يجب ان لا تكون منى ياقو وحدها في هذه الحرب

يجب ان لا تكون منى ياقو وحدها في هذه الحرب

 

هناك ظاهرة متفشية بيننا، والبيننا هذه تعود للاشوريين، الكورد، العرب، التركمان، وتمتد الى دول الجوار بين نفس المكونات او المكونات الإضافية الأخرى. وهذه الظاهرة يمكن تسميتها بالشكوى، والقناعة التامة بعدم وجود حل لما نشتكي منه.

لم يتطور العالم ويتقدم دفعة واحدة، بل خضع لتجارب مريرة وقاسية ومؤلمة، لحين وصوله الى المرحلة التي نعيشها، ولا يزال البعض ينظر الى هذه المرحلة كمرحلة نكوص وتراجع عنما سبقها، وهذا يحدث في كل زمان ومكان.

نشر الأستاذ ابرم شبيرة مقالة في موقع عنكاوا كوم تحت عنوان (بمناسبة تسنمها رئاسة الهيئة المستقلة لحقوق الإنسان في إقليم “كوردستان” – العراق   الدكتورة منى ياقو… نظرة مقارنة بين الجامعة والهيئة). وبالرغم من صحة النقاط التي أوردها في مناقشته لدور هيئة مجتمع مدني، ولكنه الظاهر كان يناقش الحالة كما هي في العالم المتقدم، حيث ان المجتمع يدعم المبادرات ويوفر المتطلبات لها، لانه يدرك ان هذه المبادرات تحقق أهدافا تخدم الجميع. وهنا نريد ان نؤكد ان نسبة جيدة من أبناء الشعب في الدول المتقدمة لها مثل هذه النظرة، وليس كل الشعب في الدول المتقدمة. وبالتالي باعتقادي ان اخذ الأمور بمراحلها وتفهم قيام الدول بتشريع قيام مثل هذه المؤسسات ودعمها من ميزانية الدولة، ولكن عن طريق البرلمان الذي يضم نظريا الفعاليات السياسية في المجتمع. هو عمل صائب. فمن ناحية ان حقوق الانسان كمثال للمناقشة، هنا ليس متجاوزا عليها من قبل السلطات الحاكمة او الأحزاب المتحكمة فقط، بل ان التجاوز يكون في الغالب من المجتمع ذاته، من تقاليده المغروسة في ثنايا التربية اليومية. ومن الأمثلة الواضحة عليها حقوق المرأة وعمليات قتل النساء، والنظرة تجاه المختلف دينيا وقوميا أي الاخر. هذه التجاوزات هي جراء التربية الاسرية في الغالب وليست تعليمات حزبية او سياسية.

نحن ندرك ان الحكومة قد ترغب في ان لا تكون يدها مغلولة، بل ان تكون حرة وغير مراقبة، وقيام الحكومات في الدول النامية بدعم هيئات المجتمع المدني هو من باب التباهي أكثر مما هو لدعم حقوق الانسان. الا ان استغلال هذا التباهي في الخروج بمقررات ونقاشات تسلط الضوء على الممارسات المنافية لحقوق الانسان، يعتبر إنجازا مطلوبا ويمكن البناء عليه.

ليس مطلوبا من شخص واحد مهما كان ان يقوم بثورة وتغيير الواقع كليا، فهذه مهمة المجتمع كله وليست حتى مهمة حزب سياسي كبير. وان عمليات التغيير الناجحة في الغالب أتت دائما من خلال المؤسسات القائمة وليس من قبل مؤسسات تمثل حالة انفلات او انقلاب في لحظة من تاريخ أي شعب. فحتى الثورة الفرنسية وما فجرته من طروحات ثورية سبقت زمنها، لم تنجح حقا في ترسيخ وقوننة ما نادت به وجعله مفهوما اجتماعيا مقبولا، الا بعد سنوات طويلة وبعد ان اصبحت قوانين شرعها برلمان شرعي وقائم وفي زمن حكومات ثار عليها الثوار أي حكومات ملكية. ونرى نموذجا اخر في الثورة الامريكية التي لا يمكن اخذها كنموذج باعتبار ان الولايات المتحدة الامريكية خرجت من تحت نير الاستعمار البريطاني وظهرت كدولة حديثة، الا ان نجاحها يعود في الغالب لانها اخذت وطورت من خلال المؤسسات التي انشأتها والتي كان لها مثيل في بريطانيا العظمى مثل البرلمان بغرفتيه.

بين ان يقوم المجتمع بدوره المفترض، وثقافته الماضوية والاسرية المنغلقة هناك بون شاسع، وهو بحاجة لتوجيه ودعم السلطة القائمة ومن يقودها وخصوصا الفئة او الأطراف المنادية بالتطوير واخذ النماذج الناجحة كمثال.

لا يمكن تحقيق كل ما نصبو اليه بجرة قلم واحدة، ولكننا بالتأكيد بحاجة الى طريق واضح وخطوات مدروسة لتحقيق وإشاعة ثقافة حقوق الاخر. وإزالة الغبن القائم على المغاير في الجنس والدين واللغة.

صحيح ان الجامعة ستخسر الدكتورة منى ياقو، الا ان مجال حقوق الانسان والدخول في دهاليز النقاشات والمعيقات سيغني ليس تجربتها الشخصية والتي نحن بحاجة اليها، بل المجتمع ومؤسساته حينما يتم رفده بدراسات ومشاريع قوانين وتسليط الضوء على مكامن التجاوزات في حقوق الانسان في إقليم كوردستان.

ان حقوق الانسان هي قيمة كونية، وليست محددة لجزء معين، وبالتالي ان شيوعها او نشرها والدفاع عنها وترسيخها من خلال قوانين سارية، وتثقيف المجتمع بها، هو خدمة للجميع. انها تخلق مجال عام يسوده قانون موحد، يشعر المنظومون في مجاله بالمساواة وهذا يعني تعزيز الثقة والحرية والكرامة الإنسانية الموحدة.

باعتقادي ان الطرق على مكامن الخلل الاجتماعي في النظرة الى حقوق الإنساني يجب ان يمنح الأولية، ليس شرطا من خلال الهيئة نفسها، ولكن من خلال التأكيد على الأحزاب السياسية والمؤسسات الأخرى مثل منظمات المجتمع المدني (نقابات الصحافة، المنظمات النسوية المهنية، الهيئات الدينية) لوجوب تثقيف المنظمين اليها لكي يستوعبوا مضامين الحقوق وما سوف تؤدي اليه من نتائج على مستوى المجتمع كله مستقبلا (خصوصا من ناحية تقليل الامراض النفسية وإبراز الابداع والقدرة على الابتكار وتقليل التجاوزات على القانون) . لا بل يستحسن ان يكون التقدم في المجال المهني وخصوصا في الأحزاب السياسية والمؤسسات القانونية مرتبطا بمدى استيعاب والايمان بهذه المضامين.

1 فكرة عن “يجب ان لا تكون منى ياقو وحدها في هذه الحرب”

  1. Id like to thank you for the efforts you have put in penning this blog. Im hoping to view the same high-grade content by you in the future as well. In truth, your creative writing abilities has encouraged me to get my very own site now 😉

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *