ولا اعتقد ان هناك من يمكنه الاعتراض لوصفي الاسلام بانه رسالة، بغض النظر عن تقييمنا لهذا الرسالة. وهنا هو مربط الفرس كما يقال، ان تقييم الانسان للرسالة، وهو حق من حقوق الناس الاساسية، ان يتمكنوا من ابدأ رايهم وتقييمهم لاي مادة او فكرة او رسالة او عمل ابداعي ادبي، فني، فلسفي، ديني او غيرها. والكل سيتفق معي بان من حق الناس التقييم وابدأ الراي. اذا ابداء الراي يحتمل الايجاب والسلب، لانه لا ينتظر ان يتفق كل الناس في كل وقت على رسالة او راي معين، الا على القييم الانسانية العابرة للاديان والافكار والايديولوجيات، مثل العدالة، والمساواة، والحرية، والتي حاول البعض سلبها من الانسان بحجج تعتمد على المفاهيم العنصرية البحتة.

يقال ان الانسان عدو ما جهل، وهذه قد تكون حقيقة في المجتمعات المنغلقة، والتي تعتقد انها الافضل، وانها الانظف، وانها الاكثر انسانية من الاخر. ولذا فان القول هذا ينطبق عليها وليس على كل المجتمعات التي عملت وبجد للتخلص من الكره والعداء لاسباب مجهولة او لمجرد الاختلاف. وادركت ان الاختلاف هو سمة الطبيعة، اي هو طبيعي وليس امرا شاذا مرذولا، ان الكثير من الاختلافات التي تحدث في المفاهيم الاجتماعية والثقافية هي نتيجة للبيئة المعاشة، ولذا فمن الطبيعي ان يختلف الياباني عن الهندي او عن الشرق اوسطي او عن الاوربي.

الموقف من الاسلام مهما وصفنا هذا الاسلام هو موقف مشابه للموقف من الدين اليهودي والمسيحي والبوذي والهندوسي والى ماهناك من الاديان. فاما ان تقبله وتؤمن به، او ترفض الايمان به. اما ان تسانده وتحاول ايجاد كل ما يؤيد هذا الايمان او تحاول اثبات انه غير صحيح وغير سليم. والمسيحية واليهودية كديانة وليس كمجموعة بشرية وغيرها من الاديان تتعرض يوميا لمئات المواقف الناقدة او الناسفة او حتى افلام فكاهية وتقليد يقلل من قيم هذه الاديان، وهذه المواقف تندرج في باب حرية الراي، اي كل حر برأيه ويقول في المعروض ما يرتأيه. لم اسمع اعداء المسيحية، علما ان المسيحيين تعرضوا للمذابح الكثيرة جراء عقيدتهم هذه، ومنها مذابح شابور الثاني التي امتدت طيلة مدة حكمه البالغة اربعون سنة، ضد مسيحيي مابين النهرين (العراق) وايران. ورغم ان الملوك الاشوريين سبوا اليهود، فلم يعتبروا اعداء اليهودية. ولا يترردد حاليا اي تهمة بمعاداة المسيحية، او الايحاء بان المجموعة الفلانية تريد محو المسيحية، رغم ما تشاهدونه في العراق وسورية ومصر،ومن منع بعض البلدان من اقامة الشعائر الدينية للمسيحيين المقيمين فيها.

يقال مثلا ان الغرب يعاني من فوبيا الاسلام، وفي الغرب التبشير بالاسلام وكل الاديان الاخرى حر، في حين انه لا يذكر شيئا عن فوبيا منطقتنا من كل الاديان، حتى ان الاديان التي تعتبر جزء من تاريخ المنطقة مثل المسيحية واليهودية ممنوع التبشير بها، ويتم التضييق على ممارسة شعائرها، وهناك منظمات تحضى بالدعم تقوم بقتل اتباعها. هذا ناهيك عن التبشير بديانات اخرى فمن يا ترى لديه فوبيا من الاخر؟ ومن يظهر العداء للاخر؟

واذا كان هناك خوفا ما،فهو ليس من تعاليم الاسلام العظيمة كما يقال، فالناس لا تخاف التعاليم العظيمة والتي ترقي بالناس وباسلوب حياتهم ان كانت هذه هي غاية تعاليمه، بل تقبل عليها لكي تتعلم منها وان لم تنتمي بشكل كامل الى منظموتها، وهذا واضح من الاقبال على الاطلاع على كل ما يتعلق بالكونفوشيسية والبوذية والهندوسية والكثير من التعاليم الدينية او المذهبية او حتى الافكار السياسية والفلسفية. ولكن الخوف هو من ممارسات معينة تحدث الان او حدثت في التاريخ وتصريحات مستفزة، من هنا وهناك تاخذ طريقها الى الاعلام، والناس يقارنون بين هذه التصريحات وما حدث سابقا. لا اعتقد انه يمكن ان يتم نكران ان الاسلام في الغالب انتشر بواسطة السيف، اي باحتلال وغزو البلدان، ومرد ذلك لم يكن فقط نشر الاسلام، بل جلب الرخاء والاموال ورفد ميزانية الدولة او لنقل الخليفة او الامير بالاموال. فلم ينتشر الاسلام في الجزيرة اي خارج يثرب الا بالغزوات المتتالية. نعم حدث فيه حراك اجتماعي، حيث قام البعض ممن لا خلفية عشائرية قوية لهم، بالانتماء اليه، لانه كون الية جديدة لمقام الناس وهي الايمان بما يقول او قال نبي الاسلام والقران، والمشاركة في الغزوات والابتلاء فيها، مما رفع من منزلة الكثيرين ممن لم يكن لهم حسب ونسب ما، ولكن الغالب ان الايمان كان غاية لتحقيق الرخاء. ولم ينتشر في بلاد النهرين والشام ومصر وما بعدها الا بالسيف وبالغزو، ومن هنا فان الطابع الاولي الذي اخذ عليه هو العنف الدموي، وهذا الامر يمكن الاطلاع عليه في الكتب. اما ما يتم قوله ويتنشر بسرعة فهو متاح امامكم في الفيديوهات التي يتم من خلالها ليس تكفير غير المسلمين فقط، بل فئات ومذاهب ورجال ونساء من المسلمين ايضا، والتكفير تلحقه عقوبة القتل حتما، والقتل يمكن ان يقوم به اي مسلم، وليس هناك عقوبة لقاتل الكافر، بل هو موعود بالجنة وما فيها.

بعد تحرير الكويت اقدم شخص كويتي على اعتناق المسيحية واعلن ذلك، وقامت الدنيا ولم تقعد، كما يقول المثل وتجندت المؤسسة الدينية والدولة كلها من اجل اقناعه للرجوع عن ما اقدم عليه، وهذه وغيرها من الممارسات تجعل الناس تفكر اذا الاسلام او على الاقل المسلمين لا يؤمنون بحرية العقيدة.في حين انه في الدول الكافرة يؤمن الانسان باي دين ويعلن او لا يعلن ولا احد عليه سلطة ما. في الدول الكافرة ستجد القران مترجما ترجمة انيقة ويباع او يوزع احيانا ولا احد يعترض، وفي هذه الدول الكافرة يتم بناء الجوامع والمساجد، علما ان الاسلام لم يكن من اساس التنوع السكاني فيها، ولا من معترض الا بما يخالف القانون مثل الصوت العالي الذي يؤثر على راحة الناس، او تشويه صورة العمارة المحددة مسبقا كنوع من الحفاظ على التراث من قبل البلديات.

وفي الدول الكافرة او الغربية ستجد الفتيات المحجبات في الشوارع، وقد يحدث نوع من التحرش او الاستفزاز من البعض تجاههن ولكن ذلك امر يعاقب عليه القانون، ولكنه معلن ومدان من المجتمع او الغالبية باعتبار ان الحجاب حرية شخصية، ولكننا نعلم انها في الغالب ليست حرية شخصية بل فرض من العائلة وفي الغالب الزوج او الاخ او الاب. والبعض حتى يدافع عن النقاب باعتباره حرية شخصية، رغم انه يمكن ان يسهل تمرير الكثير من الامور الجرمية.

في المقابل يشكل المسيحيون واليهود والازيدية والمندائيون، والكاكائيون ومذاهب اسلامية اخرى مثل العلوية والدرزية، كما ذكرنا جزء من المكون الاساسي للسكان ان لم يكونوا هم الاقدم حقا في المنطقة، وفي اي مناقشة يتم تعيير الكل ان بقاء هذه الاقليات هو نتيجة للصدر الرحب للمسلمين، ويقارنون بما حدث للمورسكيين وكان المسيحيين كانوا سبب نزوحهم واضظهادهم. لا بل يقارونون بمصير الهنود الحمر وكان المسيحيين الشرقيين مثلا هم امريكيين وسبب تحول الهنود الحمر عن ديانتهم. ولكن لا احد يقول ما مصير مسيحيي المنطقة وما مصير الازيدية وما مصير غيرهم ممن عانوا المذابح تلو المذابح. ولا احد يقول لماذا لا يحق للمسيحي كمثال التبشير بدينه. وهل ننسى ماذا حدث حينما تم السماح للايرانيين لدخول مصر، على المستوى الشعبي، لقد علت الاصوات محذرة من تشييع مصر. اي لماذا يكون المؤمنين بالاديان الاخرى، قاصرين في ايمانهم، انهم يؤمنون ولكن لا يحق لهم ان يبشروا بما يؤمنزم به؟ الا ترون ذلك مفارقة غاية في الغرابة؟ انهم سيقولون انهم في بلد اسلامي، ولكن ما معنى بلد اسلامي، هل لمصطلح بلد اسلامي معنى محدد؟ اذا قيل ان يجب احترام عقيدة الاغلبية، ماذا نعني باحترام عقيدة الاغلبية، هل يعني عدم القدرة على انتقادها، ام يعني الخضوع لتعليماتها والتي في الغالب تتعارض مع معتقدات الاخرين، وفي هذه الحالة اين الحرية الاخرين؟ اين حريتهم في اقامة صلواتهم ونشر كتبهم واظهار رموزهم؟ وهل ينطبق هذا على الدول الاخرى، يعنيى هل يحق للهند ان تعلن محرمات او حدود على المسلمين كمثال باعتبار الهندوسية دين الغالبية؟

