قومي عام

http://file:///C:/Users/user/Documents/Mloaee/%D8%A7%D9%84%D8%AA%D8%A7%D8%B1%D9%8A%D8%AE.pdf

الهدر في الجهد القومي

يا ترى كم نحن جادون في مسعانا للحفاظ على ذاتنا القومية وما يميزنا عن الاخر من لغة وتراث وتاريخ وغيرها من الصفات التي تدل على هذه الذات؟

من الصعوبة ان لم يكن من الجرم ان تبتدئ امتنا (سمها ما شئت اعتقد ان سمها ما شئت سيكون اسمها الجديد) من الصفر مع كل كاتب او مفكر او شاعر او معلم الب بيت او قومي همام جديد ، انه حالنا المؤسف. ان يعمل البعض من اجل اللغة وتطويرها ونشرها، وعند محاولة التطبيق ياتي البعض ويطالب بوضع اشتراطات تلغي كل انجازات العمل وتحوله الى هباء منثورا كما حدث بعد منح الحقوق الثقافية للناطقين بالسريانية وبعد تطبيق التعليم بالسريانية في اقليم كوردستان. يا ترى كم لجنة لغة ومركز لنشر اللغة  ومجمع لغوي تم اقامته وذهبت توصياته ادراج الرياح، رياح الطائفية والرغبة في تعريبنا . يا ترى هل نحن جادون ام نحاول ان نقف في طريق من يتعلم هذه اللغة؟ اني اجده من المعيب ومن نكران جهد ونكران الذات ايضا، الغاء كل الجهد الذي بذل في اورميا (ايران من قبل اللجنة الادبية للشبيبة الاشورية) وما بذل من قبل النادي الثقافي الاثوري المركز العام في بغداد، وما بذل منذ تطبيق التعليم بالسريانية في اقليم كوردستان، والعمل مرة اخرى من الصفر، لان البعض قد صحى متاخرا وادرك اهمية اللغة، انه هدر في جهد الامة، اي نعم لا بد من التطوير، ولكن لا للبدئ من الصفر. ان لهجة اورمي ولهجة التياري ولهجة صبنا والقوش وعنكاوا وشقلاوة وبغديدا وطورعابدين، هي لهجات من لغة واحدة، وفي الاخذ باللغة يتم اخذ الانتشار، والرغبة في التعلم، ومدى النشر، وقد كان للهجة اورمي وسلامس الاسبقية في النشر، ولكن بمرور الزمن تم تطعيمها بما في اللهجات الاخرى من كلمات اصيلة، ومن مرادفات ضرورية، ومن تصريفات زمنية وسيستمر هذا التطعيم والتطوير ان بقت لغتنا لغة التعليم.  ان لغتنا لغة حية لانه يتكلمها اناس كثر ويتفاهموا بها، بعكس من ينادي للعودة الى اللغة المسماة الادبية او العتيقة، والتي لا نستعمل تصاريفها مطلقا، وكذلك بعض مفراداتها والتي يتواجد مثيل لها في اللغة المحكية، وكمثال ما الداعي لاستعمال كلمة اوي  ܐܒܼܝ بدلا من بابي  ܒܒܝ ما الداعي لاستعمال تصرف اتقطل  ܐܬܩܛܠ بدلا من بشله قطيلا ܦܫܠܗ ܩܛܝܠܐ وهو المستعمل ويفي بالغرض ولا ينقص من جمال اللغة، ومرة اخرى ان اللغة الادبية او العتيقة ستبقى الخزين للغتنا الحية حين حاجتنا لتصريفات وتسميات حديثة. هناك معارك ليس لها من داعي وسبب، لانها سابقة على زمنها، فكل شئ سيأتي رويدا رويد، سيأتي يوم سيكون هناك ابحاث حول كل لهجات شعبنا، لانه امر ضروري واغناء لثقافتنا وتعزيز لوجودنا (التقيت واستعمت لاثنين من البحاثة الاسرائيليين ممن يبحثون في بعض لهجات شعبنا، يا ترى اذا كان لاسرائيليين اباءهم او اجدادهم تكلموا لغتنا هذه الرغبة اذا كم سيكون لدى ابناء شعبنا) . وسيكون تعلم لهجة ما بحد ذاته امر جميل وفيه الكثر من الرغبة في وحدة الاجزاء المختلفة. ومن المعارك المسبقة والتي لا معنى لها توحيد الخط الذي لا داعي له، فلنا ثلاثة خطوط، السطرنجيلي او الموحد والشرقي والغربي، ويمكن تعلمها بسهولة، لا بل يمكن توزيع تعلمها حسب المراحل، كان يتعلم المشرقيون الخط الغربي وبعض التصريفات الغربية وصورة الحركات بعد الصف الثالث المتوسط مثلا، ويقوم الغربيون بتعلم الخط الشرقي وبعض التصريفات الغير الموجودة في الغربي وصورة الحركات بعد المرحلة التاسعة، ويكون تعلم احد الخطين والخط الاسطرنجيلي ملزما للطرفين منذ البدء. يبقى الاجتهاد في تغيير الحرف اصلا واللجوء الى الحرف اللاتيني، باعتقادي ان الجهد الذي يؤخذ في تعلم المعنى الجديد لكل حرف لا تيني قد يساوي الجهد المبذول لتعلم الحرف السرياني (الخط) ، الا انه في المسائل الحديثة من الكومبيوتر وغيرها من الاجهزة قد يكون من الصعوبة استعمال حرف يتجه من اليمين الى اليسار، رغم اننا نستعمل العربية في ذلك. من هنا ومع اخذ تجربة بني اسرائيل اليهود في الشتات في موضع الاعتبار، نرى ان الاهتمام باللغة يجب ان يكون جهدا جماعيا، وان لا يكون ضحية الانقسامات التسموية والطائفية وحتى الحزبية، اي نعم ايها السادة في بعض الاحيان كان ضحية للانقسامات الحزبية ايضا.

 

عودة الحياة

 

عندما كنت أمر بقرب من القرى القريبة من الزاب ونحن نقطع المسافة بين قرية هيس ومركيجيا، إلى المقرات التي كانت تقع على الزاب الأعلى. كنت أتسأل مع نفسي يا رب هل سيأتي يوما ويعود أهالي هذه القرى المتناثرة على على هذه المساحة؟

كانت (مالخثا) هي الموقع الدائم لاستراحتنا. ومن مالخثا كنا نرنو بأبصارنا تجاه قمة سريزر العالية والتي تكاد تسيطر على كل المواقع، كانت قمة استراتيجية سيطر عليها جيش النظام ومن هناك كان يهدد مناطق واسعة.

كانت القرى التي نمر بها والحقيقة هي آثار لقرى مندرسة، لأن أهلها نزحوا عنها منذ بداية الستينات من القرن الماضي. فعامل الزمن وعوامل اخرى كثيرة  عملت عملها لهدم دورها وتدمير بساتينها. أقول، كان هذا التساؤل دائم الأطلال والحضور في كل رحلة الذهاب إلى مهمة أو العودة منها. كانت قرى عين ننوني ودوري ومركيجيا وهيس وموسكا وتوتي شمايي وجديدة وتاشش وباز وكاني بلاف من منطقة برواري بالا، تدب فيها الحياة بشكل خجول.  أي كان يسكنها بعض الأفراد. ولكن قرى مالخثا وخوارا وبوتارا واقري وسردشتي وبيت بالوك وايت وبيت شميايي، ساكتة فلا بساتينها عامرة ولا تنانيرها حامية ولا كوانينها (من كانونا) ساخنة ولا بيادرها صاخبة ولا كنائسها مهلهلة لمجد الرب كما كانت في خوالي الأيام.

قبل أيام بثت قناة عشتار الرائدة ريبورتاجا نقلنا من القنوط واليأس، إلى مرحلة ارتسمت على وجوهنا البسمة.  فها هو مرة اخري دبيب الحياة يدب في ما كنا نعتقده زال والميت لا تدب فيه الحياة. بكل صمت منذ اشهر عدة، هناك حركة دؤوبة وشجاعة عالية وتصميم بارز على ان يقول العمل ها أنا ذا أمامكم شامخا حقيقيا صلبا ناطقا بالوجود الجديد وجود حي يتطلع للمستقبل. نحن هنا للعمل الحقيقي، فالدور تشيد والكنائس تعمر وبشرط ان يسكنها أهلها من الذين هجروا منها. لتتواصل حلقة القرى من الزاب إلى الخابور، في شريط جميل ومتناسق يزرع الأمل ويبني المستقبل ويعيد للمنطقة وجهها الحقيقي الملون بأناسها وبساتينها وإمكانيه أبناؤها، للإبداع والتطور وللمنافسة في جلب كل جديدٍ، ليحول المنطقة ليس فقط إلى اشهر منطقة للتفاح اللذيذ بل لكل ما يمكن ان يجعل حياة سكانها اكثر غناً واكثر استقرارا واقل معاناةً.

ستجري السواقي بسواعد أبناء القرى وستعم كهربة القرى مما سيسهل الحياة كثيرا. ولن تكون القرى منعزلة باردة في الشتاء القارص. بل ستكون هذه القرى عرائس مكللة بالأبيض الناصع، الذي لن يكون عقبة بعد اليوم لأن، الطرق ستكون مسلوكة. سيكون الأبيض الناصع، سببا لمزيد من الثراء، فالناس أنواع منها من يحب الثلج ومنها من يحب البحر. وثلجنا سيكون سببا لجلب من يود ان يلعب وان يلهو فيه ويتزلج وان ينعم بهدوء المنطقة. فإنساننا المبدع عودّنا على انه قادر على صنع العجائب فقط أتركوه حرا، وطمأنه انه محمي بقانون واحد مع الكل، فسترون الأبداع الحقيقي.

أليس من حقنا أن نفرح بعد كل هذه السنين العجاف. وأية فرحة وأنها الفرحة الحقيقية، التي تتجاوز كل ما قيل وما بث كشعارات للاستهلاك وذر الرماد، فكل ما كنا نتمناه من عملنا هو ضمان حقوقنا كشعب وكمواطنين، وأعاده إعمار قرانا وعودة أبناء شعبنا إلى الجذور. وقد خسرنا في تحقيقه الكثير، جراء رغبة البعض للاستحواذ على قرارنا السياسي . وها هو الان يتحقق بثبات. نعم الجذور التي بفقدها تناثرنا في كل أزجاء العالم، اليوم ها هي الأيادي الطيبة تبعث الحرارة فيها . وها هي تمتد لتتفرع ولتقوى ولترتفع أغصان الثبات والاستقرار. لتنتشر ظلال المحبة والفرح لتجلب النسيم العذب أيام القيض في عز تموز.

إنها الخطوة الأهم منذ سنوات، إنها الخطوة التي كنا نعتقد إنها قد تكون من المستحيلات، أو صورت كذلك، لكي لا يتم التحدث عنها، ولكي لا تدرج كمطالب قومية وينكشف المستور. ولكن أليس من حقنا ان نطرح تساؤلا منطقيا وهو لماذا كل هذا السكوت المريب. أليس من حقنا ان نقول السكوت المريب. نعم انه حقنا، لان العمل المنجز يتخطى كثيرا ما جال في خيال البعض وما روجه البعض. اليوم كردستان العراق تفتح ذراعيها لأبنائها الذين رحلوا عنها قسرا وفي ظروف عصيبة. إذ كذب الذين يدعون ان الأخوة الأكراد أعداءنا فنحن شعبان حقا، ولكن يجب ان نتعايش. وكل ألأيادي الآن ممدودة لكي تحقق عودة الحياة إلي الجذور. وها هو الدليل أمامكم ساطعا شامخا.  ولا نقول اكتفوا لا بل زيدوا ونقول لأبناء شعبنا عودوا ولكن بتخطيط وبالتعاون مع اللجان المشكلة لغرض بناء وتطوير القرى. ففي القرى ستدرسون لغتكم وتتوفر فيها اغلب المتطلبات العصرية،. ناهيك عن النظافة والجو الصحي. كما ان المنطقة تبشر بالخير فالأمان مستتب والآمال الاقتصادية تبشر بألف خير. إذا علينا ان نسمع صوت العقل ونحدد خيارنا على أساسه، وكفانا الهرولة خلف المزايدين.

أليست هذه الخطوة تكملة لخطوة حقيقية نحن بحاجة ماسة لها. إلا وهي خطوة استحداث محافظة إدارية مشتركة تضمنا نحن الكلدان الاشوريين السريان مع إخوتنا من الشك والازيدية. ن هذه المكونات الثلاثة يمكن لها ان تتعايش وان تقيم منطقة عامرة ومنتجة.  أي يمكن لهذه المنطقة ان تتطور بفعل ان أبناءها معروف عنهم الجد والإبداع والقدرة على هضم التطورات الثقافية والعلمية.  وان ربط هذه المنطقة الإدارية بإقليم كردستان العراق سيحقق التواصل التام مع أبناء شعبنا في محافظات دهوك واربيل إداريا وتنمويا وتعليميا ،ولا نقول اجتماعيا لان كل العراق مرتبط اجتماعيا ولا تقسمه أي حدود. هنا أود ان اسجل شكري وتقديري لهذا الجهد الرائع، هذا الجهد القومي والوطني والإنساني، لكل من شارك في تحقيق هذا الحلم الجميل أدارة وتمويلا وتنفيذا. اسجل لهم عظيم امتناننا نحن من عملنا سنوات طويلة لأخل ان نرى قرانا عامرة وشعبنا يرفل بالسلام والهدوء والاستقرار.

بالطبع ان هذا العمل بحاجة إلى عمل اخز، إلا وهو عمل قانوني، حيث يجب ان تعمل كل السواعد الخيرة من اجل إقرار وحدة شعبناو قرارا واضحا بحقوقه وإقرارا واضحا بالغبن الذي تعرض له، وإقرارا واضحا بعمقه التاريخي والحضاري، وهذه ألأمور يجب ان تقر وتشرعن في بغداد وهي من صلب عمل السياسيين.

شباط 2006

 

 


كلهم يمتلكون  الأكثريةإلا أنا

أبان مرحلة الكفاح ضد النظام البعث الفاشي. كانت تعقد لقاءات بين أطراف المعارضة حينها، بغية إقامة جبهات عراقية لإسقاط النظام. وكان من العقد التي يواجهوها إصرار البعثيين العراقيين الموالين لسوريا، على انهم ألأكثرية، ويملكون مليوني عضو في العراق. وعلى هذا الأساس كانوا يطالبون بزعامة المعارضة. بالطبع انهم كانوا يحسبون كل من هو بعثي وان كان من مؤيدي صدام، سيلتحق بهم حالما يتم القضاء على بعض رموز السلطة القائمة. ولم يسألوا أنفسهم ان كان البعثيون العراقيون حقا بعثيين، أم انهم التحقوا بالحزب ليضمنوا مستقبلهم ومستقبل عوائلهم. فهذا الامر لم يهم البعثيين الموالين لسوريا. فمعارضتهم لنظام لم تكن على أساس نهج مختلف بل على أساس قيادة مختلفة.

أما الإسلاميون فيطرحون شعار تطبيق الشريعة الإسلامية أو عدم مخالفة القوانين للشريعة وهو وجه اخز لتطبيق هذه الشريعة. وحجتهم إنهم أكثرية الشعب العراقي ويحق لهم ذلك. طبعا انهم كمسلمين اكثريه، ولهم الحق في القول ان المسلمين اكثريه. ولكن السؤال هو هل ان الأكثرية من هذه الأكثرية من المسلمين تريد تطبيق الشريعة أم لا؟، والسؤال الذي يليه أي نوع من الشريعة، هل الشريعة التي تعتمد على تفسيرات حنفية أم ابن حنبل أم ابن مالك أم الشافعي أم الشريعة المعتمدة على التفسير الشيعي ألأثنى عشري للشريعة؟  أما تعارض الشريعة مع حقوق الإنسان فلا احد تحدث بها مطلقا وكأن الشريعة، والإعلان العالمي لحقوق الإنسان صنوان.

يطرح العروبيون (لا زال البعض يتبع هذه الأيديولوجية رغم كل ما حدث وبلا خجل) إنهم اكثريه أهل العراق.  ولذا فهم الذين يحددون وجه الحضاري (هل يمكنكم تخمين لون هذا الوجه). وان العراق على هذا الأساس، هو جزء من الأمة العربية ذات الرسالة الخالدة (برسالة خالدة انتجت أمثال صدام وعفلق فكيف بدون رسالة خالدة؟) وعلى أساس اكثريتهم ،سيعملون لتحقيق الوحدة العربية. لكي تقارع أوكار الصهيونية والاستعمار والإمبريالية. وهات يا حروب بدون نهاية وهات هزائم تتلو هزائم ولكنها في الأعلام تتحول بقدرة قادر إلي انتصارات مدوية تهز عروش وكروش الأعداء.

يطرح الأخوة المؤمنين بأصالتهم الكلدانية اي من صلب نبوخذنصر ونبو بلاسر وبلشاصر، انهم يشكلون 80% من الشعب (المسيحي) في العراق، ولذا يحق لهم أن يستأثروا بهذه النسبة مما يمنح للمسيحيين من المناصب. كما انه على أساس هذه النسبة يجب ان يسبق اسمهم، اسم الاشوريين لو قبلنا ان ندرج الأسماء الثلاثة كتسمية لشعبنا، والأفضل مع واوات ويإ حبذا لو ادرج اسم التركمان كفاصل بين الكلدان والأشوريين، يليهم السريان والارمن.  ولم يقدم لنا احد، متى عملوا كل هذه الإحصاءات. وهل كل من يقول انه كلداني يؤيدهم في ما يطرحون؟  أليس من المعقول وجود كلدان يؤمنون انهم أشوريي القومية كلداني المذهب؟ هذا كمثال وليس لإشعال حرب الردود.

تطرح بعض الأحزاب الأشورية نفسها كممثلة لاكتريه الشعب الأشوري الأصيل، من صلب أشور بانيبال وسركون الاكدي وحمورابي. والحقيقة انأ  شخصيا لا ادري هل انأ من صلب احد هؤلاء أو من صلب فلاح من فلاحي بستان احد هؤلاء. أقول يقولون انهم يمثلون حقيقة الشعب واكتريته، كما يمثلون أصالتة التي يحاول البعض تشويهها بالقبول بأسماء قطارية، ولذا فالمفروض بالجمعية الوطنية العراقية ان تأخذ بكلمتهم ورأيهم وتدرج اسم الاشوريين فقط لأنة الأصح والأكثر أصالة، وتجري في عروقهم الدماء الزرقاء.

أما الأخوة السريان فيقولون انهم يمثلون الأكثرية الساكتة التي ترغب بالوحدة تحت تسمية سوراي لأنها معهم منذ اكثر من القي عام. وعلى أساس تمثليهم الصامتون من القول والصراخ فيفضلون إدراج اسم السورايي في الدستور القادم ولتلافي كل الإشكالات التسمية القطارية (هذه القطارية ليست من إنتاجي ولكنني استعرتها من الأخوة الاشوريين الذين لا يقبلون إلا بآشوريتهم).

أما أنا المسكين فلم اشعر ابداً إنني من أي من هذه الأكثريات، دائما يتم إشعاري بانني من الأقليات المسحوقة (أو الكادحة أو المستضعفة) والتي لا يحق لها ان ترفع صوتها. والمشكلة الاكبر نحن كلنا نحتسب من الاقليات المزعجة للاكثريات بمطالبنا.

22 حزيران 2006

 

لنحطم معابد الكذب والخداع الذاتي 

قد تكون الحقيقة مطلوبة لذاتها، وقد يقال ان الحقيقة يجب ان تقال برغم النتائج التي سوف تتبعها. ولكن السياسة لا تتعامل مع الحقائق، بل تتعامل في اغلب الاحيان مع موازين القوى. اي ان السياسة لا تعترف بالعدالة المطلقة، لأنها لا تتعامل مع جرم، بل مع حالة ينظر فيها كل انسان او مجموعة إنسانية الى العدالة والحق من منظار مختلف. وبالتالي فان السياسة لا تقول الحقيقة بل ما يراه السياسي من خلال منظاره للحقيقة.

يضطر الإنسان احيانا لكي يطرح اراء قد لا تكون شعبية. اي يمكن النظر إليها على إنها معادية او مساومة للحق الطبيعي. القارئ يحكم على ما يقرا من معلوماته التي امتلكها من خلال وسائل الإعلام التابعة لشعبنا. وهو اي القارئ توجهه نياته الحسنة واعتقاده الراسخ بأن ما يمتلكه من المعلومات صحيح لا غبار عليه. ولكن الكاتب قد يمتلك مصادر معلومات اخرى اكثر صدقية، يمكن من خلالها ان يطرح آراء غير مستحبة أو ان القراء يعتبروها استسلامية أو مساومة أو انهزامية. مشكلة بعض المعلومات إنها ان قيلت قد تثير أمور كثيرة يصعب تصديق تأثيراتها او تثير يأسا وقنوطا غير مبررين ولذا فالكاتب يحاول الالتفاف وقول ما يريد قوله مواربة.

من خلال كتاباتي التي انشرها أنتقد اطراف في شعبنا الآشوري وسلبيتهم اوتضخيم دور شعبنا.  وانتقد بعض الاراء التي اعتقد إنها تحاول بيع الوهم للشعب اكثر مما تحاول إيحاد العلاج للحالة او الوضع الذي يعيشه. فأنا أولاً أؤمن بأنني آشوري وأرى هذه التسمية الأفضل والأنسب لتطلق على شعبنا بكل مسمياته الأخرى. فالأشوري يعتقد بسهولة ان ابن تلكيف والقوش وبرطلة وشقلاوة وطور عابدين وأورمي وسلامس هم آشوريون. ولغتهم هي لغته، وتاريخهم هو تاريخه. اي انه انسان متوازن مع نفسه وادعائه. بالمقابل ان الكلداني سيجد في الأمد البعيد صعوبة في فصل الكلداني عن الأشوري، قد تصل هذه الصعوبة الى رفض الكثير من الكلدان. لان الكلدان والأشوريين يمتلكون  نفس المقومات القومية بالحقيقة. وهي التاريخ واللغة والارض. وما ينطبق على الكلدان ينطبق على الجزء السرياني. ما يتصف به المؤمنون بالكلدانية والسريانية كمكونات لا علاقة لهم بالاشوريين او احدهم بالاخر. انهم اقصائيين، يجزؤون الشعب ويعملون فيه مشرحتهم وحسب رغبتهم. انهم سيجدون صعوبة بعد ان تذهب سكرة هذا الاندفاع الكلداني في ان يتم قبول ابن منطقة الصبنة مثلا او ان يتقبلوا بوجود كلدان لهم ابناء عم من الاشوريين. صحيح  ان الانتماء القومي يعتمد على مشيئة، إلا ان المشيئة لا تذهب الى استحداث امة بنفس خواص الامة الاخرى ولكن مغايرة لها بالاسم فقط او المذهب الديني.

ان معاناة الكلدان من الاشوريين او لنقلها صراحة، من نهم السيد يونادم كنا وحزبه الذي لا يشبع للمناصب والمواقع والتي لهفها لنفسه ومحازبيه. لا يعني ان الاشوريين أعداءهم، لان ما يخلق العداء هو هذه الحالة المتشنجة التي تم حشرنا فيها. ويؤسفني ان البعض يحاول تبرير اختلاف الكلدان عن الاشوريين كما اختلفت الباكستان عن الهند أو بنغلادش عن باكستان.  وهي مقارنة خاطئة جدا، ففي الحالة الاولى تم استحداث دولة على اساس ديني بحت. وفي الحالة الثانية بعد ان وجد البنغال انهم مضطهدين من إخوتهم بالدين أي مسلمي باكستان الغربية فضلوا الانسلاخ وتأسيس دولة على اساس قومي بنغالي. اي ان البنغالية كانت موجودة ثقافة ولغة وهي تختلف عن الاوردو واهل السند والقبائل الشمالية في باكستان الغربية.

ولكن من جانب اخر هذا لا يعني وبما انني اؤمن ان الآشورية هي افضل تسمية لشعبنا الموحد. أن اتغاضى عن أخطأنا لا بل خطايانا كأشوريين، بحق انفسنا وبحق ابناء شعبنا ممن يقولون انهم كلدان او سريان.  وهذا  ايضا ليس صك براءة الذمة لمن يؤمن انه كلداني او سرياني.

لو كان وضعنا عال العال لما كان حالنا بهذا الحال، ولما ملأنا الدنيا صراخا وعويلا.  هنالك مشاكل حقيقية يجب ان تعالج، وهذه المعالجة لا تحدث بالذهاب الى اقصى اليسار او اقصى اليمن اي خلق اسباب موضوعية لعدم الالتقاء.

في التعصب لتسمية ومن كثرة التعصب لها يتم  تشويهها. ان ما يقوم به بعض الاشوريين ما هو الا زرع المزيد من الاحقاد ليس الا، فكل ما يعرف لا يقال وبعضهم لا يعرف شيئا، ولكن الله مَنَّ عليه بوسيلة فيستغلها أبشع استغلال. وشعبنا صار مختبر جرذان كل يجرب عليه تسمية او يطرح عليه حلول سحرية ويعده انه بالاصرار على تسمية ما فانه من الغالبين. وكأن الغلبة والفوز في تسمية وليست في برامج طموحة وممكنة التنفيذ وتستند على حقائق الواقع وليس على الخيال.

في الواقع المزري الراهن الذي وصل اليه شعبنا (بكل تسمياته). انه ليس بحاجة للنفخ في قربة مزروفة اسمها الامبراطوريات العظيمة او نصيبين واورهي.  فهذه لن تبني لنا صرحا ولا تضع لنا مادة في الدستور ولا تنتخب لنا ممثلا في البرلمان. ولن توفر وظائف واعمال لأبناء شعبنا. ان هذا الواقع المزري بحاجة الى الطرق باقوى ما يمكن على بياعي الاحلام الوردية. على من ظل يكذب ولا يزال يكذب بانجازات وهمية، من اي طرف كان.  ان التغني بالامجاد ليست مهنة كاتب يكتب في الشأن السياسي. بل هي مهنة شاعر او دجال يريد الهاء الناس عن واقعهم. ان التغني بالماضي وامجاده هو مخدر يرينا الدنيا باحلى صورها. وفي الواقع انها كالحة السواد.

ان لم تعمل مطرقة النقد، والنقد الذي يجب ان يصل الى جلد الذات احيانا، وتدخل هذه المطرقة المباركة في كل خلايا وتلافيف أدمغتنا وتهز كل هلوساتنا وبطولاتنا الوهمية وتعيدنا عراة مبينة كل عيوبنا وكاشفة كل عوراتنا، فلن نتمكن من البناء. وقد قال المثل الفرنسي ان اول خطو للبناء، الاعتراف بالاخطاء. ولتحديد بعض المواقع والأمور التي يجب أن يتم اشباعها نقداً وتوبيخاً وفضحاً ومن ثم ادراج خطوات الواجب اتخاذها لاصلاح الواقع الذاتي. لكي نتمكن من ان نكون مؤثرين في الواقع الموضوعي هنا بعض المؤسسات والطروحات الواجب وضعها تحت مطرقة النقد.

الكنيسة

وعندما نقول الكنيسة فنحن نعنيها بكل أجزاءها. فالمؤسسة مترهلة لا حياة فيها، وان ظهر بصيص نور من مكان ما، سرعان ما يتم إطفائه لصالح الجمود والافكار البالية التي لا تتماشي مع العصر ومتطلباته واسلوب ايصال الرسالة فيه.  ان الخوف الذي بداء يدب في أوصال كنيسة (المشرق بكل تفرعاتها، وانطاكيا بكل تفرعاتها) من الوافدين الجدد،  يظهر كم ان كنيستنا متقوقعة على نفسها، تاركة لرسالتها في ايصال البشارة الى كل انسان. ان الكنيسة تحاول وحاولت ان تخلق في انساننا، الانسان الخنوع الذليل الراضي بواقعه والمستكين على الامه، بحجة انتظار الفرج الاتي في السماء. فالكنيسة وهي تحمل واجب ايصال هذه البشارة العظيمة، كان يجب ان تخلق وان تبني هذا الانسان الجدير بحملها والتبشير بها، انسان صاحب عنفوان محب لحريته ويصون كرامته لان الحرية والكرامة الانسانية من الله. كنيسة برغم إدراكها ان واقعها مزري إلا إنها لا تقدم على خطوات اساسية لاصلاح ذاتها وإعادة لحمة وحدتها، بحجج ما عاد احد يهتم بها.

الاحزاب السياسية

لم تكن السياسة في يوم من الايام عملية بيع الاوهام. بل السياسة هي الدرب الذي يوصلنا لإدارة أمورنا بأفضل الوسائل وبأقل الخسائر. ونتائج مسودة الدستور واضحة العيان. فهل تقدم احد وتسأل ما كان في جعبة الاحزاب، لكي تقدمه نظريا وعمليا. ان التباكي بعد ان سال اللبن لن يجدي نفعا. وان محاولة وضع اللوم على الاخرين لم يعد مبررا. فكلنا كنا نعلم المصير، ولكننا سرناه باصرار عجيب. فأين معول من يحفر لتبيان الاسباب الحقيقية لهذا الواقع. وهنا لن ينفع معنا النفخ في بوق الايديولوجيا بل اين وضعنا المنفعة العليا، وهل كان لنا تصور واضح لهذه المنفعة؟

المؤسسات القومية

ان اغلب هذه المؤسسات يقف خلفها أناس مقتدرون في فعل ما. ولكن من هو مقتدر في فعل ما من ابناء شعبنا، يعتقد انه يملك ناصية كل العلوم والمعارف. فتتخبط هذه المؤسسات لا في حزبية مقيتة بل في فردية مدمرة. فاصحاب المؤسسات يمتلكونها ويديرونها على هواهم، ولم يتعلموا من تجارب تقع في بلدانهم، من مؤسسات للشعوب الأخرى.

الطرح الايديولوجي

تستشري بين ابناء شعبنا كل الافكار التي تجعله بعيدا عن واقعه الحقيقي. تستشري فيه كل الاراء التكفيرية والتحقيرية للاخر والمخونة له.  لانها ببساطة بضاعة العاجز. فالآشوريون يخونون الكلدان والعكس صحيح، والآشوريون يخونون بعضهم البعض، ولم نجد يوما جلسات الحوار المتحضر لطرح اشكالات الواقع وسبل حلها. فكل واحد يعتقد انه يحمل الحل السحري، وما على الأخرين، الا اتباعه ودون مسألة لكي لا يتم التشويش على أفكاره. وهنا لا مجال للحوار بل يطلب منا ان نكون رعية في ابرشية كاهن يدعي العصمة، وليس في رحاب السياسة وتلاوينها وتعدد اساليبها.

الوحدة

بمجرد طرح هذا الشعار نعتقد ان جل مشاكلنا سوف يتم حلها. ولكن الحقيقة ان الوحدة مصطلح ملتبس يجب ان يوضح، هل الوحدة هي اطاعة امر واحد، ام الوحدة هي اجتماع ارادات حرة. لانجاز اهداف معلومة، ويتم تحديدها وتحديد مسار الانجازات بالحوار. لان السياسة هي اولا واخيرا تحقيق مصالح. المطروح من قبل أغلب منظرينا هو الوصف الاول، وهو الوصف الذي يلتقي مع الكنيسة في خلق انسان عبد وليس انسانا حرا. وبلا انسان حر لا تنتظروا امة وشعب حر.

5 تشرين الاول 2005

 

وحدة القرار الآشوري باتت ضرورة ملحة

 

خلال استضافتها، من قبل برلمان بلادها لمحت وزيرة خارجية السويد السيدة ماركوت فالستروم الى تأيدها إقامة دولة كوردستان. ونحن نقول، ان الكورد كاي شعب اخر على وجه هذه المعمورة يستحقون دولتهم الخاصة. وخصوصا انهم اثبتوا شعورا عاليا بالمسؤولية، من خلال مشاركتهم في تحالفات دولية سواء بشكل مباشر كما هو قائم الان لمحاربة القوى الإرهابية. او بشكل غير مباشر حين تم إسقاط احدى أعتى قلاع الدكتاتورية في المنطقة والمتمثلة بنظام صدام حسين. او من خلال تمكنهم السباحة بنجاح في بحر السياسة المتلاطم في المنطقة.

ولكن تأييدنا لهذا الحق الطبيعي والمقر من قبل الامم المتحدة، من خلال اقرارها بحق الشعوب في تقرير مصيرها. يجب ان لا ينسينا ان اقامة مثل هذه الدولة سيكون عاملا سلبيا في نظر شعوب اخرى تشارك الكورد، العيش في المنطقة ومنها شعوب تسبق الكورد في الاقامة وتاسيس وجود حضاري فاعل وكبير مثل الاشوريين والارمن. لو لم يتم اتخاذ اجراءات سريعة وحقيقية لطمأنتهم وضمان مشاركتهم في القرار السياسي. ليس من خلال دمى سياسية. بل من خلال ممثلين حقيقين لهذه الأطراف، ليتم التأكد من إقرار الضمانات المطلوبة قانونيا وسياسيا واجتماعيا واداريا.

ولكن وفي خضم التعدد السياسي للاشوريين خصوصا، والصراعات التي بينهم لاسباب اغلبها واهي، فان ظهور مثل هؤلاء الممثلين قد يكون صعبا ويمكن التشكيك في مصداقيتهم. ان لم يعملوا من اجل ترسيخ وحدة قرارهم السياسي وتحديد سقف معقول وملبي لطموحات الناس العاديين للمطالب القومية الموحدة.

والخوف ليس من نصيب الاشورييون والارمن فقط. بل بمكن ان يكون كورديا وخصوصا ما عانته الاقليات الكوردية من الازيدية والعلوية، على يد السنة من الكورد وبالاخص ابان عهد الامبراطورية العثمانية. وما عاناه الشيعة الكورد كبقية الشيعة من تهميش ابان تحكم السنة المباشر او غير المباشر.  صحيح ان الحكم هنا سيكون كورديا، في حالة إقامة دولة كوردستان، ولكن تجارب التاريخ وعمق الانتماء الطائفي لكل الاطراف، سيكون عاملا مهما لدفعهم للمطالبة بامور تحفظ مصالحهم وتحمي وجودهم وخصوصيتهم الدينية او المذهبية. من هنا فان إقامة الدولة ليس شعارا يطلق، بل ان تاييد هذا الشعار يتطلب خطوات من الطرفين الكورد والمكونات الاخرى. ولذا من المفترض ان يتم دفع كل المكونات لكي تلتف حول المطلب وتدعمه وتسوقه في المنظمات الدولية والدول الكبرى. ومن هنا يجب العمل من اجل ان لا يكون إعلان دولة كوردستان خاضعا لموازين القوى على الارض، اي الامر الواقع، كما حدث في ارتيريا او الجنوب السوداني. ولذا فالمفترض من مختلف المكونات من الاشوريين والارمن والعلويين والازيدية العمل من خلال تحالف واسع، ليس لإيقاف عجلة إقامة الدولة. بل لأجل الحفاظ على المصالح العليا لهم، من خلال دفع المجتمع للحصول على تعهدات ذات مصداقية عالية و قابلة الوثوق وملزمة قانونيا من الدولة المنوي إقامتها. لمنح المكونات كامل الحقوق، للمشاركة الفعالة في القرار والتمتع بالحريات التامة للحفاظ على خصوصايتهم وتطويرها.  لكي نتمكن  من القول، ان قطار الدولة الجديدة سيسير نحو التقدم والاستقرار.

ولكن قبل الوصول الى هذه المرحلة على القوى السياسية لهذه المكونات وبالاخص الاشوريين العمل من اجل، ان يكون خطها وخطابها السياسي من الوضوح بمكان، لكي يدرك الكل انهم عازمون على ان يكونوا اسيادا في ارضهم ولن يقبلوا بأفل من المساواة التامة في الدولة المنوي إقامتها. وهذا الخطاب ليس عنصريا وليس استسلاميا كما قد ينظر اليه بعض الاطراف من الكورد او الاشوريين، بل هو واضح ويحقق الغاية التي نصبو اليها في الحفاظ على الذات، ودولة ذات مصداقية لا تحتسب بين الدول الفاشلة. فرغم قولنا ان الكورد استحقوا احترام المجتمع الدولي. الا ان المجتمع الدولي في الحقيقة لم يتفحص الواقع الداخلي والعلاقات ما بين مكونات ابناء اقليم كوردستان كمثال مستقبلي. ولو تفحص هذا المجتمع هذه العلاقات لشاهد الخلل الكبير ولصالح احزاب متنفذة من ناحية، ومن ناحية اخرى لصالح ألإسلام السني والذي يكاد ان يسيطر على المجتمع وتوجهاته وفرض رؤياه عليه. ليس من خلال الإقناع العقلي، بل من خلال الفرض والإرهاب المعنوي وغيرها من الاساليب المرفوضة في المجتمعات ذات الصبغة التعددية، متكأ الى تحالفه القوي مع القوى المحافظة المتمثلة برؤساء العشائر (الاغوات).

ان من اسهل الامور بالطبع سطر اماني ومطالب على الورق، ولكن تحقيقها في الواقع هو الامر الاكثر صعوبة لانه يتطلب وقبل اي شئء الانتصار على الذات. وهذه موجه لقيادات التنظيمات الاشورية (الكلدانية السريانية الاشورية) في العراق وسوريا وتركيا بالاخص. بقدر توجيهه الى القيادات الفاعلة في المجتمع الكوردي. واعني الانتصار على الذات الادارك التام ان كل قائد ليس هو وحده في الساحة. وان التعنت والتمترس لن يحققا لاي منهم اي شئ. بل التقدم خطوات وليس خطوة واحدة نحو تفعيل العمل المشترك وبناء قيادة فاعلة وموحدة لطرح الخطاب المشار اليه اعلاه. اما كورديا فيجب ان يتم الادراك ان مستقبل الشعب وسلامته منوطان بالسلام الداخلي. المبني على انتشار واسع للتعليم المدني المنفتح على العلوم العصرية والثقافات المختلفة. واقلمة اظافر وقدرات رؤوساء العشائر، ومحاولتهم جعل القيم العشائرية بديلا للقانون المدني الذي يجب ان يظلل الجميع.

خلال سنوات طويلة امتدت من عام 1991 ولحد عام 2003 كان القول الفصل في الاشوريين منوطا بطرف واحد. وهو الحركة الديمقراطية الاشورية، التي تمكنت من تسويق خطاب ديماغوجي، يلعب على العواطف اكثر مما هو إنجاز حقيقي وواقعي يمكن تلمسه والبناء عليه. وبقدر ما كان سقوط النظام بابا لتوسيع الامكانات والمصالح الحزبية للحركة الديمقراطية الاشورية. الا انه من جانب اخر كان للاطراف التي تم الحجب عنها او تحجيمها والتي كانت ابتدات العمل العلني مع بداية التسعينيات من القرن الماضي ايضا. مثل الحزب الوطني الاشوري وحزب بيت نهرين، ومن ثم اتحاد بيت نهرين الوطني، القيام بخطوات واسعة نحو الظهور ونشر خطاب سياسي مغاير لما كانت تروجه الحركة.

ان تجارب الاشوريين مع وحدانية القرار السياسي بيد طرف معين، اظهر كم يمكن ان يكون هذا القرار ضعيفا وقابلا لتقديم تنازلات كبيرة وخصوصا لو ارتبط بعمق وسعة المصالح التي يتم التعامل معها. حيث ولاجل عيون المصالح الشخصية والانية يتم التضحية بمصالح قومية قد تتعلق بوحدة الشعب ومستقبله. كما اظهرت ان التعددية الحزبية المتعادية وذات الاجندات المختلفة (ليس بالضروري ان تكون قومية). لم تساعد الا في تقليم اظافر الحركة الديمقراطية الاشورية. وخصوصا بعد ظهور المجلس الشعبي الكلداني السرياني الاشوري المدعوم ماليا وبقوة، والذي حقق انجازات مهمة لصالح الناس ومنها بناء الاف البيوت في القرى المدمرة لعودة اهلها اليها.

اذا الاشوريون امام مفترق طريق حقيقي، وهو احتمال التوجه نحو دعم مطلب الكورد في اقامة دولتهم المستقلة والتي قد تضم في مراحلها الاولية كوردستان العراق وكوردستان سورية ومن ثم كوردستان تركيا. دوليا، انه تغيير جيوسياسي كبير، على الاشوريين ان يكونوا بمستوى المسؤولية التي تلقيها عليهم اللحظة الراهنة. والمسؤولية تقول انه بقدر احتياجهم للاخر فان الاخر ايضا محتاج اليهم. وانهم يمكن ان يلعبوا ورقتهم السياسية بذكاء لو تمكنوا من حشد قوتهم السياسية الداخلية والخارجية خلف هذه الورقة. فداخليا على الاقل يجب تفعيل تجمع احزاب شعبنا ووضع اليه لاتخاذ القرار والمشاركة فيه وتخصيص سكرتارية له تتابع الشؤون الخاصة به  وكذلك تنفيذ قراراته. كما انه من الضروري ان يكون في البداية هناك تنسيق بين القوى العسكرية المختلفة للاشوريين، وتبادل المعلومات العسكرية والسياسية والاستخباراتية.  وامكانية القيام بعمل مشترك ومدروس يمكن ان يسجل في  خانة بدء تحرير مناطق شعبنا التي تم الاستيلاء عليها من قبل داعش.

لقد تلاعبت في السنوات الاخيرة بعض الاطراف التي يمكن ان نحسبها على المغامرين اكثر مما نحسبهم على النشطاء السياسيين بعواطف الاشوريين، من خلال استحضارهم الماضي وشحن الناس بالكراهية للاخر لاسباب قومية او دينية او بسبب ما وقع فيه. ولكن هذه الاطراف لم تقدم اي شئ لهم، الا هذا، وكمية هائلة من الصراخ والكلمات البذيئة بحق الاخر والتي لا تكون الا مجرد افراغ الشحنات المحتبسة في غير موقعها. على الاشوريين ان يعيدوا ضبط ايقاع مجتمعهم في الداخل والخارج، في الوطن والمهجر، والوقت الحالي مهيئ لهذا، وخصوصا ان كل التنظيمات الاشورية في العراق وسوريا وتركيا تتشارك مع أطراف كوردية في مواقف مشتركة كثيرة.  وبالتالي زوال الكثير من الشكوك التي كانت تنتاب بعض الاطراف من هذه المواقف. فعلى مستوى سوريا ايضا تقيم المنظمة الاثورية الديمقراطية والحزب الاشوري الديمقراطي والتنظيم السرياني علاقات جيدة وتحالفية مع الاطراف الكوردية. وفي المهجر يكاد التوجه العام ينحصر بما يقرره الاتحاد الاشوري العالمي الذي بداء دوره ونشاطه يعود الى الواجه وبقوة اكبر من السابق.

18 شباط 2015 ايلاف

 

 

مناقشات حول الوحدة

 

لعل الكلمة الاكثر استعمالا في حديثنا السياسي سواء كشعار حقيقي او مضلل هل كلمة الوحدة (ܚܘܝܕܐ ܚܘܝܕܐ تكتب هكذا ولكنها تقراء خويادا، حويادا او حويودو) الوحدة مطلوبة لاعتقاد القائل بها ان لها نتائج ايجابية كبيرة . الوحدة المطلوبة بين مختلف مكونات شعبنا ومسمياته، ليست عملية الحاقية، كما يطالب بعض الاشوريين، كما انها ليست عملية تبعية الاقل للاكثرية كما يدعي بعض الكلدان، بل هي خلق قناعات راسخة ان الاخر هو انا بصورة ما، وان ما يصيبه يصيبني انا، وان مستقبله وبقاءه هو ضمان لبقائي ولمستقبلي، وقد يكون ما قلته ايضا ضمن الشعارات ولكن الذي نريده ان يكون هناك توجه عام مشترك نحو هدف واحد. ولكن كيف يمكن خلق هذا التوجه المشترك نحو اهداف معلومة للجميع؟  بالتاكيد ان للتربية والتبشير القومي دور في هذا، فعندما يتمكن المبشر القومي ان يقنع الكل انهم في سلة واحدة في النهاية، رغم عوامل الاختلاف التي يراد البعض ابرازها، عندها يمكن ان نقول اننا خطونا للوحدة. نحن لا نعاني ازمة اقتصادية، او مشكلة بنية تحتية او مشاكل اجتماعية فقط مثل بقية العراقيين او غالبية العراقيين، بل نحن نعاني حالة ان مستقبلنا كناس افراد وكمجموعة متجانسة ثقافيا ولغويا وتاريخيا ولها عادات متقاربة، يتم صياغته حسب متطلبات الاخرين ورؤيتهم، بمعنى اننا نعاني استعمارا من نوع اخر، استعمار من شركائي في الوطن، من خلال هذا الاستعمار يحاولون تجريدي من هويتي او على الاقل مسخها، من خلال افعال مقصودة او من خلال تجاهل وجودنا. عندما لا يكون قراري بيدي، فان الاخرين سيوجهون مستقبلي حسب مقتضيات مصالحهم. الوحدة ليست الغاية لذاتها، بل لتحقيق نتائج ندرك اننا لا يمكننا تحقيقها الا بها. غاية الناس الحرية والسعادة. ونحن نرى سعادتنا في قدرتنا العيش بحسب مفهومنا للحياة النابع من وعينا والمبني على تكويننا الثقافي او الحضاري. عوامل الاختلاف بين ابناء شعبنا طبيعية وهي اقل من بقية الشعوب المجاورة، وعلينا التكيف معها واعتبارها تنوعا جميلا. فاذا كان للتاريخ تاثيره فان للجغرافيا ايضا تاثيرها، فلنتقبل التاثيرين.

خلال اكثر من اربعة عشر قرنا، نحن نعيش حالة خاصة يتم فيها تقسيم الناس حسب معتقداتهم الدينية، وتتوزع الحقوق حسب هذا التوزيع، ومنذ القرن السادس عشر نعيش حالة تقسيم ديني ومذهبي، حيث ان كل مذهب يعتبر ملة مستقلة بذاتها. يكون راسها البطريرك في حالة المسيحيين. بالنسبة لابناء كنيسة المشرق من ابناء شعبنا الكلداني السرياني الاشوري، التقسيم المذهبي لم يترك بين ابناءهم فوارق لغوية او تاريخية او اي فوارق يمكن على اساسها اعتبارهم منقسمين، الا رئاسة الكنيسة التي يرتبطون بها، لان التحول من مذهب الكنيسة المشرق او مذهب الكنيسة السريانية الى الكثلكة حدث ببطء وبمرور الزمن واستمر من منتصف القرن الثامن عشر (اذا لم نحسب مرحلة يوحنا سولاقا لانها قصيرة ولم تنجح وكان فيها تذبذب) حتى بدايات القرن العشرين، حينما استقر الوضع على ما هو عليه الان. التغيير الاكثر ملاحظة هو ما تم زرعه من عوامل نفسية وهرطقة الاخر في ابناء الكنائس المختلفة.  طبعا للتغيرات التي حدثت في الطقس تاثير ولكن يمكن تفهمه، لان الكنيسة الكلدانية والسريانية الكاثوليكية كانت اقدر على التغيير ومماشاة العصر ولكن مع الاسف ان هذا الامر تعدى التغييرات الضرورية مثل تقصيرة فترة القداس وامكانية عمله في اي فترة من النهار وليس فقط الالتزام بالفترة الصباحية وغيرها من التغييرات التي تتطلبها الحياة العصرية الى تغييرات طالت لغة القداس. ان اربعة قرون من شعور البطريركية بموقعها وقدرتها في الحكم والتحكم بمصير الناس ليس روحيا بل فعلا، جعلها تجد صعوبة كبيرة في التنازل عن هذه الصفة. ولذا فان هذه البطريركيات تحاول قدر الامكان الابقاء على سلطتها من خلال تنمية الشعور بالاختلاف عن الاخر.  ففي الوقت الذي نجد ان ابناء شعبنا في الغالب يتالفون ويتشاركون في الكثير من القضايا اليومية، وفي الوقت الذي يدعي اباء الكنيسة ليل نهار الى الاخوة المسيحية الاسلامية، فانهم ينمون بين المسيحيين من ابناء شعبنا عوامل الاختلاف والتنابذ واحيانا التحريم  .

الوحدة لا تعني العودة الى نقطة الصفر ومن ثم نبداء من جديد، وهذا ما يريده البعض وهو خطر لانه يضع شعبنا وامتنا في الفراغ ومتاهة الجدال العقيم والذي قد لا ينتهي الا بانتهاء كل اثر لاي شخص يحمل ارث هذا الشعب، ان الوحدة تعني ان اتفهم الاخر، واحاوره في قناعاته من باب الرغبة في الوصول الى حل يرضينا كلانا. اننا شعب لا يمتلك دولة او مؤسسات تشريعية شرعية، لكي نتمكن ان نقوم بوضع تسميات جديدة او فرض قوانيين محددة لشعبنا. كل ما حدث كان تبشيرا واقناعا استمر لقرن ونصف القرن.

نحن جزء من انظمة توجه لتحقيق مصالح الاخرين، في العراق بقسميه او سوريا او ايران او غيرها من الدول، وبالتالي نحن مسحوقون قانونيا. ان الرجوع الى نقطة الصفر التي يلمح لها البعض والبدء من الجديد، يعني حقا ان كل طرف من اطراف شعبنا سيكون ضحية لقوانين بلده ولاجتهادات ابناءه الخاصة والفردية، فالتواصل بين اطراف شعبنا في بلدان الجوار يكاد ان يكون مقطوعا والتاثير الثقافي منعدما. قد  يعتبر البعض ابناء شعبنا في دول الجوار امر خاص بهم، ولكننا هنا لا نتكلم عن دولة نتكلم عن شعب او امة كلهم مرتبطين ببعضهم البعض، ويتوقون حقا لمستقبل افضل ويا حبذا لو كان مشتركا. اما المهاجر فامرها امر اخر فوضعها سيكون اخطر بكثير ومن ملاحظة حالة شعبنافي المهجر وانقساماته والتي عادت الى الحالة العشائرية واحيانا العائلية، فاعتقد انه لا يمكن التوسم خيرا في مستقبلنا كشعب يمتلك هوية محددة. ليست غايتي تحريم النقاش او ابداء الاراء في بالقبول او الرفض في ما هو موجود، فكل الامور قابلة للنقاش، ولكن في شعبنا يتعدي الامر الى تطبيق، بمعنى ان كل من اتته فكرة ما يطبقها، ولن يعدم اي شخص من ايجاد مناصرين لفكرته، وهكذا نتوه في دائرة الانقسامات المتتالية التي لا حد لها.

من الضروري اخذ الخبرة في الشأن القومي بنظر الاعتبار، فرغم التضحيات التي قدمها القسم المؤمن بالتسمية الاشورية في ظل هذه التسمية ولتحقيق الطموحات القومية، ورغم كل الرموز القومية التي انبثقت من خلال نضال الشعب ومؤسساته السياسة في ظل هذه التسمية، الا ان القوى السياسية الكبرى فيه ولاجل وحدة الشعب وعدم فسح المجال للاخرين لتحديد مستقبلنا، بل ان نقوم نحن بدرج خياراتنا، قد قبلت حلول ماكان يمكن الاعتقاد انها تقبلها، نتيجة لهذا التاريخ ولمعرفتها انها تمتلك امتدادات مؤثرة وفعالة يمكن ان تكسبها الاكثرية، والسبب هو الخبرة.

ولتقريب مفهوم الخبرة في العمل القومي، والنضج لمعرفة الاثار الضارة للانقسام ، اسوق هذا المثل الشخصي. بعد صدور قرار منح الحقوق الثقافية في صيغة الناطقين بالسريانية، وفي حوار مع العم المرحوم تيدي شموئيل والد الفنان المعروف شليمون بيت شموئيل، سالني عن راي في القرار وانا شاب في مقتبل العمر ابديت انزعاجي من كلمة الناطقين بالسريانية، فقال لي عمي خلي يكوللنا قرج(نور)  بس يوحدونا، عمي تيدي وفي عام 1948 عندما استخرج الشهادة الجنسية العراقية وفي ظل خوف الكثيرين من التصريح باشوريتهم لان ذكرى مذابح سميل كانت قريبة اصر على ان يدون لقبه في هذه الوثيقة تيدي الاثوري، وانا المنزعج من تسمية الناطقين بالسريانية، ادركت بعد خبرات وبعد سنوات في العمل القومي تضمنت سنوات من العمل السري والكفاح المسلح والعمل المهحري، بت ادرك كم ان شعبنا بحاجة الى وحدة حقيقية تلمه وتجعله ينتشل نفسه من ما بات ينتظره من المخاوف الحقيقية. الاحزاب التي بدات كلها متمسكة بايديولوجيتها الخاصة والمتزمتة والتي كانت تعتقد انها فقط تمتلك الحقيقة المطلقة والتي ستنقذ الامة، ادركت كما الافراد ان الحقيقة لدى الكل وللكل ويمكن التعايش مع الاختلاف والتعددة، بشرط الاحتفاظ بحد معين من اسس الوحدة ولعل في اهمها اللغة والمشاريع السياسية .

ان تجاوز حالة التسمية بالاتفاق على  التسمية (كلداني سرياني اشوري) هو حل معقول وخصوصا لو ادركنا ان الحل لا يمنع من استعمال اي من المفردات الثلاثة لتعني كل شعبنا فرديا، بل ان التسمية الثلاثة هي تسمية قانونية، بمعنى ان النصوص الرسمية الخاصة بشعبنا ستدرجها ولكن في التفاعل او الافادة او لاي غرض يتعلق بما تاتي به التسمية من فوائد او الاحصاءا فان الفرد الذي يقول انه كلداني او الذي يقول انه سر ياني او الذي يقول ان اشوري سيدرجون في خانة (كلداني سرياني اشوري). طبعا ادرك وقع التسمية الثلاثية لدى البعض وقولهم لا يوجد شعب يمتلك مثل هذه التسمية، ولكن لشعبنا خصوصية خاصة ومشاكل عويصة يجب ان تحل لكي ينتقل الى المراحل الاخرى في تقوية وجوده وترسيخه، وليس مطلوبا منا الوقوف وعدم التحرك لحين حل المشكلة بانتصار كلمة واحدة. ان الشعوب الحية تجد حلول لما يعوق حركتها نحو المستقبل، وعلينا ان، نتحرك نحو المستقبل وهذه التسمية لن تعيق هذا تحركنا جميعا نحو هذا المستقبل.

كان من المؤمل ان يكون طرح مشروع الحكم الذاتي كاحد العوامل الداعمة لوحدة شعبنا، من خلال خلق كتلة كبيرة تؤمن بهذا الامر، ومن مختلف التوجهات والتسميات، والحقيقة انه بدات بوادر لذلك، وباعتقادي المتواضع ان مثل هذه المشاريع تكون اكثر تاثيرا في خلق رايا مشتركا وموحدا وترابطا قويا من الكثير من المقالات ومن البحوث. وكما قلت راينا اثار التفاف كبيرة من مختلف الاطراف حول المشورع، وهذا كان عامل دفع لبروز توجهات وحدوية قوية ومؤثرة. ومن المفارقات ان نرى ان هذا المشروع او مشروع المطالبة بالمحافظة لكل الاقليات المتعايشة في سهل نينوى، الذي تلاه، تلقى الاعتراضات من الاطراف المتزمتة لكل الاطراف التسموية. واذا كان البعض يعتقد ان الوحدة خلقت من خلال الاموال التي يقال ان الاستاذ سركيس اغاحان اغدقها على المؤتلفين، فاعتقد ان الامر موهوم او خاطي بالمرة، فلو لم تكن هذه الاطراف حقا مؤمنة بان مصير شعبها واحد لما تالفت وتشاركت، مع الملاحظة ان الاطراف هذه كانت لها ماضي في العمل القومي وفي فترات ترتقي الى سبعينيات القرن الماضي ان لم تكن قبل ذلك، والاطراف المعترضة اغلبها حديث في الساحة القومية، وليس لديهم من سلاح الا الادعاء بان من عمل كل السنوات السابقة باع القضية، في تكرار ممل للخطابات العروبية، التي لم نحصد منها نحن والعرب والكورد الا المذابح والمقابر الجماعية وتدمير البلدان، ورهن ثرواته لتسويق الشعارات.

التعليم بالسرياني يعتبر اساس من اسس وحدة شعبنا، فالشعب الذي يتعلم بلغة واحدة ستتقارب ميوله ومشاربه وحتى ردود افعاله. ولذا نجد ان بعض الاطراف حاربت او وقفت موقف المتفرج في عملية التعليم السرياني، وبالاخص الاطراف الغارقة في طائفيتها او الاطراف المتعصبة لتسميتها. وتمجيد التعليم بلغة الام يجب ان لا يلغي تحفضاتنا على بعض الممارسات التي رافقته، كتحزيبه كمثال الامر الذي اضر التعليم كثيرا. ولمن يرمي لتحقيق الوحدة فعليه ان يدعم التعليم السرياني بكل جدية لانه سيخلق الوعاء الموحد والعابر للكثير من الحواجز المصطنعة التي تزرع امام وحدة شعبنا.

ابراز ثقافتنا وميزتها وخصوصيتها، يعتبر من اسس المهمة في ترسيخ وحدة شعبنا، صار لشعبنا الان مؤسسات حكومية اي مدعومة من الدولة، لهذا الغرض مثل مثل مديريات الثقافة السريانية او مديريات التعليم، من واجب هذه المؤسسات ابراز خصوصية ثقافتنا وغناها، وعمل مؤتمرات وعقد ندوات من مختلف الاطراف لكي يختلط مثقفونا ويتشاركو التصورات والحلول والحوار. هذه المؤسسات اتت نتيجة لنضال شعبنا من اجل استعادة ولو بعض حقوقه التي سلبت منه غدرا، وصرفت لاغناء ثقافة ولغة واحدة. اليوم صار هناك نوع من الاعتراف بحقنا في ان تقوم الدولة برعاية لغتنا وثقافتنا لانه واجب عليها كونها لغة وثقافة مواطنيين لهذا البلد، ليس هذا فقط بل مواطنين ولغة وثقافة سادت قرون عديدة في المنطقة ونبعت في ارض النهرين.

التاريخ وبالاخص التاريخ ما بعد المسيحية، يتميز تاريخنا في القرون الاولى للمسيحية وحتى القرون الوسطى بانجازات حضارية كبيرة، فعلى مكستوى التعليم كانت كل كنيس وكل دير يعتبران مركزا للتعليم، وتم تاسيس جامعات لتعليم ليس فقط اللاهوت، بل علوم مثل الرياضيات والطب والفلسفة، مثل جامة نصيبين وجامة اورهي وجامعة جندي شابور، ومدارس ذاتصيت عالي مثل الدير الاعلى، يعتبر شعبنا شعبا مميزا، لانه اسس الحضارة في الازمنة القديمة منذ سومر واكد ولانه لعب دورا مهما في حلقة انتقال العلوم اليونانية وما استنبطه علماءنا الى العرب وهم نقلوه الى اوربا، فلو لا علماءنا لما تمكن العرب من الاطلاع على علوم وفلسفة اليونان، فعلماءنا كانوا المترجمين وناقلي هذه العلوم. ان التاكيد على هذا الدور وابرازه هو بالتاكيد ليس فقط تاكيد لدور شعبنا ولغرس مفهوم الوحدة فيه بل هو تاكيد لدور وطننا العراق في هذه المهمة، لان ادارة هذه الجامعات والمدارس كانت بيد كنيسة المشرق التي كان مقرها في ساليق وطيسفون (المدائن) ومن ثم بغداد وبقيت في العراق وامتداداته. ان افتخارنا بتاريخ كنيسة المشرق وهو تاريخ يشرف بحق، لان كل منجزاته اعتمدت على التبشير وبطرق سلمية حيث لم تكن هناك دولة تحمي هذه الكنيسة، لا بل يمكن القول انها كانت محكومة بيد اطراف معادية لها، ورغم ذلك توسعت ووصل عدد مؤمنيها لثمانين مليون في زمن البطريرك مار طيماتيوس الاول.

الانخراط في العمل السياسي لاي من تنظيماتنا ولاي تسمية كانت، عمل ضروري براي لانه يصقل الانسان ويزيده خبرة بتاريخه وبحاضره، والاهم يجعله قريبا من الاخرين من خلال الحوارات اليومية او النقاشات. العمل والنشاط سيدفع الجميع نحو منتصف الطريق، سيدفع الجميع لادراك كم ان كل فرد وكل فئة في الشعب غالية ومهمة. وهكذا ايضا الانخراط في كل المؤسسات الثقافية والاجتماعية امر مهم ويؤدي الى نتائج مهمة. قد نجد معيقات نتيجة كوننا من مستويات ثقافية مختلفة او من مناطق مختلفة، الا ان الايمان والعزيمة والرغبة في الخدمة العامة يمكن ان تخلق مجتمعا حيا موحدا.

في الحبانية وكركوك، هناك حياة معاشة  وتجربة مميزة، في هاتين المدينتين ما كان يمكن تمييز الافراد من لهجاتهم، وخصوصا الاجيال المولودة فيها، لان الغالبية، ولاي كنيسة او من اي عشيرة او منطقة  انتموا، كانوا يتكلمون لهجة موحدة. لو تفحصنا لهجات شعبنا سنجدها كلها تنبع من مصدر واحد، ومن الطبيعي ان تتنوع لهجاتنا فشعبنا يعيش في منطقة واسعة تمتد من سلامس في ايران شرقا الى طور عابدين في تركيا ومن جنوب الموصل جنوبا الى ارمينيا وجورجيا شمالا، ولكل الشعوب لغاتها ولهجاتها، وقد نتعصب الى لهجة ما، ولكن كما قلت لو تمعنا في كل لهجة سنجد انها تنبع من ذاك الاصل التي تنبع منه لهجتي. وتنوع لهجات شعبنا لا يمنع ابناءه من التفاهم ابدا، الذي يمنع حقا هو الوقوف موقفا مسبقا في رفض الاخر، وعدم معرفة اللغة قراءة وكتابة. والحال ان الكثير من الكلمات التي نعتقد انها غريبة علينا ونعتقدها دخيلة الى اللهجة الفلانية، هي في الواقع من اصل اللغة ومترادفة اهملناها واحتفط بها الاخرون، كما اهملوا هم ما يعنيها في لهجتي واحتفظنا نحن بها.

29/07/2012

 

العشائرية  في المجتمع الاشوري

 

العشيرة والقبيلة ظاهرة اجتماعية رافقت تطور المجتمعات الانسانية، وهي من المفترض ان تكون مرحلة من مراحل هذا التطور.  وبحسب الزمان والاحوال التي نعيشها كان من المفترض ان نكون قد تجاوزنا هذه الظاهرة الى ظاهرة اجتماعية سياسية جديدة اسمها المرحلة القومية والتي تصب كل العشائر والقبائل في بوتقة واحدة كبيرة، لها مصالح مشتركة محددة.

كنا جالسين في حفلة عرس، عندما سألني شخص عن عشيرتي، فقلت بالحق انا لا انتمي الى اي عشيرة فانا اعرف انتمائي القومي والاصغر هو انتمائي لقريتي بيباد(ܒܝܬܒܝܕܐ)، فرد الشخص منتفخا اوداجه وبفخر كبير وقال انه تياري العشيرة. كان هناك نغمة من التكبر وتضخيم الذات في لهجته وفي نفس الوقت نغمة من الاستصغار بي لانني قلت انني لا انتمي لاي عشيرة. وفي الحقيقة ان ابناء قريتنا من ناحية اللهجة هم اقرب الى اللهجة التيارية والبروارية منهم الى اي جهة اخرى، الا ان قريتنا لم تنتمي الى منظومة اجتماعية سياسية اقتصادية مثل العشيرة ويكون لهار راس واحد سمى في لغتنا السورث ب ملك (ܡܠܟ) واعتقد ان هذه التسمية الملك هي نوع شاذ من التصغيرات لتسمية ملكا (ܡܠܟܐ). لا اعتقد ان مجتمعا بشريا خلا من العشائرية و القبلية او ما شابهها من التنظيمات الاجتماعية الاقتصادية السياسية، والعشائرية تتميز بانها تمتد لمرحلتين اقتصاديتين وهما مرحلة الرعي ومرحلة الزراعة وبالتالي فالعشائرية وقيمها وقوانينها تمتد للمرحلتين وان باختلافات طفيفة في حدتها في المرحلة الزراعية.

