رسالة من شهيد
عندما تم صلب السيد المسيح، وانزل من الصليب، اختلف الحراس على ثوبه، ولكنهم كانوا يمتلكون ذكاء، فلم يمزقوه بل عملوا قرعة لمن يكون. اليوم تحتفلون بيومي، يوم الشهيد، اشكركم من كل قلبي لتذكركم اياي، فنحن الاموات وكما تقولون الاموات الاحياء، في قبورنا الباردة، نشعر بحرارة المحبة عندما نذكر على السنة الاحياء وان كان البعض منهم اموات ايضا. فالموت ليس حالة عندما لا تكون الروح في الجسد، بل يشمل لمن يملك روح ولكنها بلا احاسيس. بلا احساس بالزمن، بالواقع، ولا بالامل.
اعزائي الاحياء، الاحتفال يكون قبل حضور التجمعات وسماع الكلمات، بتجسيد قيم الشهادة. وكما تعلمون اننا نحن الشهداء لم نذهب للموت برغبتنا، والا لما كنا شهداء، لكنا مقاتلين او محاربين او غزاة، لقد جاء الموت الينا لاننا نحمل هوية، دين ولغة وعادات وتاريخ وارض.
ارض تكادون ان تخسروها، فهاهي النصب تقام في اوربا واستراليا واميركا، وليس اروميا وامد ونوهدرا. اذا تقومون بتنفيذ مشروع من قضى على حياتنا، تنفذون اجندته من حيث تدرون او لا تدرون. او لم يكن المخطط الاستيلاء على الارض، هو احد اهداف من ارعب الشعب بالقتل والسلب والاغتصاب والحرق؟
تاريخ تكادون تنسوه، لا اريد منكم ان تعيشوه، بل ان تتعضوا بتجاربه، لا تعتقدوا ان قاتلنا وعدوكم يميز بينكم، كما تميزون انتم، ولا يهمه كنائسكم ولا اسماءكم ولا عشائركم، فكلهم لعدوكم واحدا، ولذا عملوا السيف فينا على مر التاريخ. اقراوا التاريخ ولا تحملون من صار وغير نتيجة لا قرار بل نتيجة اضطرار، اخطاء الاباء والجدود. ليكن حبكم لبعضكم بلسما يعالج كل ما حدث، لتجتمعوا وتتوحدوا وتتأملوا وتخططوا وتخطوا نحو المستقبل. ليعش التاريخ فينا ولا نعش فيه.
عادات وتقاليد عنوان من عناويننا، كم نحن بحاجة للتمسك بها، وابرازها بين الحين والاخر، ولكنها يجب ان لا تبقى ثابته جادة متزمتة، مارسوا عاداتكم ولكن ضمن عصركم وحياتكم، لكي تتمكنوا من ان تستوعبوا اجيالكم الجديدة، فالامة ورسالة الشهيد تعني تراكم وتزايد ابناءها، وليس دفع الموجود للهروب والالتجاء الى الاخرين.
لغتنا، عنواننا الكبير والظاهر والمغناطيس الجاذب لابناء الامة للتقارب والشعور بالالفة والوحدة. ازرعوها بقدر المستطاع بالحب والرعاية لدى ابناءكم.
الشهادة ليست دعوة للاستمرار في تقديم الخسائر، لان الشهادة تعني تقديم التضحياة لاجل الاستمرار في الحياة، بل هي ايضا دعوة للتامل واستخلاص العبر، للتحرك نحو المستقبل، بادوات المستقبل والياته وظروفه. الشهادة قد يفسرها البعض التصلب والعناد والتزمت، هذه ليست صفة الشهيد الاشوري، انها صفات الايديولجي المتزمت يضفيها على المقدس، ليسلب منه القدسية ويساويه بنفسه. ان الشهادة والاستشهاد عنوان لاخر حصن في الدفاع عن الذات التي اراد البعض استلابها، انها اخر حصن يلتجاء اليه الانسان للحفاظ على الذات، بعد ان وصل حقد الاخر الى مداه الاقصى، وبعد ان خسرت الامة قواها للدفاع عن الذات.
استشهادنا، كان بمذابح تتكرر بين الفينة والاخرى، وكم كنا نتمنى ان نبقى احياء لنرفد الامة بالمزيد من الابناء والخيرات والمنجزات، ولكن الاعداء زحفوا لكي يوقفوا روح المحبة والبناء، بالقضاء على رسل السلام ابناء شعبنا، لانهم حقا فتحوا البلدان دون ان يحملوا السلاح.
الشهادة ليست الغاية، فالحياة والسعادة هما الغايتان، فعليكم العمل من اجل تعزيز مقومات الحياة لديكم وليس هدمها او اضعافها.
تذكروا ان الاحتفاء بيوم الشهيد ليس لمتجيد الموت، بل لرفع شأن الحياة والحرية الى مرحلة القدسية، فنحن نحب الحياة ونتمسك بها ونعمل لاجلها لانه من خلالها يتوحد ايماننا الديني والقومي.
صوريــــا … جرح يلتئم بالحرية
16 أيلول 1969 يوم ككل الأيام… لم تشرق الشمس فيه من الغرب….. ولم تمطر السماء صخورا. كان يوما هادئا جميلا في قريتي صوريا. الرجال في حقولهم والنساء في بيوتهن والأطفال في لهوهم…
في 16 أيلول كانت الشمس ساطعة.. والبساتين عامرة.. وإذاعة بغداد تذيع أناشيد البطولة والبعث الذي جاء بإرادة الشعب.. والثورة البيضاء.. والمكاسب التي سوف يحققها للشعب. والديمقراطية التي سوف تطبق والحقوق التي سوف تمنح من قبل قيادة الحزب.
كل هذا وشباب صوريا الحبيبة يحلمون بالحبيبة… وشاباتها يتغامزن بقلوبهن البريئة… وهن يحضرن لزفاف صديقة…. واليوم الموعود قريب… سوف يصدح فيه المزمار ويدق الطبل … وينقلن العروس بدبكات آشورية إلى بيت عريسها…
ولكن ماذا حدث؟….
جاء صوت من بعيد كأنه من العالم الآخر…. يأمر بجمع أهالي القرية… وانقبضت القلوب، ترى ما الذي جرى؟ وتجمع القس والشيخ والشاب والشابة والطفل والام الحامل… والسؤال لا زال على الوجوه…. ما الامر؟
وزأر الصوت، صوت عبد الكريم الجحيشي((لقد وقعنا في كمين للعصاة وانتم تأوونهم وعليه فقد أمرت القيادة بالانتقام منكم)) وبكى الشيخ، مرت أمامه صورة سميلي وبكر صدقي وملك غازي وحاول القس إن ينطق فجاءه أخمص احدى البنادق… وبكى الطفل .. والذئب لبس صورة الإنسان.. هولاكو عاد من الماضي… انهم آشوريين، ومن يهمه حياة آشوري، 67 من الضحايا العزل في صوريا التي صحت على الآمال والشمس الساطعة… في لحظات سكتت الحياة في صوريا ..
في 16 أيلول لم تنم نفس في صوريا كما نامت في كل قرى ومدن بلدي وانما وجدت جثث مرمية… ووقف العالم ساكتا… انهم آشوريون ودمهم مستباح. ها قد صلبت صوريا على مذبح تمسكها بلغتها وعاداتها في ظل نظام ينادي بالاشتراكية والتقدمية.
يا صوريا… أيتها الحبيبة، انت خطوة في المسيرة… وهل يتذكر أبناء شعبي غير مذابح… الا نذكر مذابح شابور الثاني… ام مذابح المتوكل أو مذابح هولاكو والمير محمد كور، ام مذابح المسيرة المؤلمة بين اورمية وبعقوبة أو مذبحة سميل…
أنت يا صوريا خطوة أخرى في المسيرة وانت ضريبة تمسكنا باشوريتنا.
كل هذا والعالم (المتمدن) صامت صمت القبور..