الحقيقة التي يجب ان نقرها ويقرها الكثيرين ان الاسلام هو الذي يعادي الاخرين، وبالدليل القاطع، ان الاخرين ينتقدونه كما ينتقدون بقية الاديان، الا انه الدين الوحيد الذي يريد امتياز عدم انتقاده او مهاجمته. انه الدين الوحيد الذي يقر بوجوب بقاء المسلم على ما كان عليه اباءه من عقيدة دينية تحت طائلة الحكم بالردة عليه. ان اي انتقاد للعقيدة الاسلامية يعتبر هجوما، يجب ان يقطع دابره من الاساس. من هنا فان ما يحدث وما حدث في باريس وهولندا وكوبنهاكن وغيرها نابع من عدائية التعاليم التي تفسر الاسلام على الاقل. ان لم نقل عدائية الاسلام ككل.

7 نيسان 2015.

شيخ الأزهر يخلط الحلو والمر

 

لا يخفى على احد مكانة الازهر لدى السنة المسلمين ومكانة شيخ الازهر، فيكاد ان يكون شيخ الازهر اكبر شخصية قيادية دينية في السنة من المسلمين بمختلف مذاهبهم. وعليه فان لكلمته مكانة ووقع خاص ودور في تطوير وتنوير الرؤى لدى عامة الناس، ومن هنا فان متابعة ما يقوله ويصرح به امر مهم، ونقد أقواله يأتي من كونها قد تحمل مضمونا ملتويا يمكن ان يكون مدعاة لمواقف اكثر سلبيية مما يجري في الواقع وان كانت الغاية منها تطوير وتحسين المواقف ليس الا.

في كلمته التي القاها في اجتماع مجلس حكماء المسلمين في ميشخة الازهر، كشف الدكتور احمد الطيب ان مجلس الحكماء سيطلق 16 قافلة سلام حول العالم، لنشر السلام وتصحيح المفاهيم المغلوطة وحمل شعار موحد مفاده كل شعوب العالم نظراء في الإنسانية، في إشارة الى القول المنسوب للامام علي بن ابي طالب حيث يقول ان الناس نوعان اخ لك في الدين ونظيرلك في الخلق.

ان يطلق مجلس الحكماء قوافل للسلام في العالم فهذا امر محمود ومرحب به، ويجب دعمه، ولكن المشكلة ليست في ذلك بل في شعار الحملة وما تبتغي إصلاحه من المغلوط. فهو يقول (المفكرون والمثقفون والسياسيون ورجال الأديان يجب ان لا يصرفهم هول الصدمات من الأفعال الإرهابية عن واجب الانصاف والموضوعية ووضع الأمور في موضعها الصحيح فيما يتعلق بالفصل التام بين الإسلام ومبادئه وثقافته وحضارته وبين قلة قليلة لا تمثل رقم واحد صحيح بالنسبة لمجموع المسلمين المسالمين المنفتحين على الناس في كل ربوع الدنيا، وقد مررنا ما زلنا نمر باضعاف اضعاف هذه الهجمات الإرهابية التي شنتها جيوش وعصابا اتخذت من الأديان رداء وستارا لها).

انا اريد ان اسأل سماحة شيخ الازهر ولنترك المسحييين والعلويين والشيعة والشبك جانبا، هل حاول وضع نفسه موضع الازيدية وهم يرون فتياتهن تسبى وتغتصب وتباع في سوق النخاسة واطفالهن يتم اسرهم ويتم غسل ادمغتهم لكي يتحولوا الى قنابل بشرية تقتل الاف أخرى وقد يكونوا من أبناء جلدتهم، وسالبيهن واسريهم يصرؤخون الله اكبر ويرفعون شعار لا اله الا الله ومحمد رسول الله. ماذا عنهم في قمة حزنهم وخوفهم على فلذات اكبادهم، هل يريد سماحته منهم ان يفرقوا ويقولوا ان الإسلام برئ من ذلك، وهل يعلم سماحته ان هناك اكثر من سبعين مذبحة مماثلة حدثت لهم خلال القرون الثلاثة الأخير وتحت نفس الشعار، ماذا عليهم ان يستنتجوا، وخصوصا ان سماحته لم يكفر الدواعش ولم يستنكر الا بعد ان استنكرت بعض الدول!! وهل يدرك سماحته ان القلة القليلة التي لا تمثل رقم واحد صحيح ولا اعلم من اين اتى بهذا الرقم ولنفترض انهم بنسبة رقم واحد صحيح وليسوا ثلاثة بالمائة كما يقول ناقدوا الإسلام وليسوا اقل من واحد، هل يدرك سماحته ان عددهم يتجاوز العشرة ملايين شخص، عشرة ملايين من القتلة المجرمين الذي لا يكفرهم شيخ الازهر يتركون لكي يقتلوا ويسبوا وياسروا، ما ذنب ضحاياهم يا ترى، ام انهم ليسوا بشر وليس لهم قيمة بل القيمة في تعاليم لا تتلائم مع العصر ومع متطلباته وثقافته. واذا كان العالم قد مر بمثل هذه الهجمات الإرهابية من قبل فبالتاكيد ان العالم لم يكن قد ارتقى علميا وقانونيا ولكن لم يعرف اغلب الجرائم الا بعد حدوثها بعشرات السنين، لان الاعلام والعلم لم يكونا بهذا التطور بما جعل من تاثيرها اقل وقعا.

وتابع شيخ الأزهر :”وعلى الذين أقدموا على جريمة حرق المصحف وبيوت الله في الغرب، وهي أفعال هي الأخرى تمثل إرهابا بكل المقاييس ووقود للفكر الإرهابي الذي نعاني منه، عليهم ألا يردوا علي الإرهاب بإرهاب مماثل، وليس من المنتظر منهم إهانة مقدسات الآخرين على مراى ومسمع من الناس.“ طبعا كلام غريب وعجيب يصدر من احدى اعلى المراجع الإسلامية السنية، فهو فقط يستنكر حرق المصحف وحرق بعض بيوت الله كما يقول في الغرب وهي قد لا تتعدى حالات تعد على أصابع اليد، وهو اذا كان محقا في ذلك، فاننا نسألة ماذا كان موقفه من خطف الفتيات المصريات و حرق العشرات من الكنائس وتدميرها، ليس في العراق وسوريا وباكستان واندونيسيا، بل في مصر حيث يقيم واخبارها تمتلئ بها الصحف المصرية، ام انها ليست بيوت الله، وماذا كان موقفه من تدمير وحرق الحسينيات في باكستان والعراق والمساجد وفيها مصحاف كثيرة وليس مصحقا واحدا، في الحروب الطائفية القائمة بين السنة والشيعة وبين الاثنتين والاحمدية وبينهم وبين العلويين وبينهم وبين البهائية ام ان هذه ليست مصاحف والمساجد هناك والحسينيات ليست بيوت الله؟

واذا كان سماحة شيخ الازهر يعتبر بيوت عبادة طائفة إسلامية معينة فقط هي بيوت الله وبيوت عبادة بقية الطوائف والأديان الأخرى ليست كذلك، فاذا من الإرهابي؟ الا يمثل هو الطرف الاخر من داعش ولكن بكلام معسل؟

تبقي الفقرة الأخيرة من كلمت والتي قال فيها ((لضرورة التصدي للفكر الإرهابي بكافة صوره وأشكاله وتجفيف منابع الفكر الإرهابي من خلال منظومة متكاملة من تشمل التعليم والثقافة والإعلام والشباب والخطاب الديني المعبر عن حقيقة الإسلام وشريعته، فضلا عن محاربة ثقافة الكراهية والحقد ونشر ثقافة الإخوة والمودة والزمالة العالمية)) فهي والحق يقال أساس حل مشكلة الإرهاب، لان الإرهاب أساسه فكري او ثقافي وليس لاسباب أخرى، فاذا كانت للاسلام حقا حقيقة أخرى مستلبة من قبل الارهابين فانه حان الأوان لاظهارها من خلال حصر وفضح لارهاب وتجريده من كل الأدوات التي يدعي انها إسلامية خالصة.