ولان العشائرية نتاج نظام اقتصادي فالمفترض انها تزول او تندثر تسمية او قيما بمجرد اندثار النظام الاقتصادي الذي يدعمها و الذي يحتمي بقيمها وباستمرارية هذه القيم، بالطبع ان النظام الاقتصادي المتطور وقيام الدول القومية صهر العشائر في نظام اكبر واكثر قدرة اقتصادية وامنية وحماية اجتماعية، كما ان قيام مثل هذه الدول جعل القوة الفعلية او الاقوى في الدولة متمثلة في المدن التي تظم خليطا من العشائر والقوميات والمذاهب والاديان، هذه المدن التي صهرت الكثيرين في بوتقة واحدة.

الا ان المشكلة في واقعنا اننا كاشوريين تبنينا او استلهمنا المبادئ والدعوة القومية، ولكننا لم نحقق الدولة القومية، اننا تركنا الكثير من الارتباطات العشائرية ولكننا لم ننصهر في بوتقة متكاملة مندمجة، حدثت امور من هذا القبيل الا انها لم ترتقي لتكوين طبقات منسلخة حقا من العشائرية، ونلاحظ ذلك في اشوريي ايران الابعد عن العشائرية وقيمها واشوريي من اهالي حبانية وكركوك، في ايران ونتيجة للتطورات الاقتصادية ورسوخ المد القومي وتطور بعض الحريات وخصوصا بعد الحرب العالمية الثانية وعدم تهديد التحرك الاشوري لاي طموحات ايران الفارسية كان التطور الى الاتجاه المدني وما فوق العشائري لا بل حتى الطائفي، الا ان هذه التطورات بقت محكومة بعمل قومي في ارض الحلم بيت نهرين او ارعا داتور (ܐܪܥܐ ܕ ܐܬܘܪ) ارض اشور ولذا فالتطور المؤمل قد افتقد زخمه وخصوصا بعد ثورة الخميني عام 1979 حيث تنامى مجددا الشعور الطائفي المقيت وبدعم من جهات كنسية معروفة وتنامت الهجرة بشكل كبير مما يهدد وجود شعبنا هناك بالاندثار. ويبقى النموذجان الاخران وهما الحبانية وكركوك، فنتيجة لاختلاط ابناء شعبنا من كل الاصقاع ومن كل العشائر والقرى والمناطق، ادى الى  نوع من التجانس كان ملحوظا في هاتين المدينتين وخصوصا من نواحي انتشار لهجة محكية موحدة للتخاطب، كانت خليطا ناجحا من كل لهجات شعبنا، مع انتشار نغمة او لحن لهجة اورمي الجميل والموسيقي ولكن بتخفيف لحد التقارب مع لحن تياري والقوش. كانت الدعوة القومية الاشورية منتشرة في هاتين المدينتين وانتقلت الى بغداد مع مقدم الالاف من العوائل المهاجرة من قراها في دهوك واربيل والموصل جراء الحرب بين الكورد والحكومة. من الواضح ان التمازج والاختلاط وعلى المدى البعيد يزيل الكثير من الحواجز بين مختلف ابناء شعبنا ويجعل الكثير من العصبيات العشائرية والطائفية تزول وقد تندثر، الا اننا كشعب لم نتمكن من تطوير حركة العمل القومي باتجاه اقامة نموذج ( دولة او منطقة حكم ذاتي) لكي يتطور شعبنا في بوتقتها ويتمكن من التخلي عن المباهاة بامور هو لا يعيشها.

كما قلنا، فالعشائرية بما انها ظاهرة اجتماعية اقتصادية، فان لها قيمها الخاصة بها من الكرامة والشرف والامن والامان والحريات ومفاهيم عن الحق والباطل، فمثلا كان من قيم العشائر ان ما تم سلبه من عشيرة اخرى يعتبر حقا وبطولة ويمدح وينشر صيت من قام بهذا العمل البطولي في حين ان نفس الشئ يعتبر في الحكم المدني سرقة وتتلطخ شمعة مقترفه بالعار. وبرغم تمتع بعض العشائر بنوع من قيم التشاور قبل اتخاذ القرارات الكبرى مثل الحرب، الا ان الحروب كانت تقع بين العشائر على الدوام ولاتفه الاسباب، مثل التجاوز على المراعي او خطف فتاة وان كان بنية الزواج او حتى قتل كلب لعشيرة من قبل احد افراد عشيرة اخرى، وبالطبع ان الدين الواحد لم يكن حائلا دون وقوع حرب بين عشيرتين من نفس الدين، او تحالف اطراف من عشار مختلفة الاديان ضد تحالف اخرى من عشائر اخرى وبنفس الصفة، وهذا لا ينطبق على المرحلة الاخيرة من القرن التاسع عشر وبدايات القرن العشرين عندما تحالفت العشائر تحت راية الاسلام لابادة المسيحيين في السلطنة العثمانية.

وبالطبع ان الافتخار العشائري هو عملية تكاذب ذاتية مفضوحة، لانها بالاساس لم تستند الى قيم هذه العشائر لا بل الى الوراثة، اي ان الشخص الذي يفتخر بعشيرته وبانتمائه لهذه لعشيرة لم يعيش قيمها بل فقط لانه سليل من احد ابناءها، فالواقع الحالي لا يسمح لنا بان ندعي الانتماء العشائري، ونقتخر بهذا الانتماء كميزة كان السابقون يدعونها، فلتقريب المسألة للوضوح نذكر هنا بعض قيم العشائرية التي الغتها ممارسات العصر والواقع القومي المزري ورغم من ايحابية بعض القيم الا انها مع الاسف زالت مع زوال العنفوان الفردي المستمد من الحرية التي كان يتمتع بها ابناء العشائر.

الاستقلال الفردي والعشائري، في هذا الامر كان الاستقلال متطرفا لحد (الجريمة) واعني الجريمة بقييمنا المدنية، فهذا الاستقلال الفردي يؤدي بالانسان الى قتل شخص من عشيرة اخرى وهو مطمئن الى ان عشيرته ستقف بصفه مهما تكن العواقب مستندا الى القانون العشائري، السائد والقائل انا واخي على ابن عمي وانا وابن عمي على الغريب، وبالرغم من ان المثل عربي الا انه كان قانونا عشائريا سائدا في كل العشائر في المنطقة. وفي مسألة قتل لغسل العار مثلا، فهو قانون سائد ولا زال سائدا ليس كعرف اجتماعي بل كقانون مخفف للجرائم المقترفة ويسمى جرائم الشرف، هذا القانون هو من مخلفات القيم العشائرية. كما ان العشيرة لم تكن تنظر الى الدولة حينذاك او حتى الان في بعض المناطق الا كسلطة غاشمة ترغب في استيفاء الضرائب وسوق ابناءها للجيش، وتعتقد العشيرة ان من حقها ان تمارس سلطاتها على ابناءها وان تحميهم وان تسن قوانينها الخاصة وان تحكم بين المتخاصمين من ابناءها، وهذه كما ترون كلها ممارسات تدعيها الدولة ولا تعطي الحق فيها لاي جهة. الا في حالات كون الدولة ضعيفة ومتهالكة كما رايناه في بدايات تأسيسي العراق ولمنتصف الخمسينيات وكذالك في اواخر السنين من عمر النظام الصدامي البعثفاشي.

ومن ضمن اطر هذا الاستقلال المدعي اعلان الحرب، فكان اعلان الحرب بين اي عشيرتين يعتمد معايير ذالك الزمان وممارساته، فكان التعدي على مراعي العشيرة يعتبر امرا لابد ممن اعلان الحرب لكي يعود الحق الى اصحابه، وبالعموم يمكننا القول ان القوة كانت العامل الحاسم في اي انتزاع اي حق، فالحق كان بيد الاقوى، ولذا فكان من الملاحظ ان يكون هناك تكتلات من عشائر عدة يواجه تكتل اخر، وكل يبحث عن مصالحة وحسب قوته.

ان حاجة الانسان الى الامان حاجة اساسية واولية بعد حاجته الى الغذاء، ولذا فالانسان الذي يشعر بالتهديد المستمر سواء كفرد او كمجموعة معينة ذات صفات محددة، سيعملون على ايجاد اسس او اساليب لتحقيق هذا الامان سواء بشكل فعلي او تخيلي، واليوم الفرد الاشوري (الكلداني السرياني الاشوري) مهدد فعليا في وجوده ليس كفرد في الغالب بل كثقافة مميزة ولدت ونشات وترعرعت في بقعة معينة نسميها في الغالب بيت نهرين او ارعا داتور (ارض اشور) في ظل هذا التهديد الجدي، وللانقسامات الحاصلة في المجتمع وباتجاهات مختلفة نرى عملية النكوص الى مراحل ما قبل القومية، في حين يمكننا التعايش مع المرحلة ما بعد القومية مع محافظتنا على قيمنا او مميزاتنا التي نتفاخر بها ونشعربانها اسس وجودنا كشعب، واعني بذلك ان البعض نتيجة لحالة التهلهل الحالية في واقعنا السياسي الاجتماعي، يعمل على ايجاد حلول مستنبطة من تصغير مكوناته لعل وعسى في هذه الحالة كل جزء يجد خلاصه الفردي (كمحموعة) بغض النظر عن مصير الاجزاء الاخرى، بالطبع هذا الحل كان تجربة مورست مرارا في شعبنا وفي مكوناتنا الاصغر، العشائر او الطوائف، الا ان هذا الامر كان على الدوام وبالا على الجميع، فاجتياح عشائر حكاري وسقوطها قبل منتصف القرن التاسع عشر بيد قوات بدرخان بك، لم يعنى للاخرين اي شئ غير انهم اصبحوا لقمة سائغة لمن اتى واحتل اراضيهم ودمر قراهم وخصوصا في سهل موصل واقضية عمادية وزاخو الى مناطق ازخ ومناطق من طورعابدين، وابتعاد من تسمى بالكلدان عن شعبهم وقبولهم بتسجيلهم كعرب وككورد في الاحصاءات السكانية لم يمنع عنهم تدمير القرى التي كانت تقول بالكلدانية او غيرها، وهذا هو حال من يريد بنا النكوص الى المرحلة العشائرية، التي لا يتقبل بها العصر واقتصاده وقانونه وممارساته وحقوقه.

العشائرية مرض من يريد بنا العودة القهقري الى ماض، وحقا لم يكن مجيدا، الا في مخيلتنا، ولكنه مرض الهروب من الواقع بتصوير متخيل عن ماضي لم يكن حقا كذلك، والادهى ما في الامر ان كل الجوار الاقليمي يتطور او يكاد يخرج من هذا الطور بتقوية الاواصر ما فوق العشائرية، لكي يواجه تحديات العصر بادواته، وليس بادوات ما قبل مائتي عام، فلكل زمان اسلحته وقوانينه وقيمه وعلينا التكيف معها لاننا ندرك اننا نعيش في قرية كونية اسمها الارض.

ككل مجتمع حي يمر بالمراحل التاريخية المختلفة، هكذا هو حال مجتمعنا الاشوري (الكلداني السرياني الاشوري) فمجتمعنا وبرغم عظم الضربات التي كيلت له وخصوصا مع بدايات القرن العشرين والى الان، ورغم كل التضحيات التي قدمها هذا الشعب المكافح والمستبسل لاجل قيمه، فانه لا بد من ان يجد طرقه نحو المستقبل الامن والمطمئن، فالعشائرية كقيم وكوجود وكحقوق ستندثر لصالح المجتمع الجديد والمنبثق من التعايش المشترك في ظل قوانين وادارة وامن ذاتي من كل مكونات شعبنا، العشائرية كانت من الماضي والماضي زال ولن يعود والمكون العشائري بكل مافيه لن يتمكن من الحياة والاستمرار في الحاضر وسرعته وقيمه واقتصاده، ان مستقبلنا هو في اندماجنا في المكون الملائم مع المستقبل الا وهو التماسك القومي ولنترك الموتى يقبرون موتاهم.

24 ايلول 2007

 

العيد وكريستوف يلدا وسركون لازار

العيد
بعد أيام سنستقبل عيد ميلاد رسول المحبة، رسول القيم الإنسانية. ولكن هل بقي في القلب مكانا للفرحة والسرور كما كان في سابق الأيام، ماذا يمكننا القول في هذه العيد؟
إخوتي أخواتي أبناء شعبنا، أعزيكم بمن فقدتم وهم كانوا كثيرين وغاليين علينا وعليكم، فقدناهم ليس لان الموت حالة طبيعية والحياة تستمر رغم ذلك، لا، بل فقدناهم لأنهم كانوا يحملون هذه الهوية التي نحملها، لأنهم كانوا يقولون عن أنفسهم أنهم مسيحيين، ولأنهم كانوا يفرحون ويسرون بالاحتفال بعيد الميلاد هذا. أعزيكم لان المزيد منكم ومنا في طريق الجلجلة نحو المجهول، تتقاذفهم أمواج البحار وعواصف السماء وترميهم شذرا مذرا، في كل الأصقاع، بلا رابط بلا هوية بلا أي شعور بالكرامة الإنسانية. لا يمكن في مثل حال شعبنا أن نهنئ أنفسنا، وعلي آي شيء نهنئ ذاتنا، على واقعنا العصيب، ومستقبلنا المظلم وطريقنا الممتلئ بالمصاعب والمخاوف والرعب. ولد في النفس أملا ضئيلا، حينما رأينا اجتماع القيادات السياسية لشعبنا، قلنا لعلي وعسى، والأمل لا يخبو سريعا، ولكن ما نلاحظه، أن ما يمارس كانه يمارس وشعبنا يرفل بكل مظاهر العز والتقدم والسلام، من خلال البطء وعدم الجدية في طرح الجديد، ولعل الكل لا يملك جديدا، وهنا هي الطامة فالكل في دائرة مغلقة من اللف والدوران. عيد وبأي حال عدت أيها العيد.
هل سنستفيد من طاقات أبناء شعبنا
في مؤتمر لندن للمعارضة العراقية طرحت على بعض الإخوة فكرة أن يشارك كل أبناء شعبنا ومن مختلف التنظيمات السياسية المتواجدين في المؤتمر في اللقاءات الخاصة بشعبنا، ولكن فكرتي لم تلقى النجاح أو التأييد حينها. والمعروف أن لشعبنا أبناء متمكنين وقادرين ولهم مواقعهم الخاصة والمؤثرة التي يمكنهم من خلالها خدمة الشعب وإيصال رسالته ومطالبه ودعمها والدفع بها إلى مواقع القرار.
سررت واعتقد الكثيرين من أمثالي بإعادة انتخاب الأستاذ كريستوف يلدا لعضوية المجلس القيادي للحزب الديمقراطي الكوردستاني، وهنا إذا أهنئه على منصبه وموقعه هذا، فإنني مدرك أن إمكانيات وقدرات وخبرات الأستاذ كريستوف يلدا تؤهله تماما لأي موقع يتسنمه من ناحية ومن ناحية أخرى أن أبناء شعبنا معروفون بأنهم مبدعون حينما يجدون أنفسهم في الموقع الملائم والقادر على الإنتاج والتطوير.
ولكن ليس الأستاذ كريستوف يلدا وحده من هو في موقع مؤثر يمكن أن يخدم شعبه وتطلعات الشعب من خلال هذا الموقع، ففي الحزب الديمقراطي الكوردساني يجد ووجد الكثيرين ومنهم المرحوم الشهيد فرنسوا الحريري والأستاذ سركيس اغاجان ، اللذان قدما الكثير لشعبهما ولا يمكن نسيان الخدمات والإنجازات الباينة للعيان التي قدمها ويقدمها الأستاذ سركيس اغاجان، كما يوجد الأستاذ فوزي الحريري ، وكذلك في الحزب الشيوعي وحاليا يتواجد البعض من أبناء شعبنا في مواقع ادارية وقيادية في الدولة من خلال علاقاتهم مع أطراف سياسية أخرى كمستشار السيد المالكي السيد جورج باكوس. إننا نتطلع من هؤلاء الأبناء والذين نعتقد أنهم يحملون الكم الكبير من الهم القومي، وتطلعهم أصيل، لا بل يمكن القول إن انتماءهم إلى هذه الفصائل العراقية والكوردستانية إنما جاء في أغلبه لتحقيق تطلعاتهم القومية. إننا مدركون أن يكون لهؤلاء الأبناء راي واعتقاد خاص، ولكن الواقع القومي وما يتعرض له شعبنا من حملة إبادة منظمة ومحاولة قلعه من أرضه بكل الوسائل، تتطلب منهم ارتقاء إلى موقع الموحدة والدافع للامور إلى تحقيق طموحات شعبنا الحقيقية وعدم النظر إلى من طرح أو دعا إلى تحقيق تلك الطموحات. إن أحد أسباب عدم تقدمنا هو وجود خلافات غير منطقية تعرقل دفع مطالب شعبنا إلى الأمام بين بعض من هذه الأطراف، وتصفية الخلافات الخاصة من خلال المواقف القومية، مما يجعل شعبنا يدفع الكثير، والمطلوب ليس إلا أن ينظروا إلى مطالب شعبهم بغض النظر عن خلافاتهم.
إننا إذا نهنئ الأستاذ كريستوف على منصبه هذا نعيد أملنا بان نراه يخطو المزيد من الخطوات في طريق التقدم والارتقاء في مواقعه وأن يكون تلك اليد المساعدة لتحقيق آمال شعبه.
سركون لازار
قبل فترة اطلعت على ما كتب عن محاول السيد يونادم كنا ترشيح السيد سركون لا زال ليكون الممثل المسيحي في مجلس الوزراء، والظاهر أن من كتب ذلك كان من صفوف الحركة الديمقراطية الآشورية أو ممن يعرف بواطن الأمور فيها. ففي الوقت الذي نهنئ السيد سركون لازال على منصبه هذا، متمنين أن يجعله في خدمة وطنه وشعبه، وخصوصا أن وزارة البيئة باعتقادي مهمة رغم أنها ليست كذلك في العرف السياسي العراقي، لان البيئة آخر اهتمامات الناس وخصوصا الحكومة، وبالأخص أن الحكومة الظاهر قد نضفت البيئة مسبقا بغلقها الأندية ومنعها الكحول وتقيدها للحريات الأساسية للإنسان، وقريبا إن شاء الله فرضها الملبس الموحد نساء ورجالا وبذا فإن البيئة ستكون نظيفة لأنه لن يكون فيها المخالف. إلا أنني أود القول إن البيئة في العراق مدمرة حقا، ومن دمرها هي الممارسات الحكومية السابقة وخصوصا في زمن الطاغية وما أعقبها في زمن حرية القتل والتدمير والتخوين. ولذا فاعتقد أن السيد سركون لازار ممكن أن يجعل وزارته موقعا لإظهار قدراته وإمكانياته، والتي يمتلكها أبناء شعبنا لأنهم مجدون في العمل وتقديم الأفضل، ومن هنا اقترح على السيد سركون لازار أن يخدم العراق من خلال برنامج واسع لتشجير وإصلاح المنطقة الواقعة غرب الموصل نحو الحدود السورية، باعتقادي أنه لو تشاركت الحكومة العراقية وحكومة إقليم كوردستان وحكومة محافظة الموصل في خطة لتشجير هذه المنطقة الواسعة، فإن خير ذلك سيعم المنطقة الشمالية كلها. وهذا أمر يتعلق بالبيئة ويتعلق بإعادة المنطقة إلى طبيعتها كمنطقة زراعية ومجلبة للخير، بدلا من تركها تزحف على ما تبقى من أراضي العراق.
ولكن ما لفت نظري في توزير السيد سركون لازار، أننا لا نتعلم من الدروس، فحسب علمي أن السيد سركون لازار لن يضيف لنصيب الحركة الديمقراطية الآشورية سياسيا ولنصيب العمل القومي أمرا جديدا، وهذا ليس انتقاصا من شخص السيد سركون لازار، بل إن الواقع يقول ذلك. ففي أي عملية سياسية هناك حساب ربح وخسارة، وتوزير السيد سركون لازار  وإن كان حقا للحركة يمكن الادعاء به، إلا أنه كما قلنا من خلال حساب الربح والخسارة السياسية لن يضيف أي شيء على حساب وحدة وتمتين العمل القومي أو حتى على حساب الحركة كتنظيم سياسي. يمكن القول إن الوزارة قد منحت لشخص مقابل خدمات قدمها ويراد تكريمه، ولكننا وحسب متابعتنا لم نجد أي جهد متميز من قبل السيد سركون لازار، إلا إذا تم اعتبار ذلك كعربون شكر للسيد يونادم كنا، جراء تصريحاته الغير المنطقية والغير الملائمة لواقع ما يتعرض له شعبنا. وهذا يذكرنا بتوزير السيد أنور جبلي شابو الذي لم يقدم أي رسالة سياسية إلا محاولة تكريم أشخاص من خلال ذلك. إن شعبنا بأمس الحاجة إلى عوامل زيادة رقعة ولحمة تحالفه في هذه الظروف، وعليه باعتقادنا أنه من خلال مثل هذه الممارسات يمكننا أن نقدم رسالة سياسية  لشعبنا وهي أننا كلنا واحد ونعمل بيد واحدة من أجل انقاذ شعبنا، ومع الأسف أن توزير السيد سركون لازار انصب في خانة الحجي شيء والعمل شيء آخر، فهل نعود ونقول إن الثلج لن يترك عادته وسيبقى باردا.

22 كانون الاول 2010

 

خطابنا هل يساعد على الهجرة؟

 

منذ سنوات ونحن وغيرنا يدق ناقوس الخطر على وجودنا في ارض الوطن. ونحاول ويحاول كل الخيريين لتوضيح الاسباب وإعطاء الاراء لعل وعسى، ولكن صرخة غبطة البطريرك مار لويس ساكو وإعلانه الكنيسة الكلدانية كنيسة منكوبة، باعتقادي كانت اقوى لانها صدرت من اكبر مؤسسات شعبنا واكثرها تأثيرا. وبالتأكيد ان ما يقوله ليس رد فعل اني لفعل معين، بل هو نتيجة للمعاناة الحقيقية، وإلا ما صدرت.

المطلع على تاريخ شعبنا في القرون الاخيرة، سيجد تمازج الأصول العشائرية المختلفة في قرى السهول والوديان بين الجبال، وسيجد ان حركة الهجرة والتحرك من منطقة الى اخرى لازم شعبنا منذ زمن بعيد قد يكون الى ما قبل مذابح التتر بحق ابناء كنيسة المشرق. فمن الواضح ان هناك حركة واسعة من منطقة اربيل الحالية او حذياب باتجاه جبال حكارى العصية، ولكن لان حكاري كانت قليلة الموارد فإنها أعادت تصدير أبناءها الى السهول، ولكن بمجموعات صغيرة. و هذه الحركة او الهجرة كانت في إطار الوطن التاريخي لشعبنا وفي البيئة ذاتها، ليس هذا بل ان الهجرة حدثت جماعيا في الغالب، اي مجموعات وان كانت صغيرة فإنها كانت معا، مما ساعد على الحفاظ على اللغة والدين، بعكس الحالات الفردية التي تتعرض للانسلاخ، كما ان هذه الهجرات لم تغيير أدوات الإنتاج او المهنة فهم حافظوا على عملهم الزراعي والروعي. وكما هو واضح ان هذه المنطقة الجغرافية التي تمتد من اورمية الى منطقة طورعابدين ومن شمال وان الى منطقة السهول حول مدينة الموصل، اعتبرت منطقة واحدة بالنسبة للشعب وكان يتحرك فيها عاديا في رحلة كوزي وزومي السنوية للرعي. وما الحدود الحالية بعمر الزمن الا من صنع لحظة ليس الا. والغريب ان البعض يعيب على بعضنا انه ليس عراقيا لان أجداده كانوا يرحلون صيفا الى جبال حكاري وشتاء الى سهول الموصل، ولكنه يفتخر بالملك فيصل الحجازي وغيره الألباني او الفلسطيني.

سكتت الكنيسة طويلا على الهجرة وعلى تهديد الوجود وعلى ما تعرض له شعبنا وخصوصا حينما كانت المؤسسة الوحيدة لشعبنا، ونحن في هذه الأيام التي تتوافق مع الذكرى التاسعة والتسعون للمذابح التي اقترفت بحق شعبنا في الاراضي التركية الحالية، وبتخطيط مسبق من السلطة العثمانية ورجالات السياسية فيها، خسر شعبنا في تلك المذابح ليس ممتلكاته واراضيه بل خسر سبعمائة وخمسون الف فرد منه بين قتيل وضائع. ونزول شعبنا من جباله الحصينة الممتدة من اواسط الاناضول الى المنطقة الواقعة في شمال الموصل في القرى او قريبا من القرى العائدة لشعبنا او المناطق الممتدة من حلب الى القامشلي في سوريا الحالية، وكان قسم من شعبنا قد تم تهجيره إنقاذا له ولعقيدته من الاعتداء المتكرر من المناطق القريبة من بحيرة وان وبحيرة اورمية الى روسيا في اواخر القرن التاسع عشر باتفاق بين كنيسة المشرق والكنيسة الارثوذكسية  الروسية. وبعد مذبحة  سميل في عام 1933 هاجر قسم لا بأس به من ابناء شعبنا الى منطقة الخابور الواقعة في سوريا حاليا.

كما ان موجة الهجرة الاخرى، التي قصمت ودمرت شعبنا كانت في أوائل الستينات حينما تعرضت قراه الى عملية حرق واعتداء في الغالب من قبل القوات المسمية فرسان صلاح الدين (جتة، الجحوش) مع بدء الحركة الكوردية عام 1961. ان هذه الموجة تمتعت بخصائص عديدة ولافتة، فهي برغم من كونها حدثت جماعيا وكانت داخليا من ناحية انها حدثت في العراق.  الا ان قرى لا بل مناطق مثل (نيروا وريكان وبرواري بالا ومناطق زاخو وصبنا وبري كارا ونهلة) بغالبية سكانها هاجرت دون ان يكون لابناء شعبنا قيادة واضحة تحدد المسار له. او تدخل في مفاوضات مع احد الاطراف لكي تحد من الخسائر. وكما قلنا ان الهجرة اعتبرت داخلية، ولكنها كانت خارجيا بمقياس الوطن القومي الذي عاشه شعبنا منذ مذابح المغول. وبرغم ان ابناء شعبنا حاولوا السكن قريبين من بعضهم البعض، الا ان المدينة وتأثيرها  والاموال التي اتت جراء العمل في المرافق الخدمية في الغالب. جعلت الكثيرين يتمسكون بالحياة فيها، هاربين من حياة القرى الصعبة والتي كان تحفها المخاطر الكثيرة. قد يكون عامل افتقاد شعبنا لقيادة مسموعة عامل كبير في انسلاخ الانسان من الارض. فهذا الانسان الذي صارت جزء من ذاكرته المذابح المتتالية، وعمليات البناء من الصفر كل مرة، وعدم وجود قيادة تعيه باهمية البقاء والنضال، لم يعد لديه عامل الارض مهما، لان عملية انقاذ النفس من خطر القتل والفقر، صار اهم. وبناء على ذلك وفي اول بوادر صعود التوجه القومي المتعصب والرافض للاخر وخصوصا بعد حرب تشرين 1973، والتي سبقتها عمليات واسعة لتفريغ المؤسسات المهمة من غير العرب وخصوصا شركات النفط، ورغم تغليف الامور ببعض المظاهر الديمقراطية، نرى في عام 1973_1977 موجة هجرة واسعة من ابناء شعبنا المتمكنين ماديا الى خارج العراق، وخصوصا بعد عمليات تهجير من سموا بالتبعية. وبعد ذلك كانت الحروب المتتالية كفيلة بقلع كل من حاول التشبث بالارض والوطن. ومن العوامل التي ساعدت باعتقادنا هو ان رجال الدين ايضا استساغوا العيش في المدن، ولم يشجعوا الناس للعودة بل الكنيسة كلها لم تتحدث عما حدث ويحدث وخصوصا ابان عملية ازالة القرى وكل ما فيها من الاثار التاريخية وخصوصا الاديرة والكنائس القديمة.

في ظل الصراخ القومي والديني للشريك المجاور. لم يهتم احد لا بالمشاعر ولا بالمخاوف، التي انتابت شعبنا او بقية المكونات الغير الاسلامية ولا العربية. لا بل ان بعض الاطراف قد رأت في عملية هجرتنا حلا لمعضلة ما، ولم تنظر للمسألة انها افقار للوطن من غناه الحقيقي. لم يهتم احد ان التاريخ المأساوي للمعايشة وخصوصا اعتبار الأقليات الدينية في المنطقة ضيوف يجب ان يقدموا الشكر للغالبية على استضافتهم . هناك ملاحظة جديرة بالاهتمام لم يتم فحصها بدقة ودراستها، وهي عندما يكون هناك اي تخلخل للسلطة او ضعف. فان جماهير الاكثرية كانت تقوم بالهجوم وبابتزاز او سلب وسبي بنات الاقليات المسيحية واليهودية التي كانت تعيش في المدن. وهذه العملية لم تحدث مرة واحدة في تاريخ العراق والمنطقة بل تكررت مرارا، ومن هنا كان الميل الطبيعي للاقليات للسلطة القوية. هذا لا يعني ان السلطة كانت تحمي الاقليات، ولكنها كانت اذكى في الاستفادة منهم ومن اموالهم وامكانياتهم. ان ادعاء ان المكونات عاشت بسلام هو ادعاء كاذب ويخفي خلفة عملية نفاق مكروهة.

ولكن كل ما ذكرته اعلاه شئ وحلولنا للمشاكل التي نعانيها، يكاد ان يكون امر ساهم في عملية التهجير وافراغ الوطن من اصحابه. ان خطاب بعض تنظيماتنا السياسية، يكاد ان يكون محرضا على الهجرة من حيث يدري او لا يدري. فرغم ان وضعنا ليس مثاليا. الا ان تعايشنا مع الكورد بعد عام 1992 كان ممكنا وكان يمكن ان يتطور بصورة افضل. فخطاب احزابنا او بعضها على الاقل في الوقت الذي كان توددا لحد النفاق الى الكورد. الا انه في الخارج كان يصور انه صراع وقتال وفرض الوجود. وحينما كان يصيب شعبنا اي مكروه كمقتل او اختطاف فرد واحد، كان صراخ هذه التنظيمات يعلى في الخارج متهما الجميع باضطهاد وصعوبة التعايش. في مجال اخر كانت مؤسسات اخرى تعمل وبجد من اجل شرذمة قوى شعبنا، بسبب العناد وان أدى الامر الى تاخر شعبنا في مجالات كثيرة. ولعل مسألة تعليم اللغة او التعليم بها، خير مثال على ذلك حيث ان الخلافات بين بعض الاطراف، جعل الغالبية تقتنع بتعلم اللغة فقط وليس تعلم كل المواد بها.

تتركز في خطابات القوميين الاشوريين وحاليا القوميين الكلدان نغمة اعداء شعبنا. وبالرغم ان هذه النغمة يختلف معناها لدى الطرفين، الا ان انتشارها يمنح للانسان العادي اشارة، بانه مهدد اربعة وعشرون ساعة يوميا من مؤامرات يقوم بها اعداء شعبنا المفترضين. دون ان نمنح لانفسنا فرصة ونتساءل لماذا اعداء شعبنا؟ وهل حقا ان شعبنا بالقوة والسطوة والسيطرة التي تفترض في ان يكون له اعداء؟ ولكن الحقيقة ان النغمة ما هي الا رفع المسؤولية الذاتية عن الواقع الحالي او جزء منها على الاقل. لقد قام جيران  شعبنا بما قام به في تاريخنا القريب والبعيد، وهذه العداوة كانت في الغالب لأسباب السلب والنهب مغلفة بادعاءات دينية. وتحدث بين الحين والاخر جراء استحكام القيم العشائرية والدينية والقومية، وتحدث اعتداءات في الوقت الحاضر ايضا ولكنها بوتيرة قليلة، الا انه يتم التضخيم فيها كثيرا والامر المأساوي ان هذا التضخيم لا يخدم وجود شعبنا، بل ينقلب وبالا علينا حينما يصل الامر للقول بانه لا حل الا الهروب.

رغم السلبيات التي رافقتها، قد تكون الخطوات التي قادها السيد سركيس اغاجان من اهم الخطوات التي حاولت المعالجة الحقيقية لواقع النزوح ومحاولة جمع الناس والشعب ليكون له صوت قوي. وليتمكن بالتالي من فرض مطالبه على ارض الواقع. الا ان اغلب الاطراف وقف موقف المتفرج او انتظار الاستفادة الذاتية. فلم يتم تحريك نشاط حقيقي لترسيخ نتائج هذه الخطوات. سؤال قد يتبادر الى ذهن الخيريين وهو ماهي المساهمة الاقتصادية او الاجتماعية او الثقافية التي قادتها احزابنا ومنظماتنا وخصوصا المهجرية التي تتباكي على الوجود وتنشر الاتهامات المختلفة، اقول ماهي الجهود التي صرفتها في الوطن لترسيخ الوجود؟ الجواب سيكون بالتاكيد سلبيا جدا.

شعبنا لا يعيش وضعا مثاليا، ولكن صار اقلية بفعل عوامل تاريخية معروفة للجميع، ولا يمكن اعادة التاريخ الى الوراء، ولكن يمكن قراءته والاستفادة من تجاربه المريرة على شعبنا وكل شعوب المنطقة. شعبنا مهدد بوجوده، لارتباط الوجود بالوطن، اذا كيف يمكننا العمل وماهي الخطوات التي يجب ان نبتداء بها لكي نحصن الوجود القائم، ليس ديمغرافيا بل سياسيا وحقوقا وامتيازات؟هنا هو السؤال.

15 أيار 2014 عنكاوا

 

تحية لفضائياتنا

 

ان لم نقل كل الناس، فغالبيتهم العظمى تميل الى تعظيم وحتى تقديس لغتهم وعاداتهم وديانتهم وتاريخهم. من هنا كانت الشعوب تتوحد لاجل نيل استقلالها من المحتل او المستعمر او تلجاء للانفصال عن شعوب اخرى، لاجل ان تعمل للحفاظ على نقاء اللغة والتاريخ والعادات والدين او حتى العنصر في بعض الأطروحات الفكرية من قبل بعض الحركات التي إتسمت بالعنصرية مثل النازية والفاشية.

اذا الاستقلال وبناء الدولة لم يكن غاية بحد ذاتها بل لأجل تحقيق أمور اخرى منها التي ذكرناها اعلاه ومنها ايضا سن القوانين التي تتلاءم وما ذكرناه اعلاه. ان عامل اللغة طرح لسبب اخر هو ان الناس تتفاهم بها ومن خلالها يولد شعورا بوحدة ما يشمل الناطقين بها، كما ان الشعوب ستفهم كل ما تريده الطبقة السياسية والثقافية والعلمية، لانها تنطق بلغته ولذا فالدولة ضرورة لإدارة أمور الناس المتوحدين باللغة لتحقيق أمانيهم.

ولان شعبنا منقسم بين دول متعددة ولأن اراضيه قسمت بين هذه الدول، ولأنه بفعل المذابح الكبيرة التي اقترفت بحقه فانه صار اقلية غير مؤثرة في السياسية الاقليمية ولا نقول الدولية ولان الاضطهاد مورس بحقه بشكل مضاعف. فقد كان اضطهاداً مركباً دينيا وقوميا، فقد انتشرت فيه ظاهرة الهجرة. فاليوم لن نجد عوائل ليس لها اقارب في المهجر ومن الدرجة الاولى ونعني ابن او ابنة او البعض الام والاب، كل هذه الامور جعلت من الصعب لشعبنا ان يطالب بالاستقلال او الدولة لتحقيق ما تصبو اليه كل الشعوب. ولاجل ذلك فان اغلب الاحزاب والتنظيمات السياسية لم تدرج بند الاستقلال في برامجها لادراكها التام ان ادراج مثل هذا البند يعني وصم التنظيم بالخيالية واللاعقلانية.

ولذا ايضا كان خيارهم الاهم هو توفير الحريات الديمقراطية وضمانات لحقهم في التمثيل في مؤسسات الدولة واجهزتها المختلفة، لكي يتمكنوا من ان يعملوا من اجل الحفاظ على نقاء وتطور لغتهم وعاداتهم وتدريس تاريخهم ودينهم، لانه بالحفاظ على هذه السمات يمكن المحافظة على الشعب مستمرا.

الا ان الصعوبة التي واجهها السياسي من ابناء شعبنا هو صعوبة تأثيره على الدول التي يتواجد، مما صعب من مهمته للعمل من اجل تحقيق اهدافه المشروعة.ومن اصعب هذه المهمات كان وجود جاليات كبيرة من ابناء شعبنا في المغتربات، وضمن اطار مغريات حضارية كبيرة وعدم وجود موانع دينية. فالهجرة كانت من ناحية احد نقاط القلق للمفكر او السياسي في شعبنا لأنها خارج اطار اي تأثير، وخصوصا الاجيال الجديدة التي تشعر انها حرة وانها غير ملزمة بان تعيش تطلعات اباءها،. كما ان تربيتها في بلدان متعددة ذو لغات وسمات مختلفة خلق مصاعب للتواصل بين ابناء هذا الجيل الناشئ في المغتربات.

ومن هنا كانت الحاجة ماسة الى وجود قناة او قنوات فضائية خاصة بنا لخلق التواصل المفقود بين الوطن والمهاجر وبين اجزاء الوطن الاصلي ايضا والمقسم بين دول متعددة.

اذا في ظل عدم وجود دولة تقوم بمهام الحفاظ وتطوير سماتنا القومية وتطوير قدراتنا الاقتصادية و ترسيخ الأمن والأمان لنا كانت خياراتنا محدودة وهي النظام الديمقراطي القادر على احتضان كل ابناء الشعب. والذي يتمكن من الاعتراف بالاخر المختلف ويمنحه الحصانة والقدرة على تطوير ذاته لاجل تطوير الكل . والخيار الاخر هو خلق تواصل بين ابناء الشعب كلهم بوسيلة عابرة للحدود وغير خاضعة للمنع، وكانت القنوات الفضائية والانترنيت وان كانت الاخيرة تصطدم بتعدد اللغات التي نستعملها والتي قد تقف عاجزة عن خلق التواصل. الا ان القنوات الفضائية بما تمثله من سهولة التواصل وعدم بذل مجهود كبير لخلق او للقدرة على التواصل فانها تبقى الوسيلة الاكثر قدرة وتأثيرا في شعبنا الذي يتصف بامية ساحقة وخصوصا من ناحية لغته التي قد لايتجاوز قراء هذه اللغة الخمسة بالمائة منهم.

اذا القنوات الفضائية ولغتها المحكية تبقى وسيلة عصرية وعملية لخلق التواصل وهو شرط مهم لبقاء شعب واستمراره وتاثره بالمحيط والعالم ايجابيا، واخذه بكل ما يساعد على تطوير كافة قدراته.

ومن هنا فان الترحيب بفضائياتنا امر مفهوم وخصوصا عندما تكون مفتوحة لكل الاراء وان لا تكون متعصبة او محصور لفئة ما او حزب ما، اي ان تتمكن من ان تدخل كل بيت بدون خلق حواجز مصطنعة امام اداء رسالتها الضرورية لشعبنا.

صار شعبنا يمتلك الان اربعة قنوات فضائية والمحك امام هذه القنوات هو مدى تمكنها من إرضاء الجمهور الواسع ذو الميول المختلفة، فالجمهور لا تجذبه على الدوام الميول السياسية بل الميول الفنية والدينية والتربوية، ومدى كون القناة حيوية وقادرة على شد انتباه المشاهد ببرامجها المختلفة.

اذا مع انطلاق قناة عشتار بست ساعات من البث الحي تظهر قناة اخرى جميلة وحية وجعلت الناس حقا متعطشة لموعد افتتاحها. ولحد الان فعشتار لم تخب ضننا قياسا الى فترة افتتاحها والتي تبلغ اسبوعا واحدا فقط.  الا انها عملت في فترة التحضير للانطلاق على خلق حالة ذهنية لدى المترقب، انها ستكون لكل ابناء الشعب كما انها اوصلت رسالة غير مباشرة للحميع انها من الوطن وليس الوطن فقط بل من الجذور عندما عملت على بث صور قرانا الجميلة التي للجميع ذكريات لا تمحى فيها.

قناة سورويو تبث من السويد الا انها ادت رسالة مهمة وخصوصا لأبناء شعبنا المبتلي بالكثير من الامراض ومنها اللهجات والاسماء فطرحت نفسها قناة شعبنا بكل فئاته ولهجاته ومناطقه عندما نوعت برامجها بشكل تام وخصوصا عندما تستضيف اشخاص متعددين من مختلف اللهجات والمناطق، والمشاهد يرى انهم يمكنهم التفاهم برغم تكلمهم بهذه اللهجات المتعددة، ولعل دور المذيع يوسف طورويو وحيويته وقدرته على التفاهم بكل لهجات شعبنا كان دورا مؤثرا في انتشار هذه القناة.

قناة بيت نهرين الفضائية تبقي القناة الاولى وان كان قد سبقها قناة اشور ASSYRIA التي بثت لفترة محدودة ولكن اغلقت لاسباب مادية، فان تأثيرها يكاد يكون في جزء من ابناء شعبنا وذلك لانها لم تتنوع بشكل تام في برامجها، فهي تعتمد بالاساس على جهود مديرها الدكتور سركون داديشو كما ان نوعية الصورة فيها ليست جيدة ولا الاستوديوهات مجهزة بشكل جيد، طبعا انها مشكورة لانها تبث ولكن يبقى انه يجب ان تخرج من قوقعة كونها تسير فقط بما يؤمن به السيد سركون داديشو فعليها ان تخاطب جميع الميول لكي تتمكن من ان تدخل وان تؤثر وتؤدي رسالتها.

اما القناة الاخرى والتي تبث من الوطن ايضا فهي قناة اشور الا انني لا يمكنني أن اقول عنها شيئا لانني لم اتمكن من التقاطها بسبب موانع فنية فهي تبث على قمر نيل سات مما يحد من رقعة استلامها، الا انها بلا شك تقوم باداء رسالة مهمة في نقل هذا التواصل بين ابناء شعبنا من مختلف المناطق والدول واللهجات ولكن يعاب عليها ايضا انها لم تتمكن من ان تخرج من قوقعتها الحزبية حسب ما نقل الي، وهذا سيؤدي الى ان القناة ايضا تحد من مدى انتشارها بنفسها.

يبقى ان شعبنا ككل الشعوب فيه ميول متعددة ومتنوعة فبالتأكيد ان هذه القنوات مدعوة لسحب المشاهد اليها بفتح ابوابها ونوافذها لمختلف الاراء والافكار والتطلعات فبعد ان تمكنت العربية من سحبنا من مشاهدة الجزيرة وتمكنت عشتار من سحبنا من مشاهدة العربية حتى الان على الاقل، ندعو قنواتنا لسحب اطفالنا من مشاهدة القنواة الاجنبية وسحبنا كلنا لمشاهدتها بلا استثناء، عندها تتحقق اهم رسالة لهذه الفضائيات الا وهي التواصل بين ابناء شعبنا وبقاء مميزاتنا القومية او صفاتنا القومية حية وفاعلة وقادرة على التاثير في المحيط وعندها تتمكن من ان تخلق لغة موحدة للتواصل مفهومة من الجميع، ان هذه الفضائيات يمكن ان تكون مدرسة جديدة. فكما وحدت الحبانية وكركوك بين لهجات شعبنا في العراق وظهرت لهجة محكية مفهومة من الجميع،. لذا على فضائياتنا أن تقوم بهذا الدور على مستوى رقعة انتشارنا العالمي ولكن يجب ان لا تنسى انها يجب ان لا تتحول الى مدرسة جامدة تنفر المشاهد منها.

اما حول بعض التهجمات التي خصت بها قناة عشتار وهي لم تفتح او لم تتوضح بعد سياستها الاعلامية فكنا نود التريث بها لحين توضيح هذه السياسة عمليا، الا ان هذه التهجمات انطلقت من جهة واحدة، وهذه الجهة ينطبق عليها مثلنا الشعبي والذي يقول ان الثلج لا يترك عادته فهو على الدوام بارد، وهذه الجهة وكل الجهات بالنسبة لها عملاء ومخربون وووو والله يكفينا شر من لا يتعلمون.

28 كانون الاول 2005

مفارقات

 

مهما كبر الانسان، ومهما اعتقد انه ذكي ويفهمها وهي طايرة، او يلكفها، مهما غزت الشعرات الرمادية رأس الانان، دلالة على البلوغ والعمر الذي  لا يتكلم الانسان عن هواه بل من عقله، تبقي اسئلة لديه دون اجابة، قد تكون بسيطة لدى الاخرين، قد تكون واضحة عند الكثيرين، الا ان هذه الاسئلة تبقى محيرة، وليس شرطا ان تكون لدى كل الناس نفس الاسئلة، بل قد تختلف باختلاف البشر، او تكون بعددهم، وانا احد هؤلاء البشر من الذين لا يزالون يحملون اسئلة تحيرني ولا اجد لها اجوبة، ولانني لست انانيا، فاود مشاركتكم معي في هذه الاسئلة التي ساطرحها مع تعليقاتي، قد اكون مصيبا وقد اكون مخطأ، وقد قال رسول الاسلام النبي محمد، للمجتهد اجران ان اصاب واجر ان اخطاء، فارجو ان تفتحوا لي صدوركم العامرة بالمحبة والحنان، وخصوصا اننا على موعد قريب مع ميلاد رسول المحبة السيد يسوع المسيح.

ولكن قبل ان ابدأ تسأؤلاتي الساذجة هذه، اقرأوا هذه القصة القصيرة، قبل سنوات ظهرت اشاعات تقول ان المخابرات الامريكيةCIA قد ادخلت الى نظام الوندوز  شيء ما يجعلها قادرة على معرفة كل ما يعمل اي شخص يستعمل الكومبيوتر، بمجرد الاتصال بالانترنيت، وبعد البحث والتدقيق ظهر ان مروجي الاشاعة (نحن نقول اشاعة لأنه لم تثبت لحد الان، ولكون مطلقها استند الى خيال جامح) هم فرنسيون، وعند سؤالهم عن سبب اطلاق هذ الخبر، قالوا أيعقل دولة تملك مثل هذا النظام ولا تستغله للتجسس، يعني ان الفرنسيون كانوا يعبرون عما بدواخلهم اكثر مما كانوا يقولون الحقيقة، اي انهم لو كانوا يملكون مثل هذا النظام لاستغلوه للتجسس، وهذا سيدخلنا الى الاسئلة التي طال ارتقابكم لها.

السؤال الاول، لماذا يصف ويسمي كل حزب او تنظيم او منظمة او اتحاد لدينا في الشرق، نفسه بالديمقراطي وهو بعيد كل البعد عنها ايمانا وممارسة، هل لأنها موضة أم لا؟ لأن العم سام يريدها، واليانكي مرغوب والكل يخطب وده؟

السؤال الثاني لماذا يقوم كل مشبوه في علاقاته وارتباطاته ونظافة يده، باتهام الاخرين بهذه الصفات ليلا ونهارا؟ الم تروا صدام الفأر وهو كان يتهم الجميع بكل الفواحش، وبأنهم باعوا القضايا المصيرية، ان الجرذي هذا كان مستعد لبيع الاخضر واليابس بمجرد قبول السيد بوش الابن ببقاءه على سدة الحكم، اعني مسؤول مقصلة العراقيين، لعلمكم ان أبا عداي معجب بالمقاصل لانها انتاج فرنسا الصديقة.

السؤال الثالث لماذا نكثر ونقول ان الاسلام دين السلام والتسامح والمحبة، والتلفزيونات ترينا كل يوم قطع الرؤوس والذبح العلني، الاعتداء على الاقليات الضعيفة، هل اصبحت المعايير مقلوبة ام حقا ان من يمارس هذه العمليات لا يمثل الاسلام، بل يمثله فقط شيخ الازهر وهيئاته التي تمنع وتحرم وتحلل على رغبة الحكام.

السؤال الرابع لماذا ترفض الدول العربية الاصلاح الامريكي، وترفض الاصلاح العربي بطلب امريكي أو بطلب شعوبها، وكيف يتأتي لهم القدر على القول اننا نرفض الاصلاح، اليس الاصلاح سنة طبيعية في المسار الانساني، ام ان ابناء يعرب وقحطان امنوا بشعارهم الخالد اننا لن نتنازل عن ثوابتنا. كما لماذا يربطون بدء الاصلاح بحل القضية الفلسطينية، ايعتقدون ان السيد ارئيل شارون، متلهف لكي يرى اصلاحا في امة الاعراب ويا ليتني شارونا؟

السؤال الخامس لماذا يؤيد اغلب العربان ما يسمى المقاومة العراقية، ألم يروا نتائج مقاوماتهم السابقة والى اين وصلت بهم الحال، وهل يعرفون لهذه المقاومة هدف وغاية، وهل المقاومة هي عندهم هي تخريب انابيب النفط وقتل الشرطة والحرس الوطني وابناء الاقليات الدينية، ام ان التأيد هو تعبير عن سادية متأصلة، نتيجة لثقافة تعلم الكراهية والحقد ونرجسية مدمرة لصاحبها وللحضارة.

السؤال السادس لماذا كلما اتى البعض على ذكر ميثاق حقوق الانسان، سارع العرب الى القول على ان يحافظ ويتماشى مع قيمنا وثقافتنا، اليس للاخرين ممن قبلوا به، قيم وثقافة؟

بالطبع ان الاسئلة المحيرة يمكن ان تتناسل واحدة بعد الاخرى، ولكنني اكتفي لحد هذه، لكي ينام القارئ العزيز قرير العين، والحال على احسنها، وكل ما نسمعه بخلاف ذلك، موأمرة امبريالية صهيونية من اتباع المحافظين الجدد في التيار المسيحي الصهيوني الصليبي الرجعي والمتحالف مع مخلفات المرحومين ماركس وانجلز، لصد نورنا على العالم المليء بكل الشرور والموبقات. 14 كانون الاول 2004

 

الاشوريون وصراعاتهم.. رغم السيف المسلط على رقابهم

 

لم تكن اشوريتي نتيجة لعمل قمت به ولا لانجاز توجت به حياتي ولا ابداع انتجته قريحتي، ان اشوريتي اتتني بالولادة من اب وام اشورية، وفي قرية اشورية ليس الا. ولكن من الصعب توضيح ما هي الاشورية، هل هي اللغة المحكية والتي نسميها ال سورث، ام هي الدبكات والملابس والامثال والتاريخ ام هي الارض بجبالها ووديانها وانهارها، ام هي كل ذلك مع الشعور بالارتباط باناس على بعد منك بهذا المسافة او تلك يتمتعون او يمارسون ما تمارسه وتتمتع به من ميزات محددة يحسها المقابل.

سمعت كما سمع امثالي من ابائنا او امهاتنا او الاكبر سنا، اننا بعد ان صرنا مسيحيين لم نعد اشوريين لاننا تركنا عبادة الثيران او الاصنام رغم ان تاريخ الاشوريين لم يحتو على الاصنام ولا عبدو الثيران ولكن من اين اتى هذا اليقين عند الناس البسطاء عن تحولنا من اتوراي (اشوريون) الى سورايي (سريان) او مشيخايي (مسيحييون) لا احد يدرك ذلك، ولكنه كان يقينا وتحذيرا لعدم العودة الى عبادة اخرى. اذا حتى لدى الاميين هناك ارتباط بينهم وبين الاشوري القديم قطعه الايمان الجديد، ولكن الفلاح الامي لا يمتلك ادوات توضيح الامور بشكل فلسفي كما يفعل بعض المثقفين الذين ابتلينا بهم، انه رواية من اناس ان راوا صفحة مكتوبة بالسورث (السريانية)، لا فرق بالسبريتا (الادبية) او السواديتا (المحكية) لقبلها وحاول ابعادها عن الايدي او ان تدوسها الاقدام لاعتقاده انها مقدسة تخص الانجيل او كتب الصلاة، لانه لم تكتب بلغتنا الا كتب الصلاة او هكذا اعتقد غالبية الناس. اذا انهم يفسرون كل شئ بالايمان، انه فخر الايمان المسيحي ولكنه لا ينكر اصالة الجذور.

من المعيب ان نحاول ان نثبت اشوريتنا او كلدانيتا او سريانيتنا بهذه السوقية المبتذلة التي تملاء صفحات مواقعنا. من المعيب ان اعتبر ان سركون الاكدي او الثاني او اشور بانيبال او نبوخذنصر او حمورابي حملة مشعل النضال والوعي القومي والوطني في زمن لم يكن له لهذه المفاهيم وجود اصلا ومن الغباء اسقاط المفاهيم السياسية والايديولوجية والدينية على واقع اخر مختلف كليا.

قبل سنوات تم صلبي والتهجم علي لانني قلت انه لا يمكنني ان اثبت انني من اولاد ملك اشوري او حتى من اولاد البستاني الذي كان يعمل في حديقته، وزاد التهجم على حينما قلت ان دماءنا مختلطة، نتيجة لاختلاط الشعوب المنطقة من مختلف القوميات والاديان، من لدن ادعياء القوميين الجدد، المحملين بكم هائل من المفاهيم العنصرية والتعصب النابع من واقع مرير، لا يرى حلا الا في التشبث اكثر واكثر بالانغلاق والمزيد من التعنت وطرح الشعارات المستحيلة.

الدعوة الاشورية لم تكن يوما دعوة عنصرية، لانها لا تعتمد على نقاء الدم والعنصر والسحنة، بل الاشورية هي حركة اجتماعية سياسية إنقاذية ما بعد العشائرية، اجتماعية لانها ارادات تغيير بنية المجتمع بحيث يكون الولاء لشئ اعلى من العشيرة والكنيسة انه المصالح القومية العليا، تلك المصالح التي تنخلق وتترسخ بتطور الحركة القومية والتي تحقق الحماية والامان لكل ابناءها، وسياسية لانها اتبعت اسلوب العمل السياسي من خلال اقامة منظمات واعلام وتبشير ومطالب سياسية واضحة اعتبرت الحد الادنى للحفاظ وتطوير المكون القومي بكل كنائسه وتسمياته وعشائره وقراه وجباله وسهوله، ارادت جمع العشائر والافراد من ابناء القرى في جبال المنطقة وابناء سهول الموصل واورميا الذين تربطهم اصرة اللغة والعادات والتاريخ المشترك، والدين الواحد والذين تعرضوا لموجات القتل والاضطهاد والتنكيل المتتالي والمتعدد في مراحل التاريخ، في كتلة موحدة ترتقي في مصالحها الى حماية الذات بشكل مشترك وبناء مستقبل افضل لها. وكان على هذه الحركة المابعد العشائرية والتي انطلقت من مثقفين من ابناء السهول او ممن تعلم في المدارس واطلع على ما يختمر في الشعوب الجارة مثل الاتراك والكورد والارمن والعرب، ان تختار اسما يربطها ويؤطر عملها الثقافي والسياسي، اسما يحاول ضم كل هذا الخليط المنعزل عن بعضه البعض والمتصارع احيانا بعضه مع البعض، رغم تعرضه للمذابح والتنكيل والاهانة من قبل الجوار. وتم اختيار الاشورية (اتورايا) تيمنا باقوى واطول فترة من العمل السياسي والاستقلال لشعبنا في الماضي وتيمنا بما هو مغروس في اقوال الفلاحيين الاميين وماهو ثابت في مراحل من التاريخ الكنسي، وكان الاعتماد في عمل هذه الحركة على العشائر في الاغلب كقوة لان هذه العشائر كانت منظمة هرميا ولانها كانت تمتلك استقلالية نسبية ولانها كانت تمتلك السلاح ولانها كانت تعتبر من قبل الجيران قوة يحسب حسابها (الاكراد كانوا يقولون في مثلهم بما معناه الرجال في المنطقة ثلاثة التياري والزيباري والشنكاري) (وهذا الاعتماد ايضا شاركنا فيه كل من العرب والكورد). وكان يمكن ان يتم اختيار الاسم الكلداني (كلدايا) او السرياني (سورايا) ولا اعتقد ان المعنى والاصرة والتاريخ كان سيختلف فيهما شئ ما. ولكن على الارجح انه تم استبعاد تسمية كلدايا وسورايا لانهما استعملتا في تسمية احد كنائس شعبنا بهما كنيسة بابل على الكلدان (الكنيسة المنشقة عن كنيسة المشرق والتابعة لكنيسة روما)، والكنيسة السريانية الارثوذكسية في حين ان التسمية الاشورية لم تستعمل كاسم مرادف لكنيسة الا بعد عام 1976 وهو خطاء ان كان له مبرر حينها فكل المبررات قد زالت الان ليعود اسم الكنيسة كما كان. لاحظ ان تسمية الاشوري بمعناها حركة قومية تؤطر العمل السياسي لشعبنا، تم استعمالها ما بعد منتصف القرن التاسع عشر، رغم ان الناس العاديين كانوا يعتقدون انهم تركوا الاشورية باعتناقهم المسيحية، وهذا يتوافق مع استعمال التسمية الكوردية كتسمية قومية لعشائر ومجموعات بشرية ذات سمات لغوية معينة ومع ادراج التسمية العربية كتسمية قومية لشعوب ومجموعات بشرية عديدة.

للشعب الالماني، والذي نمت فيه الحركة القومية منذ انبثاق هذه الدعوة اوربيا. في التاريخ أسماء عديدة ولا يزال بعض الجيران يطلقونها عليه، مثل الجرمان والالمان ولكنهم هم يقولون عن انفسهم الدويتش، في الانكليزية لايزالون يطلقون عليهم الجرمان، والفرنسيين الالمان، والسويديين التسك، ولكنهم لا يعانون من اي مشكلة لانها مسألة طبيعية ان يكون لشعب ما تسميات تاريخية مختلفة، لاسباب طبيعية، مثل ارتقاء بعض الاسماء مرحليا، او ان تكون اسماء قريبة من جيران معينين بالنسبة لهم يشمل الاسم كل من ينطق لغة معينة او يمارس عادات وتقاليد معينة. وهكذا بالنسبة للفرنسيين ولاغلب الشعوب التي اتجهت منحا قوميا في مسيرتها. ولكن لعدم نضوج الحركة القومية الاشورية حالها حال العربية والكوردية، وخصوصا ان الحركة القومية الاشورية لم تتمكن من ان تقيم دولتها ولا مؤسسات قومية قوية، لا بل تعرضت لمذابح كبيرة افقدتها اكثر من نصف شعبها مع تنوع اسباب المذابح. صارت مسألة التسمية احد المسائل التي يحاول البعض الاتجار بها وكانها الأساس وليس المكون الحامل لها هو المهم، ان الحركة القومية الاشورية كبقية الحركات القومية المجاورة، تطالب بالوحدة في كل شئ ويكاد ان يرعبها التعدد، ولو لا حظنا العمل الحثيث لتوحيد مؤسساتنا بمختلف توجهاتها او توحيد الخط او توحيد اللهجات لأدركنا مدى حساسية الحركة القومية الاشورية نحو التعددية، لانها كما قلنا لم تقم دولتها وتسن قوانينها وتتطور طبيعيا كما تطورت الحركات القومية في أوزبا بالخصوص، كما ان هذه الحركة لم تمتلك اقتصاد قومي يوحد الناس في مصالحهم ويوفق بينهم وبين مشاربهم المختلفة.

شئنا ام ابينا فان حوالي اكثر من الف سنة من الحكم الاسلامي على المنطقة ورغم انه كان حكما صوريا بمعنى ان حضوره كان دوريا في فترات الغزو واستحصال الجزية والسبي وخصوصا في القرى المنعزلة، الا ان تقسيمه الناس على اساس الدين، وتمييز اصحاب دين معين اقتصاديا واجتماعيا بمميزات افضل من غيرهم ترك اثره في الناس وفي تصورها لشكل تكوين الشعوب والدول. ومع قيام الدولة العثمانية بإضفاء صفة الملة على بعض الكنائس واعتبارها كهيئة مستقلة عن الاخرين ومنح زعيم الكنيسة صفة الممثل لهذه الملة مع منتصف القرن السادس عشر. وخلال القرون الاخيرة ترسخ هذا التقسيم حتى كاد ان يكون حقيقة ثابتة ولا نزال نعيش اثاره وتداعياته لحد الان في التراشق الاعلامي المثير للاشمئزاز، رغم ان الكل الان امام مصير واحد لا يخيرهم ولا يبشرهم الا بالزوال الابدي.

نحن نعيش في حالة يمكن ان يقال عنها الزمن السريع او المتسارع، بما يتضمنه من المعارف المختلفة والتطورات ومعرفة التفاصيل اليومية للاحداث، مما يسمح للناس بقياس الزمن بصورة طبيعية، في حين ان اجدادنا وغالبيتهم كانوا الى فترة قريبة يستعملون نفس المحراث ونفس الكانون والتنور وكور الحدادة المستعمل في زمن اجدادهم في نينوى وقراها او بابل ونجوعها، كان الزمن ثقيل، ولو اضفنا عليه الكوارث والامراض والاوبئة المختلفة لأدركنا ان الناس كانت تعتبر اربعين سنة بطول قرن او اكثر، لان اغلبهم كانت ذاكرتهم ترتبط بحدث معين، كان يقولوا من زمن المرض او من زمن ذبح الثور الاحمر او من زمن مذابح بدرخان بك. في هكذا حالة والتي عاشها اجدادنا قبل مائة سنة واكثر، كانت اغلب القرى مكتفية ذاتيا والتبادل بينها لا يجري الا بالمناسبات وكان الوضع الامني خلال اكثر من الف سنة محفوفا بالمخاطر السرقة والسلب والقتل لاجل مجرد سلب قميص، وزاد الامر تعقيدا مع المذابح المغولية وإخلاء الكثير من المناطق من ابناء شعبنا ونال الخلاص من التجاء الى الجبال العصية. اذا الناس كانت لا تتحرك لانها لا تهوي السفر، بل كانت تستقر وتتآزر في قراها خوفا من الغريب ومن ما يأتيه. في مثل هذه الحالة لا يمكن انتاج فكر قومي ولا وطني ولكن الديني بقى لانه كان يمنح الطمأنينة لما بعد حياة العذاب والخوف المعاشة، ولان ممثل الدين ظل معهم يعايشهم ويعاني مثلهم في قراهم والاهم انه كان الوحيد الذي يفك الخط اي المتعلم. وهذه كانت حياة اغلب الناس سواء ابناء شعبنا او من تحول الى الاسلام او من بقى من الاديان الاخرى، والحالة التي حاول الناس تنظيمها كانت التحالف في عشائر والتحصن في مناطق صعبة الوصول اليها، مثل مناطق حكاري لابناء شعبنا، والعشائر بمختلف اديانها وقومياتها سنت قانونها الخاص بالحق بالسلب في ما بينها مما رسخ حالة عدم الاستقرار والحروب المستمرة. ولكنه حمى الافراد في مجموعة لن تتخلي عنه ابدا ومهما كان ما فعله في قول يردده العرب انا واخي على ابن عمي وانا وابن عمي على الغريب. ولكن بفعل الصدمة الاوربية وما اتت به من معارف وعلوم وابحاث حدث شرخ كبير في العقلية الجامدة والتي لم تتغير منذ مئات السنين، صدمة جعلت الناس تتسائل وتبحث عن طريق مماثل لعل وعسى ان يغير من واقع الحال.

لا نزال نجتر ما رضعناه من الثقافة العربية، ونسميه اشورية، فها نحن نحاول اضفاء صفة الدولة العصرية على حالة لا يمكن تسميتها بهذه التسمية الا مجازيا، فصحيح ان الاشوريين القدماء احتلوا مناطق واسعة،ولكن هذا احتلال مؤقت وموضعي، ارتبط بوضع ممثلي السلطة في موقع القيادة ولكن الناس العادية لم تتاثر بوجود هذا او ذاك من الحكام، وفي اغلبها وخصوصا في القرى والمناطق البعيدة عن الجيوش التابعة للحكام، لان الاحتلال لم يحول معتقدات الناس او لغاتهم او حتى القوانين التي يسيرون بها، والمهم للاحتلال كان الجزية التي كانت تجبى باسم الملك وليس الدولة. وهذا الامر ينطبق على اغلب ما نسميه الامبراطوريات والدول مجازا، لغاية نشؤ الدولة العصرية والدول القومية مع بداية القرن السابع عشر. ولا يزال مجال فخرنا هو الجيش القوى وليس الاستمرارية والعدالة والعصرنة، لقد كانت الامبراطوريات والدول ما قبل ظهور الدول الوطنية تنسب كل شئ للحاكم وحتى الاراضي كانت ملكا للحاكم وليس للرعية وكان يمكن للحاكم التصرف بها حسبما شاء، اذا اين الدولة القومية؟.

قبل اكثر من مائتي عام كان الانسان العادي يفتخر بدينه وبعشيرته وقريته وال بيته في مناطقنا المتراجعة الى الخلف في كل مجالات الحياة. ولم يكن هنالك تسميات مثل (امتا) او (الامة) او (مله ت) او حتى لم تكن هناك كلمات مثل (عما) او(الشعب) او(گه ل) كانت هناك رعية السلطان. واستمدينا هذه المصطلحات لكي نخرج من تحت عباءة السلطان ونتحول الى احرار وقلنا الامة العربية والكوردية والاشورية، اذا اغلب إسقاطات الاشوريين او حتى بعض العرب عن وجود الامة بمفهومها السياسي قديما، ليس صحيحا. وإلا لما كانت هناك عشائر ومذاهب متصارعة لحد انها حاولت التخلص أخداها من الاخرى بدفع الغريب للاعتداء من حسبته غريمها، ولذابت في الامة منذ أمد طويل، ان التعاطف كان على اساس الديني والمذهبي وكان المذهب يعتبر السياج الحامي للانسان. والامر لم يكن خطاء او تخلف بقدر ما كانه حالة معاشه من الكل، حيث ان المفاهيم الاجتماعية والسياسية تتوالد نتيجة لتطورات اقتصادية أيحابيه وهي حالة لم نعشها.

صار من المفهوم ان التطورات السياسية ووصول المؤثرات الاوربية والنتائج التي حققتها بعض الشعوب التي ابتهجن المفهوم القومي مثل اليونان والألبان والصرب وغيرهم مثالا يحتذي للارمن ومن ثم لكورد والعرب والأشوريين، مع التنبيه ان التسميات الثلاثة الاخيرة استعملت بعد الوعي بدور الامة والقومية في تحقيق انتصار للشعوب وتحررها.

اليوم شعبنا الاشوري مشرد في اربعة اصقاع العالم، وفي موطنه، كايران صار اقلية لا تذكر وقراه باتت خاوية، وفي تركيا الحال هو كذلك، وكانت قد بقت لشعبنا قوة في العراق وسوريا، ولم يتمكن الوطنان من استيعابنا، وان تدعنا نعيش في ظل اثارنا التي نتفاخر بها. وقامت داعش مؤخرا باخر اجتياحاتها لاخر مواقعنا الثابتة والمستمرة، ولا يزال البعض في مرحلة المزايد، طارحين شعارات لا يمكن تحقيقها لان ادوات التحقيق قد تم ازالتها وهي البشر او من خلال التلاعب بالتسمية والاصرار المتعمد على اظهار التفوق المرضي والفرض الطفولي على ابناء الامة.

ولو تتبعنا مسألة القوات المسلحة والتي هي علنية، وردود الفعل عليها لأدركنا مدى المزايدة الكلامية حولها، فرغم ترحيبنا الشخصي بها وبانها تقدم امل جديد لشعبنا ولإصراره على البقاء والمشاركة في الجهد الفعلي لتحرير الارض كمقدمة للمشاركة السياسية لما بعد ذلك، فان البعض يزايد بان تكون هذه القوة مستقلة كليا عن اي تعامل او مشاركة مع الاخرين في حين انه ليس لها تلك الموارد ولا القدرات المادية والسياسية واللوجستية لكي تحقق ذلك، وبحكم ذلك فهي مضطرة للتعامل مع القوى المحلية وتنسق لكي تكون في الصورة.

نحن كشعب او تسميات او كنائس، نحاول بكل الطرق ايجاد وتضخيم ما يفرقنا ويبعدنا بعضنا عن البعض، في حين ان الشعوب الاخرى ترى ان الاختلاف طبيعي ولكنهم يحاولون ايجاد ما يوحدهم، فحتى اوربا امام تضخم دور اميركا واقتصادها لم ترى الا العمل من اجل ما يوحدها لكي تتمكن ان تتنافس في عالم اليوم، والكل يعلم مدى قرب اوربا واميركا الحضاري. فهل نتعلم؟

22 كانون الثاني 2015 ايلاف

 

 

ابناء النهرين العودة الى البدء

 

نشر حزب ابناء النهرين رسالة تحت عنوان رسالة مفتوحة الى قيادة الحركة الديمقراطية الاشورية، ومن خلالها الى قواعدها ‏ومؤازريها المحترمين.  وقد ارسل لي بعض الاصدقاء راي احمد سعيد الحركة والذي رفض الرسالة جملة وتفصيلا، فهو يعتقد ‏بان على ابناء النهرين العودة الى بيت الطاعة. والشئ الجيد في راي احمد سعيد الحركة هو انه يمكن التملص منه باعتباره غير ‏مخول التحدث باسم الحركة في اي لحظة. ولذا نتمنى ان ترد الحركة بايجابية على الرسالة ولكن ان يعي الطرفان ان التسيق مع ‏بقاء الممارسات والاخطاء لن يحل اي معضلة.‏

اود ان اسجل ان الانقسام اي انقسام في اي مؤسسة من مؤسسات شعبنا هو مدعاة للاسي والحزن، فانا شخصيا قد عبرت مرار ‏وقلت ان اي مؤسسة هي ملك لشعبنا، وما تملكه من خبرات وامكانيات هو ملك بالنهاية لهذا الشعب، بغض النظر ان البعض ‏يستعمل هذه الامكانيات والقدرات لغير ما جمعت وراكمت لاجله.‏

‏((لا شك إن المرحلة الراهنة التي يمر بها شعبنا الكلدوآشوري السرياني وقضيته القومية.. باتت معقدة جدا لا سيما في ظل ‏التجاذبات الداخلية التي يشهدها من جهة، وغياب قيادته السياسية وعدم تحقق الوحدة القومية ولو بأدنى مستوياتها من جهة أخرى. ‏إلى جانب الدور السلبي الذي يلعبه باستمرار حلفاء الأمس في تغذية وديمومة هذا الواقع عبر مختلف الوسائل‎.‎‏))‏

اود ان اعلم من يتم مخاطبته في هذه الفقرة، يا ترى منذ متى لم تكن قضيتنا معقدة جدا، وما دور السياسي، اليس في العمل للتغلب ‏على التعقيدات وفتح الطريق للانجازات؟ ولماذ ننتظر من حليفنا او من ندعي انه حليفنا، ان يقوم بالمهمة بدلا عنا؟ ولماذا نريده ان ‏يتغاضى عن مصالحه، لاجل من؟ هل لاجل عيوننا السود مثلا؟ اود فقط ان اوجه انظار كاتبي هذه الفقرة هل سمعوا بالخطاب الذي ‏ينشره من وجهت له الرسالة؟ لماذا لا نحاول ممارسة العمل بقدراتنا وامكانياتنا وبزيادة وتقوية تحالفاتنا، وحتى لو كنا نعتقد ان ‏حلفاء الامس لم يعودوا كما كانوا بالامس، هل عملنا للتحضير لتحالفات منطقية وقابلة للتطوير ولزيادة ميزان شعبنا في الصراع ‏القائم لاجل حفظ الحصص مثلا؟ ‏

‏((كل ذلك وغيره من القراءات إزاء واقع شعبنا المؤسف تضعنا اليوم جميعا في موقف مراجعة الذات وإعادة الحسابات بآليات ‏عملنا القومي برمته))

اخوتي الاعزاء اسمحوا لي ان اقول انكم لم تراجعوا الذات ابدا. ولا ترغبون من التعلم من التجارب ابدا. لان مراجعة الذات تعني ‏التعلم من التجارب. وتعني حقا اليات جديدة! ‏

‏((فبنظرة متأنية فاحصة لقضية شعبنا على مدى أكثر من خمسة وعشرين عاما الماضية حتى الآن، فإننا سنجدها بلا شك في تراجع.. ‏لا بل تُعد مأساوية في الكثير من ثناياها، على الرغم من محاولات تجميلها بمنح وإقرار بعض الحقوق هنا وهناك، والتي كانت ‏بمجملها ناقصة أو مشوّهة، ولم ترتقِ إطلاقا لأدنى مستويات طموحاته وتطلعاته المشروعة‎.((

اذا قضية شعبنا في تراجع مستمر، لا بل تعد مأساوية في الكثير من ثنايها، ماهي البدائل التي تم طرحها خلال هذه الخمسة ‏والعشرون السنة، لعدم تراجع ولعدم وصول الامر الى الوضع المأساوي، وانتم كنتم جزء من قيادة الحركة خلال كل تلك المدة على ‏الاقل في الواحد والعشرين الماضية ان لم تكن في الخمسة والعشرون سنة الماضية. ان مراجعة الذات تعني طرح الامور وتحمل ‏المسؤولية. فقط اود ان اعرف كيف يمكننا تشخيص السلبيات بكل هذه العمومية والتي يراد منها رفع العتب، وتحريك بعض ‏الاغصان لعل بعض الهواء يغير الواقع. واذا كانت الحقوق ناقصة ومشوهة، فاين مقترحاتكم لتعديلها وتطويرها؟

‏((ففي الإقليم.. فقد شهدنا الانتهاك تلو الانتهاك طيلة هذه الفترة بدءا من التعمد في تجاهل مبدأ شراكة شعبنا الحقيقية في العملية ‏السياسية التي شاركنا في وضع حجرها الأساس، ومرورا بهضم حقوقه الإدارية والتجاوز والاستيلاء على أراضيه، وانتهاءا ‏بالتدخل السافر في قضايانا الداخلية.. وغيرها من الملفات الاستراتيجية التي تمس شعبنا في الصميم‎.‎‏))

في 29 تشرين الاول 2008 وفي مقالة تحت عنوان لم نقل اننا نريد الحكم الذاتي في السماء، اكدت مرارا على مبداء الشراكة وهذا ‏كمثال، لا بل اننا في عام 1995 وفي رؤية اشورية للعراق الموحد، اكدنا على مبداء الشراكة وحق الفيتو للمكونات، اين كان بقية ‏تنظيماتنا السياسية من هذا الطرح، ليس بالقبول او الرفض، بل بالحوار حوله، لتطويره او اغناءه. اذا كان هناك من اكد ولفت النظر ‏حول الامر. ماهي طرق التدخل السافر في قضايانا من قبل الاقليم، الذي كنتم جزء من تكوينه الاداري والسياسي؟ اخوتي الاعزاء ‏مرة اخرى نحن المخطؤن، نحن كلنا حينما لا يمكننا الحوار. وفي خضم كل ما كان يحدث كما تقولون في فقرتكم اعلاه والتي افهم ‏منها انها حدثت في التسعينيات، كان نضال الحركة متجها الى كيفية، العمل من اجل سد الابواب امام حضور بقية تنظيمات شعبنا ‏على الساحة السياسية، وباخس الطرق، كنشر اتهامات بالعمالة مرة للنظام ومرات للكورد الذين كنتم تعملون معهم وتحكمون معهم ‏وتشاركون معهم في وقف اقتتالهم الكوردي الكوردي، كما سمعنا. في عام خريف 1984 نشرت افتتاحية لصحيفة خيروتا التي لا ‏يذكرها احد علما انها الصحيفة الاكثر نشرا ووضوحا لمضمون حقوقنا، لا بل من ذالك الزمان طالبنا بالمشاركة في القرار كوننا ‏جزء من الشعب العراقي. اقول في تلك الافتتاحية لفت النظر الى ظرورة التعامل مع ابناء شعبنا بطريقة سلسلة وهادئة والا فانهم ‏سيطلبون ان يستظلوا بمظلات قانونية اخرى، حينما يشعرون باننا نقسو عليهم او نظلمهم، وكان ذلك بعد ان رايت البعض يقسوا ‏على ابناء شعبنا لانه يمتلك القوة. ماذا كان توقع البعض من الاطراف الاشورية ان تعمل وحركتكم تحاول ان تسد كل الابواب ‏امامهم بنشر الاكاذيب، هل كان عليها ان تلم جويلاتها وترحل او تعلن الاستسلام، ام انه كان عليها ان توضح وتفند ما تم نشره. ‏ورغم عدم نجاح الحركة في مسعاها الا انها استمرت على هذا المنوال، ومع الاسف لا تزال، وانتم لم تتنصلوا من هذه الممارسات ‏ابدا. والدليل اتهاماتكم التعميمية ضد اطراف شعبنا بعد الانتخابات لانها ترى ما لا تروه.‏

‏((ومن الطبيعي هنا أن نُحمّل المسؤولية المباشرة للحزب الديمقراطي الكردستاني كونه الحزب الحاكم طيلة هذه الفترة‎))‏

لا ابدا ليس طبيعيا ابدا، بل الطبيعي ان نتحمل مسؤولية ما عملنا وما لم نعمل، ولنقلها صراحة اننا لم نتحمل مسؤلية ما حملناه من ‏الواجب على اعناقنا، وكنا متلهين باظهار سلطتنا من خلال بعض الالسن الكريه ضد بعض ابناء شعبنا او بعض شركاءنا في ‏الوطن، وبصورة مستفزة.

‏((أما بالنسبة للمناطق التي تقع تحت سيطرة بغداد، فقد شهد شعبنا وكما تعلمون، منذ عام 2003 الكثير من الاستهدافات والقتل على ‏الهوية وإقصائه من المشاركة السياسية الحقيقية، إلى جانب حرمانه من حقوقه كشعب أصيل.. مما دفعه إلى ترك مناطقه، واللجوء ‏إلى الإقليم.. ومن ثم الهجرة إلى خارج الوطن، وبذلك فقد تناقصت أعداده بشكل كبير.. ناهيك عن معاناة أهلنا في سهل نينوى في ‏ظل غياب الرؤية الواضحة لمستقبل هذه المنطقة بعد المآسي التي تعرضت لها على يد عصابات داعش‎))‏

كل هذا والبعض قال انهم في اصطياف، واذا كان شعبنا مظلوما ومقتولا ومضطهدا في الاقليم كما نستشف من الفقرات اعلاه، لماذا ‏لجاء شعبنا الى الاقليم؟ ولماذا هاجر الى الخارج، ما كان دوركم ودور بقية الاحزاب في ذلك، علما انكم تدركون ان الاقليم في ‏حينها استوعب اكثر من مليون انسان اي تقريبا بمقدرا ربع سكانه، نزلوا فجاءة عليه وهم بحاجة لكل البنى التحتية والمواد ‏الضرورية. فما كان دور احزابنا كلها؟ هل وجهتم نقدا لدورها السلبي واللا ابالي حول المسألة، ولولا بعض الكنائس و منظمات ‏المجتمع المدني الاخر، لكانت قد وقعت كوارث اكبر. لنتذكر ماذا عملت اللجنة الخيرية وكيف عمرت الدور في بداية التسعينيات ‏تلك الدور التي هلل لها البعض،والتي لم يتمن احد ان يعيش فيها، ولكنه وقف وبكل صلافة ضد مشاريع السيد سركيس اغاجان. هذه ‏المشاريع ورغم قابليتها للنقد وللتعديل واقتراح سبل افضل، ولكن احزابنا لم تستفد منها وتقوي الروابط بين الانسان والارض من ‏خلال نشاطات وفعاليات تظهر وجودنا ومشاركتنا في الحياة في الاقليم. ان المشاركة ليس من طرف واحد، بل متبادلة، فكم اشوري ‏تمكنتم من فرضه على الاجهزة الامنية، وعلى حراس الغابات وعلى البشمركة. اعزائي لقد كانت احزابنا بغالبيتها تعيش حالة غربة ‏عن الاقليم، لا بل دفعت نحو ذلك الاتجاه من خلال تعبئة الراي العام وخصوصا في المهجر بهذا الاتجاه.‏

‏((وانطلاقا من هذه الرؤية لواقع شعبنا المرير الذي فُرض عليه عبر سياسات ووسائل أقل ما يُقال عنها أنها كانت ولا زالت مجحفة ‏وغير أخلاقية، وتلبية لما نشعر يقينا أنه مطلب جماهيري مُلح لا سيما في هذه المرحلة المصيرية والمفصلية من تاريخه‎.((‎

ان ما قلتموه اعلاه ليس رؤية، بل هو مشاركة فعلية في رؤية القيادة الحالية في حركة الديمقراطية الاشورية، بمعنى انها رؤية ‏مشتركة مؤسفة، تظهر انكم بدلا من ان تتطورا، تراجعتم عن الكثير من الامال التي وضعت عليكم. ان نزلولكم وبثقة عالية في ‏الانتخابات ورغم ضم قائمتكم وجوها ذات مصداقية وقدرة وامكانيات، وعدم قدرتكم على النجاح، باعتقادي يجب ان لا يجعلكم ‏تضيعون او تلغون الخطوات الايجابية من نوع الجرأة  والانفتاح على النقد. ما حدث في الانتخابات الحالية حدث قبلها وقبلها، ‏وكانت هناك دلائل على ان نجاح البعض في انتخابات الاقليم والعراق سابقا حدث بمساعدة اطراف اخرى، ونتيجة لحسابات سياسية. ‏واليوم وانتم دخلتم هذه الانتخابات ولكن حصلتم ايضا على اصوات يمكن التشكيك فيها، لانه من غير المعقول ان تاتي هذه الكمية ‏نتيجة اخطاء اليس كذلك، ولكن التشكيك قد يكون بمقدار ما حصل كل طرف. اذا ليس هناك احد افضل من الاخر.‏

‏((نمد يدنا إليكم صادقين مخلصين لنمضي معا نحو التصدي باتجاه تغيير هذا الواقع نحو ما يصبو إليه شعبنا في تحقيق طموحاته ‏المشروعة، وذلك بالتنسيق المشترك ودون تحفظ في الوطن والمهجر، ولنضع الآليات والفعاليات القومية المناسبة التي ترتقي ‏ومستوى التحديات التي يمر بها شعبنا‎(( ‎

لا غبار على مد اليد، لا بل لا غبار على العمل المشترك او حتى الوحدة في حالتكم مع الطرف الاخر، اي الحركة الديمقرطية ‏الاشورية، ابدا فكلما اجتمعت الاطراف والامكانيات قوت المقدرة على مواجهة الصعاب، ولكن ليس باخفاء الاخطاء والخطايا، انكم ‏لم تعملوا غير ذلك ايها الاخوة، اين المعالجة اين وضع الاصبع على الجرح. ولكن ما يمكن ان يقال هنا ايضا، هو لماذا استثنيتم ‏الاخرين؟ اذا كان الامر هو التنسيق المشترك. اليس مطلوبا ان يتم ضم كل الاطراف تحت خيمة واحدة، بحيث لا يمكن سلبكم ‏شرعية التحدث باسم شعبنا. ان الاخرين ومهما كان رايكم فيهم فهم من ابناء شعبنا، وليس لكم حقا اخلاقيا لتحاولوا ان  تفرضوا ‏غير ذلك. لا بل ان الاخرين سيكونون صيد سهلا لدسائس البعض وذلك لقلة  خبرتهم بالسياسية اليومية في مناطق تواجد شعبنا ‏وخصوصا في الاقليم وسهل نينوى. فاليس من واجبكم ضمهم الى العمل المشترك لكي يتم تنويرهم بما يحدث؟ ‏

01/06/2018

 

الثقافة والسلطة… أشوريا

 

قد يكون العنوان متعسفا نوعا ما، لأننا أساسا لم نملك سلطة حقيقية وبالأخص خلال الفترة التي يمكن ان تدرج ضمن هذه المقالة. إلا انه لا يمكن ايضا، تناسي او تجاهل البعض  وممارساتهم ممن حاول ان يتمثل او يدعي السلطة (بمفهومها الشرق أوسطي)، وحاول ممارسة دورها الغبي في الاستحواذ على كل الأدوار ووضعها تحت إبطه وتسخيرها لترديد الشعارات السياسية والدفاع عنها والتحكم على الاخرين، من المثقفين.  ولما اشوريا، لانه في شعبنا والجزء منه المؤمن بالاشورية، وتحت يافطة العمل القومي الاشوري، ظهرت اغلب الممارسات التسلطية.

مع تأسيس النادي الثقافي الاشوري، والذي كان بحق حاضنة المثقفين القوميين الاشوريين. برز نوع من الانقسام بين من كان يعتبر نفسه مثقفا، وبمعايير ذالك الزمان، وبين اعضاء اخرين .وكان هذا الانقسام مستندا، الى الدور الذي يؤديه كل طرف، فكان هناك صراع خفي بين المشتغلين بالثقافة ويدعمون الانشطة الثقافية . وبين من كان يدعم النشاط الاجتماعي والفني، رغم ان الفن هو جزء من الثقافة بصورة عامة. كانت هناك نوع من النظرة الفوقية من المحسوبين على المثقفين تجاه الاخرين. واعتبروا ما يقوم به المهتمين بالعمل الاجتماعي والفني ( الحفلات، السفرات، المسرحيات، والامسيات الاخرى). نوع من الترف. رغم انه كان يرفد النادي بالأموال اللازمة لدعم مسيرته ككل. في ظل امتناع النادي عن بيع المشروبات الروحية كبقية الاندية الاجتماعية والثقافية العراقية.

في مقابلة تلفزيونية، اجراها مقدم البرامج المميز يوسف بيت طورو وفي تلفزيون سوريو تي فاو، مع رجل دين من الكنيسة السريانية، يعترف هذا الرجل بانه هو من انشاء وخلق التيار الارامي، ويقول رجل الدين، ان استمد التسمية من الالمان حينما قالو له انتم تتكلمون الارامية. وسبب قيامه بهذا العمل لتعرضه، للتجريح من قبل بعض مدعي الاشورية، ويذكر رجل الدين، ان مدعي الاشورية كانوا معروفين بوضع القلم في جيب القميص كعلامة للثقافة. كما ترون ان الغضب والعناد، يمكن ان يؤدي الى نشوء حالة انقسامية حادة في الشعب. وسبب ذلك، لان المجتمع فيه تاثيرات عشائرية قوية لحد الان وليس لحد وقت هذه الحادثة. وهذه القيم لا اثر لها للقومي والمصالح القومية.

الصراع المنوه عنه اعلاه لوكنا بعقلية اليوم،ولو كنا اكثر تواضعا حينذاك، وقبلنا الاراء الاخرى ولم ندعي امتلاك الحقيقة، لما حدث. ولكن التجارب هي التي تصقل الانسان. وخصوصا انه لم يكن لدينا تجارب قومية اخرى معروفة لنا، الا تجربة اللجنة الادبية للشباب الاشوري في ايران والتي كانت تجربة ناجحة من ناحية النتاج ولكن لم نعلم عن تجاربهم ومعاناتهم ومشاكلهم.

ولكن تجربة جمعية اشور بانيبال كانت ناضجة اكثر، وانفتحت بمقدار اكبر على الثقافة الوطنية، وكان هناك تكامل بين الادوار المختلفة التي كانت تؤديها. ولذا فان صداها امتد ايضا الى مساحات اوسع، وحتى نشاطها واعضاءها كانوا من مناطق مختلفة. علما انه بحسب علمي ليس هناك من كتب في تقييمها لحد الان، وشخصيا لا اقدر ان افيها حقها لانني لم اكن من اعضاءها. الا ان هذه الجمعية ايضا لم تسلم من تسلط السياسي والعمل من اجل الاستحواذ عليها، بمختلف الطرق الغير الشرعية، مما ادى لخمولها لحد انه لا اثر لها  الان في حياتنا الثقافية.

وفي بداية التسعينيات ايضا، تم انشاء المركز الثقافي الاشوري في دهوك. والظاهر انه لم يتمكن ان يقوم بدوره او لم يتم السماح له بذلك. فسريعا ما تم وضع اليد عليه وربطه بالتنظيم السياسي. لكي يكون بوقا لها وليس منبرا للثقافة والتثقيف والحوار المنتج. ورغم استمرار المركز في اصدار مجلته، الا ان تاثيرها كان ضئيلا حقا.  وتحول المركز الى بوق دعاية، ودفع من لم يكن من اعضاء او مؤيدي التنظيم السياسي، دفعهم الى اصدار كراس اوراق من الوطن التي اظهرت تاثيرا نسبيا ولكنه لم يستمر. لانها كانت ايضا بدعم من تنظيم سياسي اخر معارض لمن استولى على المركز الثقافي المؤسس بجهود التنظيم صاحب اوراق من الوطن.

ماذا اراد السياسي القيام به؟ الحقيقة انه لا جواب منطقي، فالثقل والمسؤولية التي كان يمكن ان يتولاها المثقفين، صارت  ايضا جزء من مشاغل السياسي. عمليا وفعليا الموارد التي تتأتي باسم النشاط الثقافي، تذهب لتكون تحت سلطة السياسي. وبذا فهو حين يدعم النشاط الثقافي، يريد ان يقول انه اب وحامي كل المجالات ولا دور لاحد، الا هو. فالسياسي الفقير ثقافيا يحاول ان يغطي فقره، باظهار انه الاب والداعم لمن سماهم بالمثقفين، وهم بالاساس لم يكونوا الا بعض المطبلين للسياسي ولدوره ، وغطاء لممارسة الاخطاء وترسيخها ومبررين باسم الثقافة والمثقفين لكل ما يقوله اويصرح به السياسي. هنا يجب ان لا ننسى دور الكثيرين ممن استساغ اطاعة الحزب باعتباره سلطة قومية على شعبنا، وسلم كل المقاليد لها وكانها منزلة او منتخبة من الشعب. في الوقت الذي كانت كل الامور واضحة، سواء من ناحية التجربة الفعلية والتي هي محك الحكم على قضية ما. او ناحية ان الكثير من ادعاءات السياسي كانت اكاذيب مفضوحة لا تصمد امام حقيقة دور الدولة واجهزتها وذلك للتغطية على سرقات فعلية. كما ان هذه الممارسات والمبررات التي ساقها وساندها بعض المثقفين تتصف بتناقضها مع الاليات الديمقراطية والحريات التي كنا نطالب بها، لا بل سلب الحريات من الناس تحت غطاء الصالح القومي الذي لا احد كان يعلم ماهو، غير السياسي . ناهيك عن ضياع جهد كبير في التلاقي المثقفين مما كان سيخلق اجواء تعمها النقاشات العابرة للشعارات السياسية، لتصل إلى وضع تصورات للكثير من المشاكل اليومية والبعيدة المدى ايضا.

اليوم في اقليم كوردستان لنا، المركز الثقافي الاشوري، المركز الثقافي الكلداني، النادي الثقافي الاشوري. يا ترى ماهو نشاطهم؟ اعتقد اننا لو اتينا بمقياس ما سنجد ان النشاط يمكن ان يكون لاشئ. وهذا واضح وليس تعسفا في الحكم. ولعل احد اهم اسباب ذلك، هو التحكم الايديولوجي، في مثل هذه المراكز. فبدلا من ان تكون مفتوحة للحوار والنقاش، ولا علاقة لادارتها بالتنظيمات السياسية، ولا تتلقى اي اوامر منها، صارت بهذه الطريقة او اخرى بوق دعاية ايديولوجية اما للتنظيم السياسي وقيادته تحديدا.  او في احسن الاحول، مع طرف ضد الاخر في النقاش الغير المنتهي حول التسمية.

شكا لي محاوري من واقع المركز الثقافي الاشوري، علما انه محسوب على قيادة التنظيم الذي يدعي قيادة الامة. قلت له انفتحوا، افتحوا ابواب المركز للجميع. نعم ليس مطلوبا ان يتحول المركز الى الة ثقافية  او شعلة من نشاط الثقافي القومي، ولكن ليكن توازن، بين مهامه، الاجتماعية والثقافية. ليكن هناك توازن بين انتماء بعض قياداته السياسية وبين حرية الحضور والاعضاء في ادارة نشاطات ثقافية، ومنها نقد التجارب الثقافية او السياسية. ان هذا المركز لو كان قد بقي، يدار بحرية وكان اعضاءه من مختلف التوجهات السياسية والتسموية. لتحول مقياسا لكي يتم قياس الراي العام. ولتحول المركز الى صوت وضمير الناس في ما يعانوه. وخصوصا في التسعينيات وحتى العشرية الاولى من القرن الواحد والعشرون. لانه كان هناك امال في التطور والتغيير. بل لكان قد ساهم في ايجاد حلول حقيقية للكثير من المشاكل التي نعاني منها.

في ما نشرته قبل هذه المادة، والتي عنونتها بالمطبوع السرياني، لم اشر الى ظاهرة مقرفة وغير مقبولة، وهي تدل الى الواقع المزري للثقافة ومدعيها. وهي تسيس المنتوج الثقافي. وليس فقط المؤسسة الثقافية، والتسيس هنا تأتي بمعنى ان بعض المؤسسات الثقافية، تتعامل مع المنتوج الثقافي حسب الموقف السياسي. فمثلا ان كان س اصدر منتوج ما، وهو معروف بانه ينتقد سياسيات الحزب ص، فان ما ينشره او يدعمه او يروج له ممنوع من الدخول الى المؤسسة الثقافية   المحسوبة على ص. عندما تصل الامور الى مثل هذا الوضع، فاننا امام ظاهرة خطرة حقا. ظاهرة يجب ان نتوقف عندها ونقول هل نحن مجتمع سوي ام مريض؟

المثقف هو الصوت المرن والناشط والمتفاعل مع الاخر. انه الصوت الذي نتكلم من خلاله مع الاخر، مع الكوردي والعربي والتركماني. كثيرة هي الشكاوي التي سمعتها في زيارتي الاخيرة. ولكنها تبقى  شكاوي، وليست طروحات يمكن ان تفتح افاق لحلول ولخلق بدائل. ولكن المثقف الحر، والخارج من اطار الطاعة الحزبية المقيتة، يمكنه العمل على الطروحات. يتلاقى العمل الثقافي والسياسي في نقطة انهما يدعيان البحث عن الحلول. ولكن في حين ان دوافع السياسية قد تظهر مصلحيته وانيته، الا ان المثقف يرى العمل فتح افاق مستقبلية لتوسيع الحريات ونشر السلام، وبعيدا عن المساومات السياسية.

نحن اليوم بحاجة الى دور المثقف القادر على كسب الاخرين لدعم قضايانا. مثقفون يعملون من اجل خلق مجال مفتوح للنقاش حول المستقبل الإنساني لأبناء الإقليم، ويعمل من اجل حفظ كرامتهم ويطرح الحلول الممكنة والمنفتحة للتطور لما يعانوه من التجاوزات عليهم وعلى تطلعاتهم، بما فيها مشاركتهم الحقة في صنع القرار.

السياسي ليقدم التنازلات، سيحسب كم صوت سيمنحه هذا او ذاك، ولكن المثقف سيحسبها كم من أفاق التعايش الحر، سيمكن ان نفتح بالإقرار بحقوق الاخر ومساواته مع الكل. ان للطرفين حسابات مختلفة. وعلينا عدم نسيان الحوار مع الاخر وبالأخص مع مثقفيهم وعلمانيهم، لأنه ليس أمامنا إلا طرق محدودة. مع الأسف.

 

من حق  شعبنا ان تكون له دولة

في منطق القانون ومنطق الحق ومنطق شريعة الامم  يحق لشعبنا ال(ك س ا) ان يمتلك دولته الخاصة به، ولا اعتقد ان هناك من سيعارض المقولة اعلاه، فمسألة ان كل شعب من حقه ان يقيم دولته مسألة محسومة دوليا وقانونيا وحقوقيا، ولكن السياسة ليست قانونا وحقوقا فقط، انها ميزان الارباح والخسائر، وكل طرف يعمل من اجل ان يكون هذا الميزان لصالحه، واؤكد لكم لو انه لم يكن هنالك من انسان يخسر شيئا من اقامة دولتنا ال(ك س ا)، لكان الجميع ترجانا لكي نقيم هذه الدولة.  ولكننا لسنا في جزر معزولة، نحن محاطون بشعوب وأمم ودول وقوميات، ما اربحه قد يمثل خسارة للاخر، اي من الاخرين، وما اخسره قد يمثل ربحا للآخر اي من الاخرين. اذا الربح والخسارة اساس العملية السياسية، فلو كان اي منا يمتلك مليون دينار ولكن دينار أيام زمان، هل كان مستعدا ليتنازل عن الف منها لاخيه وهكذا طوعا ورغم صلة الرحم؟ الربح والخسارة ايضا تعتمدان على ميزان القوى، فقد يتنازل طرف ما اليوم عن حقه او يسكت ان هضم هذا الحق لانه في موازين القوى ضعيف وفي اي صراع يدخله قد يجعله يخسر اكثر مما يمتلك حاليا، اذا يمني النفس بالحق الطبيعي والقانوني الذي يمتلكه وينتظر ويعمل لتتبدل موازين القوى وحينها يطالب برفع سقف المطالب، لحين الوصول الى مبتغاه وهي هنا دولته الخاصة به (الشعب). والدولة ليست من اجل امتلاك الدولة فقط بل هي الوعاء الذي من خلاله يضمن الشعب استمرار وتطوره ومشاركته في المسيرة الانسانية وهو معروف وليس مجهول، لانه يمتلك عنوانه الخاص وهي الدولة. ولتوضيح ما ذكرته اعلاه، ننقل لكم تجربة روسيا في منتصف التسعينيات حينما كانت تترنح مثقلة بمشاكلها المتعددة، فقد اضطرت الى توقيع اتفاقية ساخالين والتي بموجبها منحت لشركات أجنبية رخصة للعمل واستكشاف الثروات في الجزيرة مقابل ان يتم منحها حصة من الارباح، لقد دخلت الشركات في المفاوضات مع روسيا وهي تدرك عمق ازمتها ولذا فقد حصلت منها على كل ما أرادت، الا ان روسيا التي تمتلك الاسلحة النووية بما يكفي لتدمير العالم مرات عدة، والاراضي الشاسعة (اكبر دولة في العالم) والثروات الطبيعية الكثيرة وشعب متطلع الى التقدم والازدهار وحضارة وتراث غنيين، عادت وبعد ان غيرت موازين القوى لفرض شروطها وتحكمها بثرواتها في اتفاقية ساخالين الثانية.

ما دونت اعلاه هو من بديهيات السياسة، ولكن هذه البديهيات تنقلب لدى البعض رأسا على عقب، فالبعض يطالب بمطالب هي اساسا محقة ولكنها غير موضوعية من الناحية القدرة على التحقيق، او من ناحية ان المنطقة الجغرافية غير مهيئة لتتقبل مثل هذا الامر، او ان الشعب اساسا مع كل الامور الاخرى غير المهيئة لهذا الاستحقاق المحق، اي ان المطالب هي قفز في المجهول، وهو قفز قد يكون قاتلا اكثر من الانتظار او من العمل بجد لتوسيع رقعة الحقوق الممكن هضمها واستيعابها وممارستها ويمكن للجوار الجغرافي ان يتقبلها، لاننا اساسا سنعيش مع هذا الجوار شئنا ام ابينا. هذا اذا كانت رسالتنا تحقيق حقوقنا والعيش بسلام وجوار طيب اما اذا كانت رسالتنا الحرب فهي الطامة الكيرى، فنحن لن نجعل الاخرين يؤيدوننا في مطالبنا ولن نجعلهم يطمئنون لمرامينا، ولذا فسيعمل الجوار الجغرافي للحد من تطورنا بل سيضعنا تحت المجهر ليكشف نوايانا ووضع الكوابح امامها بكل الطرق، فالعالم اليوم يتابع ويتفحص ويتأمل وكل شئ بات مكشوفا.

اذا الدولة ليست مرغوبة لذاتها بل لكي تقوم بمهام اكثر للشعب المطالب بها، لانه يعتقد انه في ظل السلطات التي ليست من شعبه يتم غبن حقه، وهذا الاعتقاد مبني على ما يستشعره الانسان.

في تجربتنا العراقية والعالم ثالثية  ايضا اكاد اجزم ان غالبية الدول التي نالت استقلالها ودخلت المحافل الدولية بأعلى ما يمكن من رفع الصوت، كانت النتيجة وبالا على الشعوب اكثر مما هي تحقيق المزيد من الحقوق والمنافع، لو استثنينا فئة متحكمة في السلطة لمدى العمر، والبعض لما بعد الوفاة، فاوضاعنا قياسا بما صرنا نمتلك وقياسا بالتقدم التكنولوجي والعلمي كان من المفترض ان تكون افضل كثيرا ولكن الواقع يؤكد ان هذه الاوضاع تراجعت كثيرا عن ما كنا نتمتع به في فترة الاستعمار.

كل انجاز يتحقق يجب ان يتم بالمشاركة وبالمعاونة وباقناع المحيط، فالمحيط بالنسبة لنا ضروري لاننا فيه نتنفس ومن خلاله نتعامل ونتواصل، وعليه فوجود خلافات بيننا وبين المحيط على امور محددة، لا يجب ان يمنعنا من ان نتعامل بالامور التي نشترك فيها، ومطالبنا ومرامينا هي ما يجب ان نحققه لشعبنا اولا واخيرا في اطار المحيط الاول الكوردستاني والثاني العراقي والثالث الاقليمي، فعليه ان ما يطرحه البعض من رفض ما حققه بعض ابناء العراق كالكورد هو امر غير منطقي ولا يتفق مع السياسة والتعامل بها، ووفي كل الاحوال يتفق مع الاحقاد والثأر.

واليوم ونحن ندخل معترك طرح المطالب ومنها الحكم الذاتي لشعبنا ال(ك س ا) ،ليس علينا ان نتفحص قدراتنا وامكانياتنا فقط، بل الجوار الجغرافي وموقفه وكيف يمكننا ان نقنعه او ان نشاركه، فالحكم الذاتي ايضا لن يقام في الفراغ بل سيقام في منطقة تضمنا إضافة الى الكورد الازيدية والكورد المسلمين والشبك والعرب، ومن هنا فالمنطقة بتكوينها الفيسفسائي او العراق مصغرا، فانه يجب ان نتحاور مع كل هذه المكونات ونتفق على الصورة التي نرى انها الاصلح لما نطالب به وليكن مطلبا لكلنا وليس لطرف واحد، فوالله ومهما اعتقد اي منا انه قوي ويتمكن من فرض ارادته فانه سيأتي اليوم الذي سيطالب بل سيتم الفرض عليه لكي يكون كالاخرين، لا بل ان استشعار اي طرف بالغبن هو شرارة لعدم الاستقرار وللتغيرات التي يجب ان تحصل وتمنح لكل ذي حق حقه. لم تكن السياسة وحقوق الشعوب يوما تطبيقا لقانون يحقق ميزان العدالة، لقد كانت دوما ميزان قوى، وفي كل الادوار التاريخية، الا ان ما  يميز سياسة اليوم عن الامس هو ما دخل عليها من مفاهيم وقيم تحد كثيرا من ممارسات قمعية او تعتبر غير انسانية، لا بل انه بات مطلوبا وملحا ان يتم تحديد الكثير من صلاحيات الدولة، فالدولة التي يحق لها ان تقوم بما تراه بشعبها او جزء منه يجب ان يتم سن قانون ما يحد من ذلك، فتحت ذريعة السيادة اقترفت الجرائم الكبرى او جرائم إبادة الجنس البشري كما هو جاري في دارفور اليوم، وعليه فانه من واجب السياسي القائد  لكي يحقق اهدافه ان يأخذ هذه الامور بنظر الاعتبار ويعمل بكل قوته لتقوية ورقته التفاوضية، والاوراق التفاوضية كما اسلفنا في مقالة سابقة تتكون من امور كثيرة وتتأثر بأمور كثيرة انها كالريح التي قد يكون سبب هبوبها رفرفة جناحي فراشة في غابات الامازون ونحن نشعر بها ريحا قوية بعد ان تكون قد تضخمت وكبرت وقوت شدتها بفعل انضمام هبات هواء اخرى اليها.

فالعامل الديموغرافي يكون اساسيا ومهما في اي ورقة تفاوضية، العامل الديموغرافي الفاعل والموجود على الارض والمشارك بكل قوة في دعم السياسي، حتى لو كان هذا العامل متكونا من توجهات كثيرة الا ان العمل من اجل خلق توافق عام خلف السياسي امر مهم لكي تكون كل الاصوات متجهة نحو هدف واحد، اي بالرغم من ان السامع والمراقب قد يجد اصوات متعددة وتوجهات مختلفة الا انها ستكون في مرحلة ما متوحدة في المطلب، وهذا من عمل السياسي الذكي.

التحالفات الوطنية امر مهم وهذه التحالفات لا تكون بمطالبة الاخر بحقنا الذي نراه حقا مشروعا، بل بالعزف على المشترك من المصالح والمنافع، ولو نظرنا الى اي انجاز سياسي حققه اي انسان او اي شعب، لوجدنا لغة المصالح والمنافع هي التي كانت وراءه، وليس شعارات وصياح ونحيب ولا حتى تقديم التضحيات الجسام، فبعد كل ما يجري وجرى في اي مرحلة تاريخية نرى ان حسم اي مسألة لم يكن الا جراء العودة الى لغة المصالح المشتركة.

طبعا ان التاريخ يرينا في مراحله الاولى ان بعض الامم كانت تبيد او تحاول أن تبيد خصومها، وهذه ممارسة لا حضارية مرفوضة ومشمئزة الا انها مورست في مراحل تاريخية لان الشعوب وحسها لم يكن بهذا التقدم، والثقافة كانت همجية وتبيح كل شيء تقريبا. الا ان تطور الشعوب ثقافيا عمل على تطوير الوسائل السياسية بما يلائم هذه الثقافة، فممارسة الاعدام كان امر سيادي للدولة الحق القيام به ولكن التطورات الحاصلة على المستوى الثقافي فرض الغاء هذا الحق من القانون في الكثير من الدول والعمل جار لإلغاءه كليا من كل القوانين في كل الدول.

وهكذا على القائد او السياسي قبل دخوله اي معركة سياسية ان يحضر لها ادوات النجاح، فلا يكفي ان يتم طرح شعار لكي يتحقق المطلوب، نعم يمكن ذلك في حالة وجود شعب ما في منطقة خالية وواسعة وهذا الشعب كله خلف القائد، ولكن هذا المثال الطوباوي غير موجود في الواقع منذ بدء التاريخ.

اليوم صار مطلوبا ومحقا وواجبا ان يكون لشعبنا صوتا موحدا، ولنترك مسألة من يكون في المقدمة فالكل سيشاركون او يجب ان يشاركوا بصورة او اخرى من اجل تحقيق الهدف المنشود والمتفق عليه بين النخب السياسية، وهنا أود ان اذكر ان مسألة إدخال الجماهير كلها وبشكل مباشر في القرار السياسي قد يكون امر غير محمود، فالجماهير وبفعل بساطتها تحب وترغب في الامور البسيطة الواضحة ولكن السياسة هي ممارسة معقدة، لا يمكن لكل ممارستها والسباحة بين امواجها والتكهن بما ستؤول نتيجة قراراتها. اذا علينا ان نمنح الفرصة للنخب لكي تحدد وتوضح الاهداف والوسائل وبعد ذلك تطرح الامر وبشكل مبسط  وواضح للجمهور لكي يستفتي او لكي يقنع بالمقترح المطروح.

اليوم صار من الواجب ايضا عمل ورشة عمل لكي تضع القانون او المشروع القومي لشعبنا ال(ك س ا) من خلال دراسة كل ما اثرناه اعلاه، اي الوضع الداخلي او الذاتي  سياسيا وديموغرافيا واقتصاديا وكذالك ما المشتركات المشجعة لتحقيق الغايات مع الجوار الجغرافي او الوطني او الاقليمي، ومن ثم تحرك الكل بتنسيق لخدمة الهدف المنشود.

وسيبقى من حقنا ان نمتلك دولتنا الخاصة ولكن الدولة التي نريدها بالتفاهم مع كل الشعوب الشقيقة لنا في الجوار الجغرافي، وقد تكون هذه الدولة دولة لجميع العراقيين بصفتهم هذه، ولكن بحقوق اكثر للفرد وبمساواة تامة بين كل أبناءه، وهذا ايضا خيار عصري وجيد والعامل عاد مرة اخرى ونتيجة لدور الاقتصاد في حياة الدول والمنافسة الشديدة الى التكتلات الكبرى والدول ذات الإمكانيات البشرية والاقتصادية الكبيرة مع ضمان المساواة بين كل مكونات هذه الدولة، سواء كانت دول او قوميات او افراد.

 

شعبنا وخياراتهالى اين؟

بالأمس القريب كانت هنالك تفجيرات الكنائس، وبالأمس القريب كانت هناك تضحيات يقدمها شعبنا كضريبة لانتمائه الوطني و الاكثر مرارة كضريبة لكونه يحمل هوية دينية مخالفة، وبالامس القريب كنا نستلم تهديدات بالرحيل وترك كل ما نملك، وبالامس القريب فرض علينا أن نلبس وأن نتزي (بتشديد الياء ) بما يتوافق وايديولوجيات الاخرين.

عند سقوط صنم صدام راودتنا الاحلام، احلام اليقظة وما احلاها، بل لم نكتف بأحلام الديموقراطية والسلام والعودة الى الوطن ولو في زيارات سنوية، لا بل طرنا باحلامنا لتلامس سقف السماء، وكان ما كان وكلكم تعلمونه وما امره.

المؤسف عندما نحاول وضع النقاط على الحروف إما نتهم بالانهزامية أو الخيانة أو في ابسط الاحتمالات بالجهل المطبق بمسار التاريخ وبالديالكتيك الذي يتحكم في مسار الشعوب، والأمر المثير للمرارة إن القوميين او القوميون المتعصبين من أبناء شعبنا صاروا يتكلمون بلغة ومصطلحات الرفاق لينين وماركس، لكي يعلموننا انهم مثقفون، فهذا البعض لا زالت عقدة البعث تتحكم فيه ولا يرى الثقافة الا باستعمال المصطلحات الماركسية.

قلت في مقالة ما ان هناك فرق بين الشاعر والكاتب السياسي، فالشاعر يتعامل بالمشاعر والرموز، ويكثف اللغة لاقصى حد بما يمنح لمخيلة المتلقي لكي تأخذ دورها في التفاعل مع الكلمة او الشعر، ولذا فستجد ان للشعر عدد من التفاسير بقدر عدد القراء، ولكن السياسي يريد ان يأخذ بيد القارئ ويقول له هذا هو الداء، ومن هنا هو الألم وهذا هو الجرح ومنه يسيل القيح، ولا يوجد لكلمة السياسي الا تفاسير محدودة، اما الاتفاق او تطوير الكلمة ولكن لبعضنا تفاسير اخرى وهو اسهلها إلصاق تهمة الخيانة او السذاجة أو المصالح الآنية بمن لم يتم الاتفاق معهم ودون محاكمة النص محاكمة سياسية.

لا اود ان آلهيكم بالاحلام، فلم تكن هذه عادتي ولا بضاعتي، ولذا حاولنا بكل الطرق والوسائل العمل من اجل الخروج من نفق التسمية بأقل الخسائر، اي ان نخرج شعبنا من هذا النفق المظلم باقل الخسائر الممكنة، لاننا كنا ندرك ان التسمية بلا شعب لا معنى لها، ولذا فمن أجل شعبنا وبقائه وتمتعه بحقوقه وامتيازاته إسوة بكل العراقيين، ومن أجل تطوير ثقافته وعصرنتها لكي تجاري العصر وامكانياته، حاولنا بكل الطرق المشروعة ان نقنع ابناء شعبنا المتنورين ان قيمة الانسان ومحافظته وتطوير موروثه الثقافي افضل من التمسك بتسمية معينة لا تقدم ولا تؤخر لان التسمية تخضع للموروث الذي نحمله، فهل الآشورية هي في عاداتها وتقاليدها ولغتها وكل موروثها التاريخي، أم هي بالتسمية، وهكذا الأمر عن الكلدانية والسريانية (برغم ايماننا ان موروث هذه التسميات واحد)، فما فائدة تسميات لا تحمل من موروثها شيئا؟

عندما يقال التحصن للمستقبل يرى البعض ان المسألة هي طرح مخاوف غير موجودة، برغم من كل التجارب المريرة التي عشناها ولا نزال نعيشها. لا بل البعض ولانه يتحرك بشكل يومي وهذا التحرك يؤتي ثمارا له فالمستقبل والتحدث عنه بالنسبة لهذا البعض هي مؤامرة غير منظورة الابعاد والاهداف. فالمهم ان رابي ياقو في البرلمان ممثل لشعبنا ويكفي المؤمن شر السؤال. عن ماذا سيجلب لنا رابي ياقو الوحيد الاحد، والذي لا تربطه باي تنظيم من تنظيمات شعبنا علاقة حسنة ولو سلام وكلام. ناهيك عن جيراننا الأقربون، ولذا فالبعض اختصر نضال امتنا بفوز وخسارة رابي ياقو، فان فاز فالأمة بالف خير وان خسر فالشماعة موجودة والاكراد يمكن ان يقال عنهم كل شئ!

والآخرون اختصروا الهزيمة والانتصار بإضافة هذا الاسم او ذاك، وكأن شعبنا سينعم بهذه الإضافة بالأمان وبالمستقبل الواعد. وهكذا يكون الضحك على ذقون من يقول بوضع برامج وتخطيطات نظرية وتهيئة مستلزمات نجاحها، فالم ينتصر الآشوريون على طالبي توحيد التسمية والم يفعل الكلدان ذلك، والم ينتصر رابي ياقو، فعن اي تخطيط يريد البعض جرنا اليه، أليس ذلك ترف فكري، يمارسه بعض ممن يجلس خلف شاشة الكومبيوتر (ܚܫܘܒ̥ܐ) ممن لا عمل لهم إلا تسطير كلمات لأظهار مقدرتهم أو ثقافتهم، وكما قال احدهم، ماذا ستفعل القلم كم من الاعداء ستقتل؟

لا نتمنى للعراق أي سوء، ولكن اتخاذ المحاذير امر واجب، ان بلدنا على برميل ديناميت. بفعل إشاعة الايديولوجيات الظلامية والتي تقول لك شئت ام ابيت انك مغاير وانك لست كالاخرين وانك مشكوك في امرك. ان صعود النبرة الطائفية والتي استفحلت بفعل تعددية الاحزاب الدينية ذات الصبغة الواحدة، والتي تتفق كلها بالاستراتيجية، اي اضفاء لون واحد على الحياة، جعل النيرة الطائفية هي الابرز والاكثر ملاحظة، فها هي كل مظاهر الحياة تصطبغ بلون واحد، نحن لا نعارض ان يمارس الآخرون اعتقادهم او أيمانهم ولكن أن يتم سرقة بيتنا المشترك، وجعله في خدمة طائفة معينة بحجة انها الاكثرية (لقد نبهت كثيرا من هذه الاكثرية)، فهل سيفرق هذا عمّا فعله صدام وزبانيته؟

اليوم القانون يطبق بحسب القوي، او من قبل من لا يراعي اي قيمة للحياة.ويمكنه ان يقتل وان يبرر كل فعلة، فما يفعله الزرقاوي وانصار فأر العوجة يمارسه مثله انصار الصدر ومن يحتمي بعباءة السيد السيستاني على رغم تقديرنا العالي لهذا الشخص بعينه، فلولاه لخرج كل شئ عن نطاق السيطرة. وبحسب ما يرغب الزرقاويين والصداميين فلا فرق بينهم، فاذا كان الزرقاوي قد قال ان اندلاع الحرب الاهلية في العراق هو املهم للبقاء فيه، فصدام قالها قبله، انهم لن يتركوا العراق الا خرابا يبابا.

ولكن التساؤل هو ان كنا نلاحظ كل هذا، فهل نحن متعظون مما جرى لنا ويجري، وهل نقوم بالتخطيط لمستقبلنا أم نكتفي بانتصارات وهمية نخدع انفسنا بها قبل الاخرين، ام نشمر عن السواعد ونترك التوافه ونخطط لما نريد ونهيء لما خططنا له، أي  نمارس السياسة.

سؤال يؤرقني وقد يؤرق الكثيرين، الا هو لو (لا سمح الله) واندلعت الحرب الاهلية في العراق. فهل نحن ك(كلدان اشوريين سريان) متهِيئون لأسوء الاحتمالات هذه؟ ام اننا سنلم حاجاتنا مرة احرى ونصطاف او نشتي في عمان ودمشق وطهران واسطنبول؟ كما نعت رابي ياقو من فر من الذبح على الهوية قبل سنتين.  انه سؤال مشروع والسياسة هي ان تأخذ احتياطاتك لاسواء الاحتمالات ام يريد البعض منا ان نتحول الى لاجئين مرة اخرى في بلدنا لكي يتمكن من حلب الدولارات باسم اللاجئين وتتوزع بحسب المشاركة وحسب المكانة.

المؤسف وبالرغم من كل ما سبق ان البعض وقد نجح في هذا، انه لا يعمل مع الاخرين إلا في آخر لحظة، لكي يفرض شروطه، وهو لا يهمه (ماذا) بقدر (من). وللمرة الالف يتنازل الآخرون لاجل وحدة القرار، والطرف المنتصر او القائد او الممثل الاوحد باقي على لبعته السمجة التي لا تخدم ولا تفيد الا من طمر في مستنقع المصالح الانية والذاتية ومن خدع بشعارات كشعارات صدام.

قد يكون هذا جرس إنذار، وأتمنى أن يخيب، ولكن الامة والشعب الواعي لا يبنيان مستقبلهما على الاماني، بل على الدراسة والخطط الواقعية والقابلة للتنفيذ. ماذا سنفعل لو اندلعت الحرب الاهلية في العراق؟ بالتأكيد اننا لن ندخل فيها طرفا، وبالتأكيد اننا لا نريدها.  ولكن امام الاصطفاف وارتفاع النغمة الطائفية واذا كانت الجرة قد سلمت هذه المرة فهل يمكننا ان نضمن سلامتها في المرة المقبلة. وجرتنا هي العراق ايها الاخوة والاخوات، العراق الذي يجلس الان على فوهة اتون يمكن ان ينفجر في أية لحظة.

من الواضح ان هنالك ثلاث قوى عراقية مسيطرة على المشهد السياسي العراقي. وهي الشيعة العرب، والسنة العرب، والاكراد بشيعتهم وسنتهم. ومن الواضح ان الثقة بين العرب السنة والشيعة معدومة. ومن الواضح ان الاكراد يمكن أن ينفضوا أياديهم من التحالف مع الشيعة.  في حالتين محددتين وهي عدم الاعتراف بمظالم الاكراد ومطالبهم، وان يصر الشيعية على السير في طريق اقامة الدولة الدينية بشكلها العلني او المبطن.  ومن الواضح ان السنة العرب يمكن في هذه المجالات ان يقدموا التنازلات العديدة للاكراد، فالقوى التي تتفاوض يمكن لها ان تمنح الصدارة للعلمانيين ولطروحاتهم لكي تسود في المجتمع السني او في الدولة، وللشيعة حليف محتمل واحد وهو ايران المهددة بالعزل عن المجتمع الدولي، وللسنة حلفاء اقوياء في الساحة الدولية وهي الاردن والسعودية وبعض دول الخليج.

من المحتمل ان الاكراد في اي احتمال لتطورات سلبية سيكون أمامهم الطريق الاسهل وهو حصر منطقتهم وعدم تعريضها للتدمير امام طموحات غير واقعية، وبالتلي حصر أثار الحرب الى جنوب منطقتهم والاستفادة من اي مناوشة سنية شيعية لتقوية اوراقهم التفاوضية. والاتكال على تطوير بنيتهم الاقتصادية والسياسية ونسج علاقات دولية قوية. المهم ان الاكراد لن يكونوا طرفا مباشرا في اي حرب اهلية.  اما التركمان فوضعهم ايضا صعب لكونهم منقسمين بالنصف بين السنة والشيعة ولكن ثقل العامل التركي والجوار الكردي سيمنعهم من التدخل في اي حرب لصالح اي طرف ونعتقد ان الحس التركماني سيطغي على كل حس طائفي فيهم. اما شعبنا، فوضعه مختلف، صحيح انه لن يكون طرفا في اي حرب اهلية وليس من مصلحته ذلك، الا ان الحرب الاهلية قد تؤثر تأثيرا سلبيا جدا فيه. لان الحرب الاهلية تتميز بزوال اي غطاء قانون ويكون كل شئ خاضع لعوامل القوة العارية، والتي يفتقدها شعبنا. كما ان الحرب الاهلية على اساس طائفي لن تعني التسامح الديني مع المكونات الاخرى، بل تعني ارتفاع الاحتقان الديني ليشمل الكل.  فالكل عدو لحين إثبات العكس، وبالتالي فان وضعنا سيكون مأساويا ولن تفيدنا لا الكلدانية ولا الاشورية في انقاذ ما يمكن انقاذه، بل الذي يفيدنا ان ندرك اننا شعب واحد وكلنا في مركب واحد وكلنا امام مخاطر مشتركة والذي يريد التخلص منا لن يسألنا ان كنا كلدانا ام اشوريين، بل نحن له غرباء مختلفون وكل مختلف ملعون! امام القراءة اعلاه، علينا ان نعي اين تقع مصالح شعبنا، ومع من يجب ان نتحالف ولماذا؟

يكاد الكورد ينفردون بميزات تجعلهم اقرب حلفاء لشعبنا في الوقت الراهن، فبالإضافة على ان الكورد يرغبون ان يكونوا جزء من العالم الحالي بما فيه من اتفاقيات ومواثيق واقتصاد واعلام وثقافة منفتحة. فبالتأكيد يرغبون في اظهار هذه الأمور في واقعهم اليومي من خلال التعامل مع مكونات المجتمع الكردستاني بعدالة ومسؤولية. ناهيك ان الكورد يحملون او يبشرون في برامجهم بقيم دولة القانون، الدولة التي لا تفرق بين مواطنيها بسبب الدين او القومية او الانتماء السياسي.  طبعا لا ندعي ان كل شئ متحقق مائة بالمائة الا ان الامور تتجه نحو هذا المنحى. كما ان المناطق التي نسكنها بغالبيتها اما تقع في كردستان العراق او بمحاذات خط الحدود الفاصل بين كردستان العراق والمناطق العربية او ذات الاختلاط القومي المتعدد. كما ان القيادات الكردية بخبراتها السياسية ومعايشتها لعصرها جعلتها تدرك ان الدولة الايديولوجية في طريقها الى الزوال وان ما يتحكم في الدولة اليوم هو مصلحة الشعب أولا وأخيرا، وان احد اهم اسس ازدهار هذه المصلحة هي الحريات التي تجعل الناس تدرك مصالحها الحقيقية وليس أبواق وشعارات الايديولوجية التي لم ترحم الشعب بل كان سوطها اقوى واكثر ايلاما من سياط المستعمرين. ان الكورد في اي انجراف نحو الحرب الاهلية والذي يعمل له بعض ساستنا بارادتهم ام بغيرها. في اسواء الاحوال سيغلقون مناطقهم امام زحف اثارها ويكتفون بالعمل من اجل عدم انجراف كردستان العراق اليها.أليس مطلوبا منا اليوم كشعب بمختلف تسمياته أن نحدد خياراتنا وحلفاؤنا ومن نضمن اننا معهم سنكون أكثر قدرة على العيش السوي وأكثر قدرة على تطوير قيمنا وتجليات هويتنا القومية والوطنية والإنسانية انه سؤال المرحلة؟.4 اذار 2006

الماضي وأحماله

 

الماضي هو ما مضى من الايام، وكل تدخل من الانسان فيه يعني تزويره لإخفاء ما يراد إخفائه.  لكل امة ماض ولكل مؤسسة ولكل شخص ماض، هذا الماضي يمكن ان يقرا قراءة مختلفة بحسب الثقافة والعمر والهوى، ولكن ان يتم صناعته او اعادة النظر فيه كما فعل النظام السابق في تاريخ العراق، فهو تزوير وتشويه.

التاريخ يعبر عن هذا الماضي، عن ما حدث ولماذا حدث، ونستفد من الماضي وتجاربه بتراكم الخبرات ولكن الماضي ومساره اذا كان اساسا لما نعيشه حاليا فان إستحضاره لا يصنع المستقبل، بل يجعل الانسان يعيش اسير الاوهام ويخلط بين المقدرة وما كان وخصوصا لمن تمتع بقدرات عالية في ماضيه.

على مستوى امتنا الاشورية وبما لها من ماض، ولنقل يمثله حاليا ورمزيا على الاقل السنة الاشورية التي نحتفل بها هذه الايام وهي سنة 6757  والتي اتمنى لكم جميعا فيها اجمل الاوقات وان تتحقق لكل منكم امنياتكم الطيبة. ولكن لا تمثل ماضيا فقط السنوات، بل انجازات حضارية وبحق انجازات تأسيسية في الحضارة الانسانية فمن الطب والهندسة وعلم الفلك والرياضيات والكتابة والصناعة الى الانجازات العسكرية، ومن اريدو واور وبابل واكد ونينوى واشور ونمرود والكثير الكثير، ومن اورهي ونصيبين وجندي شابور وساليق طيسفون الى اللاهوت والترجمة والتبشير. امة تحمل كل هذا الكم الهائل من الانجازات الحضارية، واليوم تعيش واقعا مزريا منقسمة على ذاتها ومشتتة في بقاع الارض ولا تتمكن من ان تأخذ قرارا، بل تحيل كل قراراتها للاخرين لكي يفتوا فيه، والدليل ما حدث في الدستور العراقي وما حدث في التوزير وما حدث في المجلس الامن القومي العراقي وما حدث ويحدث في الدستور الكردستاني وما حدث في المجلس السياسي الكردستاني عندما طالب فصيل سياسي بان يختار الاخوة الكورد ممثلينا في هذا المجلس.

ان امة لها هذا المجد، من الصعوبة لها ان تحاول ان تضع قدمها على الواقع لكي تنطلق منه وتبني مستقبلا افضل من الحال القائم.  فالتطلع الى الماضي والحنين اليه والتوق لامتثاله في الواقع امر شائع ولكن لا احد يقول وبأي إمكانيات.  ففي الماضي كانت إمكانيات امتنا افضل او جعلت افضل من إمكانيات ما جاورها، ولذا فرضت ذاتها على الكل كصاحبة القرار. ولكن اليوم كل الجوار اقوى منا بما لا يمكن ان اخفائه عن العين العادية وليس البصيرة.  وسيبقى البعض يمنون الناس والسذج بطروحات هي من التاريخ ولا يمكن تحقيقها باي حال من الاحوال فكل موازين القوى تقول باستحالة ذلك. وهذا البعض لا يهمه ان خرج من تبقى منا الى الهجرة او بقى بل يهمه ان يضرب غريمه بكل قوى ولتذهب الامة ومستقبلها الى الجحيم. فالمستقبل هو لنا كما يقولون ولكن دون ان يقولوا لنا كيف؟ ومن اي منطلق ينطلقون؟

الماضي يكاد ان يكون احد العوائق الكبرى من تلك التي تقف سدا منيعا في تطور شعبنا وتطور المراحل السياسية التي يمكن ان يمر فيها. فلا زال البعض يتعامل في مجال حقوقنا ودورنا بطريقة اما كل شيء او  لا شيء. وليتحول الامر الى ايدي الاخرين او الى الزمن، والاخرين شاؤوا ام أبوا فهم سينظرون للامر من زاوية مصالحهم، فهذا الامر صفة انسانية، اما الزمن فهو الغدار الذي لا نوليه اهمية قط، فالجالسين في الغربة مثلي او البعيدين عن المسار والواقع يطرحون كل ما يخطر وما لا يخطر في بال انسان. اما ماذا يحيق بالذي يتواجد على الارض فليس مهما ذلك، المهم والاهم الشعار، وهذا الشعار قد استوردناه من الماضي والمؤسف من ماضي الفاشلين.

وعلى المستوى التنظيمات السياسية في شعبنا فالماضي اما مشوه او مبتور او يخاف الاقتراب منه او هناك تابو مفروض حوله .

ها هو الحزب الوطني الاشوري وبكل اقتدار وبلا خوف وبلا خجل يعلن ماضيه كما هو لانه لا يخاف من الماضي فالماضي وكل السلبيات ان وجدت كانت سلبيات العمل اي لم تكن سلبيات مخطط لها. فالحزب الذي انخرط في عملية لتعليم السورث وفي اي مركز تواجد اعضاءه وفي اي موقع او قرية.  هذا الحزب الذي جمع الطلبة الجامعيين الاشوريين في نشاطات قومية أعلت من شأن الوعي القومي ونشرته بكل السبل. الحزب الذي عمل على تطوير مؤسسات شعبنا دون ان يستولي عليها. الحزب الذي خدم اعضاءه المؤسسات القائمة باخلاص وتفان دون ان تصدر من قبل اعضاءه اي بادرة لتخريب او لتسيس كل الامور. الحزب الذي في مدرسته تخرج العشرات من الكتاب والشعراء والادباء لا بل حتى رجال دين من مختلف الرتب. الحزب الذي حاول الحفاظ على ألأسيجه القومية ولم يحاول تدميرها لكي تتعري الامة وتبقى بلا اي حصانة او قيادة او مرجعية. هذا الحزب لن يخاف من ان يقول نعم ان السيد وليم شاؤول (الذي يقومون بتعيير الحزب به وكأنه الوحيد ممن اختار مسارا اخر) ورعد ايشايا والمرحوم عمانوئيل بادل واكنس جبرائيل مرزا وروميل موشي وغيرهم وغيرهم الكثير كانوا اعضاء في الحزب الوطني او كانوا قياديين ولعبوا دورهم وعندما اختاروا امرا اخرا فهم احرار ولكن الحزب سار وفق ما ارتضته الغالبية. فالحزب حقا كان صاحب انجازات حزبية وقومية وبدون مساعدة الا من قلائل من ابناء شعبنا. وانجازات اعضاءه معروفة  وكل عضو فيه كان يستقطب الكثيرين. والحزب الوطني إذ حاول البعض صنع تاريخه بحسب ما يريدون فانه يقول للجميع هذا تاريخي وهذه هي اعمالي، ولا اعتقد ان هناك من يعرف ما كان يجري ويحدث اكثر من الحزب واعضاءه انفسهم، ويكفي الحزب فخرا انه لم يهن ولم ينشر ما يشوه سمعة اي كان، واذا كان بعض اعضاءه قد ذكر بعض الحقائق بحق الاخرين فهذا عمله هؤلاء اضظرارا. والحزب كونه مؤسسة مكونة من اعضاءه يمتلك الكثير من المعلومات الموثقة وغير الموثقة ويعرف كيف سارت الامور كل هذه السنين الا ان مستقبل الامة ووحدة قراراها والعمل الجاد من اجل تكثيف كل القوى في اتجاه واحد كان هم الحزب الدائم.

في مقابل هذا يقوم البعض بصنع تاريخ مزيف لهم وللاخرين، انهم يخافون من الماضي وحقائقه. ان نور الحقائق يعميهم ولذا تراهم في محاولات دائمة للتستر واخفاء كل شيء.  وعندما يتسرب شيء من الحقائق ولو من قبل الاخرين تراهم يلجؤون الى اتهام بعض ابناء جلدتهم باشنع التهم وابشعها وذلك لإخفاء عوراتهم. وإلا ما سبب كل هذه الاتهامات وللكل، وما سبب الوثائق التي لم يتأكد احد من صحتها.

الماضي بقدر ما هو مدرسة للتعليم والتطوير، وخصوصا ان استغلينا نقاط الضعف التي واكبت المسيرة، الا انه لدى البعض وكما اره انا بعبع مرعب لكي لا يتم الكشف عنه ولذا يلجأ وبشكل دائم للتشويه سمعة الآخرين وكأني به يحتاط للمستقبل ويقول ان كنت كذا في حال الكشف فان الاخرين لم يكونوا افضل مني!

الماضي الشخصي، اي ماض اي فرد، من حق الفرد ان يتستر عليه لانه امر خاص به، ومن حقه نشره كما يعمل كبار رجال السياسة والفن والادب حينما ينشرون مذكراتهم لكي تتعلم منهم الاجيال الاتية، ولكي لا تقع في نفس الاخطاء. ولكن عندما يكون احد ما  قد سرق   ولاخفاء الامر يتهم كل الاخرين بانهم لصوص فهذا امر حقا محير. ومرض مزمن لا يؤذي الفرد ذاته بل ينشر امراضا في الامة تجعلها تتقاتل وتتحارب وتزداد انقساما. ففي مرحلة الانتخابات للبرلمان العراقي مثلا ظهر السيد لنكن مالك ناشط داعم للحركة الديمقراطية الاشورية كان سابقا مسؤول فرعها في اميركا. وهو يكيل الاتهامات لشخصيات شعبنا وبأكاذيب مفضوحة، ولكنه تناسى تاريخه الشخصي كاحد نشطاء داعمي الجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين حينما كانت في اوج نشاطاتها الارهابية والمتحالفة مع النظام الصدامي. شخص مثل السيد لنكن مالك سيعمل الكثير من اجل طمس ماضيه باتهام الاخرين باشنع التهم. وهذا التعامل ليس ببعيد ففي 19 ايار 1979 شارك السيد لنكن مالك بصفته هذ اي ناشطا في الجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين في احتفال الذكرى الرابعة لانتصار فيتنام والذي اقيم في كنيسة تذكار كلايد في كاليفورنيا. وقد استمر في نشاطه مع هذه الجماعات الى ان انتقل الى تمثيل الحركة الديمقراطية الاشورية، وهذه خطوة جيدة ولكن ان يعير الاخرين فهو اخر من يجب ان يفعل ذلك.

الكثيرين يدعون انهم  من اصحاب الانجازات، ولكن وقت الحقائق لابد ان يأتي، برغم انه من  المؤسف ان هذا الوقت يأتي بعد ان يكون الشعب قد دفع الكثير من ماله وجهده ووقته في امر جله كذب ان لم يكن كله. ولنا امثلة لا تعد ولا تحصى عن الاكاذيب والكذبة عن الانجازات الوهمية وسرقة الانجازات الحقيقية للاخرين، فصدام كامثولة لما قلنا يفيد ويكفي.
فهلا نكون ابناء اليوم، ونعمل من اجل بناء مستقبل افضل لشعبنا بازاحة الماضي من التأثير على قرارنا السياسي ولتكن المصلحة التي سنتفق عليها اي مصلحة شعبنا كما نراها اليوم والنابعة من قدراته وامكانياته وبدون انتقاص او تضخيم لننطلق نحو المستقبل؟

 

في الوعي القومي

ان التقليد قد يفيد في مرحلة ما في الوصول الى ما وصل اليه المقلد، ولو نظرنا الى تجارب الاسيوية مثل اليابان والصين ونمور اسيا، سنجد ان هذه الدول قامت بتقليد المنتجات الغربية كمرحلة اولى في طريق الانتاج الصناعي وتطوير المنتج لحد التنافس مع الاصل على السعر او الجودة. ولكن لونظرنا من منظار اخر للتقليد، فانه لكي يصل الى ما حققه الاصل فانه على القائم بالتقليد هضم التجربة المراد تقليدها، وبالاخص في التجارب الثقافية والقانونية والسياسية لكي يصل الى التعايش معها وتطبيقها واشاعتها.

ومن المسائل المثيرة للنقاش والاختلاف هو ما اصطلح على تسميته  بالوعي القومي، الذي هو بالحقيقة الادراك التام للمتطلبات الواجب توافرها لكي تقوم امة من الامم بالنهوض من نكسة او نكبة ألم بها او لكي تسير في المستقبل بطريق نحو التقدم والتطور الدائم، وبالتالي الادراك التام بان ابناء الامة تلك من نساء ورجال متساوون في الحقوق والواجبات، والادراك التام حقا ان ما يراد الوعي بشأنه هو امة او قومية واحدة ولا خلاف عليها.

الحقيقة التي يجب ان تدرك اننا كأمة او كمجموعة سكانية معينة، تلك التي تسمى بالاشورية او الكلدانية او السريانية، جمعيها مجموعة بشرية متحدة في التاريخ واللغة والعادات والتقاليد والجغرافية السكانية، الا انه يظهر انه لم يتكون لدينا أحد أهم الأسس لوحدة الامة الا وهو المصالح المشتركة، وبالرغم من هذا الشرط كان من انتاج قريحة ستالين الا انه يبدو شرطا اساسيا لكي يتبلور عمل قومي مستند الى وعي حقيقي. فالشروط التي جعلت الامم تتوحد وتعمل من اجل رفعتها وعزها والتي توافرت للامم الاوربية لم تتوفر لحد الان للامم الشرقية وبالاخص القائمة في منطقتنا، فحتى الامم التي سبقتنا في النهوض وفي اقامة كيانات سياسية تضمها بما فيها الدولة، مثل العرب والترك، يتبين انها دولة قائمة ليس لان ابناءها او المنتمون للغالبية فيها توحدهم مشاعر الاعتزاز والفخر للعمل تحت راية ما يرفعون من الشعارات، بل توحدهم على الاكثر عداءات مشتركة ولكن تفرقهم امور كثيرة وتنبت بينهم خلافات اكثر مما بينهم وبين اعداءهم المشتركين.

لا خلاف ان الوعي القومي يبدأ في مرحلته التبشيرية او الرومانسية، بالاهتمامات الظاهرة للعيان والتي تبرز التمايز القومي بالمقارنة مع الاخر، اي يمكن تسميتها الاهتمامات بالبنية التحتية للفكر القومي، ومنها اللغة التي تتحول في الفكر القومي الى احدى المقدسات، وبالنسبة لنا فاللغة ايضا مقدسة بسبب استعمالها في الطقوس الدينية وما نعلمه من تكلم السيد المسيح باحدى لهجاتها. وكذالك التاريخ والعادات والتقاليد والتراث من الاغاني والامثال الشعبية والرقص الشعبي والملابس، ويحاول الرواد الاوائل او حتى التيار المتبني للافكار القومية الى ان يجذر الاختلاف وبكل التفاصيل عن القوميات الاخرى محاولا الابتعاد عنها، بالرغم من التشابه والتقليد امران عاديان ويحدثان في المجتمعات وهما من الامور المقبولة، وسبب ذلك ان القوميين يعملون في ظل مفاهيم مقدسة، والامة في نظرهم هي الام، والام اي ام هي افضل من كل الامهات بنظر الابن، وهكذا يحدث ان يتم تقديس امور ومفاهيم هي في الحقيقة لا تحتمل كل هذا بل يصبح تقديس هذه المفاهيم عقبة كأداة في طريق تطور الامة، لان المفكر او السياسي او حتى من يحاول طرح حلول لمشاكل انية او مستعصية يصطدم بهذه المقدسات التي لا تنتهي، ويترك الانسان او الوحدة الاساسية للامة ومن يمثل وجودها يعاني المنغصات والمعيقات والاضطهاد والتشرذم لاجل عدم ادراك ان حامل وناقل المقدسات اهم منها، وهذه المقدسات ما هي الا علامة مميزة تتطور بتطور الازمان والامكانيات والقدرات.

اليوم اصبح من الواضح ان ما ندعي امتلاكه لوحدنا تشترك فيه امم وقوميات متعددة، فلو لاحظنا اسلوب الغناء والالحان والايقاعات المستعملة وحتى الملابس، ندرك اننا والكورد والفرس والترك والارمن نكاد نشترك بنسبة كبيرة من مكونات هذه التفاصيل القومية او المميزات القومية بالرغم من اختلافنا في الجذر اللغوي الذي هو اقرب لنا كأمة (كلدانية سريانية اشورية)  مع العرب، ورغم اننا اقدم الامم من بين التي ذكرتها ويمكننا الادعاء بان هذه الامم قد اخذت عنا، الا انه من الواضح انه لا يمكننا سلب حقهم في التمتع بذائقتهم المتكونة عبر الزمن والتي تكونت لدى الفرد منهم.

ولتكوين الاوطان وبناءها يتطلب اليوم ايجاد القواسم المشتركة من الذائقة الى التطلعات السياسية العليا مثل القوانين والقيم العليا للعيش والاقتصاد، وهذه كلها تأتي نتيجة للمشترك الثقافي المتكون نتيجة التعايش المستمر واهم ما يجب ان نقره وان لا نتغاضى عنه هو المصلحة المشتركة لكل المكونات الاساسية لبناء الوطن الواحد، والذي يدرك الجميع انه لا بد ان يقوم لكي يعيش الجميع بامان وسلام.

والغريب في خطابنا القومي، والذي يرمي الى تجذير الوعي واضافة قوى اخرى جديدة وشابة ومندفعة اليه، هو تجاهل معيار المصالح، وهذا متأتي من النظرة الرومانسية والتي تدعي بان العمل القومي هو من اجل الامة (الام ) والتي لا يراد من خلفها اي مصلحة، فكلنا عندما نرعي امهاتنا عند تقدمهن في السن لا نرمي الى تحقيق مصلحة ما منظورة، بل اداء واجب ورد الجميل، ولكن كل هذا ايضا هو مصلحة في حقيقة الامر، فرد الجميل واداء الواجب  هو دين نشعر اننا مقيدون به جراء ثقافتنا التي تربينا عليها ويجب ان ندفعه.

واذا كان بناء الاوطان مع الاخرين او الامم الاخرى يتطلب البحث عن المشترك، او حتى خلق قواسم مشتركة، فكم بالاحرى اليوم نحن مطالبون بترسيخ المشترك فينا وتجذيره وخلق المصالح اليومية المشتركة والتي يجب ان تترسخ ان كنا صادقين في اننا امة واحدة، خارج اطار صراعاتنا التافه.

ومن هنا يجب ان نعمل على الادراك التام ونشر هذا الادراك باننا يمكن ان نختلف على امور قد نعتقدها جوهرية، ولكننا متحدون على امور اخرى ايضا هي جوهرية، فلو تطلعنا اليوم الى  ما يراد منا ان ندفعه نتيجة لحملنا المشترك الديني الواحد لادركنا كم نحن بحاجة الى تجاوز بعض خلافاتنا ولنتركها لكي تحل بمرور الزمن، وبقدر ترسخ المشتركات والمصالح اليومية بيننا بقدر ما سيكون حل المختلف عليه اليوم اكثر سهولة وابسط، لا بل قد تكون مشكلة ما اليوم منظورا اليها من المستقبل مشكلة بسيطة وسهلة مهما نعتقدها اليوم نحن عسيرة وصعبة.

اذا هناك انسان يشترك في التاريخ، ويشترك في اللغة ويشترك في الكثير من تفاصيل التراث الشفهي والعادات والتقاليد ويشترك في الانتماء الى ارض واحدة مهما كانت اليوم مقسمة (ولو شاهدتم البرنامج الرائع الذي بثته قناة عشتار مع ابناء شعبنا في روسيا لادركتم معنى الانتماء الى ارض واحدة، ولو التقيتم بابناء شعبنا من ايران لادركتم ذلك) فرغم انهم من مواطني روسيا وايران الا انهم يعتزون بان ارضهم التاريخية هي بيت نهرين وقبلتهم هي نينوى وبابل، ونشترك ونتعرض اليوم وتعرضنا بالامس بسبب هذا المشترك الى ابشع المذابح والاضطهادات الا وهو الانتماء الديني.

ان الوعي باهمية هذه المشتركات، يتطلب منا ان نعمل معا، وهنا هي المصلحة، ونعبر عنها حينما يحاول كل منا السكن بالقرب من من يحمل هذه المشتركات، هناك نوع من الوعي التاريخي باننا مشتركون واننا واحد امام الاخر ويتمثل ذلك في المناطق التي حاولنا السكن فيها، ويمكنكم الرجوع الى مقالات عن مناطق سكن ابناء شعبنا في بغداد والتي نشرت على هذا الموقع لتلاحظوا تركزهم في مناطق معينة مدفوعين برغبتهم للحفاظ على هويتهم.

ان العاطفة لن تدوم ابدا، والرومانسية التي بدأنا بها العمل القومي ستتلاشى امام قوة مصالح المجموعات والافراد وحتى بين ابناء شعبنا الواعي ندرك ان البعض تقبل ان ينسلخ من هويته القومية او اجزاء من تجليات هذه الهوية لصالح ما يعتبره ضروريا وهو التقدم الاقتصادي والعلمي والامان، وهذا لا يجب ان يكون مدعاة للتعيير او الانتقاص، الاهم هو ان نرسخ المصالح اليومية التي تجعلنا مترابطين وترينا كم هو مهم واساسي هذا الترابط في الدفاع ليس عن هويتنا القومية بل عن وجودنا الانساني كافراد.

اليوم نحن مطالبون بوضع التصورات الاساسية لترسيخ المصالح المشتركة، وبناء وجودنا القومي عليها، وهذا قد لا يتحقق الا بخلق التواصل اليومي، من خلال المدارس المشتركة والادراك التام ان التعليم بلغتنا الام مفيد لمستقبل الفرد ايضا كما هو مفيد لمستقبل المجموع، وكذالك بالمصالح الاقتصادية المشتركة، وبث الوعي بالمتطلبات او القاعدة العليا لتطور وترسيخ وجود اي شعب، والقواعد هي اهمية وجودنا وتمثيلنا في المشروع السياسي، وضرورة العمل من اجل ان نتمكن من الوصول الى حالة يمكننا ان نسن قوانين تعبر عن مصالح وتطلعات هذه المجموعة البشرية والمسماة الكلدانية السريانية الاشورية، في مستقبل الايام ولو تمكنا من خلق قاعدة اساسية تؤمن ليس بالمشتركات الموجودة بل بالمصالح الضرورية التي تربطنا، سيجد شعبنا ان ما أثير من مشاكل واختلافات لم يكن الا عدم فهم وادراك الجميع ان لا خلاف بتاتا بل لم يكن هناك وعي بالمصالح المشتركة والاساسية للجميع.

 

الخطاب السياسي الآشوري

 

الاشوريون، احفاد الامبراطورية العظيمة بقوتها العسكرية وانجازاتها الحضارية، الممتدة الاطراف، التي دام حكمها اكثر من الف عام. .

الاشوريون حملة رسالة السيد المسيح الى الصين واطراف اسيا، بناة الصروح الثقافية وناشري الحضارة بين الامم. . الاشوريون، حاملوا كل هذا التراث، وعوا تاريخهم القديم خلال المائة سنة الاخيرة، لا تذكر ذاكرتهم الا المذابح والمآسي وعمليات الهروب الجماعية. . الاشوريون ذاكرتهم المقسمة ما بين قوة امبراطوريتهم العظيمة، وواقعهم المأساوي، كيف يعالجون امورهم، بأية لغة يخاطبون انفسهم والجوار والعالم، هل لهم خطاب سياسي؟ وان وجد هذا الخطاب، فهل هو مقنع لانفسهم اولا ومن ثم للاخرين؟

اننا نود في هذه العجالة معالجة اسلوب او مضمون الخطاب السياسي الاشوري، ان كان لنا مثل هذا الخطاب اصلا. فما اصطلحنا على تسميته الخطاب السياسي الاشوري، ليس الا كلمات مشحونة بالعاطفة القومية التي تحث على انماء الشعور بالانتماء القومي، دون ان توضح سبل العمل والى ما يرمي اليه صاحب الخطاب. . كلمات تصطف وراء بعضها الاخر، يقرأها القارئ لينساها بعد حين. . لا تضيف الى ادراكه شيئا جديدا غير اثارة مشاعر او غرائز الكره والحقد على الاخرين والافتخار بالماضي والاستعلاء على المحيط، استنادا على هذا الماضي. مقالات تسرد وتملأ صحفنا في ذم الاخر ولا نجد في اغلبها تحليل لاسباب ما وصلنا اليه، الا نادرا، سبب كل مصائب الاخرين ونحن المساكين الذين لا حول لهم ولا قوة، لم يكن لنا ذنب فيما وصلنا اليه.

خطاب يتوجه الى ابناء شعبنا وكأنه كتلة واحدة، يتجاهل ان الشعب يعيش في بلدان مختلفة بأنظمتها السياسية، لا بل يمكن القول متناقضة ومتعادية، وكأن شعبنا يعيش خارج اطار الصراعات الاقليمية والدولية او انه يعيش خارج العصر. .

خطابنا السياسي يتوجه للآشوري في العراق او سوريا او ايران او تركيا او في بلدان المهجر بذات اللغة والمصطلحات، (لا بل لا يلاحظ وجود هذه الدول والمصاعب التي اضفتها على العمل القومي). . لا تزال كلماتنا هي نفسها منذ عصر التبشير القومي، وكأننا لم نضف جديدا الى وعينا ولم نمتلك تجارب جديدة ولا نعيش وقائع مختلفة. فنحن لا نزال نبشر ونوعي بنفس المصطلحات والصياغات التي استعملها رواد العمل القومي، امثال نعوم فائق وفريدون اثورايا واشور يوسف وغيرهم.

ان عدم الوعي بمثل هذه المتغيرات التي حدثت خارج اطار ارادتنا القومية، وعدم توضيحها لابناء شعبنا، يجعلنا نعيش حالة ضبابية تكون فيها اهداف نضالنا القومي غير واضحة. . ان عدم اخذ المعطيات الوارد ذكرها، يشل قدرتنا على وضع تصور سليم لاسلوب النضال القومي وبرمجته واستغلال التناقضات الاقليمية والدولية والقوانين والمواثيق الدولية لصالح تطوير قدرات شعبنا وترسيخ حقوقه.

ان المطلع على الخطاب السياسي الاشوري يجد فيه دعوات تنمي حالة تطرف في طرح الاهداف التي يبتغيها، مع ان هذه الاهداف لا يمكن بلوغها واقعيا بل انها مستحيلة في المدى المنظور، مما يخلق اليأس والقنوط والابتعاد عن العمل السياسي.

ان جل الخطاب السياسي الاشوري الحالي ينمي حالة الحقد والكراهية ضد الاخر دون ان يقدم البديل. .

فنحن كآشوريين محكومين بالتعايش مع الاكراد والعرب وغيرهم من الشعوب، وعوض ان نظل نلعن كل الاخرين علينا ان نوضح صورة المعايشة هذه وفي ظل ايةظروف يمكننا ان نتعايش سلميا، لانه في كل الاحوال لا يمكننا ان نلغيهم باللعن والكره، كما انهم لا يستطيعون ذلك من خلال توسيع مدى الاضطهاد الذي يمارسونه بحق شعبنا. . ان تمتعنا بحقوقنا المشروعة يجب ان يصور (لانه هو كذلك) عامل استقرار للدول وللمنطقة وشعوبها. .

من حقنا ان نعادي ونعارض السلطات والانظمة التي لا تستجيب لحقوقنا المشروعة او تمارس الاضطهاد ضدنا، ولكن ليس في امكاننا ان نلغي حقيقة الدول القائمة سواء في ممارستنا للسياسة او في طرح الاهداف الواقعية لنضالنا، لان مثل هذا التجاوز يمكن ان يؤدي الى وضع عقبات امام عملنا القومي. بيث نهرين التاريخية تقتسمها اليوم عدة دول وذلك امر يتوجب مراعاته في خطابنا السياسي.

ان خطابنا السياسي يلغي الاخر وتأثيراته في المستقبل الاشوري (علما ان الاشوريين ضحية محاولات الغاء الاخر لهم)، ولكن المصيبة ان الاخرين تمكنوا من الغاء تأثيرنا في قرارهم السياسي (على الاقل وقتيا)، ولكننا لايمكننا فعل ذلك – حتى لو تمنيناه – لان مقدرات الوضع، اقتصاديا وسياسيا وديموغرافيا، ليست بايدينا بل بايدي الاخرين. وهكذا نحن نضع تصورات خيالية لاسلوب واهداف العمل القومي.

لكي يكون خطابنا السياسي واضحا ومجديا يقنع ابناء شعبنا بجدوى العمل السياسي وامكانية تحقيق الهدف (وعلى مراحل)، عليه ان ينطلق من الواقع بما يعنيه ذلك من مصداقية في الطرح والممارسة. . فرغم وجود تنظيمات اشورية تتعامل مع الواقع، الا انه يلاحظ ان بعضها، في خطابها الموجه للجماهير الاشورية، العودة الى الخطاب الذي يلغي الحدود بين الامال والممكن، وخصوصا في خطابها الموجه الى اشوريي المهجر (بغاية تحقيق مكاسب حزبية اعلامية ومادية انية.)

وليكن مقالنا اكثر وضوحا، وليس مجرد إضافة كلمات مسطورة لما سبق وقاله العديد من كتابنا القوميين، فأننا نطرح بعض النقاط التي نرى اهمية ملاحظتها عند توجيه خطابنا للاشوريين او غيرهم ممن نريد كسبهم في صف قضية شعبنا:

اولا – يرمي نضال شعبنا الى الإقرار بحقوقه (السياسية والثقافية والدينية) في اطار الدول القائمة حاليا، وان يتم صياغة هذا الطرح بالادراك الواعي بانه لا يمكن تحصيل هذه الحقوق إلا بنمو وتطور ثقافة ليبرالية انسانوية وممارسة سياسية ديمقراطية والايمان الذي لا يشوبه أي شك في التداول السلمي للسطة السياسية لدى الاغلبيات التي نتعايش معها.

ثانيا – تنمية وتطوير المفهوم العلماني لممارسة السلطة السياسية وضمان حقوق الانسان، وتبيان فوائد ذلك، سواء في التطور الاجتماعي او الاقتصادي، الذي يجلبه مثل هذا الالتزام لشعبنا وللشعوب التي نتعايش معها على حد سواء. . ان هذا الامر يجب ان يقترن بالممارسة وليس مجرد اقوال لا تجد لها اثر في الحياة اليومية.

ثالثا – محاولة العمل السياسي بصورة علنية كلما اتيح منفذ لذلك، لان الغاية من العمل السياسي ليست النضال دون هدف، بل لتحقيق اهداف سياسية محددة لشعبنا الاشوري، كما ان النضال السري ينمي لدى الكثيرين حالة العمل الاستخباراتي الذي لا ينتج عنه سوى جمع المعلومات التي قد لا تخدم بل ربما تسيء للعمل القومي وتخضعه لاهواء قلة لا يمكن محاسبتها، كما ينمي روح العداء والبغضاء، فكل من ليس من التنظيم هو عدو او عميل او جبان وغيرها من المصطلحات المنقولة والتي لا تخدم العمل القومي.

رابعا – طرح مشاريع قوانين وطنية ترسخ الوجود السياسي الاشوري على الساحات الوطنية، ونشرها وتعميمها على الفعاليات السياسية والثقافية للشعوب التي نتعايش معها.

خامسا – وفي المهجر لا بد من التوصل لصيغة عمل قومي تستوعب الانتماءات الوطنية المختلفة للاشوريين، والعمل على ازالة التناقضات الحاصلة جراءها على اساس اننا معرضون لنفس الاخطار، وتوجيه خطابنا السياسي للدول والشعوب التي هاجرنا اليها على اساس دعم شعبنا سياسيا في وطنه لاجل ازالة الظلم المحيق به عبر العمل على تطوير قوانين البلدان التي جئنا منها باتجاه ترسيخ حقوق الانسان وفصل الدين عن الدولة.

سادسا – الملاحظ ان اغلب ابناء شعبنا تجهل الكثير عن الشعوب التي تعيش معها في الوطن الواحد (والعكس صحيح ايضا)، ان الواجب يحتم تشجيع الاشوريين على الانفتاح الفكري، ومحاولة معرفة الاخر وكيفية التعايش معه. (وهذا ينطبق على المهجر ايضا).

سابعا – محاربة كل التوجهات والممارسات الشمولية، الفكرية والسياسية، باعتبارها العدو الاول للتعايش السلمي بين الشعوب، وباعتبارنا الضحية الاولى لمثل هذه التوجهات والممارسات.

اننا اذ نطرح هذه الاراء حول الخطاب السياسي الاشوري، فاننا نبتغي اجتثاث مواقع الخلل والخطأ فيه ليكون مجديا ومقبولا لدى عموم شعبنا ومناصريه واصدقاءه من الشعوب والتوجهات السياسية والثقافية للاغلبيات التي نعيش بينها، فالعربي والكردي والتركماني والفارسي وشعوب الدول التي نتعايش معها في المهاجر لا يعرفون شعبنا الا من خلال الخطاب الذي نوجهه اليهم، وعلينا اقناعهم بقضيتنا وعدالتها ومشروعيتها للحصول على دعمهم. . علينا ان نقنعهم ان قضية شعبنا هي قضيتهم جميعا، لان منطلقاتها انسانية. .

وشعبنا يجب ان يعي صعوبات قضيته على حقيقتها ليتسلح بما يذلل هذه الصعاب.

 

القومية واللغة والتاريخ الثلاثية الصعبة 1

 

ابتدأ أود القول انني هنا قد اكرر بعض ما قلته سابقا، لانني اراه ضروريا، وخصوصا ان ما ذكرته جاء ردا ولم ينشر كموضوع مستقل، وثانيا انني لا احاول حل الاشكالية التي نعانيها في التسمية، فلحد الان هناك التباسات من بعض المناقشين للامر من الطرفين، بل احاول تسليط الضوء على ما اعتقده حقائق يجب ان تؤخذ بنظر الاعتبار عند مناقشة الاسم والانتماء القومي والتاريخ المكتوب او المنقول شفاها ومن اهم الحقائق التي يجب ان نلفت النظر اليها باعتقادنا المتواضع هو عملية الاسقاطات التي يقوم بها بعض الاشخاص، فافكارنا ومفاهيمنا السياسية والثقافية والدينية والقانونية يتم اسقاطها على التاريخ الممتد لاكثر من ستة الاف سنة، ولذا فنحن لا نأخذ الامور بحقيقتها بل بتصورنا عنها، نقوم باسقاط وعينا وادراكنا لكل التراث الانساني والتطورات التي لحقت به على الماضي ورجال الماضي، فمصطلحات مثل الدولة والدين والقومية وحتى اللغة لم تكن كما نفهمها نحن حاليا لكي نقوم بمسألتها او كشفها بادوات اليوم.

لا مراء ان الفكر القومي (او حتى القومية كمصطلح سياسي ايديولوجي) هو مصطلح حديث نسبيا وان هذا المصطلح مستورد من اوربا التي هضمته بمراحله المختلفة في الوقت الذي اتخذناه نحن بشكله الجاهز، وحسب النظريتين الفرنسية او الالمانية وهاتين النظريتين لمفهوم وتعريف القومية مبنى على مصالح بلديهما في الصراع على الالزاس واللورين، اي ان التعريف لم يكن علميا كليا بل دخلت المصلحة الوطنية فيه، اي ان تحقيق المصلحة الوطنية في الحاق الالزاس واللورين اضطرهما لوضع تعرفين مختلفين لمصطلح القومية (تعريف المصطلح ايضا ايديولوجي مصلحي وليس علميا، فالتعاريف العلمية لا تختلف الا بظهور حقائق كانت مجهولة حين وضع التعريف، ولكن في حالتنا التعريفين المشار اليهما اعلاه ظهرا في وقت واحد).

قبل القرن الثامن عشر كانت المقاطعات تلحق بهذه الامبراطورية او تلك اما حسب القوة العسكرية او بالوراثة من خلال الزواج، كان يرث اميرا اقطاعية معينة وعند زواجه من اميرة وريثة لمقاطعة اخرى كانت المقاطعتين تتحدان برغم اختلاف اللغة او حتى التباعد في الحدود، كانت شرعية الحكومة هي شرعية القوة او شرعية الدماء الزرقاء (السلالة)، وبتوسع الطبقة الوسطى (البرجوازية) نتيجة الثروات التي هطلت على اوربا جراء مستعمراتها واختراعاتها وصناعاتها واكتشافاتها، ظهرت مفاهيم سياسية نابعة من مصلحة هذه الطبقة التي ارادت الحفاظ على امتيازاتها، فكان انبثاق الفكر القومي والدولة القومية ذات الحدود المغلقة امام الاخرين وبضاعتهم، هذا الفكر لم يلد بين يوم وضحاه، لقد انبثقت افكارا متباعدة وتم تطويرها تدريجيا بتطور الطبقة الوسطى في اوربا، لحين اكتمال ملامحها في منتصف القرن التاسع عشر، وخلال هذه الفترة ظهرت فرنسا كدولة قومية واسبانيا وايطاليا والمانيا وهلموا جر من الدول القومية التي ظهرت ابتداء من بداية القرن التاسع عشر، وهنا نود التأكيد ان الايديولوجية القومية لم تلد من ذاتها، بل توفرت الظروف الموضوعية لولادتها فانبثقت بشكلها النهائي.

كانت علاقات السلطنة العثمانية مع فرنسا وتاليا مع الولايات الالمانية، علاقة متينة مبنية على المصالح المتبادلة وخصوصا مصلحة الطرفين الاوربيين في وجود روسيا ضعيفة، كما ان مستعمرات السلطنة العثمانية الاوربية، قد بدأت بالاستقلال مستلهمة الفكر القومي الاوربي الغربي، ان هذا الامر دفع بالضباط الشباب الاتراك والذين درسوا في اوربا لأستلهام هذه النظرية او الفكرة لبعث نهضة في السلطنة العثمانية، وحيث ان السلطنة في حقيقتها لم تكن تركية صرفة بل اسلامية فقد انتقل هذا الفكر الى العرب والاكراد، العرب الذين اتاهم  الفكر القومي من مصدر اخر وهو التواصل الواسع بين لبنان واوربا، وفي نفس الفترة تأثر الآشوريين أو لنقل أبناء شعبنا بهذه الفكرة ولم يجدوا افضل من التسمية الاشورية لتحتضن حركتهم القومية، لكي يميزوا نفسهم عن الاكراد والاتراك والعرب والفرس، واستعمالهم للتسمية الاشورية لم يكن رد فعل ضد الكلدان او السريان، فالقوميون الاوائل وحتى الان يفترضون انه من الطبيعي ان يكون الكلدان والسريان اشوريون، ولم يتم اخضاع الامر من قبلهم لمسألة جادة لانهم لم يعتبروا الأمر أصلا خاطيء فما دامت (اللغة والتاريخ والدين والارض مشتركة فأين الخلل)؟ لم يجد الاشوريون الاوائل خللا في نظرتهم لانهم دعاة قوميين ولا علاقة لهم بالمذهب الديني، الا ان احد اهم مشاكلنا التي لم نعرها انتباها اننا كنا نعيش في بيئة مذهبية بامتياز، فالقوميون الاشوريون استعملوا كلمة ملت (ܡܠܬ) ككناية عن القومية علما ان الكلمة في استعمالها التركي تعني مذهب ديني اكثر منها قومية او شعب، ففي السلطنة كانت تعيش ملل كثيرة واغلبها معترف بها ويتم الاعتراف برئيسها بفرمان سلطاني، من هنا اننا والعرب والاكراد والاتراك والكثير من الشعوب اخذنا بالفكر القومي دون ان نهضمه ودون ان يكون نتاج ظروف موضوعية حقيقية، اخذناه بحلته النهائية ونحن فكريا نعيش عصور مظلمة، اخذنا الفكر القومي ونحن تأسرنا اليقينيات الدينية في الوقت الذي كان مذهب الشك يسود اوربا، كما لم تتوفر له قاعدة اقتصادية اجتماعية لكي تحتضنه، مثلما كان مع الفكر القومي الاوربي التي احتضنته الطبقة الوسطى وخلقت له اليات العمل ومدت له يد المساعدة بكل اشكالها، لان الفكر القومي كان تعبيرا عن مصالحها الحقيقية. ونحن اتخذنا الفكر القومي سلاحا للتخلص من الظلم والاضطهاد، لاننا رأينا الاخرين ينجحون في ذلك، دون ان نعير العوامل الاقتصادية والتطورات الفكرية والسياسية المرافقة لهذه العوامل اي اهمية تذكر، لا بل ان الفكر القومي في منطقتنا وخصوصا الاشوري ليس له اي بعد اقتصادي.

مع كل السلبيات التي رافقت الدعوة القومية، تبقى انها كانت حالة او محاولة لاحقاق حقوق شعب بمميزات لغوية وثقافية ودينية وتراثية وتاريخية معينة، وان الدعوة القومية الاشورية لم تمييز بين ابناء الشعب حسب انتماءه المذهبي، بل ان الشواهد تؤيد ان الكثيرين من ابناء الكنيسة الكاثوليكية كانوا فعالين جدا في العمل القومي الاشوري، ونذكر منهم جدنا توما يوسف توما الذي تم اعدامه عام 1918 من قبل الاتراك العثمانيين ومعه مختار ارادن لاتصالاتهم بمار بنيامين شمعون، بالرغم من كونهما كاثوليكي المذهب.

في سهول نينوى لم تنتشر الدعوة القومية، بالرغم من تلوينها باسم الكلدواشوري من قبل المرحوم اغا بطرس، ليس بسبب عدم انتماء الشعب بل بفعل عوامل جغرافية وسياسية، بمعنى ان المنطقة كانت منطقة سهلية لا يمكن التحصن فيها وكانت تعتمد على التبادل التجاري مع الموصل في مجمل حياتها بعكس المناطق الجبلية التي كانت مكتفية ذاتيا في اغلب مواردها، تبقى القوش استثناء هي نشط فيها العمل السياسي ولكن ليس القومي بل اليساري والشيوعي بالتحديد، كما ان الحركة القومية الاشورية لم تحرز انتصارا مشهودا، بمعنى انتصار يسجل للتاريخ تغييرا ايجابيا للشعب ما ساعد على ابتعاد ابناء شعبنا في السهل اكثر لعدم الالتحاق بها.

ارتباط الوعي القومي والتسمية بالثقافة عملية واضحة ففي ايران انتشر المذهب الكاثوليكي بعد انتشار الوعي القومي، ولذا فان عملية الكلدنة واجهت صعوبات جمة، في المراحل الأولية، ونجاحها كان نسبيا في الآونة الأخيرة أي ما بعد الثورة الاسلامية وهجرة اغلبية القوميين الاشوريين الفعالين على الساحة، اما في سهل العراقي فان انتشار المذهب الكاثوليكي وتبني التسمية الكلدانية في نهاية القرن الثامن عشر، واعتراف السلطنة العثمانية بالملة الكاثوليكية او الكلدانية حسب ما باتت تسمى، سبق كثيرا انتشار الوعي القومي، كما ان شعور الانسان في السهل بقوة حماية الكنيسة له ألجأه على الدوام الى حضنها، اذا قوة الانتماء المذهبي جعل بعض الاطراف او غالبيتها غير المتعلمة حينها ترى في الفعل القومي الاشوري عملا لا علاقة لهم به انه عمل جهة غريبة، حتى شاعت مقولة ان ماببين القوردايي والكلدايي شعرة وما بين نسطورنايي وكلدايي جبل1، وهذ الحالة وجدت في عوائل انقسمت على نفسها او قرى انقسمت بين المذهبين، فالنسطوري كان اكثر فعالية في العمل القومي نقيض قرينه الكاثوليكي، طبعا في العراق. ان الوعي القومي بالاضافة الى شموله بعض الكاثوليكين الا انه توسع ليشمل الاخوة السريان فها هو الشهيد اشور يوسف الخربوطي الذي استشهد في مذابح 1915 يدعو الى العمل القومي تحت هذا الاسم اي الاسم الاشوري برغم من انه كان من مواليد خربوط في تركيا الحالية وبالرغم من انه من الطائفة السريانية لا بل صار العمل القومي ينتشر على يد كوكبة من المتعلمين ولعل اشهرهم معلم الامة نعوم فائق، بالرغم العداء المذهبي الشديد بين المذهبين النسطوري واليعقوبي.

في مؤتمر باريس للسلام مثلا وفق وفد واحد في الوصول عن شعبنا، وكان الوفد برئاسة المطران (بطريرك لاحقا) مار افرام برصوم ومؤلفا من عشرة اشخاص وقد استقبل من قبل الرئيس الامريكي ولسن حيث خاطبهم قائلا انني سعيد بلقاء نواب امة قديمة العهد وامتكم الكلدانية – الاشورية حرية بالاستقلال ولا بد لي من السعي الاكيد في سبيل احقاق حق هذه الامة(انظر الاشوريون في مؤتمر الصلح باريس 1919 بقلم روبين بيت شموئيل)، هنا نجد ايضا الاسم المركب لشعبنا، وكان مقبولا من الشعب ولم يعتبر تضحية قومية واعتبر امرا اعتياديا، علما ان الوفد كان برئاسة مطران سرياني وضم كلدانيون ونساطرة، لا بل ان الوفد نظمته جمعية اسسها كاهن كلداني.

حمل القوميون الاشوريون الفكر القومي وبشروا به وقدموا التضحيات لاجل احقاق حقوق كل ابناء الشعب، وعانوا من الصدود الذي كانوا يقابلون به من قبل فئات من الشعب لاسباب مذهبية واضحة، الا ان حملة مشعل الوعي القومي لم يكونوا منزهين عن الاخطاء التي باتوا يعانون منها، فلم يعيروا اهمية كافية لمراكز القرار في الطوائف، هذه المراكز التي اعتبر عملية الوعي القومي هي عملية سلب رعية من بين ايديها وخلق مراكز قرار موازية لها.

منذ اتخاذ التسمية الكلدانية كتسمية رسمية للمنتمين للكنيسة الكاثوليكية لم تقم بينهم او لم يبشروا قوميا بها، عدا حالات استثنائية مثل تسمية اللغة باللغة الكلدانية او بعض الكتب التي طبعت باسم تاريخ الكنيسة الكلدانية، ولا يختلف عن نظيره تاريخ الكنيسة الشرقية بشيء، وهو نفس تاريخ الكنيسة المشرقية او النسطورية الا في السنوات ما بعد انشقاق كنيسة المشرق. ولكن هذه التسمية شئنا ام ابينا اتخذت طابعا مميزا لجزء كبير من ابناء شعبنا، وهذا الجزء تعايش معها وكأنها اسمه القومي المميز، فكما الاشوري يعتبر هذه التسمية صادقة وصحيحة فأن الكلداني يعتبر هذه التسمية الان صحيحة وصادقة، اذا المسألة الاكثر اهمية التي لا نوليها اي اهمية هي المشاعر، فانا لا يمكنني تبديل مشاعر شخص ما، لانه لا يري خطاء ما في تبنيه التسمية الكلدانية التي ورثها عن اباءه، ان التسمية هنا هي موروث من موروثاته فكيف له الحق بالتصرف به وهو استلمه هكذا، ان الامر الاكثر وضوحا ان المنتمين للتيار الاشوري لم يقوموا بالخطوات الاصح في جعل الاخرين لا يتنافرون مع هذه التسمية، ان البعض منا نحن الداعين للتسمية الاشورية يكادون يشعرون ان الرافضين للتسمية الاشورية، يرفضونها للكره الذي يكنوه للاشورية ولاسباب طائفية، وهذا شعور قد لا يكون صادقا البتة الا انهم عندما يعجزون عن ايصال رسالتهم لا يجدون اي تبرير اخر للامر، علما ان مصداقية الدعوة الاشورية لدينا لا يشوبها شائبة، قد لا يشوب الدعوة الاشورية بذاتها شائبة ولكن الدعاة قد يشوبهم شوائب، وقد يحملون فكر طائفي او استغلالي او استعلائى على الآخرين مما خلق فجوات بين الدعاة او المبشرين وابناء شعبنا من الطوائف الاخرى، وهل ننسى وصف البعض لبعض ابناء شعبنا من الطوائف الاخرى بانهم قرج (نور الاشوريين)1.

الامر اكثر صعوبة على الفهم هو عملية اسقاط ما نحن فيه من وعي قومي وسياسي وفكري على فترة من التاريخ لا يمكن ان تحتمل كل هذه النقاشات، فلا اعتقد ان سركون الاكدي او حمورابي او شلمانصر الثالث او سركون الثاني او نبوخذنصر كانوا يفهمون في القومية او التنظير القومي، لا بل انهم لم يكونوا بالقداسة والهيبة التي نريد ان نصورهم فيها، بل انهم كانوا مستعدين ليتنازلوا عن مناطق من بلدانهم او اجزاء من شعوبهم لاجل مهر امراة او لتلاقي مصالحهم مع هذا الطرف او ذاك، انهم كانوا اقرب الى الطبقة الغنية لاعداءهم من قربهم من طبقة الفقراء والعبيد المتكلمين بلغتهم والذين كانوا يسكنون مدينتهم، وهذا كله لا يعبهم لانهم كانوا يعيشون عصرهم، اذا اسقاط النظرية القومية على فترة تسبق ظهور النظرية القومية باكثر من خمسة الاف من السنين امر مجحف، عملية خداع للمتلقي، للقارئ من ابناء شعبنا الذين ياخذون الامور كما يروها ولا يخضعوها للمسألة العقلية، لقد كان الملوك حينذاك ملوكا اكثر من كونهم اشخاصا منتمون لبيئة ثقافية تراثية تاريخية لغوية معينة، كانت القوة والقوة المجردة هي العامل الاهم في الخضوع لهذا الملك او ذاك، لا بل لهذا الاله او ذاك، الناس كانت على دين ملوكها، وملوكها اما كانوا يأتون بعملية انتقال السلطة بشكل طبيعي اي الوراثة السلمية او بالاستيلاء احد القواد او الامراء على السلطة بالقوة، وكلا الأمرين كان يعتمد على القوة ولم يعتمد على مفاهيم الشرعية التي نفهمها الان، لان هذه المفاهيم اتت بعد نضالات الانسانية لحقب طويلة، ان ملوكنا الذين نفتخر بهم لم يجدوا اي ضرورة لتبرير توليهم امر العباد اصلا، مثل ملوك اروبا في العصور الوسطى حيث برروا ذلك بسبب جريان الدماء الزرقاء في عروقهم، نعم استند البعض الى ان الاله اختارتهم ولكن في المراحل المتأخرة وهذا تقدم في المسار الانساني خطوة كبيرة في ان الملك وجد انه من الضروري تبرير سبب تحكمه في العباد.

ان الانتماء بالمفهوم الذي نفهمه اليوم لم يكن قد ظهر، ولكن التعايش والشعور الفطري بالحاجة الى الاخر كان موجودا، وكان الانتماء بالاصل الى القرية أو المدينة التي كان الانسان يسكنها، فماذا يربط انسان يعيش في نينوى بشخص يعيش في اشور على بعد ما يقار الخمسون كيلومترا وهما لا يحتاجان بعضهما البعض في اي شئ، لانهما مكتفيان ذاتيا في كل شئ تقريبا. بعكس اليوم ومتطلبات البوم فبين بغداد والموصل ورغم المخاطر ينتقل عشرات الالاف من الاشخاص وبكل الاتجاهين مما يخلق تواصل ضروري لبناء شعور بالولاء للمشترك، ناهيك عن عوامل الاعلام والمدراس والكتاب وغيرها من الروابط التي ما كانت موجودة حينذاك.

ان الصيرورة التاريخية جعلتنا شعبا واحدا، بلغة وعادات وتاريخ ومخاوف وارض وامال واحدة، كل هذه الامور مشتركة والاسم فقط يفرقنا وبالحقيقة ليس الاسم بالضبط بل هو نوع من الكره والحقد، كره وحقد الضعيف الذي عندما لا يجد القدرة على مقارعة من يعتقد انه المعتدي عليه يفرج عن كربه باقرب الناس اليه.

الكلدانية ستدعو الى نفس ما تدعو اليه الاشورية، وقد يكون الكلدان اكثر تواضعا ويقولون ان الاشوريين قومية مستقلة وليصفوا امورهم بانفسهم، ولكن بالنهاية سيجد الكلدان انهم والاشوريين شئ واحد، وبالنتيجة ان الكلدانية لكي تثبت اقدامها في التربة ويكون لها صدى ما للاشورية تحتاج الى سنين طويلة من التضحيات، وقد يفكرون بعكس ذلك انهم لا يحتاجون الى اي شئ فجذورهم في التاريخ قوية وهم سيحصلون على ما يريدون بقوتهم الديموغرافية، ولكن هذا تفكير المعاند والمكابر، لا يختلف عن تفكير الاشوري الذي يقول اني عملت ما علي وليشكل الكلدان ان لم يرضوا قوميتهم الخاصة، انهما وجهان لعملة واحدة.

الحل هو الحل الواقعي المكرر اكثر من مرة ان الاتفاق بين الاطراف الثلاثة يتطلب وعي تام بان وجودهم مرتبط احدهما بالاخر، وانهم شعب وامة واحدة وان الاخرين ينظرون حقيقة اليهم كونهم كذالك، وقد يتعجبون ان جماعة (شمختلك قر تلوخ )* ليسوا شيئا واحدا، ان اشكالية التسمية لا يمكن ان تحل بتبني احد التسميات الثلاثة، بل بتسمية مركبة وموحدة، وان الشعب يجب ان لا يدفع ضريبة نتيجة لألاعيب فرد واحد، كما ان الدولة العراقية عندما تخصص موارد للتدريس والثقافة والاعلام مثلا هل تتمكن من توزيع هذه الحصص على الاطراف الثلاثة، وهل يمكن لهذه الاطراف الاستفادة من الامر لو وزعت الاموال وجزأت. ها وقد ظهر ان في كل طرف هنالك متعصبين اشد التعصب، متعصبين لحد المقت، اناس لا يهمهم ان تتقسم الامة اكثر فقط للتنفيس عن احقاد دفينة، ارجو المعذرة للعبارة الاخيرة، فانا ايضا كانسان اشعر بالضعف في تفسير هذه الحالة المرضية التي تضحي بوحدة شعبنا من اجل بقاء تسمية واحدة فقط وازالة الاخريات، انني عاجز لحد الشلل التام، فالمقترح الذي نقدمه يظهر التسميات الثلاثة، بشكل متوازن ولن يلغي الاخيرتين، اما متبنوا التسمية الواحدة فقط وهي هنا الاشورية فلن يقدروا على منع ظهور الكلدانية والسريانية ولكنها بهذه الحالة ستظهر كتسميات لشعوب متعددة، ولكنها تتكلم لغة واحدة ولها تاريخ واحد.

1 القولين اعلاه قد لا يعبران عن حقيقة العلاقة بين اطراف شعبنا، ولكنهما قيلا وسببا ألم كثيرا وترديدي لهما هو من باب نقدي.

* احيانا يستهزاء الاخوة العرب بلغتنا ويقولون كلمات فيها الخاء لكثرة وجوده في لغتنا باي شكل، وهنا هي تعبيرا انهم يروننا واحدا ونحن لا نرى ذلك.

29 حزيران 2005

 

القومية واللغة والتاريخ الثلاثية الصعبة 2 اللغة

اللغة هذا الكائن الحي، الذي ينمو ويكبر واحيانا يشيخ، كما شاخت لغتنا، فبالكاد يعرفها قراءة وكتابة 5% من الناطقين بها وصح القول فينا الناطقين بالسريانية.

لم تبتدأ اللغة وهي متكاملة الخواص والكلمات، بل ابتدات نطقا وصوتا بتطور الانسان، ولان للانسان عقل يخزن التجارب ويقارن فقد تمكن هذا الانسان من اعطاء الاشياء اسماء لكي يعرفها، ويعطي العمل فعله لكي يمارسه او لكي يطلب ممارسته، ولكي تتطور اللغة وتتوسع ولكي تضم كلمات جديدة فعلى الانسان المتكلم بها مواجهة اعمال او اشياء او لغات جديدة فلا يعقل ان يسمي انسان يعيش في الصحراء اسما للبحر او انسان يعيش في عام 1200 ق. م ان يسمي مكوك الفضاء، لان اللغة بذاتها لا يمكن ان تتطور الا بفعل الكتابة والتفكير ووضع نصوص قد تحتاج لصياغة تعابير يحتاجه العمل الابداعي كقصة الخليقة وككتابة القوانيين.

في الحقب القديمة تكونت اللغة لانها حاجة انسانية وتطورت تبعا لحاجات هذا الانسان، واللغة ليست خط الكتابة الذي خلطوا بينهما بعض المؤرخين، فاللغة الاكدية الاشورية التي كان يتكلم بها اهل العراق القديم، كتبت بخط مسماري وهذا واضح من اللقى والالواح الطينية، وبتطور الحياة ووسائل الاتصال اتخذ اهل العراق القديم الخط الابجدي والمسمي الارامي كخط لكتابة لغتهم، لانه كان الخط الاسهل ويتكون من ابجدية لا تتعدي اثنين وعشرين حرفاً، ومنها يمكن تكوين كلمات لا حصر لها، وهنا حدث تطور هائل في سهولة تعلم الكتابة والقرأة في الوقت الذي حدثت الاشكالية اللغوية التي يقال ان الاشوريين او سكان العراق القديم قد غيروا لغتهم وكأنها حقيبة سفر يمكن ان ترمى بعد ان اتمت مهمتها او قميص ينزع ليلبس غيره، حتى لو افترضنا ان العملية استمرت قرون طويلة سيكون قبول فرضية تغيير اللغة عسيرا، اي نعم الاحرف وخط الكتابة ولكن اللغة فلا اعتقد وللاسباب التالية.

اولا_ لكي يتم تغيير اللغة يجب توفر عوامل مهمة، ومنها ان تكون اللغة الجديدة لشعب ذو حضارة ارقى من الشعب صاحب اللغة القديمة، اي بفعل الانبهار والاعجاب والشعور بالدونية في مجالات شتى، وهذا غير متوفر في الحالة الاشورية، فالمفترض ان الاشوريون غيروا لغتهم مع القرن الثامن والسابع من قبل الميلادي اي عندما كان الاشوريين في اوج قوتهم حسب ما تذكره لنا كتب التاريخ وسقوط الدولة الاشوريين مرحلة نينوى حدث في نهاية القرن السابع قبل الميلاد.

ثانيا_ يتطلب تغيير اللغة بالصورة المراد تسويقها لنا، استعمال عامل القوة او الفرض سواء بواسطة القانون او القوة الجبرية لاجبار الانسان على تعلم لغة أخرى، او تخصيص معلمين لتعليم اللغة الجديدة ، وهذا غير ممكن لانه لم يكن بقدرة الاشوريين تخصيص عدد كبير من المراقبين او القوات لفرض هذا الامر، كما انه ونتيجة لصعوبة المواصلات والاتصالات فما كان يمكن تنفيذ الامر.

ثالثا_ يمكن الاستنتاج ان الامية كانت متفشية في المجتمعات حينذاك، فعدد الملمين بالقرأة والكتابة كان عدداً محدوداً جداً وقد يكون اقل من 1% من الشعب وهذه نسبة كبيرة مقارنة بذلك الزمان، اذا مع تفشي الامية يمكن الاستنتاج ان مسألة تغيير اللغة يشوبه صعوبة كبيرة جدا، لان الامي لكي يتعلم لغة ما يحتاج الى احتتكاك يومي بالناس ويحتاج الى ان يكون تعلم اللغة امر ضروري لتمشية معاملاته اليومية.

رابعا_ يتطلب تغيير اللغة ان تكون الاكثرية من ابناء اللغة الجديدة وهذا ليس هناك اي دليل عليه، فلا يمكن بأي حال من الاحوال الاستنتاج ان من سموا بالآراميين كانوا الاكثرية، بين السواد في المجتمع الاشوري.

من هنا يمكننا الاستنتاج ان عملية التغيير الحقيقيى التي حدثت هي ترك الكتابة بالخط المسماري والكتابة بالابجدية التي هي عملية تطور طبيعي للخط المسماري، ويمكن القول ان اللغة ككائن حي دائمة التاثر باللغات الاخرى وتأخذ منها مصطلحات وكلمات جديدة وهذا لا يعيب اللغة.

الاستنتاجات التي يمكن ان نخرج بها، وأرغب التأكيد ان هذه الاستنتاجات ليست دراسة تاريخية لتطور اللغة بقدر ما هي مقارنة منطقية لمسار العملية اي التطور اللغوي في مجتمعنا.

بما ان الشعوب القاطنة في هذه المنطقة التي تمتد مما يسمى اليوم بالجزيرة العربية وبلاد الشام والعراق هي من الاصول المشتركة، فلابد ان تكون لغتهم ذات جدر مشترك، واذا اكدنا على الاسس التي تجعل اللغة تتطور ندرك ان التطورات التي حدثت في هذه اللغة التي سميت باللغة السامية لم تكن كبيرة، بسبب عوامل عديدة وهي التشابه الجغرافي وكون الاختراعات والاكتشافات قليلة وتعد نادرة، اذا بقت اللغة واحدة في الاطار العام مع الاختلافات اللهجوية وبعض المفردات الدخليلة نتيجة للاختلاط بشعوب اخرى او نتيجة للاكتشافات الحديثة والتي قد لا يعلم بها احد اقسام من مستعملي هذه اللغة، من هنا نقدر على القول ان الشعب العراقي القديم لم يبدل لغته بلغة اخرى بقدر تبديل احرف الكتابة وضم مصطلحات او اسماء لمخترعات لم يعرفوها واخذوها من غيرهم، الا ان الفارق الاهم بين الشعب العراقي القديم وبقية ساكني بلاد الشام هو الاختلاط بالسومريين وتأثر الشعب العراقي القديم بهم و بثقافتهم وتراثهم حتى ان الاكديين والعموريين والاشوريين والكلدان اتخذوا من آلهة السومريين الهة لهم وان كان بأسماء اخرى ولكن بنفس الصفات، كما اتخذوا قصة الخليقة كاحد اسس بناءهم الديني ومنبع اليقين لديهم، كما انهم نسبوا سلسلتهم الملكية لسلسلة الملوك ما قبل الطوفان، ولكن من الواضح ان التأثير السومري على لغة الاكديين والعموريين والاشوريين كان ضئيلا بسبب الموجات المتعددة لحملة هذه اللغة المشتركة كما ان ظهور دول قوية لهذه الاقوام على انقاض الدويلات السومرية ساعد على اندماج السومريين في القادمين الجدد.

مع بداية انتشار المسيحية في بلاد النهرين اتخذت الكنيسة من لهجة اورهي لغة رسمية لها وسميت سورث او(ܠܫܢܐ ܐܣܘܪܝܝܐ) الالب تكتب ولا تقرا، وبذا استقرت لهجة اورهي على سياقها وكان تطورها فقط بتنظيم قواعدها وادخال الكلمات والمصطلحات التي احتاجت لها في العلوم والفلسفة التي توسعت، بتوسع التعليم وكثرة المدارس والاديرة والكنائس، من هنا بقت هذه اللهجة بثباتها في الوقت الذي تطورت اللغة المحكية بفعل التاثيرات التي دخلت عليها من اللغات الاخرى في الجوار الجغرافي وخصوصا ان اللغة المحكية لم تلتزم قواعد صارمة لانها اصلا لم تكن لغة العلم والثقافة بل كانت لغة الحياة اليومية.

الاستنتاجات النهائية بهذا الخصوص

ان اللغة التي نسميها اللغة السريانية هي لهجة من لهجات اللغة التي كان يتكلم بها اجدادنا من الاكديين والاشوريين والكلدان، وليست لغة غريبة عنهم كما يحاول البعض الايحاء بذالك، كما ان اجدادنا القدامى لا يمكن ان يكونوا قد استبدلوا لغتهم بلغة اخرى لعدم توفر اسبابا منطقية لهذا الامر.

ان هذه اللهجة اصبحت اللغة الرسمية المكتوبة واللغة الوحيدة للثقافة والتبادل العلمي، كما حصل مع لهجة لندن عندما اتخذت كلغة رسمية لكل سكان بريطانيا، وسميت لغتنا هذه بالسورث وهذا منذ اكثر من الفي عام وليس عيباً وانتقاصاً من آشوريتنا أو كلدانيتنا ان نستمر في تسمية لغتنا بالسورت او اللغة السريانية، لان هذه التسمية جاءت في اطار تطورها الطبيعي والمنطقي ولم يتم فرضها من قبل اي جهة علينا. كما ان محاولة البعض تجاهل ان التسمية لها من العمر والاستمرار لمدة الفين من السنيين، يعتبر غبنا لحقبة تاريخية مضيئة ويمنح الشرعية للاخرين لكي يسمون اللغة بتسمياتهم القومية.  وهنا نزيد من مصاعب عملية الحوار التوحيدي بل نخلق محاور جديدة للاختلاف والتضاد.

ان هذه اللغة هي عامل توحيد لكل تسميات ابناء شعبنا، ولكنها بحاجة الى تطوير وعصرنة الالفاظ والمصطلحات، بالطبع هناك فرع لا يزال يكتب ويقرأ من هذه اللغة الا أنه بلهجة جنوب العراق، فأورهي التي اتخذت لغتها لغة رسمية للمسيحية تقع شمال العراق الحالي اي في تركيا الحالية، اما لهجة جنوب العراق من هذه اللغة التي تكلم بها اجدادنا هي اليوم ما يسمى باللغة المندائية، علما ان اللغة المندائية المكتوبة لم يدخل عليها اي تبديل وتغيير منذ ما قبل الغزو الاسلامي، قد يفيد المختصين للدراسته ومقارنته بلغة العراقيين القدماء من الاكديين والعموريين والاشوريين.

6 تموز 2005

عن مزالق الفكر القومي الاشوري المعاصر فكري

 

نشر الاستاذ حبيب تومي مقالة نقدية حول محاولة بعض الكتّاب المؤمنيين بالتسمية الاشورية وبوحدة شعبنا بكل تسمياته، متهما اياهم بفرض أنفسهم أوصياء على الكل ومحاولين فرض معتقداتهم على الجميع.