الا يستحق مقتل 67 بريئا سطرا في أجهزة الإعلام العالمي..
انت أيتها الحبيبة خطوة في صحوة الامة… انت جرح يلتئم بالحرية. وبرغم كل محاولات الأعداء فان أمتي لا تزال تعيش وتحيا المبادئ.. المحبة.. الإخاء..
يا صوريا الحبيبة انهم يخافون حبنا للسلام… يخافون حبنا للحرية.. يخافون انفتاحنا .. يخافون نضالنا .. وروحنا الأبية لأنها روح اشور …. روح التقدم لنيل الحق…
نشر في العدد الثامن – تشرين الثاني – 1985 من جريدة (خيروتا)
الناطقة بأسم التجمع الديمقراطي الاشوري والصادرة في المناطق المحررة من سلطة النظام العراقي
سميل.. منعطف في التاريخ العراقي
في السابع من آب من كل عام يحتفل الاشوريين بذكرى يوم الشهيد. وذلك توافقاً مع ذكرى مذبحة سميل، التي بدأت احداثها مع بداية الشهر الثامن، ووصلت الى قمة الممارسات الجرمية في السابع منه. في هذه المذبحة والتي تعتبر من المذابح المتوسطة بحق شعبنا الاشوري تم قتل حوالي خمسة الالاف من النساء والاطفال والشيوخ،. كما تم قتل بعض الرجال الذين شوهدوا فرادى في الطرقات بين القرى والمدن، وكانت اكبر منطقة قتل فيها الناس في قرية سميل. التي وعد المسؤولون ابناءها بحمايتهم ان سلموا أسلحتهم. فأستجاب الآشوريين للامر، ودخل الجيش العراقي على أهل القرية وذبح من ذبح وقتل وبقر بطون النساء الحوامل. وبالطبع لا ذكر للمذابح في اي كتاب للتاريخ. وان ورد ذكرها فيرد بأسم فتنة الاثوريين، ملقين اللوم على الآشوريين في كل ما جرى، من الاعمال المشينة والتي يندي لها جبين كل انسان شريف.
بالطبع لا يمكننا لوم الكتاب والمؤرخين من امثال محمود الدرة والحسيني لعدم انصاف الاشورين، وللمعلومات المظللة التي ساقوها بشأنهم. فهذا ينمي عن طبيعتهم وميولهم. ولكن لنا عتب كبير على الاستاذ سيار الجميل الذي يرد معلومات غير صحيحة بشأن شعبنا وخصوصا عند تفريقه بين التيارية والاشوريين. فالتيارية هم عشائر اشورية وكانوا يسكنون في حكاري منذ قديم الزمان. كما ان الاشوريين الشرقيين، بمعنى شرق الفرات كانوا من اتباع كنيسة المشرق التي تعرضت للانقسام بعد منتصف القرن السادس عشر. ورويدا رويدا تحول سهل الموصل والكثير من المناطق الجبلية الى الكنيسة الكاثولكية، فيما إنحصرت الكنيسة الشرقية، في معقلها في الجبال.
لم تكن الجريمة النكراء التي اقترفت في سميل نتيجة لحدث اني غير محسوب. بل ان كل الشواهد والوقائع تؤكد ان ما جرى في سميل جرى التخطيط له من قبل وزارة رشيد عالي الكيلاني. بغرض فرض سطوته من خلال كسب تعاطف العرب والمسلمين. فمن ناحية صورت الوزارة العراقية نفسها حامية العراق والعروبة، ومن ناحية اخرى صورت نفسها انها حامية دار الاسلام من الكفرة الذين يريدون تقسيم البلد. انها في عملها هذا كانت ترمي لتحقيق مصالحها الخاصة على حساب مصلحة البلد، والتعايش السلمي فيه.
فلو نظرنا بتمعن الى مطالب الاشوريين في ذلك الحين لأدركنا مدى بساطتها وعدم تعارضها حتى مع مفهوم تلك الوزارة الى الوحدة الوطنية. فالمطالب الاشورية، والتي كانت مطالب تفاوضية، انحصرت في ما رأه الاشوريون ضرورة لتحقيق اسكانهم بشكل متجانس لكي يضمن امنهم (هذا المطلب ادرج جراء التجربة التاريخية والتي عاشها الاشوريون، حيث تعرضوا لاكثر من مذبحة خلال اقل من خمسين عاما ادت الى فقدانهم اكثر من نصف عددهم على ايدي جيرانهم).. لم يناقش هذا المطلب باستفاضة. بل ان الاشوريين لم يلتقوا بالخبير المعين لتحقيق هذا الأسكان..
كما ان المطلب الاشوري الآخر، وهو مخاطبتهم جميعا من خلال بطريرك كنيسة المشرق قداسة مار ايشاي شمعون. وان كان يتعارض مع أسس المواطنة وحق الدولة في مخاطبة كل مواطنيها بغير توسط احد. الا إنه كان مطبقا مع الاكراد والعرب، فقد كانت الحكومة العراقية قد سنت قانون العشائر والذي ينظم العلاقة بين الدولة والعشائر والذي كانت الدولة بموجبه تخاطب ابناء العشائر من خلال رؤوسائها. في كل الشؤون سواء المتعلقة بالضرائب او السوق الي الخدمة العسكرية او حتى القبض على المطلوبين للعدالة. فلماذا لم يستجاب طلب الاشوريين هذا؟ ألم يكن امراً مريباً وهو حق يتمتع به اصغر رئيس عشيرة كردية او عربية. وخصوصا ان الاشوريين الشرقيين كانوا قد حصلوا على مثل هذا الحق منذ مئات السنوات في ظل الدولة العثمانية.
كما انحصرت المطالب الاخرى في مسائل تنموية مثل بناء المدارس او المستشفيات وغيرها من المطالب المشروعة والتي كانت ضرورية للمنطقة باسرها ويستفاد منها الاشوريون والكرد على حد سواء.
ان استدعاء مار ايشاي شمعون الى بغداد ووضعه تحت الاقامة الجبرية. والطلب منه ان يوقع على وثيقة يقر بموجبها قبوله بخطط اسكان الاشوريين دون ان يطلع عليها ودون ان يناقشها. امر غريب وغير مسبوق. وتوازى هذا الامر مع الحملة التي قامت في الصحف العراقية ضد الاشوريين الدخلاء وعملاء المستعمر الانكليزي والكفرة (في الوقت الذي كانت الحكومة العراقية في كل امورها تستشير الانكليز حتى انه كان في كل وزارة عراقية وطنية مستشار انكليزي) يدلنا ذلك بوضوح ان ما حدث في سميل كان أمراً مخططا، على الاقل بين بعض الوزراء العراقيين. فرغم رسائل الملك فيصل الاول والتي حثت على التعقل والتريث وعدم الانجرار الى خطوات غير حكيمة، اصر الوزراء على خططهم مستندين الى تاييد ولي العهد الغر الامير غازي. والذي امتلا غرورا بمدائح العروبيين. والخلفية الاكثر احتمالا لسبب ما حدث هو الخلفية التربوية التي اخذها هؤلاء المسؤولون العراقيون الذين تلطخت اياديهم بالدم الاشوري البريء. فجلهم كانت له ثقافة اسلامية وترعرع في ظل الحكومة العثمانية التي كانت تقسم الشعوب الى ملل. وتعتبر المسيحيين اهل ذمة لا يستحقون اية حقوق غير تقديم الواجبات لقاء الحماية الممنوحة لهم من قبل الدولة. (العارف بتاريخ شعبنا في ظل الدولة العثمانية يعرف نوعية هذه الحماية !!) كما ان أغلب الساسة لم يهظم مسألة قيام الاشوريين بالتعاون مع الحلفاء ضد الدولة العثمانية (الخلافة) في الوقت الذي كانوا هم اول من فعل ذلك. ونجد مثل هذا الاتهام للاشوريين في اغلب كتب المؤرخين العراقيين العرب. فالاشوريون متهمون بـ(عض اليد التي حمتهم) حسب مزاعم هؤلاء المؤرخين، وانه لا يحق لهم التعاون مع اية جهة، ولكن الامر ذاته اعتبر تحررا من قبل العرب!!!
ان التقاء عوامل التربية والمصلحة النابعة من مثل هذه التربية في شخصية رشيد عالي الكيلاني. أدت الى مذابح سميل. واللجوء الى الجيش لحسم المسالة ومنح ألقاب البطولة لمجرمي سميل واقامة حفلات التكريم لهم. فتح شهيتهم للدخول الى المعترك السياسي من اوسع ابوابه. فتغيرت امور كثيرة، بعد أن كان العراق مؤهلا للسير في طريق التغيير الديمقراطي. صار تدخل العسكر في تشكيل الحكومات العراقية والقيام بانقلابات عسكرية او انقلاب القصور (كما اصطلح على تسميته) امراً مألوفاً. كما ضاقت مساحة التسامح بين التيارات المختلفة. فكل تيار يستعين بضابط ما لتحقيق مبتغاه في السلطة ويعمد للتنكيل بخصومه بكل الصور والاشكال. ومن هنا زاد الاحتقان في العراق ولم يعد للتسامح الوطني من مجال فكل طرف يعتقد انه بافناء خصومه سيقيم دولته التي رسمها في المخيلة بالحديد والنار. وهذا الاسلوب المعتمد على المؤامرات السرية والتصفية الجسدية والحكم بالحديد والنار ومن على ظهر الدبابة. أصبح الأسلوب المعتمد في التغيير الحكومي للعراق. مما أوصله الى الحالة الراهنة. فلو ان الحكومة العراقية ابان احداث سميل كانت تمتلك حس وطني سليم. وذرة من اللياقة الدبلوماسية ورغبة حقيقية في تحقيق وحدة وطنية وانسجام عام لتمكنت من ذلك وفقط من خلال حوار بناء غير معتمد على الفرض القسري.
ان الاشوريين وفي ظل ظروف اقامة الدولة العراقية كانوا شأنهم شأن كل الأقليات العراقية متخوفين من المستقبل ولم يكونوا مستعدين لقبول كلمات الاطمئنان التي كانت تقال لهم. بل كان يحدوهم الامل بضمانات تشريعية ترى نتائجها على الارض، فمثل هذه الكلمات كثيرا ما منحت لهم وكانت نتائجها المذابح والقتل والتدمير.
ان ما وصل اليه العراق اليوم هو بلا ادني شك أحد النتائج لما مورس من سياسات انتقامية وإستأصالية في حل مشكلة الاشوريين. فعندما تتعطل لغة الحوار ويتم اللجوءالى البندقية والدبابة لفرض امر واقع في بلدنا وعلى مواطنينا تكون النتائج بقدر المأساة التي نراها في العراق. والتي افرزت مثل هذا النظام الصدامي المقبور، والحلبجة والمقابر الجماعية والقتل الجماعي والتدمير الممنهج لدور العبادة للطوائف المخالفة او للاديان المختلفة..
نشرت أواسط التسعينيات للقرن الماضي في جريدة الزمان اللندنية
مذابح الآشوريون ((السيفو)).. متى تنصف الضحية؟
منذ خريف عام 1914 تم العمل بفتوى تبيح قتل المسيحيين في السلطنة العثمانية، وإذا كانت المذابح الأرمنية قد عرفت للعالم أجمع، إلا أن ما تم ذبحه من الآشوريين (السريان، الكلدان) واليونانيين يبلغ قرابة ثلاثة أرباع المليون، وهذا خلال ثلاثة سنوات من العمل بمثل هذا الفرمان. التبرير الشعبي لهذه المذابح المروعة، كان أن الأرمن يقومون بمؤامرة الغرض منها سلخ الأراضي العثمانية، وكان العرب لم يقوموا بنفس الأمر، ولكن الحقيقة أن المذبحة لم تكن الأولى التي اقترفت بحق المسيحيين، فالآشوريين، وهم شعب من كنائس مختلفة (شرقية، كاثوليكية، أرثوذكسية) اقترفت بحقهم مذابح مختلفة لحد أن القرن المبتدئ بعام 1836 إلى عام 1933 شهد مذابح عديدة بحقهم وهم لم يكونوا قد رفعوا مثل هذا الشعار ومنها مذابح بدرخان بك، مذابح المير محمد أمير راوندوز ومذابح 1895 وآخر مذبحة كبرى كانت في منطقة دهوك والتي عرفت بمذبحة سميل 1933 وفي هذه المذابح لم يخسر الاشوريين الأراضي والممتلكات فقط، بل خسروا مئات الآلاف من الأنفس عدا الأنفس التي اعتنقت الإسلام لخلاص الذات. ولولا هذه المذابح لكان مصير المنطقة ودور الآشوريين فيها مغايرا. من لاعب تابع في السياسية إلى لاعب رئيسي
عندما يستنكر بعض الإخوة من الكورد اتهام الآشوريين (السريان) للكورد فإن المسألة حقا تثير استغراب الآشوريين، صحيح أن الكورد كلهم لم يشاركوا في هذه المذابح، لا بل إن بعض من القيادات الكوردية استنكرتها والبعض الآخر آوى الكثير من الآشوريين أو الأرمن، وهذا كله لا ينكر. ولكن القوات التي قادها بدرخان بك ومحمد كورد والخيالة الحميدية كانت في غالبيتها من الكورد إن لم يكن كلها في بعض الحالات. ومن قام بالمذابح وتحت لافتة الإسلام في مناطق التي تواجد فيها شعبنا كان بعض جيراننا وجيراننا معروفين بالطبع. الصحيح أن الكورد لم يكونوا يمتلكون حكومة، وكان قرارهم بيد الآخرين. ولكن الأيدي الكوردية وعملية تمجيد بدرخان بك وسمكو الشكاكي ومحمد كور باعتقادنا فيها إهانة كبيرة لضحاياهم وهم هنا كل شعبنا وهذا ما لا يمكن قبوله. وفي الجانب الآخر أن هؤلاء الممجدون لم يقدموا أي إضافة للقضية الكوردية غير تلطيخها بدماء الأبرياء. وفي كل ما سبق نحن لا نتهم الشعب ولا الحكومة القائمة في إقليم كوردستان العراق. ولكن من حقنا أن يكون لنا وجهة نظر مفهومة من قبل الإخوة الكورد.
واليوم إذا تمر الذكرى الخامسة والتسعون لبدء المذابح (ابتدأت في المناطق الأرمنية ومن ثم امتدت إلى بقية المناطق) فإن الجميع مطالب بفتح صفحة جديدة لبناء المنطقة. وهذه الصفحة لن تنفتح إلا باعتراف الجناة أو من خلفهم في إدارة المنطقة بما تم بالفعل. وليس إعطاء تبريرات لتخفيف الألم والشعور بالمذلة التي يشعرها لحد الآن أبناء الضحايا وكلنا أبناء لهؤلاء الضحايا. إننا كآشوريين نعاني من تهميش دورنا السياسي ومن حق شعبنا المشاركة في صناعة قرار بلدنا في كل من تركيا والعراق وسوريا. اما الغاء هذا الحق بحجة كوننا أقلية عددية رغم تمايزنا القومي، فلا يسأل أي واحد من كان سبب تحولنا إلى أقلية. فإذا كان وريث الجاني يعتبر نفسه أكثرية وباسم هذه الأكثرية يريد أن يدير ويفتي ويشرع. وهو يتمتع بهذه الكثرة لان اجداده شاركوا أو كانوا أداة جعلنا أقلية. فلنا أن نتساءل، هل بقاء الآشوريين مهمشين بهذه الصورة في وطنهم بيت نهرين (سوريا والعراق وتركيا) فيه ذرة من العدالة الإنسانية؟ أن كل ما فيه هو تذكيرهم بان من قتلهم لم يستولي على أراضي الضحايا وممتلكاتهم ونساءهم وبناتهم في بعض الأحوال فقط، بل إن ورثتهم يمتهنون كرامة أحفاد الضحايا في تعييريهم بكونهم الأقلية. بالطبع الكلام السابق لا يشمل الإخوة الكورد بل يشمل الأتراك في تركيا والعرب في العراق وسوريا والأذريين في إيران.
صحيح أن الدول لا يبنيها التاريخ، ولكن الأصح أن ما حدث في التاريخ قد يترك دمل وجراح لا تشفى في ظل نكران الجاني ومحاولة تبرير فعلته أو اشتراط اعتراف البعيد والمحتل، لكي يعترف هو؟ أننا اذ نبحث في التاريخ ليس لنكء الجراح ولكن لتصحيح المسار الخاطئ. ويجب ورغم ضعف الآشوريين الحالي أن لا يعتقد أحد من الناس أنهم في طور النسيان. بل بالعكس أن الكثير من التصريحات والمواقف الغير المسؤولة تنمي فيهم روح العداء وهذا ما لا نشجعه إلا أنهم بشر وهم يرون أن الأمور تزداد تعقيدا في حالتهم، فالخيار الرابح في الغالب هنا هو الخيار المتطرف. وليس الخيار العقلاني الذي يدرك أن أي صراع حتى وإن كان من خلال المناقشات وخلق الحزازيات لن يفيد أحد. إن شعوب المنطقة كلها تعيش وضعا متفجرا، فليس لديها أفق منفتح للمستقبل، ويمكن القول إن أفقها داخل كل شعب هو المزيد من التزمت القومي والديني ومنح مصيرها بيد هذه التوجهات. مما ينعكس على العلاقات في ما بينها. إن المطلوب ليس تجريم الشعوب بالتأكيد، ولكن المطلوب خلق حركة نقدية لتاريخ المنقطة ولتاريخ كل شعب من داخله، فهل يمكننا الاستفادة من المؤرخين الإسرائيليين الجدد؟
من الواضح أن الكورد كمثال لم يعانوا تاريخيا من العرب، سوى في الفترات الأخيرة (أنفال كنموذج صارخ لمحاولة الإبادة، التي قادها النظام الصدامي ضدهم) ، فمعاناتهم الكبرى كانت مع الأتراك.ولكن من الواضح أن العلاقات العربية الكوردية وعلى المستوى الشعبي تكاد أن تكون في الحضيض. ونظرة واحدة للتعليقات المتبادلة في إي نقاش يطرح في منتديات النقاش سترينا ذلك. إن سبب ذلك هو بالتأكيد استلام أطراف متزمتة قوميا وغير متفهمة لمخاوف ومعاناة الآخر. عدى فقدان الحوار والتواصل الموضوعي بين الجهات الفاعلة أن وجدت خارج إطار المصالح السياسية. فنسيان فرنسا لما اقترفته ألمانيا لم يأتي بسلام بين ديغول واديناور، بل شمل حوارا معمقا ونقدا ذاتيا مارسته الأطراف المختلفة. لحين الوصول إلى حالة تعايش سليمة مكنت البلدين من قيادة أوربا إلى وحدتها الحالية. فهل سنرى حركة نقد تاريخية من داخل كل شعب لتاريخه الحديث ولمستوى علاقاته من جيرانه، أم أن كل شعب سيعتبر نفسه فوق النقد والآخرين هم الشياطين؟
1 مايو 2010 ايلاف
قرن من المذابح، الا تكفي؟
في خريف عام 1914 اصدر مفتي الديار العثمانية فتوى بجواز قتل الكفار. وفي نيسان 1915 بدأت الحملة الحكومية الرسمية لتصفية تركيا من الكفار. وابتدأت المذبحة البشعة بقتل المسيحيين اينما كانوا، في استانة او غيرها من الاراضي التركية من الحدود التركية الفارسية والى مناطق الاوربية. راح ضحيتها اكثرمن مليون ارمني وسبعمائة وخمسون الف اشوري ومائة الف يوناني. هذه المذبحة بالنسبة لشعبنا تعتبر من المذابح الكبرى التي تعرض لها. وهي محاولة استئصال شعب، ليس من اراضيه بل من الوجود. يذكر التاريخ القريب مذبحة بدرخان بك التي كلفت شعبنا حوالي اربعون الف شخص ومذابح محمد كور الراوندوزي التي كلفت شعبنا بحدود عشرة الاف من الضحايا ومذابح 1895_1905 متنقلة وفي عدة مناطق ومن ثم مذبحة سميل 1933 والتي قام بها الجيش العراقي بامر من الحكومة العراقية ومذبحة صورية لعام 1969. قدمنا ضحايا اخرى في الانفال بحدود مائة وخمسون فرد من قرى نيروا وريكان وكاني بلاف وباز وكوندي كوسا وغيرها من القرى.
في اغلب هذه المذابح، تم ذبحنا على اساس الدين. لاننا كنا مسيحيين، وليس لعوامل سياسية او مخاطر انية. وليس لتحقيق طموحات قومية نحن كنا عائقا فيها. فشعبنا وقياداته وخلال الازمنة الاخيرة كان يعي الواقع ويدرك انه محاط ببحيرة اسلامية. هويتها وشعارها الاساس مستمد من الدين والاخوة عندهم ليست في الوطن بل في الدين. اي لم يكن هناك مفهوم للوطن، في الذهنية الاسلامية حينذاك ولحد الان على نطاق واسع في التوجهات الدينية. وليس بخاف ما قاله قبل سنوات مرشد الاخوان المسلمين (المصري) من انه يفضل مسلم من ماليزيا ليحكمه عن المسيحي المصري!!
يحاول البعض اتهام قيادات شعبنا بانها جرت الشعب الى مغامرة لتحقيق طموحها في الزعامة. متناسيا اصلا ان قيادة شعبنا وبالمفهوم العثماني التقليدي كانت هي الزعامة اصلا. ومتناسيا ان ابناء شعبنا من الطائفة السريانية والكلدانية اصابهم عين الامر الذي اصاب اتباع الكنيسة الشرقية. لا بل ان ابناء الكنيسة السريانية تم القضاء على حوالي الثمانون بالمائة من اتباعها في مناطق تركيا الحالية. كما ان ابرشيات كاملة للكنيسة الكلدانية ابيدت عن بكرة ابيها. وهذا حدث قبل ان يتحرك شعبنا في منطقة حكارى، وكان انين القتلى والسبي من مناطق تركيا الحالية يصلهم.
نعم كل الدلائل تقول ان شعبنا وبكل طوائفه كان يستشعر ما يحدث للطرف الاخر ويسمع انينه، ولكنه لم يكن قادرا على اتخاذ موقف المساند. وذلك لاختلاف القيادات ولانه كان منقسما بفعل كونه جزر منفصلة يفصل بينهم الكورد. وبفعل العامل الديني الطاغي كان الكورد قد اشتركوا وساندوا ودعموا المخطط العثماني، في الضغط المستمر على المسيحيين الكفرة. وكان هناك تشجيع مستمر لدفع المسلمين للانتقام من المسيحيين جراء اي خسارة تتكبدها الدولة العثمانية على حدودها الغربية والشمالية منذ منتصف القرن الثامن عشر. ورغم ان السلطات العثمانية كانت تدرك وتعلم ان المسيحية لا تلعب اي دور في السياسية الاوربية، بدليل انها كانت معبئة بالمستشاريين الالمان والفرنسيين، الذين كانوا يساندون العثمانيين في تطوير قدرارتهم التسليحية والعلمية. الا ان هذه الدولة اصرت على اعتبار ما يحدث هو حرب بين الاسلام والمسيحية ليس الا. ان بث مثل ذلك ساعد في الهاب المشاعر لدى الطبقات الفقيرة والامية للانتقام ولسبي النساء والفتياة ولاخذ الاسلاب والممتلكات التي كانت بحوز المسيحيين السكان الاصليين لهذه المناطق. فكان شائعا انه يمكن ان تقتل لاجل قميص ترتديه حتى منتصف الخمسينيات القرن الماضي فكيف ونحن نتكلم عن اوائله. ولذا فان اثارة طمع الفقراء بممتلكات المسيحيين كان احد الطرق لنشر ولتوسيع رقعة القتل.
رغم كل المحاولات لابادة شعبنا من الوجود، فشعبنا لايزال موجودا، ولا يزال رافعا اصبعه في اعين سالبي حقوقه. وبالفم الملان يقول هذه كانت لي، ويجب ان يعود الحق لاهله. والطواغيت بدأو لايجاد المبررات. فنحن هنا لسنا هواة انتقام بل طالبين العدالة. وما لم تتحقق العدالة فلن تنام عين اشورية. اليوم تمر تسعة وتسعون سنة على المذبحة التي راح ضحيتها نصف شعبنا، في جبال حكاري وطور عابدين في ماردين ومديات في القرى وسهول اورميا، في الطريق الى بعقوبة، جثث ابناء شعبنا كانت مرمية، ليس لسبب، بل لانهم ولدوا وهم مسيحيين، وكل من تمكن من اداء شهادة لا اله الا الله ومحمد رسول الله انقذ رقبته ولكن خسر وجوده السابق. وتحول الى ذئب لينهش في القطيع. تعذروني اخوتي ولكن هل يمكن وصف ما تم من بقر بطون النساء الحوامل والتلذذ باغتصاب النساء والفتياة الصغيرات وقتل المجاميع بطرق مختلفة من السحل وتجريب كم رجل تقتل طلقة واحدة وصلب النساء عاريات بغير ذلك. ومن هرب مات جوعا او عطشا في البوادي، اكلوا الجيفة ولحم الموتى وشربوا الدم لكي يستمروا في الحياة. وهل يمكن ان تنسى كل هذه الاهوال دون عدالة وبلا تبرير.
نتذكر ليتذكر المستفيدون من ما فعله الاجداد. وليتذكر العالم الابادة المنسية. نتذكر لنعيد الهمة ولنطالب بما هو لنا، نطالب بضمان حقنا في الوجود كامة فاعلة تدير نفسها بنفسها ووفق قوانينها. نطالب بالاعتذار عن كل ما اقترفته السلطنة العثمانية من وريثتها تركيا وبالتعويض المادي والمعنوي عن شهداءنا وممتلكاتنا. نطالب بكل من شارك بهذه المذابح التي يندي لها الجبين، بالاعتذار مقرونا بالافعال. نطالب بان تدرس المذبحة لكل الاطفال ومن مختلف القوميات، لكي تكون درسا ولكي لا تتكرر. نطالب بان تكون المذبحة يوما للتذكير الجماعي بالافعال الخسيسة والاعمال الدنيئة وبالدعوة الى التفكير في الاخر وقبول الاخر والتضحية من اجل حقه في الوجود. نطالب بتطوير المنهاج الدراسي والاعلام لكي نبني مجتمعا متعدد الثقافات وعابر للقومية المتعصبة والدين المسيطر والعشائرية المقسمة للمجتمع والفارضة لقوانينها التي تخالف قوانين الدولة المدنية، دولة المواطنة. شعبنا يستحق ان يتمتع كبقية الشعوب بكل الحقوق، ولا ينتقص من هذه الحقوق عدده الذي كان الجيران سببا في نقصانه، ولذا فان قيام الجوار بالتكفير عن ما فعلوه في الماضي امر مطلوب لبناء ارضية التسامح والتعايش
24 نيسان 2014 عنكاوا
أن نسامح نعم .. أن ننسى لا، أبداً
منذ بداية هذه السنة 2015 بدأت النشاطات المختلفة وفي مختلف بقاع العالم للتذكير بالمذابح التي اقترفت بحق الاشوريين خلال الحرب العالمية الاولى والتي سميت بسيفو اي السيفا وقطلعما اي ابادة الشعب، مذابح ابتدأت منذ 12 تشرين الثاني عام 1914 عندما اعلن السلطان محمد الخامس الجهاد والانظمام الى المحور وتاييد ذلك من خلال فتوى شيخ الاسلام بالجهاد ضد الكفار، واستمرت حتى نهاية الحرب في عام 1918. ذهب ضحيتها وحسب الارقام المتداولة (مليون ونصف المليون من الارمن، سبعمائة وخمسون الف اشوري (سريان وكلدان ونساطرة) ومائة الف يوناني. ترمي النشاطات من اجل تذكير العالم بهذه المذابح البشعة التي اقترفت ضد ابناء شعبنا وتركته عاجزا لعقود طويلة عن لملمة جراحه، لا بل تركته اقلية غير قادرة على المطالبة وتحقيق حقوقها المشروعة. ان النشاطات السياسية والاعلامية والجماهيرية ترمي الى نيل الاعتراف بحق شعبنا الواضح بما لحق به، وضرورة معالجة الاثار السياسية على الاقل لما حدث، وحقه في نيل اعتذار رسمي عما لحق بحقه، من قبل من يدعي تمثيل استمرارية السلطة والدولة المسؤولة عن حملات الابادة الجماعية.
مار بنيامين شمعون يطريرك كنيشة المشرق، تم اغتياله اثناء الاحداث
ليس من السهل تحمل وزر الظلم والاجحاف الذي لحق بشعبنا، هذا اعتراف قد يكون مقلوبا وغير مفهوم لدى البعض، ولكن الضحية تشعر بثقل الالم المستمر لما لحق بها، وحينما لا تجد منافذ للتنفيس عن الامها او معالجة اثار الالام حينها يتحول الامر الى مرض يستعصى معالجته، مرض قد يتحول الى كره للعالم كله، لانه لم يحاول ان يمد يد المساعدة لمن احتاجها ولا يزال يحتاجها، لكي يعبر الطريق المظلم الذي وضع فيه. ولتوضيح بعض امثلة المعاناة اليومية وعلى مستوى الشعب ومطالبه بالخصوص، اطرح مثال يتم تعييرنا، كلما طالبنا بحقنا في المشاركة في تقرير مصير بلدنا، باننا اقلية، يا ترى لو لم يكونوا قد قتلوا هذا العدد من ابناء شعبنا خلال هذه المذابح والمذابح التي سبقتها والتي تلتها، هل كانوا يتمكنون من تعييرنا هكذا؟ والمرارة تكون اشد حينما يعيرك من شارك اباءه او اجداده في قتل شعبك بهذا الامر، دون ان يرف له جفن، اي نعم في الحوار الجانبي قد يقر شخص ما بان ما حدث كان جريمة، وقد يبرره بان الدافع كان دينيا، ولكن حين التطبيق على الارض يتم محاسبتك وتفصيل حقوقك على اساس انك اقلية، هل تدركون مدى الالم الذي يمكن ان يستشعره الانسان حينها؟
نحن ندرك ان لا معنى ابدا للانتقام حتى لو قدرنا عليه، لانه لن يعيد لنا قتلانا ولا يضاعف اعدادنا، ولكننا نرمي الى الحصول على العدالة، التي تقول اي نعم لقد تعرضتم ظلما لكل هذا ولتفادي استمرار ذلك ومعالجة اثاره، نتشارك جميعا معكم في وضع اساس قانوني يحميكم من غول وشره الاكثريات التي بين الحين والاخر تستل سيف الايديولوجية الدينية وترميه في وجوهكم مهددين وجودكم. هل هذا كثير، سؤال اوجهه للعالم كله عالم القرن الواحد والعشرو ن. ولعل الاحداث خلال السنوات الاخيرة في العراق وسوريا وغيرها من المناطق وما احاط الاشوريين والازيديين خير دليل على ما اقول.