8 كانون الأول 2015 ايلاف

الرئيس اوباما، شكراً، لقد وجدت حلاً لمشكلة البطالة

قبل ايام صرحت السيدة ماري هارف نائبة الناطقة باسم وزارة الخارجية الامريكية، قائلة انه لا يمكن ان ننتصر على داعش من خلال قتل عناصرها، بل يجب تأمين الوظائف لانهم فقراء. ومن خلال المتابعة ادركنا انه تم حل المشكلة بسرعة كبيرة لا بل انه كانت اسرع حل لمشكلة الفقر هذا،فقد تم ايجاد فرص عمل لائقة وتتوافق مع قدرات عناصر داعش، هي التي رايناها بعد هذا التصريح، انها قامت باجتياح القرى الاشورية في الخابور، دلالة انها تجيد عملها بشكل تام، لانه يتوافق مع كل فرص العمل التي اتيحت لها في مدينة الموصل وتلعفر وسنجار وسهل نينوى وغيرها من المناطق، اي ان العمل توافق مع الخبرات المتراكمة، وهنا نعي ان الادارة الامريكية لم تطلق مبادرتها الا بعد دراسة معمقة، لقابليات وقدرات عناصر داعش، لابل ان عناصر داعش لم تكتفي بالهجوك على القرى الاشورية فقط، بل انها اتجهت الى المتحاف والمواقع التي تبين حضور اجداد اهالي القرى الاشورية في التاريخ وموقعهم فيه، فهدمت التماثيل الكبيرة وسرقت الاثار الصغيرة لبيعها في مزادات العالم، وهي ايضا خبرة مكتسبة من التجارب السابقة.

من يسمع مقترح اعلاه من حقه ان يعتقد ان الولايات المتحدة الامريكية ليست على خريطة كوكب الارض، او ان مسؤوليها اغبياء لهذه الدرجة التي يعتقدون فيها ان الفقر هو سبب الارهاب! لانه ببساطة بمقارنة الدول التي يتصدر ابناءها في صفوف المنظمات الارهابية لادركنا، ان الهند والصين وفيتنام والفليبين وتايلند وبورما والكونغو الديمقراطية واثيوبيا وتنزانيا وغيرها من الدول التي فيها نسبة الفقر كبيرة جدا، لم ترفد المنظمات الارهابية باعداد تذكر. لا بل ان اعضاء المنظمات الارهابية هم من الدول المتوسطة الدخل الى غنيها كدول الخليجية او بعض العربية او الدول الاوربية حيث ان السكن والماكل والطبابة مؤمنة بشكل متساوي لاغلب المواطنين. فهل هذا يدل على ان المسؤولين اغبياء حقا،ام انهم يتغابون ويحاولون ان يقولوا نحن ندرك ان ما نقوله غير صحيح واغلبكم يدرك ذلك، ولكن متطلبات تمرير بعض القضايا والوصول الى غايات معينة يتطلب هذا.

بالامس سمعت محللا سياسيا يبرر انتماء الاوربيين من اصول اسلامية للتنظيمات الارهابية، ويعزوه الى خيبة الامل التي لحقتهم من جراء الواقع المرير الذي يعيشونه ( وكانهم جلبوا قسرا الى اوربا، او انهم كانوا في بلدانهم يعيشون الرفاهية التامة)، فكل ما سمعوه عن الحياة في اوربا ظهر انه كان كاذبا، فهم يعانون شظف العيش والتمييز العنصري، مما دفعهم للانتماء الى هذه المنظمات، وهذا تبرير نمطي جاهز الظاهر اعجب الكثيرين لانهم حاضرون لكي يقولوه او ليرموه كاتهام في وجهك حينما تبدي عجبك من انتماء اشخاص من اوربا للتنظيمات الارهابية، ولكن لا احد يقول ولكن لماذ لا يمارس الهندوس والفيتناميين وغيرهم من الاسيويين او الافارقة ممارسات ارهابية، وهم يعانون نفس معاناة المسلمين في اوربا؟ هل ان كرامة المسلم اعلى او في مستوى ارقى بحيث لا يقبل المسلم لنفسة ذل العيش في اوربا، فيثور ويعمل من اجل الانتقام على هذا الواقع المرير؟ام انه قد يكون تبرير اخر يمكن طرحه لفهم الاشكالية، ولكن ستواجهنا اسئلة اخرى، اذا كان الانسان المسلم ارقى في مستوى الكرامة الانسانية، اذا لماذا لا يثور على حكامه او على التنظيمات الارهابية المخالفة له و التي تتحكم فيه، وهو يطالب ليل نهار بانصاف من المجتمع الدولي، وهذه ظاهرة تكاد ان تكون شائعة في المنطقة العربية، وان لم تصدقوني عودوا للمقابلات مع السوريين الثائرين على الاسد، او الليبيين الثائرين على القذافي، او التونسيين الثائرين على بن علي وهكذا الامر لاهل غزة التي لا يثور ثوارها الا لكي يلعبوا لعبة اقليمية لصالح طرف وهو بالتاكيد ليس اهل غزة؟

والحجة الجاهزة الاخرى، التي يطرحها الساسة العرب وبدات بعض الدوائر الاوربية تروج لها، ان الارهاب هو نتيجة لاحتلال اسرائيل للاراض الفلسطينية، طبعا لو طبقنا هذا الامر لكان على الكورد والامازيغ والاشوريون، واهل جنوب السودان، وكل الشعوب التي تشعر بان اراضيها محتلة ان تقوم باعمال ارهابية، من قتل وذبح وسبي النساء وخطف الطائرات، ولكننا نلاحظ ان هذه الشعوب لم تلجاء لتلك الاساليب، فاما انها قاومت الجيوش التي ادخلت في صراعات لصالح القوى المسيطرة او انها اتبعت الطرق السياسية، ومثالنا الاخر الصين الشعبية التي تعتبر تايوان جزء منها، وندرك انه بمقدور الصين اتباع طرق عديدة لكي تحارب تايوان ومن تعتقد انه يدعم تايوان، الا ان الصين لا تزال تتبع الطريق السياسي لحل المشكلة رغم صعوبته وطوله. ومرة اخرى هل ان للعرب والمسلمين ميزة انسانية اعلى من البقية، لكي يبررون اتباع هذه الطرق البشعة ويحاول البعض دعمهم في ذلك، يقينا لا، المسلمين مثلهم مثل بقية ابناء المعمورة، اناس وبشر يحق لهم ما يحق لغيرهم وينطبق عليهم ما ينطبق على غيرهم، ولكننا نرى ان في الامر ان. وانتنا تقول ان الدول الاخرى، لم تعد تهتم بمصير المنطقة، ولا بتطلعات اهلها الذين اثبتوا مرة تلو الاخرى، انهم لن يتمكنوا او لا يرغبوا ان يكونوا جزء من المجتمع الدولي ويقروا ما اقره وما توصل اليه، ليس من قيم انسانية موحدة، بل من وسائل وطرق لعلاج الاختناقات الاقتصادية والسياسية، فالناحية الاقتصادية والتي يلمح اليها البعض انها سبب الاحباط ولجوء الناس الى الارهاب، يتم معالجتها في المجتمعات الاخرى، بالحد من الزيادة المفرطة في السكان، لكي يكون للتنمية معنى وقدرة على اشباعهم وتوفير حاجاتهم من الصناعات والبنية التحتية، في حين ان حكام المنطقة وبتحالف غريب مع رجال الدين، دعموا وبشدة زيادة السكان وبشكل متسارع، اما للمنافسة الداخلية، مثلا زيادة سكان سوريا من السنة والعلويين، او لتحقيق طموحات مريضة كشعار السيطرة على العالم من خلال العدد الكبير من السكان. ان هذا العدد الهائل من المواليد دخل الحياة والدولة غير متمكنة من توفير اي شئ له، غير شحنه بحالة عداء ضد اعداء الاسلام والامة، وقائمة الاعداء تتوسع او تضيق حسب الامكانيات وليس حسب حقائق وحقوق. والامر المرير ان هذه الدول ورغم هذه الشعارات تصبح اسيرة للديون الخارجية المتراكمة والمتزايدة. اما الناحية السياسية فقد وضحنا بعض معالمها في الاسلوب المتبع من قبل الصين في حل مشاكلها مع الاخرين، في حين نرى ان العرب والمسلمين في الغالب يلجأون الى العنف، رغبة في الوصول الى نتائج سريعة ولكن ومع تكرار التجارب الفاشلة في هذا الطريق، نرى انهم يدعون له مرة بعد اخرى، بحجة انهم لا يخافون الموت.

شكرا سيدي الرئيس باراك اوباما، وشكرا للادارة الامريكية، التي لم تقل لنا انها تريد ان تغسل يديها من مشاكل المنطقة، لكي تحلها الفوضى الخلاقة، فالحل هو ان يتعلم اهل المنطقة كيف ينزعون اشواكهم بايديهم، وما الدعوة الى توفير الوظائف الا دعوة مبطنة لعلاج المشاكل وللحد من رمي المواليد كيفما كان، والكف عن تربيتهم على ان العالم كله يستهدفهم لانهم يحملون الاسلام هوية لهم. رغم ان هذا الحل قد يكون نقمة على الشعوب القليلة العدد، لان قدرتها على المماطلة تكاد ان تنفذ، ان لم يخرجها العالم من هذه المعمة.