في البداية اود ان اشكر السيد حبيب تومي لمقالته القيمة، لانها محاولة نقدية، والنقد ليس بالهجاء، بل هو محاولة لتصحيح ما أعتبره الكاتب خطاء، والخطاء بنظر الكاتب هو محاولة الكتاب الذين وردت اسماءهم في مقالته على اعتبار النساطرة والكلدان والسريان شعبا واحدا، وهنا أود ان أشير ان الكتاب الواردة اسمائهم يتفقون على اننا شعبا واحدا، ولكنهم ايضا يختلفون، في التسمية الواجبة اطلاقهم، فهم يتفقون على ان التسمية الاشورية هي الاسلم والاصح، الا انهم يختلفون، في وجوب اطلاق اي تسمية، فبحسب علمي ان السيدان اشور كيوركيس وابرم شبيرا يصران على ان التسمية الاشورية هي التي يجب ان تطلق ولا تصح اي تسمية اخرى، الا انني شخصيا واعتقد ان الاستاذ زيا نمرود كانون(الذي كان من الاوائل من الذين طرحوا اقتراح اطلاق التسمية الكلدواشورية، في نهاية السبعينيات من القرن الماضي في ندوة عقدت في االجمعية الثقافية للناطقين بالسريانية، واعتقد ان السيد اسكندر بيقاشا كان حاضرا للندوة تلك) يتفق معي ان المصلحة القومية تتطلب ان نتحاور في الامر ونتناقش وليس بامكاننا فرض ما نؤمن به على الجميع، فالمصلحة القومية هي المعيار وهي الواجبة الاتباع، واننا لا يمكننا ان نضحي بوحدة الامة والشعب على مذبح التسمية. السيد حبيب تومي، في الوقت الذي يرفض اراء الاخرين ويعتبرها محاولة لفرض انفسهم اوصياء، لانهم يجاهرون بما يؤمنون، وهذا حق مكفول لهم، لانهم يجاهرون برأيهم من خلال القلم، وليس من خلال البندقية، ولكن السيد تومي يمارس نفس الشيء، عندما يصدم الاخرين مؤيدا، اننا لسنا بشعب واحدا او امة واحدة، فارضا رأيه كحقيقة ثابتة لا تقبل الجدل.

اعتقد ان السيد حبيب تومي سيتفق معي في ان الايدولوجية القومية، هي فكرة ذات منشأ اوربي، وتطورت بفعل التطورات الاجتماعية والاقتصادية للمجتمع الاوربي، الذي فرض تطورا سياسيا، نتيجة لبروز الطبقة الوسطى (البورجوازية الصغيرة)، فالفكر القومي هو فكر او نتاج لبروز البورجوازية الصغيرة، وقد حقق نتائج باهرة في اوربا، فمن التطور في القوانيين والحريات الفردية الى بروز الدول القومية، واستقلال بعضها في ظل الفكر القومي وبالاخص الدول التي كانت رازحة تحت الاستعمار العثماني وبالاخص في شرق ووسط اوربا.

ان النجاحات التي تحققت في ظل الفكر القومي، جعلت كل الشعوب الرازحة تحت ظل الطغيات والاستعمار تتطلع الى أخذه كنموذج لها في تطوير شعوبها وحقوق تلك الشعوب، ومنها شعوبنا الشرق أوسطية من السريان الكلدان الاشوريين والعرب والاكراد، ومنها من نجح في مساعيه ومنه من فشل، لأسباب لا محل لها من النقاش الآن.

أما في ظل السلطنة العثمانية فكان الوضع مختلفا، فالتقسيم كان لايزال متبعا على أسس الملة، وتعني المذهب الديني، وهذا النظام كان سائدا منذ امد بعيد، ونظام السلطنة كان جامدا، لم يطراء عليه اي تغيير يذكر لمدة اربعة قرون، في الوقت الذي كانت فيه اوربا تقفز خطوات الى الامام في مختلف مجالات الحياة، فأن ما تأثرنا به والآتي من اوربا، لم يكن نتاج تطور طبيعي بل نتاج اخذ تجربة ناجحة، وطبقت بشكل مجتزيء عن الواقع القائم، بابعاده الاقتصادية والقانونية والاجتماعية وبالتالي السياسية.

والعمل القومي الآشوري لم يبدأ بويكرام ولم تأت التسمية من قبله، ويكرام وصل المنطقة في اوئل القرن العشرين، والعمل القومي بدأ مع منتصف القرن التاسع عشر، وكانت زهريرا دبهرا تصدر من اورمي وهي اول صحيفة تصدر بالسريانية وكانت تنطق باسم الاشوريين، وتتوجه اليهم، كما ان رواد العمل القومي الاشوري امثال اشور يوسف الخربوطي صاحب مهديانا اثورايا ونعوم فائق، لم يلتقيا وكرام، والوفد الاشوري الى مؤتمر فرساي لم تقسمه التسميات، بقدر انقسامه لعدم التواصل، فكل اجتهد من جانبه، والمطالب التي قدمت، لم تلحظ التقسيم الطائفي، بل قدمت بأسم كل الشعب، الكلدواشوري السرياني، كشعب واحد.

والفكر القومي الذي كان منشأه الفلسفي كل من المانيا وفرنسا، اي المرجعية الفكرية للفكر القومي، اتخذ صفتان، الاولى واعتمدتها المدرسة الالمانية، والتي تقول ان الانتماء القومي واجب وحتمي في حالة توفر بعض الشروط، ومنها وحدة اللغة والعادات والتقاليد والتاريخ المشترك، اما المدرسة الفرنسية، ففي الوقت الذي تقر به بأن الوحدة القومية تعني توافر شروط معينة مما ذكرناه، الا انها تؤكد  على الارادة الفردية في الانتماء الى امة، ولا يخفى على كاتبنا العزيز ان تبني المدرستين لم يتم للحقيقة المطلقة، فلا حقيقة مطلقة في السياسة، بل التبني تم لتحقيق مصلحة وطنية او قومية، وكان سبب تبني المدرستين من قبل مفكري الشعبين، هو الصراع على الالزاس واللورين، فالمانيا كانت تطالب بها لقرب لهجة المنطقتين من اللغة الالمانية، وفرنسا كانت تمانع بحجة ان ابناء المنطقتين يفضلون البقاء مع فرنسا، ناهيك ان فرنسا كانت لها مستعمرات كبيرة اعتبرتها من ضمن اراضيهات الوطنية مثل الجزائر، فكما ترى سيدي الكاتب ان الايديولجية ليست دائما حقائق ثابتة، ومن حقنا ان نقول ان ايديولوجيتك في اننا شعوب متعددة (اي الكلدان والسريان والاشوريين) لا يمكن لها ان تكون بهذه الاطلاقية التي تسوقها لنا، مع اعترافنا بحقك في اختيار انتمائك القومي بكل حرية، لا بل سنقف معك في ان تتمتع بكامل حريتك هذه، فلا امة حرة فيها افراد مضطهدون اومفروضة عليهم امور لا يؤمنون بها، على شرط ان لا تكون هنالك امة مختلقة.

والان سيدي الكاتب لنأت ونستقراء الواقع وبعض التاريخ، لنرَ هل يؤكد اننا، واقصد هنا انا الذي يدعي بالاشورية، وسيادتكم الذي تدعي بالكلدانية، هل نحن من امتان مختلفتان أم من أمة وشعب واحد.

انا افهم كل ما ينطق به الالقوشي والتلكفي والعينكاوي والشقلاوي والمركاوي والسيناوي (اشوريي سنندج، كلهم من اتباع الكنيسة الكاثوليكية) ناهيك عن لهجة ارادن ومانيكش وهلم جرا، ولست بحاجة لمترجم او للدراسة من الجديد لفهم هذه اللهجات، ولنقل ما تسمونه اللغة الكلدانية (فلا قومية بلا لغة) اما اذا ايدتنا في ان المدعيين بالاشورية والمدعيين بالكلدانية، كلاهما يتحدثان باللغة السريانية، وهذا صحيح لاننا نتكلم كلانا السورث، فقد اكفيتني شر الأستطالة.

وأؤكد لك ان الالماني في هامبورغ يجد صعوبة في فهم لهجة باير أو لهجة فيينا أو بيرن، الا ان وجود اللغة المكتوبة يسهل لهم الامر، وهكذا الفرنسي من اهل باريس، الى الفرنسي من مقاطعة بريتانيا او كورسيكا، فلماذا هؤلاء قومية واحدة ونحن لا؟

قبل سنوات كنت في زيارة لاحدى المكتبات في المدينة الالمانية التي اعيش فيها، بمعية بعض الاصدقاء وكان للمكتبة قسم يهتم بالكتب الشرقية، فوجدنا فيها بعض الكتب، وقام صاحب المكتبة بعرض بعض الكتب علينا، فسارعت لاخذ كتاب عنوانه تاريخ الكنيسة الكلدانية، وتعجب أحد الاصدقاء لمسارعتي لأخذ الكتاب، فقلت ساريك بعد ان نخرج من هنا، المهم انا قرأت الكتاب واعطيته للصديق الذي كان قد تعجب من اخذي الكتاب، فقلت اطلع عليه انه سيفيدك، وللعلم ان الصديق اخذ الكتاب ولم يعيده لي ابدا برغم مطالباتي المتكررة، فماذا وجدنا سيدي الكاتب في الكتاب الموسوم بتاريخ الكنيسة الكلدانية، سيدي لم اجد اي اختلاف عن تاريخ الكنيسة الشرقية (النسطورية) إلا ببعض اسماء البطاركة من الذين جلسوا على الكرسي الرسولي لورثة كنيسة كوخي، فكلاهما يبتدءان بمار ادي ومار ماري وتوما الرسول، ومرورا بباوي وباباي واسحق وابرم ونرساي وطيماتاوس الكبير والدير الكبير والقوش وعوديشوا الصوباي وخامس وهلم جرا من جهابذة الملافنة والعلماء والبطاركة والامكنة التي سكنها الكرسي البطريركي، فاذا كان التاريخ واحدا كل هذا الزمان فهل من ثلثمائة سنة من الانقسام الكنسي يمكن ان نخلق امتان مختلفتان، علما ان غالبيتيهما يسكنان العراق، اي لا يوجد فاصل وطني بينهما؟

لماذا نقر بان الالماني في ميونخ والالماني في هامبورغ هما من أمة واحدة على الرغم إن وحدتهم السياسية لم تتحقق الا قبل مائة وخمسون عاما فقط؟ هل ان فرض القوانيين الموحدة بفعل سلطة سياسية قوية هو العامل ام المصلحة وحقائق التاريخ؟

عزيزي حبيب تومي في المنطقة التي انتمى اليها من العراق، وهي منطقة صبنا، اغلب القرى من المذهب الكاثوليكي، وبيننا قرابات ليس من ناحية الام اي التزواج لا بل الصلب، اي ابناء عمومة، بعضنا نسطوري (تسهيلا للتفريق) وبعضنا الاخر كاثوليكي، النسطوري يقول انه اشوري والكاثوليكي يقول انه كلداني، فهلا فككت لي هذه الاحجية التي لا افهمها، فهل البازي من بادرش او الارادني او الهمزيكي او الكوماني المتحد مع الكنيسة الكاثوليكية هو كلداني ام اشوري متكثلك، وفي الحالة الثانية، اعتقد انك ترفض كلدانيته، لانه اولا يتكلم لهجة اهل صبنا والقريبة من اللهجة التيارية وثانية انك ستجد في عائلة واحدة الكلداني والاشوري، فعلى اي اساس تقسم الشعب (الكداني الاشوري السرياني) وهل حرية الارادة تبيح كل المحذورات واحداها وحدة الشعب، ام اننا بحاجة لقوة تفرض وحدتنا القومية بفعل قانون صارم.

انني لا انكر ان بعض المدعيين بالآشورية، يمارس هذا الادعاء بفوقية مدانة ومستهجنة، فلا فوقية او استاذية في الانتماء، فاذا كنا أبناء أمة واحدة، فيجب ان نمارس هذا الانتماء بتساوي ومحبة وسلاسة، وبدون ادعاء كاذب، ولكن في نفس الوقت تفتيت الامة لاسباب غير مفهومة وغير منطقية، امر مستهجن سيدي الكاتب.

ان الدماء التي قدمها شعبنا على مذبح حريته، من اي طائفة كان الضحية فيحب ان تستثمر لاجل حرية وحقوق كل أبنائه، والمسألة ليست تعدد القوميات بل بكل بساطة تعدد التسميات، وهذه حالة جأت نتيجة لواقع تخلفنا، ولكون الكنيسة السند الوحيد لحمايتنا ككيان او فئة متميزة عن الاخرين.  وحل اشكالية تعددية التسميات، سيأتي عندما يدرك ابناء شعبنا ان حلها لن يكون بالتعصب لهذه التسمية او تلك، بل بقدر شعور ابناء شعبنا ان هذه التسمية تمثلهم، وان انضوائهم في ظلها سيمكنهم من ممارسة كل حقوقهم، التي يمكن تحقيقها بوحدتنا، وليس بتشرذمنا.

 

 

ادارة الخلاف

 

في البداية قسم الانسان، الاختلاف بين الطرفين، الى الجيد والشرير، وكل طرف اعتبر نفسه هو الجيد والاخر الشرير، واعتقد الانسان انه بدون القضاء على الشرير، لن يكون ممكنا القضاء على الشر. ولكن في الحقيقة، ان هذا التقسيم الملتبس، او لنقل القطعي والمبني على الايمان، كان يعني شيئا اخر، ماهو لصالحي او يلائم معتقداتي او عاداتي، هو الصالح وكل ما يخالف ذلك هو الشرير.

ومع تنامي قوة بعض الاطراف وتحكمهم بالاخرين، صار الصالح هو كل ما يتوافق راي السلطة، والشرير هو كل ما يخالفها. ولكن التطور الانساني ادرك، ان الخلاف امر حقيقي وواقعي والاهم انه ضروري، لتطوير الحياة الانسانية وكل ما يحيط بها. سابقا كان الخلاف يؤدي الى الاحتراب والقتال، والفائز تكون وجهة نظره هي التي تسود، ولكن الوعي الانساني ادرك ان المختلف ليس عدوا بالضرورة، بل قد يكون اصدق واكثر نبلا واقدر على تحقيق النتائج لصالح المجموع. من هنا تطورت القوانين والنظم لكي تستوعب وجهات النظر المختلفة، فشاهدنا ومنذ القرن السابع عشر انبثاق مؤسسات تشارك في ادارة البلدان، تضم توجهات مختلفة ومتعارضة، وقادرة على الجهر برأيها، والقرار كان للهيئة الناخبة في النهاية، لمن ستصوت، هذه الهيئة الناخبة التي تطورت ايضا من النبلاء، الى كل من يملك ارضا، الى كل المواطنين رجالا ونساء.

كلنا سمعنا عن التنظيمات الحديدية، فالكثير من الاحزاب اتخذت واشاعت هذه الصفة عن تنظيمها، والتنظيم الحديدي كان يعني ليس انه مستحيل الاختراق فقط، بل ان الجميع على راي وخط واحد، والذي كان في الغالب راي الرفيق الاكبر او السكرتير او الرئيس. ولكن اين اصبحت التنظيمات الحديدية، لقد صارت جزء من التاريخ او كادت. لان هذه التنظيمات لم تسمح بالتعددية في الراي وبحرية قول الراي الاخر المخالف. نعم يمكن ازالة الخلاف، بالتاكيد، من خلال خلق او بناء هيئة اومؤسسة او دولة، تسير برأي الماسك بكل السلطات فيها. ولكن بالتاكيد ان هذه المؤسسة او الدولة، ستنهار وتتمزق لان نسخ الحياة قطعت عنها، ونسخ الحياة لاي شئ حي يرغب في التطور هو التعدد.

ان تقسيم المختلفين الى اخيار واشرار، هو تقسيم ديني، فالدين يعتبر كل من امن به، هو الناجي ومكانته الجنة اي يمتلك الخلاص لانهم اخيار، والاخرين سيكونون في الجحيم وبئس المصير لانهم اشرار، الدين احادي، لا يقبل التنوع، ولذا فحتى ادارة مؤسساته هي هرمية دكتاتورية. الاوامر تأتي من الاعلى نحو الاسفل، من الله ومن ثم الولي او البطريرك او اي تسمية اخرى ونزولا. واي اختلاف او معارضة، هي معارضة لارادة الاهية، ومن يمثل هذه الارادة على الارض. ولن يحل الاشكال الا بالندم والاعتراف بالخطاء (ܡܘܕܝܬܐ موديتا)، واذا اعترف الخاطئ، يحصل على الرضا الرباني. وكما تلاحظون ان الوصف اعلاه، يكاد ينطبق على الاحزاب الحديدية او ذات الراي الواحد والتي لا تقبل التعددية، وان قبلت ببعضها في الجلسات فان اي خروج للراي المضاد لراي القيادة التي هي سادنة الفكر الارثوذكسي، يعتبر خيانة. ولن يحل الاشكال الا بامرين بالفصل من الحزب او المؤسسة واحيانا الفصل من الحياة، او بالنقد الذاتي او الرديف السياسي للاعتراف بالخطاء الكنسي. ان الرضوخ لوحدانية الراي وعدم قبول اراء بديلة او مختلفة هو حكم صادر لجعل المجتمع عقيما، لا يمكنه ان يقدم حلولا للمشاكل التي يواجهها.

بعد ان تطورت الافكار واشاع عصر الانوار قيم الحرية والتعددية، ادرك الانسان، ان الصالح والشرير هو تقسيم ساذج وينطوي على مغزي ايماني نابذ للتعددية، وليس بسعة ورحابة التنوع البشري.  ولذا بدأ مشروع الاقرار بتعددية الاراء او حق الاختلاف، ليس كحق، بل كضرورة لتطور اي مجتمع او كامر واقعي ويتماشي مع الطبيعة وما انتجته.

ولكن المجتمعات المتطورة او التي تفتح ابوابها لكي تتهياء لتقبل التقدم والتطور الحضاري بكل ابعاده، لم ولا تكتفي بالاقرار بحق وحرية الراي، بل بوضع اليات وقوانين لكي يظهر ويبان ويؤثر هذا الحق، والا فان الاقرار لا معنى له.

الاقرار بحق الاختلاف، يعني بالاساس ان المجتمع يخور بحركات غير محدودة، قد تكون بعدد مكونات المجتمع اي افراده، ويعني ازلية تواجد الخلافات والرؤى المختلفة والحلول البديلة ويعني حيوية المجتمع. وبالتالي ان تعايش الاراء والرؤى والحلول البديلة مع بعضها البعض والقدرة على امكانية انضاجها للخروج بقرارات ترضى الجميع او الغالبية، هي مسؤولية كل الاطراف في المجتمع او المؤسسة. ومن الحلول البديلة وضع اليات تتسم بالشفافية او الوضوح التام للجميع لاسلوب اتخاذ القرار وطرق تنفيذه. لكي يكون الجميع في الصورة.

بالطبع لا يمكن ان يتغيير حال الجميع بين ليلة وضحاها، من المطالبين بالراي الواحد، والاصطفاف خلف القائد، وان المخالف اما عميل او مجرم، الى رحاب الاحتفاء بالاختلاف ووضع اليات لعقلنته وقوننته، بل هذا الامر يتطلب حقا بذل جهود يكرس لها المجتمع اغلب طاقاته، لانه في النهاية لخدمته. وهذا الاحتفاء بالمخالف والمختلف يتطلب البدء من الصغر، ولن تظهر اثاره الا بعد سنين طويلة، ولكن المجتمعات التي تريد التطور والبقاء والتماشي مع العصر ومتطلباته، تخطط لسنين طويلة.

من هنا ان ادارة الاختلاف والخلاف، هو احد الاسس للرقي والنضوج والوصول الى قرارات سلمية تضمن تطور المجتمع او المؤسسة.

ولكن بالرغم مما كتبناه اعلاه والذي صار معروفا وممارسا في اغلب بقاع العالم، ولنقل الصراحة، في الدول ذات الانظمة الثابتة والتي يحدث فيها انتقال السلطة بسلاسة ويسر، ولا يتطلب قتل ابناء الوطن وزيادة الارامل والايتام وتدمير كل البنى الاساسية. نرى بعض الاطراف السياسية في بلداننا، تدعي او تربط ذاتها بمذهب ودين وتدعوا وان كان بطرق غير مباشرة الى بناء مجتمع ذات توجهات واحدة، والالتزام الصارم بالتعاليم الدينية وجعل هذه التعاليم النابذة للمختلف مذهبيا ودينيا اساس الحياة. وان ما نراه من تحالفات وتقسيمات السلطة بين المختلفين في بلدنا العراق، ليس اشعارا او اعلانا بقبول الاخر المختلف، بل هو نوع من تقاسم السلطة بين الاطراف المتقاتلة ، اي استراحة المقاتلين ، ولكن خطابها الاساسي يبقى على التحريمات والنبذ، لمن اضطرهم الظرف لكي يتقاسموا معهم الكعكة. وفي اي لحظة شعر احد الاطراف ان موازين القوى تميل لصالحه، فانه ومدفوعا، بما رضعه من التعليمات النابذة والمحتقرة للاخر، سيعمل بكل السبل للقضاء عليه.

قوميا بين ابناء شعبنا، ورغم ظهور تجمع احزاب ومؤسسات شعبنا الكلداني السرياني الاشوري، والذي يعني العمل من خلال قبول الاخر ومشاركته في القرار، ونبذ مفردات مثل العميل والخائن، الا انه من الملاحظ ان ظهور هذا التجمع، كان رد فعل على حدث هز كيان شعبنا حينها وهو التفجير الذي طال كنيسة سيدة النجاة. اي ان تجمع احزاب… ظهر وكأنه لامتصاص النقمة التي كادت ان تطال الجميع. لان تجمع احزابنا، في الغالب هو تجمع لقيادات الاحزاب في لحظات معينة، ولم يتمكن من ان يتحول الى مؤسسة ، تتحاور فيها كل الاطراف، من اجل الوصول الى قرارات مشتركة، ولا حتى القدرة على متابعة ما يحدث وما يقر في الحياة السياسية اليومية في العراق والاقليم، ومدى تاثير ذلك على شعبنا سلبا وايجابا.

بين ابناء شعبنا، هناك خلافات سياسية واحيانا حول التسمية، ولنقر انه يجب التعايش مع التسمية الطويلة والتي حتما سيكون للاجيال القادمة راي حولها، وهو حق لهم يجب ان لا نعتقد انهم يجب ان يسيروا برغباتنا ورؤانا. تبقى الخلافات السياسية، والتي تعني حول اسلوب ادارة الامور. وظهور تجمع احزاب ومؤسسات شعبنا، كما قلنا، كان يعني طرح الروى على مائدة النقاش، للخروج بما هو افضل للجميع. وهذا الامر يتطلب مؤسسة تعمل بشكل يومي، ولنقر بانه كان من الواجب ابعاد الاحزاب من الواجهة وخصوصا اننا لسنا نتنافس فقط على المناصب ومن يجب ان يختار الناس لكي يتولوها، بل نحن نناقش ترسيخ وتمتين وجودنا، ووضعه على السكة الصحيحة قانونيا وسياسيا. ومن ثم لتتصارع الاحزاب بعد ذلك على من يجب ان ينتخب الشعب لكي تمثله وتدير اموره.

سرني هذا الاسبوع ثلاثة امور، اعتقد انها تتعلق بالية ادارة الخلاف، وهي الاجتماع المشترك بين احزاب شعبنا في ظل تجمع احزاب شعبنا وما انبثق عنه من مقررات، والامر الاخر مشاركة ابناء النهرين فيه وهي خطوة مباركة لتمتين الاواصر ووضع الخلافات في اطارها الصحيح، اي لنختلف ولكن لنتحاور، والامر الاخر توقيع بيت نهرين الديمقراطي لمقررات او الندا وهي خطوة تتجاوز خروج بيت نهرين من تجمع احزاب شعبنا لتقول اننا نتفق وان كنا خارجين وكلنا لاجل المصلحة العامة يد واحدة. وباعتقادي انه يمكن اعتبار ما طرح ورقة سياسية ولكنها بحاجة لصياغات قانونية لكي تقدم. وهناك وجهة نظر خاص بي وهي ما تطرقت الورقة اليه وهي قانون ازرداء الاديان، الذي اعتقد انه غير ملائم، ولا يتوافق مع الحريات، وحتى لو شرع مثل هذا القانون، فان البعض ومن موقع القوة وما في الكتب وتفسيرها، سيقوم بازدراء الاخرين، بحجة انها جزء من الايمان او المعتقدات او من اقوال الائمة.

 

 

الاعتذار هل سيكون جزء من ثقافتنا؟

 

يرد الى ذهني مقطع من اغنية قد تكون منسية للمطرب شليمون بيت شموئيل، يقول فيها ܛܠܘܒ ܦܚܠܬܐ ܩܢܝ ܡܚܒܬܐ اعتذر واحصل على المحبة. وانا اراقب سجالاتنا التي لا تنهتي ولا تتوقف وتدور حول الامور دون ان تمسها، اجد ان الكثير من الامور هو حقا عناد وعدم القدرة على قول انني اخطات او انك على حق في هذا او ذاك. في سجالنا حول دور الاسقف المشلوح من كنيسة المشرق والملتحق اخيرا بكنيسة روما الكاثوليكية اتهمني احد السادة صراحة بالطائفية، دون ان يبين اين كانت طائفيتي هل في قولي ان له كل الحق في التحول، ولكنني اعترض على الاسلوب والطريقة ووضحت بعض الممارسات على تلك الطريقة. وفي سجالاتنا عن التعليم السرياني، والذي لايزال البعض يعتبره انجازا للحركة الديمقراطية الاشورية، يصل الامر بالبعض للقول ان الكل في العملية السياسية يكذبون والكل يسرقون، بمعنى ان من حق الحركة الديمقراطية الاشورية ان تكذب وان تسرق. لم اناقش ان كان الاخرون لا يكذبون او لا يسرقون وقد يفعلوها ولكنهم حتى هذه القدرة لا يملكون!

الاعتذار فعل يراد منه افهام الجميع ان هناك خطاء تم اقترافه وتم الاعتذار عنه بنية عدم تكراره، اي ان الدرس من التجربة المعتذر عنها قد تم استخلاصه وصار معلما يمكن ان يضرب به المثل. الاعتذار هو فعل الثقة بالنفس وبالروحية الجديدة المستوجبة لهذا الاعتذار، ففعل الاعتذار يتطلب العلنية، في كثير من الاحيان قام البعض بالتهجم علي بدلا من نقد ما اقوله، وعندما اواجههم لا اتلقي منهم الا كلمة اني اسف، سؤاء بشكل مباشر او من خلال رسالة شخصية، هذا ليس اعتذار، هذا معناه خجلا من كذب ولاكن الكاذب لا يقدر او ليس بمستوى الثقة التامة بالنفس لكي يقول انني اعتذر عن ما بدر مني تجاه الشخص الفلاني في الموقف الفلاني. لا يمكنني كشخص ان اكن حقدا ضد احد من الناس ومرارا قلت انني انادي الناس بما يقولون عن انفسهم، يعني الاستاذ او الذي يقول انه استاذ معلم مدرس نناديه رابي وبكل سهولة وبلا اي مغصة لان ذلك حقه علينا، لانه حقا يربي اجيال. ولكن الحقيقة انني اجد من الصعوبة احيانا ان انادي السيد يونادم كنة بكلمة رابي ليس انتقاصا منه او من شخصه بل لانه باعتقادي لا يستحقها، فلم اجد منه ما يدل على انه يقوم بتربية الاجيال، ولكن احترام الشخص واجب ولذا اقول ميقرا اي المحترم ولذا فانني اجد من الصعوبة ان اقول الاسقف مشفوعا بلقبه لاشور سورو، لانه لم يحترم هذا اللقب اولا.

للحصول على المسامحة يجب ان يكون هناك اعتراف و اعتذار، من المعيب ان يطالب احدنا بان يسامح الاخر دون ان يقوم هذا الاخر بفعل الاعتراف والاعتذار، والا حتى في المسيحية ما معنى ܡܘܕܝܬܐ التي ترد في ثقافتنا المسيحية، اليست الاعتراف وبعد الاعتراف والتي هي طريق للاعتذار يحصل المؤمن على المسامحة. في بعض الكنائس هناك اعتراف شخصي للكاهن  مثل الكنيسة الكاثوليكية والتي باعتقادي انها بدات الابتعاد عنه، واستعاضت بالاعتراف الشخصي مع الله والذي يحدث صمتا وجماعيا ومن ثم يقول الكاهن بالطلب من الله ان يلبي مطلب الجميع في الحصول على العفو والغفران. قد تختلف السياقات حينما يكون الخطاء جراء تساهلنا في اداء واجباتنا الدينية، ولكن الخطاء الذي يكون ضحيته اناس وقيم وقوانين، فسياقه شئ اخر، انه القانون الحامي للجميع، ولكن لانه لا يوجد في شعبنا قانونا يحمي الجميع وصادر بارادة شعبنا، ولان شعبنا لا تزال تطغي عليه العواطف، فان الاخطاء تستفحل وتتفاقم وليس لها حلا لاننا نقوم وكل مرة بمساحمة الفاعل ونسيان الحدث والامر وكانه لم يحدث. وهكذا تكون ذاكرتنا قصيرة ومثقوبة وتخر منها كل الامور. ولذا فان تكرار تجارب الاخطاء المقترفة وعمدا يتكاثر ويستفحل ولا يمكن حله عن طريق عفى الله عما سلف. ونحن اذا لا نطالب بصلب المخطئ ولكن عليه لكي يكون عضوا عاملا وفاعلا في المجتمع ان يقر باخطائة ويعتذر عنها مع التاكيد بعدم تكرارها، فهل هذا هو الحاصل، ام اننا نريد من نؤيده ان يحضى دائما بالعفو والغفران والمسماحة ونسيان الاخطاء والهفوات. ودائما المسيحية حاضرة لكي تبرر لنا فعل هذا، فهل حقا بهذه الصورة تبنى المجتمعات وتتطور؟

الامة او الشعب يطلب من القائمين على اموره او الذين يدعون ذلك، الحقيقة، ان يتم مصراحتهم بالحقيقة، الحقيقة التي من خلالها يمكن تبيان مدى مطابقة الواقع مع الطموح في ظل الامكانات المتاحة. ومصارحة الناس بالحقيقة تنمي الوعي الجمعي المشترك والقدرة على الفهم وزيادته. كما ان معرفة حقيقة الاوضاع تزيد من اللحمة بين مختلف الاطراف، لانها حينها تتحرك في وضوح وليس في شبه ظلام. هل كان السياسيون معنا صادقون؟ وهل كان السيد اشور سورو معنا صادقا؟ وهنا اتي بهذه الامثلة لانها تحاول او حاولت ادعاء خدمة الشعب او العمل من اجل الوحدة.

لناتي لمسألة التعليم السرياني كمثال، لقد كانت الدعايات السابقة تقول ان التعليم السرياني يسير بدعم كامل من الحركة الديمقراطية الاشورية، ودعمهم امتد لتوفير الابنية، طبع الكتب رواتب المعلمين والنقل ومساعدة الطلاب المحتاجين. امام معضلة نجاح التعليم السرياني وعدم فشله والكذب الفاضح في ما نشر، كان من الصعوبة ان تكون واضحا وحادا،وخصوصا ان بعض الامور سارت بين الاطراف المختلفة دون خروجها للاعلام، ورغم توضيحاتنا المختلفة حول التعليم الا ان المتاجرة به استمر لسنوات طويلة وشاركت اطراف مختلفة في كذبة التعليم السرياني، مدركة مدى الاهمية التي يوليها القوميون وكل من له شعور قومي تجاه تعليم اللغة. اذا التعليم السرياني وحسب اعلام الحركة الديمقراطية الاشورية كان مدعوما لحد 90% منها ان لم يكن اكثر في البدايات. في عام 1974 قررنا في لجنة الشباب الاشوري في كنيسة مار عوديشو جعل التعليم مجانيا وحققنا ذلك ولكن كيف، قمنا بدعوة بعض الاباء المتمكنين للتبرع للتعليم وقمت انا والاخ المفقود الشماس دانيال بنيامين بالسفر الى كركوك حيث التقينا بالسيد بابا مركو الذي تبرع لنا بالقرطاسية من مخازن تربية كركوك، ونقلناها الى بغداد، هل يختلف التعليم السرياني بالصورة التي صورتها الحركة عن ما قمنا به في لجنة الشباب الاشوري في كنيسة مار عوديشو، من حيث المضمون وليس من حيث السعة؟ باعتقادي لا، علمان ان التعليم السرياني حق ومقر قانونيا في قانون وزارة التربية كحق. ولكن لجهل الكثيرين بالقانون وبحقوق المواطن، اعتقدوا ان مجرد السماح بالتعليم هو امر اساسي ولا باس لكي يتحمل المهجر التكاليف، ولكن اين حقوق المواطن، ولماذا الطالب الكوردي والتركماني والعربي توفر له الدولة كل المستلزمات والطالب الكلداني السرياني الاشوري لا؟ لم يسأل احد هذا السؤال رغم اننا سألناه كثيرا واتهمنا باننا اعداء الحركة لمجرد توضيح مثل هذه الامور. الامور بدأت تتوضح وخلال متابعتي للاعلام بدا اعضاء الحركة واللجنة الخيرية الاشورية التابعة لها يقولون ان الحركة تمول جزئيا نقل الطلاب وبعض الفوتو كوبي لبعض المواد والتمويل الاخر ياتي من وزارة التربية، ولكنها لا تقول كمية الجزء بحيث انها بدات تعاني كثيرا جراء عدم دفع وزارة التربية لما يترتب عليها دفعه، اي ان صار من الواضح انها لم تتحمل كل ما ادعته بل جزءا يسيرا من تمويل النقل فقط ان كان حقيقة ايضا. طبعا بما نقوله قد نثير ثائرة الكثيرين ممن يقولون علينا السكوت واخفاء المسكوت عنه، وكان شعبنا صار اداة لتسويق اكاذيب الناس عليه. اليوم باعتقادي وبعد التطورات الاخيرة بات مطلوبا الاقرار بالحقائق كما كانت، ليس عن التعليم بل عن العلاقة مع بقية مؤسسات شعبنا السياسية والدينية والثقافية ، وكل من لم يقر سيكون مشاركا في تسويق الاكاذيب. وكل من يخاف من مكاشفة الناس بالحقيقة يعني انه يتستر لكي يخفي مشاركته في سرقة الشعب واعتباره غبيا لانه صدق ما سوق له باسم الشهداء والنضال وغيره.

هل يصح ان يعتبر من خدع الناس واعتبرهم اغبياء ان يكون قائدا لهم، انه السؤال الذي على الناس الاجابة عليه، وبالاخص من يدعي انه مثقف. هل يصح ان من يشارك في مؤسسة ما واختلف معها لاي سبب ان يسرق ممتلكاتها. باعتقادي ان كل العالم تحاكم من يفعل ذلك، الا نحن او بعض نحن ممن نطالب بالتسامح والعفو والغفران دون ان يقوم من مارس ذلك ولو بنقد ذاتي ولو باعتذار ولو بقول الحقيقة! هل يمكن ان ننتطور ونبني ونراكم الخبرات امام هذه الحالة، باعتقادي لا.

 

شعبي يحتفل براس السنة القومية

 

لكل الامم والاقوام والطوائف والمذاهب مناسبات خاصة تستمد مشروعيتها من احداث التاريخ، وتبين مدى عمق العلاقة بين الافراد المحتفلين وبين ماضيهم المشترك. قد تكون هذه الاحتفالات مفرحة ومسرة ومدعاة لعقد جلسات الطرب والفرح على اصوات الغناء والدبكات المختلفة مثل احتفالنا بعيد راس السنة الاشورية البابلية، او مدعاة للاسى والاسف ويعقد فيها ندوات وجلسات لاستخلاص الدروس والعبر والبحث عن انصاف الضحايا والحقيقة، كالاحتفال بيوم الشهيد في 7 اب من كل عام كرمز لكل شهداء شعبنا وخصوصا في القرون الاخيرة.

لكل زمان ولكل مكان احتفاله، ففي السابق عندما كنا نعيش في القرى كان الاحتفال في الغالب يكون بوضع قبضة من الحشيش الاخضر في اعلى الباب الخارجي للدار، لم تكن هناك حفلات رقص واحتفالات الاكل والمشرب في الغالب لان الاول من نيسان كان يقع بين ايام الصوم الكبير، ولذا فقد غطى خشوع وتقشف الصوم على الاحتفال بعيد راس السنة القومية او مقدم الربيع او اي تسمية يمكن ان تتلائم مع هذه المناسبة الجليلة.

الرسالة الاولى التي يرسلها احتفالنا بهذه المناسبة، هي اننا واحد واينما كنا، واحد في الانتماء الى بيئة وتاريخ وحضارة ولغة. واحد في الفرح والالم، ليس هناك فرق بين من يعيش اوكان يعيش في سلامس واروميا او ارمينيا او جورجيا او روسيا او براور او صبنا او حكارى او طور عابدين او سهل نينوى. اننا واحد على الاقل لان احتفالنا بهذه المناسبة واعتبارنا انها لنا، ملكنا، تاريخنا، مهما قسمتنا الكنائس والجغرافية والعشائر.

الرسالة الثانية تقول اننا من بين النهرين او الانهر او الرافدين، وان كنا في استراليا التي فيها الان يحتفل بالخريف او جنوب اميركا او اي منطقة اخرى، واننا نتطلع لان تجمعنا هذه الارض الاصيلة، كما تجمع الام ابناءها، او كما تجمع الدجاجة فراخها.

الرسالة الثالثة وكما اجمع السابقون على وحدة الاحتفال فان من يعترض اليوم وبعد وعي حقيقي بان وجودنا وبقاؤنا واستمرارنا مرهون بوحدتنا ومنها وحدة ممارساتنا وليس تجزئة المتوحد، تحت اي ذريعة كانت. وان اي تجزئة للمتوحد يعني الرغبة في تركنا منخوري القوى امام هجمات الاعداء والتي لا يمكن وقفها الا من خلال وحدتنا العابرة للتجزئة الكنائسية والعشائرية والجغرافية.

والرسالة الرابعة تقول انه مهما اختلفنا، فلنا من المشتركات اكبر من اختلافنا، وتوحدنا هو لاجل ترسيخ المشتركات وتطويرها لانها بمثابة اسس استمرارنا وديمومتنا.

انها رسالة العمل القومي، التي تعمل بجد لزيادة طرق واساليب وايام الاحتفالات المشتركة، عبورا لترسيخ الوحدة وتجاوز الانقسام الذي حدث لاسباب طبيعية او اقتصادية او مذهبية. العمل القومي الذي ناضل لكي يجمع ابناء الامة ورغم همومهم اليومية ومخاوفهمعلى مائدة واحدة، لكي يتناولوا قربانهم المشترك، قربانهم المستمد من جسد امتهم ودمها والساري في شراينهم واوردتهم. انهم يعودون في كل احتفال توكيد هذا الانتماء الصميمي وهذا التلاحم لاجل استمرار بقاءهم واستمرار رفد ابناءهم باسباب التمسك بالقربان القومي.

ان احتفالنا باعيادنا القومية المفرحة والحزينة، كرازة  مستمرة للبقاء والتمسك باجمل ما فينا وتبشيره للعالم، ها اننا ورغم المحن مصرون على البقاء، مصرون على ان نكون تحت الشمس، مصرون ان نصنع وان نرفد العالم بكل ما في طاقتنا لكي تعي الانسانية انها مدينة لنا، وانها بنا ستحمل هذه الصفة (( الانسانية)) وبدوننا ستوصم بالهمجية.

احتفلوا يا ابناء شعبي باعلامكم الجميلة وباغانيكم الرائعة وبدبكاتكم القوية، واثبتوا للعالم انكم تحتفلون بالفرح، فشعبنا ليست كل ايامه حزينة بل يمتلك اياما للفرح والسرور وقمته اكيتو، راس السنة الاشورية البابلية. ففي مثل هذا الايام كانت نينوى تحتفل بايامه الاثنى عشر وفي بابل كان شارع الاحتفالات يتزين لمقدمه. قد تكون مدننا وقرانا قد سرقت منا، ولكن الاحتفال لم يتمكن احد ان ياخذه منا، بل اختلسه البعض لانه ادرك ان للفرح قوة موحدة اكثر من الحزن.

كل عام وشعبي يحتفل باكيتو وهو اكثر سرورا واقدر على فعل الخير لذاته وللاخرين. سنة جديدة في تقويم استمرارنا وتقدمنا وتوحدنا، سنة مباركة وسعيدة، يا شعبي اينما كنت.

 

الآشوريون ونظرية المؤامرة

قد تكون احد اكثر مأسينا قتامة في هذا الشرق شيوع الايمان بنظرية المؤامرة، وكتبة التاريخ التبريري. كتاب التاريخ لدينا ليس من مهمتهم تحليل وكشف الحقائق، بل التبرير، ولصق خطايانا واخطأنا بالاخرين، فنحن من ينطبق عليهم القول لا يأتيه باطل من امامه ولا من خلفه، فايادينا بيضاء وكل ما لحق بنا سببه الغرباء، والاغنية الاكثر شيوعا الاستعمار، ولواردنا الزيادة لقلنا البرجوازية الصغيرة التي وبمساندة القوى الاستعمارية الغاشمة سرقت قوت العمال وثروات البلد وكدسته في البنوك الامبريالية، وكذلك اذناب الاستعمار من الرجعية المحلية التي لفظها المجتمع وتعيش لكونها مدعومة من الاستعمار القديم والحديث.

طبعا هذا الخطاب لا يزال شائعا، والعجيب الغريب ان اليسار واليمين يتفقان في ان سبب مصائبنا هو الاستعمار أو الغريب، وكأننا قبل قدوم الاستعمار كنا نعيش في بحبوحة وكان الجو الربيع والعيش بديع وكل شيء بمبي. هذا على نطاق شعوب المنطقة.  اما على نطاق شعبنا، فتسمع غالبا النغمة التالية، لولم يخوننا الانكليز، ان اليهود سيعملون كل شيء من اجل محو اسمنا من الوجود، ان الانكليز ادركوا اننا يمكن ان نتطور بسرعة، ولذا منحوا الحكم الى العرب، لكي يظلوا يستغلونهم. يمكن ان نكتب امثلة كثير، واقوال عديدة، من امثال ما ذكرته اعلاه لا بل وصل الخيال ببعض الكتاب الى الادعاء ان السيد المسيح هو مؤامؤة يهودوية لتدميرنا، وهذه الاقوال ترمي سبب مصائبنا على الاخرين، وتنمي فينا شعور الزهو الفارغ، لانها ترينا كم نحن مهمين، وكم نحن ابرياء مما نحن فيه.

لان لنا ماض عظيم، لان لنا ما انجزه من ننتمي اليهم بالاسم (الذي لا زلنا مختلفين عليه)، فسنبقى ضائعين تأهين عن الواقع.  طالبين ما يناسب امجاد ماضينا، متناسين ان هذا الماضي صنعه شعب منظم وقيادة واعية ادركت زمانها ومتطلباته، والماضي لا يعود لان التاريخ لا يكرر نفسه، وكما قيل ان كرر التاريخ نفسه فتلك مهزلة.

اعتقد ان امتلاك شعب تاريخ من المنجزات الحضارية كالتي يمتلكها شعبنا سواء في مراحل الامبراطورية الاكدية او البابلية او الاشورية او الكلدانية، او مرحلة انتشار المسيحية، ان هذا الامتلاك وما يخلقه من زهو، يجعل الفرد يعيش في الماضي الهنيء، لان واقعه مخالف لكل منجزات اجداده، وان صحـى على الواقع المأساوي، عليه ان يرمي الاسباب على قوى خارقة، قد لا تحس بوجوده في حقيقة الامر.  ولكن كيف لسلف كل هذه المنجزات ان يقر بواقعه المرير، هذا من اصعب الامور، اذا ان واقعه من صنع قوى دولية كبيرة تمتد بين اضداد لا يربطها رابط، من الانكليز الملاعين الى اليهود ورغبتهم الانتقام لما اقترفناه بحقهم الى العرب وللاكراد سالبين اراضينا وممتلكاتنا، اذا كل قوى العالم تكالبت ضدنا لكي لا يكون لنا وجود تحت الشمس، يالنا من مساكين.

يقال ان الانكليز استغلونا لمصالحهم الخاصة، وما الجديد في هذا القول،  فالكل يعمل من اجل مصالحه الخاصة، والدول لم تكن ابدا جمعيات خيرية ولم تدع ذلك، لقد وصل الانكليز الى مناطق سكنى الاشوريين النساطرة في منتصف القرن التاسع عشر، وهم كانوا يخططون للاستيلاء على المنطقة، وكل السبل كان ممكنا استغلالها لهذه الغاية، ووجدوا شعباً ساذجاً يؤمن بأن المسيحيين اي مسيحيين هم اخوة لهم، وبالتأكيد لا يريدون لهم الضرر، لقد تعاملنا مع السياسية الدولية كتعاملنا بين افراد القرية الواحدة، اعتقدنا ان القيم السائدة في القرية، وكلمات المبادئ والقيم كلمات مقدسة، لم ندرك ولا نزال ان السياسية هي تكديس او جمع عناصر القوة، لكي تكون ورقتنا رابحة ولا تذهب في مهب الريح.

صحيح اننا كنا متعبين من ثقل ما مارسه الجوار بنا، وصحيح اننا كنا منقطعين عن العالم، لعصور طويلة، فمن العلم ما كنا نعرف غير فك احرف كتبنا المقدسة، وما كان يساعدنا على المقاومة على الرغم هذا الانحطاط الفكري والاقتصادي هو نوع من العناد، وقد يكون في بعض السلبيات التي نراها الان حينذاك ايجابية، وهذه الايجابية كانت تمسكنا ببعض القيم رغم كل ما قلته اعلاه.

اذا واجهنا العصر الاوربي التاسع عشر، بادوات وافكار القرن العاشر، لانه تقريبا في هذا القرن توقفت ابداعاتنا، وبدا دورنا يضمحل تدريجيا، وكانت الضربة القاضية هي الاكتساح المغولي.

طبعا اننا لم نكن الوحيدين في هذه المواجهة الخاسرة، فخسر الاتراك والعرب والاكراد والارمن، الا ان تأثيرات الخسارة علينا كانت واضحة اكثر، لاسباب عديدة، منها قلة عددنا، ومنها المذابح التي اقترفت بحقنا والتي اجبرت اكثر من نصف شعبنا لهجرة مناطق سكناه، والنزوح الى مناطق اخرى، مع ما رافق ذلك من عدم الاستقرار الملازم لنا لحد الان، كما ان تأثير الانقسام المذهبي، كان شديد الوطأة علينا، حيث ان هذا الانقسام سلخ من شعبنا الكثير، لا بل حول ابناء شعبنا بعضهم للاخر اعداء في اغلب الاحيان، عداء وشماتة، فها انا قواي تخور وارى اخي من ابناء شعبي المخالف لي بالمذهب  يبتسم شامتا من محنتي،  انها عبارة قاسية ولكن عفوا يجب ان تقال الحقائق، ويكفي ان نخفي الوقائع ببرقع المؤامرات الدولية.

فعلينا ان نقول ما نحسه فالتجارب تكاد تتكرر وتعاد وشعبنا ينخدع مرة واخرى ولا نتعظ، فبالامس خرجنا نتصايح في شوارع الغرب وفي غرف الدردشة وعلى صفحات الانترنيت، نتهم هذا الطرف او ذاك بانه يعمل لمصالحة. ولم يسأل احد ولماذا لا نعمل نحن ايضا لمصالحنا.  ومن ثم نحسب مصالحنا على قدر قوتنا، ونتفاوض مع الاطراف الاخرى على ذلك.  لماذا تتكرر هذه التجربة ولا نتعظ منها، اذا كان اخي وابن امتي وممن يصمون اذاننا صباح مساء، يتنكر لي ويعمل لمصلحته، علما ان المشترك بيننا اكثر ولا يبعدنا غير انتماء سياسي او رؤية مغايرة للمشهد أو رؤية اخرى للسبيل الواحد اي سبيل احقاق حقوق الامة، فلماذا ادين الاخر، اليس في هذه العملية محاولة صنع ببغاوات لاتفقه الا ترديد ما يقال لها، وبالتالي هدم المجتمع وبالتالي كذب الادعاءات القائلة بالعمل من اجل الشعب.

ان لم نخرج من نرجسيتنا، ونقر بكل ما نتصف به من ضعف وتشرذم، ان لم نقر بأننا اضعف مكونات المنطقة، فلن نبدأ بوضع تصورات لمعالجة الامور، بل سنبقى نجد تبريرات للواقع المرير، من امثال المؤامرات، لكي نشبع نرجسيتنا باننا مهمين ولنا دور، والقوى العظمى مهتمة بنا وهي منشغلة ليل نهار في كيفية وضع العراقيل امام تقدمنا وتبؤنا مركز الصدارة في هذا العالم. ولكننا لم نقل ابدا اي تقدم، غير خداع الذات بتصورات وهمية وصنع ابطال نمنحهم كل صفات التجرد والنزاهة وكأنهم لم يكونوا من البشر.

نحن ابناء شعب واحد، مهما كانت التسميات، وكل التسميات هي من عندنا نحن نصر على اطلاقها ولم يفرضها علينا لا الاستعمار ولا القوميات المجاورة، ونحن من اعتنق هذه المذاهب، ولسنا وحدنا على هذه الشاكلة، ان جيراننا من الكرد والعرب، لهم نفس المعاناة، لا بل لهم اشكاليات اكبر ففي الكردية هنالك لهجات لا يمكن لابناءها التفاهم مع من يتكلم لهجة اخرى، ولديهم انتماءات مذهبية متعددة، وكانت اسماء العشائر او حتى الكرمانجي تطغي على الكردي لزمن ليس ببعيد، ولكن هنالك حل، الثقافة والادراك بأن المصلحة هي بالنهاية مشتركة وحدت المختلفين، فالشيعي من خانقين (كردي فيلي) والسني من دهوك (شافعي بهديناني) والسني من السليمانية (سوراني) والعلوي من تركيا والكرمانجي السني والايزيدي كلهم يقولون بالكوردية، وهكذا الامر بالنسبة للاخوة العرب، فمن يوقفنا عن التوافق، هل هي مؤامرات العرب ام الاكراد ام غباءنا!

لقد بدأ العمل السياسي لقضيتنا تحت التسمية الاشورية، وهذه البداية كانت في منتصف القرن التاسع عشر، وصار لهذه القضية ملفات في اروقة الامم المتحدة وسابقتها عصبة الامم، وللقضية ملفات في وزارات الخارجية للدول الكبرى، ولم تكن البداية تحت هذه التسمية لعداء مع التسميات الاخرى، بل لان المنادين بالعمل القومي استخدموا هذه التسمية وكان ممكنا استخدام الكلدانية او السريانية اي المسألة لم تكن لعداء ما ، ولكننا بغباء مطلق، نتنكر لكل هذا.  فقط لكي نقول اننا لسنا منهم، وانتم وانا وهو منهم، فلناخذ الحقوق تحت اي تسمية انها كلها لنا، فلنتمتع بحقوقنا، المهم مضمون الحقوق، ليست التسمية فقط مدار الخلاف، فنحن نختلف على العلم والوانه وعلى يوم الشهيد، ونحاول ان نصنع لانفسنا اعلاما وايام للشهداء، برغم من رمزية هذه الامور، حتى ان حزبا سياسيا لم يجد ما يتباهى به كانجاز فتطاول على العلم القومي وحاول تغيير الوانه، فاذا كانت مسألنا الرمزية والتي تعتبر نوعا من المقدسات، لان حولها اتفاق واسع بحكم استمرارها ولكون الجميع كان يشعر بعائديتها اليه، اذا كانت هذه الامور صارت مدار خلاف ومدار صراع ومدار تبادل التهم، فهل امتنا او شعبنا او قوميتنا بحاجة للاعداء ايها السادة، وهل الاعداء سيكيلون لنا ما نكيله نحن لانفسنا، ولكن مرة اخرى نحاول رمي ادراننا ونجاستنا على الاخرين ومؤامراتهم المزعومة.

ان معاولنا نشطة لندك بها كل صرح، ان كان قد بقى لنا مثل هذا الصرح، ونلوم الاخرين.  بتنا مجموعات من الكذبة المنافقين، الذين يقولون ما لا يضمرون، ونلوم الاخرين. الى متى نبقى نردد كلمات الافتخار والتعالي والاستكبار والاحتقار للاخر، ونحن اولى من يجب ان يتم احتقاره، لانه واقعنا، من صنع ايدينا، فكفى بالله عليكم رمي ادراننا على الاخرين، لكي ننام قريري العين، مرتاحي الضمير، وإلا بئس من  ضمير هذا الضمير.

حقوق الافراد والجماعات

قراءة في رؤية اشورية للعراق الموحد لنخبة من المثقفين الاشوريين ـ نوهدرا

 

في بلد كالعراق متعدد القوميات والاديان، فيسفسائي التكوين، كيف لنا ان نوفق ما بين حقوق الافراد وحقوق الجماعات؟ انه سؤال يجب الاجابة عليه، لكي تستقيم الامور. ونبني الثقة المطلوبة، هذه الثقة المفقودة منذ انشاء العراق كبلد وان شئتم انها في الشرق مفقودة منذ زمن غابر. فالجماعات المختلفة، ونتيجة لتراكم عوامل الخوف لديها كل الجماعات من الاخرى، نراها متقوقعة في ذاتها غير قادرة للانفتاح، الذي يساعد في خلق المجتمع الوطني السليم. يكون اساسه الانتماء الى وطن، ففي وطننا العراق، استمرت الطائفة السنية بحكم البلد بأسم العروبة منذ تأسيسه  ولحد الان.  دافعة القوميات والطوائف الاخرى الى الهامش، واذا قلنا الطائفة السنية، فهذا لا يعني البته توجيه الاتهام الى مجموع ابناء الطائفة، لا فهذا ليس غايتنا، ولكن لتبيان الحقيقة فالحكم لم يخرج عنها على الرغم من ان اكثر الطوائف الاسلامية عددا هم من ابناء الطائفة الشيعية، واذا اراد احد المزايدة بالقول ان العروبة هي التي كانت حاكمة فالغريب ان في خلال اكثر من سبعين عاما من عمر العراق الحالي لم يظهر حاكم عروبي شيعي، على الرغم عدم وجود أي غبار على عروبة شيعة العراق.

ولكي لا نخرج عن اطار البحث هذا، المخصص لبحث حقوق الافراد والجماعات، فأننا نعود الى التذكير بأن الشعب العراقي يتكون من القوميات التالية وهم العرب والاكراد والاشوريين والتركمان والأرمن، والانتماء الديني لابناء العراق يتوزع الى الاسلام ( الشيعة والسنة) والمسيحية( الكاثوليك (( الكلدان)) والشرقيين((النساطرة)) والسريان الارثوذكس)، والايزيدية والصايئة المندائيون.ان غاية بحثنا هذا هو توضيح حقوق الجماعات المكونة للشعب العراقي، اذا تجاوزنا مسألة حقوق الافراد التي سنقر بأن احزاب المعارضة العراقية قد وجدت لها الحل باتباع الديمقراطية السياسية، والاقرار باحقية تداول السلطة باسلوب سلمي يكون الحكم فيه لصناديق الاقتراع.

ولو جدلاً امنا بصحة ان احزاب المعارضة العراقية بمختلف توجهاتها ستمارس الديمقراطية، في حالة استلامها السلطة السياسية، ما الضامن لحقوق الجماعات او العوائل العراقية او القوميات او الطوائف الدينية المحتلفة؟ علما بأن ابناء هذه المحموعات المكونة للشعب العراقي هم مواطنون في البلد وليسوا دخلاء او مهاجرين قدموا اليه. ان واجبنا كعراقيين نرغب في بناء بلدنا على اسس صحيحة يؤمن مستقبل جميع ابنائه ويضع الاسس الصحيحة للاستقرار السياسي ويبعد البلد عن عوامل التدخل الاجنبي.  يدعونا للبحث عن النطام الاصلح والامثل لبلدنا لكي نبعده عمَّا لاقاه حتى الان من الدمار على الرغم من غناه الاقتصادي والحضاري.

أن العمل من اجل ان يتمتع جميع افراد الشعب العراقي بحقوقهم الفردية امر مطلوب، وواجبنا النضال من اجل تحقيقه، ونقصد بالحقوق الفردية، الحقوق المتعارف عليها والموثقة في المواثيق الانسانية،كحق الحياة، والرأي والمعتقد وحق صيانة كرامة الانسان وعدم تعرضه للتعذيب والملاحقة الا بأذن قانوني صريح وحق الدفاع عن النفس وحق التجمع والاضراب والتظاهر السلمي وحق اقامة المنطمات السياسية والثقافية والاجتماعية ذات اهداف علنية، ان النضال من اجل ان يتمتع كل ابناء الشعب العراقي بمختلف تلاوينه القومية والطائفية، نراه واجب كل انسان، والتمتع بهذه الحقوق حق انساني لايمكن لاي شريعة او قانون ان يسلبها من الانسان.  واذا كانت تجربة الحكومات الدكتاتورية التي سلبت الانسان هذه الحقوق وعرضته للمهانة والقتل والتشريد تحت مختلف الشعارات الزائفة قد ارتنا النتائج الوخيمة العاقبة التي ابتليت الشعوب التي تعرضت لهذه المحن بها، فاننا نعود للتأكيد على الايمان المطلق بهذه الحقوق ووجوب تطبيقها في أي نظام مستقبلي للعراق.

الا ان اشكالية العراق ليست فقط في عدم توفير الحريات الفردية فقط، وحتى لو تحقق ذلك، فأنه ليس بكافٍ لخلق الاطمئنان والاستقرار وضمان تحقيق الحريات الفردية، فالشعب العراقي بمكوناته القومية والدينية المختلفة، لا يمكن ان يتحقق فيه الاستقرار السياسي في نظام يركن الى مثل هذه الحريات فقط، لان ما اصطلحنا على تسميته بالنسيج العراقي ليس نسيجا من مادة واحدة او خيوط متشابهة.  والنيات الصادقة لمن طرح هذا المصطلح لا تخفي حقيقة الواقع، فليس بالنيات تبني البلدان. فلو فرضنا جدلا ان الديمقراطية السياسية طبقت ونتيجة الانتخابات جأت لصالح الاحزاب الاسلامية المنادية بتطبيق الشريعة واسلمة القوانين، فأين ستظل حقوق الافراد وخصوصا لغير معتنقي الاسلام دينا، ان مجرد تطبيق الشريعة يعني محو احد الحقوق الاساسية للانسان وهو حق المعتقد، وبأي حق سيأتي شخصا من دين اخر ليحدد لي الممارسة الافضل التي يجب ان امارسها.  كما ان معارضة الشريعة وتطبيقها سيعتبر معارضة لامر الهي منزل ( تستند الشريعة الى ركنين وهما القرآن الكريم والأحاديث النبوية الشريفة) يقول الحديث النبوي الشريف (( من بدل دينه فأقتلوه)) فأين حرية المعتقد في مثل هذه الحالة.  كما ان مخاوف الماضي والمذابح التي تعرضت لها الاقليات الدينية بالاخص.  يجب ان تؤخذ بنظر الاعتبار، ونأتي لمثال توضيحي اخر لمقاربة المطلوب لاذهان القراء، فلو استلمت دفة الحكم وبشكل ديمقراطي ايضا احزاب ذات توجه قومي عربي.  ما الضامن انها لن تسن قوانين تحد من حقوق القومية للقوميات الاخرى.  ومرة اخرى نقول ان تجارب الماضي يجب ان تؤخذ بنضر الاعتبار، فلا حسن نية في السياسة، فاذا كنت معك حسن النية لانني اعرف مشاربك واخلاقك، فالمطلوب ليس تحقيق دولة للمتحاورين فقط وانما للاجيال الاتية. ومن يضمن انها ستسير بحسن نية. ان ابناء العراق كلهم يشاركون في بناء اقتصاده ويشاركون في الدفاع عنه ويعملون من اجل تطوره، وثروة العراق تعود لكل الشعب العراقي، وعليه فأن المطلوب للخروج من المستنقع الحالي ليس فقط الدعوة الى التعددية السياسية وانما الى التعددية الحضارية والثقافية والاقرار بالتعددية القومية  والدينية للعراق، ومشاركة كل القوميات كشعوب متساوية بغض النظر عن العدد في تسيير شؤون العراق، لضمان عدم استغلال موارد البلد لتحقيق اهداف وتوجهات معينة فقط كما هو الامر لحد الان.

20 \ 2 \ 1996

مفكر قومي يساري كل اداته كراس دعائي ملئ بالاكاذيب

 

تذكرت بيان الرئيس الامركي جيمي كارتر بخصوص اعتبار الخليج الفارسي (هم يطلقون عليه هذه التسمية ولست انا)  منطقة مهمة للامن القومي الامريكي. هذا القرار الذي اوقعنا في حيص بيص عن رد الاتحاد السوفياتي  الساحق الماحق، فكان ردا اسود باحتلالهم لافغانستان، هذا الاحتلال الذي ساعد على وضع مسمارا اضافيا في نعشه اللاحق.

كل هذا خطر ببالي وانا اطالع مقالة الاستاذ هرمز طيرو المعنونة بالحركة الديمقراطية الاشورية ومفهوم الامن القومي. وانا اطالع هذه المقالة كنت بانتظار ان اجد طروحات اقتصادية وسياسية وعلمية واجتماعية جديدة لكي تحقق لنا الحركة الامن القومي، فكما اعرف الامن القومي انه حالة شاملة تتضمن الاقتصاد القوي، ونظام مالي متمكن، وحالة امنية مستقرة، وقوات دفاعية وهجومية مقتدرة، وتحالفات سياسية راسخة، ووحدة داخلية ثابتة.

ان طرح قضية بهذا الحجم للنقاش امر محمود ومطلوب. ولكن مناقشة الامن القومي لشعبنا، يتطلب فهم ماذا يعينيه هذا المصطلح، وليس فقط طرح مصطلحات كعناوين ولكن المضمون يخالف كل ذلك. ولذا فانا اعتقد ان الاستاذ هرمز طيرو يقوم باستعمال مصطلحات كبيرة وذات مدلولات استراتيجية ويلبسها للحركة الديمقراطية الاشورية، ودليلنا هو نص المقالة التي سناخذها ونناقشها وسنرى هل فيها اي توجه لمعالجة الامن القومي، ام انها ترمي لغايات اخرى؟

.  يبدا السيد طيرو مقالته  بدعوة للحركة لكي تأخذ بزمام المبادرة من اجل القضاء على حالة الفوضى الفكرية والاجتماعية والثقافية لدى جانب من ابناء شعبنا الكلداني السرياني الاشوري.  ويعزز هذه الدعوة بتسأؤل عن امكانية الحركة لاتباع سياسة حكيمة تتجنب مخاطر سياسة الفوضى هذه.  وتتماشى مع المكانة التاريخية للحركة.  وكما ترون فان مدخل المقالة يطالب الحركة بان تتبع سياسة حكيمة لتجنب مخاطر الفوضى، ويعرض المطالبة بشكل سؤال عن قدرتها في تحقيق هذا الامر.  والسؤال يمكن اعتباره جزء اساسي من المطلوب للامن القومي المنشود.  بالطبع نحن نسير في حقل الغام سيثير اسئلة عديدة وشائكة حول تحقيق هذا الامن.  فالامن القومي وبما هو مصطلح سياسي ملتبس، لانه بالحقيقة يتحمل ان يقال له الاستراتيجية القومية لوصول الامة الى مراميها.  يتطلب الكثير، ولعل اهم شئ ، اذا سلمنا بما يسبخة السيد طيرو من صفات كتلك التي كان يطلقها انصار الاحزاب المدعية بالثورية السابقة ومنها حزب البعث، على الحركة الديمقراطية الاشورية وخصوصا كونها تمتلك المكانة التاريخية والفعالة، فانها تفتقد اهم اسس لتكون فعالة الا وهو كون ابناء الامة ليسوا  ضمن الاطار القانوني لتحكم الحركة بمسارهم. ، فلا يعقل ان تضع الحركة مخططا للامن القومي لشعبنا وهو يخضع لانظمة قانونية متعددة لا يمكن للحركة التحكم بها، وخصوصا انه يعاني التشتت ليس في بلدان متعددة بل تشتتا تسمويا ومذهبيا وقصورا في الوعي القومي.