يا ترى هل كان هناك مبرر للهمجية هذه، لهذا القتل المجاني، لهذه الابادة المجنونة، اذا كان يحق لنا ان نسأل حقا عن مبرر، لمثل هذه الممارسات التي لا تبرير لها؟ الحقيقة المؤلمة ان ان المدافعين عن موقف السلطنة ومن شاركها من العشائر، يحاول اما نفي احتمال قتل هذا العدد الكبير من الناس، اي بمعنى انهم يشككون في العدد، وهذا يذكرني بما قاله حسن عبد المجيد وزير الدفاع العراقي في زمن صدام حينما قال وهو يفند دعوة الكورد بانهم قتلوا منهم في الانفال مائة وثمانون الف انسان، قال ولماذا هذا التضخيم ان القتلى لا يتجاوزون المائة الف! اي ان المهم ليس القتل بل العدد، ولكن يتناسى الكل ان القتل هو جريمة تحرمها كل الشرائع الدينية والارضية، اما البعض الاخر فيحاول الايحاء ان الارمن كانوا يتأمرون على السلطنة، متناسين انه لا يمكن ان ينضم شعب كامل في مؤامرة بهذه الضخامة، وانه لا يمكن ان يتم قتل كل هذه الاعداد لهذا السبب، وان السلطنة لم تكن من ممتلكاتهم بل كان الارمن والاخرين شركاء و اصحاب ارض وكانوا مهانون ومظلومون ومن حقهم البحث عن حقوقهم، ولكن ماذا عن الاشوريين وعن اليونان، ماذا عن الحملات الابادة على الازيدية والتي تجاوزت السبعين حملة، ولماذا لم يلاقي العرب نفس الامر وهم كانوا يتامرون علنا. اذا كل محاولات التبرير تبقى واهية عن هول المذبحة البشرية التي اقترفت بحق بعض الشعوب الاصيلة لهذه المنطقة، بل تبقى هناك اسباب ايديولوجية وتعاليم دينية تحث وتسمح بذلك.
29 كانون الثاني 2015 ايلاف
سميل الرمز الابدي لاضطهاد الاشوريين
سميل بلدة صغيرة، تبعد عن مدينة دهوك بحوالي 15 كلم، في هذه البلدة وبلدات أخرى وفي الطرقات وكل مكان طالته يد الاجرام، اقترفت جريمة بشعة، من قتل وبقر بطون النساء وسحل الناس خلف السيارات والعربات، وكان اخر مشهد في هذه الجريمة عندما خير الناس ان يعبروا واديا ووقف الجنود على جانب وحينما هرب الناس ونزلوا الوادي وصعدوا على الطرف المقابل لكي يخلصوا انفسهم. تم رشقهم برشقات متتالية من الرشاشات، حتى تم ابادتهم كلهم. وكل القتلى الرجال في هذه الجرائم المتتالية لم يكونوت مسلحين. تتفاوت تقديرات عدد الشهداء، بين ثلاثة الاف وخمسة الاف ، حيث لم يتم احصاءها لان هناك عوائل كاملة ابيدت، ولان الناس لم تفكر بالاحصاء بل بلملمة الجراح والهرب. وهجر الالاف العراق جراء ذلك. ليست سميل اكبر مذابح الاشوريين، فهناك مذابح الحرب العالمية الأولى او كما عرفت شعبيا بسفر بلك او سيفو، حيث فقد الاشوريون بكل طوائفهم ما يقارب السبعمائة وخمسون الف نسمة، وهناك مذابح بدرخان بك ومذابح محمد كور الراوندوزي ومذابح 1895 و1905. وكلها فقد فيها الاشوريين اكثر مما فقدوه في سميل، ولكن سميل اقترنت حقيقة بأمور جعلتها ترتقي الى الإبادة الشاملة بالتخطيط المسبق واوامر حكومية واضحة واعلام محرض. ودولة في عصبة الأمم موقعة على تعهدات بحماية ومنح الحقوق الكاملة للأقليات المتواجدة فيها.
ومن ناحية التخطيط فهناك برقيات حكومية واضحة بإعلان الجهاد ضد الاشوريين او الاثوريين الكفرة. وهناك مئات المقالات التي نشرت في الصحف العراقية خلال الشهر الذي سبق المذبحة والتي كانت تدعوا الى القضاء على فتنة الاثوريين. وتم اغراء العرب والكورد بدفع مبلغ مالي مقابل كل راس اثوري، والسماح للقتلة بالاحتفاظ بالمسروقات التي يستولون عليها. مما يؤكد التخطيط المسبق من قبل الدولة للتخلص من القضية الاشورية، باقتراف مذابح بحقهم. ومما يثبت ذلك أيضا قيام الحكومة بمنح الاوسمة والاحتفاء بالقادة المشاركين في هذه المذابح، وكان احدهم بكر صدقي الذي تغني به العراقيون لحين استيلاءه على الحكم من خلف الستار، بعد انقلاب القصر في عام 1936.
فبعد اقل من سنة، من اعلان استقلال العراق، وتأكيده ضمان حقوق الأقليات. يتم زج الجيش العراقي الضعيف في ابشع جريمة يقترفها جيش نظامي، ضد اقلية عراقية. كانت الأولى التي دافعت عن الحدود العراقية الشمالية الشرقية وتمكنت من اخراج الاتراك من قضاء راوندوز. والجريمة اثبتت ان الحكومة العراقية لم تعر اي اهمية لمخاوف الاشوريين واثبتت الكثير من حكومات المنطقة، انهم لا يعيرون أي أهمية للمواثيق والعقود التي يوقعون عليها. لقد ضم مجلس الوزراء العراقي، الذي اقر اقتراف الجريمة ، كل من رشيد عالي الكيلاني رئيس الوزراء، والوزراء حكمت سليمان وزير الداخلية، وياسين الهاشمي وزير المالية، ونوري سعيد وزير الشؤون الخارجية ومحمد زكي وزير العدل وجلال بابان وزير الدفاع ورستم حيدر وزير المواصلات وسيد عبد المهدي (وهو والد السياسي العراقي الحالي عادل عبد المهدي) وزير المعارف. لقد كان هؤلاء الوزراء في غالبيتهم ممن عاشوا وترعرعوا في العهد العثماني. حيث ترسخت لديهم الفكرة الطائفية وتقسيم الناس وحقوقهم على أساس انتماءاتهم الدينية. كانت تبعات المذبحة اشوريا، الانزواء فترة طويلة عن المشاركة في العمل السياسي العراقي، والسكوت عن المطالبة بالحقوق القومية السليبة. فالأشوريين كانوا الارفع صوتا في تحديد والمطالبة بالمطالب القومية بعد الكورد. ولكن مشكاة الاشوريين كانت مسيحيتهم، التي جعلت الفئات المتحكمة تنظر اليهم على انهم كفرة يحق قتلهم. ما لم يرتضوا الاحسان المقدم لهم بتركهم على قيد الحياة في ارض الإسلام.