2 اذار 2015 ايلاف

 

أوربا وتغيير مزاج الشارع

في خضم المشاكل التي عانت منها جمهورية فايمار الألمانية، ورغم انهم لم تكد تمر خمسة عشر سنة على انتهاء الحرب العالمية الأولى، سلمت المانيا قيادتها الى الحزب القومي الاشتراكي الالماني (النازي)، وكانت الكارثة العالمية الأكبر في الحرب العالمية الثانية التي راح ضحيتها مئات الملايين في كل انحاء العالم وخراب اوربا، وكان سبب هذا التسليم هو المصاعب والأزمات التي مرت بها هذه الجمهوية وخصوصا سقوط العملة والانهيار الاقتصادي وتراكم الديون نتيجة الحرب الاولى. ولكن بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية ادرك العالم ان العقاب ليس الطريق الوحيد لتحقيق العدالة، بل ادخال الخصوم في علاقات تبادلية والانتماء الى تيار انساني عابر للقوميات والوطنيات المتعصبة.ولذا تم وضع معايير جديدة لقيادة العالم وكانت بصورة عامة تحت قيادة الولايات المتحدة الامريكية وبمشاركة مع الاتحاد السوفياتي والدول الكبرى، حيث تم اخضاع الكثير من المصالح القومية الى القانون الدولي، وصار مجلس الامن هو القبان الذي من خلاله ومن خلال موازين القوى فيه تتم إدارة العالم. وعلى ضؤ نتائج الحرب المدمرة نمت في اوربا حركة سلمية ليبرالية او اشتراكية ديمقراطية تؤمن بحقوق الانسان باوسع مداه، ولم تتوقف الحركة عن تغييرات شكلية في النظام السياسي بل قادته وبعد ثورة شبابية في نهاية الستينات من القرن الماضي الى تغييرات في بنية المجتمع الأوربي كله. حيث دخلت الحريات الفردية الى صلب العائلة الاوربية، مما انجب أجيال من الساسة ينظرون الى العالم على انه وحدة واحدة وللناس على انهم كلهم متساويين. في العائلة الاوربية يمكن ان تجد ذي السحنة الافريقية او الصينية او الهندية، ويمكن ان تجد من يؤمن بالمسيحية او بالإسلام او القابالا او الأديان الهندية او الكونفوشسية، هذا الامر ليس في كل العوائل بالطبع الا انه معاش ويمكن ملاحظته حينما تتجول في الشارع الأوربي ستجده ماثلا امامك وخصوصا في المدن الكبرى. ان نتائج الحروب والتطور العلوم والمعرفة العلمية، وضعت الانسان الأوربي وغالبا الشرق اسيوي امام واقع هو ان الأرض بما فيها من التنوع ماهي الا كرة صغيرة تسبح بين ملايين اوبلايين البلايين من الكواكب والنجوم، وان احتمال تعرضها لضربة ما من نيزك كبير، كبيرة ولا يمكن تحديد نسبتها بالحقيقة الا بشكل نسبي، أي ان كل ما موجود على الأرض هو امام مصير واحد ومشترك بكل ما تعنية هذه المشترك من معنى. وهنا لا ندعي ان المجتمع الأوربي وصل الى المثالية التي نطلبها نحن ولا نؤمن بها، الا انه بالتأكيد اكثر المجتمعات تطورا وتسامحا وتقبلا للاخر.

ولكن الانسان ورغم كل ما يمتلكه من المعارف والعلوم، فانه سيكون معرضا لضغوط ومخاوف وتساؤلات مشروعة. ومنها السؤال الذي طرحه الامريكان بعد العملية الإرهابية الكبيرة في الحادي عشر من أيلول، وهو لماذا يكرهوننا؟ وقد يتسأل الاوربيين غدا ولكن ماذا فعلنا لهم؟ وارجو من القارئ ان لا يتشبت بمقولة الاستعمار، فهي اسطونة مشروخة وليست حقيقية بل كان الاستعمار من كل النواحي النافذة التي فتحت لنا لنرى العالم وما يحدث فيه، وكان الاستعمار هو من استخرج لنا مكنونات ارضنا وهو من داوى مرضانا وفتح طرقنا وعلم ابناءنا.

السؤال الأوربي سيجد ان الكره سببه حقد أيديولوجي فقط. منبعه كره الاخر ونعته بابشع الصفات، وحتى حينما يحتاج للاخر فانه مسخر له، أي ان الاخر وعلومه وتقدمة وفي الكثير من الأحيان مساعداته المادية والعينية هي كلها سخرة لهم لانهم الأفضل والارقى بسبب ايمانهم.

المشكلة الكبرى لدى المجتمع الحاضن للارهاب، انه بدلا من ان يعالج الأمور لديه، يحاول وبكل الطرق رمي السبب على الاخرين، فتارة قضية فلسطين، وهي قضية خاسرة ولا تمتلك مصداقية ولا المظلومية المدعي بها، لانها من انتاج العقل العربي الطامح للسيادة على العالم وعدم تقبل أي مساومات والخاضعة في كثير من الأحيان لموازين القوى. او ان العالم يعادي الإسلام، وهي مقولة شاعت مع ظهور الإسلام، ولكن الحقيقة ظهرت وبانت وهي ان الإسلام يعادي العالم، لانه افترض كل الاخرين أعداء له وان لم يقوموا باي حركة يشم منها معاداته. فهو من احتل ما كان لا يملك وهو من سبى وهو من فرض قوانين جائرة.

اذا بدلا من ينفتح المجتمع ويعزل المتطرفين، من خلال تطوير مناهج التربية والتعليم، والتي كادت ان تعود الى العصور القديمة وخصوصا بعد مرحلة السبعينيات من القرن الماضي، وبدلا من ان يقر المجتمع والدول بالحريات الفردية ويتعايش معها، وان يضع الدين في الركن الخاص به أي العلاقة بين الانسان وربه أي كان هذا الرب. عمل العكس وهو احتضان الإرهاب وترسيخ قوانين كارهة للاخر ومحدة من الكثير من الحريات الفردية، وداعما لتاكثر غير محدود للنسل في ظل أزمات اقتصادية واجتماعية، مما حدى بالكثيرين للاعتقاد ان حل ازماتهم لا يكون الا باستعباد الاخر.

عملية إرهابية تلو العملية، سيرتفع السؤال الأوربي وسيكون الرد، بالعودة الى الاحتماء بقوانين رادعة، امام قوى لا تعرف للحوار معنى او مكان. ولو لاحظنا فان التيارات اليمينية بدات تتحول الى حركات شعبوية وخصوصا حركة بيغيدا، التي تتمكن من تعديل شعاراتها لكي تتوافق مع المزاج العام، بحيث لا تحصره في معاداة عنصر ولكن في الدفاع عن القييم الاوربية وبالتالي الادعاء بانها تدافع عن قييم الحرية والديمقراطية، امام طغيان الإرهاب وفرض والاكراه على سلوك معين من خلال فرض قوانين وسلوك وزي معين بالقوة في الاسرة.

ان ادعاء البعض بان هذه الحركات لا تمثل الإسلام، لن ينفع امام الغضب المتنامي والمتصاعد اوربيا، وان كان لحد الان اتخذ مسار خطوات قانونية تقودها الدول. وخصوصا امام المطالب الشعبية التي تريد ان تعيش الامن والسلام. ولذا فان الجمهور الأوربي سيضظر لتسليم مقاليده الى قوى أخرى، تفرض حدود وقد تقود حروب خارج بلدانها لاجل استئصال افة الإرهاب المهدد للجميع. وحينها سيكون سكين الإرهاب قد انعكس باتجاه حامله ان لم يكن الان قد انعكس فعلا.

23 تشرين الثاني 2015 ايلاف

من يحق له انتقاد ترامب؟

 

أثارت كلمة المرشح للسباق الرئاسي الأميركي عن الحزب الجمهوري دونالد ترامب، حول وجوب منع هجرة المسملين الى الولايات المتحدة الاميركية، عاصفة من النقد والتهجم. ولعل من اهم الكلمات المؤثرة على الصعيد الوطني الأميركية، والتي قد تؤثر في مستقبل المرشح منذ المراحل الأولية كانت كلمة رئيس مجلس النواب الجمهوري التي شجب قوله في منع هجرة المسلمين ((إن مثل هذه الآراء لا تمثل مبادئ الحزب والأهم من ذلك أنها لا تعكس وجهة النظر الحقيقية للبلاد.”)) ومن الشاجبين الرئاسة الامريكية ووزيرة الخارجية السابقة السيدة كلنتون ووزارة الدفاع والكثير من الشخصيات المهمة في الكونكرس أو على مستوى الراي العام الأميركي. طبعا ترامب خص الأميركيين الجنوبيين بهذا الامر ولكن رد فعل على تصريحاته لم يصل الى ما وصل اليه حينما خص المسلمين، وهو امر معيب ويكشف كم ان المعارضين يزنون الأمور بموازين المصالح وبموازين مختلفة أيضا. علما ان السيد ترامب قد اكد على ان المنع هو لحين معرفة أسباب كراهية المسلمين للولايات المتحدة الاميركية.

قد لا نتفق مع السيد ترامب في أسلوب طرحه، ولكن الطرح فيه معقولية كبيرة، فاذا كان المسلمون يكرهون الولايات المتحدة، اليس من حقها ان تحمي نفسها من كارهيها، واليس من واجب المرشح لقيادة البلاد، تطبيق الدستور وأول واجباته حماية البلاد وشعبها من كل ما يمكن ان يتعرض لها بالسؤ؟ علما ان السيد ترامب قال ان غالبية المسلمين أناس رائعيين ولكننا يجب ان نعرف ونحدد من هو الإرهابي!

المشكلة ان هناك من يتلقف التصريحات ويعمل منها قضية كبيرة، لاعتقاده انه بهذه الطريقة يخدم دينه او معتقده، وهذا ما رايناه من غالبية المعلقين في المنطقة، في حين ان السياسين المناوئين للسيد ترامب، سوقوا تصريحاته لغرض اخر، وهو ارسال رسالة الى المنطقة، ان لم ترضوا بتعديلات وترضخوا لاملاءات مطلوبة منكم ومطروحة أمامكم، فان هناك من هو مستعد لفرضها علنا.