و يطالب السيد طيروا الحركة بالتاكيد على استقلالية قرار الامة.  ولا يقول لنا كيف يتحقق الامر والامة اساسا غير مستقلة وهي بالفعل تخضع للتاثيرات المفروضة عليها اكثر مما تؤثر هي في الاخرين او حتى في مصيرها، باعتبارها اقلية قومية في محيط اكثري متعدد التوجهات.  ولكن المفارقة هي انه في الوقت الذي تعمل الاطراف الاقل امتلاكا للدور التاريخي ان لم يكن المشكوك في امرها. بحسب السيد طيروا، من اجل تحقيق محيط قانوني وسياسي يمكن لابناء شعبنا من ممارسة نوع من السيادة على انفسهم ولتحقيق وبناء شرعية قانونية ملزمة لاجل حل اشكالات عديد.  في هذا الوقت تقوم الحركة ذات المكانة التاريخية بتقديم مطالب اقل ما يقال عنها،  هي ضرب الامة تحت الحزام من اجل تحقيق مكاسب حزبية.  وذلك من خلال تقديم مقترحاتها لتعديل دستور اقليم كوردستان هذه المقترحات الفضيحة التي لم يكن من وراءها الا محاولة تحسين الصورة لدى الاخرين، حتى لو كانت الامة هي التي تدفع الثمن من مستقبلها.  دون ان نجد من قبل السيد طيرو وامثاله اي نقد صريح لهذه الممارسة الغبية.

و اذا سلمنا بما يستنتج السيد طيروا من خلال الاحصاءات التي يطرحها ولا يقول لنا كيف توصل اليها. وهل ان ما حصلت عليه الحركة واحزابنا القومية الاخرى هو كل ابناء شعبنا ام هناك اخرين صوتوا لاحزاب وطنية.، وفي حالة الاولى فانها فضيحة جديدة لمن حاول تضخيم اعداد شعبنا فقط لكي يخلق حالة عداء ضد الاخرين؟ ونقول برغم كل ما يذكره السيد طيرو من نسب وانجازات للحركة.  نرى في الواقع نتائج باهتة، لا بل كارثية على شعبنا ، ففي الوقت الذاي كان من المفترض لمن يمتلك مثل هذه القوة المفترضة من ان تتمكن من ان تجمع الجميع تحت مظلتها لتحقيق طموحات الشعب ولتحقيق احد اسس الامن القومي.  نرى ان ممارسات هذه الحركة كانت السبب المباشر لعدم تحقيق وحدة القرار ولو من خلال الاتفاق على وحدة التسمية، التي اصرت الحركة على الانفراد برأيها والتحلق به وحيدة متسلحة باوهام مثل تلك التي يزرعها ويشيعها السيد طيرو في ادمغة قيادات الحركة. فلا هي حققت ما تريده ولا تركت الاخرين يحققون شيئا، من خلال محاولتها فرض رؤيتها، التي لم يكن خلفها، الا التأكيد على ان على الجميع الاقرار بما تقترحه والا فسيكونون في خانة العملاء وبائعي الذمة والضمير.  وعلي وعلى اعدائي وهنا الاعداء هم بقية تنظيمات شعبنا!، والتغني بفكر وفلسفة وثقافة لا يوازيها الاخرين في طرحها هو امر يلغيه الواقع فهذا الفكر والفلسفة المدعي بها والتي لم نطلع عليها لحد الان، والموجود الذي اطلعنا عليه لا يختلف عن اي فكر قومي شعاراتي لا يعالج اي مشكلة بل يخاطب العواطف والغرائز، لم يتمكن من جعل الاخرين يلتفون على هذا الفكر والفلسفة.

.المشكلة لدى السيد طيرو انه يتغنى بامور لا تطبق في الواقع فالبرامج السياسية التي يدعي ان الحركة تمتلكها لم نطلع عليها  ابدا، لا بل ان الحركة لم تقدم مقترحات علنية وحسب علمنا منذ عام 1992 ولحد الان الا في مرتين وهي مرة عندما شاركت مع مجموعة من البرلمانيين في المطالبة بتمديد التعليم السرياني ليشمل المراحل المتوسطة والاعدادية وفي اخر لخظة.  ومرة اخرى عندما قدمت مقترحات لتعديل دستور اقليم كوردستان المقترح (المقترحات الفضيحية).  وحتى لو كانت لها اجندة سرية فانها لم تطبقها في الواقع.  ولعل اهم دليل على ذلك هو تغريدها وحيدة خارج الاتفاق العام لمجمل قوانا السياسية.  وبالتالي ان هذا التغريد هو بالضد من كل التطلعات التي يتطلع اليها السيد طيرو، ا ولعل اهمها (( الامن القومي))،  فليس هناك اسهل من طرح الانتقادات والانتقاص من قيم الاخرين.  ولكن بما ان السيد طيرو يطرح نفسه مفكرا، فكان عليه ان يخضع الامور لقياس معين او لميزان معروف.  فلا ندري كيف يحكم ان المجلس الشعبي الكلداني السرياني الاشوري مثلا، لا يمتلك هوية معينة ولا يقول لنا ما هي الاسس المتعارف عليها لكي تمكنه من المافسة.  او ماهي مظاهر وتجليات امتلاك الهوية .

و يدعي السيد طيرو  ان الحزب الوطني الاشوري انه طرح نفسه منافسا للحركة.  وانه قد خرج من سباق العمل السياسي لشعبنا.  ولاسباب باتت معروفة للجميع، والحقيقة انني كشخص لا اعرف هذه الأسباب فهل له ان ينورني بها؟، وكيف خرج من السباق وهو فعال في كل التجمعات القائمة لشعبنا.  وماهو الافتقار للاسس التي طرحها بنفسه، فالحزب ولكل المراقبين المحايدين طرح نفسه مشتركا مع كل تنضيمات شعبنا ولكن باسلوبه الخاص، وقد ساهم مع الكل في كل مؤتمرات المعارضة وخصوصا منذ مؤتمر نيويورك لعام 1999 وما تلاها وشارك في كل اللقاءات الخاصة بشعبنا وكان جريئا في طرح رؤيته وما يريد تحقيقه. والحزب يتقدم بخطوات الى الامام وان كان هذا التقدم بطيئا ولكنه مستمر، لعدم اعتماده على لغة الشعارات والعموميات.  اما من ناحية التباس الذي يعانيه الحزب فلا يوجد اي التباس الا في مخيلة السيد طيرو. لان الحزب كان مسؤلا وواضحا مع نفسه ومع جماهيره ومع شعبه، فاحد مؤسسيه اتهم بانه كان في فترة معينة يعمل لصالح النظام البعثي، فهذا لا يفقد من مصداقية الحزب، لان الحزب عندما شعر بان الامور لم تكن طبيعية او ان هناك شكوكا معينة، اخذ مبادرة جريئة وهي ابعاد هذا المسؤول ليس عن مواقع المسؤولية بل عن الحزب من خلال اعلان حل الحزب، والابتعاد الجماعي، ومن ثم اعادة تشكيل الحزب بمن كان من ثقاة الاعضاء، وهذا الامر حدث في 5 اب عام 1974 اي بعد سنة وايام من تأسيس الحزب اي قبل اربعة وثلاثون عام، ان اعضاء الحزب والذي كان اكبرهم لا يتعدي الثانية والعشرون من عمره حينذاك، والمأخوذون بهالة وتاريخ مالك ياقو وسمعة الاتحاد الاشوري العالمي، قد عملوا بصفاء وبنية خالصة لاجل امتهم وعندما شعروا بان هناك شكوكا ما، عدلوا مسارهم بابعاد من كان مشكوكا فيه، وهذا الامر حدث قبل اربعة وثلاثون عاما، وخلال كل هذه الاعوام كان للحزب ادوارا مشرفة في مختلف مجالات العمل القومي ولعل اهمها في المجال الطلابي والنادي الثقافي الاثوري المركز العام، ولجان الشبيبة الاشورية، والكفاح المسلح من خلال ارسال عضوين قياديين الى هناك والان في المهجر، في كل محطات العمل القومي اثبت الحزب حضورا، ليس حضورا مصلحيا، بل حضورا فاعلا مؤثرا وعاملا من اجل وحدة القرار السياسي ، اما القاء القبض على احد مؤسسيه في الولايات المتحدة باي تهمة فهذا الامر لا يعني للحزب اي شئ، لانه تخلص من هذا الشخص منذ عام 1974 كشخص حزبي. ولكن المفارقة التي لا حظناها ان النظام قد جند السيد وليم شاؤل للتجسس عام 1996 حسب المعلومات المنشورة، وهذا يثير لدينا تساؤلات عن سبب حصر النظام كسب جواسيس من داخل شعبنتا في السنوات 1996 و1997 ، ولثقتنا بالسيد طيرو وفكره نطلب منه اجابة فكرية تبرر هذا اللهاث وراء ابناء شعبنا لكسبهم للتجسس لصالح النظام في هذا التاريخ، وخصوصا ان التهمة طالت اناس اخرين موجودين في العراق وتم كسبهم لصالح اجهزة النظام خلال نفس الفترة.

. ونشكرا السيد طيروا فالخروج من المنافسة ليس من نصيب الاترنايي فقط بل شمل حزب بيت نهرين الديمقراطي، والظاهر كما قلت سابقا ان معلومات السيد طيرو عن احزاب شعبنا وتاريخها ودورها محدود جدا والمعلومات القليلة التي يمتلكها مستلة من كتيب صغير اسمه الكراس الثقافي رقم 7 .  اي ان السيد طيروا الذي يفترض ان يكون مفكرا استراتيجيا وخصوصا وهو يعالج عناوين كبيرة ومعقدة كالامن القومي، ان يكون مطلعا على فكر وتاريخ احزاب شعبنا وضمن الاطار التاريخي الذي ولدت فيه وواقعها الحالي.

في الوقت الذي لم نلاحظ اي تحرك جدي وفعلي سواء في الطروحات او العمل الفعلي من قبل الحركة الديمقراطية الاشورية، ما خلا تقديمها لمذكرة العار التي زينت كمذكرة لتعديل دستوزر اقليم كوردستان، وهنا اؤكد على كلمة العار هذه، لانها تناقض التيار الشعبي في الوحدة والعمل المشترك وتحقيق حقوقنا التي من خلالها سنتمكن من خلق شرعية قانونية ودستورية وفعالة لتنفيذ الاجندة القومية.  يتاسف السيد طيروا على عدم وجود منافس للحركة. ويعتبره خلل خطير في الديالكتيك، ونذكر السيد طيرو ان الديالكتيك لكي يعمل فهو بحاجة لرؤى مختلفة ومتعددة واصيلة اي ان لها مصداقية في الواقع، والحقيقة اننا لم نتمكن من تصنيف الحركة الديمقراطية الاشورية ممثلة لطبقة اجتماعية في شعبنا، لانها لم تطرح لحد الان حلولا محددة خارج اطار الشعاراتية، والتي نعتقد ان السيد طيرو ينبذها، فهو المؤمن بالديالكتيك الهيغلي يريد ان يرى تمثيلا صادقا لطبقة اجتماعية ثورية كالطبقة العاملة التي تعمل من اجل تحقيق حلم البروليتارية في الحكم وازالة ظلم البورجوازية الصغيرة الكلدانية السريانية الاشورية.

هل حقا بات الزوعاويين اليوم يدركون الحاجة الى قوى اخرى، ام ان القوى المراد تواجدها يجب ان تكون بمقاسات زوعا الخاصة، وهي كما جسدتها النكتة المعروفة (عاش الحزب…… لصاحبه الحزب البعث العربي الاشتراكي))/ طبعا من هنا يسرنا ان ندعوا السيد طيروا الى مقالاتنا التي اكدنا فيها على ضرورة تواجد قوى سياسية متعددة في شعبنا ولكن الحركة وطباليها لم يستمعوا. والغريب ان السيد طيروا وهو يتحدث عن الامن القومي لم يدرك كم ان الحركة فرطت بهذا الامن، وبامنها الخاص عندما حولت كل تنظيمات شعبنا في العراق الى اعداء لها وبممارسات مفضوحة لا بل بممارسات تم التأكيد انها تؤدي الى انعزال الحركة.  فلا ندري لحد الان ما هو الامن القومي الذي يمكن للحركة ان تحققه وهي تعادي اغلب تنظيمات ومؤسسات شعبها.  لا بل وهي تعادي الاطراف الوطنية الاقرب الينا والى تطلعاتنا، ولا تتحالف الا مع امثال الضاري ومن سار على نهجه. وها هو السيد طيروا بدل ان يكلحلها يعميها عندمات يصور ان الجميع ضد حركته هذه،  ولا هم لهم الا الوقوف موقفا متراص ضد انجازاتها، وخصوصا في تربية العجول وتسمينها ونشر اسماء اعضاءها في الفضائح المتتالية. وكل العداء هو بفعل الحسد وتمكنت قوى شعبنا التي تحسد الحركة من دفع القوى الخارجية والتي هي اقوى من الحركة لكي تعاديها.  بالطبع السيد طيرو كانسان مفكر ويميل الى وضع كل شئ في الميزان، تناسى انه يصف الحركة بالقوة والجماعيرية وانها تستحوذ على ثقة اكثر من الثمانون بالمائة من ابناء شعبنا، ولم يسأل نفسه لماذ تعادي القوى الخارجية الحركة وهي بهذه القوة داخل شعبها؟  الم يكن من مصلحة هذه القوى مهادنة الحركة ودعمها وخصوصا ان ما تطالب به متحقق وليس بحاجة الى اي تعب ووجع دماغ.  السيد طيرو تناسى او يريد ان يجعلنا نلغي من عقلنا مبداء اساسي في السياسة وهو المصلحة. ، والم يقل دزرائلي في السياسة لا عداوة دائمة ولاصداقة دائمة بل المصلحة هي الدائمة.  اذا لماذا لم تلتقي مصلحة كل الاطراف مع الحركة وهي بهذه القوة، وكما قلنا فهي لا تطالب باي شئ فيكفيها القائم.  وان لم تصدقونا فعودوا الى مذكرة العار التي قدمتها والتي اشرنا اليها.

وهاكم الامن القومي الجديد القديم يتحول فجاة الى الاهتمام بالامن الخاص،  اي نفس مراحل تطور فكر البعث الذي كان من اجل الامة فصار لاحقا الحزب والامة من اجل القائد.  نرى هنا ان الاهمية هي في الامن الخاص للحركة وقيادتها الرشيدة،  التي تتعرض يوميا لمئات من المؤامرات التي تريد النيل منها وكل ذلك بسبب طروحاتها الفكرية القومييسارية او القومي ماركسية والمعتمدة على ديالكتيك هيغل الذي سرقه الرفيق ماركس. وها هم القيمين على مقدرات امتنا يواجهون المخاطر والتهديدات وعلهيم الحذر والتيقض والانتباه، والا فالويل للامة ان لا سمح الله خسرنا احد جهابذة امتنا.  ولحد الان لم يسأل السيد طيرو كيف سمحت قيادة الحركة لنفسها في التورط في محاولة اغتيال عضو في قيادة الحزب الوطني وهي تعمل من اجل تحقيق الامن القومي؟ في الوقت الذي يؤلمنا لو تعرض اي عضو من اعضاء الحركة لاي سوء ولا نتمناه لاي احد. ، فان تضخيم الذات الى هذا الحد المفرط، وفي الوقت الذي يشتكون من التهميش ومن قيام الاحزاب المنعوتة بالصغيرة،  بدفع القوى الكبرى لابعاد الحركة عن لعب دورها.  نرى هنا ربط الامة ومصيرها بقيادة الحركة التي لم تفكر يوما بهذه المصير. اذا هناك منتوج جديد للبيع او قادم لبيعه وهو ان هذه القيادة متعرضة لمخاطر جمة في زمن الحكم الديقراطي، بسبب مواقفها ودوما تبقي هذه المواقف غير معلنة وغير معروفة وخصوصا في الاعلام ولكن في اللقاءات الخاصة هناك العداء ضد فلان وعلان بسبب الدفاع عن الحق القومي!

والظاهر ان السيد طيروا لا يقراء او لا يقراء الا ما تنقله البهرا ، فهو لا يعرف ان تجمع السريان جزء من المؤتمر الشعبي الكلداني السرياني الاشوري، وهذه العدم معرفة هي التي دعنته للتخمين بان تحالفا بين الحركة وحزب الاتخاد الديمقراطي الكلداني وتجمع السريان المستقل سيغير الصورة.  وبالاعتماد على التحالف مع المطكستا، فحزب الاتحاد الديمقراطي الكلداني كان قبل فترة قد اصدر توضيحا يقول فيه ان لا تحملوا لقاءنا مع الحركة (يا اعضاء الحركة) اكثر مما يحتمل، فنحن التقينا معكم في اطار لقاءاتنا مع كل احزاب شعبنا.  ان السيد طير يعتقد ان التنظيمين ينتظرون فقط اشارة من الحركة لكي يهرولوا وينظموا تحت عباءة الحركة.  السيد طيروا لا يدرك ان تحالف الحركة مع جهة من المطكستا لن يفيدها في العراق ابدا، وخصوصا مع ضمور اعلام الحركة.

بعد ان يسرد السيد طيرو مكانة الحركة على المستويات القومية والوطنية والدولية، مشيرا الى مشاركتها السياسية في مجلس الحكم والوزارة واعتبارها من المستفيدبن من قانون تحرير العراق. ، طبعا محملا الامر الى قدرة الحركة وقيادتها ملغيا اي دور لشعبنا وبالاخص مؤتمر لندن وما تبعه والسرقة الواضحة التي مارسها السيد كنا لجهد الشعب وتنظيماته في هذا المؤتمر. ، ففي الوقت الذي منح مؤتمر لندن للسيد كنا صفة ممثل الشعب لانه والسيد البرت يلدا انتخبا كممثلين لشعبنا من قبل كل قوانا السياسية في قيادة المعارضة العراقية.  نرى ان السيد كنا في مؤتمر صلاح الدين الذي سبق حرب تحرير العراق يلقي كلمة باسم الحركة متناسيا كل التطمينات التي منحت وكل الاتفاقيات التي عقدت والتي على اساسها ايضا تم احتسابه ضمن القوى المستفادة من قانون تخرير العراق. لقد كان حزب بيت نهرين الديمقراطي واضحا في موقفه، ولكن الظروف المحيطة بالعراق جعلت بقية الاطراف تسكت انتظارا للتغيير لعل وعسى تسير الامور بطريق افضل،  الا ان عهدنا كان ان الثلج لن يترك صفته فسيظل باردا ابدا.  وستظل الحركة ومؤيديها في نكران دور كل من عمل من اجل امته وفظل التنازل من اجل تحقيق وحدة القرار ووحدة الامة. ان محاولة تسويق الحركة والتأكيد على مكانتها وبالاخص بعد انتحارها نتيجة لانعزاليتها القومية والوطنية.  هي محاولة غريبة، لانها لا تساهم في مساعدة هذه الحركة للسير في جادة الصواب، ويجب هنا ان لا نعتقد ان الكاتب غير واعي في مسعاه، لا بالعكس، انه امر مقصود، فالمقالة ليست بحث لكي تستفاد منه قيادة الحركة في تحركاتها المستقبلية، بل كل ما فيه هو تجميل هذه القيادة باضفاء بريق ما عليها ليس الا.  واعادة تسويقها للجمهو الذي بدات شكوكه بالتعالي وتخرج خارج الجدران. ان هناك محاولة زرع مخاوف من زوال الحركة وهو ضمن التسويق اعلاه. ، لان لا احد يريد زوالها وهذا الزوال منوط بقيادتها فقط وبممارسات هذه القيادة المصرة على الانفراد والانعزال وعدم الالتقاء بالتنظيمات الاخرى.  وحتى لو التقت فانها تحاول العمل على شق الصف وابعاد البعض وتقريب الاخر في لعبة فرق تسد وهي لعبة باتت مفضوحة للجميع. ان تصوير الحركة وهي تحمل اعباء كبيرة لا يمكن لاحد تحملها لامر مثير للشفقة، فالحركة التي لم تتمكن من ان تطرح ولو تصورا محددا لمستقبل شعبها ووطنها، وكل ما تمكنت من عمله هم صياغة مذكرة حاولت بها تسويق نفسها من خلال القول ها ان الحركة تطالب باقل مما يطالب الاخرون.  فنرجو اعادة تأهيلنا لاننا الافضل لمصالحكم، هذه الحركة لا يمكن ان توصف بما يصفها السيد طيرو.

ان الامن القومي الذي هو امر يجب ان نعطيه اهميته الحقيقية، يجب ان لا يسوق لاجل صقل واعادة تسويق جهة كانت هي التي كالت كل الضربات للامن القومي (لوحدة القرا القومي)، من خلال وصفها كل الاطراف القومية والتي قد لا يدرك السيد طيرو مساهماتها القومية، بانها عميلة لهذا الطرف او  ذاك، فبالامس كان حزب الاتحاد الديمقراطي الكلداني  صنيعة الحزب الديمقراطي الكوردستاني وكانت هذه التهمة علكة مفظلة يلوكها قيادي وانصار الحركة، فمالذي تبدل؟، والم يكن نصيب الاترنايي وبيت نهرين وبيت نهرين الوطني والمؤتمر الشعبي الكلداني السرياني الاشوري،احتسابهم في خانة الاعداء.  في اي موقف ظهرت الحركة قوية كانت قوتها توجه لضرب ابناء شعبها وبالاخص من التنظيمات الاخرى، فهل بهذه الطريقة يبنى الامن القومي؟

الامن القومي برغم من ارتباطه بالجغرافية، الا اننا سنتساهل ونقول سنخرجه من اطار الجغرافية، ولكن هذا الامن ورغم ذلك بحاجة الى البحث في ملفات اخرى وهي الملف الاقتصادي، والملف السياسي والمالي والاجتماعي، ففي الملف الاقتصادي يجب ان نوفر قدرات اقتصادية لتحقيق خططنا السياسية ونحن في الملف السياسي بحاجة الى خلق تفاهمات على الاقل على الخطوط العريضة لبرامجنا المستقبلية، وفي كل من هذين الملفين لايمكن او ليس بقدرة الحركة العمل مع الاخرين، لانها لا تزال تطرح نفسها الاقوى والاكبر والافضل وبالسياسة مصدر التفضيل لا يعمل، بل مصدر المصاللح وتوافقها، ولعل من اسباب عدم امكانية العمل مع الحركة في ملف الامن القومي هو ان هذه الحركة قد قطعت كل خيوط الوصل مع القوى السياسية الاقرب الينا وهي القوى الكوردية والقوى الليبرالية.

برغم من ان الامن القومي والذي سرنا به مع السيد طيرو يحتاج الى نوع ما من السيادة واستقلالية القرار (استقلالية القرار هو دائما امر نسبي).  ولكن الم تكن معارضة الحركة لمطلب الحكم الذاتي احد اسس هدم الامن القومي المنشود، الا يعتقد السيد الكاتب ان الكثير من المشاكل الاساسية التي يعانيها شعبنا ستجد لها الحل فقط في حالة تكوين شرعية قانونية لشعبنا، وهذه الشرعية ستكون في اول تجدلياتها في حالة تمتعنا بالحكم الذاتي. بالطبع لا نتفق مع الكاتب في اعتباره الامن القومي حالة يمكن كيلها او قياسها حينما يتسال عن كمية الامن القومي الذي يجب ان يتحقق، فالامن القومي ان كان ضروريا فعلينا العمل من اجل تحقيقه ولكن الامن القومي هي حالة تتشكل من توفر حالات اخرى مررنا على بعضها.

في بداية الثمانينات من القرن الماضي، كنا مجموعة من الشباب التقت على حب الامة واللغة والادب، كنا من مناطق وجمعيات مختلفة، ولكن جلنا كان من لجنة الشباب الاشوري في كنيسة مار عوديشو في منطقة الصناعة ومن الجمعية الثقافية للناطقين بالسريانية، وكان منهم الاديب والشاعر روبين بيت شموئيل، والكاتب والاديب الاب عمانوئيل يوخنا والشاعر والاديب نمرود يوسف والكاتب والسياسي يونان هوزايا والكاتب والاديب اسكندر بيقاشا والشاعر والاديب نزار الديراني والكاتب اديب كوكا والشاعر المرحوم حورية ادم وغيرهم من الكتاب ممن تخرجوا من مدرسة الحياة والتجربة اليومية والحب الدائم للامة ولحامل مميزات هذه الامة كاساس للتطور والتقدم، المهم اننا كنا في عمر الشباب وقي هذا العمر تكثر التندرات فكان البعض يتندر على احد اعضاء المجموعة بانه عندما يتعلم كلمة جديدة بالسورث يقوم بتأليف قصيدة شعرية فقط لكي يضمنها في شعره ، واعتقد ان التندر وان كان صحيحا الا ان الاخ كان يساعد في نشر هذه الكلمة على الجمهور،والظاهر ان السيد طيرو يريد ان يربط الحركة بعنوانين مصطلحات (تعلمها حديثا) كما ان الحركة هي اصلا لا تعرفها ولايمكنها ان تحققها، لانها لم تفكر بها اصلا.

8 اذار 2008 عنكاوا

في نقد نقد العقل الكلدواشوري السرياني

 

نشر المفكر المغربي محمد عابد الجابري الكتب التالية والمعروفة بنقد العقل العربي وهي تكوين العقل العربي ( نقد العقل العربي 1) (1984)  و بنية العقل العربي ( نقد العقل العربي 2 ) (1986)  و العقل السياسي العربي ( نقد العقل العربي 3 ) (1990)  و العقل الأخلاقي العربي ( نقد العقل العربي 4 ) (2001)

ورد عليه المفكر السوري جورج طرابيشي بالكتب التالية والتي عرفت بنقد نقد العقل العربي وهي نظرية العقل العربي  :نقد نقد العقل العربي (ج1)  و إشكاليات العقل العربي : نقد نقد العقل العربي (ج2),صدر 2002ِ  و وحدة العقل العربي : نقد نقد العقل العربي (ج3) و العقل المستقيل في الإسلام : نقد نقد العقل العربي(ج4) ،صدر 2004

وبدلا من الدفاع عن اطروحاته لم يتوان المفكر الجابري من تعيير المفكر جورج طرابيشي بكونه مسيحي وكانت فضيحة للفكر العربي شغلت صفحات طويلة وحروب استمر لعدة سنوات واسالت الكثير من الحبر

نشر الاستاذ هرمز طيرو مقالة عنونها بنقد العقل الكلدواشوري السرياني على موقع زهريرا.

والقارئ ينخدع من العنوان اعلاه، فهو يظن انه سيطالع مقالة فلسفية تبحث القصور في بنية الوعي باشاكاله الاجتماعية والثقافية بشكل عام لدى ابناء شعبنا، الا ان مايلفت النظر ان المقالة هي صياغة سياسية او قالب انشائي لكي يصل الكاتب الى غاية محددة مسبقا وهي مدح فصيل سياسي وذم الاخرين.

واذ كنت لا اعتقد اننا كاشوريين فوق النقد وخصوصا في المجال الفهم العام للقيم المسيرة للشأن العام في العصر الحالي، وان كنت اعتقد ايضا ان الكثيرين منا يستعملون مفردات تماشي العصر وبدت شائعة الاستعمال في الاعلام والخطاب السياسي (مثل رجل الدين الاسلامي وهو يمدح بدينه فقال ان الاسلام دين شفاف) الا ان ابناء شعبنا في غالبيتهم لم يتخلصوا من القيم العشائرية الدينية بمجالها الضيق والمأخوذ من المحيط اكثر مما يعبر عن الدين الحقيقي لابناء شعبنا.

ومنذ البدء يدخلنا الاستاذ طيرو في التصنيف السياسي الايديولجي، في حين ان المكون العام للعقل ليس السياسة بحد ذاتها فالسياسة هي احدى مجالات عمل العقل ولكن المجال الاكبر والاغلب هو المجال القيمي، فالعقل بما هو اداة لكسب المعارف والمهارات ولاعادة صياغتها بما يقال له انتاج وتطوير وابداع الجديد، لا ينحصر بالسياسية فالثقافة هي المجال الاوسع والرحب لهذا العقل، الا انه كما قلنا فالسيد طيرو حدد هدف مقالته دون ان يخضع الواقع ومسار الامور لأداة نقدية معينة اوصلته الى ما وصل اليه، فهو كان يريد الوصول الى الغاية التي حددها منذ البدء واستعمل كل ما سبق لتحقيق ذلك، وفي هذا الامر تخرج المقالة من ان تكون عملا ابداعيا ناتج لاخضاع كل الامور لنفس ميزان النقد وادواته.

والمقالة النقدية الفكرية تعمل على ايجاد او طرح مخارج لما يعتقده الكاتب ونتيجة لوضعه الحالة غير المرضية عنها في ميزان النقد، فأداة النقد التي نتلمسها لدى السيد طيرو هي رؤية شخصية ملتبسة بانتماء سياسي وكل ما يقوله الفصيل السياسي الذي يسانده السيد طيرو يعتبر لديه من المسلمات ولا يخضع لاي تمحيص ونقد وهنا يفقد الاستاذ طيرو صفته بوصفه مفكراً، ويتحول الى اداة في يد السياسي، فبدلا من تبيان مكامن الخطاء والقصور في بنية التفكير والادوات والامثلة المستخدمة لتوضيح الفكر، وكذلك الاساليب التي تجعلنا نؤمن باننا كشعب لا زلنا نبحث عن طرق لبناء مستقبل افضل، نرى الاستاذ طيرو يلجاء الى الحل الافضل والاسهل وهو الاستراتيجية الشوفينية للقوميات التي نشاركها العيش في المنطقة والتي كما يرى كاتبنا ترمي الى فرض العزلة على شعبنا ومن ثم احتوائه وصهره وكذالك العمل على استنهاض النزعات الطائفية والمذهبية والعشائرية والمنتشرة بين البعض من ابناء شعبنا، وهنا اذا نؤكد على وجود مثل هذه النزعات اي نزعات ما قبل تكوين الامم، فان اتهام الاخرين باستنهاضها واعادة احياءها هو رمي الخطاء والخطيئة على الاخر وجعل الذات بريئة ولكن الذئاب تنهشها.  ولان امتنا وكما يعلم الاستاذ طيرو لم تعد تعيش في غالبيتها في الوطن وبين نفس القوميات المار ذكرها الا ان العودة الى التكوينات ما قبل القومية ونقصد العشارية والعصبيات القروية والطائفية كانت اكثر انتشارا في المهجر منها في الوطن.  وبالطبع ان هذه العودة ليست كما يقول الاستاذ طيرو بل لها اسبابها النفسية والمخاوف التي يجابهها الفرد. فهو الخائف على هويته نراه يلجا الى الوحدات الاصغر والاكثر قربا من ذاته من تشكيل اخر كبير ولكنه لم يقدم له هذه المظلة التي تحميه من الانصهار.

وكما قلنا ان السيد طيرو لم يبحث بنية الفكر او العقل لدى الانسان الاشوري، بل بحث جانبا معينا من مجالات عمل العقل وهي السياسية ولذا فهو يدخل في هذا المجال متسرعا لكي يصل الى غاياته المحددة مسبقا ويقسم الاتجاهات الفكرية السائدة بحسب وجهة نظره في شعبنا وهي :

– الاتجاه الاشتراكي

– الاتجاه الديني

– الاتجاه القومي

فالفكر الاشتراكي الذي كان اول من ادخله العراق هو شخص اشوري من منطقة عمادية وكان يتعلم في جورجيا واسمه بطرس فاسيلي وهذه هي المعلومة التي نمتلكها عنه، بحيث اننا لا نعرف من اي قرية كان في العمادية رغم ان اسم فاسيلي ليس مستعملا في هذه المنطقة، كان هذا الفكر أو الاعتقاد والانتماء السياسي هو ملجاء الكثير من ابناء شعبنا الذين استهوتهم مبادئه السياسية خصوصا اكثر من جوهره الفكري، حيث ان اغلب الشيوعيين الشرقيين سواء من المسيحيين او المسلمين لم يأخذوا من الفلسفة الماركسية إلا تطبيقها السياسي. فهذه الفلسفة الناكرة لبداية الجوهر وايمانها بصدفة ما لبدء الخليقة والتي تقول بالمادة قبل الجوهر بقت هذه الحقائق عنها غير فاعلة لدى اغلب الشيوعيين. والماركسيين الشيوعيين في  غالبيتهم لم يطرحوا برامج اقتصادية سياسية نابعة من طبيعة وواقع الوطن بقدر من طرحهم لشعارات ضبابية عن المساواة الاقتصادية بين الفقراء والاغنياء في طرح ساذج لحل المشكل الاقتصادي، وهنا كان سبب انتشارها بالاضافة الى مساواتها بين الامم والشعوب في الطرح النظري. كل هذا لا يعني ان ننكر دور الرواد الشيوعيين من حملة الاتجاه الاشتراكي في تطوير مساحة المناقشات الفكرية وادخال الجديد للثقافة السائدة والمستكينة والراكدة منذ قرون على حاله. وهنا يجب ان نفرض ان من يتحدث عنهم الاستاذ طيروا لم يكونوا من الاتجاه الاشتراكي الديمقراطي السائد في الاحزاب الاشتراكية الاوربية مثل الحزب الاجتماعي الالماني وحزب العمال البريطاني و الحزب الاشتراكي الفرنسي.

فنقد الاستاذ طيرو لبعض الشيوعيين السابقين ليس نقدا محددا بموقف فكري بل هو نقد سياسي واضح فالاستاذ سعيد شامايا لم يغادر موقفه الثابت باننا شعب واحد بخلاف الاستاذ حبيب تومي الذي مال كثيرا الى فصل مكونات شعبنا واعتبارها قوميات مختلفة وكما نلاحظ فالأستاذ شامايا لا زال في الوطن والاستاذ تومي يقيم في النروج، في حين ان الاستاذ دنخا البازي معروف عنه انه من مؤيدي وحدة شعبنا وكذالك المرحوم توما توماس. ان صفة ما عندما تطلق على طرف ما يجب ان لا يجرد الآخر منها لمجرد اعتبارات سياسية مرحلية. فأنتماء أبناء شعبنا للحزب الشيوعي العراقي هو انتماء واعي مارسه اناس رأوا في هذا الانتماء طريقا لتحقيق اهدافا عليا وسامية بنظرهم وحتى لو اختلفنا معهم. فان حقيقة اهدافهم يجب ان لا تنكر. فالمنتمون لاحزابنا الوطنية ومنها الحزب الشيوعي العراق لم يكونوا خطاة ومجرمين نتيجة هذا الانتماء لكي نبرر لهم الانتماء. فالانتماء كان من حقهم، ولكن في نفس الاتجاه يمكن تفهم من انضم الى الاحزاب الاخرى مثل الحزب الديمقراطي الكردستاني او حتى حزب البعث العربي الاشتراكي وخصوصا في المرحلة الاولى من تسلمه السلطة بعد انقلاب عام 1968 حيث كان يصنف حزب بورجوازي صغير وراي الناس فيه انه تعلم من تجاربه ولذا ايدت خطواته السياسية الاولى ومنها بيان 11 اذار لعام 1970 ومنح الحقوق الثقافية للناطقين بالسريانية وللتركمان واقامة الجبهة مع الحزب الشيوعي العراقي. الا ان كل العراقيين انصدموا ليس بحزب البعث وممارساته الشوفينية القمعية فقط. ولكن بانهيار اقوى قلاع الشيوعية العالمية اي الاتحاد السوفياتي، ان صدمة الخداع التي مارستها القيادة السوفياتية كانت قوية بما يجعل الكثيرين يتنصل منها. فالديالكتيك لم يعد مفيدا لكي يفسر كل شئ، وبالأحرى ان تفسير الدياكتيك واقحامه في كل الامو،ر ووضع الحتمية التاريخية كأمر مسلم به، كان طرحا مبتذلا وسوقيا وهي تقابل  طرح ان من ينتتمى الى هذا الدين سيدخل الجنة دون النظر الى الاعمال والممارسات.

اما عن الاتجاه الديني فالدين المسيحي الذي اعتنقته الغالبية من ابناء شعبنا، وفي ظله ونتيجة لهذا الاعتناق اعادة شعبنا لعب دوره الحضاري في ابداع وتطوير القيم والمنتوج الفكري والعلمي في جامعات نصيبين واورهي وجندي شابور والاديرة والمدن الكثيرة، الا ان قوة الكنيسة وقوة سلطة البطريرك لم تجعله في ان يفكر دنيويا او ان تقوم فئة او طليعة لاستغلال هذه الرابطة أعني الرابطة المسيحية واللغة الواحدة والمنبع والتاريخ والحضارة الواحد، في اقامة سلطة سياسية خاصة بنا. اما الحكم على رجال الدين وعلى مراكز دينية معينة بانها بحثت عن مركزها ومصلحتها الشخصية، فما حدث في اوربا من التغييرات من تصاعد المد القومي لم يكن نابعاً حقيقاً من المراكز الدينية بل ان المد القومي هو نتيجة لتطورات اقتصادية ونمو الطبقة الوسطى (البرجوازية) وفكرية احدثها فلاسفة عصر التنوير. وهذا ما لم يحدث لدينا في كل الشرق، حيث اخذنا الفكر القومي ونادينا به، دون ان نمر بالمراحل الاقتصادية والثقافية التي مرت بها اورب،ا والتي كان الفكر القومي نتاج لها.، وبالتالي فتطور الفكر القومي في ظل المؤسسة الدينية وخصوصا الكنيسة الشرقية، كان امرا طبيعيا، لانها تمتلك قوة عسكرية من ابناء العشائر قياسا بغيرها.  ولان الكنيسة كانت المؤسسة الوحيدة القائمة بين ابناء شعبنا. وكما نرى ان الفكر القومي استقوى بمؤسستين اساسا هو اتى ليكون عابرا لها،  وهما مؤسسة الكنيسة والمؤسسة العشائرية الادنى مرتبة والاقوى شكيمة. في ظل مثل هذا التكوين كان لا بد من وجود تناقضات تحدث بين كل الاطراف.  وهذا ما شاهدنا ونراه من الصراع بين كل المؤسسات القائمة في شعبنا.  فالمؤسسة العشائرية المندثرة اعيد بعث الدفء في جمراتها المخبوءة تحت الرماد، في المهجر الاشوري اولا، واعاد احياءها صدام عندما اعاد قادة العشائر الى الواجهة وكان لا بد ان يتاثر مجتمعنا بها كحالة حماية وكحالة ان الاخرين ليسوا افضل منا.

لا يوجد تيار مسيحي سياسي بشكل ايديولوجي في شعبنا (بمعنى تطبق تشريعات مسيحية او اقامة دولة مسيحية). يمكن القول ان الاحتماء بالمسيحية المسالمة من غضب الاخر سائد الا انه ليس تيارا سياسيا منظما او مؤدلجاً، والغالب ان منبعه التراث الطويل لتنظيمات الملة التي كانت سائدة في زمن السلطنة العثمانية واعتقاد البعض بها وباثاراها الفكرية مثل ان المذهب او الطائفة ورئيسها هو ممثل الك، واننا نعيش في الشرق ذمة في يد المسلمين الكرماء الذين تركونا لحد الان احياء. فثقافة المواطنة لم تنتشر في الوطن بما هي ثقافة مساواة لكل المواطني، برغم دينهم ولونهم وجنسهم ولغتهم وهذه ثقافة الدول العصرية والتي لم تقم لحد الان في شرقنا.

يؤسفنا وفي اطار نقد العقل او الممارسة في شعبنا، يتم تجاهل حقائق كثيرة اثرت في مسار غالبيته العظمى وبكل طوائفه، حيث تعرض ومنذ زمن طويل لعمليات ابادة واضطهاد ممنهجة وعلى أساس ديني في الغالب. ولم يتمكن ومنذ مذابح تيمورلنك من البقاء مستقرا لكي يتحول للتفكير في امور اخرى. فالهم الاكبر لديه وفي ظل تلك الظروف كان حماية النفس كشعب او اسرة او كافراد، في ظل كل هذه الالام تمكنت مؤسسة الكنيسة من البقاء وان انشقت وتشظت الا انها بقت تدير ما استطاعت ادارته.

ورغم كل شئ لم يتمكن المثقف القومي الاشوري من اتخاذ اي قرار مهم مهما كان خارج اطار المؤسسة الكنسية. ذات التاريخ الطويل في تسنمها المركز الاول كممثلة للشعب او لطوائفه المختلفة. فما حدث قبيل واثناء الحرب العالمية الاولى يدلنا ان القوة الوحيدة التي كان يمتلكها الشعب، كانت العشائر النسطورية والكنيسة الشرقية اما الاخرين وبكل طوائفهم فلم يكن لديهم الا السكوت والقبول بالامر الواقع.  وهذا يدل ان الفكر القومي لم يكن قد استوعب الجماهير الكثيرة رغم ان التسمية القومية الاشورية صارت معهودة ومرغوبة ومعشوقة من الكثيرين.

وفي احداث سميل ايضا كانت الكنيسة والعشائر هم محركوا الوضع.  ومن الطرفين المختلفين بعد مؤتمر ريشا داميديا. ويمكن القول ان الفكر القومي كان خارج الاطار الكنسي بشكل عام في ايران لان القوميين الاشوريين كانوا من مختلف الكنائس ولانهم كانوا في مرحلة التبشير ومرحلة نشر الثقافة والادب اكثر منهم في مرحلة بناء التنظيمات السياسية.
يمكن القول ان اول تنظيم سياسي نشاء بعد احداث سميل ولا اعتقد ان اعضاءه كانوا معروفين. الا ان التنظيم كان من اجل الثأر من مسببي سميل ومن المتخاذلين فيها. ولذا كان التنظيم قد خطط في اول عمل له الى قتل كل من مار يوسف خنانيشوع ومار سركيس ومار يوالاه في دوري، وقد تم كشف التنيظم عندما كشف المرحوم جورج والد الشهيدة ماركريت تفاصيل المخطط وانه كان مكلفا بقتل مار يوالاه.( للحقيقة ان اول تنظيم اشوري تأسس بعد الحرب العالمية الاولى وكان اسمه الحزب الاشتراكي الاشوري، واسسه الشهيد فريدون اتورايا)  والتنظيم الثالث  كان خيت خيت الب ܚ ܚ ܐ وقد استمر التنظيم من نهاية الاربعينيات الى نهاية الخمسينيات الا انه لم ينتشر جماهيريا وان كان الاعتقاد السائد انه صاحب فكرة انشاء الاندية والجمعيات الخيرية. وقد شارك في بعض المظاهرات الشعبية وخصوصا في مظاهرة باباكركر. الا انه انتهى دون ان يخلف تراثا سياسيا معينا ومحددا،  الا التراث العمل الاجتماعي والرياضي. وفي بداية الستينات تأسست منظومة معينة لتساعد الشهيد هرمز مالك جكو وتدعمه، الا انها انهارت بعد استشهاد هرمز مالك جكو واعتقد انها كانت تطلق على نفسها اسم سيعتا (ܣܝܥܬܐ) اي اللجنة. وفي هذا الاطار فلا بد من التنويه ان شبانا من المتاثرين بافكار الملفان نعوم فائق والشهيد اشور يوسف الخربوطي، قد قاموا بتأسيس اول تنظم سياسي مستمر لشعبنا باسم المنظمة الاثورية الديمقراطية في  قامشلي في سوريا، الا ان التنظم لم يكن ناشطا سياسيا لقلة الخبرة ولكن جل اهتمامه انصب على المجال الثقافي والعلمي كمرحلة اولية تسبق دخول كوادره المجال السياسي، ولعله التنظيم السياسي الوحيد الذي شارك في تأسيس الاتحاد الاشوري العالمي من خلال اعضائه. ونشط اكثر في السبعينيات من هذا العصر وخصوصا من خلال نشطاءه في اوربا.  حيث قام بتنظيم الشعب من خلال مؤسسات واتحادات قومية ونشر مجلة خويادة(حويودو)  المعروفة بدورها القومي، والتي صدرت من قبل اتحاد الاندية الاثورية في السويد بدعم من الحكومة السويدية .

في عام 1968 تأسس الاتحاد الاشوري العالمي، وقد جوبه منذ البداية بهجمة كبيرة وخصوصا من قبل النظام العراقي. فقد كانت الصحف اللبنانية الممولة من قبل النظام تهاجم الاتحاد الاشوري العالمي وتنعته بابشع النعوت. الا انها اضطرت لكي تستقدم وفدا منه لكي تتفاوض معه من اجل حقوق شعبنا.  وقد اتى الوفد برئاسة المرحوم مالك ياقو مالك اسماعيل في اوائل عام .1973.

في بداية عام 1970 حاولت مجموعة من الشباب تأسيس حزب قومي الا انهم انكشفوا في فترة التفكير واقناع البعض بالفكرة واذكر منهم كل من القس حاليا شليمون ايشو والسيد كوركيس خوشابا وقد تم القاء القبض عليهم فترة في الامن العام ومن ثم اطلق سراحهم بعد ان تعهدوا عدم العودة الى مثل هذا الامر. ومن ثم في خريف عام 1972 تاسس حزب اخر في كركوك وجامعة السليمانية باسم حزب الاخاء الاثوري وقد اسسه المرحوم توما هرمز ايشو وابنه الشهيد يوسف توما والسيد يونادم يوسف كنا، علما ان السيد يونادم يوسف كنا كان في الان نفسه عضوا في اتحاد طلبة كردستان العراق اي بالضرورة عضوا في الحزب الديمقراطي الكوردستاني، وقد تم مفاتحتي بالانضمام اليه وقد وافقت حينها الا ان من كلف بالاتصال بي قد تنصل من المهمة

وفي 14 تموز من عام 1973 تاسس الحزب الوطني الاشوري بشكل رسمي وان كانت بعض اللقاءات قد حدثت قبل ذلك من مجموعة من الشبيبة القومية الجامعية. واعتقد انها كانت مؤلفة من الاخوة وليم شاؤول وبنيامين ابرم حنا وجارلس شمشون كسو وعامر شمشون كسو وشمشون سركيس شمعون وديفس سركيس وليس كوركيس وكوركيس ياقو ، ولم يكن يتادول للحزب اسما ما خلال المراحل الاولى لتأسيسه، لكي لا ينزل الى الشارع وتقوم الاجهزة الامنية بالبحث والتقصي عنه.  ولم يكن يتسمى باسم حزب البعث الاثوري كما يقول الاستاذ طيرو.  وانا هنا اراهنه ان كان يعرف حقا تنظيما بهذا الاسم اي حزب البعث الاثوري.  وهذا الاسم هو  من اختلاق اعداء الحزب او المختلفين معه او هو من المعلومات التي يذكرها الكراس التثقيفي رقم 7 والصادر من مكتب الثقافة والاعلام في الحركة الديمقراطية الاشورية واذا كانت معلومات السيد طيرو من هذا الكراس كلها فانني اندب على  الثقافة والمثقفين في شعبنا. ونتيجة لمتابعتي حول الامر فقد التقيت بالاستاذ ميخائيل ممو في يونشوبينك في السويد.  وقد ذكر بانه كانت هنالك فكرة من هذا القبيل قد طرحها السيد منان بولص.  الا انها لم تر النور، واعتقد ان نشر مثل هذه الدعايات هو عملية خداع لابناء شعبنا لاننا ندرك بان النظام البعثي ورغم كل الانفتاح الذي مارسه في بداية السبعينيات، الا انه ما كان مستعدا للقبول بحزب يمثل هذه التسمية لانه حزب يناقض حزب البعث العربي الاشتراكي وايدويولوجيته من الاساس. فالشعبين الذين يمكن لهما الادعاء بالبعث، اي اعادة احياء ما كان لهما في العراق هما الاشوريين والعرب، لان لكليهما حضارة وامبراطوريات انطلقتا من ارض العراق، فالسماح بتأسيس مثل هذا الحزب يعني النقيض الفعلي لطموحات العرب. الا ان من ينشر مثل هذه المعلومات الكاذبة يعتمد على او يعتقد بان ابناء شعبنا كلهم جهلة ولا يحمكون على الامور من خلال المنطق والعقل. واستناد السيد طيرو الى مقالة السيد وليم شاؤول هي عملية اجرامية حقا فالسيد وليم شاؤول لم يذكر اسم حزب البعث الاثوري ابدا في مقالته.  لان مثل هذا الحزب لم يتواجد اصلا والسيد طيرو ومن خلال عنوان مقالته، يرغب في ان يطرح نفسه مفكرا الا انه وقع في اخطاء مقصودة للدعاية السياسية من خلال نقل اكاذيب و كانها حقائق واسنادها الى اشخاص لم يقولوا بها. ولكن السيد وليم شاؤول يخلط في التواريخ في مقاله المنشور في 13 تموز عام2006 في عنكاوا كوم.  وليس في 19 من تموز.  واعتقد ان السيد طيرو اعلم بالمقال ولم يقرأه، فالاجتماع الذي انعقد في نادي المشرق عقد 14 او 15 تموز 1974 وقد حضرته شخصيا وقد تلى السيد وليم شاؤول فيه تقريرا سياسيا،  وكانت فكرة تأسيس النادي قد نضجت حينه،ا وتم عمل الكثير من اجلا اعلان النادي، الا ان الحلقة المركزية في الحزب قد انحلت وتم اعادة تشكيل الحزب من اعداد محدودة من الاعضاء ممن كانت علاقتهم غير اساسية بالسيد وليم شاؤول.  وحدث هذا في اوائل اب 1974. اي ان ما تم تأسيسه بوجود السيد وليم شاؤول لم يعمر الا سنة وايام معدودة وما نشأ بعد ذلك تغيير كثيرا وخصوصا بعد المؤتمر الاول في بغداد من ذلك العام وهذه المعلومات لا ينكرها الحزب الوطني الاشوري. ويمكن الرجوع الى النبذة التاريخية لتاريخ الحزب والتي نشرت من قبل قيادة التنظيم الخارجي في الحزب في كانون الاول من عام 1996.

اما حزب النسر الاسود فهو ايضا من خيال الكاتب او من خلال الدعايات التي بثتها اذاعة قصر شيرين الاشورية حينها ولكنها بالتأكيد لم تقل النسر الاسود،  بل انتشر اسم حزب النسر فترة قصيرة في العراق ايضا.  الا انه لا وجود له بالحقيقة. والاحزاب الاخرى التي قامت في العراق هي مجموعة السيد كوركيس خوشابا والقريبة من اليسار او الحزب الشيوعي،  واعتقد ان اسمها الاتحاد الاشوري التقدمي ان لم تخني الذاكرة،  والحزب الاخر الذي تأسس كان الحزب الاشوري المتغير زمنيا وكان من اعضاءه السادة شمائيل ننو عضو المكتب السياسي للحركة الديمقراطية الاشورية والسيد عوديشو بودغ عضو الحزب الوطني الاشوري والسيد شمشون اعتقد انه حاليا في كاليفورنيا. وانحل بعد ان قرر بعض الاعضاء الانضمام الى الحركة الديمقارطية الاشورية في عام 1983 .

وبدلا من نقد البنية الفكرية للكلدواشوريون السريان،  وما يؤثر فيها عند اتخاذ  القرارات وخصوصا من الناحية السلبية. يوزع السيد طيرو اتهامات للاخرين بانهم اسسوا تنظيمات بدعم من الاخرين وقصد بذلك العرب والاكراد. في الوقت الذي ما كان في مصلحة القوميتين انشاء مثل هذه التنظيمات لكي لا ينتشر الوعي السياسي في شعبنا، لان المنطق يقول ان الاعداء يفضلون ان يبقي اعداءهم جهلاء هو افضل لهم حتى من ابادتهم، وانشاء احزاب في قوميات اخرى كما يتهم وينشر الاستاذ طيرو عملية ان خضعت للنقد العقلي سنرى تفاهتها. الا ان التقاء مصالح الاطراف من مختلف القوميات قد يساعد في ذلك، وهذا لا علاقة له بنقد العقل الاشوري بل يدخل في صلب المصالح السياسية والرؤية المختلفة والتي تبيحها الحريات التي يجب ان يتمتع بها الكل. والظاهر ان كل من نافس ولو من بعيد الحركة الديمقراطية الاشورية يتهم من قبل السيد طيرو بانه اداة من صنع الاخرين، ودون سند بل طرح اتهامات على عواهنها ليس اكثر. والحقيقة اننا لم نطلع على مراجع اكاديمية تتعلق ببحث العمل السياسي في شعبنا وخلوه من اي ايديولوجية قومية  تقدمية، فلحد الان لم نعلم بتقديم رسائل دكتوراه وماجستير حول الامر, اما اذا كان يقصد مفكرنا بالمراجع الاكاديمية بعض الكتابات في بهرا وفي كراريس الحركة فهذا امر اخر.  فلا اعتقد ان احد يعتقد انها خرجت من جامعات وخضعت للمناقشات المستفيضة. ويقول (لقد بذل التجمع والاتحاد وأحزاب اخرى ، خلال العقود الثلاثة الماضية جهودا محمومة على كافة الاصعدة من أجل نشر الفكر الناقص بين أبناء الأمة الواحدة ، فكان منها التعاون المطلق مع القوى التي تعمل على تغذية ونشر النعرة الانعزالية بين أبناء الشعب الواحد ، وذلك من خلال تأسيس دوائر ومؤسسات او جمعيات وأشهرها ” جمعية الثقافة الكلدانية ” او دعمه لصحف وفضائيات لنشر الكراهية ، ومثال على ذلك جريدة ” قويامن ” التي أسسها ويرأس تحريرها نمرود بيتو ، وكذلك فضائية Assyrian Sat التي تبث برامجها الهابطة من مدينة Ceres في كاليفورنيا ، أسسها سركون داديشو ، حيث الزمت هذه الفضائية نفسها بتزيف الحقيقة ، من خلال الأستراتيجية التي تقضي بتفتيت الأمة الكلدوأشورية السريانية الى اجزاء صغيرة ، وخلق كيانات سياسية او اجتماعية وهمية قائمة على اسس عنصرية ، مع دعم اي مكون يتصف برؤية ضيقة الأفق ومتطرفة).
فلا ادري كيف ربط بين كل هذه المكونات السيد طيرو، واعتقد جازما ان السيد طيرو لم يطلع على اي عدد من صحيفة قويامن، وكذلك انه لم يطلع على صحيفة خيروتا التي كان يصدرها التجمع الديمقراطي الاشوري والتي كنت اديرها شخصيا، وعلى الرغم ان الحزب الوطني الاشوري يؤيد وحدة شعبنا وكان سباقا في طرح صيغة التسميات الثلاثة اي (الاشوري الكلداني السرياني) وذلك في مؤتمر بغداد المنعقد عام 2003 وكذالك في مؤتمره الثاني المنعقد في تموز عام 2002 الا انه السيد طيرو يرغب في ضرب الجميع في عملية تقييم سياسية من طرف سياسي معاد ولكنه يطرح نفسه مفكرا.  فهناك تناقض واضح بين الحزب الوطني الاشوري وطروحاته وبين طروحات السيد سركون داديشو، الا ان السيد طيرو يخلط الحابل بالنابل كما يقال كغوغائي لا غير.ولا ادري كيف ان السيد طيرو مرة يتهم الشعب وفكره بالضبابية ومرة بامتلاك فكر وتبصراستراتيجي وهل يستقيم الامران ولم افهم ما المقصود بالفكر القومي الناقص. بعد ان يسرد نبذا من تاريخ كل من المنظمة الاثورية الديمقراطية والاتحاد الاشوري العالمي، ويعتبرهما من الاتجاهات القومية والتي يعتبر انها حصلت على دعم شعبي، لأنها عبرت عن فهم عميق للتراث والتاريخ. و في حين يجب ان يدور نقدنا حقا لفهم ابناء شعبنا للتراث والتاريخ، لأن محصلة الأمور في نجاح اي شيء هو في مدى نجاحه في تحقيق خطوات ملموسة للامام. الا ان السيد طيرو يعبر عن هذه المهمة العويصة للمفكر ويلجأ الى تقديم بعض العثرات التي وقعت فيها كل من المنظمة الاثورية الديمقراطية والاتحاد الاشوري العالمي، ليصل الى لب ما يريد،الا  وهو تقديم الحركة الديمقرطية الاشورية كقمة الرؤية الفكرية والسياسية والتي عبرت حقا عن الفكر الكلدواشوري السرياني الاصيل والناجح. ويقول (أن الحالة الفكرية والسياسية والأجتماعية والثقافية التي عاشها شعبنا الكلدوأشوري السرياني في بلاد ما بين النهرين بعد الاحداث 1915 – 1933 – 1968 ، كانت وحسب كافة الدراسات ، المنطلق الأساسي لظهور بؤر وتجمعات وحركات ذات توجهات قومية في المعاهد والجامعات ( بغداد – سليمانية – موصل – بصرة ) بالأضافة الى بعض المراكز الشبابية التابعة للكنائس . وقد كانت برامج اغلب هذه التجمعات تفتقر الى العقل الواعي ( الفكر الواعي ) لأنهم لم يول مسألة العقل الواعي ما يستحق من الاهتمام . فظلت برامجهم الفكرية في اطار بدائي.  وبذلك عبروا عن الرؤية القاصرة للواقع الراهن.  وقد كان تأثير هذه الرؤيه لمثل هذه الايديولوجيا سلبيا ، مما ادى الى ):
برغم سردنا لبعض مراحل العمل القومي وكذالك السيد طيرو الا انه يعود ويقول ان وحسب الدراسات القول المار ذكره من مقالته فكيف يريد السيد طيرو من العمل القومي ان يكون كاملا متكاملا منذ اللحظة الاولى ومن دون ان تصهره التجارب، ويقول ان اغلب هذه التجمعات افتقرت الى العقل الواعي، الا انها بالتاكيد كانت تمتلك وعيا عقليا وحسب اهدافها المرحلية والتي حددتها لنفسها وانا اقول ذلك من خلال تجاربي الشخصية لانني كنت عضوا في لجنة الشباب الاشوري في كنيسة مار عوديشو وسكرتير لها من تموز 1974 الى ايلول 1975 كما انني كنت مسؤولا للطلبة الاثوريين في معهد الادارة ببغداد الرصافة منذ عام من عام 1974 الى سنة 1976 .  فهذه التنظيمات كانت تمتلك رؤية خاصة بها وباهدافها وقد تجاوزت حتى المنظمات الشبيبة الكنسية منطلقاتها الطائفية لصالح المنطلق القومي.  وكانت انشطة البعض منها،  تسير من قبل اعضاء الحزب الوطني الاشوري. واعتقد ان الكثيرين ممن يتذكرون هذه المرحلة يدركون دور هذه اللجان الشبابية في التقارب بين مكوناتنا القومية. الا ان السيد طيرو يكتب من دراسات لا اعلم من قام بها لانني حقيقة لم اطلع عليها. رغم انه يعطي لهذه التجمعات (سببا لتكوين او ظهور النواة الاولى  لحضارة كلدواشورية سريانية) علما ان تبني هذه التسمية لم يكن الا في مؤتمر بغداد في تشرين الاول من عام 2003 . ومن ناحية اخرى يمنح السيد طيرو لنفسه الحق في ان يقول ان الحركة قد تأسست في 12 نيسان من عام 1979 وهو تاريخ مشكوك فيه لاننا في بداية عام 1982 كنا لا زلنا نتفاوض على المشاركة في الكفاح المسلح وكنا ثلاثة اطراف وهم الحزب الوطني الاشوري ممثلا بالاخ نمرود بيتو ومجموعة كوركيس خوشابا وكان يمثلها بنفسه وبقايا حزب الاخاء الاشوري ومثلها السيد يونادم كنا، فكيف يستقيم امر تأسيس قبل اكتمال التفاوض بشأن الامر؟ ولكننا لا نرغب في ان نعطي للآخرين تواريخ ميلادهم الا ان الفكر النقدي يجب ان يخضع مجمل الامرو للنقد والتمحيص. ويقول الكاتب ان الحركة بعد ذلك وجدت المجال مفتوحا امامها للتغلغل في عقول الجماهير ولم يذكر لنا هل حدث ذلك بعد استيعاب قيادة الحركة لديالكتيك هيغل ام قبله.  وخصوصا اننا ندرك ان هيغل لم يكن معروفا ومقرؤا كثيرا بين القوميين الاشوريين.  ولا يذكر لنا السيد طيرو اي نماذج لتطبيقات الحركة لمقولات هيغل وخصوصاً تلك التي يقرها العقل المطلق اي الجوهر والطبيعة وكيف وجدت الحل بين المتناقضات .

وفي مثال السيد طيرو يلغي دور مؤتمر بغداد لعام 2003 كمؤتمر للبحث والنقاش والتحاور ويلغي تواجد الاخرين فالحركة في مثاله هي العقل المطلق اي الله وتطرح فكرة الوحدة وفكرة الوحدة نفسها هي الاطروحة، ويقوم الفكر بوضع اساس للوحدة وهو هنا مؤتمر بغداد لعام 2003 الذي شارك فيه الحزب الوطني الاشوري، الذي وصفه السيد طيرو بابشع النعوت وشكك بطروحاته القومية.

والمفارقات لا تتوقف (فالانسان الكلدواشوري السرياني الذي يعيش ازمة العقل، وذلك نتيجة عدم ادراكه ولعقود عديدة للطبيعة الجدلية التي تربط بين العقل والطبيعة والقوانين) لا تأخذ السيد طيرو اي بارقة الرحمة بهذا الانسان الذي عاش دهورا في ظلام دامس وفي عزلة كبيرة نتيجة لوقوعه في بحيرة معادية له دينيا ولم يتسأل وكيف يعرف هذا الشعب الذي بغالبيته امي والذي لا يعرف القراءة والكتابة وكان يتقن السورث فقط والامر الاشد غرابة ان السيد هيغل عاش في القرن التاسع عشر او نهايات القرن الثامن عشر فيكف يعرف بها ابناء شعبنا وبجدليته التي استنبطها هو واستفاد منها المرحوم ماركس.

ويقول (أن استمرار الحركة الديمقراطية الأشورية في التعامل مع الديالكتيك وتفسير الوجود وفهم الواقع بالديالكتيك ، سيولد حتما عند الانسان الكلدوأشوري السرياني  ارادة العقل  التي سوف يصممها فكر العقل المطلق ( الأطروحة ) وهي بالنتيجة عقل الحركة الديمقراطية الأشورية) اي العودة الى دكتاتورية الرفيق ستالين والتي لا تقبل عقل اخر الا العقل المستوعب للديالكتك وهو هنا الحركة الديمقراطية الاشورية. ولكنني من محبتي اقول رجاء من الاخوة في الحركة ان لا تستهويهم مثل هذه الطروحات، التي تدعي ان ارادة العقل لدى الانسان الكلدواشوري السرياني ستتولد بمجرد فهمه او بمجرد تعامل الحركة مع الدياكتيك وتفسير الوجود.  لانهم الظاهر بهذا التعامل قدر خربوا على الامة وفكرة الوحدة وحتى ابسط مقومات العمل السياسي المشترك.  ولذا ادعوهم للعودة الى التفسير البسيط وهو اين مصلحة الامة وكيف تحقق وما هي الادوات والاطراف التي يمكن التعامل معها لتحقيق ذلك.  فهيغل ممكن ان يقراء في تاريخ الفكر الفلسفي الا ان تطبيقه في السياسية امر اخر وعفى عليه الزمن.