عراقيا، ما حدث في سميل وجوارها من الجرائم البشعة، صار امرا عاديا في الممارسة العراقية وفي تصفية الخلافات السياسية وفي الاعتداء الممنهج على الاخرين. فبكر صدقي الذي ارتقى الى منصب رئيس اركان الجيش لبلائه الحسن في قتل الاشوريين. قام بفرض رئيس وزراء و وزراء ممن يوالون أفكاره في ما سمي بانقلاب القصر. حتى قام احد الناشطين القوميين العرب بقتله. ليس لجرائمه في سميل بل، لاعتقادهم انه يجر العراق بعيدا عن العرب. وهنا اتى مرة أخرى رشيد عالي الكيلاني، الذي كان احد المخططين والداعمين للقضاء على الاشوريين. وما حدث بعدها من اسقاطه والقاء القبض على العقداء الأربعة واعدامهم. وتلاها الفرهود الذي طال اليهود، ولعل القضاء على العائلة المالكة وبعض السياسيين في العهد الملكي بسحل جثثهم، وحروب الرفاق في الموصل وكركوك، كلها أتت تمثلا بما جرى في سميل. فان قام الانسان مرة بجريمة ولم يعاقب عليها، فانه سيكررها مرارا، بل ستتحول الممارسة الى سابقة يتم البناء عليها عمليا لان الجاني سيدرك ان العقاب لن يطاله. يمكن القول ان العقاب الوحيد، كان، ان اي خلاف بين الأطراف المتصارعة، كان يتحول الى انتقام احداها من الأخرى كأسرع وسيلة للتخلص من ذلك الخلاف. عراقيا، عندما سكت الجميع عن ما حدث في سميل، سمحوا بالفرهود للمرور، وبالسحل وبالانفال وبالحلبجة وبحرب ايران والكويت. لقد تلطخت ايادي الجيش العراقي، كمؤسسة، بدماء الاشوريين، فسهل لهذه المؤسسة الشوفينية، ان تنقلب على الحكم مرارا، وسهل لها ان تدخل كطرف في الحرب الاهلية وسهل لها ان تكون يد الأنظمة وليس سياج الوطن. لقد قام الجيش الذي بنى باموال العراقيين كلهم، بقتل العراقيين، مرة بحجة انهم كفرة، ومرة بحجة ان النظام عميل ورجعي، ومرة بحجة ان الكورد عملاء الصهيونية. فاين كان الجيش العراقي كل هذه الفترة. نحن لم نشاهد جيشا عراقيا، لانه لم يقم بصد أي عدوان على العراق. وبالحقيقة انه لم يحدث مثل هذا العدوان، بل كان أداة للعدوان على الاخرين مثال الحرب على ايران واحتلال الكويت وداخليا تحول الى أداة قمع وقتل والحل الحاسم لكل المشاكل.
سميل صرخة اشورية مدوية، في وجه الكل، العراق وجيشه، العرب والكورد والمؤسسات الدولية كافة، صرخة تقول، شعب لم يلجأ لأي خيار، غير خيار تقديم العرائض والرسائل، للنظر في مظلوميته، ولكنه قوبل بالقتل والسحل والسبي والاغتصاب من قبل مؤسسة كانت موكلة بالدفاع عن الوطن وعن أبناء الوطن. علما ان الاشوريين لم يكونوا الوحيدون ممن قدموا العرائض، بل كان الكورد والازيدية وحتى الشيعة العرب.
ومن ملاحظة الاحداث التاريخية للأشوريين، فان جل شهدائهم، لم يكونوا نتيجة معارك خاضوها، بل جراء جرائم تم اقترافها بحقهم. حيث هوجموا في قراهم ومساكنهم ومراعيهم وتم ابادتهم وفي الغالب من قبل جيرانهم. كما لا يمكن وصف ما تم اقترافه بحقهم على انه صراع عشائري بين عشيرتين، لانه كان زحفا يضم تحالفات واسعة في الغالب، ضد الاشوريين وفي الغالب ضد المسيحيين بحجة انهم كفرة. لقد تم دفع الاشوريين للدفاع عن انفسهم في الحرب الكونية الأولى حينما شاهدوا بام اعينهم الأرمن يتم ذبحهم بلا رأفة. وانتقال القتل والذبح الى مناطقهم الغربية وخصوصا اتباع الكنيسة السريانية وكل من يسكن تلك المناطق. ولم يكن امامهم أي مفر اما الاستسلام ونتيجته معروفة وواضحة في مصير الأرمن والاشوريين في مناطق مثل ديار بكر ومديات ومناطق منعزلة أخرى، حيث تم إبادة الالاف. ولذا دافع الاشوريين ببسالة وحاربوا القوى العثمانية رغم امكانياتهم الضعيفة. الا انهم في النهاية أيضا انكسروا نتيجة تزايد الضغط عليهم من مختلف الاتجاهات.
في سميل واحداثها، كان راي الاشوريين دراسة مقترحات الحكومة في مشروع الإسكان المقترح. كان الاشوريين يتكلمون وهم يحملون كما هائلا من الخبرات الماضية عن التعايش بينهم وبين الكورد. فلذا أرادوا صيانة ذاتهم من أي احتمال مماثل لما حدث سابقا. من اجتياحات كوردية متتالية عليهم. ولكن الحكام العراق الجلاف والذين في غالبيتهم كانوا خريجي المدارس العسكرية العثمانية او كتاتيب المساجد. كانوا يجدون صعوبة في هضم ان يقوم مسيحي بطرح مطالب ويناقش ويحاول ان يستحصل على حقوقه. كان الاشوري لدى حكام العراق شيء غريب، مسيحي من نوع اخر، لا يطأطئ الراس ولا يخاف، يرد الاذية فورا، وهذا لم يكن مقبولا، لانهم كانوا قد تعلموا ان المسيحيين ليسوا سوى حملة المناشف على اكتافهم لكي يأتي العربان ويمسحوا اياديهم بعد انتهاءهم من الاكل او الوضوء. فكان الامر بكسر شوكة الاشوريين والازيدية، ومن ثم انسحب الامر تدريجيا على الجميع.
ذاكرة العراق المثقوبة!
سميل الضحية المنسية
في مثل هذه الايام وقبل اربعة وسبعين عاما، وفي مناطق مختلفة تبتدأ الاحداث بالقرب من قرية ديرابون الاشورية الواقعة قرب دجلة من ناحية زاخو وتستمر الى سميل بالقرب من دهوك ووادي الوكا ولا تنتهي الا في الموصل. وبالاحرى تبتدئ في عقول بعض قادة العراق امثال رشيد عالي الكيلاني وياسين الهاشمي، وتنفذ من قبل رئيس الاركان العراقي بكر صدقي الذي منح الانواط والاوسمة لما جنته يداه ولما اقترفه الجيش المؤتمر بامره في ما اعتبر اول عمل بطولي وطني يذكر للجيش العراقي.
الحادث باختصار، خلاف سياسي عادي حول الموقف من الاسكان، خلاف لا يريد احد ان يحله او يتفهمه. خلاف نتيجته يقول امر لواء الموصل حينذاك وفي اجتماع عام مع المختلفين، اللي ما يعجبه خلي يطلع من العراق. ونتيجته كانت خروج بضع مئات من رجال العشائر الاشورية الى سورية. وجراء المراسلات بين الحكومة العراقية والفرنسية المنتدبة على سورية يتم الطلب من هؤلاء الرجال العودة من حيث اتوا. وان الحكومة العراقية قد وعدت بعدم المساس بهم. وفي طريق عودتهم وهم يعبرون نهر دجلة. يتم رشقهم بالرصاص من قبل الجيش العراقي، الذي كان مستعدا وحاضرا لهذا العمل. فيقوم العابرون بالدفاع عن انفسهم، دفاع من يدرك ان ليس امامه اي خيار فاما الموت او الحياة،. فكانت هزيمة للجيش العراقي امام عدد قليل من رجال لا يحملون الا بنادق قديمة تعود الى مخلفات الحرب العالمية الاولى. هزيمة نكراء لرجال جبناء ما جمعهم الا حقد زرعه فيهم سياسين تربوا على الكره والحقد لكل ما يخالف رؤيتهم للعالم.
كان سياسي العراق من خريجي المدارس العثمانية تلك المدارس التي كانت تقسم العالم الى قسمين قسم دار الاسلام والاخر دار للحرب. مدرسة كانت تنتقم من مواطنيها المسيحيين لكل خسارة تحيق بها في ساحات المعارك،. فكان مواطنوها المسلمون بدفع من السياسيين والعسكريين ورجال الدين يفتكون بالمواطنين المسيحيين وخصوصا في المناطق الجبلية العصية والبعيدة عن الانظار والمسامع. من هذه المدرسة وفيها تخرج رشيد عالي الكيلاني وبكر صدقي وياسين الهاشمي، فكانت مطالب الاشوريين ببعض الامور التي اعتقدوها حقا مثلهم مثل غيرهم، شرارة انشاء الحكم الوطني العراقي على القتل والمذابح التي يندي لها جبين البشرية.