ولكن هل يحق لبعض المسؤولين او شخصيات عامة في دول المنطقة، ان تنتقد السيد ترامب حقا، وهي تسيير دولها بقوانيين تحابي ديانة معينة، لا بل ان بعضها يمنع ليس التبشير بالاديان الأخرى، لان كل دول المنطقة تمنع ذلك، رغم ان اغلبها قد وقع على ميثاق حقوق الانسان، وليس ممارسة الشعائر، بل يمنع حتى حمل كتب اديانهم لكي يقراوها. وبعض يفرض دينه على مواطنيها من الأديان الأخرى من خلال التعليم والتربية ومن خلال التندر والانتقاص من الأديان الأخرى وهذا كله للأطفال. وبعض هذه الدول تطبق شرائع دينية وقوانين مستمدة من الشريعة. لا بل ان بعض الدول تمنع دخول أبناء ديانات أخرى مدن معينة بحجة قدسية هذه المدن؟

إن دولنا والكثير من مسؤوليها ومسؤولي الأحزاب القائمة فيها وخصوصا التي لها صبغة دينية ليس من حقها ان تعير او ان تنتقد السيد ترامب لانها تمارس ذلك يوميا في بلدانها رغم انها لم تعاني من الإرهاب من قبل أصحاب الأديان الأخرى على ارضها.

ان المنطقة التي تعلمت ان تكيل بمكاييل متعددة، والتي لا تريد ان ترى عيبوها والتي لا تريد ان تصححها رغم كل ما يحدث، لا تتعلم ابدا من ولن تتعلم. فهي سائرة الى الدمار والتدمير الذاتي بسبب انها كرست دولها لخدمة دين وليس لخدمة الانسان، وهنا هي المعضلة. ناقدون لترامب يمارسون ويطبقون يوميا وقانونيا وتربويا ما اقترح الى تطبيقه لفترة معينة. وهو في مرحلة الدعاية الانتخابية ويمكن انه لن يتمكن من تطبيق اقتراحه أصلا حينما يصل لسدة المسؤولية لكونه قد يتعارض مع الدستور والقوانين الأميركية.

 

16 كانون الأول 2015 ايلاف

 

التحالف الإسلامي الى أين؟

 

أعلنت بعض الدول إقامة التحالف الإسلامي لمحاربة الإرهاب، وهذا قد يكون خبر جيدا من نواحي متعددة، واولها انها أي الدول المتحالفة، تنفي عن نفسها ما راج من انها تدعم التطرف والإرهاب، وثانيها انها تطبق المثل ماحك جلدك الا ظفرك، فالارهاب الذي يصيب المنطقة و تتهم دول فيه بدعمه، يجب ان يقتلع بواسة هذه الدول أولا واخرا، لانها من المفترض ادرى بمسبباته.

ولكن بعض الدول التي قيل انها في التحالف او الحلف، ظهر من ردود فعلها انها أساسا لم تكن تعلم بهذه الدعوة، وهذا الامر ذكرني بحادثة وقعت معي ابان مرحلة الكفاح المسلح ضد نظام صدام حسين، حينما التحقت بالتجمع الديمقراطي الاشوري، ولانني كسمؤول للاعلام والتثقيف نويت أن أقوم بجولة على القرى الاشورية في المناطق المحررة من العراق والتي كانت تقع في إقليم كوردستان الحالي، فقد اوصاني مسؤول التجمع ان التقي ببعض الأشخاص وقال انهم من ركائزنا، وحينما وصلت الى هذه القرى وطلبت من الأشخاص الحضور وجلست معهم ظهر انهم ليسوا من ركائز ولا من المتعاطقين أيضا، كل ما في الامر انهم جلسوا مع مسؤول التجمع وحاوروه ليس الا. والحقيقة اصابني الامر باحباط كبير. هذه الحادثة تذكرتها حينما أعلنت بعض الدول انها لم تتلقى أي دعوة رسمية للانظام الى التحالف الإسلامي رغم ان اسماءها وردت في التحالف.

ولكن لمحاربة التطرف والإرهاب، ليس المرء بحاجة الى السلاح فقط، فالارهاب واضح ان منشأه ثقافي وليس نتيجة لمظالم سياسية او دينية. اليوم مطلوب من الدول التي تدعي مقارعة الإرهاب ان تزيل كل ما يكون سببا في خلق هذه الظاهرة، ولعل إعادة النظر في الكتب المدرسية وتنقيحها والحذر كل الحذر مما يعطى للأطفال كمناهج، يجب ان يكون في اوليات محاربة الإرهاب. والامر الاخر ان مراقبة أجهزة الاعلام من الصحافة والتلفزة والإذاعة، امر ضروري، وهذه المراقبة لا تعني الضغط وعدم السماح بحرية الراي، لا بالعكس فما يمارس في محطات تلفزة معينة يكاد ان يكون دعوة صريحة لقتل الاخر واحلال سفك دمه على أساس مذهبي او ديني، واستنادا الى احاديث في متون كتب السلف. ان بعض ممن يسمون علماء يعلنون اراء غريبة وعجيبة ولكنهم يحرمون على الاخر اعلان رايه بحجج واهية وغير مقبولة، ولكن ان كانت مسألة حرية الراي متوفرة لكان تم إيقاف الكثير من هؤلاء المدعين علماء ونقض حججهم. انهم يستندون الى ما يمنحونه لما وروثوه من القدسية وسلب الاخر من كل الاحقية في الوجود. وفي مثل هذه الحالة فان هؤلاء المسنودين بقوانين تعاقب كل من يعارض المقدس، سيعمون وسيعم خطابهم لا بل يمكن ان يتطور الى خطاب اكثر تشددا كما نلاحظه في ممارسات داعش واخواتها.

لا تزال صورة ذالك الخطيب الذي كان يام جماعة ويلقي خطبة فيهم، وقد ابتداء بالطلب من الله ان يمحي اليهود والنصارى ولكنه تشدد اكثر مع الشيعة، فلعدة مرات كررطلبه من الله ان يمحي الشيعة او يزيلهم اوييتم ابناهم او يرمل نسائهم، فلو كان تم اسكات مثل هذا من اول يوم لانه يدعي الى القتل والى الكره والحقد، لما تجرأ اخرون للذبح الفعلي.

اذا لكي يكون عمل التحالف الإسلامي المعادي للارهاب نافعا ومؤثرا، فعليه ان يقوم بثورة حقيقية في داخل كل دولة إسلامية وخصوصا بعض الدول المعروفة بالتشدد، ثورة تدعوة لانسنة التعاليم والمفاهيم. والى رفع شعارات تدعوا للاخوة الإنسانية، فالله الذي خلق المسلم والسني خلق أيضا المسيحي والشيعي والهندوسي والخ. اما من يريد ان يغير ما خلقه الله او انه يعتقد ان الله أخطاء في ما فعله، ولذا فهو يريد اصلاح الخطاء بإزالة كل من لا يؤمن بالصورة التي يراها صحيحة، فهو بالتأكيد اما يريد اخذ مكانة الله او انه يهين الاله.

ان دعوة التحالف الإسلامي المضاد للارهاب، ان لم تأتي أولا من الداخل، فانها ستشعل الداخل شاء الداعين ام ابوا. لان اغلب هذه الدول تضم تنوع واسع من المذاهب الإسلامية المختلفة أساسا، قبل ان نقول انها تضم اديانا أخرى. فالتحالف والحال هذه اما انه حقا تحالف لمحاربة الإرهاب، وتجفيف منابعه، او انه ادعاء لمحاربة دول بعينها وعلى أساس مذهبي ليس الا. ان على بعض الدول التي تحاول ان تمييز نفسها عن كل دول العالم بحجة الدين، ان تدرك ان الإنسانية ترتقى فوق الدين، فكفى الألعاب البهلوانية التي حاول العرب لعبها مرارا بحجة التماييز، تماييز ما يقترفوه لانه لاسباب عادلة، حسب ادعاءهم لتبرير الإرهاب بكل اشكاله لحد وصل الامر بهم الى محاولة العمل من اجل الاتفاق على قانون خاص بهم لتعريف الإرهاب، وان لم ينجحوا نتيجة التحولات الدراماتيكية التي حدثت في المنطقة من أواخر تسعينيات القرن الماضي ولحد الان.

المعادلة البسيطة لمحاربة الإرهاب تعني الانفتاح الفكري والإعلامي والاجتماعي والا الانفجار الداخلي.

22 كانون الثاني 2015

ازدراء الأديان

 

في الآونة الأخيرة أقدمت المحاكم المصرية على اصدار احكام  بمعاقبة السيدة فاطمة ناعوت والسيد إسلام بحيري بالسجن بدعوة ازدراء الأديان، والظاهر ان مشيخة الازهر، تدعم هذا التوجه خوفا من اتساع رقعة الانتقادات لبعض الممارسات والشعائر الدينية التي لم تعد تتفق مع روح العصر، فما فعله الأستاذ اسلام البحيري لم يتعد نقد والتشكيك بالاحاديث المنسوبة في الغالب لنبي الإسلام، وهذا حق من حقوقه، لانه من خلال هذه الاحاديث وتفسيراتها يتم تبرير الكثير من الجرائم ويتم استغلال الدين لتحقيق مصالح بشرية انية كثيرة، كما ان الكثير منها غير منطقي وغير عقلاني، لا بل ان الادعاء ان مثلا ان البخاري قد جمعها ودرسها وتحقق من صحتها، يتطلب ان يكون الرجل قد عاش طويلا جدا.