وأخيرا اطلب المعذرة للطول المقالة، وللخروج الى مناقشة الشأن السياسي التاريخي لانه السيد طيرو اضطرنا للدخول فيها.

الشحـــــــــــــــــــــن

 

الشحن وحسب المعجم العربي الحديث لاروس تعني نقل البضاعة من رصيف الميناء الى السفينة وملأها وشحن – شحنا عليه، تعني حقد، والشحناء امتلاء صدره بالعداوة.

في العمل السياسي لا يتعامل الانسان مع الحقائق الثابتة والمطلقات الايمانية، فالعمل السياسي بحق هو العمل القابل للخلاف اكثر من اي عمل اخر، لان السياسة اصلا هي التوفيق بين المختلفات والمضادات، والسياسي الناجح هو الذي يعبر حقل الغام الاختلافات هذه ويوصل سفينته الى هدفها، رغم ان الهدف هنا ايضا هو هدف مائع غير ثابت يمكن تقسيمه وتجزئته الى مراحل ودائما حسب مصادر القوة.

في العمل السياسي يمكن للمختلفين واعداء الامس ان يكونوا حلفاء اليوم، ولذا فالسياسي يجب ان يترك دائما صلة الوصل قائمة او كما نقول ان يبقى شعرة معاوية باقية لكي يمكنه التراجع ولكي يكون مستعدا لتغيير تحالفاته في اي لحظة تغييرت موازيين القوة واختلف ميزان المصالح، باعتبار السياسة تطبيق عملي لتحقيق المصالح وليست تبشيرا بالايمان الديني.
خلال الأيام الماضية شاهدنا وسمعنا عن القتال المندلع بين حركة التحرير الوطني الفلسطيني (فتح) وحركة المقاومة الاسلامية (حماس).  وبالأساس ان الاقتتال اندلع على أسس من الاختلاف في وجهات النظر حول الامور الخاصة بالتعامل مع اسرائيل، وتمشية الامور اليومية للشعب الفلسطيني حسب المعلن، الا ان الاقتتال المندلع يكشف مدى انعدام الثقة بين الطرفين، فكل طرف اراد تحصين موقعه من خلال الاحتياط من ردات فعل المقابل، والحقيقة ان اسرائيل ومحاربتها كان اخر ما يهم حماس بالاساس لانها هي التي ابتدأت ممارسة خلق مواقع قوة لها داخل السلطة بالتعارض مع الاتفاقيات الدولية المعقودة والتي تحدد عدد الاجهزة الامنية.  يبقى ان السياسة تم تغيبها وتم توكيل امر حل المسألة الى القوة او البندقية لحد هذه اللحظة على الاقل. ان الواقع المعاش في غزة لا يمكن بسهولة تجاوزه والعمل على اضفاء نوع من التعامل السلسل بين الاطراف المختلفة.  وهذا جراء شحن النفوس بين الطرفين بالبغضاء والكره والحق.  وان ما يوحد الطرفين لحد الان هو مجرد الادعاء انهم يكنون كرها وحقدا على الاسرائليين،  وليس بناء مستقبل افضل لشعبهم، والحقد والكره افقان مسدودان يؤديان الى القتل والتدمير ولو الذاتي لكي يتنفس الكاره والحاقد  عن مكبوتاته.

من هذه المقدمة المطولة ننتقل الى داخلنا وما يراد زرعه في شعبنا (الكلداني الاشوري السرياني) من الاحقاد وممارسات تؤدي بالمجتمع الى التشضي والانقسام المختلف الاتجهات، مرة باسم الشهداء ومرة باسم امتلاك الحقيقة ومرة باسم الوحدة ومرة باسم قرار الشعب. ورغم اننا اكدنا على ان السياسية هي بحق ساحة العمل على الاختلافات والخلافات، فلا سياسة دون اختلافات ولايمكن ممارستها الا مع المختلف بغية اقناعه بوجهة نظرنا وجره الى ساحتنا، والسياسية هي فعل مستمر على الدوام.  الا ان التعامل مع الاختلافات ومعالجتها يعني احترام الاخر المختلف معه لان من يراد اقناعه ان لم يكن له لدينا احترام يعنى اننا نتعامل معه لاجل جعله عبدا، وبالتالي استحالة التعامل معه سياسيا الا بالقوة وحدها وهنا تفتقد السياسية المتعارف عليها دورها.

فالاطلاع على الخطاب السياسي لاطراف عديدة في شعبنا لا يمنحنا فرصة لكي نقول ان السياسة تلعب دورا محوريا في الحياة، بقدر ما ان الاحقاد والكره والبغض هم من اساسيات التعامل او التي جعلت من اساسيات التعامل، لادراك البعض انه ان لم يضع انصاره في موقع الحاقد والباغض للآخرين وان لم يجعله يفقد كل صلته بالآخر بحيث تنعدم اي قدرة للعودة الى الواقع ومصالحة أبناء الأمة، فأنه سيخسر الكل بعد انكشاف اللعبة السمجة والمخادعة التي لعبها على الامة وعلى انصاره بالذات.

ان الشخص المشحون بكل ما يجعله يعتقد ان ابناء امته هم اول اعداءه، لن يتمكن من ان يفرق بين الخيط الابيض والاسود، فهو مثل الحصان الذي تم ربطه بشكل لا يرى الا ما يراد له ان يرى، وهذا الشخص على الرغم من توفر مصادر المعلومات الكثيرة تحت يده، الا انه يخاف ان يطلع عليها لانه يدرك او يعتقد بان هذه المصادر ستفتح عيونه على امور لا يريد ان يعرفها.  فهو قانع بواقعه وبارائه مهما كانت.  انه كالشخص الذي يشكك في ايمان ابائه ولكنه لخوفة من الاب وسطوته يخاف الاطلاع على العقائد الاخرى، لكي لا تسحبه وتبين تفاهة ايمانه، لا بل اننا يمكننا التأكيد على البعض امر انصاره بعدم الاطلاع على اي مواد ثقافية او سياسية منشورة من قبل اطراف معينة ومحددة.

ان هذا الواقع والذي نقر بانه منتشر بشكل واسع، يغيب السياسة والحوار والنقد، ويحل محلها   التخوين والسباب والتهديد وهدر الدم.  وهنا لا لغة مشتركة، بل صياح واعلاء الصوت واذا كان ماذكرنا حقيقيا وهو كذلك ، فمن اين يأتي اصلاح احوال الأمة؟
من الامور المنطقية والتي لا خلاف عليها لدى اي عاقل او منصف، ان الامم الضعيفة وهو حال امتنا شئنا ام ابينا، ان هذه الامم تبحث عن اصدقاء، وتحاول زيادة قوتها واوراقها التفاوضية من خلال التحالفات التي تعقدها، ولعقد التحالفات يجب ان تتوفر ولو امور مشتركة ومحددة، ومن هنا فالآشوريون يعيشون في بقعة تختلط فيها الشعوب والاديان، والانسان المخير بمكان سكناه لا يكون مخيرا بجيرانه، الا اذ اختار الهجرة والابتعاد وحتى في هذه الحالة لن يحدد جيرانه لا بل انه قد لا يعرفهم ابدا.

اليوم جيران الاشوريين هم من العرب والكورد والتركمان، وجيرانهم من المسلمين والازيدية والشبك وغيرهم، وليس لدى شعبنا من خيارات لاستبدال هؤلاء الجيران، اذا علينا التعايش معهم، ولكن علينا العمل من اجل تحسين ظروف التعايش وجعلها اكثر انسانية واكثر حرية واكثر مساواة بكل الاتجهات.  اذا يوجد واقع لا يمكن تغييره، ويوجد طموح يمكن تحقيقه.  ان لم يكن كله فجله، ولكن بالعمل وباستغلال ادوات الواقع، وليس السباب ونكران حقوق لا بل وجود الاخرين، ان هذا الامر بقدر كونه موقفا شوفينيا عنصرياـ فهو تغبية للانسان ووضع لواصق سوداء على عينيه لكي لا يرى الحقائق على الارض.

بما نمارسه سواء ضد المختلف منا من ابناء شعبنا الاشوري او المختلف من القوميات والشعوب الاخرى من مكونات الشعب العراقي، نكون كمن يصنع حاجزا من الكراهية والعداء بدل من مساحات مفتوحة للحوار والتحاور للقاء والتلاقي. ولكي نضع بعد ذلك كل انتكاساتنا على الاخرين وسنعيش بعدها بضمائر مرتاحة لاننا قد عملنا ما علينا.  فقد تمكنا من اثبات ان الفلان هو الخائن وان الفلان هو الذي يقف في طريق شعبنا.  وكأن الشعوب بهذه الطرق تمارس السياسة والتقدم في مجال احقاق حقوقها.

ان المشحونين اليوم هم قنابل موقوتة لا تنفجر الا في شعبها، ولن تكون معرقلة الا لتطلعات قومها، انها سيارات تسير بسرعة كبيرة وبلا كابح يكبح سرعتها وبلا مقود يوجه اتجاهها، فحالة الصياح والعويل والسباب المستشرية،   ضد المختلف لن تنتج لنا الا ما انتجته لشعبنا العراقي ابان مرحلة صدام، والا ما انتجته للشعب الفلسطيني، انها ويا للمفارقة تنتج العقم وهنا المأساة فنحن ننتج العقم بكل اشكاله والوانه لاننا لا نريد ان نفرق بين الدين والسياسة، ولا بين المباديء والوقائع ولا بين الطموح والممكن ولا بين حق الاختلاف وحق التطبيق المختلف وبين الحرية والعبودية.

 

نحو مستقبل افضل لمسيحي المشرق في اوطانهم

ورقة مقدمة الى مؤتمر

التحالف للدفاع عن حقوق الانسان

جنيف

الاحد 17 نيسان 2005

 

تعيش في البلدان الاسلامية اقليات قومية ودينية عديدة، واغلبها تعاني التهميش والتمييز القانوني وبشكل رسمي في الغالب.  وعندما نقول بشكل رسمي نعني ان القوانيين او تفسيراتها تقر هذا التمييز المقونن لأسباب اغلبها دينية وقومية.

بالنسبة لشعبنا الاشوري (الذي يعرف ايضا باسماء اخرى مثل الكلداني او السرياني) فاننا لو تفحصنا تاريخه الحديث في القرنين الماضيين لرأينا انه تعرض لاكثر من خمسة مذابح كبرى، فقد في كل منها عشرات الالاف من ابناءه قتلى. وبعض هذه المذابح أدت الى فقدان المئات من الالاف مثل مذابح 1915 -1917 وكل هذه المذابح اقترفت بحجة الجهاد ضد الكفار.

هذا ناهيك عن اضطرار مئات الالاف الاخرى لاعتناق الدين الاسلامي فرارا من المصير المحتوم.ان حياة الآشوريين في السنوات الخمسين الماضية وان كانت تبدو انها خالية من المذابح الممنهجة كما اسلفنا بشان المذابح السابقة، الا انها لم تخلو من مذابح تبدو هينة لشعب تاريخه مذابح وابادة جماعية متواصلة.

فهناك مذبحة صوريا عام 1969 والتي بقى مقترفها، عبدالكريم الجحيشي الضابط في الجيش العراقي، طليقا وحرا حتى بعد سقوط النظام العراقي عام 2003. وهناك حملة اقتلاع تضمنت تدمير اكثر من مائة قرية كانت تضم تراث اجدادنا وعشرات الكنائس البعض منها من اروع الكنائس المبنية منذ اكثر من الف سنة مما كان سيجعلها تراثا انسانيا بحق، كما تم تدمير نوعية من المعيشة الممتدة لعشرات القرون والتي كانت قابلة للتطور في السياق الطبيعي للتطور وليس الاقتلاع. كما ان العقود الاخيرة تضمنت مذبحة من نوع اخر.

فنتيجة للحياة العصرية ومتطلباتها فقد ترك اغلب الاشوريين حياة الزراعة والرعي الى العمل في مجالات اخرى، سواء أكان ذلك اختيارا بحكم تطور الحياة او اضطرارا بحكم سياسات الهجرة والتهجير القسري.  مما عنى ليس مجرد ترك مهنهم القديمة بل قراهم واماكن عيشهم السابقة التي كانت تمنحهم الامان من الانصهار في بوتقة الاكثريات.

كما ان سوق العمل الحديثة وبفعل قوانيين البلد، لا  تتطلب الالمام بلغة البلد الرسمية وثقافته الموجهة فقط، لا بل الانتماء للاتجاه السياسي المسيطر على نظام الحكم الذي كان يتعارض كليا مع مصالح شعبنا وخصوصياته القومية والدينية والثقافية،  بل ويسعى الى الغاءها ناهيك عن منع استمرارية تراثه وثقافته وتطورها، فلا يخفى ما للعامل الاقتصادي من اثر في انزواء ثقافة القوميات الصغيرة ولغاتها. فانزوت ثقافتنا الاشورية ولغتنا السريانية داخل اقبية وجدران الكنائس، وفقدت بذلك فرصة مواكبة العصر وتطوراته، حتى شاعت مقولة ان لغتنا لم تعد تمنح الخبز، اي ان تعلمها لن ينفع في اشباع البطون الجائعة.

اغلب البلدان التي نعيش فيها قد أقرت أو وافقت على الاعلان العالمي لحقوق الانسان. الا  انه من المؤسف حقا، ان كل هذه الدول اعتبرت هذه الموافقة او التوقيع من مستلزمات الانضمام إلى هيئة  الامم المتحدة وليس الا.

اما في مجال التطبيق العملي والفعلي، فان انتهاك هذه الحقوق جار بشكل مستمر وبلا حياء، بل ان الثقافة السائدة في هذه البلدان تشجع على هذا الانتهاك، من خلال اعتبار الظلم والعدوان وكذلك العفو من صفات الرجولة الحقة، هذه الصفة التي يمنح لها حق قيادة هذه البلدان فقط.

ان البلدان التي نعيش فيها، على الرغم من غناها الاقتصادي ووفرة مواردها الطبيعية والبشرية، وعلى الرغم من ادعاءها انها من امة واحدة وتعمل من اجل الوحدة، الا ان الملاحظ ونتيجة للثقافة السياسية السائدة، فان تركيزها هو نحو الوحدة السياسية المفروضة فوقيا التي تستهدف حماية الانظمة.  وبالتالي عدم استفادة الشعوب من اي تقارب سياسي في تطوير الحريات الفردية والاجتماعية او في تطوير القدرات الاقتصادية.

ان هذه البلدان ينطبق عليها حقا القول انها من البلدان الفاشلة، اي ان وضعها في ظل الاستعمار كان افضل مما هو عليه الان، قياسا بالحريات الفردية والقدرات الاقتصادية ومن ناحية توزيع الدخل على المواطنيين.

فقد عملت الحكومات السابقة او التي عملت تحت ظل الانتدابات على توسيع رقعة الطبقة الوسطى، هذه الطبقة التي يتم عل اكتافها بناء الوطن وهي التي تضع القوانيين الاكثر تسامحا ومسايرة للعصر، الا ان الحكومات الاستقلالية عملت على تدمير هذه الطبقة وقسمت المجتمع الى طبقتين، طبقة غنية جدا ومسيطرة على الحكم وكل مفاصل السلطة وضيقة الافق وقليلة العدد، وطبقة فقيرة لم يبق لها الا اللجوء الى الغيبيات والنكوص نحو الروابط الاكثر تخلفا لحماية النفس.

اما الاقليات القومية والدينية وامام هذا الواقع وامام فقدان كل القدرات على المحافظة على ثقافتها ومعتقداتها، ونتيجة لبروز وتنامي المد الديني الاسلامي الذي لا يقبل بالاخرين ويكفرهم (التكفير له تبعات قانونية وليس كما يشاع ان الكفار هم غير مؤمنين ليس اكثر)، هذا المد الذي تمتع بمساندة مالية واعلامية مباشرة من الدول أحيانا، او تمتع بدعمها غير المباشر أحيانا أخرى عبر تغاضيها عنه وعن ممارساته، فقد شعرت الاقليات الدينية والقومية انها امام خيارين صعبين، الا وهما اما الاندماج في الرائج والتخلي عن كل الموروث الثقافي او الهجرة والاغتراب في المنافي خصوصا ان هذه الاقليات شعرت حقا انها الوحيدة امام هذا المد العظيم والمتمتع بكل الامكانات من السلطة الى المال، فلذا نرى حركة الهجرة تشمل معظم دولنا التي ولدنا فيها والتي تضم موروثنا الثقافي والتي كانت لنا بلد الاصل ونحن من احفاد من بنوها منذ الاف السنين، حتى تكاد هذه الاوطان تخلو من ابناءها الاصليين، وقراءة عابرة لارقام المهاجرين او لنسب القوميات الصغيرة في اوطانها الى مجموع ابناء الوطن تبين ان مخاوف خلو الاوطان من ابناءها الأصليين هي مخاوف حقيقية يتوجب الوقوف عندها ومعالجتها.

لقد سكت العالم وسكتت اوربا عن محنة الاقليات الدينية والقومية في البلدان العربية، لاسباب من الواضح انها اقتصادية، ومن الواضح ان الحرب الباردة لعبت دورا في هذا السكوت، الا ان سقوط الجدار الحديدي كان من المفترض ان يفتح اعين الدول الاوربية للمأساة الحاصلة على التخوم الاخر من البحر الابيض المتوسط، ولكن الظاهر ان اوربا ترددت امام الامتحان الكبير في التعامل مع الحق لاجل الاقتصاد او خوفا من اثارة اقلياتها الدينية التي تنتمي للغالبية الحاكمة في البلدان التي تضطهد اقلياتها.

ان التعصب الديني والقومي الشائع في منطقة الشرق الاوسط، منبعه الثقافة السائدة والموجهة من قبل الحكومات التي تصر على ان اي انتقاد او المطالبة بالتغيير في هذه البلدان هو تهديد للأسلام.

حتى نرى ان الطبقات الفقيرة والتي تضم الأكثريات المسحوقة من أبناء هذه الشعوب على ايدي حكامها، وبالرغم من فقر وعوز هذه الطبقات والاوطان واعتماد بلدانها رغم غناها على  المعونات الدولية، نرى ان هذه الطبقات لاعتقادها ان دينها وهو دين الاكثرية مهدد ولكونها رهينة الثقافة السائدة تقوم بدعم حكوماتها عندما يكون الامر متعلقا بالقوميات الصغيرة والاقليات الدينية وحقوقها، وهنا لم تتمكن الفئة المثقفة من القيام بأي دور ريادي في نقل حقيقة الأمر ومن حاول فقد تم تخوينه والقضاء عليه.

ان محنة الاقليات القومية والدينية في منطقة الشرق الاوسط كبيرة جدا، وان حلها ليس ضمن قدرة هذه الاقليات، فهي قدمت كل ما تتمكن من اجل وطنها، لانها اصلا من تتأثر أولاً بكل المتغييرات الثقافية والعلمية الجارية في العالم وتنقل هذه التأثيرات بشكل ايجابي الى اوطانها، ولكن الظلم ونظرة الشك والتكفير ادت بها الى الانزواء في غيتوهات او الهروب الى الخارج.

ان معالجة محنة الاقليات القومية والدينية، يتطلب من العالم الحر واوربا خصوصا، العمل بشكل فاعل على تسليط الضوء على معاناة هذه الاقليات:

معاناتهم القانونية التي تميز بينهم وبين المواطنين الاخرين على اساس الدين والعنصر القومي

معاناتهم من تدمير مواطنهم ومعالمهم وموروثهم وهويتهم

معاناتهم من التهميش الذي يصيب ثقافتهم هذه الثقافة التي خدمت البشرية لقرون طويلة

ان تسليط الضوء على هذه المعاناة يتطلب ايضا دفع حكومات هذه البلدان الى الالتزام بالقوانيين والمواثيق الدولية الموقعة من قبل دولها، ودفع الدول التي لم توقع هذه المواثيق للتوقيع عليها وتنفيذ بنودها.

ان تعلل هذه الدول بان تنفيذ الاعلان العالمي لحقوق الانسان يتنافي مع ثقافتها، هو بحد ذاته اهانة للكرامة الانسانية، هذه الكرامة التي يمجدها كل انسان.

ان التضحيات الكبيرة التي قدمها شعبنا الاشوري والتي تقدر بمئات الالاف من القتلى في القرنين الماضيين، جراء تمسكه بهويته القومية والدينية، وكون هذه التضحيات وعمليات القتل والسلب والنهب والاغتصابات، قد اقترفت من جيران شعبنا، ولم تحدث من شعوب بعيدة اتت من اقاصي الارض، وشعبنا يدرك صعوبة اعادة عقارب الساعة الى الوراء، الا انه يدرك ان له على جيرانه دين يجب العمل على دفعه، وديننا اليوم الذي نطالب العالم بمساعدتنا لاستيفائه، هو اقامة منظومة قانونية يتساوى شعبنا فيها مع بقية الشعوب التي نتعايش معها، لان هذه الشعوب هي التي كانت السبب في كوننا اقليات صغيرة اليوم، كما نطالب باقرار هذه المسؤولية بشكل واضح في كتب التاريخ التي تدرس لكي نتعلم من هذا التاريخ.

ولتوضيح مقصدنا اكثر في الخطوات التي نراها صائبة للحفاظ على هذه الاقليات الدينية والقومية في بلدانها الاصلية وبالاخص شعبنا الاشوري، فاننا نرى العمل على توفير القوننة وتنفيذ التالي:

العمل على قيام المؤسسات الاوربية بحث دول الشرق الاوسط  لتبني النظام الديمقراطي العلماني، الذي لا يفرق بين المواطنين بحسب انتمائهم الديني، ويشجب من أحد الأديان الاستفادة من القدرات الاقتصادية للدولة وحرمان بقية الأديان منها.

العمل على ان تقر هذه الدول وتوقع وتنفذ الاعلان العالمي لحقوق الانسان، وان تعتبره جزءا من منظومتها القانونية.

العمل على الاعتراف الدستوري الكامل بالحقوق السياسية والادارية والعمل على ممارستها فعلا و قوننة مساواة المجموعات السكانية سواء على المستوى القومي او الديني، بما يعني انشاء مجالس تشريعية موازية تتساوي فيها القدرات التصويتية على القوانيين المستحدثة او المطورة، لعدم فرض قوانين تتنافي مع المعتقدات الضميرية لابناء الاقليات القومية والدينية.

العمل على فرض عقوبات دولية فعالة، ودفع المجتمع الدولي لمقاطعة الدول التي تعارض هذه الاصلاحات، والعمل بشكل جدي لدعم كل التوجهات السياسية التي تدعم الاصلاحات والحقوق الديمقراطية وحقوق الانسان.

فضح احتماء القوى الظلامية والانظمة الدكتاتورية بالاسلام وحمايته من اجل استمراريتها.

دعم الاقليات الدينية والقومية مادياً من اجل نشر ثقافتها وتطويرها، عدا ما يهين الكرامة الانسانية ويزرع مسببات الحقد بين المجموعات البشرية.

قيام المسؤولين والمؤسات الاوربية بالتأكيد الدائم على حقوقنا وضمانها كشرط لقيام علاقات سوية بين اوربا والعراق  وبقية دول الشرق الاوسط بما يخص بقية الاقليات.

قيام المؤسسات الاوربية بأنشاء مؤسسات رقابية وتنبيهية، تراقب وتنبه وتصدر تقارير دورية حول مدى جدية دول الشرق الاوسط في تنفيذ التزاماتها، واقامة منظومة للعقوبات للدول المنتهكة لهذه الالتزامات، ونعني التزامات الدول بشأن الاقليات القومية والدينية بالاخص.

اقامة مراكز لتشجيع الحوار والتسامح وتدريب الكوادر لأدارته في دول المنطقة ودعم مؤسسات المجتمع المدني وخصوصا الخاصة بالاقليات .

كما ندعو دول الاتحاد الاوربي الى مساندة شعبنا الاشوري ماديا، وخصوصا انه تضرر كثيرا بسبب كون اغلبه كان يعمل في القطاع الخاص، وهذا القطاع ظل مشلولا لامد طويل، ويكون الدعم باعادة انشاء القرى وتحديث بناها التحتية الاقتصادية واقامة بنى ثقافية مثل المدارس والجمعيات ووسائل النشر والاعلام بلغتنا للارتقاء بثقافة الشعب واعادة احياء لغته بشكل فاعل.

تهيئة برامج للتأهيل والتدريب في مجالات مختلفة.

اننا كشعوب نود ان نعيش في وطننا، لان هويتنا تجسدت هنالك لالاف السنين، وهنا نطالب الجميع ببذل يد المساعدة لنا وفي مختلف المجالات، كما نؤكد ان الامن والامان هو احد متطلبات التطور والاستمرار، بالاضافة الى تشجيع التيارات الديمقراطية والليبرالية في مجتمعاتنا لكي نتمكن من العيش سوية، ولكي نتمكن من التحاور للوصول الى بناء اوطان مستقرة وقابلة للتطور، فيقينا ان الحوار هو اسلم الطرق للبناء، ولكن الحوار لمن يقبل ان يتحاور معك، ويشعر انك متساوي معه في الحق والكرامة، ولا يمكن اقامة حوار مع شخص يكفرك ويعتبرك خارج حساباته لانك من غير دينه.

 

ومن يعيد لنا ذاكرتنا؟

 

الشعور بالإنتماء حق للإنسان الذي سيظل يبحث عن جذوره، كما هو ديدنه في البحث عن مستقبله.  إذ الإنتماء هو هوية شخص، وهو أمر صحي،  إن كان في إطار إدراك أن للآخرين نفس الحق في الإنتماء إلى ما لا ننتمي إليه.  أن هذه الثنائية أنا والآخر، ستظل تلازمنا، فوجود الآخر هو الذي يمنح لي هويتي، وبدونه ليس لي وجود، أن الهوية هي عملية مقارنة، ما أمتلكه، مع ما يمتلكه الآخر المغاير. أننا ندرك وجود الليل وصفاته، عند مقارنته بالنهار، فلو لم يكن هناك ليلا لما وجد النهار، ولكنهما يتكاملان في شيء إسمه اليوم.  وأنا والآخر موجودان، ومتكاملان، ونكون ما نسميه الإنسانية.  فانا لست شيئا دون هذا الآخر، ومن يحاول أن يغير الآخر ليكون نسخة منه، فإنه سيقضي على نفسه. عندها بماذا سيقارن نفسه، ليكون مميزا، ومنفردا بصفات محددة، وبالتالي حاملا لهوية معينة.  أن القضاء على الآخر، يعني الدخول في دوامة لا قرار لها، فمرة التخلص من المختلف بالدين والأخرى المختلف بالعادات والتقاليد، وغيرها المختلف بالمذهب، وقد نصل الى المختلف بالزي واللهجة.!!

إن الهوية التي يمتلكها الإنسان أتت من الإرث الذي ورثه من آبائه (اللغة، الدين، العادات في المأكل والمشرب، والتقاليد، والامثال)، هذه هي الهوية.  ولكن الهوية يجب أن تتعايش مع الهويات الأخرى في رحاب الإنسانية.  وإلا فأن مصيرها الزوال. وإحدى مكونات الهوية هي الذاكرة المرتبطة بالمكان، وبما يرتبط بها من الحكايات والبطولات، وإن كان من الصعب إلغاء القصص والحكايات والبطولات من عقول الناس إلا بإلغاء الإنسان ذاته، من خلال القضاء عليه بشكل مادي أو إجباره على ترك ما يميزه، إلا أنه جرت محاولات حثيثة لإزالة المكان أيضا.  فما سمعناه من قيام نظام طالبان الذي حكم أفغانستان، بتدمير تماثيل بوذا في باميان.  هي محاولة لإلغاء المكان. أو شاهد يربط الشعب بماضي يمتلكه، ويربطه بالآخر(( البوذية كدين، قبل الإسلام، والثقافة اليونانية (الهيلينية) من خلال التفاعل الموجود في نحت التماثيل من زمن الإسكندر الكبير)). وربطه بفكر معين وكأنه كان قبل ذلك غير موجود، أو أن مرحلته السابقة كانت شاذة ومعيبة، يجب إزالتها من الذاكرة، وكلنا نتذكر الضجة التي رافقت هذا الحدث.  إلا أن في وطننا حدث ما هو أفضع، قياسا أن الأفغان، كانوا قد انقطعوا عن البوذية منذ اكثر من ألف عام.  بالرغم من أن هذا ليس مبررا مطلقا لما فعلته طالبان، إلا، ونقولها أن ماحدث في وطننا كان محاولة أكيدة لإزالة أو محو ذاكرتنا من خلال ما أقدم عليه النظام العراقي.  عندما دمر العشرات من القرى بما تحوية من الكنائس، والأديرة التي يعود تاريخ الكثير منها الى أكثر من ألف عام.  كي يمحى ارتباطنا بالمكان، ويمحي إرتباط شعب بمكان هو بوتقة لكل تاريخه، بحلوه ومره، بإنجازاته، وإخفاقاته، أنها رسالة النظام لنا، ومفادها شئتم أم أبيتم، التعريب هو مصيركم، ولكن المؤسف أن هذا العمل البربري الشاذ بكل المقاييس، والإجرامي بكل القوانين لم يحظ بأي اهتمام إعلامي.

أنها ذاكرتنا التي أراد البعض العبث بها، فهل سنسهل لهم المهمة؟ أم نعي المسؤولية الملقاة على عاتقنا في عدم الإستسلام، وأوله التوثيق التام لكل الممارسات التي حاولت إزالة إنساننا وتراثنا ومحو ذاكرتنا. أنها مهمتنا كي لا ينجح من حاول، وأعتقد انه نجح نسبيا، فهل نحن اليوم بحجم المسؤولية؟

 

نشر في جريدة الأهالي الصادرة في اربيل ـ العدد 2 السنة الأولى 16/6/2002

 

الفدرالية من وجهة نظر فردية

 

يعاني العراق مشكلة بنيوية، بمعنى ان بنيته كدولة، هي احد اسس مشاكله المزمنة، ان العراق كدولة تضم قوميات متعددة، واديان وطوائف مختلفة، تم تشكيله ليكون دولة مركزية، لا بل مركزية شديدة، لا تترك للاطراف اي حرية في ادارة شؤونها، ومنذ تاسيس العراق الحديث، تم ادارته من قبل او من مدعي، التمثيل القومي العربي، كما ادير بنظم حزبية واحدة لم تترك للاحزاب الاخرى اي متنفس لحرية التعبير عن ذاتها(مع استثناءات قليلة)، ان هذه المشكلة المزمنة، ستصاحب اي عراق حديث لا يتم اخذ واقع التعدد القومي فيه، ولا يتم انصاف القوميات العراقية بشكل سليم، ليتم اطفاء الصراع القومي، المستمر في العراق، وقد كان على الدوام صراعا هداما ، وتحويله الى صراع او تنافس على البرامج الاقتصادية، وتغييرات في مجال الحريات الفردية.

تمت المصادقة في المجلس الوطني الكردستاني، (برلمان اقليم كردستان العراق) على الفدرالية للعراق، بحيث تكون هناك منطقتين فدراليتين واحدة تشمل العراق ذو الغلبة العربية، والمنطقة الاخرى هي كردستان العراق. نحن هنا نود التاكيد ان من حق اي شعب، ليس فقط حكم فيدرالي، بل من حقه الاستقلال وتكوين دولته الوطنية. فهذا الحق لا غبار عليه، ولكن بين الحق وممارسته في الواقع مسافات وحسابات يجب ان تؤخذ بنظر الاعتبار. فليس المهم الدولة، بل المهم القدرة على ان تعيش هذه الدولة من كل الجوانب الاقتصادية و السياسية، وليس المهم التسميات بل المهم الصلاحيات.

وللعودة لمناقشة الفدرالية، نود ان نقول ان هناك جهات ودول اقليمية تعارض مثل هذا التوجه. وهذه الاطراف لها قدرات اكبر من امكانياتنا الذاتية، للدفاع عن الكثير من خياراتنا التي نؤمن انها سليمة وصحيحة من ناحية الحقوقية. فيا ترى هل المطلوب منا التشبث بطروحات قد تؤخر تقدمنا ونيلنا حقوق مساوية للمطروح ولكن بتسميات مختلفة؟ انه سؤال، يجب الاجابة عليه، لكي لا نساعد من يود وضع العصا في دواليب بناء عراق حر وديمقراطي وتعددي. المطلوب وكما يقول الاخوة الشوام ،العنب وليس قتل الناطور، اذا الغاية هي تحقيق عراق مستقر،تتمتع فيه كل قومياته وابنائه بحقوق متساوية، غير قابلة للمساومة. ويكون هذا العراق عامل استقرار في المنطقة، ويكون مقبولا من الدول الجوار، وليس منبعا لخلق تهديد بصراعات متجددة، سواء كان هذا الخوف حقيقي او مدعي به، كما هو الان.

العراقيون يتألفون من القوميات العربية، التي لها امتدادات في كل دول الجوار. والاكراد لهم امتداد في تركيا وايران وسوريا. الاشوريون لهم امتداد في سوريا وتركيا وايران. التركمان لهم امتداد في تركيا وايران.اذا نحن شئنا ام ابينا لدينا مصالح لدى دول الجوار، مصالح تتعلق باخوة لنا في الانتماء القومي، ناهيك عن المصالح الاقتصادية، ولهذه الدول ايضا مصالح لدينا، يجب ان تؤخذ في نظر الاعتبار. ان الفدرالية المطروحة بالشكل الحالي، تواجه معارضة اقليمية، وقد تعاني من مشاكل وتدخلات غير مستحبة. لان لدى الدول الاخرى مخاوف من ظهور دول جديدة قد تغير خريطتها الجغرافية. وعلى رغم من ان العراقيين ليسوا مسؤولين عن ما يحدث للدول الاخرى. الا ان هذه الدول تتخوف من انتقال العدوى اليها، وستعمل كل ما باستطاعتها لعرقلة انجاح هذه التجربة.

ان ما نحاول طرحه هنا هو وجهة نظر في حل الاشكالية. والعمل على اطفاء جذوة الصراع القومي وتحويل الصراع الى صراع اقتصادي وقانوني. يستند في تحقيقه لنتائجه المرجوة على صناديق الاقتراع. صراع يمكن ان يصطف العربي والكردي والاشوري والتركماني. مقابل حلف اخر من نفس القوميات، صراع يمكن تمثيله بالصراع الدائر حاليا في الدول الاوربية، بين اليمين واليسار. وهو صراع اساسه كيفية توزيع الثروة. لان اوربا تقريبا قد انتهت من مرحلة الصراع القومي، الذي راح ضحيته عشرات الملايين من البشر. وفي العراق قدمنا الكثير من اجل حسم هذا الصراع الذي لم نتمكن من وضع نهاية له لحد الان.

والفكرة التي اود طرحها ليست جديدة. الا انه مع الاسف لم تؤخذ حقها في المناقشة. فقد تم طرحها، بأسم نخبة من المثقفين الاشوريين. التي كانت واجهة للحزب الوطني الاشوري. لحين اعلانه العمل العلني، وتتلخص: بأن المساواة القومية في العراق، تستدعي المساواة القانونية، بمعنى ان بناء هيكل الدولة العراقية يجب ان يظهر هذه المساواة، في مؤسساته الاساسية. او اقامة مؤسسات تؤكد هذه المساواة القومية. باعتبار ان مساواة المواطنين لا تحتاج الا الى الاقرار القانوني بذلك. وتتلخص كما يلي:

اولا_ الاقرار الدستوري بتعدد القوميات العراقية مع ذكرها في متن الدستور وهي العرب والاكراد والاشوريين والتركمان.والاقرار بالتساوي بين جميع ابناء العراق رجالا ونساء، واعتماد ميثاق حقوق الانسان كجزء من ديباجة الدستور العراقي.

ثانيا_ انشاء مجلس وطني عراقي من غرفتين:

1_ البرلمان: ويتألف من عدد يحدده القانون، على ان يتم تمثيل القوميات العراقية فيه حسب نسبتهم من الشعب العراقي، ولنضرب مثلا، فلو افترضنا ان الشعب العراقي عدده عشرون مليون شخص، وكان عدد اعضاء البرلمان 200 عضو، وكان عدد الاكراد خمسة ملايين من هذه العشريين مليون، فمعنى ذلك انه يجب ان يكون للاكراد خمسون عضواً.

2_ مجلس الشيوخ: ويتألف من عدد متساوي من الاعضاء لكل القوميات العراقية، كأن، يكون عشرة اعضاء لكل قومية، وبالطبع يتم انتخاب اعضاء الغرفتين بالاقتراع الحر المباشر، ويتم توزيع الصلاحيات التشريعية بين الغرفتين وبالتساوي، على ان يكون القانون نافذ المفعول، بعد مصادقة الغرفتين عليه، وان يتمتع ممثلي او غالبية ممثلي أحدى القوميات في مجلس الشيوخ بالفيتو، اي القدرة على تعطيل القانون عندما يرون انه يمكن ان يؤثر سلبا عليهم من الناحية الحقوقية، اي اعتماد الاقلية المعطلة.

ثالثا_ يقوم المركز، ونعني به الحكومة المركزية، بادارة العلاقات الخارجية، والمالية، والدفاعية، والتنسيق بين الادارات المحلية في الشؤون الصحية والطرق والمواصلات.

رابعا_ تترك للوحدات الادارية أغلب الصلاحيات، على أن يقوم بأدراة هذه الوحدات مجالس تشريعية وتنفيذية منتخبة محليا، على ان يراعي فيها التوزيع القومي، وحسب توزيع البرلمان.

خامسا_ يتم التنسيق بين الوحدات الادراية (التي نرى ان التوزيع الحالي بشكل المحافظات يفي بالغرض) التي تتماثل قوميا، او التي تدرس لغة واحدة، في توحيد المناهج الدراسية وكل ما يتعلق بالثقافة والفنون والاعلام، يجب على كل فرد ان يدرس لغته القومية، ويفضل تدريس المناهج العلمية باللغة الانكليزية، التي اصبحت لغة العالم الحديث لان الغاية من العلم هي بناء فرد قادر على التكيف والتطور وان يكون مسلحا لمواجهة مصاعب الحياة. ولتحقيق اعتزازنا القومي اعتقد انه يكفي ان ابناءنا يدرسون لغاتهم القومية. كما ان بعض الدروس ستعطى باللغة القومية، مع اعتبار العربية الزامية لجميع الطلبة في العراق.

سادسا_ يكون العراق جمهورية تعددية ديمقراطية علمانية والعلمانية هنا تعني ان لا يتم حكمه بقوانين دينية او تعتبر مقدسة لا يمكن مسها او نقدها او تغييرها، فالذي يضع القوانين هم ممثلي الشعب وهم الذين يمكن لهم تغييرها.

سابعا_ ما المانع من ان يكون رئيس الجمهورية العراقية، رئيسا ذو صلاحيات رمزية، ويتم تداول منصبه بين القوميات العراقية.

ثامنا_ يدير شؤون العراق اليومية مجلس وزراء، الحكومة المركزية على نطاق العراق ككل، ويكون رئيس الوزراء، هو رئيس اكبر حزب او ائتلاف، في البرلمان العراقي المركزي، وهكذا بالنسبة للمحافظات، او الوحدات الادارية.

تاسعا_ اقامة جيش وطني محترف، يعمل من اجل الوطن الموحد ضد كل الاعتداءات الخارجية، ويمتثل لأوامر السلطة التنفيذية.

عاشرا_ اقامة محكمة دستورية، تنظر في دستورية القوانين، ويكون اعضاءها من مختلف القوميات العراقية، ويتم مسألتهم فقط امام مجلس الشيوخ، وينتخبون لمدى الحياة، ليكونوا غير خاضعين في قراراتهم لاي ضغوط، وانشاء مجلس عدلي، هو الذي يعين القضاة.

ان هذه الطروحات هي للمناقشة وتفعيلها من اجل مستقبل بلدنا، ومن اجل وقف الحروب والمظالم، ومن اجل اسكات القوى الاقليمية من التدخل في شؤوننا الداخلية او الحد منها على  الاقل، بالرغم من انها تمنح كل امتيازات الفدرالية، ولكن باسم اخر، وقد ينقصها الحكومة الفدرالية، الا انها تحقق ذلك من خلال التشاور بين الوحدات الادارية المتماثلة قوميا.

نشر المقال في جريدة بغداد الناطقة باسم حركة الوفاق العراقي والصادرة في بغداد

 

حول التسامح

 

يصح القول ان العراق ومنذ تأسيسه كدولة ولحد الان يعيش حالة من عدم الاسقرار السياسي. ويصح القول ايضا ان عدم الاستقرار اتسم بممارسات جرمية ضد الانسان العراقي بمختلف ميوله مشاربه.  وذاق الانسان المنتمي الى الاقليات القومية والدينية من هذه الجرائم الكثيرة. وتفاقمت الممارسات الجرمية ضد الانسان العراقي عموما وابناء الاقليات خصوصا منذ وصول البعث الى السلطة واحكام سيطرته عليها.  وتفاقم الامر بعد احكام قبضة صدام على العراق.

هذا كله معروف للقاصي والداني، ولكن تبقى المعالجة اهم من وصف الحالة. وقد نشرت قويامن في افتتاحية عددها عن التسامح، ولكي يكون مفهوم التسامح مفهوما معلوما ومحددا وليس تسامحا مع استمرار الاخطاء والجرائم. او مع الاستمرار باخفاء الحقائق وعدم الاعتراف بها. فهنا ان التسامح يتحول الى التستر. وعليه فأن التسامح الوطني يتطلب ارادة في قول الحقيقة كل الحقيقة. والاقرار بكل ما تم اقترافه. والتعهد بعدم الرجوع الى ممارسته في كل الاحوال. ان لم يكن التنحي عن مركز القرار كضمانة لعدم تكرار الممارسات التي تم اقترافها بوعي وادراك تامين. في ظل هذه الحالة يكون للتسامح معنى، ويتم ضمان حق الانسان في العيش حرا ويعفي من الملاحقة القانونية، ان الغاية من هذا الطرح ليست لفتح باب للمجرم للتهرب من جريمته، لا بل الغاية منها ادراك واعي باستعصاء اي حل في المدى المنظور لمسألة تخليص الشعب العراقي من الحالة الراهنة، تخليصه من الدكتاتورية والحروب الداخلية والحصار والامراض الاجتماعية والنظرات الثأرية و الانتقامية،  باختصار اللجوء للممارسة حضارية عسى ولعل تنفع مع الزمرة الحاكمة، لحلحلة الوضع والانتقال الى بديل ينقلنا الى حالة الاستقرار السياسي، وان الطرح يساهم في حالة اقراره من كل القوى لفتح باب اخر لرفض التخندق، يا قاتل او مقتول، فبمثل هذه الطروحات لا يمكن بناء دولة القانون، ولندرك ان اشاعة مفهوم الانتقام والثأر، تعني استمرار حالة عدم الاستقرار الوطني الى امد بعيد.

الا ان التساؤل المشروع قد يأتي عن ضرورة مثل هذا الطرح من سلطة لا تتوانى عن تذكيرنا ليلا نهارا  انها جاءت لتبقى برغم انف العراقيين. وانها ستترك الحكم والعراق بلد ينعق فيه الغراب. نحن ندرك ان صدام وبعض زمرته قد قطع كل صلته بالواقع و بأي حق للشعب العراقي فليس مهما الشعب بقدر اهمية استمراره على كرسي الحكم. ولكن لسحب ادوات صدام وهي كثيرة ومنها من يخاف على مستقبله نتيجة لمشاركته في ممارسات السلطة. يفترض بنا ان نطرح مثل هذه المبادرة ونعمل بها على المستوى الوطني لكي نفتح ولو كوة في الجدار المحيط بصدام و زمرته.  وبالطبع ليس الغاية من هذا الطرح ان يكون الأمر تكتيكيا بل يجب ان تكون لنا المصداقية لتطبيق ما نطرح، فلقد ولى زمن شاهات ايران الذين كانوا يدعون معارضيهم عاى ولائم ومن ثم  يقضون عليهم ، تبقى هناك حالة الجرائم ضد الانسانية وهي جرائم لا يمكن تبريرها بأي حال من الأحوال، وندرك نحن ان من نفذ هذه الجرائم كان عبداً مأموراً والمجرم الحقيقي يبقى رأس النظام واعوانه الاقربين، وهم محددين لنا، وجرائم ضد الانسانية يمكن ان تشمل تدمير القرى وجريمة حلبجة، وجرائم الانفال والحرب العراقية الايرانية وجريمة احتلال الكويت و القمع الوحشي للانتفاضة اذار 1991 ، ان هذه الجرائم يمكن وبكل سهولة ادراك ان مسببها الاول والاخير هو صدام والزمرة القليلة المحيطة به. فليس صحيحا ان كل تكريتي هو مجرم.  وليس صحيحا ان كل من قادته خطواته او سيق باسلوب آخر للانظمام لحزب البعث مجرما. وليس صحيحا ان كل ضابط في القوات المسلحة هو مجرم.  فأذا فتح باب التسامح الوطني مع الاقرار بكل الجرائم التي تم اقترافه.ا  و ضمان عدم ملاحقة المعترف بها علانية وامام لجنة مصالحة وطنية من اي اعمال انتقامية او ملاحقة قضائية يساهم في تجريد صدام من اعوان كثيرين. قد يرغبون في الانتقال الى الصف الوطني ولكن خوفهم من المستقبل ومن انتقام الضحايا يمنعهم من ذلك.

اننا ندرك انه ليس هناك تقريبا في العراق اليوم عائلة لم يصبها أذى من النظام الحاكم. ولكن فتح باب التسامح يعني تصفية القلوب والبحث عن عوامل الاستقرار في ظل حالة شاذة عاشها بلدنا. كما اننا ندرك ان العراق قد قدم من دماء ابنائه الكثير الكثير في مغامرات السلطة القائمة. كما قدم الكثير في معارضة هذه السلطة. ويهمنا بالاساس العراق الشعب وليس العراق الارض. لانه لا معنى لأرض لا انسان سوي  فيها، لا معنى لوطن يحتضن الجثث و انسانا مشوها، ان تقديس الارض مقابل استرخاص حياة الانسان هي جريمة كبرى، علينا ان نعمل من اجل الانسان، ولتكن الارض احد وسائلنا لرفاهية هذا الانسان.

ان تجربة جنوب افريقيا في التسامح الوطني على الرغم بشاعة نظام الاباراتايد هي تجربة حضارية يجدر بنا ان نأخذها مأخذ الجد، لكي نتمكن من بناء وطن مبني على قيم التسامح وسيادة القانون.

 

الاستقرار السياسي والتقدم الاقتصادي هدفنا

 

يظل نضال الشعوب من اجل الاستقلال القومي والوطني، هدفا مشروعا يسنحق التضحيات الجسام التي يقدمها اي شعب من اجل تحقيق هذا الهدف، ولكن تبقى اسئلة مشروعة، عن الهدف او الغاية التي تبيح التضحيات، هل هو الاستقلال لذاته هو المطلوب؟ ام لغايات اخرى؟ يرى الشعب ان تحقيقها لا يتم الا بانجاز الاستقلال السياسي وبناء السلطة الوطنية المعبرة عن تطلعاته. لا يمكن وصف العراق، بأنه دولة مستعمرة، وان كانت الحياة فيه أسوء مما كانت في مرحلة الاستعمار. فالعراق من ناحية القانون الدولي، بلد مستقل، كامل الارادة، ومتساوي مع كل اعضاء الهيئات الدولية. الا ان شعبه يرزح تحت نظام دكتاتوري غاشم وضيق الافق الى ابعد الحدود. فهذا النظام يطالب المواطنين باثبات ولائهم الدائم له، برغم كل المأسي التي جلبها عليهم.  ويستغل كل السبل لاجل اذلالهم، مستغلا سيطرته التامة على موارد معيشتهم، وعلى الاجهزة القمعية المتعددة، والتي ينتسب اليها كل من لم يبق في اوصاله ذرة ضمير حي، ولا يفكر الا بيومه. والعراق على الرغم من انه مستقل منذ اواخر عام 1931 ، الا انه كبلد لم يتمتع بالاستقرار السياسي الكفيل بتطوير اقتصاده.  وخلق طبقة وسطى يستند عليها في بناء مجتمع متماسك، تنتج ثقافة وطنية انسانية متسامحة. تسمح بتراكم الخبرات وتطوير القابليات وزيادة مساحة الحريات الفردية وبناء المؤسسات الديمقراطية.

وككل مجتمع ، يتواصل مع الافكار والثقافات، وتأثر ببعض الافكار التي وصلتنا. نشأت في العراق احزاب سياسية من مختلف الاتجاهات وفي مختلف المراحل.  وكانت اغلب هذه الاحزاب متأثرة بهذا الشكل او بآخر بنمط الاحزاب الثورية. التي تعمل من اجل الوصول الى السلطة وازاحة كامل الطبقة السياسية التي سبقتها (الفاسدة في ظنها)، ونستثني الاحزاب الكردية والاشورية والتركمانية، من غاية السلطة لادراكها صعوبة هذا الهدف. الا انها ايضا حملت بذرة الثورية، التي تعني ازاحة القائم والاتيان بالبديل الاخر. وهو في الغالب نظري (يعتمد على ايدويولوجية مثالية تفترض وجوده من بين أعضاءها)، علما ان انبثاق واتساع قواعد هذه الاحزاب جاء خلال مرحلة الحرب الباردة، والتي اكتوت منطقتنا بنيرانها المنظورة او غير المنظورة. ولم تتمكن اغلب هذه الاحزاب من ان تكون وطنية بمعنى ان تمثل تطلعات مختلف مواطني البلد من ناحية التوزيع القومي. لا بل ان بعضها لا يمكن لبعض المواطنين من الانتماء اليه، بسبب طبيعته الايدويولوجية. كأن تكون قومية صرفة اودينية.  يستثنى من ذلك الحزب الشيوعي العراقي الذي ضم مختلف ابناء القوميات والمذاهب والطوائف العراقية.  الا ان ما يؤخذ عليه ان نظرته وأسلوب عمله السياسي تأثر كثيرا بارتباطه الاممية وسياسات الاتحاد السوفياتي، التي تتمحور حول الصراع الدائر مع الولايات المتحدة الامريكية. فالحزب الشيوعي العراقي كان من الممكن ان يقود السلطة في العراق وبنجاح.  لو وضع في اعتباره الواقع العراقي، من الناحيتين الذاتية والموضوعية. الا انه فضل الايديولوجية المثالية على استلام السلطة والتعاون مع القوى الدولية باستقلالية يتطلبها الوضع العراقي ( النفط، والموقع الجيوبولوتيكي، والتعدد القومي، وعمق المشاعر الدينية).

اما الحزب الديمقراطي الكردستاني، فأنه على الرغم من ضمه الكثير من الاشوريين، فانه ظل قاصرا في ضم العرب، ورغم تسميته بالكردستاني وهي تسمية مناطقية، بغرض ابعاده عن الانغلاق القومي. الا انه ظل قوميا في تثقيفه لغة وايديولوجية. وكما قلنا نشأت اغلب الاحزاب وهي تحمل ثقافة ثورية، لا تؤمن الا بالتغيير الشامل والتام، ولذا لم تتمكن، و كان مستحيلا عليها ان تبني تيارا ديمقراطيا بالمفهوم الديمقراطي السليم (تعددية تقبل التحكيم الى صناديق الاقتراع). اي ليس الديمقراطيات الشعبية او غيرها من التسميات، فكلها كانت تحمل صفة النقاء الثوري وهي احزاب خلاصية تمثل بديلا للدين في المجال السياسي. في ظل مثل هذه الاوضاع ما كان ممكنا قيام تعايش او انسجام او احترام ما بينها من جهة، وبينها وبين اي سلطة لو فرضنا ان السلطة كانت ستقبل بوجودها. وبالتالي ضاعت علينا سنوات طويلة لبناء سلطة وطنية ديموقراطية، الكفيلة بخلق استمرارية واستقرار سياسي، والتوجه نحو الهم الاقتصادي او هموم الحريات الفردية.

انبثق الحزب الوطني الاشوري في 14 تموز 1973 ، نتيجة معاناة شعبنا ووضعه على الهامش في كل التطورات والتغييرات السياسية في العراق، ولتحقيق طموحات شعبنا الاشوري المشروعة ورغبة في خلق مرحلة جديدة، تستفيد من التجارب الماضية في حركة شعبنا السياسية ونقلها الى الاجيال القادمة بشكل يخلق تراكم في الخبرات والقدرات الامر الذي عاب تجارب شعبنا السابقة، حيث ان فشلها او عدم وصلها الى نتائح ملموسة، كلن يعني اضمحلالها، دون ان تترك للشعب خبرات ملموسة، وحيث ان كل تجربة سياسية بدأت بمعزل عن ما سبقها، كما ان انبثاق الحزب جاء في خضم الحرب الباردة، وفي ظل هيمنة الفكر الماركسي واسلوب عمله، سياسيا وتنظيميا، ولذا نرى التأثير الواضح للطروحات الماركسية وخصوصاً في البناء الحزبي حيث تبنى الحزب للديمقراطية المركزية والشعارات الثورية وهذا ملاحظ في النظام الداخلي وفي بيانات الحزب التي اعيد نشر اغلبها على الملاء مع بداية التسعينات من القرن الماضي.

الا ان الحزب وبعد كل التجارب الماضية، يرى ان الشعارات الثورية، وان كان هناك مبرر لتبنيها سابقا، الا انها لم تقدم لشعبنا ولا للعراقيين كافة شيئا ملموسا، غير تجذير الصراع التناحري ورفض الاخر، والاصرار على النقاء الثوري الايديولوجي، وصارت معاركنا خيالية لا علاقة للمعانات الشعبية بها، ولم تعمل هذه المعارك على اضافة اي مكاسب سياسية او اقتصادية او في مجال ترسيخ الحريات الفردية، والديمقراطية السياسية ، المعول الاساس لقياس اي تقدم حقيقي لاي شعب. ولذا فان الحزب الوطني الاشوري، وفي اطار تصحيح المنهج، والاعتراف بواقع الامور، وفي ظل اعادة الاعتبار للحقائق الموضوعية وكوننا حزبا يمثل شعبا لا يمثل ثقلا ديموغرافيا كبيرا، وباعتبارنا نمثل الشعب الاشوري اقصى طموحاته هي المشاركة في سلطة ائتلافية، على مستوى المركز، حتى في حالة تطبيق ما نراه صائبا في مستقبل العمل السياسي في العراق، (انظر رؤية اشورية لمستقبل العراق الموحد)، فأن الحزب ومعاركه المستقبلية ستتركز على ترسيخ الحقوق والحريات الفردية للعراقيين اجمع، غير متناسيين بالطبع التأكيد على حقوق شعبنا الاشوري، وبقية الشعوب العراقية في ظل وحدة وطنية تتساوي فيها الشعوب والافراد، وبالوسائل السلمية والحوار البناء الروح الدائمة التي ميزت ممارسات حزبنا على الرغم من استعماله بعض الشعارات الثورية، مستثنيا في ذلك موقفه من النظام القائم، لانه نظام اجرم بحق شعبنا العراقي واقترف كل الموبقات وتشكل ممارساته جرائم تدخل بحق في بند الجرائم الانسانية والابادة الشاملة، ولا يمكن اصلاحه إلا بازالته ومحاكمة رموزه ليكونوا عبرة لكل من تسول له نفسه ان يدعي انه فوق كل قانون وان يقوم باهانة الكرامة الانسانية، ولكي يتم اشعار الضحايا ان معاناتهم ومن كان سببها لم تنس.

اننا كحزب وطني اشوري نؤمن بالحوار، لاننا لسنا طلاب حكم باية وسيلة، ولكننا طلاب المشاركة في حكم لتغيير الواقع بخطوات مدروسة وقابلة للتطبيق العملي، نعمل من اجل ان تكون خطواتنا متوافقة مع طموح كل العراقيين، في الوحدة الوطنية، وحقوق شعوب العراق، ما بين الحريات الفردية، التي هي اساس بناء الفرد القادر المتمكن المسؤول وبين الواجبات المناطة بكل المواطنين. نعمل من اجل مساواة تامة بين كل المواطنين نساء ورجال من كل القوميات والمذاهب، المساواة التامة بين كل القوميات العراقية، باعتبارهم وحدات متكاملة، على الرغم من اختلاف نسبتهم العددية في تكوين الشعب العراقي، نعمل من اجل ان تتوافق طموحاتنا القومية المشروعة مع طموحاتنا الوطنية، اننا نؤمن ان الحريات الفردية حق مقدس لا يمكن ان يجرد اي انسان منها، الا بقانون مسن من ممثلي الشعب اجمع، اي سلطة تعبر عن تطلعات وتنوع المجتمع العراقي ، ولاجل مصالح المجتمع ككل.

ان اطلاع المواطنين العراقيين على حقائق الامور السياسية والاقتصادية بكل جوانبها، من خلال الحوار المستمر معهم، سواء بشكل مباشر او من خلال الصحافة الحرة، هي مهمة اساسية تقع على عاتق الاحزاب السياسية، لنتمكن ان نضع المواطن في موقع المسؤولية ولكي يتمكن هذا المواطن ان يختار بالشكل السليم ويدرك حقا ان تقع مصالحه السياسية والاقتصادية، وان لا يندفع وراء الشعارات والطروحات الغوغائية.

ان خيارنا العمل السلمي وبالحوار والبعد عن الشعاراتية، في الظرف الراهن، قد يحد من انتشار رقعة حضوروانتشار الحزب، وتواجده بين الجماهير، التي تعلمت على الشعارات الجاهزة وغير المبنية على الحقائق الموضوعية ومخاطبة الغرائز، الا انه الخيار السليم لبناء حزب يؤمن حقا بالتداول السلمي للسلطة ويبني المواطن المستعد للحوار وتقبل الاخر ورأيه، وهو المواطن الذي سيكون ركيزة لبناء وطن واستقراره، كما ان العمل السلمي، يعني اننا نمنح للسياسة دورها الحقيقي، بعدان تم تغيبه، لصالح القوة العارية ولا شيء غيرها.

ولأننا حزب لا يعمل من اجل اليوم، وانما من اجل المستقبل، فأننا نضع في اعتبارنا، ان تحقيق ما نصبوا اليه سيتطلب الجهد الكبير في ظل اوضاع غاية في الصعوبة سواء وطنيا او اقليميا.

ان الديمقراطية كنظام سياسي، تعني ان السلطة السياسية يتقرر مصيرها من خلال صناديق الاقتراع، تعني ان يتم منح افراد الشعب الحق في الاختيار، اي خيار، مادام لا يعني الحق في الاعتداء على خيارات الاخرين، بمعنى ((ان حدود حريتي تقف عند حدود حريتك))، فلا وصاية على الفرد الكامل البالغ، الا لموانع قانونية طبيعية، كما ان المواطن ملزم بالحفاظ على ممتلكات الدولة بحكم كونها ممتلكات عامة، ان التأكيد على الحريات الفردية التي ضمن شرعة حقوق الانسان، والتي وافقت جل دول العالم، يعني لدينا ازالة مخاوف البعض من ان نأخذ مسارا، نراه نحن غير سليم، نتيجة لتطورنا الفكري، ولكن يجب علينا ان لا نحدد مفهوم الحرية او مقدارها للاجيال المقبلة، وخصوصا ان الدول لا تعدل قوانينها كل يوم، وبالاخص الدول الديمقراطية، التي يأخذ تعديل اي قانون فيها ردحا طويلا من الزمن، ان الحريات تتطور مع تطور المجتمع، ونحن علينا الدفاع عن الحرية ولكننا يمكننا المناقشة حول مداها او مفهومها.

ان اشباع الحاجات الروحية والثقافية للفرد يتأتى من توافر ورسوخ الحريات، واشباع الحاجات المادية له، يأتي من خلال وضع نظام اقتصادي مرن، يستغل ثروات العراق، من اجل توفير كل المستلزمات الاساسيةلهم، ونعني بالاساس توفير مجالات العمل والدورات التدريبية، ونظام الرعاية الاجتماعية. ان بناء نظام اقتصادي يعتمد علىالمبادرة الفردية، وتراكم رأس المال وتحديد دور الدولة في وضع السياسات العامة لتوزيع الدخل من خلال وضع نظام ضريبي وميزانية عامة، لهو افضل سبل من اجل خلق فرص عمل حقيقية، وليس البطالة المقنعة التي تستنزف موارد كثيرة من خير انتاج، والتي تضر الاقتصاد الوطني من خلال التضخم الذي يستنزف مدخرات المواطنين.

صحيح ان ظروف العراق، قد لا تسمح بان تقوم الدولة برفع مسؤوليتها  عن الكثير من المشاريع ونذكر منها الطرق والمواصلات والاتصالات حاليا، الا ان هذه المشاريع يجب ان تكون مشاريع مربحة تضيف عملات صعبة لخزينة الدولة، لا ان تكون عالى عليها، ويجب ان يدرك المواطن ان عدم ربحية اي مشروع خاسر تدعمه الدولة يدفعه المواطن اضعافا، من خلال اضعاف العملة الوطنية، وغلاء الموارد المستوردة. ان الحلول السهلة التي لجأت اليها الحكومات المختلفة، اضرت باقتصادنا الوطني، وعملتنا التي كان سعر رسمي، واخر متداول في السوق السوداء، ان الاوان لكي نحد من هذه الظواهر المدمرة لاقتصادنا ومستقبل اجيالنا القادمة.

ان امتلاك العراق الثروات الطبيعية، سيساعد في اقامة نظام ضمان اجتماعي، وبناء البنية التحتية لدولة الرفاهية، مع التأكيد على تربية مدرسية تقدس العمل ومتابعة لكل مواطن من خلال مكاتب للعمل، لكي يتم من خلاله توفير العمل او الدورات التدريبية، لكي يكون كل مواطن مؤهلا للعمل ومنتجا، ودافعا للضرائب.

ان اقامة دولة مستقرة وقابلة للتطور، يتطلب ان تكون هذه الدولة بالضرورة دولة القانون، القانون الذي يعلى ولا يعلى عليه، قانون فوق الجميع والجميع تحت مظلته، والا لا معنى للحريات الفردية او النظام الديمقراطي، عندما يكون هناك من يعتقد انه فوق القانون، وانه غير خاضع للمسألة.

اننا اذ ننادي بهذه المبادئ، فاننا ندعو الى الحوار البناء، ولانه بواسطة هذا الحوار يمكن تطويرها ولانها برأينا يمكن ان تتحقق، دون ان نهدم ما هو موجود، ونحن ندعو دائما الانطلاق مما هو موجود، لاننا ندرك، اننا لا يمكننا ان ننطلق من الفراغ.

2 ايار 2002

هل من أمل ؟

بعد انتهاء حرب الخليج الثانية، وإخراج القوات العراقية الغازية من الكويت، واندلاع انتفاضة آذار، تصاعدت آمال العراقيين بإيجاد مخرج مشرف وحل لمشكلة بلدهم المبتلية بالدكتاتورية الشوفينية والنظام التوتاليتاري البغيض، وتعلقت عيونهم بقادة المعارضة العراقية، الذين كانوا يتنقلون بين مختلف عواصم صنع القرار، وها نحن بعد اكثر من خمس سنوات ونصف من هذا الحدث، الذي حرر  اربعة عشر محافظة عراقية من النظام، لا زلنا نلف وندور في الحلقة المفرغة والدوامة المفزعة، بلا أي آمل في مستقبل مشرف وحياة مستقرة ونظام ديمقراطي، والسؤال من السبب ؟ سؤال مشروع لكل عراقي، كشرعية السؤال ما الحل؟.