في مثل هذه الايام كانت الصحافة العراقية وعلى قلتها وعدم صدروها بشكل يومي تنشر اكثر من مائة مقالة تهاجم الاشوريين (الاثوريين) وتصفهم بابشع الصفات والنعوت،. فمن اذناب الاستعمار، هذا الاستعمار الذي كان يملاء الوزرات العراقية كمستشاريين وخبراء الى الكفرة وناكري الجميل. (نفس الكفرة هم اول من دافع عن حدود العراق في منطقة راوندوز عندما اجتاحتها القوات التركية في العشرينات اي قبل المذبحة بعدة سنوات، ومن على دينهم كانوا يزودون العراق بالاموال والمساعدات وهذه وتلك ما كانت من الكفرة)
لقد تم شحن النفوس بالبغض والكره والحقد لمجرد مطالب كان يطالب مثلها ويتمتع بها روؤساء عشائر من العرب والاكراد. لقد طالبوا باسكانهم في مناطق متقاربة وان يتم بناء المدارس والمستشفيات في مناطقهم. وان يتم مخاطبتهم من خلال رئيسهم الروحي كما كان يجري مع الاخرين. لقد المحوا كثيرا ان المناطق المخصصة لهم موبوءة بالملاريا وانها متباعدة عن بعضها البعض. هولاء الناس كانوا قد خرجوا من مذابح متتالية، ولم يكن يريد احد سماعهم. فقبل عام 1933 باقل من مئة سنة تعرضوا الى اربعة مذابح كبرى وهي مذابح 1936 و1943 و1895 والمذبحة الكبرى من عام 1914 الى 1917 والتي فقدوا فيها ثلث عددهم. ما كان احد يريد سماعهم والتعاطف مع مخاوفهم او تفهمها على الاقل. لقد شعر الاشوريين وكأنهم محشوريين بين فكي الرحى. يذهب قائدهم الى بغداد فيتم وضعه تحت الاقامة الجبرية ويطلب منه توقيع خطة لم يقرءها او يطلع عليها. وفي الموصل يفرض عليهم اما القبول او مغادرة العراق. وعندما يغادرون تقول الحكومة انهم غادروا بمحض ارادتهم،. انها ارادة الاقوياء وهكذا يفرض عليهم العودة الى العراق. وتعطي الحكومة وعدا بعدم المساس بهم، ولكنها تأمر الجيش بالاقتناص منهم عندما بدؤوا بعبور نهر الدجلة،. فيكمن لهم الجيش ليقتنص منهم ويقتل اكبر عدد في نقطة لا يمكنهم الدفاع فيها عن انفسهم. ولكن الضعفاء المتعبين يتحولون الى كتلة من الارادة الصلبة للدفاع عن ذواتهم. وكانت الحكومة قد سبقت كل ذلك باصدار اوامر بالجهاد ضد الاثوريين (الاشوريين) وبعد ان خسر الجيش ماء وجهه. لم يتمكن الا من الانتقام من العوائل، بعض عوائل المقاتلين التي بقت وتجمعت في قرية سميل مع غيرها من الاشوريين من سكنة سميل،. والتي قالت مصادر الحكومة ان رفعهم للعلم العراقي وتسليم اي سلاح لهم سيجعلهم تحت حماية الحكومة. وهكذا عاد الجيش الخائب المهزوم الى سميل ليجمع النساء والاطفال والشيوخ ليصليهم بصليات من رشاشاتهم وليفتكوا بمن لم تصبه الطلقات بخناجر بنادقهم وليغتصبوا الفتيات والنساء الباقيات قبل ان يقتلوهن. وبدأ تطبيق امر الجهاد بجلب الاشوريين من دهوك ومن اي منطقة كا يشاهد اي منهم منفردا او بمجموعات صغيرة ليجلب ويتم سوقه الى جسر الوكة وهناك امروهم بصعود الوادي من الجهة الاخرى، وبعد ان صعد العشرات الوادي وفي منتصف مسافة الصعود تم قتلهم عن بكرة ابيهم .مع ضحكات هستيرية من قبل الجنود المدججين بالاسلحة.
يوم السابع من شهر اب (اغسطس) اتخذ رمزا ليوم الشهيد الاشوري، يحتفل به في كل ارجاء العالم من قبل الاشوريين المشتتين جراء المذابح والاضطهاد والتمييز العرقي والديني. فصار العالم موطنهم، ويتم تعيير هم بقلة عددهم. دون ان يلتفت شخص الى من كان سببا لهذه القلة؟، عشرة الاف، اربعين الف، اكثر من خمسة الالاف، اكثر من نصف مليون، ما يقارب الخمسة الالاف، هذه اعداد لقتلى فقط في المذابح المذكورة في فقرة سابقة من هذه المقالة. ناهيك عن من غير دينه خوفا ورعبا طلبا للخلاص، او من فقد ولا يعرف له اثر. لو كانوا قد بقوا اما كنا اليوم نقارب جيراننا في العدد؟ لقد كانت سياسات الحكومات المتعاقبة سببا لمصائب وويلات كثيرة اصابت شعبنا الاشوري. واليوم يتم تجاهله وتجاهل ما تعرض له بحجة قلة عدده،. اليوم الذاكرة العراقية خالية من ذكر هذه المذبحة البشعة والتي كانت فاتحة اعمال الجيش العراقي. وتلتها قمع العشائر واول انقلاب عسكري، وحركة بارزان و14 تموز وقمع الكورد وتدمير القرى والانقلاب الاسود في 8 شباط وعودة البعث وكل حروبه ومجازره في حلبجة واعادة تدمير القرى مرة اخرى وانفاله ومقابره الجماعية وحروبه مع ايران والكويت،. كلها حدثت لان الجميع صمت عن ما حدث في سميل، فصار الجيش اداة قمع للكل. وادار سلاحه نحو الجميع .لان الجمع ترك الاشوريين لمصيرهم ولم يخرج لهم من حليف رغم انهم كانوا طلاب حق وعدل، فدارت الدائرة على الكل، والسلاح الذي قتلهم، تحول الى غيرهم.
الذاكرة العراقية المثقوبة، مع الاسف تنخر ما لا يراد سماعه واعلامه،. وكان مقتل الاخرين عار ومقتل وذبح الاشوريين امر مسموح به او مرغوب، ويجب السكوت عنه او نسيانه. ان لم تتعلم الاجيال القادمة ما حدث في سميل فلن يمكنها ان تتعلم كيف تتسامح ،كيف تقول الحقيقة لانها كذالك، كيف تبني الوطن على اساس المواطنة الحقة.
ان محاولة تجاهل المذبحة البشعة التي خطط لها وزراء في الحكومة العراقية وبقيادة رئيس الوزراء رشيد عالي الكيلاني، وارسال برقيات اعلان الجهاد ضد الاثوريين، يعني اننا مستعدون كعراقيين لاقتراف ما حدث مرة اخرى لا بل مرات اخرى.
ان اولى اسس بناء الاوطان على اسس من العدالة والمساواة والشراكة الحقيقية ،هو التسامح الذي لن يأتي الا بعد ان يتم قول الحقيقة العارية كاملة،. انه من المؤسف له ان يتم تجاهل المآسي التي حدثت على الاشوريين من قبل الحكومات المتعاقبة و حتى الحكومة التي اتت بعد 9 نيسان في ديباجة الدستور،. وكان الاشوريون ومعاناتهم أمر آخر أو كانت معاناتهم لا تستحق الذكر لانهم صنف اخر من البشر. ومن هنا تولد اللا مساواة، ومن هنا يبتدئ التدمير في الوطن والمجتمع.