اما السيدة فاطمة ناعوت فانتقدت ودعت الى تطوير شعير التضحية بالخروف في يوم العيد، وشككت في الحادث المنسوب لابراهيم حينما أراد ذبح ابنه إسحاق، فاهداه الله خروفا لكي يفي بنذره. وهنا الحقيقة ان الشعيرة مثار تشكيك منطقي، فهل الله بحاجة الى نذر لكي يدرك مدى عمق ايمان انسان ما، وهل حقا ان كل هذه الاضحية تحقق مراد الله في ان يكون القوي الجبار المرعب المهيب، ام ان الله كونه الاب الكوني، يرى الانسان بمحبة ويعطف ويغفر خطاياه بطلب مخلص؟

قامت بعض الدول بتبني القانون المصري والخاص بازدراء الأديان، وبعضها حاول تسويقه في الأمم المتحدة كقانون ملزم، يعني ان يصدر من مجلس الامن، الا ان الظاهر انه لم يتم تحقيق تايد له الا في الجمعية العمومية التي تعتبر قراراتها توصيات ليس الا. وذلك لاسباب عديدة  منها ان هذه الدول تزدري الأديان التي تقول عنها سماوية أولا وكل الأديان الأخرى، يوميا في معابدها وخطبها وكتب تعليمها وممارساتها اليومية، ففي بعض من هذه الدول ممنوع ادخال كتب الديانات الأخرى تحت طائلة العقوبات الشديدة.

اذا في الوقت الذي حاولت هذه الدول تسويق مقولة ازدراء الأديان وجعلها قانونا ملزما، كانت هذه الدول مؤهلة أولا لوقوعها تحت طائلة القانون، فمقولة الأديان السماوية التي مللنا من سماعها والتي لا نعرف لها معنى، تنحر يوميا بواسطة دول معينة او منظمات دينية او أحزاب او افراد استقوت بقانون يحميها من أي عقوبة حينما تتعرض للاديان الأخرى وان كانت سماوية. والعالم اليوم لم يعد الشرق الأوسط الذي يمكن ان يفرض معتقداته على الجميع، العالم اليوم واسع وبات من الواجب اعتبار كل الأديان سواسية في الميزان وتتمتع بنفس القدر من الاحترام والتقدير. فهل ادركت هذه الدول والمؤسسات التي تدعوا الى عدم ازدراء الأديان أي تناقض تعيش.

في مصر كمثال يعاقب أناس ينتقدون شعائر واقوال غير مثبتة، ولكن يتم السماح يوميا بالتعرض ليس للدين المسيحي واتهام كتبه بانها مزورة واتهام المنتمين اليه بالقيام بافعال شنيعة ومستهجنة في معابدهم، بل بالتعرض للإنسان المؤمن بهذا الدين، سواء بخطف بناتهم او الاعتداء على ممتلكاتهم او حرق معابدهم. هذه مع المسيحيين المعتبرين من الأديان ((السماوية)). فما حال البهائيين والشيعة من المسلمين واليهود واللادينيون والمؤمنين باديان غنوصية او ارواحية. ان كل الأديان تعتبر غير مقبولة قانونيا في مثل هذه الدول.

ان الحقيقة التي تدفع هؤلاء الناس لمعاقبة كل من ينتقد اويشكك في أي جزئية من معتقدات المسلمين، هي الخوف على الإسلام، وكان الإسلام سينهار ان تعرض للنقد والتصحيح والإصلاح. والمشكلة ان الشيعة المسلمين أيضا يشتركون مع السنة في هذه الخاصية أي الخوف على الإسلام من النقد والتشكيل، رغم انهم يتمتعون بنظام ديني منفتح نوعا ما ويستوعب تعدد الآراء واحيانا تناقضها من خلال القدرة على اختيار المرجعية الخاصة بكل شخص.

قد يكون موقف الدفاع عن الدين او المذهب امرا مقبولا لا بل مرحبا به، حينما تقارع الحجة بالحجة، ويتم التنوير والشرح والاعلام، ولكن حينما يتم استعمال قوة الدولة، والتي يجب ان تحتضن كل ابناءها، وتحترم كل معتقداتهم، وتدافع عنهم، فحينها، علينا ان نقف كلنا وبصوت عال ونقول اننا كلنا فاطمة ناعوت وإسلام بحيري وكل من هو خلف القضبان او مرشح ليكون خلفها، لانه سبب رعبا لبعض من يعتقد انه فقط الصح وان دينه فقط هو الصحيح ويجب ان يحمى بكل القدرات والامكانيات المتاحة.

3 شباط 2016

 

مصر هي التي تعرت

 

في حادثة سجلها لي احد اقرابائي انه في عام 2003 قامت مجموعة من الرجال في مدينة الموصل بإخراج عائلة مسيحية وتعريتها والطلب منها اما التحجب او الرحيل، ومرت الحادثة ولم نسمع عنها الا بعد ان أثيرت حادثة مصر. ولكن ما حدث في العراق حينذاك ومصر الان، ليس تعرية مجموعة من الأشخاص، بل هو تعرية بلد بكامله، اعلان بان هذا البلد مكشوف ومباح لكل من هب ودب ان يكشف عورته ويتفرج عليها، انه اعلان كامل بان البلد غير محمي بقانون ولا بقوات وطنية لان الوطن صار في خبر كان.

ولان الاعلام المسيحي المصري اقوى من البقية، فصوتهم ومشاكلهم تظهر على الملاء اكثر، وبهذا نقول ولكن المستور والغير المعلن كم هو يا ترى؟ الم يشاهد العالم طائفة كاملة تتعرض للتعرية من خلال سبي وبيع بناتها مع كل الانتهاكات التي تعرضن لها، ولاتزال هناك العشرات من الفتيات الازيديات والمسيحيات في العراق، مسبيات ينتظرن رؤية امل ما بخروجهن من الاسر والسبي والعرض في سوق النخاسة والم يكن ذلك تعريا ومن جهة معروفة .

ما عرض من قصة تعرية امرأة مسنة مصرية مسيحية في الصعيد لانتهاك عرضها بعرضها عارية في شوارع القرية وخروج العشرات ان لم نقل المئات احتفالا بهذا النصر المؤزر، نصر الإسلام على المسيحيية. وبدون سبب وجيه، حتى لو صدقنا قصة او حكاية تورط ابنها بعلاقة مع امرأة مسلمة. وهل لا يزال القانون او المجتمع المتحضر يعتبر المرأة المسلمة امرا مقدسا، لا يمكن لاحد يحبها او ان يقيم علاقة جسدية معها او لا يمكن لها ان تحب الا مسلما؟ في حين نرى في الحياة اليومية مئات الأمثلة التي تعاكس ذلك! نقول ان الحكاية في أساسها ان زوج المراة المسلمة اشاع عن زوجته هذه الحكاية لكي يتخلص من التزاماته تجاهها وتجاه اطفاله، ولكي يتمكن من إخراجها من الدار لتعود له، علما ان الزوج له سوابق مع زواج سابق أيضا. يقال ان العامة سمعت وخططت ونفذت، وبالتاكيد ان التخطيط حدث في مكان ما، وخصوصا ان المجموع لم يكن افرادا بل يمكن القول جمهرة من الناس، وقد سبق تنفيذ جريمة واحراق بيت المراة وابنها نشر معلومات وبيانات تحريضية، تم اعلام الشرطة بها مسبقا. ولكن الظاهر ان لا حياة او حياء لمن تنادي. وقد خرجت زوجة الشخص المسلم وكذبت الواقعة وقدمت اخطار للشرطة بذلك مطالبة بحقها في من شوه سمعتها.

القصة ورغم إمكانية حدوثها في كل المجتمعات، وتحدث كثيرا وتمرر حينما يكون الطرف المسلم رجلا والطرف المسيحي او الغير المسلم ، امرأة . وتغطى بعد ان يتم اغتصاب المرأة وتصوريها، بحجة انها اعتنقت الإسلام، حتى لو كانت قاصر، والازهر الذي قال قبل أيام مفتيه ان من أسباب الإرهاب هو تهميش المسلمين في اوربا، سيوقع على الاسلمة دون ان يرف له جفن.

اذا تحدث حوادث الحرق والقتل لو كانت القصة معكوسة أي حينما يكون طرفاها مسيحيا والأخرى مسلمة . وفي الغالب ان مثل هذه القصص أي المعكوسة لا تحدث الا نادرا جدا، ولا يقوم بها الا من كان لا يزال معتبرا طفلا وغير واع للمخاطر التي قد تحيق بعائلته لا بل بكل أبناء ديانته في المنطقة. ولكننا نحن امام حالات متعددة لقصص مفربكة، يتحمل الطرف الاقلوي المسيحي او غيره النتائج الوخيمة العاقبة، في كلا الحالتين، حالة الجرم وتحمل ما يترتب على ذلك، من حرق البيوت والقتلى والاغتصاب او التعرية او التشوية، وفي حالة الصلح، فالطرف المسلم يفرض شروطه، فهو لا يمكنه ان يقوم باي خطوة تدلل على تنازل ما او حتى معاقبة مقترفي الجرم، لكي لا تغضب الأكثرية، وفي حالة كون الجاني او المخطاء مسيحي او اقلوي يجب معاقبته باشد العقوبات وبنفس الحجة لكي لا تغضب الأكثرية ويحدث مكروه اكبر. وعلى المجني عليه ان يكظم على جراحه والامه. مرة تلوة المرة، هذه حالة مجتمعات كاملة تعيش في اوطانها، وتتعرض على الدوام لعمليات إهانة وامتهان الكرامة.

العري، او تعرية شخص وإظهار ما لا يجب ان يظهر من جسده، وبالقوة وبدون رغبته، يعتبر امتهان للكرامة الإنسانية، في كل المجتمعات الإنسانية. ولكن نتائجه قد تختلف من مجتمع عن الاخر، ففي المجتمع المحافظ، قد يكون نتيجته الموت. فالبعض وخصوصا من النساء يقدمن على الانتحار خجلا، وان لم يفعلن يمتن كمدا وحزنا. ولكن بعض العزاء يأتي من المظلة الأمنية التي يتظلل بها الجميع او المظلة القانونية التي تمنح الحق لمن سلب منه، ولكننا هنا امام عجز تام عن تحقيق ذلك، لان الامن والقانون ورجالهما منحازان  تماما لصالح طرف واحد ومسبقا. فشخص بمستوى المحافظ والذي من المفروض ان يحمي كرامة وحقوق مواطني محافظته، يقول عن حادث التعرية وحرق البيوت بانه حادث بسيط، السؤال الذي يتبادر الى الذهن اذا ما هو العمل الكبير والشنيع يا ترى.  واذا كان البعض يرى في الامر جريمة جنائية مثلما يريد هذا البعض ان يمررها، فنشر البيانات المسبقة والتهديدات المنتشرة وتكرار الجرائم المتماثلة ينفي عنها كونها جرائم جنائية، بل هي جرائم تهدد الوطن ووحدته وهي جرائم يجب ان تصنف تهديدا لوجود مكون من مكونات الشعب. وان معالجتها يجب ان لا يكون بتطيب الخاطر وتبويس اللحي، بل يمتد الى اقالة رجال الامن والمحافظ، وفرض القانون وتعديله لكي يكون مظلة للجميع وليس لفئة معينة. كما ان عقوبة القائمين بالجريمة يجب ان تكون واضحة ورادعة للاخرين عن القيام بمثلها مستقبلا.

من المنطقي والصحي في المجتمعات المتطورة والمنفتحة، ان تعرض الحادثة للناس ويتم بحثها من كل الجوانب ويتم العمل بشكل منهجي ومتسم بالاصرار على إزالة مسببات ذلك من خلال توفير المزيد من الحريات الفردية، في ظل حماية القانون، وتخليص التعليم من التعصب والانتقاص من الاخر وفضح الاعلام المناوئ او المنحاز وجعله منبرا للدفاع عن الحريات والكرامة الإنسانية، كما يجب منع نشر الكراهية والتكفير . ان مثل هذه الحوادث هي الطريق الأمثل لزرع اسفين الكره والبغض بين مكونات المجتمع وخصوصا حينما يجد طرف ما انه المطالب دوما بدفع ضرائب الوطن والوحدة الوطنية وحده، بحجة ان الأكثرية ترفض ذلك. ان الوحدة الوطنية القوية تستند الى قانون يساوي بين الجميع ورجال قانون يؤمنون ان كل أبناء الوطن هم سواسية وليس لاحدهم فضل على الاخر.  ان محاولات لفلفة القضية والحاقها بالقضايا السابقة، يعني ان مصر حقا تعرت بارادتها ولم تعد تهتم بان تخفي عريها.

28 أيار 2016

تهنئة المسيحيين صارت قضية

 

أفتى كل من أية الله السيستاني ومفتي السنة الصميدعي، بعدم جواز تهنئة المسيحيين بعيد الميلاد وراس السنة الميلادية، رغم ان راس السنة الميلادية ليس عيدا دينيا، بل هو عيد شعبي اكثر مما هو ديني. ولكن عيد الميلاد يرتبط بمولد يسوع المسيح، في بيت لحم، الطفل الذي كانت ولادته معجزة حتى بالنسبة للقرآن، وهو نبي من أنبياء الله ايضا. إذا التهنئة بمولده، كنبي لا تضر، ولا تخدش ايمان المسلم. بل يمكن القول وعلى اساس انه نبي من انبياء الله، ان المسلمين يجوز لهم التهنة والاحتفال بمولده.

الحقيقة لا اعتقد، ان الانسان المسيحي، يرغب ان يسمع تهنئة من جاره ان لم تكن تخرج من القلب، وايمانيا المسيحي لا يمكنه ان يفرض على الاخر ان يقوم بتهنئته ايضا، لان هذه الممارسة اي تقديم التهاني والمشاركة في الافراح والاتراح هي اعمال ذاتية تنبع من شعور النابع من داخل الانسان، يفرض عليه المشاركة، وهنا تكون مشاركة وجدانية اي اتت من وجدان الانسان او كما نقول من قلبه.

ان التساؤل عن جواز تهنئة فلان او علان، بمناسباته وخصوصا الدينية، باعتقادي امر يظهر كم ان السأل منقاد، ومجبر على طاعة امور يمكن له ان يفتي بها بلا حرج. لان مثل هذه القضايا تعني المشاركة الانسانية، ومن يسأل يعلن فقدانه لهذا الحس الانساني الذي يفرض عليه المشاركة في احتفالات الاخرين.

السيستاني والصميدعي لم يأتيا بشئ جديد، ورجال الدين الاسلامي، في غالبيتهم، يستندون الى فتاوي وكتب السابقون، والتي لم يأتي فقيه او مرجع، وقام بتفنيدها او تجديدها. اي انهم يقولون ما هو مكتوب ومتفق بشأنه.

اذا المسألة ليست السيستاني او الصميدعي او امام جمعة في الديوانية او رئيس الوقف الشيعي، فالرجلان صادقان في قول ماهو متفق بشأنه دينيا. بل القضية هي اين هو الشعور الانساني، لدى الانسان العادي، اين هي المشاعر الوطنية المشتركة التي تسمح بممارسة امور كثيرة بانسيابية وبلا عقد وبلا تساؤلات وادخال الدين في كل تفاصيل الحياة.

انا مع المسلم الذي يعتقد ان تهنئتي باعيادي، قد يخدش ايمانه، فليس من الضروري ان يهنئني، وانا مستعد ان اهنئه، لانني لا ارى في تهنئته باعياده، اي خدش لعقيدتي وايماني، فايماني يوصيني بان اكون متسامحا ومنفتحا مع الاخر. ولكننا هنا مرة اخرى كعراقيين، كمواطنين في بلد، نريد ان نبنيه وان نعلي من شأنه، كيف يمكننا ذلك، ورجال الدين يضخون افكارا تتهمني انا والصابئي والازيدي والكاكائي، بالكفر، ونحن نعلم ان اتهام الاخر بالكفر، يعني استباحة دمه.اي ان رجل الدين الذي يصف الاخرين بالكفر، يشرع لقتل مواطنين، يشرع للحرب الاهلية، فهل بالحروب وبالقتل وبالنبط تنبني الاوطان.

احد رجال الدين، يتسأل هل يقوم مسؤولي الدول الاوربية، بتهنئة المسملين، هذا الرجل، لا يفهم معنى المواطنة، لا يفهم اننا مواطنين في هذا البلد، ولن ازايد واقول قبل قدوم دينه اليه، ولكن مع وجود اقليات مسلمة كبيرة في بلدان الغرب، فرض الامر نفسه على المسؤولين هناك، ويقومون بالتهنئة بقدوم رمضان والاعياد مثل عيد الفطر والاضحى. وغالبية المسلمين هم من المهاجرين الذين وفدوا الى بلدانهم. اي ان رجل الدين، ينشر الكره والحقد وهو يعلم ذلك.

ان الدولة العراقية مطالبة وباسرع وقت، باعادة صياغة الكتب المدرسية، حذف كل الايات القرانية منها، والتي يؤتي بها لتعليم العربية الصحيحة كما يقال، ويمكن صياغة جمل جديدة تعبر عن الحياة والافكار وتتلائم مع العصر الحالي. ان الاكثار من هذه الايات وحشو عقول الطلبة بها، يعني ان هناك رغبة في فرض الدين ومعتقداته على الاخرين. وان كنا نريد دولة المواطنة، فالدولة لكل مواطنيها، وليس هناك  اقلية واكثرية.

على الدولة ان تقوم بالاعلان رسميا ان ما يقوله هؤلاء الائمة ورجال الدين، هو خارج كل اسس بناء الدولة الحديثة ويتعارض مع دستور الدولة العراقية.وكل من ينشر الكراهية والحقد وما يؤدي الى جرح مشاعر الاخر والرغبة في الحاق الاذي به، يعتبر جرما، يتم معاقبة مقترفه. هنا اود ان اشير ان نقد الدين او ممارساته في عمل كتابي او محاضرات امر لا يعتبر من ذلك. فحرية الراي شئ ونشر الكراهية والحقد وما يمكن ان يؤدي الى استباحة دم انسان او سلب حريته او الاعتداء عليه جنسيا، كما شاهدنا وسمعنا من افعال الكثير من المنظمات الاسلامية، امر اخر. ان سكوت اجهزة الدولة عن مثل هذه الممارسات والاقوال والتي تكررت مرارا، يعني انها تنتهك حقوق مواطنيها من غير المسلمين، وانها باجهزتها تقوم بالتجاوز على القانون، وهذا الامر يفتح الباب لكل مواطن لكي يدافع عن ما يؤمن به، خارج اطار قانون لا تحترمه الدولة ذاتها.

ان يقوم بعض كبار رجال الدين الاسلامي مثل شيخ الازهر في المحافل الدولية، بتجميل الصورة، والادعاء بان ما يمارس ليس من الاسلام، وحالما يشارك في مؤتمر اسلام يناقض كل ما قاله امام المسؤولين الدوليين، يدل على ان الكثير من رجال الدين الاسلامي، يلعبون لعبة التقية والمشروعة حسب الفتاوي في كلا المذهبين الرئيسين (السنة والشيعة). ان مثل هؤلاء المسؤولين يشاركون في القتل والتدمير وزرع الاحقاد، وبالتالي تدمير الوطن.

صار من الضروري اعادة النظر بكتب التراث، وتجديدها بما يلائم العصر، وبما يلائم حقوق المواطن في دول تأسست على اساس المواطنة المتساوية.وصار من الضروري ترك امور الدين للكنيسة والجامع والمندي والمعبد، وتربية ابناء الوطن على اساس الانتماء المشترك والمتساوي اليه. ولتكن المدرسة هي البوتقة التي تصهر الجميع في حالة وطنية، تمكنهم من ان يعيشوا معا بسلام واحترام.

ونقضا لما افتى به بعض رجال الدين، كانت ردود فعل الكثير من الاخوة المسلمين العراقيين من السنة والشيعة، مستنكرة ومنددة لمثل هذه الفتاوي القاتلة فالف تحية لهم ولمواقفهم الوطنية الصحيحة.

ايلاف

 

المسيحيين مطالبون دوما باعلان الولاء

 

 

حال مسيحيي الشرق، لا تسر، فحتى الوصف أحيانا يصعب على المرء، لأنه سيصاب بالعجز عن وصف حالهم.

تعالوا نمر سريعا على السنوات الثلاثة الاخيرة من حياتهم في العراق وفي مناطقهم خصوصا وفي سهل نينوى بالاخص. قبل ثلاث سنوات اجتاحت عصابات داعش الموصل وبعدها منطقة سهل نينوى، وتعرض المسيحيون الى انتهاك فضيع، فبالإضافة الى انه تم تجريدهم من كل ممتلكاتهم المنقولة، وتمت مصادرة ممتلكاتهم الغير المنقولة مثل الاراضي ودور السكن ومواقع العمل. فان بعض نساءهم تعرضن للسبي وسجن الكثير من رجالهم وفرض الاسلام على اخرين. من قام بذلك، انها عصابات داعش، ولكن ممن تتكون هذه العصابات، لقد كانت مع الاسف من ابناء المسلمين من نفس المناطق. المسيحيون هربوا واحتموا باقليم كوردستان كاخر ملاذ لهم في العراق، بعدما تم تحجيم وجودهم في بغداد والبصرة والانبار، ولحقت بها الموصل وسهل نينوى. ولازال الكثير منهم يتملكهم الخوف من العودة الى املاكهم، وبيوتهم. الكثير منهم لم ينظر الى وراءه، فاخذ طريق سابقيه وخرج الى المهاجر لا يلوي على شئ.

تم طرد داعش، وعاد الكثيرين من العرب الى مناطقهم، ومع الاسف الكثير من الدواعش ومعهم ايضا، كما يقال من سبوهم من الازيديات والمسيحييات نساء واطفالا، وانبرى الكثيرين للدفاع عن الدواعش، على انهم تحت ظل الخوف والرعب انضموا الى الدواعش، وعلى الدولة والمجتمع عن يرأف بهم، ويحاول ان يتفهم ظروفهم. اما الضحية فعليها السكوت لاجل تحقيق المصالحة الوطنية. ولكن السكوت ليس المطلب الوحيد،بل ان تتقبل التغييرات الجديدة. فبعد الدواعش اتت اطراف اخرى، تحمل نفس الايديولوجية الدينية، ونفس التوجهات ونفس القوانين، وان كانت باسم مذهب اخر. لا اعلم ماذا سيتغيير عند المسيحي، لو كان مضطهده شيعيا حشديا عن من كان داعشيا. ان كان داعش قد دفعهم الى ترك المنطقة او دفع الجزية مع محاولة فرض الاسلمة ولو بالقوة احيانا. فان الحشدي مع الاسف وباسم انقاذ الوطن الذي باعه بعضهم، يحاولون ان يفرضوا ابناء مذهبهم، الشبك الشيعة كاوصياء على كل مناطق المسيحيين، ليس كاخوة متساويين كما طالب المسيحيون مرارا ، بل كاوصياء على الجميع الناس والارض.

بالامس وبطريقة غير مباشرة كان البعض يهدد المسيحيين، ويتهمهم بالعنصرية، لاي شئ؟ لانهم حاولوا ان يطرحوا معاناتهم. فعيب على المسيحي ان يطرح اي معاناة، ان مجرد بقاءه حيا، كافي، ليقدم شكره وامتنانه لمن تركه حيا. على المسيحي ان يتقبل وبكل رحابة صدر، ان ياتي اي مسلم وباي حجة ويسكن بيته او غرفة في بيته، والا فرفضه ذلك معناه انه ناكر جميل من حرره من داعش. ولم يقل احد ومن اتى بداعش، ومن فسح لهم المجال ومنح لهم الاسلحة، الم تكن الحكومة التي يسيرها نفس المكون؟ على المسيحي ان لا ينطق حينما يرى بان الشيعي الحشدي يحاول ان يستولي على ممتلكاته، انه نكران للجميل واي جميل؟ وعلى المسيحي الصمت والا فهو عنصري.

تعرض الطلبة المسيحيون في جامعة الموصل ومنذ سنوات عدة الى التهديد والوعيد وفرض القيم الاسلامية عليهم، ووصل الامر الى اغتيال عدد منهم، لا بل هوجمت سيارات النقل الخاصة بهم وقتل من قتل واصيب من اصيب منهم. ولذا طالبوا بفتح جامعة خاصة بهم. على الاقل لحمايتهم وليتمكنوا من ان يستكملوا تعليمهم، وبدأت الاستعدادات وتمت المباشرة في التعليم، في جامعة الحمدانية. وتم تهجير الجامعة ضمن ما هجر من اهالي سهل نينوى، وقامت الكنائس بدورها الكبير في توفير اغلب ان لم نقل كل احتياجات جامعة الحمدانية المتنقلة قسرا الى اربيل، وكل احتياجات الطلبة، وبدون ان تفرق بين الطلبة بسبب الدين او القومية. واليوم عادت هذه الجامعة الى موقعها، وتم تنسيب بعض الطلبة المسلمين من الجنوب اليها. ولكن المنطقة منكوبة، ولا تتوفر فيها كل مستلزمات اسكان اهلها فكيف باسكان الطلبة. ورغم ذلك تم توفير مسكن للطالبات وبعد جهد تم توفير اماكن ايضا للطلبة. من هذه الازمة خرجت صرخات الاخوة الشيعة متهمة المسيحيين بالعنصرية وبانهم لا يريدون ايواء الطلبة في مناطقهم. وبدلا من توجيه الاتهامات الى الحكومة التي لم توفر مستلزمات ايواء الطلبة الذين وزعتهم مركزيا، وجه اللوم إلى المسيحيين المنكوبين.

المشكلة الاخرى ان بعض الطلبة قام بالتحرش بالنساء والفتيات وجاراهم بعض منتسبي الحشد الشعبي في ذلك، وخاصة من المكون الشبكي. هنا يجب ان نعود ونقول جار المسيحي السني المتحول الى الدعشنة، سرق واعتدى وسبى المسيحي باسم الاسلام، وجار المسيحي الشيعي الشبكي المحشدن، سرق املاك المسيحي وحاول الاعتداء على نساءه وبناته. لا اعلم ما الفرق بين الامرين وبين الاسلام السني والشيعي؟

من المؤكد، ان الكثيرين، يؤمنون بمبداء القوة والفرض، وانهم لا يريدون ان يتعلموا ان القوة والفرض، تولد الانفجار في النهاية، ان القوة والفرض، تفرض على الاخر اللجوء حتى الى الشيطان للتخلص من الظلم. مع ان تجاربنا الفاشلة مع القوة والفرض كثيرة ، وكل هذه التجارب، جلبت المأسي على الجميع. ان الاستقواء بالعدد وبالدين وبالمذهب لسلب الاخر، لم ولن يخلق او يبني وطنا. بل ساحة صراع تمتد كل الأيادي اليها. ان من يحاول ان يستقوى لكي يفرض ما يريد، ويأخذ ما يريد، يريد ايصال رسالة واحدة فقط، وهي ان مفهوم الوطن لديه معدوم، انه يؤمن فقط بالسلب. انه يؤمن بقانون العشائرية الذي كان يبيح السلب والقتل والثأر والسلطة للقوي. في عصر وزمن يعتبر بلده جزء من العالم وبلده ملتزم بقوانين دولية ستفرض عليه الكثير من العقوبات التي قد لا يراها ولكنها تعزل البلد وتؤثر في مستقبله. ان خالف التزاماته القانونية تجاه مواطنية.

في العراق ايها المسؤولين وايتها المرجعية، المسيحيين حائرون لمن يقدمون الولاء، فان كان للوطن، فانهم قدموه مرار وتكرار واكثر من اي مكون اخر. ولكن ان يتركوا الوطن ويقدموا الولاء والطاعة للطوائف والقوميات النابع من الرغبة في فرض القيم وصولا الى تحويل الانسان الى عبد لرغبات المنتمين الى هذه الطوائف والاحزاب والقوميات، فهو لامر مهين للكرامة الانسانية.

المسيحيون، ايها السادة، ليسوا عنصرين، بل هم وبقية المكونات الاقل عددا، كانوا الاكثر انفتاحا، وكان دورهم ملاحظا في الكثير من المجالات التي تعبر عن الرغبة في تطوير البلد، ثقافيا وعلميا واقتصاديا واجتماعيا. ولكنهم و الاخرين ايضا ورغم انفتاحهم فهم لن ولم يقبلوا يوما ان يتم التعامل معهم بمهانة، ومن خلال الفرض والاستقواء.