وقبل الدخول في طرح بعض الحلول، يجدر بنا آن نلاحظ الواقع، ونستقريء من خلاله المستقبل الذي سينتظرنا الآن استمرت الأمور على ما هي عليه، فبلدنا مدمر البنيان والإنسان، ولا نعتقد آن هناك إنسان سوي يمكن آن يجد في حال العراقيين آية بارقة آمل، فالبنية التحتية قد دمرت وما بقى منها تتآكل بفعل الاندثار وعدم التصليح، والتضخم الاقتصادي فاق الأرقام الفلكية، والفقر والعوز اصبحا سمة الحياة في العراق، والأمراض الاجتماعية التي رافقت قيام النظام الدكتاتوري، من النفاق والرشوة والإثراء غير المشروع وتفكك القيم الأسرية، زادها الفقر تفاقما، ويضاعفها تدني مستوى التعليم، الذي سبقتنا دول الجوار فيه بمسافات كبيرة، فالإنسان المشغول بتوفير لقمة العيش، ستكون الثقافة والتعليم والاحتفاظ بقيم المواطنة والأسرة، له من الترف، والإنسان الذي حطمته كل هذه الأمور لن يكون إنسانا منتجا ولا مبدعا، لا بل إننا بعد سنوات لن نجد إلا إنسانا مشوها اجتماعيا، لا يقر قانونا ولا قيمة إنسانية. وطبيعي إننا لا نحمل الإنسان العادي مسؤلية ما سيصل إليه أو وصل، لأننا ندرك انه ضحية نظام مقيت لم تواجهه البشرية في العصر الحديث، كل الكلام السابق طرح وكأن العراقيين كتلة واحدة، ولكن ندرك كلنا إن العراقيين شعب ( مفترض) والحقيقة انه شعوب تتجاذبهم طموحات متناقضة، وآمال مختلفة، وقد زادت ممارسات النظام من حالة الانقسام والتشرذم فيه، كما إن عوامل الثقة تكاد أن تكون مفقودة بين التلاوين العراقية، وهي مفقودة بين الشعب والنظام، كما إن الثقة معدومة بين أحزاب المعارضة العراقية، التي تنخرها الانقسامات والاحتراب الداخلي والإقصاء المتعمد لأحزاب عراقية أو ممثلي قوميات عراقية، وإذا كنا كلنا ندرك الدور الذي لعبه النظام في ما وصل إليه بلدنا وشعبنا وانساننا، فأن اللوم الأكبر يجب أن تتحمله بعض أو أغلبية أحزاب المعارضة وقياداتها التي لم تستوعب من التجربة أي شيء يمكنها من طرح ما يمكنها من اكتساب ثقة الشعب العراقي ليلتف حولها ويمنحها ثقته، فشعار الديمقراطية الذي تغنت به هذه الأحزاب ينفيه تكوينها التنظيمي وممارساتها اليومية وحمل اغلبها لأيدلوجيات شمولية مفزعة غارقة في التخلف ومستوردة من خارج الحدود، ولا تلائم التكوين العراقي المتعدد القوميات والأديان والمذاهب، وكأنها بطرحها اعتبارها البديل للنظام القائم، ترغب في تغيير أشخاص النظام مع بقاء الممارسات إن لم نقل زيادة في الممارسات الرجعية التي تحد من حرية الإنسان في الاختيار .

كما يجب أن ندرك آن طروحات وممارسات أحزاب المعارضة العراقية، جعلت الكثير من دول الجوار تفضل نظاما مقصوص الأجنحة الحالي على مجيء نظام مغاير يحمل طموحاته التوسعية ولكن بثوب مغاير ومسنود من قوى إقليمية معينة، وبذا فقد العراقيون تعاطف الكثير من دول الجوار وعواصم صنع القرار. وخلال السنوات الخمسة الماضية خدعنا كلنا أنفسنا بانتظار الفرج الأتي من خلال الكفاح الذي ستقوده قيادات المعارضة، التي تتحارب في ما بينها على غنائم آنية وتقدم المزيد من الأرواح في معركة التنافس على المواقع والمقام، والشيء الوحيد الذي حققناه هو وجود المنطقة الآمنة في شمال الوطن وقد تحقق بفعل الغباء التام للنظام القائم وليس بفعل نضال أي كان، وحتى هذه الفسحة لم نستطع حمايتها وترسيخها لكي نقدمها نموذجا يحتذى به، بل حولناها إلى منطقة الصراع والاقتتال الدائم وعدم التسامح من الاقتتال الكردي الكردي إلى عمليات اغتيال الشخصيات الآشورية والتركمانية و التجاوز على حقوقهم.اما انتظارنا لانقلاب عسكري يقوده ضابط شهم وطني بعد الإهانة التي لحقت بالجيش العراقي وهزيمته في الكويت فثبت انه كان وهم محضاً خدعنا أنفسنا كلنا به، فالجيش العراقي الذي شارك في كل مراحله في قمع الشعب من مذابح الآشوريين إلى قمع الأكراد وعمليات الأنفال السيئة الصيت التي راح ضحيتها الآلاف من الكرد والآشوريين مرورا بقمع الانتفاضة في الجنوب والشمال، اثبت بحق أن قادته كانوا دائما جزاء من العصابة الحاكمة وكانوا عصاها الغليظة على رقاب الشعب، وما بالكم بجيش مسيس حتى النخاع ومزروع بمختلف أجهزة الاستخبارات والمخابرات و غيرها، وحتى لو تحرك الجيش فتاريخه ينبئ بانه لن يجلب لنا غير صدام بأسم مغاير.

أثبتنا بلا أدنى شك ومنذ تأسيس العراق إننا فشلنا في إدارة بلدنا، فلا زالت دورة الدم هي التي تتحكم، والقوي بالسلاح هو الذي يسير الأمور، وغيبنا العقل في تحكيمها، وأمام الحالة الراهنة والتي تتمثل بنظام دكتاتوري فاشي لا يصيغ السمع لصوت الحق، ولا يزال يسبب الآلام تلو الأخرى للشعب العراقي المسكين بحجج واهية كالسيادة، ولا يزال ازلامه يستغلون الحالة الراهنة للمزيد من الإثراء على حساب الفقراء، ومعارضة متفككة وتنخرها الصراعات والاقتتال، تستغل المنطقة الامنة لتثبت للعالم مدى فشلها في تسيير الأمور، ومدى تلهفها لامتصاص دماء الشعب من خلال استغلال الموارد البسيطة التي تتمتع بها المنطقة، في فرض السطوة والإثراء، وصرف الكثير من الموارد على المليشيات الحزبية دون وجه حق.

أمام الواقع المأساوي الراهن، وعدم وجود برنامج واضح وموحد للثوابت التي ستتحكم عمل أحزاب المعارضة العراقية، ويظهر فيه طموحات كافة التلاوين العراقية، واستمرار النظام الحاكم في السلطة على الرغم من كل الذي جرى، وأمام التجربة التاريخية للعراق، فأننا نرى بأن أية بارقة أمل لا توجد للخلاص الوطني، ولأننا نرى بأنه من حق الإنسان العراقي آن يعيش كبقية البشر ويتمتع بخيرات بلده، وان ما أصابه اكثر مما يتحمله الإنسان، واستمرار الوضع الراهن سيقود إلى المزيد من التدهور الاجتماعي والسياسي والاقتصادي، مما يصعب إصلاحه، ولأننا نؤمن بأن البشر أغلى من الشعارات والأيديولوجيات التي يتغنى بها البعض، والتي لم تطعمنا غير الغربة والفاقة والعوز، فأننا نقدم للجميع الاقتراحات التالية، وعسى أن لا نتهم باللاوطنية، فأننا لا نفهم معنى للوطنية في بلد تستمر فيه دورة الدم منذ تأسيسه ولحد الآن وليس هناك من يوقفها، لا بل كل حكم خلف الآخر زاد من حالة البطش والقتل والتنكيل أضعاف من سبقه، إننا إذ نتجرأ لتقديم هذه الاقتراحات فذلك لان بارقة الأمل تكاد آن تفقد فليس لدينا بديل أمام فشلنا الذريع في إدارة بلدنا والحفاظ على السلم الأهلي والاستقرار السياسي، وعليه فأننا ندعو كل القوى الخيرة في العراق للتكاتف والدعوة إلى

أولا_ الدعوة إلى وضع العراق تحت وصاية الأمم المتحدة ولمدة خمس سنوات، تحل فيها كافة القوات والمنظمات والمليشيات المسلحة، وتناط مسؤولية حماية الأمن الداخلي والخارجي بقوات تابعة لمجلس الأمن الدولي، وخلال هذه الفترة يتم وضع التصور العام للعراق المستقبلي الديمقراطي بالحوار المباشر بين كل القوى العراقية الفاعلة على الساحة ومن ممثلي كل القوميات العراقية.

ثانيا_ الدعوة إلى التسامح الوطني ووقف الدعوات الثأرية والانتقامية من قبل كل الأطراف، لوقف دورة الدم التي ابتلى بها بلدنا، فهذه الدعوات غير المسؤولة ما هي إلا أحد أسباب التخندق الحالي وتمسك كل طرف بمواقفه المتزمتة خوفا من المستقبل الذي ينتظر كل طرف من الطرف الأخر أو من الأطراف الأخرى، في ظل العداء المستحكم بين الحكم و المعارضة أو بين الأطراف المعارضة نفسها، ورفع شعارات الانتقام لن يفيد إلا في تقديم المزيد من الضحايا الأبرياء الذين يستحقون العيش، وألم يكفينا ما لدينا من الأيتام والأرامل والثكالى؟.

ثالثا_ أن هذه الخطوات قد لا ترى النور إلا باتفاق كل أحزاب المعارضة العراقية عليها وإقناع الدول الكبرى بضرورتها الإنسانية، أمام انسداد كل الأبواب أمام إيجاد حل لمشكلة تشبث النظام الحالي بالسلطة دون وجه حق.

رابعا_ خلال السنوات الخمس التي يتم وضع العراق فيها تحت الانتداب الدولي، يتم وضع اللبنات الأساسية للدولة العراقية، وبناء جيش عراقي محترف وقوات شرطة لحماية الأمن الداخلي.

خامسا_ تتكون قوات الانتداب من قوات الدول الكبرى، وقوات الدول الديمقراطية، على أن لا تضم قوات الدول المحيطة بالعراق، لعدم فتح المجال لتحقيق بعض الطموحات الإقليمية على حساب العراق.

سادسا_ من المؤكد أن الأضرار التي لحقت بالعراق شعبا ووطنا، هي اكثر مما لحقت بالبلدان المجاورة من جراء السياسات العدوانية التي اتبعها النظام الحالي، وقد حذر الكثير من الأحزاب و الشخصيات العراقية من تأيد النظام من قبل بعض الأنظمة المجاورة التي أصبحت لاحقا من ضحاياه، وعليه فأنه من الضروري لخلق حالة الاستقرار والتهيؤ للتنمية، إعفاء العراق من كل الديون المستحقة عليه وعدم فرض أي غرامات نقدية عليه، لان مسببها هو نظام غير شرعي استولى على السلطة بقوة السلاح. ( الاستفادة من تجربة أوربا مع ألمانيا بعد الحرب العالمية الثانية)

سابعا_ تقبل كل القوى المعارضة العراقية كافة قرارات مجلس الأمن بشأن العراق دون قيد أو شرط، وتؤكد نبذها للتسلح وجلب الأسلحة الفتاكة، إلا ما اقتضى حماية البلد وحدوده.

ثامنا_ في السنة الرابعة من فترة الانتداب تدعوا القوات المنتدبة الشعب العراقي لانتخاب مجلس تأسيسي، لإقرار الدستور العراقي، وعلى أساسه يتم انتخاب البرلمان العراقي وتتشكل الحكومة العراقية، التي ستسلم الحكم من قوات الانتداب الدولية.

إن ما طرحناه أعلاه حالة استثنائية لبلد يمر بحالة استثنائية، فلا الحكومة شرعية وتمتلك ضرة من المصادقية، ولا المعارضة اثبتت انها حقا البديل المرجو والمشروع للحكم الحالي، قد اتهم باللاوطنية، ولكن السؤال ما معنى الوطنية في ظل الذبح المستمر  للإنسان العراقي. نريد بناء وطن بالسلم وليس على المزيد من الجماجم العراقية، ألم تكفينا كل هذه السنوات من الدم المراق لحساب حفنة من السياسيين أو لنقل تجار حرب، وهل حقا آن العراق بحاجة للمزيد من الشهداء، نريد من الكل الاعتراف بأن مسيرة الدم لن توصلنا إلا إلى طلب المزيد، نريد دولة تبني بالحب والتسامح والاعتراف بالآخر كما هو وليس كما نريد، دولة للعرب والكرد والآشوريين والتركمان والأرمن، دولة للمسلمين والمسيحيين والصابئة المندائيين واليزيدية واللامؤمنين، دولة اتفاق وليس دولة فرض، دولة اقدس ما فيها الإنسان وليس الأيديولوجية والشعارات.فهل حقا سنكون بمستوى المسؤولية ونمنح لشعبنا الامل الذي يستحقة في ان يعيش حرا وسعيدا وبلا مخاوف.

تموز 1996

 

الحركة القومية لشعبنا ومحاولة اعادتها الى نقطة البدء

يطالبنا البعض باثباتات تاريخية لبدء الحركة القومية الاشورية منذ قرن ونصف القرن وليس منذ مائة عام. بالطبع مثل ذلك لا يكون في مقالة سياسية تاخذ صفحة او صفحتان، ولكنها بحاجة الى كتاب ودراسات وتوثيق لمراحل العمل القومي، والتطورات التي لحقت به من مختلف الاوجه، سواء كانت تلك التطورات في المواقف السياسية او الطروحات الفكرية او المدى الجغرافي لتوسع الحركة القومية الاشورية. والحركة القومية الاشورية كاي نشاط سياسي اجتماعي ثقافي، لم تنبثق كاملة ومتكاملة منذ ولادتها. لان هذه الحركة هي نشاط حي ينمو ويتطور، بقدر ما يمنح من اسباب النمو والتغذية المساعدة للتطور، وهي هنا النشاط الفكري وتكامل اوجه الانشطة الفكرية والسياسية والاجتماعية لتحقيق الهدف المنشود، الا وهو ان يتمتع الشعب بكل تسمياته بحقوقه المتوافقة مع المقدرة ومع الامكانيات والظروف الاقليمية والدولية.

لم تنتشر الكتابة باللغة السوادية (المحكية)  الا لغاية اساسية وهي توصيل المعلومات الى الناس وكانت اهم تلك المعلومات هي نشر الفكر القومي وتطوير وعي الناس بكيانهم وبذاتهم، فهذه زهريرا دبهرا التي خرجت كاول صحيفة ناطقة باللغة المحكية تصدر منذ عام 1849 في اورمية، لكي تربط الناس بعضهم ببعض وتنشر الا خبار والاحداث، وكل لك لخلق ذهنية موحدة تساعد على خلق شعور عام انطلاقة نحو العمل القومي المشترك (1). المتتبع لظهور العمل القومي، لا يعتقد ان الناس صحت فجاة وادركت انها تنتمي الى القومية الفلانية، ونادت بنفس اللحظة بتأسيس الاحزاب وطرحت الشعارات السياسية وتحدد متطلبات واهداف العمل القومي. الامور لا تسير هكذا، بل انه لا بد لخروج مثل هذه الامور من ان تتبلور الافكار وتتطور وهذه تاخذ وقتها وقد يتطلب ذلك سنوات طويلة وخصوصا ان اتت من مناطق منباعدة، كالحركة القومبة الاشورية. ففي الوقت الذي كان يعقد في اورميا المؤتمر القومي اثناء الحرب الكونية الاولي، كان النشاط القومي لاشور يوسف خربوطي والملفان نعوم فائق في طور عابدين ينشر تباشير الدعوة القومية، الموحدة. وبالطبع لا احد يمكنه اقناعنا انه كانت هناك اتصلات مباشرة بين من حضر المؤتمر القومي وبين شهيد الصحافة اشور يوسف خربوطي والملفان نعوم فائق. الا انه يمكن ان نستنج ان الطرفين قد تاثروا بدعوات سابقة وتطلب الامر سنين لكي يتوصلوا الى الحالة التي كانوا يعشونها.ولا احد يمكنه ان يقنعنا ان الوفود الثلاثة التي حاولت ايصال مطالب شعبنا في مؤتمر فرساي نسقت امرها قبل وصولها الى هناك. وهذه الامور هي حقائق يمكن تتبعها في الحركات المتشابهة والموثقة مثل الحركة القومية العربية والكوردية القريبتان منا. فقبل انتشار التسميات القومية للعرب والكورد والاشوريين، كانت التسميات العشائرية والقبلية والمناطقية هي الرائجة والسائدة، ففي مناطق واسعة كان الكرمانج هي التعبير الاخرالمقابل للكورد ولكنه يستثني السوران والهورمان وغيرهم، لا بل يمكننا القول ان الزيباري والدوسكي والهركي وغيرها كانت اكثر رواجا وتعبرعن واقع قائم قوي. وكانت هذه العشائر والقبائل من القومية الواحدة تتحارب في ما بينها لاسباب مختلفة، وهكذا بالنسبة للعرب الذين وجدوا في البداية صعوبة في تقبل كلمة العرب التي كانت تعتبر انها تعبر عن البدو المتخلفيين، بنظر بعض ابناء المدن المفتخرين بالقاب عشائرهم او مدنهم. ان الحركة القومية عملت على ارتقاء الناس وتوحيدهم لاجل اهداف ومصالح اكثر واعلى من اهداف ومصالح العشيرة والقبيلة، وبالتالي توقفت الحروب العشائرية او تقلصت بقدر نمو الوعي القومي والتجرد من الانتماء العشائري. ولان الوعي القومي هو بالاساس نتاج التطورات الاقتصادية وتطور الطبقة المتوسطة الاوربية جراء ذلك، مما خلق الارضية المناسبة لظهور الدعوة القومية، الا ان الدعوة القومية في بيئتنا لا ينتقص من شأنها كونها لم تمر بهذه المراحل، لانها كانت بغاية تحقيق اهداف سياسية بحتة وغايتها الاستقلال واستخلاص الحقوق والتخلص من الظلم الديني والقومي والطبقي.
اهتمت الحركة القومية الاشورية، بنشر الوعي القومي ووحدة الانتماء بين كل ابناء شعبنا سواء كانوا من اتباع كنيسة المشرق (التي لم تطلق على نفسها التسمية النسطورية الا في العراق حيث عنونت بعض الكناس ولكن التسمية الرسمية كانت كنيسة المشرق واضيفت الاشورية عام 1976 تقديرا لدو الشعب الاشوري في ديمومة واستمرار الكنيسة) واتباع الكنيسة الكلدانية والسريانية الارثوذكسية والكاثوليكية واتباع الكنائس الانجليكانية والارثوذكيسة الروسية. ولانها كانت قوية في مناطق اورمية منبع الحركة الثقافية العلمانية الخارجة من سيطرة الكنيسة، فقد انتشرت هذه الحركة هناك وعمت كل ابناء شعبنا بكل كنائسة.

ولكن الحركة القومية الاشورية والتي تشمل في نضالها كل اقسام شعبنا وكل تسمياته، ويمتد نشاطها في العراق وسوريا وايران وروسيا وتركيا وارمينيا وجورجيا ولبنان ودول المهجر، كانت بحاجة لبعض الرموز التي استنبطتها من تاريخنا النهريني، مثل العلم الذي سمي بالعلم الاشوري نسبة الى الحركة التي تبنته، ويوم الشهيد ورجال تحتفي بهم وهم يظمون خليطا واسعا من رجال ونساء الامة ومن بينهم على سبيل المثال لا الحصر (مار بنيامين شمعون، نعوم فائق، اشور يوسف خربوطي،يوحنا الدولباني، ديفد بيرلي، يوسف مالك من تلكيف، ادي شير، توما اودو، اوجين منا، بيرا سرمس، مالك ياقو، مالك خوشابا، سورما خانم، فريدون اتورايا، اغا بطرس،القس بولص بيداري ) وكثيرين غيرهم وهم كما ترون خليط من الكلداني والسرياني ومن اتباع كنيسة المشرق والكناس الانجيلية والروسية الارثوذكسية. وفي تبني الحركة القومية الاشورية للعلم فانها كانت تتبني رمزا اخذ بعده القومي والسياسي والشعبي، اي انه صار حقا رمزا للحركة القومية، ولم يكن ملكا لحزب او لشخص صممه. وبالنسبة ليوم الشهيد الذي يصادف في 7 من اب فان تبنيه، قد اقترن لكون المذبحة حدثت بامر واضح من دولة في عصبة الامم وبعد انشاء الدول الحديثة ولكون الدولة القائمة بهذه المذبحة حاصلة على ضمانة من بريطانيا لكي تراعي حقوق مواطنيها الفردية والجماعية. وبالتالي فان اختيار يوم السابع من اب ارتبط بحدث سياسي يمكن ان يستغل لاثارة مشاعر ومواقف لصالح الحركة القومية المطالبة بالحقوق السياسية لشعبنا. اي لم يكن اختيارا اعتباطيا كما يعتقد البعض. انه محاكمة للنظام العالمي المساند لاستقلال دول لضمان حقوق الدول الكبرى، دون مراعاة حقوق الشعوب التي عانت الويلات المختلفة وعلى مدى عصور.
ان ما مارسته الحركة القومية تحت التسمية الاشورية، كان امرا طبيعيا لتطوير وترسيخ الوعي القومي لكل ابناء شعبنا. ولم يكن مطلوبا منها الانتظار لزمن اتي يمكن للبعض ان يصحى من سباته ويثور ويقرر انه المنفصل الاخر، ويطالب باستشارته في مضمون الرموز القومية والا فالويل والثبور!. واذا كنا نقر بحق كل انسان في ابداء الراي بكل شان قومي من التسمية والرموز والتاريخ والاحداث والاهداف، الا انه وفي كل التاريخ لم تسجل لجهة او لمجموعة من الاشخاص ان قامت بتغييررمز ما بما تعتقده صحيحا ، ان لم يستند التغيير الى شرعية قومية . الا في حالة شعبنا وامتنا، حيث حاول طرف تغيير العلم الشائع، وقات اطراف بمحاول تغيير الاسم القومي، واطراف اخرى لم تكتفي بذلك بل غيرت العلم والاسم والمناسبات والسنوات لكي تثبت انها متميزة، وهي لا تدري انها تقلد وبتشويه ما تم فعله قبلها. ان الرموز القومية لم تستند في بدايتها الى شرعية قوية، وهذا امر حقيقي، ولكن هذه الرموز عندما تبناها ابناء الشعب الواعيين بانتماءهم القومي الواحد، امتلكت شرعية شعبية وتاريخية بحيت باتت رموز لكل العمل القومي وبمختلف الاتجاهات السياسية وفي كل مناطق تواجد الشعب، واذا كان بعض الشعب لم يشعر بها لانه انعزل عن العمل القومي بفعل مؤثرات معينة، فانه كان  من المفضل العمل على ترسيخها لديهم وتبشيرهم بها لانها اتت من نيات صادقة ولم تاتي لاسباب عدائية لاقسام الامة الاخرى، لان هذه الاقسام اصلا لم تجد لها دور قومي بصفتها حاملة لتسميات اخرى. وكان يمكننا الاعتزاز بها كرموز قومية لامتنا الواحدة، لانها لا تؤثر سلبا على راي اي منا، ولكن ذلك غير ممكن في حالة واحدة وهي الاصرار على الانفصال والتمايز واعتبار النفس الاخر المغاير. وفي وضع شعبنا وامتنا وبكل تسمياتها يعتبر ذلك بحق انتحار جماعي.
ان محاولة البعض العودة الى نقطة الصفر في تبني الرموز القومية، لا يمكن ان يفسر الا بانها محاولة لتجريد الفعل القومي من قوته المعنوية ومسيرته. لا بل ان ادخال الشعب في متاهات النقاشات حول الرموز يعني الهاء الشعب وادخاله في صراعات ثانوية لتقسيمه وتشتيته، وخصوصا ان الشعب يمتلك الرموز اصلا، وهي من تراثه وليست غريبة عن تاريخه المشترك. ان الرموز بالحقيقة لا تقر شئا اكثر من اقرارها لوحدة الامة والشعب، ماضيا وحاضرا ومستقبلا. وان اي تلاعب بها هو تلاعب بهذه الوحدة، وخصوصا ان شعبنا لايمتلك شرعية قانونية تبيح له التغيير الرموز، هذا من ناحية  ومنناحية اخرى ان هذه الرموز ليست خاصة بشعبنا في العراق فقط، بل هي ملك شعبنا في كل ارجاء العالم. وتغيير الرموز القومية هو تلاعب بوحدة الشعب، امر يدركه جيدا بعض الانفصاليين ومن يقف خلفهم ويدعمهم. انني اعتقد انه في حالة تحقق الحكم الذاتي لشعبنا حينها يمكن ان يجري تغيير لبعض الرموز القومية والتي يمكن ان نطلق عليها التسمية التي ستطلق على منطقة الحكم الذاتي، كافتراض، علم سهل نينوى، ويوم الشهيد لسهل نينوى، كافتراض مرة اخرى وليس كاقتراح. ان السير في درب الانفصاليين يقودنا الى امر واحد وهو الرضا بالتسمية المسيحية كخيمة جامعة لنا، وبالتالي التجرد من كل الحقوق القومية والسياسية المرتبطة بترسيخ وتطوير الهوية القومية الواحدة.

اننا في العراق كنا نحتفل بيوم الشهيد منذ السبعينيات وان كان بشكل رمزي وسري، فلجان الشبيبة في الكنيسة والتي كانت اغلبها مسيسة، ويدير الكثير منها اعضاء في الحزب الوطني الاشوري، كانت في يوم الشهيد تقدم محاضرات خاصة ويتم تعطيل التدريس اشارة الى انه يوم عطلة، ويقتصر اليوم على ذكر الحدث الذي ارتبط به يوم الشهيد، اما النادي الثقافي الاثوري، فقد غطى على الاحتفال بان عمل في نفس الاسبوع اسبوع ثقافي شمل المحاضرات ومعرض كتاب ومهرجان شعري. اذا ان الحركة القومية تحت التسمية الاشورية قامت بامور تعتبر بحق قضايا لخدمة وترسيخ الوعي القومي الموحد. واذا كان البعض يعيب عليها تبنيها التشسمية الاشورية، فانه اجتهاد الاباء المؤسسون للحركة القومية وكان عليهم الخيار وخيارهم سليم. ولكن يبقى ان نقول ان الاساس في كل هذا هو الانسان وحقوقه السياسية وحماية وتطوير هويته. ولو بحثنا عن الحقائق في الامم الاخرى ورموزها، لوجدنا الكثير من الاكاذيب في تحديد التسميات والمناسبات، ولكن تلك الامم لا تغير هذه المناسبات لانها صارت جزء من ذاكرة الشعب، والاهم فيها رمزيتها وما تقدمه هذه الرمزية وليس مدى قربها من الحقيقة او بعدها عنها.

ولو سرنا على منوال التقسيميين من كل الاطراف، فانه من المرشح، ان تظهر لنا في كل فترة مجموعة ما وتقوم بتغيير كل شئ وتطالبنا بالبدء من جديد، لان هذه المجموعات قد تختلف مع القائم في تحديد اساس من اسس وجودنا كالتسمية كان تعتقد ان كوننا اكديين هو الاصح، او السومريين، او اراميين وهلم جر من التسميات التي يمكن ان نستمدها من تاريخنا الطويل. لا بل وصل هوى ببعض التقسميين لعدم الرضا عن تسمية الله ووجوب تغيره الى اشور، وكاننا بهذا التغيير سنعيد بعث الامبراطورية الاشورية او اننا حلنا كل مشاكلنا الديموغرافية والسياسية والاجتماعية ولم يبقى لدينا الا مشكلة اسم الله، وهذا يذكرني باحد الاخوة من اتباع شهود يهوة حينما حاول اقناعي بمذهبهم وقال لي هل تعلم ان اسم الله ياهو، قلت له نعم لانه حقا واهبكل شئ فهو ياهوا اي مانح وهذا نعرفه نحن من لغتنا وكنيستنا. ان سذاجة التقسميين والمتطرفين من كل الاطراف، تجعلهم يجدون الحلول للواقع المعقد لامتنا وشعبنا، من خلال المزيد من الترشذم والمزيد من التمترس، والمزيد من الطروحات اللاعقلانية. وهذه حال الامم التي لا تجد حلا لمشاكلها فانها تجدها بلجؤها الى اللامعقول والى الاسطورة وتعظيم الذات وكانها بهذه الامور الغيبية تنقذ نفسها، وهي لا تدرك انها تسارع الى الانتحار قبل حلول موعد الموت الطبيعي او قبل امكانية ايجاد العلاج الحقيقي!!!!!!!!!
1_للاستزادة حول الصحيفة وتاريخها ودورها، يرجى مراجعة الكتاب القيم بعنوان بكر المطبوعات (يوخرا دطويعاته) للكاتب روبن بيت شموئيل، والصادر عام 1999 عن منشورات بيت شموئيل

23 تموز 2010 باقوفا

 

مآل احزابنا القومية

 

ان اغلب احزاب شعبنا الاشوري صورت  نفسها في ادبياتها وشعاراتها السياسية على انها احزاب تحرر وطني وقومي،بعيدا عن واقع الامر. فلهذه الاحزاب كان يوجد صوتان، صوت يتكلم مع القوى المهيمنة واحزابها وصوت يتحث الى الجماهير الآشورية، الصوت الاول يتحدث عن التعددية والديمقراطية والمشاركة، والصوت الثاني يتحدث عن هذه القوى المهيمنة ديموغرافيا واحزابها كأعداء سالبي الحقوق، وبالتالي يوجه الفرد الاشوري الى ان التعايش معها مستحيل، كما ان اغلب احزاب شعبنا لم تعر للتقسيمات الحدودية اي انتباهة وكأنها غير موجودة، وبالتالي كان خطاب هذه الاحزاب ملتبسا ومخادعا.

لا يخفى على القارئ اللبيب ان الحدود المرسومة حاليا هي حدود شبه دائمة ان لم نقل انها دائمة، وقد تم اقامة دول وطنية تسورها هذه الحدود.  ولهذه الدول قوانين ورموز وتتعايش فيها شعوب بلغات ولهجات واديان مختلفة.  وشعبنا جزء من هذه الشعوب.  كل هذه الشعوب شعرت بنوع من التقارب وان كان خفي غير مدرك، الا انه يلاحظ في المأكل والسحنة واللهجة والذائقة الفنية، بقدر ما كان هذا التمازج قليل الا انه كان كافيا لزرع نوع من التباعد بين ابناء شعبنا المتعايشين في البلدان المختلفة.  ولان اغلب هذه الدول كانت على الدوام في حالة عداء،  فتوجد قطيعة بين مكونات شعبنا تقدر بعشرات السنوات.  زادتها الطفرات الحضارية والتطورات التكنولجية التي قربت بين ابناء الوطن الواحد وباعدت بين ابناء الشعب الواحد والمقسم بين دول متعددة.  فالاشوري الايراني ظل لسنوات طويلة يطرب للغناء الفارسي ويتلذذ بألاكل الفارسي ويسمع اشعار الشيرازي، وهذا الشئ نفسه للاشوري التركي والعراقي والسوري والارميني والجورجي والروسي.  اذا خلال كل هذه السنين كان هنالك واقع يتكون ونحن في الواقع الغيناه من حساباتنا، لأننا الغينا الحدود من مخيلتنا، نحن اردنا الواقع كما نشتهي وليس كما هو.

ان خطاب التحرر الوطني والقومي، يطالب بوضوح باقامة دولة تخص شعب ما لكي يحقق ذاته ويسن القوانين النابعة من تراثه وتخدم تقدم شعبه، ولكي يستغل موارد بلده لاجل هذا الشعب، ويعتبر اي قوى اخرى انها قوى استعمارية او يلمح لذلك، وبالتالي عليها الخروج وتسليم الارض للشعب وممثليه، طبعا هذا الخطاب نجح جزئيا في الدول العربية والافريقية واميركا اللاتينة وبعض الدول الاسيوية، اقول جزئيا لان اغلب هذه الدول كانت ظروفها افضل في المرحلة الاستعمارية عنها في مرحلة الاستقلال، بالطبع خطابنا السياسي شبه احزابنا بالاحزاب الوطنية او الحركات او المؤتمرات التي قادت هذه الشعوب الى الاستقلال واستعمل نفس لغتها ومصطلحاتها، وهنا ايضا كنا نخادع انفسنا وكنا نعيش في واقع افتراضي من صنعنا، فالحركات التي سميت بحركات التحرر الوطني، كانت تعيش في شعوبها التي كانت الغالبية، وكانت هذه الغالبية تاريخية وحقيقية وموجودة وملموسة، واضفت ممارسات هذه الحركات نوع من الشرعية عليها لأنها ما ان حررت جزء من الارض الا وسارعت الى تشكيل مجالس محلية لأدارتها، كما شكلت نوع من الجيش وسلطة سياسية وحتى سلطة تشريعية، والاهم انها استفادت من الانقسام بين القطبين ( الولايات المتحدة الامريكية، والاتحاد السوفياتي) ومن قرار الامم المتحدة بضرورة التخلص من الاستعمار.

أما نحن فأقلية في وطننا الممتد بين كل الأوطان الحديثة، وهذه الأقلية ضعيفة ولم تتمكن من ان تخلق لنفسها حلفاء يعتدون بهم، وبالاضافة الى كوننا اقلية فاننا ديموغرافيا موزعين بشكل ينشرنا على مساحات واسعة لا يمكن بأعدادنا الحالية ان نسيطر عليها، من ناحية اخرى فشلنا في اقامة اي مؤسسات شعبية على المستوى القومي، لكي تدعي اوتتمكن من الدعوة بتمثيلها لشعبنا وتتمتع بمصداقية قومية واقليمية ودولية، بل ان الخلافات الحزبية المبنية في الغالب على شخصنة المواقف السياسية اخذتنا في منحى التباعد مأخذا خطيرا لم تتمكن هذه الاحزاب من التخلص من هذا المنحى التباعدي لدرجة ان الواقع المفروض عليها والذي حدد واجبها الفعلي والاساسي وخصوصا في العراق وبوضوح تام لم تقم بادائه بأي صورة ولو بالحد الادنى من الايجابية، اي انه كان اداء سلبي بشكل تام، ومن الشائع ان ما تضمنه الدستور العراقي ولو بشكله لم يكن نتيجة لأداء هذه الأحزاب بل نتيجة للنفس الديمقراطي والعلماني لبعض الاحزاب الوطنية ونخص بالذكر التحالف الكردستاني والشيوعي العراقي والقائمة العراقية (مجموعة اياد علاوي).

اذا كان من المفترض ان تدرك أحزاب شعبنا دورها الحقيقي لكي تتمكن من وضع برامج عملها الصحيح بما يحقق أعلى مردودية لفعلها، لكن بعض احزابنا الاشورية أرتدى لباسا لا يلائمه على الاطلاق من خلال تضخيم دوره و اعطاء فعالية مخادعة لهذا الدور سواء على المستوى القومي أو الوطني، وكانت على الدوام تكذبه وقائع الامور الا ان الاصرار على هذا المنهج، جعل كل أحزابنا تدور في حلقة فارغة من التحالفات والتحالفات المضادة والمثير فيها انها لم تكن ثابتة في اي مستوى من المستويات، وأحزاب أخرى شاركت في عمليات تضليلية تدعى انها أحزاب كبيرة وأخرى صغيرة، وأطراف ثالثة او بالحق عدة اطراف شاركت في خلق انقسامات او ادعت وجود هذه الانقسامات ومنحت لبعض الافراد شرعية الادعاء  بتمثيل لا يستحقها، في حين ان بعض التسميات المؤيدة لهذا الطرف او ذاك كان وهميا عللى الاغلب، بل ان اطراف حزبية لم تكتف بالمشاركة في تشويه سمعة اطراف اخرى كذبا وزورا، بل طرحت نفسها جهة استخباراتية في شعبنا لصالح جهات وطنية لكسب مواقع هزيلة، بل لجأت الى التهديد بالقتل او محاولة فعله، كل هذ الممارسات السلبية لم تجعل احزاب شعبنا تقف ولو للحظة لكي تقيم دورها الحقيقي وقدراتها الحقيقية وخطابها الحقيقي، وكان الدور الحقيقي لاحزاب شعبنا في العراق بالأساس هو تسجيل حضور شعبنا في شكل واضح وجلي في دستور العراق العتيد، ونعني بتسجيل حضوره، تحديد الكثير من الضمانات لتحقيق حقوقه وبالاخص وحدته التي فقدناها نتيجة الاداعاءات السابقة.

ان وقوع أحزاب شعبنا تحت وهم انها حركة تحرر قومي، ولو على المستوى القومي، جعلتها تبتعد عن اقامة تحالفات سليمة على مستوى الاوطان وبالاخص العراق، وحتى التحالفات التي عقدت كانت علاقات تبعية او تحولت بفعل الاخطاء والتضخيم الى علاقة تبعية ودور هش، انسحب على كل احزابنا وبالتالي شعبنا، لانه اذا كان هناك من هو مستعد للتضحية بالكثير من اجل سحق او تهميش الاخرين، في ظل اغماض العيون والتستر عن كل ممارساته من قبل قوى محسوبة على مؤسسات شعبنا في معادلة مقيتة وغير شريفة للتستر على الخطايا، فستدور الدوائر ويقوم من يكون اكثر استعدادا للعب هذا الدور ولكن بالعكس.

اليوم وفي العراق تم وضع الدستور بالشكل الذي خرج به، من تقسيم شعبنا الى كلدان واشوريين، بفعل مباشر ومتعمد واحمق، من اطراف حزبية مصرة على محاولة التهميش والادعاء الفارغ والغبي بتمثيلها لقرار شعبنا، في الوقت ان القاصي والداني، والاغرب ان القوى الوطنية ايضا تدرك دور وقدرة هذ الاطراف، لا بل انها تدرك وبشكل اكثر قربا من الواقع الحجم الحقيقي لشعبنا وكل فعالياته.

اليوم صار حقيقيا ان ادعاء احزابنا او تصوير نفسها بانها حركة تحرر وطني، صار حقيقة اكذوبة كبرى بالمشاركة، لا بل التلهف للمشاركة وبكل السبل في اليات وضع الدستور العراقي، وفي مفاصل السلطة تثبت هذه الاحزاب انها كان من المفترض ان تكون صادقة مع نفسها وجمهورها وان تكون اولياتها واضحة في العمل الوطني المشترك لاقامة دولة يمكن لشعبنا ان يعيش ويتمتع بكل حقوقه كشعب وكأفراد فيها.

على الررغم من اعلام بعض الاطراف يدعي ان هذه الاطراف هي وطنية لا بل يدعي ان لها سبق الريادة في الربط بين الهمين الوطني والقومي الا ان الحقيقة الناصعة، والتي اختبرت في السنوات الماضية، ان اغلب هذه الاطراف استعملت هذه الدعوة لتسويق نفسها اعلاميا لدى الاطراف الوطنية الا انها فعليا واعلاميا في شعبنا مارست العكس.

اليوم والدستور العراقي تم التصديق عليه بشكله الراهن، ما هو دور احزابنا في العراق اولا وفي بقية دولنا الوطنية وفي المهجر؟

عراقيا

صار من المؤكد ان الشعارات القومية لن تجدي نفعا بعد الان الا لمكابر، فالبرامج ودور احزاب شعبنا يتمحور في اطارين لا ثالث لهما، اولها التقدم بمشاريع قوانين استنادا الى نصوص الدستور ليتمتع ابناء شعبنا بحقوقه المنصوص عليها دستوريا، وتوفير الخدمات الضرورية لمناطق تواجد ابناء شعبنا، في خارج هذين الاطارين لا اجد اي دور لاحزابنا السياسية، اما النضال لتعديل الدستور في شكل افضل فهو دور الا انه يتطلب التأني ونفس طويل واعادة النظر بكل الواقع المعاش.

قلنا انه بعد سن الدستور ستسقط ورقة النضال القومي وستبرز ورقة النضال المطلبي الخدمي بالخصوص، وتحقيق هذه الامور يتطلب اقامة تحالفات واسعةاو محاولة المشاركة فيها، سواء بالانتماء الفعلي او بشكل اقامة جبهات، الا ان الاحتمال الثاني لن يكون فعالا ولن يكون ممثلي شعبنا ان كان لنا مثل هؤلاء الممثلين عامل جذب لدخول هذه التحالفات، بل سيكونون كديكور تزيين لا اكثر، لانهم سيكونون اقلية، ولكي يكون لهم دور مستقبلي ومؤثر يجب ان يتحول القانون الانتخابي والوضع السياسي والاقتصادي ما يماثل الدنمارك، اي حالة وجود احزاب عديدة لا يمكنها تأليف حكومات الا بالتحالف مع احزاب اقلية يمكن ان تقدم لها تنازلات فعلية، وهذا الوضع بعيد الاحتمال امام الاصطفاف القومي والمذهبي الحالي.

اما الاحتمال الأوفر حظا، فهو الحضور الفعلي في المشهد الوطني من خلال المشاركة الفعالة في تأسيس احزاب وتحالفات وطنية ذات برامج اقتصادية وقادرة على الاجتهاد لصالح توسيع الحريات الفردية والتضييق على الافكار الرجعية والطائفية وذات اللون الواحد، توجهات قادرة على ادخال العراق وشعبه في حركة الواقع العالمي ومتطلباته وميزاته، فهذه المشاركة وهذه الفعالية هي المسؤول الاكثر فعالية لخدمة شعبنا وبشكل محسوس وفعال، لانها ستكون مستندة الى قاعدة وطنية واسعة ومدعومة من قبلها، فالتقوقع القومي وان كان مبررا في شكل ما لحد اليوم، الا انه انتفت الحاجة لذلك كليا، ويجب ان نعود الى الواقع الفعلي الذي منه سنستمد قوتنا وقدرتنا على التغيير نحو الاحسن.

الاحزاب الاشورية في اراضي وطننا الاخرى

لا اعتقد أو اؤول على اي دور فعال لشعبنا في كل من ايران وتركيا، لضألة عددنا في البلدين، الا انه يمكن استشفاف دور ما في سوريا، ولكن ان اعدنا تجربة العراق في سوريا فالنتائج ستكون اكثر مدعاة للاسف، فأبناء شعبنا في سوريا منقسمين مذهبيا منذ امد اكثر بعدا مما هم في العراق، والانقسام اللهجوي اكثر عمقا بل له تأثيرات ملحوظة على طريقة الكتابة، وعلى الرغم من كل هذا نقول ان التغييرات المقبلة على سورية يجب ان تضع احزاب شعبنا هناك امام مسؤلياتهم الحقيقة، واعني المسؤليات الوطنية والقومية، فالمسؤليات القومية تعني اقامة تحالف واسع من كل الاطراف وبدون اسثناء بين هذا كبير وذاك صغير، هذه عمره خمسون سنة والاخر سنة، لان التجربة والممارسة والقدرات هي التي ستحدد مقدار قوة كل طرف، فلعبة الاتهامات والاتهامات المتبادلة ولعبة التهميش التي مــورست في العراق، اثبتت ان الطرف الذي يحاول ممارستها هو الطرف الاكثر استعدادا من اعداء شعبنا (مهما كانت تسميات هؤلاء الاعداء واغلبهم مختلق لاكساء ضعفنا )  لالحاق اشد الضرر به.  وهذا التحالف يجب ان يستند على تحديد الحدين الادنى والاعلى من الحقوق الواجب اكتسابهالشعبنا، وحدة التسمية، وحدة الطرف المفاوض، والمستند الى قاعدة  واسعة من التأييد.

وطنيا يجب ان يتم الادراك التام ان لا مجال لشعبنا ليتمتع بحقوقه ان لم يتحالف مع اطراف غير اقصائية. تؤمن بالمواطنة اساسا للحقوق وليس الدين او القومية. و تعترف بالتمايز القومي واللغوي والديني كمكنونات تزين الوطن وتتساوي في القيمة والحضور.

وبعد ان تنجز مهمتها الاساسية كطرف قومي ووطني، يمكنا أن تتوحد مع اطراف وطنية اخرى للعمل من اجل وطن سوري رحب ومنفتح لكل الاديان والقوميات وكل مواطنيه سواسية امام القانون واحد اهم مظاهر هذه المساواة هو الحريات الاساسية وحريةالتعلم بلغة الام وحرية الاحتفاء بكل مظاهر الانتماء القومي والديني.

المهجر وفضحيتنا الشعبية والحزبية

في المهجر تجلت فضيحة احزابنا السياسية، فاغلبها لا يمتلك اي معلومات قانونية وسياسية وادارية وجغرافية وحتى ديموغرافية، فاغلبها لم يدرك الفرق بين حق التمثيل وحق الترشيح، ولا عن الاحزاب الوطنية والتي نتحالف والتي يجب ان نبتعد هن التحالف، ولا حتى عن التوزيع الديمغرافي لشعبنا والمناطق الادارية الخاصة به، ولا حتى عن موقع برطلة وعين نوني او شقلاوا، ولا حتى عن اعدادنا وتوزيعنا الطائفي، ومدى الذين يؤمنون بماننادي به من الشعارات واللافتات.

في المهجر تم بيع انجازات وهمية، واعتبرت مكاسب عظيمة من تحقيق طرف اصلا لم يحاول تحقيقها الا متأخرا، وبدفع من جهات اخرى، فأول من ابتداء التدريس بالسريانية هو القس شليمون ايشو في سرسنك، واول من بشر شعبيا بضرورة التدريس بلغتنا هو الحزب الوطني الاشوري وكوادره بندوة اقيمت في دهوك وترأسها السيد روميل شمشون شموئيل عضو اللجنة المركزية للحزب حينذاك، وحضرها بعض كوادر الحركة تحت الحاح شديد، واول من زار البرلمان للدفاع عن ضرورة تدريسها كان وفدا مشتركا من الاترنايي والحركة، والامر من هذا كله ان الاخوة التركمان في الاقليم تمتعوا بما تمتعنا به وهم لم يكن لهم ولو ممثل واحد في البرلمان او في الوزارة والاكثر مرارة انهم تمتعوا بما تمتعنا به واكثر وهم مقاطعين حكومة الاقليم على الرغم ان الحزبين الكرديين عرضوا على التركمان نيابة رئاسة الوزراء، والاشد مراراً انهم ولا الاخوة العرب في الاقليم لم يتاجروا بعملية التدريس بلغتهم مثلما تصرف ولا يزال يتصرف طرف اشوري بها، على الرغم انه في شعبنا، قاطع اكثر من نصف عدده التعليم باللغة،  بسبب تحزيب العملية.

وفي عملية مقززة تم تصنيف كل شئ.  فالشهداء ومن يمتلكهم، والنضال من له شرف التسمي به.  لقد فتح بازاراًً كبيراً لبيع كل شيء، مقابل لا شيء. إلا اكاذيب سوقت بمهارة يحسد عليها اكبر مروجي الاعلانات التلفزيونية.  وتم وضع كل الامال وكل الامكانيات والقدرات لخدمة طرف. ولكن هذا الطرف خذل الجميع وباعهم وهما، ولا يزال الوهم الكبير.

المهجر كان الطرف الامن الذي التجاءنا اليه هربا من الظلم والاضطهاد (الديني، القومي، السياسي) ولكننا كجالية مهجرية وافراد واحزاب مارسناها بحق بعضنا البعض وبلا خجل وبلا تساؤل عن احقية ما ندعيه من تعرضنا للظلم. ونحن نمارسه بحق اقرب الناس الينا الا وهم من ابناء شعبنا.  ففي فترة من الفترات، صار تناغماً كبيرا بين المهجر والاوصياء الجدد على شعبنا.  او الذين ادعوا انهم اوصياء، لحد ان المهجريين او غالبيتهم صدقت ان اي اشوري (كلداني، سرياني) لا يتحرك في العراق الا بأمر من الاوصياء الجدد.  ولم يسأل احد ولكن اين أحهزة الدولة، او يسأل وهل نناضل من اجل ان يكون شعبنا عبدا لحزب، او عاريا من قانون يستره امام محن الزمن.  كانت اكبر عملية للضحك على الذقون، وقد اعجب وتغنى بها البعض.  اعني هذا التكاذب الذي ما كان يجب ان يصمد امام اي سياسي نبيه او حتى نصف سياسي.  ولكن العملية اثبتت اننا حقا لا نفهم من السياسة شيئا، واننا حقا لا نفهم في حقوق الانسان والشعوب شيئا.

وعلى ضوء هذه التحركات. انقسمت تنظيمات شعبنا وضعفت.  وحصل من سوق الشهداء على حصة الأسد من كل الدعم بأكاذيب رخيصة ومفضوحة.  مما جعل الساحة لا تسمع الاصوتهم.  وحتى هذه الفرصة لم يستحسنوها بل فرطوا بها، فلم يخرج من تحت عباءاتهم ما ينم عن رغبة حقيقة لتصحيح المسارات السياسية.  لانهم اصلا لم يكن لديهم اي وعي وادراك بذلك، فلم نشاهد مؤسسات سياسية راقية ولا مراكز دراسات ترفد السياسي بالدراسات الرصينة ولا مراكز اعلامية توعي الشعب بالمخاطر وتوجهه الى التعايش والالتحام الوطني.

خرجنا من المهجر باحزاب مهلهلة لا قواعد حقيقية لها. لا بل لا فكر سياسي لها، غير مواقف متشنجة احداها ضد الاخر، احزاب تؤمن بمطلقات لا تعمل بها السياسة والسياسيون بل رجال الدين.

واليوم المهجر المثخون والمطعون، عليه ان يفكر، ما الذي سيقدمه لشعبه في الوطن.  الوطن بحاجة لزيارة المهجري، لاستثماره، لنشره مبادئ الديمقراطية والتسامح والقدرة على التكيف مع المتغييرات، والقدرة للخروج من الاوهام والعيش في رحاب الواقع انطلاقا للمستقبل.

المهجر في الواقع بحاجة الى مؤسسات ثقافية اجتماعية عصرية تساعد الفرد منا لكي يندمج في مجتمعه وان لا يذوب. لكي تخلق تواصل مع الوطن من خلال زيارات شبابية واستثمارات تجارية سياحية.  المهجر لم يعد ضرورة للسياسي في الوطن، بل المهجري هو ضرورة للوطن لاعادة التواصل.

ملاحظة لم اذكر الاحزاب التي تتسمى بالكلدانية او الارامية، لانها حديثة العهد، ولانها حتما تسير على منوال اشقاءها الاحزاب الاشورية، فهي نتاج ثقافة واحدة لاننا ابناء شعب واحد، وان كره الكارهون

 

 

بابلو تقود احزابنا السياسية!

 

التظاهر قبل ان يكون ظاهرة حضارية وجميلة ومعبرة هو حق مكفول لكل من يشعر ان حقه مغبون، واهل بابلو وقبلهم اهل عنكاوا وغيرها من قرى وقصبات شعبنا تحركت حينما شعرت حقا ان حقها مغبون، وعلى الجميع الوقوف مع الحق لحين احقاقه. ولكن الوقوف مع الحق ليس ابدا تاييد كل موقف بل محاولة توضيح ابعاده المختلفة لكي يكون موقف ابناء شعبنا قويا وواضحا ولكي لا ينتكس.

من الملاحظات الاولية التي تبينت لنا ان هناك خلاف بين اهالي القرية حول التجاوز ومن شارك فيه، حيث هناك اتهام لمختار ولعضو هيئة الاختيارية، كما ان هناك تداخل بين الاراضي المروية والاراضي الديم، ولهما طرق مختلفة ووضعية قانونية مختلفة.

عدم دراسة الامور قبل اثارتها يعني اما ان من اثار الامور جاهل بحيثياتها  وبالتالي انه له مصالح اخرى خلف اثارة المشكلة او انه حقا مندفع عاطفي ولكنه بالنتيجة سيخسر قضيته وسيجعل الاخرين يشعرون باحباط تام وتراجع عن تايد مثل هذه القضايا.

بعد التظاهر ركبت بعض الاحزاب الموجة، لعل وعسى، وكان تصريح السيد جوني كوركيس الناري وزيارة ابناء النهرين وعضوة البرلمان وحيدة ياقو للقرية ظاهرة ملفتة وكان القضية هي بنت اليوم.

لا اعرف بماذا خرج الزائرون والداعمون، ولكن الملاحظ ان تصريح الحركة الديمقراطية جناح السيد كنا كان متوازنا ويمكن ان يفسر باي شكل تريده، فهو يضع امكانيات الحركة القانونية (محامي) تحت خدمة المشتكين، ويهدد ويتوعد ولكن بدون التورط في اتهام اي طرف بشكل مباشر. اي انه وضع الامر منذ البداية في اطاره القانوني وليس اكثر، علما ان تنظيمه كان عضوا في الحكومات المتعاقبة كل تلك الفترة ولم يشر الى هذه التجاوزات الا بعد ان خسر المشاركة.ادناه مقطع  من تصريح السيد جوني كوركيس (( وكنا في وقت سابق وحسب الاتفاق مع ابناء القرية قد كلفنا احد محامي قائمة الرافدين بمتابعة الموضوع من جوانبه القانونية ولكن يبدو ان الأمر قد وصل الى طريق مسدود.وفي الوقت الذي نبدي فيه استعدادنا للذهاب مع ابناء القرية الى ابعد نقطة في القضية فإننا نوكد ان هذه الممارسات تظهر مرة أخرى عجز الجهات الحكومية في المحافظة وحكومة الإقليم عن تحقيق العدالة وكبح جماح المتنفذين المدعومين من قبل شخصيات حزبية وسياسية وهؤلاء المتنفذين ليسوا سوى واجهات تقف خلفها هذه الشخصيات الجشعة التي لا تشبع.وفي هذه المناسبة نؤكد بأننا لن نرضخ ولن نسكت على هذه الممارسات وسندافع عن أرضنا وقرانا مهما كلفنا الأمر.
ان ما يحدث الآن في قرية بابلو ليس سوى حلقة في سلسلة التجاوزات الصارخة التي طالت أراضي شعبنا وقراه منذ تسعينات القرن الماضي , ولم تعالج الحكومات المتعاقبة في الإقليم اية مشكلة بخصوص التجاوزات على الاراضي لعدم الجدية وفقدان الإرادة السياسية وغياب العدالة لإنصاف ابناء شعبنا. ويبدو لنا ان الحكومات والقيادات السياسية والحزبية في الاقليم تكيل بمكيالين عندما يتعلق الأمر بحقوق شعبنا))

الظاهر ان بعض ابناء القرية انتبه ان هناك عملية تصيد واستفادة من التجاوز الحاصل، ليس فقط من قبل المتجاوز بل من قبل اطراف في شعبنا، ومنها الاحزاب او بعضها على الاقل، وبالتاكيد ان عملية الاستفادة حصلت في الخارج حيث ترفع الشعارات التي ترعب العدو وتوعده بالويل والثبور وويلك يالغازي.  فنشرت محاولا وضع الامور في اطارها او ان الانقسام بين ابناء القرية وضعهم اقرب الى المتجاوز منه الى ابناء القرية.

لقد اختلف اقتصاد القرى في كل اقليم كوردستان عن ما كان عليه قبل ستون وسبعون عام السابق، حيث ان القرى كانت مقسمة من حيث الزراعة الى مناطق مروية (ويتم في الغالب زراعتها بالمنتوجات الحقلية والبستنة او احيانا بالرز (الشلب) والسمسم والذرة . و وديمية(ويتم الاستفادة منها في الزراعة وخصوصا الحنطة والشعير والحمص ومنتوجات اخرى) ومناطق غابات وتعتبر عائدة للقرية تستفاد منها لجني المحاصيل التي تنبت من ذاتها ويتم رعي المواشي فيها ويتم الحصول على الخشب الضروري ايضا. وفي الغالب ان المناطق المروية والديمية او اغلبها كانت بطابو باسم عائلة او شخص وتنتقل وراثة، يحق توريثها اما الاخيرة فكانت على الاغلب يتم تقفسيمها كعرف بين عوائل القرية ولكنها تعتبر من ممتلكات الدولة وكذلك كل ينابيع المياه واين كانت تقع. ما قلته ليس من لدني او اجتهادي بل هو قانوني، واتمنى ان يدلوا الاخوة بدلوهم لتبيان حقيقة الامر قانونيا لاغناء القضية ولكي نفيها  حقها ونتمكن من الخروج بحل سليم للمشكلة وكل المشاكل المتشابهة ولكي لا نخرج خالي الوفاض كل مرة نواجه ذلك من دون ان نعلم. واغلبه بسبب الجهل بالقانون الساري. علما ان القانون الساري قد شرع في بداية السبعينيات من القرن الماضي مع بعض التعديلات عليه.

لم يعد الرعي يمارس في اغلب قرى المنطقة (الاشورية وحتى الكوردية) وكذلك الزراعة فانها زراعة فاشلة سواء بسبب القوانين المسيرة للاقليم او بسبب مزاحمة الجوار الرخيص مما يبعد الزراع عن الزراعة مادموا لا يستفيدون من منتوجهم الزراعي في دعم امكانياتهم المادية. كما ان صغر مساحات الارض الزراعية الطبيعية ورغم انها لم تقسم بين الورثة منذ زمان بعيد بسبب هجرة الكثير من العوائل او اقسام كثيرة منهم وضروف الحروب وعدم الاستقرار، ولو قسمناها اليوم لتحولت الى قطع صغيرة جدا لا تفي باي منتوج الا المنتوج المنزلي.

نحن هنا امام اشكالية قائمة، قومية ووطنية، القومية تقول بانها اراض شعبنا ويجب عدم التفريط بها، والوطنية لا تعترف بهذا الامر بل تخضع للقانون الساري، والقانون الساري هو ما تم سنه منذ اكثر من نصف قرن ولكنه يدار بيد سلطة الاقليم القائمة بحسب الدستور العراقي.

الدولة تسير بالاقتصاد، والكثير من المخطط له لتسيير امور الدولة عدا النفط، هو السياحة، وباعتقادي ان اغلب قرى شعبنا تتمتع بمواقع سياحية جيدة (موقع، مياه والبنية الاجتماعية المنفتحة) امام تركنا لقرانا فارغة لن تتمكن الدولة من ان تقول انه لا يهمها الامر، بل هي تبحث من خلال القوانين المسهلة لعملية نشر الاستثمارات لخلق فرص عمل وجلب العملة الصعبة، واجد انه من الصعوبة بمكان ان يتمكن قانونينا وسياسيينا وحتى اعضاء البرلمان امام الحجج التي قد تطرح امامهم لو حاججو السلطة في خطواتها.

قد يكون كلام مختار قرية بابلو بهنام زيا عبدو البازي مدخلا لحل ما ((وبين عبدو الذي يعد مختارا للقرية منذ عام 2006 بان أحقية التصرف بتلك المساحة ” تعود لأهل القرية كونها تعتبر مرعى للأغنام، ومكانا مخصصا للحطابة، ومحرماً من محرمات القرية ”
مشيرا إلى ” تعويض أهالي قرية  ( كزو ) الكوردية المجاورة لقرية بابلو التي تجاوز عليها المشروع ببضعة أمتار وتعويض أصحابها  بمبالغ سخية “متسائلا مختار القرية حول ” جواز التصرف بمرعى قرية بابلو واعتباره ارضا تابعة للمالية في الوقت الذي بضعة أمتار من قرية ( كزو ) يعوض أصحابها بالمبالغ السخية رغم إنها من نفس صنف الأرض صخرية غير قابلة للزراعة ؟؟؟ “)) اذا يحق المحاججة بانهم الاولى بهذه الارض لانها تاريخيا تعود لهم ومستعملة لاغراض القرية الزراعية، ومن هنا يمكن بحث الاولية وحلها كتعويض مجزي يعادل ما تم تعويض ابناء القرية الكوردية في حالة تشابه الاملاك وقانونيتها او ان  نفكر بان نقوم بانشاء شركة تستفاد من هذه المواقع وتستثمرها على ان يتم دعمها سياسيا وقانونيا من قبل احزابنا وممثلينا في البرلمان. ومن هذا الباب يمكن الدخول الى الضغط على حكومة الاقليم لفرض توظيف وتشغيل كل الايدي العاملة الغير المستوعبة مع ضمان توزيعهم على كل الادرات المتعلقة بالحياة اليومية  للاقليم.

اذا اذ كانت دعاوينا قومية حقا، فيجب قبل ان نصرخ في المواقع ونتهم ونسب، ان نضع خطط قومية قابلة للتنفيذ لكي نستثمر الارض ونثبت الانسان، اما ان نترك الارض خالية ونطالب الاخر بعدم الاقتراب منها، فاعتقد انها ستكون قضية خاسرة. واذا كانت دعاوي احزابنا قومية حقا، فان عليها ان توضح لابناء شعبنا الواقع القانوني كما هو وليس المسارعة الى دفع الناس الى اخذ خطوات خاسرة. فالحزب الذي لا يقول حقية الامور للناس يكون كاذب او تاجر بجهودهم.

الحياة ومتطلباتها، ستفرض الكثير من المتغييرات ليس علينا ولكن على جيراننا ايضا، هل خططنا لها؟ ام اننا نريد ان تتوقف الحياة حيث نريد؟ احد اهم وسائل انتصار اسرائيل على جيرانها العرب اعلاميا ودبلوماسيا، هو تشبثها بالتطور وبمتطلبات التطورات الاقتصادية والاجتماعية، في حين ان اعداءها لم يقدموا الا الماضي والبقاء على الحالة التي كان عليها قبل مائة او خمسون سنة. حينما ندرك هذه الحقيقة علينا ان نفكر بالبدائل، المفترض ان تفرض لكي نحمي الهوية والذات والطموحات المشروعة. لن تبقى قرية او قصبة او مدينة لشعبنا كما كانت قبل مائة سنة، نعم سيدخلها الاخرين من جيراننا لمتطلبات العمل للجاذبية الاجتماعية او الاقتصادية او البيئية او حتى لنظافتها مقارنة بالاماكن الاخرى. الا في حالة وجود منطقة للحكم الذاتي مما يحد من ذلك ولن يوقفها ولكن الارض والانسان سيكون في اطار قانون مسن لحماية الهوية والتطلعات المستقبلية .

في عام 1995 نشر الحزب الوطني الاشوري فكرة او كما سماها رؤية اشورية لمستقبل العراق الموحد، وكانت على اساس تجاوز مسألة الارض والاهتمام بالانسان وهويته، للخروج بهوية عراقية متعددة تتمتع بكل حقوقها في اي بقعة عراقية. كان يمكن ان تكون تجاوزا لحالة الخوف من فقدان الارض او استغلالها او الاشتراك في الاستفادة منها. ستبقى المكونات القومية والدينية الاقل عددا مرتعبة وخائفة من التغييرات الحاصلة، وستبقى لا تمتلك الثقة بهذه التغييرات، لان القوى الكبرى في العراق (الشيعة والسنة والكورد) يتحركون تحت شعارات الهيمنة والتحصن القومي والطائفي. ان منح المكونات الثقة ومشاركتها حقا في القرار السياسي والتنفيذي وعلى كل المستويات سيزيل الكثير من المخاوف، وسيعيد بناء الوطن على اساس من الثقة. كما ان منح هذه المكونا الثقة بان المحافظة على هويتها هي مهمة وطنية وليست فقط ذاتيه، سيكون له اثر فاعل في مشاركتها العمل الوطني، وسيكون مدخلا لحل الاختناقات المتكررة.

للعودة الى القانون الساري يرجى مراجعة الرابط ادناه

http://www.iraqld.com/LoadLawBook.aspx?SP=ALL&SC=301220051440056&PageNum=1#BkMrkR_241020076360043